رواية "إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
شاءت الأقدار أن تجمعهم بعد مرور ستة سنوات بهذا الإطار الغريب أب يفرح لنطق ابنته وتحسنها ،وأم تتجرع مرارة الفقد والخذلان تنظر نحو لوحة الاب وابنته بصمت أجبرها عليه قلبها الذي أبى أن يخبرها حقيقة ما يشعر به ،ضحكت صديقتها مجدداً مقسمة على بداية مولد جديد شعاره الحب من النظرة الأولى، عادت حياة لمنزلها شاردة بغرابة الأمر عقلها يصدق ما تقوله نجلاء ومصطلحات الحب من أول نظرة ،أما قلبها فكان يشعرها بخطب يخالطه الخوف والقلق.
توالت الأيام من جديد لتثبت لسراج حقيقة ما يشعر به تجاه الوردة التي كان يبحث عنه بحديقة دنياه الممتلئة بالورود المزينة المزخرفة بكل ألوان الحياة ،ظهرت بحديقته على غير موعد لتحيي مشاعر لم يستطع غيرها من الورود احيائها، فقلبه المحب للصدق والطيبة والبساطة والعفوية قد رأى بها قبلته، منارته ومرسى لقاربه الضال.
تعافى السيد هاشم بدرجة كبيرة واقترب موعد خروجه من المستشفى، حدثها المعلم أخشى أن يتعافى ويعود ليضعك برأسه فهو لا يرى لنفسه أعداء سوى عائلة اوزدمير.
استخفت نازلي بحديثه "هل شاخ قلب مُعلمنا حتى أصبح يخاف من تحسن صحة خصمه ،ألم تخبرنا بالسابق ان المتعة الحقيقية تبدأ من هذه اللحظة"
رد بيراق "هل قل عقلك لتتحدثي معي بهذا الشكل، ألم أعلمك أن لكل مقام مقال والقوة الحقيقية تكمن بمعرفة وتقدير قوة الخصم كي لا يسحقك باللحظة التي تعتقدين أنك انتصرتي عليه، أم أنكِ تعلمين قدر خصمك واقسمتي على إنهاء سيرتي على يده"
تحدثت نازلي بقوة وثقة "أعلم قدر خصمي جيدا كما أعلم مع من اتحالف ،لا تقلق رجالك حول هاشم يعملون بشكل جيد لدرجة جعلتنا نزرع أجهزة التتبع بياقتهم دون أن يحس أحدهم بذلك ،فليتحسن ويعود لعمله كي نستنفع به قليلا قبل أن نكمل متعة اللعب معه"
حذرها بيراق "أنتِ تلعبين بالنار ،ما علمته ان خصمك ليس بقليل وخلفه من اقوى مني ومنك"
ابتسمت نازلي بشرها "بل أنتم لا تعرفون مع من تتحدثون ،ان اردت ان انهي حياته الان يمكنني فعلها برسالة فارغة تخرج تقريرا طبيعيا بتوقف القلب اثر جلطة فجائية ،أو من الممكن أن يصاب بحساسية جلدية مزمنة لا علاج لها تأكل عقله وتفكيره وتتمالك كل اعصابه حتى تجعله غير قادر على التفكير او التركيز، ألم يصل لك نبأ الجلد المسموم ،لا تقل انك تفاجأت بهذا الخبر ام انك لم تستخدمه من قبل ،هل أكمل أم علي أن احتفظ بأسلحتي الفتاكة دون الكشف عليها كما علمني معلمي"
وقبل أن تغلق نازلي حدثته بآخر كلماتها "عليك أن تعيد حساباتك باختيار مساعدينك فمن العيب أن يكشفوا لدى هاشم ويطلب متابعتهم لمعرفة من ورائهم ،لا تقلق رجالي يحفظون درسهم ويحافظون على عملائهم بشكل جيد"
بدى على وجه المعلم بيراق ملامح الخوف والقلق من تلميذته ،ظل صامتا يستمع لنبرة صوتها التي أشبهت وحوش البرية دون رد منه.
تحرك بعد ان أنهى مكالمته الهاتفية لينظر لأحذيته وملابسه وخزانته بقلب يبحث عن سمها وشرها واللحظة التي ستنهيه بها.
لم يكن هاجسا فقط فنبرتها وقوتها وتلميحاتها بحديثها كانت توحي له بتهديدها الصريح.
خرج من منزله مستغنيا عن جميع ملابسه واغراضه الخاصة مستعينا بأقوى وأأمن رجاله لحماية نفسه وعمله من غدر زينب ابنة داود.
في غرفة مكتبه بشركة اوزدمير اقتربت يارا لتعطيه كوب قهوة اشترته له وهي بطريقها إليهم.
مال عليها ليقبل وجنتها أخذا منها الكوب "جاءت بوقتها سلمت يداكِ"
ارتشف رشفة مستمتعا بمذاقها الجميل وعيونه على ملامح وجهها ونظراتها الثابتة عليها ،غمز بإحدى عينيه "ما بكِ؟"
ابتلعت ريقها بخجل "لا شيء"
رشف رشفة جديدة من قهوته غيرت من ملامح وجهه متحدثا بغير رضا بعدها "غريبة كيف تغير طعمها"
اقتربت منه وهي تنظر للقهوة متسائلة عن سبب تغير طعمها بهذه السرعة.
مال وقبلها من جديد متذوقاً قهوته ليقول بوجه مبتسم راضي "الآن علمنا سبب مذاقها المميز"
ازداد خجلها من نظراته التي كانت تغازلها وتداعبها بهذا القرب.
انشغلت حياة بإعداد نشاط جديد تعلم الأولاد من خلاله على المعالم الإسلامية حول العالم عن طريق تجميع صورهم ولصقها على لوح كبير مزين.
وبتألقه وجاذبيته كان سراج يدخل مبنى الإذاعة بسرعة كبيرة كي لا يتأخر عن بدأ برنامجه الاسبوعي.
صعد معتذرا من فريق الإعداد جالسا بمقعده المعتاد يلتقط أنفاسه وهو يعطي للمخرج إشارة البدء قائلا "أهلا بكم من جديد ،من منكم لاحظ التشابه بين علاقاتنا المختلفة و الغيوم في السماء ،هل توافقوني الرأي أن كلاهما يرتبطان بالذهاب والإياب دون استئذان، يطرأ بحياتك شخص يملُك قلبك بسرعة تجعل عالمك يدور حوله وبنفس اللحظة تجد من يتركك ويخذلك دون مبرر أو سبب ، تماماً كالغيوم بالسماء سرعان ما تظهر لتعيق أشعة الشمس من أداء مهامها السامية وتختفي متنحية أمام جمال القمر، لا أحد يعلم متى سترضى على الشمس لتطلق عنان أشعتها الذهبية ومتى ستعيق القمر من تألقه المنير بسمائه المظلمة"
نتلقى رسائلكم و اتصالاتكم على أرقام البرنامج المدونة بقلوبكم قبل عقولكم
،نتلقى اول اتصال من سليم ماهر تفضل اسمعك ،رد المتصل "نعم أوافقك بشدة فهناك تشابه في العلاقات والهموم التي تمر بحياتنا *لتعكر* صفوها ثم تفرج وتزاح* لتعود لصفائها ،مثلما يمر السحاب المغيم* في السماء يظلمها قليلا تاركها بعده لتضيئ مجددا"
اوما سراج برأسه قائلا "ممتاز وهذا أيضا موجود ،ولكن علينا أن نجاهد همومنا* وسحبنا *الغائمة حتى نخرج منها منتصرين* أقوياء *مُكملين حياتنا كما لو نرى *هم* أو *غيم* من قبل"
صمت سراج *لوهلة* وهو يدخل السماعة* باذنه قائلا بعدها "نتلقى اتصالا آخر* اعتقد من محمد سيدار ان لم يختلط علي الاسم"، رد المتصل وقال "نعم صحيح محمد سيدار، انا أرى أنكم تظلمون* الغيوم ودائما ما تربطونها *بالحزن* والألم ،رغم ان ظهورها بشرى* للغيث وارتواء الأخضر واليابس بالخير، هل تساءلتم: لماذا لون السّحاب أبيض؟"
تدخل سراج وقال "يسعدني معرفة الإجابة من سائلها"
أجاب محمد "لانها تشبه بدايات الخير التي ترتدي دوماً الرداء الابيض".
أعجب سراج بكلماته لعطيه الحق بها ،جاءته رسالة بدأ بقراءتها على الجميع قائلا "كتب غيوم الحياة وقال بيني أنا والغيوم أسرار، كلما نظرت إليها تذكرت اليوم الذي غيمت وانتهت* الحياة بالنسبة لي، لا روح لا مذاق لا احساس لا نبض ولا شيء"
رفعت حياة الغطاء فوقها وهي تستمع لمذيعها المفضل "الغيوم مثل *العقبات* اليومية في حياة الإنسان، فكلما كثرت واشتدت، اقترب الفرج والفرح ،لا تيأسوا إن طالت غيومكم تأملوا واستبشروا فكما نقول دائما بعد كل ليل نهار مشرق جميل"
اغمضت حياة عينيها لترى وجه أركان أمامها وهو يحدثها بفرح ،عاد إليها ضيق *صدرها *واختناقها* ليضغط عليها بقوة.
في الصالون تحدث أركان لأمه "من الواضح أن المعلمة ستنير منزلنا قريبا، تحدثت نازلي بغير *رضا "هل أنت متأكد من مشاعره ،هل تحدثتم واعترف لك بهذا"
مد فمه وهو ينفي تحدثه مع أخيه بشكل صريح "لم يعترف ولكني أراها بعينيه كلما تحدث عن تميزها وروحها المحبة للأطفال وقلبها الرحيم.."
قاطعته نازلي "عليٌ أن أذهب واراها بأقرب وقت كي يطمئن قلبي ،لا أريد أن نبتلى* من جديد وايضا علينا أن نعلم نسبها وأصلها قبل أن يقف أمامنا ويصرح بما يريد ،لا يمكن أن تكون على صلة بجهة سيادية كما لا يمكن أن تكون من الطبقة* المنعدمة ،اتقبل الوسطية المرتفعة أقل من ذلك لا يمكن"
ابتسم أركان "لا تقلقي حالتها تبشر بالخير ،حضري نفسك لأجل زفاف العام، اقول لنفسي أن أسرع بالاختيار كي تصبح الفرحة فرحتان"
راجعته نازلي بضيق " هل فقدت عقلك لتقيم زفافك مشتركا معه انسيت نسب يارا وما يمكننا اكتسابه من ورائه"
ضحك أركان "هل استقريتي عليها دون أن نعلم"
اجابته بفرح "نعم هذه المرة سيكون كل شيء مختلف ،الفتاة تحمل قلب طيب وروح محبة ،اسرع انت بقرارك كي لا *تخطف* من يدك نحن بحاجه الى ضجيج الحفل لنعمي به العيون المراقبة لنا"
ليكن بنفس موعد الشحنة* الكبيرة *المنتظرة بعد شهرين هيئ نفسك بناءًا على ذلك ،فبينما تتسلط* الأضواء والانتباه على حفل الزواج الكبير سيتم تسليم* الشحنة و وتوزيعها على الفور ،أنت تعلم أهمية *وخطورة* هذه الشحنة *الكبيرة أي خطأ* سيكلفنا* ما جاهدنا *لأجله طوال السنين السابقة ،سأنفذ لك حلمك ونتوقف لفترة كبيرة عن هذا العمل حتى تنتهي* أسطورة هاشم و كل من حوله، لتكن اجازة طويلة لعدة سنوات نركز في تكبير الشركة لنعود بعدها بقوة أكبر"
فرح أركان لأجل ما سمعه قائلا "تحمست حتى كدت أن أعلن عن موعد هذا الحفل ليكون بالغد"
اسرعت نازلي بفرح "رغم أخذي لاجابتي المنتظرة إلا أنك ستصبر على موعد الزفاف حتى نرتبها بحرفية كبيرة"
سألها أركان "وماذا عن سراج اتمنى ان افرح به هو أيضا"
ردت نازلي "اتركنا منه لنرى ونستفسر عن معلمته وبعدها سأفكر بكيفية ارتباطهم أن تمسك برأيه"
ضحك أركان وقال "يراودني ببعض الأحيان أنه ليس بابنك أو اخي" ضحك أكثر "وكأنه ابن زوجة أبي"
تغيرت ملامح نازلي لتتحدث بنبرة مهزوزة "ماذا تقول أنت هل هذا جزاء تدليلي لك ،هل أصبح* ذنب* علي تقدير عقلك* الناضج* وذكائك* الكبير ،أنظر لاهتماماته وأحاديثه ورفضه* الذهاب للشركة لتولي* مهامه طيلة سنوات غيابك"
اسرع أركان بمصالحة أمه "أنا لا اقصد إحزانك كنت امزح* معك فقط لماذا تضايقني* لهذا الحد افهم حالك واعلم أنكِ تحبيه بقدر حبي وما يختلف* بيننا هو اختلاف* الاهتمامات* والأعمال* والمهام"
وقفت نازلي لتذهب لغرفتها كي تنام ليقف من بعدها أركان قائلا "ليلة سعيدة لكِ وانا ايضا سأذهب لأنام بجانب فستقتي"
انتهى اليوم ليبدأ يوم جديد حاملا* ضغوط *جديدة على حياة التي حاولت كثيرا ابعاد أخيها مصطفى عن التقرب من صديقتها دون أن تنجح ،تضايق *صدرها بتوالي زيارته إليهم في المدرسة وتحدثه المنمق لنجلاء وكأنه شخص مختلف تماما عن الذي تعرفه.
ظلت حياة *تصارع* خوفها* واحساسها* *بالذنب* تجاه صديقتها التي رأت في مصطفى عريس سخي سيخلصها من عائلتها ويحقق أحلامها
لاحظ يزن نظرات مصطفى واهتمامه بمعلمة صغيرتهم ليظهر شعور لم ينتبه له من قبل ،ازداد اهتمام مصطفى بنجلاء التي أصبحت تقبل إيصاله لها مما جعل يزن يزيد من زيارته واهتمامه هو أيضا، وهنا ارتاح قلب حياة بفرحة صديقتها بتحقيق حلمها وفوزها بعرض زواج حلمت به أيام وليالي كثيرة.
لم يكن عرض زواج طبيعي او متعارف عليه حين بدأ بمشاجرة* حين غضب عليها كي لا تصعد سيارة مصطفى من جديد ،لتتفاجئ هي وترد بقوة "وبأي صفة تغضب* علي وتأمرني بهذا!"
رد عليها ليصدمها "بصفتي زوجك"
اتسعت عينيها ليعيد صياغة الجملة قائلا "أقصد زوجك المستقبلي"
حركت عينيها باستفهام بدى على كل ملامحها ليتحدث من جديد "نعم زوجك ،لقد قررت أن نرتبط ببعضنا"
ابتسمت من مفاجأتها وصدمتها وثقته قبل فرحتها قائلة "مبارك عليك اذا ،يكفي أن تقرر ليلبي الكون ما تحلم به"
*غضب* مصطفى على أخته وكأنها هي من أتت بالطبيب زوجا لصديقتها.
وعلى العكس فرح سراج قائلا لحياة "فرحت كثيرا لأجلهما"
ردت حياة بفرحتها الكبيرة "هل تعلم أنهما من أصول عربية ،استاذ يزن من مصر ونجلاء أخبرتني لتفاجئني انها من العراق"
تحدث سراج "هل نجلاء أيضا عربية"
وبفرحها ردت "هذا يعني أنك أفضل مني ،على الاقل كنت تعلم ماهية صديقك"
نظر سراج نحو وردته وهي تلون بدفتر الرسم بجانب زملائها متحدثا "كنا في الصف الخامس حين أنضم لنا يزن ،لم يكن متمكنا من اللغة التركية يحفظ كلمتين على الأكثر ،تميز بتفوقه وسرعة اكتسابه اللغة حتى أصبح الأول على الفصل بصفه الثامن"
ردت حياة وقالت "ولهذا كنت تعلم أصوله العربية عكس نجلاء التي ولدت من أم تركية وأب عراقي"
تحدث سراج بفضوله "هذا يعني أننا سنراكِ الليلة بحفل الخطوبة"
حركت رأسها بالنفي "لا لن اذهب للحفل"
تفاجأ متسائلا عن السبب الذي يجعلها تتغيب عن حفل صديقتها المقربة.
اخفضت رأسها وهي ترد "لا تسمح عائلتي بالذهاب لهذه المناسبات ،هي تعلم وضعي وسامحتني بتقصيري"
صمت بتعجبه واستغرابه الكبير بوجود عائلات تتحكم بخروج البنات حتى عصرهم هذا.
كان صمته ونظراته سببا في محاولتها باقناع أمها كي تسمح لها بالذهاب ،ردت الأم حميدية "لا تجهدي نفسك حتى لا تحزني ،لم يحدث مثل ذلك طوال مدة الجامعة رغم كثرة مناسبات اصدقائك فمذا تغير الآن"
لجأت حياة لأخيها صادق تتوسل له أن تذهب لحفل صديقتها ومساندتها بيوم فرحتها ،لم يستطع صادق ردها وخاصة أنه كان يتمنى أن يرضيها بأي شيء صغير يجعل ضميره يهدأ من ضغطه عليه.
أراد أن يسعدها ويرى فرحتها كباقي الفتيات اللاتي بعمرها اقترح عليها أن يذهبا لمتجر بيع اطقم تناسب ذهابها للحفل كي تختار ما يليق بها.
رفضت خجلة منه مستكفية بملابسها التي رغم بساطتها الا انها راقية ومميزة.
أوقف صادق التاكسي وقال "هيا لنسرع كي لا تتأخري"
نزلت من السيارة "كيف سارتدي هذه الفساتين ،سيغضب* مصطفى *ويتشاجر* ان رآني بهذا الشكل"
امسك يدها ليدخل بها "ومن أين سيراه، لتبدلي ملابسك قبل عودتك وهنا نتفادى تألم رأسنا، لولا *خوفي من إفشاء امي لسرنا كنا عدنا قبل عودته وانهينا الأمر ولكنك تعلمين امك جيدا لا تستطيع إخفاء شيء عليه ولو بعد أشهر تأخذها *وتضربها* بوجهنا* امامه"
في قاعة صغيرة للمناسبات السعيدة اجتمعت العائلتين وسط لفيف من الاحباب والاصدقاء ليحتفلوا بفرحة يزن ونجلاء ،رفض صادق ان يدخل معها الحفل كي يتركها براحتها لعلها تضحك من قلبها وهي بعيدة عن وجوههم التي تذكرها *بخذلانها* كما تقول لهم، كان ينظر لملابسها التي اختارتها ببساطة قلبها وروحها وهو حزين.
لم يتوقع سراج رؤيتها تدخل من باب القاعة ،ابتسم وجهه وهو يرى خجلها يشع من وجهها وعينيها المخفضة ،قادته اقدامه نحوها منبهرا بملابسها التي أشبهت ملابسه باللون الرمادي ،تحدث فور اقترابه "هل اتفقنا على توحيد اللون دون أن اعلم"
زاد خجلها ليكمل هو "ينقصني الورد المطرز وهذا البروش الجميل ليكتمل الأمر"
نظرت على صديقتها دون أن تتوقع هرولتها نحوها وضمها لها لتهزها على جانبيها بفرحة كبيرة قائلة "لم أتوقع حضورك ،كيف فعلتيها"
اقترب يزن مرحبا بحياة "هل فرحت خطيبتي بصديقتها أكثر من فرحتها بي"
ضحكا بحب وفرح ما هم به
كانت أجواء جميلة سعيدة مليئة بروح المرح الذي كان سمة سائدة على العروسين، نظر سراج لساعة يده واقترب من جديد ليحدثها "دقت ساعة الصفر وعلى الأمير أن يهرب"
نظرت له وهي تستمع لباقي حديثه حين برر لها وجوب ذهابه لأجل برنامجه الإذاعة.
تمنت له المزيد من النجاح ،تحرك بلياقة كبيرة مقتربا قليلا منها وهو يقول "يؤسفني عدم استماعك لنا الليلة"
استمرت بصمتها الخجل ليكمل "ألم يأن الوقت لمعرفة اسمك على صفحتي ،أخبرتني سابقا انكِ متابعة متفاعلة ولم تتركي حلقة الا وأعقبتي عليها بالرسائل"
اومأت رأسها "نعم هذا ما يحدث"
رد عليها "أخبريني إذا عن كنيتك، اشفق على نفسي وانا اقرأ كل الرسائل لابحث بداخلها عن ثغرة توصلني لكِ"
ابتسمت *ورفضت* أن تخبره متمسكة بحقها في *التخفي* كي تكتب براحة أكبر تجعلها تفضي ما بداخلها دون خجل.
ومن جديد احترم رأيها واستأذن منها ليذهب وعيونها تتبعه بعقل لا زال بعد كل هذه الشهور غير مصدق أنه مذيعها المحبب والمفضل لها، لم يمضي وقت كبير حتى استأذنت هي أيضا وخرجت كي لا تتأخر على أخيها الذي كان يقف أمام الباب ممسكا بحقيبة بلاستيكية كبيرة منتظرا خروجها.
اقتربت حياة من صادق وتحدثت "هيا لنعود للمنزل"
نظر صادق لأخته وقال "لنبدل ملابسك كي نتغاضى عن غضبه"
رفضت حياة واخبرته انه بسيط ويشبه ملابسها الطبيعية يختلف في نوع القماش والتطريز البسيط اللامع فقط.
من حسن الحظ انهما عادا بوقت مبكر عن عودة مصطفى بل وحظهما الأكبر أن امهم نامت من وحدتها وعدم وجود ما يشغلها.
مرت الليلة بسلام وهدوء ليبدأ يوم جديد كانت حياة تنتظر قدوم آيلا بشوق كبير واحساس غريب ،استقبلت الأطفال واحد تلو الاخر وعينيها على ممر البوابة الخارجية تنظر نحوه تارة ثم تعود لتنظر لما بيدها تارة اخرى.
حزنت لغيابها في هذا اليوم ،وزعت الهدايا على الأطفال محتفظة بمشبك الشعر الذي كان على شكل وردة بيضاء منيرة كالقمر *خطفت* قلبها في متجر الملابس بالأمس لتشتريها لوردة القمر التي امتلكت محبة ومكانة خاصة بقلبها.
لم ترد احزان* باقي الأطفال وهذا ما جعلها تشتري لهم بروشات على أشكال كرتونية وقلوب و ورود.
ومع زيادة تغيب آيلا وقلق حياة عليها أتت نجلاء لتبشر صديقتها بتحدث يزن مع صديقه ومعرفته بقدوم آيلا للمدرسة غدا.
سألتها حياة بقلق كبير "هل كانت مريضة!"
تحدثت نجلاء "لا ولكنها ذهبت في رحلة مع والدها لعدة أيام وستعود من الغد لتداوم بالمدرسة"
فرحت حياة واطمأن قلبها حيال وردتها.
بالمنزل الكبير تحدث سراج بفرحة كبيرة قائلا لابنة أخيه "اشتاقت معلمتك لوجهك المضيء، من الواضح أنها ستقاسمنا بحبك"
نظرت نازلي لسراج ثم نظرت لأركان بصمت وترقب لحالة الاخوين وهما فرحين بحديثهم عن تلك المعلمة المتميزة.
نسيت* نازلي انشغالها بأعمالها وانتظارها* مكالمة *مهمة* تخبرها اخر اخبار* هاشم وسير يومه بالتفصيل حين *أقسمت* على معرفة الرأس الكبيرة التي يعمل هاشم لحسابها ،وقررت ان تذهب غدا للمدرسة لترى المعلمة وتأخذ معلومات كافية عنها.
وبينما تنتظر نازلي مكالمتها *المهمة* كان هاشم يخلع* ملابسه الغريبة وهو يدخل المنزل الصغير جالسا على المقعد قائلا "سأجعلهم *يندمون* على هذا ايضا ،أقسم* أنني* سأجعلها* تندم على ما تفعله بحقي تبقى القليل على صمتي"
جلست يارا بجانبه متحدثة "لا *تغضب *نفسك لأجل من لا *يستحق ،تحمل وقتا إضافيا حتى *ننتقم *لاختي *ونخلص البشرية* من ظلمهم"
نظر هاشم لابنته الغير منسوبة لاسمه قائلا "من الجيد ظهورك بالوقت المناسب"
ردت يارا "لا تحزن نفسك انا موجوده من بعد الآن ،سأجعلهم* يندمون* على ما اقترفوه *بحقها"
اغمض هاشم عينيه واستند برأسه على ظهر المقعد الخلفي "أشعر باجهاد* كبير ،اصبحت لا استطيع النوم* بمنزلي"
وبعين شفقة* وحب ردت يارا على أبيها "ادخل انت لغرفتك ونام براحة وهدوء ،لا تقلق* انا سأدير المشهد مع شبيهك وان حدث جديد سأوقظك على الفور"
بهذا الوقت فتح سراج هاتفه ليكتب على حسابه الشخصي "كلما اشتقت لكِ نظرت إلى السماء لأرى عيناكِ التي تشبه السحب المغيمة" نشرها بفرحة تحرره وقراره بالإفصاح عن حبه وإشعار الطرف الآخر به ،أغمض عينيه ليبحر بالاحلام السعيدة متأملا باللقاء الذي أصبح قريباً، تأكد سراج من حبه وتعلقه بحياة بعد الذي شعر به خلال ابتعاده عنها لعدة أيام معدودة فرضتهم آيلا عليه حين ذهبت مع والدها برحلة قصيرة.
كادت عيون سراج الفرحة برؤيتها أمامه أن تفصح عن حبه وتخبرها بما يشعر به، أخذت حياة وردتها بحضنها وقبلتها عدة قبلات بسعادة وفرح متحركة بها للداخل كي تخرج من حقيبة يدها مشبك الشعر الصغير وتريه لها.
رفعت ايلا يدها لتضع المشبك بشعرها دون أن تنجح ،وبعيونها الدامعة وقلبها الذي* تأثر* بفرحة اللقاء التي روت الشوق* والابتعاد* اخذت حياة المشبك من كف الصغيرة بعد أن قبلتها مجددا وبدأت تضعه لها أعلى رأسها بشكل جميل.
فرح سراج مما رآه فكلما كان يلمس طيبتها وحنانها كلما تعلق بها وقال لنفسه انها هي من بحثت عنه.
لا أحد يعلم أن هذه الفرحة *ستنتهي *بكابوس* مظلم* عند وصول نازلي للمدرسة* ليس لأخذ آيلا التي ذهبت فعليا مع ابيها* ولكن كان لأجل لقاء خاص مع المدير *الذي انتظرها باهتمام كبير.
تسارعت* أنفاسها* وثبتت* اعينها *المخيفة* على مصطفى الذي كان *يغضب* على أخته *ويوبخها* كعادته حتى صعدا السيارة سوياً، طرق باذنها أصوات أولادها وهم يذكرون اسم المعلمة حياة ،انتظرت ابتعاد سيارة مصطفى حتى نزلت بحالتها *المرتبكة *وانفاسها *السريعة لتدخل المدرسة وتجلس بغرفة المدير ليكون أول سؤال لها عن مدرسة آيلا المميزة ورغبتها الكبيرة برؤية ملفها الوظيفي.
اخبرها المدير أنه لا يمتلك* ملفات ورقية ولكنه يمكنه إخراج الداتا* من الموقع الخاص *بالإدارة، ارتجف* جسدها *وانهارت *قوتها *وهي تنتظر ما تأكدت منه بالخارج*.
وقفت لتقترب من شاشة الكمبيوتر لتقرأ الاسم "حياة فاتح داود"
دار رأسها ليسرع المدير بامساك* ذراعها* وهو قلق* حيال* وجهها *الأحمر* ونظرات عينيها* الغريبة.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.