رواية "إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
بعد أشهر قصيرة من ولادتها خضعت حياة لعملية ناجحة عاد إليها على اثرها نور بصرها من جديد ،ذلك النور الذي لم ينجح باضاءة قلبها المظلم و وجهها المكلوم ،تمنت امها ان ترى بسمة صغيرة تُرسم على وجهها بيوم رفع شاش العملية عن عينيها ولكنها لم تحظى بهذا لتزداد حزنا وندما على ما اقترفته بحقها ،فلم تهنئ حمدية بالمال والمعيشة المنعمة الجديدة وابنتها تذبل أمام عينيها يوما بعد يوم ،عاد بصرها الذي أبى أن يرى وجوه عائلتها التي خذلتها ،ألقت حياة بنفسها في أحضان دراستها لأربعة سنوات متتالية حتى تخرجت من جامعتها بتقدير عالي أعانها في سعيها لتحقيق حلمها بأن تصبح معلمة للأطفال بعمر الروضة ،تركوها لتقدم ملفها الوظيفي بأكثر من مدرسة كان مصطفى يتعمد اختيارهم الأفضل والاعلى بحجة أن يطمئن عليها ولكن نيته الأولى والأخيرة مطمعه برفضهم لملفها ،فجميع المدارس التي قدم لها بهم كانت ذات مكانة عالية بالمستوى العلمي والتصنيف المميز على مستوى تركيا مما يجعل قبولها من المستحيل تحقيقه.
و بصباح يوم جديد تلقت حياة أول بصيص أمل حين أتاها قرار تعيين رسمي بأحد أكبر المدارس المميزة بإسطنبول،وقف مصطفى وهو ينظر لفرحتها التي من النادر ارتسامها على ملامح وجهها قائلا "كيف تم قبولك ،اعطيني لأرى انا أيضا ،من المؤكد ان هناك لبس في الأمر"
اتسعت عينيه حين تأكد ان قبولها قد جاء بأفضل وأعلى المدارس التي رشحها لها ليبتلع ريقه وينظر لوجهها الذي نسي ملامحه الضاحكة قائلا "وما حاجتك للعمل ،اتركيه لمن هم بحاجة له ،لدينا ما يكفينا للعيش المنعم لا داعي للذهاب والإياب أمام العالم وكأنكِ تعرضين نفسك عليهم..؟، لا يوجد عمل وما شابه هيا اقتربي لتشاركينا فطورنا ونحن نحتفل بتفتح الورود بوجهك"
نظرت حمدية لوجه ابنتها ثم نظرت لمصطفى بعيون راجية لتراجعه عن قراره ،خرج صادق عن صمته وهو يراجع أخيه بكلامه وخاصة الأخير قائلا "ماذا تقول أنت كيف تعرض نفسها ،وأيضا ألم تساعدها بالبحث عن المدارس والتقديم بها وانت تعدها بتحقيق حلمها" ،اخفض مصطفى نبرة صوته ليكمل حديثه بنبرته المنكسرة المفتعلة قائلا "هل كذبت أم كان كلامي ثقيلاًعليكم ،جميعنا يعلم الوضع جيدا ،بدلا من الوظيفة علينا أن نفكر بإيجاد زوج يرتضي بحالتها ،علي ان اكون صادقا من البداية هذا العمل لن تجني منه إلا التعب النفسي والجسدي ،لا يمكن لمعلم شاب مثقف ان يرضى بحالتها ويقبل الزواج منها دون أن يعلم عيبها كما تُصر هي أن تخبر وتعلن عنه فور ارتباطها بأي شخص"
بكت حياة وهي ترد على أخيها "أخبرتك أكثر من مرة أنني لا أريد الزواج ولن اتزوج وان أرغمتونني عليه ،سأفضح ما فعلتموه بي بل وسأهرب ولن تروا وجهي مجدداً"
تدخل صادق من جديد ليمسك يد مصطفى التي رفعت لتصفع حياة ،سحبه بقوة ليصدمه في جدار الحائط الخلفي قائلا بصوت غاضب وعيون مخيفة "اخبرتك من قبل ان لمست يدك شعرة منها سأحرق روحك هل تفهمني ،سأحرق روحك وروحنا جميعا"
صمت مصطفى بعينيه الثابتة على اخيه وهو يستمع لصوت حياة الذي رفع دفاعا عن حقها بالعمل ،أخذتها أمها وأدخلتها الغرفة بسرعة خوفا من فقد أخيها لعقله و وقتها لن يستطيعوا سحبها من يده، ولن يُعرف ما سيفعله ويقوله لاخيه، اقترب صادق من أخيه مجددا وهو يقول له "ماذا تريد أنت ،ما هي غايتك ،لماذا تعصف وتقصف بها كلما حدثتك"
رد مصطفى على أخيه "صادق أنت تلعب بالنار لا تتدخل بهذا الامر بالذات ،انا اعلم عملي جيدا ،عليها ان تكون خاضعة دوما لنا ،منكسرة أمام قراراتنا التي نرسمها لتخطو على نهجها ،ستبقى تحت أعيننا كي لا تصبح بلاء فوق رؤوسنا"
وبحزن كبير نظر صادق لأمه التي عادت لتسحبهم وتدخلهم غرفتها ليكملا حديثهما بها قائلة "ارحموا فؤادها المكلوم ،ألم تشفقوا عليها، هل استكثرتم ضحكتها التي حرمنا منها طوال هذه الأيام والسنين"
تحدث مصطفى لأمه بصوت منخفض "هل نسيتي ما مضى ،كيف سنسمح لها بالخروج والعمل ،عليها أن تكون تحت أنظارنا حتى نزوجها ونمحي من ذكراها المشفى الذي تتمنى معرفة اسمها كي تحاسبهم على خطئهم بل كي تعيد ابنتها التي لم تقتنع بوفاتها حتى الآن، جميعنا يعلم أنها تأخذ من الوظيفة جسراً قويا لتتحرر وتنبش ما تم دفنه قبل سنوات ،جميعنا يسمع حديثها المسموم وهي تخبرنا بايجاد ابنتها ومحاسبتهم على ما اقترفوه بحقها"
تحدثت الأم بحزن وقالت "أعلم أنك محق ،وانا معك لا يمكننا الموافقة على عملها ،لتبقى أمام وتحت أنظارنا حتى نجد من يتزوجها ويأخذها ليعيشوا بمدينة أخرى بعيدة"
نظر صادق لأمه وقال بألم ضميره "أمي ما الذي تقولينه ألم تشفقي على حزنها الكبير، ألم تشعري بفؤادها المكلوم ،تمر السنين ولا زالت تلك النظرة الحزينة بعينيها دون أن تفارقها ،لن اسمح لكم بهزيمتها وانكسارها من جديد، ان رضخت واشتركت معكم بالماضي فاليوم لن افعلها مجددا ،انها تحقق احلامها ،ضحك وجهها ،واخيرا ستعود روحها للحياة وهي وسط الأطفال ،فلتذهب و لتفعل ما تريد لعلهم يطفئون نار قلبها ،يكفي أن نراها تتحرك وتتحدث وتضحك و لربما ان تصيب احدى هذه الضحكات قلبها المكلوم لتضيئه وتزيح من قلوبنا ألم هذا الذنب الكبير"
جاء مصطفى ليعترض على ما يسمعه ولكنه قاطعه بكف يده الذي ارتفع بوجهه قائلا بنفس قوته الغير معهودة "اقسم أنني لم و لن اتراجع عن قراري هذا حتى وان وصل الامر بأن اخذها وارحل انا وهي لمكان بعيد، حتى وان حكيت لها ما تآمرنا عليها به واخذتها لنبحث سويا عن حقها المهدور ،يكفيها ما عايشته يكفيها ما تحملته سأكون أنا أمامكم من بعد الآن"
أنهى صادق حديثه وتحرك أمام صمتهم وصدمتهم بما قال ليخرج ويذهب لغرفته وهو يسمع بأذنه بكاء طفلتهم الصغيرة ،جلس على مقعد كبير بيدين مرتفعين بجانب باب غرفته وهو ينظر لفراشه الذي فارقه من شدة تعذيب ضميره ،فكلما كان ينام جاءه لمسامعه بكاء الطفلة وهم يأخذونها من يد أمها التي كانت تصرخ بحضنه وهي تقول " لن اسامحكم ما دمت حية ،لن اسامحكم ،سأشهد الله عليكم يوم القيامة لن أسامحكم بحق طفلتي"
لم يكن هو فقط من يعذب بهذا الصوت فمن جديد كان مشهد أخذ اخوتها لطفلتها من حضنها و بكاءها وهي تترجاهم ان يتركوها لها يراودها باحلامها ،حلمت ان زمانها عاد بها لتبصر بهذه اللحظات كي ترى طفلتها بل وترى هذا الطبيب السفاح لتنتقم منه ،كانت ترى نفسها قوية تقف أمام الجميع ومن خلفها الشرطة لتخلص ابنتها من سارقيها وتعيدها لحضنها رافضة لكذبة موتها بعد اخذها منها بساعات قليلة اثر عدم اكتمال أجهزتها الصغيرة ،كانت حياة تضع يديها على أذنيها لتمنع صوت بكاء طفلتها من الوصول لهم، من جديد امسكت صدرها الذي لازال بعد كل هذه السنوات ينغزها كلما تذكرت إرضاعها لطفلتها ونومها على صدرها.
فتحت عينيها لتجلس على الفراش وهي تتنفس بصعوبة كبيرة ،تحركت لتغسل وجهها وسط الغرفة ناثره قطرات الماء في أرجائها ،شعرت بدوار يميل بها داخل دوامة كبيرة لا نهاية لها ،تراجعت للخلف خطوات حتى جلست على فراشها أخذت دفترها لتكتب بدموعها الحارقة "
انا لستُ بخير.
نعم انا لستُ بخير..
هل تسمعيني هل تفهميني أقول لكِ انا لستُ بخير…
أعلم كلماتك ونصائحك وما تعيديه علي بكل مرة أهرب أليكِ بضعفي وحزني ،أعلم أنه يجب عليّ أن أجاهد وأصبر وأنتصر على نفسي قبل الجميع لأجل أسترجاعك ،ولكني لستُ بخير ،تتقطع أنفاسي ويحترق قلبي وأعود لنقطة الصفر كلما أتيتي لي باحلامي تذكريني بقوتي ومعاركي التي خضتها وأنا أصرخ بضعفي رافضة الهزيمة أمام قدري ،أسمع صوتك أقرأ ما يجول بقلبك وأؤمن به ولكني حقاً لستُ بخير
اخبريني ماذا افعل لأطفئ نار شوق قلبي لاحتضانك كي أفعله، وردتي الحبيبة هل تشعرين بي؟ ،هل تشتاقين لي؟، أم ستقولين مثلهم أنسي وتناسي الماضي كي تعيشي أحلامك التي تتحقق ،حاربي حزنك كما حاربتي عالمك من قبل ،انتصري انجحي تحرري بمحطاتك الجديدة انحتي بيدك الصخر كما تفعلين بكل مرة وأنسي أمري، أخبريني ماذا أفعل ليستمعوا لي؟، بأي لغة سأتحدث ليفهموني؟، بأي إشارة ألوح ليروا حالي؟، أبنتي أنا حقاً لستُ بخير داخلي يدمر فؤادي مجروح شريط حياتي وأحلامي تصبغ باللون الاسود، ثقتي بنفسي تجمرت واصبحت كالرماد، ماذا سأروي لكِ أعلم أنكِ مثلي تنتظرين حتى أتي لأخذك من بين ايديهم"
تركت حياة من يدها القلم لتمسح عينيها المملؤة بغيوم الحياة الممطرة بالضيق والهم والألم، تحركت لترفع ارجلها لتنام على فراشها وهي تفتح الراديو لتستمع لبرنامجها المقرب لقلبها محاولة أن تنسى نفسها وهمومها معه ،احتضنت دفترها على أصوات نغمات تتر البرنامج مغلقة عينيها المملؤة بغيومها وهي تستمع لمقدم البرنامج وهو يقول "مساء الخير نعلم أن الحياة غير عادلة للجميع ، منا من يعيشها بسعادة كبيرة ورفاهية ،والآخر يعيشها في جهاد مستمر ، قد تكون للبعض مخيفة ،وللبعض الآخر حادة ومؤذية ،تعصفك لتبتر الطمأنينة من روحك دون شفقة ، ولا تتركك حتى تنهك جسدك وتخرق قواك، تتطوح بين طياتها حتى يحتضنك حزنك وتربت معاناتك على كتفيك ، تنام وآخر أحلامك الالتقاء بلحظة الوفاة التي ستريح قلبك وفؤادك من هذا الألم"
أهلا بكم وحلقة جديدة من حلقات برنامجكم "على أوتار الحياة"
أحببت اليوم أن أحدثكم عن تقلبات الحياة الملبدة بالغيوم والعواصف والآلام، تلك الحياة التي تُقسم فؤادك وتجعلك تتمنى الموت عن خوض معاركها، حياة جميعنا نستعيذ من عيش أيامها ،حياة تشعر فيها بالوحدة على الرغم من كثرة المحيطين حولك.
صمت متنهدا لثواني مكملا بعدها قائلا "والآن سنكرر طرح سؤال الحلقة من جديد لنتلقى بعدها رسائلكم ومشاركتكم الهاتفية على ارقام البرنامج المعروفة لكم ، السؤال كان "ماذا تعني الحياة لكل منكم؟ ،أو بشكل أبسط إلى أي حياة تنتمي أنت؟"
التفت لهاتفه منتبها لوصول رسالة من والدته محتواها "لا تتأخر على حفل عيد الميلاد"
رفع عينيه عن هاتفه مندمجا ببرنامجه مرة أخرى قائلا "نستقبل أول اتصال الو ،تفضل ،من معنا"
رد المتصل ليقول "أنا الغريق ببحور الحياة أرغب بالصراخ والبكاء دون أن أنجح ،جفت دموع عيني وشل لساني حتى أصبحت أغرق ببحور حياتي دون معافرة لأجل البقاء على قيد الحياة"
انتهت المكالمة ليتحدث المذيع بصوت حزين قائلا "كم هو صعب هذا الشعور الذي يصل بالغريق للاستسلام لغرقه" ،صمت لوهلة مكملا بعدها "نتلقى اتصالا آخر ،ألو تفضل عرفنا على نفسك أولا ومن ثم اجب على سؤال الحلقة بشكل سريع كي نتيح للجميع المشاركة"
رد المتصل وقال "لا زلت شاهد على جرائم الحياة بحقي أعلم أن الحياة غير عادلة تخيرك بين الخسارة والربح دون أن ترفق بحال تعلقك بمنتصفها تنظر للأعلى وللأسفل بثباتك المميت"
انتهى الاتصال ليتحدث المذيع قائلا "أعتقد أنه كان عليك أن تجاهد وتثابر أكثر من المطلوب كي تصل لمرادك ولكنك تركت وتراجعت لتعلق بمنتصفها"
،اكمل المذيع إدارته للبرنامج الاذاعي قائلا " لنتلقى اتصالا آخر تفضل سريعا أخبرنا عن معنى الحياة بالنسبة لك"
رد المتصل وقال "الحياة ذكريات جميلة تتراقص أمام اعيننا دون أن نستطيع لمسها او الرجوع لوحدها لان القدر أقسم على كسر كل آمالي بالعودة حتى يكسر مجاديفي كي أغرق في بحور حياتي الضائعة"
تحدث المذيع بصوت تنهده قائلا "في حياتنا الكثير من العقبات القاسية التي تضرب بنا لتفقدنا صوابنا وتشعرنا بخيبة الأمل وتملأ قلوبنا بالبؤس، تضعفنا حتى تتركنا بلا قوة فاقدين القدرة على مواجهة أقدارها العصيبة، نفقد الثقة بأنفسنا لنستسلم لفكرة الضياع في مهب الريح ،وهنا تكمن المشكلة والحل لا تفقد الأمل مادمت حيا ،حتى وان لم نستطع التغير بالوقت الحالي ،حتى وان لم نستطع العودة بآلة الزمن للوراء ، وحتى وأن نفذت طاقة قوتك على التحمل، عليك دوما الاجتهاد والجهاد بقوة وصبر محدثا نفسك أن القادم أفضل ،رددوها ،املؤوا قلوبكم المظلمة الحزينة بها ،كلما ضاقت عليكم الحياة ،كلما امتلأت قلوبكم بأعاصير وغيوم الحياة ارفعوا وجوهكم للسماء ، أغمضوا عيونكم لتستنشقوا الصعداء وقلوبكم تردد ان القادم أجمل فلا حياة بدون أمل ولا أمل بدون جهاد للوصول للحياة ،شكرا لكم على هذه الدقائق اليومية التي اسعد بها ،انتظر رسائلكم على الاميل الخاص بالبرنامج لنكمل أحاديثنا الليلية، إلى اللقاء"
كتبت حياة رسالة على صفحة البرنامج محتواها "يا ليتني اتعذب بحياة استطيع تخطيها أو نسيانها" وضعت يدها على بطنها وهي تحنو عليها بعينيها الحارقة ودموعها مستسلمة لنومها
بهذا الوقت عاد سراج للقصر ليلحق بعيد ميلاد آيلا جول الرابع ،ضحكت أمه نازلي وهي تقول "من الجيد يا بني وصولك قبل أن نطفئ الشموع"
ألقى سراج السلام على الأهل والمدعوين بفرح ،ركضت ايلا بأقدامها الصغيرة نحوه فاتحة يديها على مصراعيها "عمي سراج" وألقت بنفسها في حضنه ليحملها ويقف بها مقبلا وجهها الجميل قائلا "روحي وملاكي وردة ضي القمر الخاص بعائلتنا"
شردت سما بعيونها الحزينة نحو تقبيل سراج لطفلتها ،اقترب أركان من أخيه وهو يحدث ابنته بفرحة كبيرة ،شردت الأم نازلي وهي تنظر لابنائها وحفيدتها،
ناداها أركان لتتحرك وتنضم اليهم كي يطفئوا الشموع ،بحث أركان عن زوجته بعينيه متعجبا من اختفائها ،تحدث والد سما السيد هاشم قائلا "ذهبت لتجدد مكياجها قبل صور إطفاء الشموع ،سأذهب لاناديها وأعود على الفور"
وبضيق أغمض أركان عينيه لوهلة ثم أومأ برأسه بعدها وهو يرد على والد زوجته "سلمت يا أبي"
تحرك هاشم أوغلو ليخرج باحثا عن ابنته ، خرجت زوجته من خلفه وهي تقول له "الى أين ذهبت بهذا الوقت ؟"
تمالك هاشم غضبه الذي خرج بنبرة صوته المنخفض وقال "لا وقت لأسئلتك علينا أن نجدها ونعيدها بسرعة لتطفئ الشموع دون أن نُفضح"
داخل الصالة الكبيرة حيث الاحتفال الذي شهده صفوة الصفوة من المقربين والاحبة اقتربت نازلي من ابنها أكثر وقالت "أتمنى أن ينجح هاشم بيه بضبط اعداداتها هذه المرة"
تحدث أركان وهو يبتسم بوجه الضيوف "نعم وانا ايضا اتمنى هذا ،لأنني لم أعد أتحمل نوباتها المجنونة" صمت أركان مكملا داخل نفسه "ونظراتها المسمومة"
ردت نازلي وهي تنظر للضيوف كما ينظر ابنها "علينا أن نتحملها ،هذا نتاج افراطك بسماع كلامها وتركك لها دون ضوابط لهذا ستتحمل مثل الباب لا أريد مشاكل وخاصة بهذه الفترة ،الشحنات الجديدة اقترب تسليمها انت تعلم أهمية الصفقة وانها لا يستهان بها لهذا لا نريد أحزان هاشم بيه منا أثناء تلك الفترة"
وعلى مضض وضيق عادت سما وسط والديها ،ضحك وجه أركان مقتربا منها وهو يحمل طفلته التي تمنى أن تنظر لها أمها نظرات حب واهتمام وفرح ،تعمدت سما أن لا تنظر اتجاه آيلا كي لا تضطر لحملها أثناء إطفاء الشموع كما كانت ترغب وتلقي بنفسها نحوها.
اطفئوا الشموع متمنين للطفلة حياة سعيدة ،شربت سما كثيرا بهذا اليوم حتى بدأ عقلها يذهب وتفقد صوابها امام الضيوف وكأنها تريد أن تنسى حقيقة عدم انتساب الطفلة لها فرغم مرور تلك السنوات إلا أنها لا زالت غير متقبلة لفكرة ممارستها الامومة لفرد غريب عنها ،والأكثر من هذا انها كانت تتجرع ألم ابتعاد الطفلة عن أمها الحقيقية حتى أصبح نداء أمي من الصغيرة يحرق قلبها و فؤادها أكثر مما هو محترق بسبب عيشها بحياة مختلفة عن التي حلمت ورغبت بها مع حبها الأول الذي أرغمتها الأقدار أن تعيش معه تحت سقف واحد دون حق لها في الاقتراب منه او التحدث معه كي لا تضعف وتسقط بناره من جديد.
انتهى الاحتفال لتذهب سما لغرفتها دون أن تودع أحد ،تحركت آيلا بأقدامها البطيئه خلف أمها ويدها الصغيرة تحك عينيها من نعاسها واليد الأخرى ممسكه بفستانها المزين بألوان الربيع المبهجة ،لم تنتبه سما لاتباع ابنتها لها إلا بعد دخولها الغرفة خلفها منادية بصوت ضعيف مهزوز خائف "أمي"
التفتت سما نحو آيلا لتصرخ بوجهها "كم مرة قلت لكِ لا تناديني بأمي"
حكت الطفلة عينيها الدامعة بخوف ونعاس وكلمات صغيرة غير مرتبطة "أمي، أنام، حضنك"
علا صوت سما أكثر وهي تضع يديها على رأسها صارخة "لا تناديني بأمي ،لا تناديني بها"
وركضت لشرفتها واضعة يديها على أسوارها وهي تتنفس بسرعة، بكت الطفلة التي لا حول لها ولا قوة مقتربة من قبلتها مرددة "أنام" وخفضت صوتها أكثر من خوفها "أمي أنام"
أخذتها سما بغضبها ورفعتها على المقعد الذي بجانبها وهي تقول لها "آيلا لا تغضبيني اصمتي الآن وانتظري والدك لينيمك انا متعبة"
لم تصنت آيلا لحديث أمها فهي معتادة على عصبيتها المفرطة ،زاد حكها لعينيها المغلقة طالبة النوم بحضن أمها التي امسكتها من كتفيها لتهزها وتهتز بها من شدة دوران رأسها وفقدانها السيطرة على نفسها لكثرة شربها ،وبلحظة غير منتظرة سقطت الطفلة من سور الشرفة القصير بطوله بعد أن تركتها سما من يدها ممسكة بطرف السور لتمنع سقوطها هي ايضا من خلفها ،بنفس اللحظة التي تطاير فستان الطفلة كالمنطاد فوقها كانت حياة تصارع ضيق صدرها وفقدها القدرة على التنفس جلست على فراشها وهي تسعل عدة مرات متتالية محاولة بها التنفس بشكل سليم، أسرعت الام لتدخل الغرفة ومن خلفها أخيها صادق الذي كان له نصيب من رؤية اخته وهي تشهق بصعوبة و تسعل بقوة محاولة التقاط أنفاسها التي كادت أن تنقطع وتودي بحياتها للنهاية المتمنية.
لم يصدق سراج ما يراه أمام عينيه أسرع بخطواته التي أشبهت المجنون بركضه رافعا يديه للسماء محاولا اصابة هدفه بإمساك صاحبة الفستان الملون قبل سقوطها المدوي، صرخ أركان باسم ابنته صرخة ارعدت قلب سما التي خرجت عينيها خلف من سقطت سهوا من بين يديها ،قفز سراج للأمام بقوة التقط بها آيلا وضمها بحضنه وهو يستدير بظهره كي يتلقى السقوط به ،إقترب أركان من أخيه ليأخذ ابنته من بين يديه وهو يتفقدها بحالته المذعورة وصوته المهزوز من شدة الخوف "ايلا ،ابنتي ،هل انتي بخير؟" دارت عينيه على أرجلها ويدها متفحصا أي ضرر قد حل بهما ليضمها لصدره وهو ينظر بقوة نحو من جمعت الأنظار حولها بالاعلى ،جلست نازلي على سور صغير يحاوط الزهور بالحديقة بعد إنخفاض ضغطها وهروب الدم من عروقها ،فلا أحد كان يتوقع ما حصل بعد توديعهم لضيوفهم فلولا ذلك الاتصال الذي أتى لسراج وجعله يستأذن من الجميع ويتراجع للخلف ليتحدث بهاتفه ما كان الوضع سيكون بهذا اللطف الذي انزله الله على هذه الطفلة المسكينة التي لم تبكي ولم تتحدث من صدمتها بل اغمضت عينيها دافنة وجهها بحضن أبيها وهي مشددة بقبضة يدها عليه لتظل على هذه الحالة لمدة عدة أيام دون انفصال عن والدها ولو للحظة واحدة، تفرغ أركان لرعاية ابنته دون الاهتمام بالعمل والذهاب له متمنيا سماع صوتها الصغير من جديد.
وبعد أن زاد الوضع عن الحد الطبيعي قرر أركان ان يذهب بابنته للطبيب ،دخل غرفتها وهو يحملها قائلا "هيا لاساعدك بتبديل ملابسك"
رفضت الطفلة الملتصقة بأبيها الجلوس على الفراش وحدها ،دخلت سما بوجهها الحزين قائلة "أنا ساساعدك"
وتحركت نحو الخزانة الصغيرة لتختار ملابس سهلة بالارتداء ومريحة ،غضب أركان وتحدث لزوجته "ألم أقل لا تتدخلي بنا ،لماذا أتيتي خلفنا؟ ،أخرجي من الغرفة الآن لا أريد مساعدة منك"
ابتلعت سما ريقها المحتقن بحزنها وتعذيب ضميرها قائلة "أقسم لك أنني لم افعلها قصدا ،كيف ظننت بي هذا؟"
اقتربت خطوات منه لتكمل بنبرة بكائها "أركان صدقني انا لم اتعمد اذيتها،أعدك أنني لن اقترب من الشرب مجددا أعدك أنني لن أغضب ولن أصرخ مجددا"
اقتربت أكثر لتضع يدها على يد آيلا الممسكة بابيها قائلة "أعدك أن اجعلها تسامحني ان أعطيتني فرصة جديدة اثبت لك محبتي لها ،أقسم لك أنني أحبها ،أقسم لك أنني أحزن على حالتها كما تحزن انت"
انتظر أركان أن تنهي سما حديثها حتى رد عليها دون النظر تجاهها "هل انتهيتي ،يمكنك الخروج الآن"
ردت سما بصوتها الباكي "أركان أرجوك اعطني فرصة أخرى"
أجابها بنبرته القوية الثابتة و وجهه ذو الملامح الحادة "يمكنك الخروج الآن"
همت لتتحرك لولا أن شعرت بتمسك يد آيلا بيدها ،تهاطلت دموعها وهي تقبل يدها الصغيرة معتذرة منها مقسمة لها أنها تحبها وأنها لم تنم منذ سقوطها حزنا عليها ،ظلت تتحدث مع الطفلة وكأنها شخص كبير يفهم عليها لتتحرك الصغيرة بعينيها الدامعة وقلبها الذي يشتاق لحنان الأم لتلقي بجسدها الصغير في حضن سما التي حملتها مقبلة رأسها و وجهها ويدها مقسمة لها أنها لم تتعمد اسقاطها ،لمس أركان صدق ندم سما عن ما اقترفته بحق ابنته، أما صدق نيتها بتعمد إلقاءها من أعلى الشرفة كان قد تأكد منه عندما رأى حالة عيونها المنتفخة من البكاء و كوابيسها التي كانت توقظها صارخة باسم آيلا عندما يتكرر أمامها نفس المشهد.
ذهبا للطبيب دون أن يتوقعا صدمتهم بتأثر آيلا بالحادث لدرجة اثقلت لسانها وجعلتها عاجزة عن النطق والنشاط كباقي الأطفال وكأنها بخمولها وبطئها قد عجزت وكبرت قبل آوانها.
وبيوم جديد أنهت به حياة أداء صلاة الفجر ثم تحركت بحزنها لتجلس على فراشها مستندة بظهرها على المسند الخلفي ،فتحت دفتر مذكراتها من جديد لتكتب داخله بحبر دموع قلبها الساكن "أقترب شروق شمس يوم جديد ليخبرني بأنني لا زلت على قيد الحياة ،اغمض عيناي وأُخرج أنفاسي للتأكد من حقيقة بدأ يوم جديد يعصفني ويركلني حتى يلقي بي اخر الليل في جحيم واقعي المرير ،انظر لضعفي وألمي وصغر جسدي بأعين هاوية لا تعلم بأي مجهول سأسقط هذه المرة"
اذرفت من عينيها دمعة حزينة حين اغمضتهم محدثة ابنتها داخلها "يا ترى بأي مكان أنتِ الآن يا صغيرتي، سعيدة أم حزينة ،تنعمين بدفء المحبة والرعاية أم تتألمين ببرد وجفاء قلوب من حولك"
بهذا الوقت كان أركان يحتضن صغيرته النائمة داخل جناحيه ليطمئن قلبها ويمنحها السكينة والهدوء النفسي متأملا بزوال خوفها وثقل لسانها.
تحركت حياة لتنزل عن فراشها لتتجهز لموعدها الأول بعملها في المدرسة المميزة ،رفض مصطفى ذهابها بمفردها رغم تعطل سيارتهم الجديدة بمشكلة في شبكة الكهرباء الخاصة بها ،تحدث صادق ليقول لأخيه "كنت محق عليّ أن أتعلم القيادة باقرب وقت ،توقفت مصالحنا وتأخرنا على عملنا بسبب تعطل سيارتك"
رد مصطفى بعد ان شرب اخر رشفة بكأس الشاي خاصته قائلا "الشكر لله واخيراً شعرت بما أقوله لك ،تبقى القليل على تعييني لسائق خاص بك كي تترك ياقتي وتكف عن قول هيا بنا يا اخي ،اريد شراء الحلوى يا اخي ،متى سنعود للمنزل يا اخي ،وبالاخير لا تتأخر بالسهر حتى نذهب للعمل قبل طلوع الشمس ،هل أصبحت صبي بالابتدائية وليس لدي علم!"
ابتسم صادق وقال "معك حق وانا ايضا سئمت من تذمرك واستيقاظك كل يوم بصعوبة ،سأتعلم لانهي أعمالي بنفسي دون الحاجة لك و لسيارتك"
عادت حياة لغرفتها لأخذ حقيبة يدها ووضعتها على كتفها قائلة "تأخرت على موعدي"
ردت أمها وهي تخرج من المطبخ وبيدها أطباق الحلوى "افطري أولا ومن ثم تناولي الحلوى واذهبي بعدها لعملك"
رفضت حياة قائلة "لا وقت لدي، اخذت عنوان المدرسة من موقعها الالكتروني أمامي ساعة على الأكثر لأكون أمام المدير"
وقف مصطفى بذهول قائلا "ألم تستمعي لما أقول ،هل ظننتي أنني سأتركك تذهبين وحدك كل هذه المسافة؟"
ردت حياة على أخيها "ألم تقل بالأمس تعطلت سيارتك وتغيرت خططك"
ضحك مصطفى ساخراً من أخته "وكأننا ولدنا وتحت أيدينا سيارات ،تعطل السيارة ليس بمعضلة ،سنطلب سيارة أجرة ونذهب بها"
رد صادق على أخيه "اتركها لتذهب وحدها ،ونحن نذهب لعملنا الذي تأخرنا عليه"
رفض مصطفى رفضاً قاطعا مُصراً على إيصاله لها بشكل يومي وإعادتها لمنزلها بيده حتى يضمن سير حركتها ويتعرف ويرى كل من تحتك به في محيطها الجديد.
خرجا من المنزل فور وصول السيارة بالخارج، جلست حياة بجانب أخيها بملامحها الحادة الخائفة من المجهول فهي على موعد مع منعطف جديد بحياتها لا تعرف ما الخير او السوء الذي سيعود عليها جراء خوضها لهذا العراك الواضح بظاهره عمل و بناء كيان جديد لروح خاوية مدمرة ،وما يخفيه بباطنه غير معلوم ،عزمت على خوض التجربة وهي تنتظر الضربة القاضية المفاجأة التي ستأتيها من مكان غير معلوم كما حدث معها من قبل حين تلقت هذه الضربة العاصفة التي أودت بحياتها الطفولية للجحيم.
نظر مصطفى لملابسها المرتبة المختارة بعناية كبيرة وهو يحثها على التأهب لقرب الوصول ، وصلا للمكان منبهرين بجمال بنيانه المتشابه المطلي باللون الابيض وجمال تصميمه الراقي ، وقف مصطفى على باب المدرسة حين منعه الأمن رافضاً إدخال أحد آخر سوى الموظفين والطلاب، لتتحرر حياة من اخيها بعد ان أكد عليها انتظاره لها أمام البوابة التي من الممنوع تخطيها قبل تمام الساعة الثالثة ظهراً وهو موعد انتهاء دوامها.
تحررت روحها لتسبقها مرفرفة للداخل تحوم بعينها مستمتعة بالأجواء السعيدة وسط الألوان المبهجة والرسومات الكرتونية و أصوات الاطفال تدوي بكل مكان ،هذا يضحك، وهذا ينادي ،والآخر يبكي رافضاً ترك والديه، استنشقت حياة أكسجين حياتها أخيراً وهي وسطهم لدرجة انستها تسجيل حضورها لتولي أولى مهامها بأول يوم دراسي.
مرت أيام وشهور كره أركان زوجته ونفر منها بل وتربص بأخطائها ليذمها ويوبخها بكل وقت وحين ،فلم يستطع نسيان ما فعلته بإبنته التي اعتصر قلبه كلما رآها بهذا الشكل.
لم تتحمل سما ما يفعل بها ونظرات الجميع لها ،وهذا ما جعلها تعود لمعاملتها السيئة مع آيلا لتغرق باضطرابها النفسي من جديد.
تأثر الجميع وتدخل لينقذ سما من حالتها التي ساءت حتى أصبحت الأدوية لا تؤثر بها ولا تجدي نفعا ،تراجع أركان عن ضغطه عليها وتحسنت معاملته معها لدرجة أنه ترك ابنته برعاية جدتها وعمها وأخذها في رحلة استمرت لأكثر من أربعين ليلة لم ترى سما بهم سوى الحزن والبكاء والكوابيس، كان كلما أراد العودة يجبره السيد هاشم على الابتعاد عن منزلهم العائلي أكبر وقت ممكن متأملا بتحسن ابنته ،لم يعلم أحد سر تعاطي سما للمواد المخدرة بجانب المشروب عندما تخالطهم ببعضهم لتنسى بهم حالها والضياع الذي تشعر به وهذا ما دمر صحتها ،سافر والديها إليها كي ينقذوها مما هي به منصدمين بحالة وجهها واسمرار أسفل عينيها ،تعجبا باهتمامها الغريب بالسهر والرقص والتواجد في أماكن يكثر بها الأصوات الصاخبة، تحدث أركان للسيد هاشم متسائلا بحزن "هل نضعها في مصحة علاجية كي تكف عن المشروب وتهدئ اعصابها لتعود لحياتها الطبيعية ،اعتذر لثقل حديثي ولكنك ترى الوضع بنفسك ،انظر لرقصها وحالتها؟ التي تسوء كل يوم أكثر من سابقه،وأيضا أنا لا أستطيع البقاء بكندا أكثر من ذلك ،اقترب موعد تسليم الشحنات الجديد ويجب أن اكون على رأس الشركة لأدير الرجال…"
قاطعه هاشم بغضبه وقال "لا يوجد شحنات ولا يوجد عمل قبل أن تعيد لابنتي سلامها النفسي ،أنا لن أقبل أن تضعها بمصحة لتعيش حياتك كما يحلو لك ،لن أقبل أن يقال ابنة هاشم أوغلو تتلقى العلاج النفسي بإحدى المصحات ابنتي ليست مجنونة، لا أسمح لأحد أن يكسرها ويجبرها على ما لا تريده ،انت صاحب القرار اما أن تكون علاج لها وإلا فلتنسى أمر العمل المشترك بيننا"
صعق أركان من شدة وغضب السيد هاشم وتصريحاته الصادمة ،لتصعق نازلي هي أيضا وتضغط على ابنها كي يبقى مع زوجته ويلطف الوسط بينهما قائلة "تغاضى عن ما تشربه وكأنه شيئ طبيعي ،تمالك غضبك عند نوباتها الجنونية وأنا سأدير الشركة كالسابق ،لا أريد أن أخاطر بسير مواعيد الشحنات الموصى بها حتى لا نقع بأزمة مالية نحن في غنى عنها ،لا تقلق تبقى القليل ونتخلص من هاشم، أقترب معرفتي بالرأس الكبير وحينها لن نحتاج لهاشم وأمثاله، سأجعله يندم هو وابنته المجنونة على أفعالهما"
تذمر أركان متعجبا من حالة سما وكيف أصبحت شخص آخر بغضون سبعة أشهر، ردت أمه "أتركك منها سأجعلها تندم أقسم أنني سأجعلهم يندمون"
تعلقت الطفلة بعمها سراج حتى أصبحت تتركه بصعوبة عند ذهابه للعمل ،ليقرر سراج بإحدى الليالي ان يأخذها معه ليعرفها على محبينه قائلا لهم "أحبائي واحبتي من كل مكان اهلا بكم مجدداً مع برنامج على أوتار الحياةسيكون معنا اليوم ضيفي وملاكي الصغير الصامت، اريد ان أخبركم بأنني بقيت يومي كله أفكر بما سأطرحه عليكم هذه الليلة كتبت أكثر من خاطرة لنناقشها سوياً ،جميعها ذهبت فور شرودي بوجه ضيفتي التي الهمتني موضوع الحلقة التي سنبدأها بحكمة ونصيحة صغيرة علينا الانتباه جيداً لها " لايعني سقوطك بالماء أنك ستغرق به ،لا يمكن لأحد أن يصف الأسماك على أنها كائنات غارقة ببحور مساكنها، كما لا يعني سقوطك من طائرة وسط السحاب أنك ستنجح بالطيران وحدك ،رغم رؤيتك لنجاح الطيور في طيرانها في السماء حولك.
ما أردت قوله أنه يتوجب علينا جميعاً أن نكون بالمكان الصحيح الذي يشعرك أنه ينتمي لك ،وأنك ستنجح به ،بل و ستحقق طموحاتك داخله ،مكان تستطيع أن تنتصر على ضعفك وهزيمتك وأنت تقف على سطحه الصلب ،هذا ما علينا جميعا القيام به ،إياك و أن تحلم بحياة لا تنتمي لها ،إياك أن تغصب نفسك على خوض معارك أكبر منك لم تكسب منها إلا خسارة نفسك ،إياك أن تسقط في مكان ليس عائد لك"
ننتظر اتصالاتكم على أرقام البرنامج المعروفة لكم ، ومعنا أول أتصال "ألو تفضل عرفنا على نفسك ومن ثم حدثنا سريعا عن رأيك"
رد المتصل وقال "معكم أمير الظلام جاء ليخبركم أن العبرة ليس بأماكن تواجدنا بل بمهارتنا التي ستصنع المعجزات بأي مكان سنتواجد به"
ابتسم سراج وهو يرد عليه "ممتاز علينا أن نصنع معجزاتنا بأيدينا حتى لو نحتنا الصخر ،ولكن عليك قبل أن تبدأ حربك معرفة المكان الصحيح المناسب لتلك الحرب فلا يمكن للسمك أن يحارب في سماء بحره وإلا يموت ويسقط منهزما من أول جولة"
شكراً لك يا أمير معنا اتصال اخر "تفضل نسمعك جيدا"
رد المتصل "أنت محق حتى أنك ذكرتني بـما قرأته للفيلسوف الروسي دوستويفسكي حين قال لا شيء يؤذي الروح أكثر من بقائها عالقة في مكان لا تنتمي إليه".
تحدث سراج بنبرة تنهده قائلا "صدق دوستويفسكي ولهذا اشدد الليلة على الجميع أن يقف مع نفسه ليرى بأي مكان هو، اما أن يستمر واما أن يُعدل قبلته"
والآن جاء دور قراءة الرسائل كما وعدناكم باختيار بعضهم للمشاركة بالبث الحي للبرنامج، فتح سراج هاتفه على صفحة البرنامج لتؤثره مقولة كُتبت من شخص يدعى غيوم الحياة ألقى محتواها على متابعيه وهو يقول "وماذا إن كنا بمكاننا الصحيح وأتتنا الصفعة ممن أعطيناهم مكانة خاصة ومساحة آمنة بحياتنا ،ماذا إن جاءتنا الطعنة المسمومة بأيدي موطننا وملجأنا وكل ما لك بهذه الحياة، ماذا ان تحول سندك وامانك لقهرك وسحقك،بهذا الوقت لن يفرق معك لا مكان ولا حياة ستظل تنظر بعينيك الغارقة بالحزن والاسى والالم تتمنى الموت بكل نفس على أن ترضى العيش بهذا العذاب"
حزن سراج وقال "نعم وهذا أيضا موجود ،من الضروري أن نبحث عن اشخاص أوفياء محبين لنا يحيطون بنا دون غدر أو سفك بأرواحنا ،بقدربحثنا عن الأماكن الصحيحة الملائمة لنجاحنا وتحقيق أحلامنا فإن وجدت البطانة الصالحة من المؤكد أنها سترشدك وتعينك لتجد سطحك الصلب الذي سيواجه دنياك وينتصر بمحاطتها وأنت واقف بثبات عليها"
أنهى سراج البرنامج معتذرا من باقي المشاركين لضيق الوقت متمنياً للجميع أن يحظوا بفرصة أكبر في المرات المقبلة.
نظر سراج لمن نامت بحضنه متمسكة به بقوة خوفها مقبلا رأسها بحب وعطف كبير.
وعلى فراشها كتبت حياة باسمها المستعار على صفحة البرنامج "وهل يستطيع الشخص أن يختار أمه وأباه وأفراد عائلته ،هل يستطيع النجاح وإيجاد أرضه الصلبة وهم يحاربونه لكسره وتحطيم أماله"
أغلقت الهاتف ونامت بضيق صدرها وقولها "لم ولن استسلم ،لأجلك لن استسلم ،لن اجعلهم ينجحون بتفريقنا ،سأجد ارضي الصلبة وسأقف عليها لاحارب الجميع حتى اعيدك لقلبي يا قلبي".
حاول أركان التقرب من زوجته واحتوائها من جديد محاولا ارضائها وكسب قلبها ،بدأ التحسن يظهر على وجه سما شيء فشيء حتى أنها قللت من شربها و وضعها نسب المخدر به ،أقنعها بالعودة لمنزلهم لأجل حبيبة قلبها ،راودها وحنن فؤادها الطيب على صغيرتهم راسما معها الأحلام المستقبلية ،وافقت سما وانصتت لزوجها محاولة أن تنقذ نفسها من سقوطها في ظلام لا مخرج منه.
عادت بقلبها القلق من مصيرها المنتظر لهذا المنزل الذي يشبه القبر بعينيها ،فرح أركان برؤية ابنته بعد مرور شهرين كاملين وهي أكبر مدة قضاها بعيداً عنها ،كما فرحت نازلي بزوجة ابنها وأخذتها بالأحضان والقبلات والاهتمام الغريب.
ظل الوضع على هذا النحو من السعادة العائلية حتى أصبحت نازلي تهتم بطعام سما و شربها العصير الطبيعي المليء بالفيتامينات لأجل استعادة عافيتها.
لم يرى أحد نظرات نازلي المخيفة وهي تُتابع شرب سما لعصيرها *اليومي الممزوج بالمواد المخدرة، فحين أخبرها أركان معرفته هو والسيد هاشم بسرإدمان زوجته ومحاولتهم الكبيرة بإعادتها عن هذا الطريق حتى بدأت فعليا أن تكف عنه بشكل كامل فكرت نازلي أن تغرقها وتتخلص منها ومن سيطرة والدها عليهم بجعلها تدمن دون أن تشعر وتسوء حالتها لتكون نهايتها من جنس تجارة والدها ،وحينها لا يمكن لأحد إلقاء اللوم على أركان وأمه وخاصة معرفة والدها بأن ابنته من قامت بهذا بمحض ارادتها.
خرج وضع سما عن السيطرة حتى وقف سراج بوجه أخيه قائلا "اما أن تأخذها للمصحة النفسية بيدك ،أو سأخذها أنا بيدي لن أتركها تذبل و تموت أمام أعيننا ،أخي أنظر لحالتها لقد أشبهت مرضى تعاطي المخدرات بعينيها وفقدها لعقلها ،أخشى أن تؤذي الصغيرة بإحدى نوباتها دون أن نعلم"
لم يكمل سراج كلماته الأخيرة حتى أتت المسؤولة عن رعاية آيلا جول قائلة بصوتها المتقطع من فزعها وعيونها المتسعة "أركان بيه ،آيلا هانم ،سما هانم"
سألها بخوف "ما بهما ؟"
أسرع الأخوين نحو غرفة سما لينصدموا من نوم الصغيرة ومن يقال أنها أمها على الفراش وبجوارهم عبوة دواء، فارغة.
قامت القيامة بالمنزل ولم تهدأ هرول الجميع لإنقاذ الأم وابنتها ،أصوات سرينة الإسعاف تدوي بكل مكان ،مسعفين يهرولون لإنقاذ المرضى ،أطباء يقررون إدخال الحالتين لغرفة العمليات وإجراء غسيل معدة سريع ،صرخت نازلي بوجه السيد هاشم وهي تهدده لتخيره بأن أن يأخذ ابنته لمصلحة علاجية او أن تنفصل عن عائلة اوزدمير بشكل نهائي"
لم يستطيع هاشم هذه المرة أن يتجرأ على معارضتهم او تهديدهم بعد أن أثبتت التحاليل النسب العالية من المخدر بدم ابنته التي بكت وهي تقسم بأنها لم تعد للادمان وأنها توقفت عن أخذه لأجل وعدها لزوجها بعيش حياة جديدة سعيدة.
ورغم ضيقه إلا أنه تعاطف مع زوجته أملاً بأن تصدق بقولها هذه المرة ،عادت سما لمنزل العائلة ليفقد سراج عقله برؤيتها تدخل متسندة على يد أركان الذي كان يحمل ابنته بيده الأخرى ،أسرع وأخذ الطفلة من أخيه قائلا بغضبكيف سمحوا بإخراجها من المشفى وهي بهذه الحالة"
اتسعت عين أركان محذراً أخاه من حديثه ،اقتربت نازلي وقالت بغضب "سراج محق كان عليها أن تبقى بالمشفى أو تذهب لمنزل أبيها حتى يعود عقلها لها"
غضب أركان من أحاديثهم تحرك بسما ليجلسها وهو ينظر لاخيه وأمه قائلا "هي بالمكان الذي يفترض أن تكون به ولن تذهب لمكان اخر، ستبقى بيننا حتى تتعافى أخبرنا الطبيب إنها بخير وتتحسن بسرعة ،كما تم تعيين ممرضة خاصة بها ستأتي من يوم الغد كي تشرف على حالتها بنفسها"
حزنت سما على ما وصل بها من حال تحدثت قائلة "أعلم أن أخطائي كثرت وأصبح الاعتذار غير كافي أمامها، ولكني أقسم لكم أنني كنت أحاول التعافي أنا لم أقترب من مشروب او اي مادة مخدرة منذ عودتي من كندا"
وبغضب اقتربت نازلي خطوات لترد عليها بقوة لولا أن لحق بها أركان وسحبها لغرفة المكتب كي يتحدثا بعيداً عن الأم وابنتها ،حزن سراج لبكاء سما ونوم الطفلة الذي أصبح ملاذ ومهرب لما تراه أمامها، تحرك سراج ليجلس بالمقعد المجاور لسما قائلا "اهدئي لا أحد يريد بكِ الشر ،نحن قلقون لأجلك، العلاج مهم جدا في حالتك ،ثقي بي لأجل ابنتك ،انظري إليها كيف أصبحت حزينة ونائمة طوال اليوم ،أنا أريد مساعدتك لتعودي لحياتك وعائلتك بأفضل حال ،اصدقيني القول افتحي قلبك وتحدثي معي أخبريني ما السر وراء هروبك ولجوئك للمشروب، هل بينك وبين أركان ما لا نعلمه ،هل يضغط عليكِ ،هل لديكِ مشكلة أستطيع مساعدتك بها"
ظلت تبكي بصمت ليحدثها من جديد قائلا "الحياة جميلة بالقدر الذي يستحق التمسك بها ،لا تفقدي الأمل، ابدئي من جديد ،كفي عن بكائك وضعفك وهروبك من الواقع ،الإدمان سم يسري بالدم لا يذهب حتى يودي بصاحبه للهلاك"
عاد أركان ليأخذ زوجته ويصطحبها لغرفته حاملا ابنته على كتفه دون التحدث مع أحد ،نظر سراج لأمه قائلا "هل تعلمين خطورة ما يحدث ،ما بكم أنا لا أصدق وضعكم ،أين عائلتها ،لماذا وصلت لهذه الحالة ،كيف يتركها الجميع وهم شاهدين على هلاكها، أمي جميعنا نعلم أن الادمان لا يمكن لأحد التعافي منه بمجرد قرار إيجابي أخذه أمام الجميع ،ستهزم أمام رغباتها وتحطم وحينها لا نستطيع توقع الخسائر، نشكر الله على تخطينا الخطر للمرة الثانية ولكني لا أضمن أن نلحق بها او بالصغيرة في المرة القادمة ،بأول مرة تحججت بدوران رأسها والمرة الثانية بأخذ الطفلة للدواء من بعد اغمائها دون أن تشعر بها الله عليم الثالثة كيف ستكون ،ها أنا أعيد وأكرر وأؤكد…"
تحدثت نازلي بعد أن طرق الخوف حصن قلعتها قائلة بعين ثاقبة ثابتة بنظرها للأمام "لا تقلق هذا الأمر عندي من بعد الان ،سأتحدث غدا مع والدها ،أما بالنسبة للطفلة فلن يجتمعا وحدهما من بعد الان"
تحركت نازلي لتذهب لغرفتها بحالتها الغريبة المخيفة ليضربها سراج بكلماته الصادمة بالنسبة لها قائلا "برأيك لماذا لا تتقبل الأم ابنتها بعد كل هذه السنوات؟"
استدارت نازلي بوجهها المصدوم ليكمل سراج حديثه القوي وهو ينظر داخل عينيها "ولا تقولين أنني مخطئ بهذا الجميع يرى ويلمس حقيقية ما أقوله حتى الخدم أصبح السؤال بعينيهم عن سر هذا العداء ،لولا رؤية حملها يكبر أمام اعيننا لكنت آمنت بفكرة أنها ليست أمها الحقيقية ،وكأن الطفلة ضحية نزوة لاخي اضطرت هي تحملها والعيش مع ذكراها"
نفت نازلي بكل ما أوتيت من قوة غاضبة على سراج منددة لما قاله ، تراجع سراج واعتذر عن ما خرج منه أمام تغير حالة أمه وشدة قوتها التي لم يرها بحديثها من قبل.
ذهبت نازلي لغرفتها وهي بأسوء حال قائلة "علي اتخلص منها ،لن انتظر نهاية حفيدتي وفضح المستور على يدها ،ولكن كيف ،كيف سأفعلها هذه المرة"
جلست نازلي على الفراش شاردة بذكرياتها مع أخيها الفاسد الذي كان يأتيها كل عدة أشهر ليساومها ويأخذ منها الأموال ليشرب ويلعب القمار بها ،اغمضت عينيها وهي تتذكر وقوف سيارتها بإحدى ازقة أولس القديمة المظلمة ليأتي هو إليها بوجهه الضاحك الساخر "ألم أقل لكِ أنكِ ستأتي رغماً عنكِ ،لا تغضبيني بالمرة المقبلة حتى لا أفضح أصلك ونسبك هيا أعطني المال واياكِ أن تقولي نسيت المواد المخدرة اقطعكِ وأنهي أمرك هذه المرة"
استدارت نازلي بجلستها كي تأخذ الحقيبة من الخلف وتعطيها لأخيها قائلة "داخلها ما يكفيك لسنة كاملة ،لا أريد رؤيتك أمام شركتنا أو سماع صوتك قريباً أُحذرك"
أمسك أخاها باصبع السبابة خاصتها ليضغطه بيدها بقوة جعلتها تتألم وهي تستمع له "ستأتين وتدفعين بكل ما أريده دون تهديد ،ألم تتذكري أنني السبب بكل هذا الخير الذي أنتِ به ،أم نسيتي بيعك لي وهروبك لتتزوجي وتعملي بالتجارة على أوسع نطاق"
ابتلعت نازلي ريقها بخوف وهي تتذكر إخراجها من حقيبتها علبة صغيرة اعطتها لأخيها وهي تقول له "هل ترغب بالعمل معي من جديد"
لمعت عيني أخيها وهو يسرع بالموافقة ،نظرت نازلي للعلبة قائلة "انت اكثر شخص استطيع تأمينه عليها ،اسمك المستعار ومحو هويتك القديمة تجعلك تتنقل بين المدن دون قلق ،انظر للعلبة إنها بضاعة خاصة وثمينة عليك تسليمها بإحدى قمم جبال طرابزون وتأخذ ثمنها الكبير الذي سيكون مناصفة بيننا ،ستضع نصفه في حسابي الخاص والنصف الاخر هنيئاً لك لتبدأ حياة كريمة لا تحتاج لأحد بها"
وافق أخاها على الفور لتبدأ هي بالتحدث عن أهمية العلبة وما بها من علاج فوري للمدمنين فمجرد أخذ قطرة واحدة منها يستعيد الشخص قوته ويعود لحالته الطبيعية ليبدأ حياته من جديد وكأنها تشبه أكسير الحياة المعيد للجسم الشباب والحيوية ،لهذا هو غالي الثمن انتبه له فالقطرة منه تساوي الكثير والكثير.
تعرقت يدي نازلي لتمسحهم ببعضهم وهي تتذكر إتصال ذلك الرجل المكلف بمراقبة البضاعة دون معرفة أي تفاصيل أخرى ليخبرها بوفاة ذلك الرجل قبل وصوله للمدينة أثر تعرضه لتوقف مفاجئ للقلب، وأخذ للبضاعة من جيب جاكيته قبل وصول الشرطة للمكان.
تحدثت نازلي قائلة "أنت من استعجل موتك يا أخي ،إن لم تطمع بما في داخل العلبة لكانت وفاتك بشكل مرتب أكثر"
تحركت نازلي نحو خزانتها لتخرج علبة صغيرة بالكاد ترى قائلة "وأنتِ أيضا استعجلتي نهايتك مثله ،لن أسمح لكِ بتدمير عائلتي ،ولن انتظر حتى يأتي أبني ويقف أمامي لأجلك"
زفرت أنفاسها الغاضبة على حالتها وهي تقول "يا ليتني تركتك لعريسك المنتظر ،كم كنتما تشبهان بعضكما بالسذاجة والتفاهة، ستذبلين وتنتهين دون أن يعلم أحد سبب حالتك"
تحركت لتنام على فراشها وهي تنظر للفضاء بعينيها المخيفة.
تَمشق ثوبُ الليل حتى ظهرت تباشيرُ الصُبحِ لينير قلبها بقنديل الحياة حين تفاجأت بمنادته باسمها قائلا "حياة هانم ،أستاذة حياة"
استدارت حياة لتجد أمامها رجل وسيم بوجه بشوش وقامة قريبة من قامتها المتوسطة يقترب منها وبيده طفلة صغيرة تقفز عدة قفزات بفرح ومرح كبير ،أبتسم وجهها للطفلة لتضع يدها على رأسها لتلامس شعرها الممشط بعناية كبيرة قائلة للصغيرة "صباح الخير"
رفعت لين ضفائرها وهي تقول لمعلمتها "خالي من صنعها لي"
نظرت حياة لوجه ذلك البشوش قائلة بخجل اخلاقها "سلمت يدك"
تحدث خال لين قائلا "أستطيع من اليوم ترك مهنة الطب والعمل مصفف شعر"
لمعت عين حياة وهي تسأل على استحياء "هل أنت طبيب؟"
ضحك يزن وهو يرد عليها بنبرته الفكاهية التي من المستحيل لأحد الثبات أمامها دون ضحك قائلا "هل ناسبتني مهنة مصففي الشعر لهذه الدرجة"
ابتسمت خجلة ليكمل يزن "نعم طبيب باطنة كنت أعمل بانقرة وجئت مجددا لاسطنبول كي استلم مكاني الجديد بإحدى مستشفياتها"
فرحت حياة لهذا الخبر وكأنها أمسكت بأول طرف الخيط الذي سيوصلها بابنتها قائلة "أهلا بك تشرفت بمعرفتك"
وبعد يومين فقط من تحذير سراج لأخيه وأمه للاهتمام بوضع زوجة أخيه الصحي استيقظ المنزل العائلي على صدمة وفاة سما هاشم أوغلو.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.