🌺شهيدة البحر🌺
نتحدث اليوم عن صحابية أنصارية كانت لها ولعائلتها مكانةٌ مميزةٌ عند رسول الله صلى الله وسلم عليه، أختها هي الصحابية الجليلة أم سليم الأنصارية الملقبة بالغُمَيْصَاءُ أو الرُّمَيْصَاءُ، والدة أنس ابن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخواها سُليم ابن ملحان وحرام ابن ملحان استشهدا في سبيل الله يوم بئر معونة،
زوجها الأول الصحابي الجليل عمرو بن قيس استشهد هو وولدها قيس بن عمرو في غزوة أُحد
فتزوجها الصحابي الجليل عبادة ابن الصامت أحد نقباء الإثني عشر الذين اختارهم الأنصار يوم العقبة الثانية بناء على طلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هذه العائلة الجليلة هي من أنصار المدينة المنورة، الذين تسابقوا إلى بذل الغالي والرخيص في سبيل الله تعالى ولنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أُم حرام بنت ملحان الأنصارية النجارية
كانت من علية النساء واشتهرت بالزهد والتقوى والورع.
شرح الله صدرها للإسلام بعد أن عرف الرسول صلى الله عليه وسلم بعض من القبائل القادمة من أنحاء الجزيرة العربية على الإسلام، سمعت هي وأختها آيات من القرآن الكريم فرقا قلبهما، وأسلمتا وكانتا من أوائل المسلمات
كانت شجاعة، وكانت محبة للمساهمة في نشر الإسلام، كما اتصفت رضي الله عنها بالعلم والفقه ورجاحة العقل
عرفت أم حرام بكرمها وطيبتها حيث كان بيتها من أحسن البيوت وأحبها إلى قلبه النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاء في موطأ مالك عن إسحاق بن طلحة عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى قباء دخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وحدث ذات مرة أن غلبته سنة نوم وهو في بيتها، ثم اِستيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله، فقال : (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة). قالت : يا رسول الله اُدع الله أن يجعلني منهم فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضع رأسه ونام ثانية، ثم استيقظ وهو يضحك فسألته: وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله). كما قال في الأول، قالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال (وأنت من الأولين).
وما تركت أم حرام غزوة إلا وخرجت مع الجنود تسقي الظمأى وتداوي الجرحى.
لم يكن هناك اهتمام بالسواحل وطريقة استغلالها في الحروب مع بداية الدعوة الإسلامية، ولم تكن لدى المسلمين في ذلك الوقت فكرة عن خوض البحر وصناعة السفن
ولكن كان هناك صحابة حول النبي يفكرون دائما في نصرته ونصرة الدين الإسلامي، ومنهم الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان، صاحب فكرة أول أسطول بحري، والتي أذن له عثمان بن عفان بتنفيذها، لتصبح أول قوة بحرية عسكرية في التاريخ الإسلامي، وكان عمر بن الخطاب قد سبق ورفض فكرة معاوية خوفا على المسلمين من مخاطر خوض البحر ولأنهم لا يملكون الخبرة لذلك.
وفي سنة سبع وعشرين من الهجرة، طلب الصحابي معاوية بن أبي سفيان من الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنهما أن يأذن له بالتوجه لفتح جزيرة قبرص، التي احتلها الرومان ومارسوا فيها صنوف الإستبداد، لكن الخليفة عثمان بن عفان رفض ذلك خوفا على جيش المسلمين من خطر ركوب البحر، وبعد إصرار من معاوية سمح له بذلك، واشترط عليه ألاّ يجبر أحدا من المسلمين على الخروج معه في تلك الغزوة، وأن يترك لهم الخيار، وكانت أم حرام وزوجها عبادة بن الصامت من ضمن من غامر بالخروج معه، رغم تقدّمها في السنّ، وعندما ركبت البحر تذكّرت رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم فردّدت في سرّها “صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، هاهي نبوءتك تتحقق وها أنا ذا أركب البحر لأغزو في سبيل الله“ وعندما نزلوا من البحر ركبت دابة وفجأت جفلت هذه البغلة ورفعت قوائمها الأمامية ووقعت أم حرام من على ظهر البغلة، هرع عبادة إلى زوجته ليساعدها، كانت تتأوه من الألم، وضع رأسها المدمى على ركبيته وهو يصيح بأصحابه ليحضروا من يعالجها، كانت أم حرام فاقدة للوعي، والدم يسيل من رأسها بغزارة، ضمها عبادة إلى صدره وتمازجت دموعه مع دمائها، فتحت عينيها بصعوبة، ونظرت إليه نظرات ذات مغزى، ثم رددت بصوتٍ متقطع: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، وفاضت روحها إلى بارئها في ذلك المكان النائي عن الديار، وقد شاءت إرادة الرحمن أن تنال أم حرام ثواب وشرف الشهادة في سبيل الله على الرغم من أنها لم تشهر سيفًا ولم تقاتل أحدا. توقف الجيش عن المسير إكرامًا لتلك الصحابية الجليلة وشيع جثمانها إلى مثواه الأخير، بعد أن غُسلت وكُفنت وصُلي عليها، هناك في أرض قبرص
يتبع ….
الى هنا تنتهي قصتنا لنا لقاء آخر مع امرأة اخرى نقشت اسمها على جدران التاريخ