recent
جديدنا

مقرينوس الفصل العشرون

  

          رواية مقرينوس 

           ضي القمر وظلمات يونس


رواية مقرينوس 

ضي القمر وظلمات يونس 

_الفصل العشرون. 


"حين يتلاشى ضوء الحقيقة تحت وطأة الخديعة، ويصبح الزمن سلاحًا في يد الطغاة، يبرز السؤال: هل يمكن للقدر أن ينحاز لمن يؤمن بالمستحيل؟"


دفع يونس باب غرفته بخفة يستعد للراحة بعد يومه الطويل، لكنه وقف مكانه حين ابصر  قمر تجلس على حافة السرير. ظهرها مستقيم. يديها متشابكتان على حجرها. وجهها يحمل مزيجًا غريبًا من الغضب والحزن. 

ظلال الشموع على الجدران زادت من حدة نظرتها، وكأنها تحمله مسؤولية شيء لم يفهمه بعد.


_"قمر؟"

 قالها بهدوء وهو يغلق الباب خلفه:

"ما الأمر؟ هل حدث شيء؟"


لم تجبه مباشرة. نظراتها كالسهم تخترق صدره. ثم جاء صوتها حادًا ومباشرًا:

 "ماذا كنت تتحدث مع ليانا؟"


عبس قليلًا غير مستوعب نبرة استجوابها ثم أردف:

 "مع ليانا؟ كنت أحاول التحدث معها لأعرف أكثر عن مقرينوس ومنيفة وإليادور،  أدركت أنها تعرف أشياء يمكن أن تساعدنا."


اردفت بنبرتها التى تتصاعد مع كل كلمة: 

"وتظن أن هذا يبرر كل شيء؟"


تحدث محاولًا فهم ما يجري:

"انتظري، ماذا تقصدين؟ كل ما فعلته هو محاولة البحث عن معلومات. من الواضح أن منيفة. أميرة مقرينوس هي المحرك الرئيسي لما يجري هنا. إذا استطعنا فهم خططها، سنعرف ما يجب علينا فعله."


اقتربت قمر منه خطوة، عيناها مشحونتان بالانفعال: "وهل فكرت للحظة في وضع ليانا؟"


وقف في مكانه ينظر إليها بدهشة:

"وضع ليانا؟ ما شأنى بها"


رفعت يدها بإحباط ثم أشارت نحوه: 

"هل أنت بهذا العمى؟ ليانا غارقة في اكتئاب حاد، ألم تنقذ حياتها حين حاولت الانتحار؟ هذه الفتاة حاولت إنهاء حياتها، ووالدها يعامل الأمر وكأنه حدث عابر، وكأنها لعبة مكسورة يمكن إصلاحها. هل تدرك حجم الألم الذي تعيشه؟"


_"قمر، لحظة واحدة..."

 حاول أن يتحدث، لكن صوتها كان أقوى:

"لا! لا لحظة واحدة! المريض النفسي يحتاج إلى مساعدة، وليس إلى شخص يستغل حالته لجمع معلومات! ما الذي تفكر فيه؟ نحن لا ندعس على الآخرين لنصل إلى أهدافنا، مهما كانت!"


شعر باندفاع داخلي للرد. نبرة دفاعية بدأت تخرج من صوته:

 "يا قمر، نحن في سباق مع الزمن! إذا كانت المعلومات التي تملكها ليانا هي ما يقودنا إلى مقرينوس، فعلينا استغلال الفرصة!"


أردفت وهي تقترب منه أكثر، كأنها تحاصره:

"استغلال الفرصة؟ أهذا ما تسميه؟ استغلال فتاة مريضة؟ أتعرف ماذا يعني أن تكون في حالتها؟ أن تشعر بأنك وحيد، بأن لا أحد يفهمك؟ كيف يمكنك أن تفكر في استغلالها وكأنها مجرد وسيلة؟"


هتف بحدة واخذ صوته يرتفع مع كل كلمة: "الغاية تبرر الوسيلة! هذا ليس وقت العواطف. نحن نحاول إنقاذ جدتى وإنقاذ أنفسنا من هذا العالم! إذا اضطررنا للتضحية ببعض الأشياء لتحقيق هذا الهدف، فلماذا لا؟"


نظرت إليه بصمت للحظة، وكأنها تحاول أن تستوعب كلماته. ثم قالت بهدوء قاتل:

 "الغاية لا تبرر سحق أرواح الآخرين يا يونس. إذا فقدنا إنسانيتنا في الطريق، فما الفائدة من الوصول إلى الهدف؟"


قبل أن يتمكن من الرد، قاطعهما صوت غريب قادم من الخزانة. كان خافتًا لكنه واضح، مثل همسة تسللت عبر الهواء. تبادلا نظرات متوترة، ثم اندفع يونس نحو الخزانة وفتحها بحذر. 

هناك، كان الكتاب الذي يرافقهما يجلس بهدوء كأنه ينتظر.


_"الكتاب..." قال يونس وهو يخرجه بسرعة. 


وضعه على الطاولة وفتح الغلاف بيدين مرتجفتين. 

لكن ما رأوه كان أشبه بكابوس بالنسبة لهم. الصفحات... فارغة. لا كلمات، لا رموز، لا رسومات. مجرد بياض شاسع يمتد بلا نهاية.


اخذ يقلب الصفحات بجنون، كأنّه يحاول العثور على شيء مخفي:

"هذا لا يمكن أن يحدث... كان هنا... النصوص، الرسومات، كل شيء كان هنا!"


نظرت قمر إلى الكتاب ثم إليه وقالت بصوت منخفض لكنه مليء بالمعنى:

 "ربما هذا عقاب."


_"عقاب؟ على ماذا؟" 


تحدثت بصوت ثابت لكنه يحمل ثقلًا كبيرً: 

"عقاب لأنك اخترت الطريق الخطأ." 


اقتربت منه ببطء وأردفت:

 "هذا الكتاب لا يُظهر ما نريده فقط يا يونس. إنه يعكس ما في داخلنا. ربما هذا الفراغ هو انعكاس لما أصبحت عليه دوافعك."


شعر وكأن كلماتها أصابته في صميم قلبه. نظر إلى الكتاب مرة أخرى، لكن كل ما رآه كان البياض، وكأنه مرآة تعكس صراعاته الداخلية. للحظة، شعر بأن كل شيء كان ينهار من حوله، ليس فقط الأوراق البيضاء، بل الثقة التي وضعها في قراراته أيضًا.



نظرت قمر إلى يونس للمرة الأخيرة قبل أن تدير ظهرها له. لم تعد كلماتها أو نظراتها قادرة على الوصول إليه، أو هكذا شعرت. فتحت الباب ببطء، ثم خرجت تاركة وراءها صمتًا ثقيلًا وغرفة ملأتها رائحة الجدل الذي لم يحسم.


بينما يونس بقي في مكانه، كأن مغادرتها أخذت معه طاقته كلها. حدق في الكتاب أمامه، أصابعه لا تزال ملامسة للصفحات البيضاء. تلك الصفحات كانت كصحراء قاحلة، لا تحتوي أي أثر للحياة أو الإجابات التي كان يبحث عنها. تمتم بصوت خافت، وكأن الكلمات كانت موجهة لنفسه أكثر من أي أحد آخر: 

"كيف يمكن لهذا أن يحدث؟"


لكنه لم يملك أي إجابة. جلس على الكرسي بجانب الطاولة واضعا رأسه بين يديه، محاولًا استرجاع كل خطوة قام بها في الأيام الماضية. أين أخطأ؟


سارت الأخرى في الممر المؤدي إلى غرفتها، خطواتها ثقيلة كأنها تحمل وزنًا لا تستطيع تحمله. عندما دخلت غرفتها أغلقت الباب خلفها واستندت عليه للحظة، وكأنها تحتاج لهذا السند البسيط لتتمالك نفسها.


كانت الغرفة مظلمة إلا من ضوء خافت يتسلل من نافذتها. اقتربت من السرير، لكنها لم تستطع الجلوس. عقلها كان يعمل بجنون، يعيد سرد ما حدث بينها وبين يونس. تساءلت وهي تسير جيئة وذهابًا:

لماذا لا يفهم؟


توقفت عينيها على طاولة صغيرة بجانب السرير، حيث وضعت القلادة النحاسية التي وجدوها سابقًا. أمسكتها بين يديها، تتأمل النقوش عليها، ثم همست:

 "هل يمكن أن يكون الحل هنا؟"


جلست على السرير. قلادتها بين يديها. وهي تغوص في أفكارها. كيف يمكن للكتاب أن يثق بنا مجددًا؟ هل حقًا كان ذلك الكتاب يعاقبهم على نواياهم؟ إذا كان كذلك، فكيف يمكنها إصلاح الأمر؟


بدأت تهمس لنفسها:

 "ربما يجب أن نثبت أننا نستحق الحقيقة. لكن كيف؟ هل نحتاج إلى التضحية؟ إلى تقديم شيء؟ أم أنه ببساطة يجب أن نغيّر دوافعنا؟"



في الوقت نفسه. كان يونس لا يزال جالسًا أمام الكتاب، ينظر إليه بعينين مثقلتين بالتعب والخيبة. كلما قلب صفحة بيضاء، شعر كأن شيءًا بداخله يتفتت.


أخذ شهيقًا عميقًا ثم نظر إلى الكتاب كأنّه يلومه:

 "أين ذهبت كلماتك؟ لماذا اخترت أن تصمت الآن؟"


لكنه لم يتلق إجابة. كان الصمت في الغرفة يكاد يكون مخيفًا. حاول أن يسترجع كلمات قمر: 

"ربما هذا الكتاب يعكس ما في داخلنا." 


وتسائل:

"هل كانت محقة؟"


أخذ نفسًا عميقًا ثم قال بصوت خافت:

 "لا... لم أفعل شيئًا خاطئًا. كل ما أردته هو الوصول إلى الحقيقة. أليس هذا ما يجب أن نفعله؟"


لكن حتى كلماته لنفسه بدت خاوية.

تذكر نظرات قمر إليه قبل أن تغادر الغرفة. كان هناك شيء في عينيها، شيء لم يكن فقط غضبًا أو إحباطًا. كان هناك حزن وربما خيبة أمل. فكرة أنه قد يكون السبب في تلك المشاعر أزعجته أكثر مما كان يريد أن يعترف.


مرت الساعات مرت ببطء على الاثنين. قمر في غرفتها،  تحدق في القلادة وتفكر في كل شيء: الكتاب، يونس، رحلتهم إلى مقرينوس. أحيانًا كانت تقبض على القلادة بقوة، وكأنها تحاول استخراج إجابة منها.


يونس من جهته لم يتحرك من مكانه. عيناه لم تفارقا الكتاب، وكأنهما تنتظران أن يغير رأيه فجأة ويعيد كلماته.


لكن الغرفة بقيت صامتة، والكتاب ظل صامتًا والليل بدا أطول من المعتاد.


مع أول خيط من الضوء بدأ يتسلل عبر نافذة قمر، جلست منتصبة فجأة. بدأت فكرة ما تتبلور في عقلها. هتفت بصوت خافت: 

"ربما…"


اما يونس فقد غفا للحظة لكنه استيقظ فجأة على شعور غريب، كأن أحدهم همس باسمه. نظر إلى الكتاب مرة أخرى، لكنه لم يجد شيئًا جديدًا. ومع ذلك كان هناك شيء ما. فكرة غير مكتملة تلوح في ذهنه.


وفي هذه اللحظة، كان كلاهما يفكر:

 "ربما يجب أن نواجه الحقيقة معًا."



نهض كلا منهما في اللحظة ذاتها، وكأن نداء خفيًا أيقظهما معًا. كانت خطواتهما متسارعة لكن يونس، بحركته المتوترة كان أسرع.

 حين فتحت قمر الباب، وجدته يقف أمامها، يده اليسرى تمسك بالكتاب، بينما اليمنى تعضد الباب. 


قال بصوت مفعم بالإصرار، لكنه لا يخلو من الانكسار:

"قمر، علينا أن نتحدث."


 لم ترد مباشرة بل اكتفت بالنظر إلى الكتاب الذي يحمله، لتتحرك بعد لحظة من التردد جانبًا وتفسح له الطريق للدخول. دخل وأغلق الباب وراءه بهدوء، ثم وضع الكتاب على الطاولة وأمامه القلادة التي كانت قمر قد تركتها بجانب سريرها الليلة الماضية.


قال وهو يشير إلى الكتاب بنبرة مزيج من الحيرة والرجاء:

"انظري لا أملك تفسيرًا لما يحدث، لكني أعلم أن علينا العمل معًا لإعادة ما كان. نحن بحاجة إلى هذا الكتاب، وبحاجة إلى فهم سبب صمته." 


لكنها لم تعلق بل توجهت نحو حقيبتها الموضوعة في زاوية الغرفة. فتحتها وأخرجت منها جوهرة صغيرة ينبعث منها الضوء يخطف الأنظار وكأنه ينبض بالحياة.


رفع يونس حاجبيه متعجبًا وقال مشيرًا إلى الجوهرة بعينيه:

"ما هذه؟"


نظرت قمر إليه ثم إلى الجوهرة التي أمسكتها بحرص، وكأنها تحمل بين يديها جزءًا من روحها:

_"هذه... لها قصة طويلة. سأخبرك كيف وصلت إلى سرمد وما حدث معي."


جلست على حافة السرير، تنفست بعمق لتجميع أفكارها، ثم بدأت الحديث:

"حين استيقظت وجدت نفسي قد عدت إلى غرفة القصر، لم أكن أفهم شيئًا. كل شيء بدا وكأنه حلم" 


قاطعها حين جائته لحظة إدراك: 

" أها.  يعني الأدوية التى عالجتيني بها احضرتها معك من هناك؟ 


توقفت لوهلة، وعيناها مشغولتان بذكريات تلك اللحظات ثم قالت: 

"ظللت أبحث عن شئ يساعدني حتى وجدت صندوقًا صغيرًا. عندما فتحته كانت هذه الجوهرة بداخله." 


رفعت الجوهرة أمام عينيها، وكأنها ترى فيها انعكاس تلك اللحظة وأكملت:

"كان معها رسالة قصيرة مكتوبة على ورقة صفراء بالكاد تحمل الكتابة. نصها كان:

 "الوفاء يزيل الحواجز، والبصيرة تجمع القلوب."


لم يعلق لكنه اقترب خطوة، اهتمامه واضح في عينيه قائلا: 

"لم أفهم حينها ما تعنيه الرسالة. لكن شعرت أن هذه الجوهرة ليست مجرد شيء عادي. حملتها معي، وواصلت استكشاف القصر. وبعد ساعات من البحث واحضار كل ما يمكن أن احتاجه، ثم دلفت السرداب وسلكته حتى نهايته"



قاطعها بصوت خافت: 

"سلكتِ السرداب وحدك؟"


ابتسمت ابتسامة خفيفة مردفة:

"لم يكن لدي خيار آخر. كنت وحدي. لا أحد يرشدني. كنت أبحث عن أمل. عن مخرج."


أكملت بعد لحظة صمت: 

"وصلت إلى نهايته أخيرًا. وجدت بوابة ضخمة على يمين بوابة مقرينوس لم تكن موجودة المرة السابقة. كانت مغلقة تمامًا لا مقبض ولا قفل. ظننت أنني وصلت إلى طريق مسدود. لكن حين أخرجت الجوهرة من حقيبتي، بدأت تشع بنور قوي جدًا وكأنها تستجيب لشيء ما."


اقترب أكثر. عيونه مركزة على الجوهرة وكلماتها:

"وماذا حدث؟"


_"الجوهرة كانت المفتاح. وضعتها على سطح البوابة، وسمعت صوتًا عميقًا، كأن الأرض نفسها تتحرك. 

 انفتحت البوابة ببطء. غمرني حينها ضوء قوى لم أفهم ما حدث بعدها. فجأة وجدت نفسي واقفة أمام القصر وخلفي البوابة التى خرجت منها. وبعد لحظات اختفت تلك البوابة" 



أنهت حديثها، ونظرت إلى يونس الذي كان غارقًا في التفكير. ثم قالت بهدوء:

 "هذه الجوهرة، والرسالة التي كانت معها... أشعر أن لهما علاقة بالكتاب، وبكل شيء يحدث هنا. لكن لا يمكننا معرفة الحقيقة إلا إذا عملنا معًا، وإذا..."


 توقفت لوهلة ثم أكملت:

 "إذا استعدنا ثقة الكتاب."


نظر إليها ثم إلى الجوهرة والكتاب وقال بصوت خافت لكنه حازم: 

"إذن، الوفاء والبصيرة هما المفتاح. علينا أن نفهم كيف نطبق هذا هنا. معًا."


للحظة التقى نظرهما، كأنهما وجدا جزءًا من الإجابة في عيون بعضهما البعض.


__________ 


في عمق الجبال المظلمة حيث الزمن يبدو وكأنه توقف، كانت الرياح تعوي بين الصخور القديمة، محملة برائحة الرطوبة الثقيلة التي لا تنفك عن التسلل إلى الأعماق. الصخور الداكنة تكدست فوق بعضها، كما لو أن الجبال نفسها تقف حارسًا صامتًا على سر دفين. من بين المنحدرات الحادة والمسارات الوعرة التي كُسرت بفعل الزمان هناك ممر ضيق تغطيه الطحالب السميكة والأشواك الحادة التي تعرقلت تحت أقدام من يسلكه.


وبينما كانت الظلال تزداد كثافة، قاد هذا الطريق المتعرج إلى باب قديم مغطى بغبار الزمن، يتنفس ضيقًا وتآكلًا، كما لو أنه لا يذكر من دخل إليه إلا القليل. خلف هذا الباب، كانت غرفة حجرية تعج بهدوء ثقيل، تشبعها هالة من السكون العميق الذي يسكن كل شيء فيها. 


تقف منيفة في الزاوية المظلمة في مواجهة ميثال التي جلست مكبلة على كرسي خشبي بسيط. الجدران حولهما تحمل نقوشًا غامضة. بقايا من حضارة قديمة، لكنها الآن مجرد ظل لما كانت عليه.


_"أتعرفين ما الذي يجعلني أكرهكِ أكثر من أي شيء؟" أردفت منيفة بنبرة باردة تخفي وراءها غضبًا مكبوتًا:  "أنكِ كنتِ دومًا على يقين. ذلك الغرور الذي يحيط بكِ، إيمانك بأنكِ تحملين الحقيقة، أنكِ الحارسة الأخيرة لمملكة لم يعد لها وجود."


تقدمت خطوة بخفة صوت حذائها يرن في الصمت: 

"مقرينوس، المملكة التي تحدث عنها الجميع كأنها أسطورة. لكنكِ تعرفين الحقيقة، أليس كذلك؟ أنتِ تعرفين أن آثارها لم تختفِ بفعل الزمن، بل بفعل قرار واحد... قراري أنا."


رفعت ميثال رأسها ببطء، عيناها الهادئتان تتقابلان مع نظرة منيفة الممتلئة بالانتصار. تحدثت بصوت هادئ لكنه قاطع: 

"أنتِ دمرتِ كل شيء. محوتِ أثر مملكة كانت تحمل النور للعالم. لكن مهما فعلتِ، ومهما ارتكب والدك من سحر وحاولتم تزوير التاريخ واشاعة ان مقرينوس هي مملكة السحر. سيأتي الوقت الذي تظهر فيه الحقيقة. أنا هنا، وهذا يعني أن مصير مقرينوس لم ينتهِ بعد."


ضحكت منيفة بسخرية، وابتعدت قليلاً لتدور حول ميثال:

"مصير مقرينوس؟ عزيزتي، مصير مقرينوس انتهى منذ زمن. حين قررتُ أن العالم لا يستحق أسرارها. كنتُ الوحيدة التي أدركت أن الحفاظ على تلك المملكة يعني ترك العالم يغرق في صراعات لا تنتهي."


 توقفت ونظرت إليها بازدراء:

"لكن أنتِ؟ كنتِ على وشك تغيير كل شيء. كنتِ مصممة على كشف ما خبأته، وإعادة ظهور المملكة المفقودة. لم أستطع السماح بذلك."


صمتت للحظة ثم انحنت نحو ميثال لتهمس بسخرية: "لكنني لم أختر الطريق السهل، لم أقتلك. لا، كان ذلك سيكون انتصارًا سريعًا جدًا. اخترت الأصعب. اخترت أن أحبسكِ هنا. في هذا الزمن. وألا تعودي أبدًا إلى زمنكِ. عقابكِ الحقيقي هو أن تشهدي العالم وهو يتحرك للأمام بينما أنتِ محاصرة في مكانكِ، عاجزة."


رغم القيود ورغم الظلال التي غطت وجهها، كانت نظرت ميثال ثابتة مليئة بالتحدي. تحدثت بهدوء أشبه باليقين:

 "الزمن ليس حليفكِ يا منيفة. ما دفنته سيعود. مملكة مقرينوس ليست مجرد أثر، إنها فكرة. والفكرة لا تموت."


للحظة. خيم صمت ثقيل على الغرفة، لكن منيفة ابتسمت، تلك الابتسامة الباردة التي تحمل في طياتها إحساسًا بالسيطرة المطلقة. استدارت لتغادر. صوت خطواتها يتردد في المكان. توقفت عند الباب قائلة دون أن تلتفت: 

"ابقِ هنا يا ميثال. لن يأتي أحد لإنقاذك. لا أحد يعلم حتى أنكِ هنا او حتى على قيد الحياة."


ثم دفعت الباب المعدني الثقيل الذي انغلق بصوت صاخب خلفها، تاركة ميثال وحدها في الغرفة الحجرية.


أغمضت ميثال عينيها للحظة. أخذت نفسًا عميقًا، وكأنها تستجمع قوتها من بين الشقوق التي خلفتها كلمات منيفة. همست لنفسها بصوت بالكاد يُسمع:

 "الأفكار لا تُدفن يامنيفة... والزمن، مهما طال، لا يخذل من يؤمن به."



يتبع…. 



إلى هنا انتهي الفصل. بعتذر جدا جدا عن عدم نشر الفصل يوم الاثنين بسبب ظروف الامتحانات. 

انتظروا الفصل القادم ان شاء الله يوم الاثنين.

مقرينوس الفصل العشرون
Wisso

تعليقات

8 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف12 ديسمبر 2024 في 11:42 م

    روعه تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Rim kalfaoui photo
      Rim kalfaoui13 ديسمبر 2024 في 2:17 ص

      تسلم اناملك حبيبتي يا دكتورة قلبي حلقة رائعة جدا 👌👏😘💞💘💞😘👏👌💘💞😘👏👌💛❤💛❤💛❤🌺🌺🌺😂

      حذف التعليق
      • salwanader13 ديسمبر 2024 في 3:12 م

        الحلقه تحفه مثيره دجا تسلم ايديكي سموحه

        حذف التعليق
        • غير معرف13 ديسمبر 2024 في 3:12 م

          ابدعتي كالعاده

          حذف التعليق
          • غير معرف13 ديسمبر 2024 في 3:13 م

            منيفه ده مش سهله ياتري هيقدر يونس وقمر يوصلوا لميثال

            حذف التعليق
            • غير معرف13 ديسمبر 2024 في 4:09 م

              كلام قمر ليونس برغم انه مؤلم بس فيه من الحقيقه كتير هو شايف ان العايه تبرر الوسيله ونسي ان فيه روح في النص يمكن عقاب الكتاب انه يمحي الاثر لحد لما يستقيم كل اعوجاج فيه

              حذف التعليق
              • غير معرف13 ديسمبر 2024 في 4:10 م

                عجبني كلام قمر بحثها محنكه فاهمه كل شئ يمكن في ماضي مجهول من خلاله اصبحت هشه ضعيفه كاورقه شجر تعصف بيها الرياح ولما لا وهذا مافعله بينا البشر خيبات ورا خيبات

                حذف التعليق
                • Rim kalfaoui photo
                  Rim kalfaoui13 ديسمبر 2024 في 11:06 م

                  واو حلقة مشوقة طلعت منيفة اللي خاطفه ميثال يالهوي طلعت داهية خطيرة يا تري كيف هيجدوها قمر ويوسف بعد ما الكتاب اتمسح من كل ما ذكر من قبل او منيفة هي السبب لانها بتتعامل مع السحر حسب ما فهمت
                  هي حلقة جميلة بس زادت غموضا هنعمل ايه دلوقتي يا بنت رجب

                  حذف التعليق
                  google-playkhamsatmostaqltradent