رواية "إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
توترت وغضبت واشتدت عينيها بقوتها وشرها لتكون أول من خرج من إشارة المرور بسرعة أدهشت الجميع ،تحدث صادق وهو يملي عينيه من فخامة السيارة قائلا "فاي فاي فاي يحق لها ما تفعله"
حرك مصطفى وجهه بتباهي وعدم اهتمام "سأشتري الأحدث والأفضل انتظر لترى كم سنرتفع ونرتفع حتى نبعثر الأموال في كل مكان دون حساب"
ارتسم الحزن على وجه صادق قائلا "أتمنى يا أخي أتمنى"
وصمت ليكمل حديثه داخله خوفاً من أخيه "لا يوجد لنا إرتفاع أو نجاح بعد ما اقترفناه من ظلم"
ذهب مصطفى وصادق لمدرسة حياة كي يصطحبانها معهم بعد ان اخذت إذن مبكر لأجل ألم بطنها الشديد.
وقفت سيارة مصطفى أمام باب المدرسة ليقول صادق "انا سأدخل لها"
رفض مصطفى وتحرك لينزل وهو ينظر للسيارة التي أمامه قائلا "أنا من سيدخل لأرى من صاحب هذه العيون الجريئة لعلي امتلكها بشكل آخر"، غمز بعينه ليضحك صادق عليه وهو أعلم بعدم شبعه من غزل الفتيات والتقرب منهم.
حك مصطفى لحيته الخفيفة بطرف الإبهام وهو يتحدث لأخته التي خرجت واقتربت من السيارة قبل دخوله قائلا لها "لمن هذه السيارة؟"
وبعينيها المتعبة نظرت حياة نحو السيارة الحمراء ذات السطح المكشوف قائلة "لا أعلم لعلها لأحدى أولياء الأمور"
تركته دون الأهتمام بتعابير عينيه التي دارت بالمكان لتتفقده بقوة، صعدت حياة السيارة مغلقة الباب خلفها مستندة برأسها عليه محتضنة بطنها وهي تتألم.
استدار صادق ليسألها بصوته الحنون "ما بكِ لماذا تتألمين لهذه الدرجة"
صعد مصطفى السيارة وهو ينظر نحو حياة من المرآة الأمامية قائلا "هل نذهب للمشفى قبل عودتنا للمنزل"
رد صادق ليؤيده قائلا "نعم فلنذهب كي لا تتألم كثيرا ،نعلم السبب ليذهب الألم وترتاح بعدها"
رفضت حياة بعينيها المغلقة على غيومها قائلة بصوت متعب وصدر مختنق بضيقه وشعورها الكبير بالبكاء والصراخ "لن أذهب لمكان يكفي أن أنام بغرفتي"
قاد مصطفى السيارة وهو ينظر بين الحين والآخر نحوها تارة ونحو أخيه الذي لم يعتدل ولم يرفع نظره عن أخته حزناً على احتضانها نفسها بجناحيها وعينيها التي تذرف الدمعات البطيئة المتقطعة، تلك الدموع التي كانت تسقط بقلب صادق كالجمر المشتعل.
فلا زال قلبه يحترق على ظلمه لها ،لتصبح كل حركة وكلمة ونظرة منها تعيده لمشهد صراخها ودعائها عليهم.
وعند وصولهم أمام المنزل أسرعت بنزولها ودخولها لغرفتها دون أن تفتح عينيها المغيمة بثقل مشاعرها ،دخلت صومعتها مغلقة الباب بالمفتاح لتلقي بنفسها على فراشها وهي لا زالت تضع يديها موضع يد الطفلة التي احتضنتها وربتت عليها بحنان كبير محاولة تهوين ألم معلمتها الحنونة دون أن تعلم بسنها الصغير كصغر حجمها أنها تزيد وتُشعل النار بقلب معلمتها المحترق من جديد، كانت ستتحمل حياة ألمها الشهري كالمعتاد لو لم تحتضنها وتربت على كتفها بيد والأخرى تتحرك على ذراعها بعيون صامتة متأثرة بآلام غيرها.
علا صوت بكاء حياة وهي تحترق بصوت بكاء طفلتها الذي داهم اذنيها ليذكرها بلحظات الفراق وانتزاعها من بين يدها ،نغزها صدرها من جديد ليعلو صوتها منادية ربها بكلمة واحدة "يا رب ،يا رب" وكأنها أخرجت كل ما بداخلها بهذا النداء الذي زفر بحرارة أنفاسها الملتهبة.
وبسرعة هرب صادق من المنزل حتى كاد أن ينزل الدرج على ظهره من شدة اظلام الدنيا أمام عينيه ،لم يتحمل سماع صوت مناداتها لرب الكون ،كان قلبه يرتعد بصوت ندائها تارة وبصوت دعائها عليهم تارة وبصوت بكاء الطفلة تارة أخرى.
في منزل عائلة اوزدمير كانت نازلي تتحرك ذهابا وايابا بغضب خرج من عينيها بشكل مخيف.
اتصل أركان بها لتفتح الهاتف منصدمة بحديثه "أمي لماذا لم تذهبي لآيلا، اعتمدت عليكِ حتى تفاجأنا باتصال المدرسة تخبرني بتأخرنا وخلو المكان من الأطفال وهيئة التدريس"
وضعت نازلي يدها على جبهتها متذكرة أمر حفيدتها، وقبل ردها رأت سراج يدخل حاملا الطفلة النائمة وهو حزين على ما حدث ومعرفته بنوم آيلا من بعد ذهاب معلمتها حتى تأخرهم.
عاتبت نازلي نفسها كثيراً اقتربت من حفيدتها لتحملها وتحنو على ظهرها وهي تحدثها أثناء نومها بصوت حنون "اعتذر منك يا وردتي ،اعتذر منك يا روح جدتك"
ابتسم وجه سراج حين رأى يد الطفلة تتحرك على جدتها لتبادلها حنانها رغم استمرارها بتمثيل نومها.
اقترب سراج من آيلا متحدثا "لم يسلب عقلي سوى بلسم ودواء وحنان هذه الكفوف الصغيرة"
فتحت آيلا نصف عين واحدة مبتسمة ابتسامة خفية خطفت بها قلب عمها الذي اخذها من يد جدتها ليداعبها ويقبلها ويأكلها من يدها وبطنها مستمتعا بضحكها الصامت.
تأخر أركان على العودة للمنزل بعد ان لبى دعوة يارا للذهاب معه لحفل عيد ميلاد صديقتها المقربة ،وافق سريعا دون تردد ليأخذ منها وعد على رد هذا القبول له حين يحتاجها بجانبه في أيام كهذه.
انبهر بملابسها البسيطة المنيرة البارزة لمواطن جمالها التي ترضي مواصفات قلبه باقتناء كل ما هو جميل ومُلفت ومميز.
وفي وسط الحفل اتصل بمربية ابنته كي يسألها عن آيلا، فرح وجهه حين علم بنومها في غرفة عمها الذي لم يرد تركها وحدها في غياب أبيها.
اقترحت يارا أن يتصل على أخيه كي يطمئن على آيلا طالبة منه ان يجعله اتصال فيديو كي تراها على الطبيعة.
ابتسم ولبى طلبها بفرحة كبيرة ووعدها أن يأتي بابنته للشركة في يوم ما ،اتصل بأخيه بوجهه المبتهج متسائلا بنبرة ضاحكة "أخبرنا يا أخي أين وصلت ابنتنا"
بادل سراج أخيه البسمة "أنهت في فترة تناول الأرز مع الملائكة وها هي تلعب وسط الأزهار"
ضحك أركان قائلا "كنت متأكدا من نومها"
دخلت يارا بمحادثتهم رافعة يدها ملوحة بسلامها على سراج "مرحبا كيف الحال"
استقام سراج بجلسته مرحبا بيارا متبادلا معها السلام والاطمئنان.
سألته يارا عن اخبار برنامجه ،ضحك سراج وهو يقول "بخير كل شيء على ما يرام"
تدخل أركان ليرد "أنه مدمن لمتابعيه بشكل كبير ،من المؤكد أنه جالس الآن على هاتفه يقرأ رسائلهم ويرد عليهم"
بنفس الوقت كانت نجلاء تحاول الوصول لحياة دون جدوى حين انتهى شحن بطارية هاتفها دون أن تهتم بملئها.
توالت الأيام لتقترب الطفلة بمعلمتها بشكل روحاني غريب حتى أصبحت حياة متعلقة بعملها وحريصة على وصولها المبكر كي تأخذها في حضنها واجلسها أعلى ذراعها الأيسر أغلب الوقت، وكأنها وجدت الدواء والبلسم الذي تضعه فوق قلبها تداويه لتهدئه دون أن تشعر الرباط القوي وما يحتاج إليه فعليا.
لم تكن الطفلة دواء لأمها فقط بل أمها من كانت دوائها حين أخرجت من قلبها أول ضحكة بصوت مسموع، شاء القدر أن يجعل أبيها شاهداً عليها بفناء المدرسة حين رأى ابنته تهرب من قناع وجه القطة الذي ارتدته معلمتها بيدها للتحدث مع باقي الأطفال الذين ارتدوا بأيديهم قناعات لحيوانات مختلفة يصدرون أصواتهم ويتعرفون عليهم من خلال أحاديث معلمتهم عنهم بشكل روائي رائع.
ابتسم وجه أركان و تحرك بخطواته البطيئة رغم فرحته الكبيرة نحوهم وهو يرى المعلمة تصدر صوت القطة بركضها خلف ابنته قائلة "سأكلك ايها الفأر"
رفعت آيلا يدها مستنجدة بأبيها ليلتقطها ويرفعها بقوة ملقي بها في السماء ضاممها بقلبه متأثرا بصوت قهقهة ضحكاتها التي رجت قلبه.
خجلت حياة و وقفت مستقيمة تراقب قبلات الاب لابنته بصمت، أسرع الاولاد بالركض خلف بعضهم يخيفون بعضهم بالاقنعة ويصدرون الأصوات التي تعلموها ،نظر الأب للمعلمة قائلا "منذ متى وهي تفعلها" وتحرك لينزلها أرضا مستجيبا لذلك الطفل الذي أقترب بشطيرة جبن يقول لها "لم تأكلي الجبن خاصتي"
تركها من يده وهو يحدثها "هيا اذهبي وأريه كم يحب الفار الجبن اريد ان تنهيه كله"
لم تفهم حياة سؤاله انتظرت تحرك الطفلة بخطوات بطيئة نحو زملائها لتسأل والدها قائلة "أنا لم أفهم ماذا تفعل"
ضحك أركان وقال بصوت منخفض "تضحك ،أنها تضحك كالأطفال"
ابتلعت ريقها لتهدئ من ضربات قلبها المتسارعة ناظرة للطفلة لتسأل من جديد "ألم تضحك معكم بالمنزل؟"
تمالك أركان فرحته وبدأ يشرح لها مشكلة ابنته في إصدار أي صوت منها فهي تضحك دون صوت ،ولكنه سمع صوتها وأنهى حديثه بسؤال تعجبي "ألم تصدر صوت قهقة ضحكها أم أنني توهمت هذا!!"
تنفست حياة بهدوء محاولة السيطرة على سرعة أنفاسها وارتعاش جسدها قائلة بخجل من حالتها "نعم أنت محق"
ونظرت للطفلة التي كانت تقف وسط من يركض ويضحك حولها دون اندماج كلي فقط تشاركهم بعينيها والوقوف وسطهم واحيانا تتحرك نحوهم بخطوات هادئة تشبه ملامحها متحدثة للأب "انتبهت الآن ،حقا أنها اصدرت صوت قهقهة ضحكها"
وعادت لتنظر له "أعتذر لم انتبه من شدة انسجامنا وأصوات الأطفال من حولنا"
تحمس أركان اكثر فسألها "هل تحدثت من قبل حتى ولو بكلمة حرف همهمة غير مفهومة أي شيء"
عادت لتنظر للطفلة وهي تفكر بتركيز قليلا نافية بعدها حدوث أي شيء من هذا القبيل، وصل المدير مرحبا باركان رافعا الضغط عن حياة ذات الحالة المضطربة قليلا وبعد حوار قصير طلب المدير من أركان ان يذهب لمكتبه ويترك الطفلة منسجمة مع باقي الأطفال.
وافق الأب وتحرك ليذهب لولا رؤية ابنته له والتصاقها به خوفا من تركها والذهاب، وهنا شدد المدير على أهمية ترك الطفلة وحدها أكبر قدر ممكن ،رفع أركان ابنته ليقبلها وهو يرد على المدير "اشتقت إليها بسبب المدرسة أصبحت لا أراها بشكل كافي من نومها المبكر"
وضعت الطفلة رأسها على كتف أبيها لتربت عليه بمشهد هز قلب معلمتها وجعلها تقف صافنة بهما تحارب لأجل السيطرة على حالتها التي لا تعرف لها وصف ،هل خجل ،خوف أم قلق.
أبت آيلا أن تترك قناع يدها حين تعلقت بالفأر ليجيب المدير "أتركه لها لتأتي به غدا أو تحتفظ به"
شكره أركان ثم شكر المعلمة وتحرك ليذهب بطفلته ومن خلفه المدير الذي أسرع حتى أصبح بجواره.
جلست حياة على احد الأسوار الاسمنتية القصيرة وهي تضع يدها على رأسها ،جائتها صديقتها تبحث عنها متفاجئة بوضعها ،اقتربت وجلست بجانبها ناظرة للأطفال بالفناء ثم نظرت لها قائلة "ما بكِ هل انخفض ضغطك"
أخذت حياة نفسا عميقا وهي ترد على نجلاء قائلة "لا أعرف من جديد أشعر بغرابة كلما رأيت او سمعت والد آيلا يحدثني"
ضحكت صديقتها وقالت "ما هذا الحظ هل تتركين سراج اوزدمير المذيع الشاب المشهور وتتعلقين بحبال أخيه المتزوج من قبل ومعه ابنة أيضا"
دافعت حياة عن نفسها نافية ما تقوله صديقتها لها معيدة حديثها ذو النبرة القوية عليها "قلت لكِ أنني لن اتزوج ولن أفكر بهذا الأمر نهائيا وخاصة بالوقت الحالي"
اعتذرت نجلاء وصمتت تاركة صديقتها في شتاتها وحيرتها كيف حب هل وقعت بحبه حقا لدرجة تجعلها مضطربة بأنفاس وقلب يسرع بضرباته، نظرت ليدها المرتجفة وهي تردد حديث نجلاء بعقلها بقلب يأبى أن يصدق ما سمعه.
أدخلت طلابها الفصل محاولة الاندماج معهم كي تنسى ما هي به ،حتى تفاجأت بوصول سراج بوجهه المريح البشوش قائلا "كيف حال وردتنا اليوم"
وبمشهد غريب رأى سراج تجمع الغيوم بعينيها وكأنها ستبكي الآن ،تعجب من ملامحها التي اشبهت ملامح وردته حين تكون حزينة.
وأمام صمتها سألها بقلق بعد تأكده من خلو الفصل وعدم وجود وردته "هل حدث مكروه؟.."
قاطعته بحركة رأسها النافية متحدثة بنبأ ذهاب آيلا مع والدها منذ أكثر من ساعتين.
أومأ سراج برأسه وهم يهم بشكرها كي ينسحب بعده لولا فضوله الكبير بمعرفة سبب غيومها الزائدة بعينيها ،تحرك خطوة قربته قليلا تجاهها قائلا بصوت منخفض "أامل أن تكوني بخير؟"
وبحركة لا ارادية أومأت رأسها لتجيبه بالإيجاب عكس ما تشعر به.
حرك رأسه بأسف وحزن متأملا عينيها زافرا بقوله "ولكني لم أرى ذلك الخير، ازدادت غيوم عينيكِ حتى أطفات شمس وجهك ،ما بكِ هل أنتِ متعبة أم أنكِ تحتاجين لمساعدتي ،لا اعلم كيف ولكني يمكنني تقديم بعض النصائح التي تساعدك على الخروج مما أنتِ به ،أو مثلا يمكنني حل المشكلة من الجذور ان تناقشنا وحللنا مصدرها و وضعنا أيدينا على مواطن تكرارها"
ازدادت غيومها التي اختنقت بها وهي ترد "لا اعرف حقا انا بخير ،لا يوجد بي شيء ،لم يحزنني أحد اليوم ،ولستُ مجهدة ،لا يوجد بي شيئاً أنا بخير"
صمتت لتلتقط أنفاسها عبر انفها مسرعة بالتحكم بسيلانه الناتج عن احتقانها بالدموع التي تحدثت بنبرتها وخيمت على وجهها.
تنهد سراج بحزن وقال "نعم اصدقك أنتِ حقا بخير كما تقولين ، القليل فقط من الاختناق، مع بعض الرضوض بالروح وكسر بالخاطر طاف على سُحب عيناكِ المغيمة ليخبر من يراهم أنه ليس بكسر عابر ،تقولين لا شيء وانا بخير ولم اتألم قط لتخرج روحك الممزقة معلنة عن مشاعرها وهي تعتلي نبرة صوتك المختنق ودموعك التي على شفى جرف هاوي لا منجى منه"
تحركت حياة لتخرج من الفصل مختبئة جانبا كي لا يراها تلاميذها وهي تبكي بقهر ما تشعر به، تحرك خلفها بقلبه الذي انتزع من خوفه وقلقه بل وحزنه على بكائها ،وضعت يدها على فمها وهي لا تستطيع التحدث وبنفس الوقت لا تستطيع التحكم بنفسها.
هربت مهرولة تجاه الحمام كي لا تضعف او تنكسر أمام أحد، تحرك سراج ليدخل الفصل مكانها مغلقا الباب عليه كي لا ينتبه أحد من الإدارة على تغيبها، اقترب من طاولتها وامسك قصة كانت قد وضعتها عليها ليبدأ بقصها على الأطفال بالقائه العالي المتميز.
نسي نفسه عدة مرات منتقلا بنبرة صوته من راوي لقصة أطفال إلى مذيع متمكن من القائه.
لم يمر الكثير حتى فتحت استاذة دينيز الباب متفاجئة بوجود سراج داخل الفصل ،تحدث ليفسر وجوده "أستاذة حياة ذهبت …"
قاطعته "شكرا لك أعلم أنها غير موجودة وأتيت لتولي مسؤولية الفصل عوضا عنها"
ابتسم سراج وقال "إذا لأستأذن أنا"
خرج من الفصل وعينيه تبحث عنها دون أن يجدها ،عاد لمنزله حزيناً متأثراً بحالة عيونها و شحوب وجهها ، ولج غرفته قاصداً خلوته ممسكاً بعدها هاتفه ليكتب تغريدة على حسابه الشخصي
"جِئتُكَ أُفتش عن نجاتي بعَينيكِ، لأجدني غارقاً ببحور غيومك، أستمع صوت مُقلةِ عَيِنَيكِ وهي تشكو لعيناي ما كال ونضح بهِ القلب"
شرد متسائلا عن غيومها الحزينة مغلقا هاتفه دون أن ينشر ما كتبه وتحرك كي يتجهز لموعده اليومي
في مكتبها الخاص بمنزلها كانت نازلي تستمع للرجل وهو يحدثها بالهاتف ويقول "تم الأمر كما طلبتي، أخذنا توقيع صادق على الأوراق وأصبحت رقبته رهن اشارتك"
ردت نازلي بقوتها وعينيها الثاقبة الثابتة بشرها "وماذا عن مصطفى؟"
أصبحت البضاعة في مكان آمن داخل مخزنه السري لا يمكن لأحد رؤيتها أو اكتشافها حتى تأمري سيادتك بهذا"
أنهت المكالمة أومأت برأسها ضاغطة على اسنانها متحدثة داخلها "لا داعي لابتعادهم والخوف منهم ،ليبقيا أمام عيني و بقبضة يدي حتى لا تسول لهم أنفسهم باللعب مع اسيادهم"
وبيوم جديد وصل دكتور يزن بجانب لين مقتربا من باب الفصل منتظراً خروج المعلمة نجلاء لترحب وتهتم به، تقدم خطوات ليتأكد من وجود المعلمة او عدمه ليجدها تتحدث مع طلابها دون النظر نحو الباب وهذا ما جعله بحيرة هل مريضة او أنه فعل ما احزنها دون أن ينتبه.
وهذا ما جعله يعود بآخر اليوم على أمل أن يجد ما اعتاد عليه منها ،كان يسير بالممر يتحدث على هاتفه حتى وصل لفصل الورود متفاجئ برؤية صديقه ليتحدث من الخلف قائلا "سراج اوزدمير انا لا اصدق ،هذا اخر مكان كنت أتوقع رؤيتك به"
تحرك سراج بضحكه ويده الممدودة ليسلم على صاحبه وسط تعجب من حياة ونجلاء التي كانت تقترب وبيدها آخر تلميذة تبقت بفصلها.
تركت لين يد معلمتها واقتربت من خالها لتكمل نجلاء سيرها دون النظر نحوهم ،تعجبت حياة من حالتها وعدم التفاتها او القائها السلام عليهم.
وبينما كان الصديقان يزيلان الشوق تحركت حياة لتأخذ حقيبتها والطفلين الذين تبقيا معها لتسير متوجهة للباب وهي تحدثهما "هيا لننتظر ابائكم بالقرب من البوابة الداخلية"
ذهبت هي ايضا دون إلقاء السلام أو النظر نحوهم وصلت بجانب صديقتها لتحدثها بوجه مبتسم "أنا لم انتظر منكِ هذا الأداء احسنتي"
تحدثت نجلاء بضيق "اختفي من أمامي الآن انتِ اخر ما اريد رؤيته في هذه اللحظة"
ردت حياة وقالت "لا ترهقي نفسك من يريدك سيبحث عنكِ ويسعى إليكِ ليفوز بضحكتك ونظرتك واهتمامك ،لا تبتاعي مشاعرك لمن لا يستحق"
وبنظرات اندهاش ردت نجلاء على صديقتها "لا أعرف من أين اتيتِ بكل هذه الثقة"
حركت فمها بضيق جهة الشمال مكملة "أشعر بضيق وغضب تجاهك، رغم معرفتي أنه نابع من خوفك عليّ، تفيض روحي غيظا منك وأتساءل كيف سمعت كلامك واطاعني قلبي على تجاهله بل وسلمت عيني لحرمانها من رؤيته، هل سأنتظر اسبوع كاملاً حتى يأتي لأرى هل اشتاق أو شعر بتغيير أم لا"
ردت حياة بثقتها الكبيرة "لا لن تنتظري، ألم تخبريني بتركه لكِ في الصباح دون القاء السلام حتى وكأنه اصبح الزامي عليكِ أنتِ ، ورأيت بنفسي كيف اهتم بلين دون التحدث معكِ رغم نظراته لك... "
قاطعتها نجلاء بسرعة" هل نظر نحوي"
اختنقت حياة وردت "اختنقت منكِ وكأنكِ مراهقة بسن السابعة عشر تتعلقين دون ان تستخدمي عقلك، لا ترهقي قلبك بعلاقات غير مكتملة الأركان تعففي لتفوزي بمن يهتم بكِ ويتمنى لكِ كل الرضى لترضي، شخص يعطيكي كل وقته وفكره دون حساب، يشعر أنكِ صعبة المنال يسعى ويسعى حتى يلهث دون ان يحصل عليكِ"
قاطعتها نجلاء من جديد "هل تنوين بقائي بجانبك دون زوج، الرجل سعى ولهث و أعطاني كل شيء لماذا لم يحصل عليّ"
ضحكت حياة وقالت "نعم لن يحصل على طرف نظرك دون ان يذهب لوالديكِ"
علت ضحكة من نجلاء زفرت بها لتسخر من كلمات حياة وقالت "كي يتم رفضه من قبلهم أليس كذلك، أقسم أنني ساشيخ وانتهي بينكم، أريد أن أتزوج ويصبح لي عائلة مستقلة عن تحكمات الجميع بي، أجلس بمملكتي كالاميرات دون طلبات ولا كثرة أواني علي جليها، ولا شاي يسكب بكل وقت وحين، و مخبوزات تشترى وضجيج بكل مكان، انا من يغلق ويفتح نور الغرفة بنفسه، اتحكم بنومي وسهري"
تحدثت حياة لتشاركها أحلامها "و تستيقظين معه على شروق الشمس وأشعتها المنبثقة من ثنايا ستائر غرفتك مداعبة وجوهكما الفرحة تنظران لبعضكما بسعادة كبيرة وانتما تأمران الحائط الخلفي ان يحضر الفطور ويخرج الملابس من المغسلة ليكوي لكما ما سترتدونه، حتى يمكنكم تكليفه بما ستحتاجون به عند عودتكم"
بالداخل كان الصديقين كلا منهم ينتظر الثاني كي يستأذن ويذهب قبله ليتاح له التحدث مع خاصته وهذا ما أطال حديثهم.
سلمت حياة آخر طفلين معها مسرعة بعدها للخروج لأخيها الذي غضب عليها من أجل تأخيرها ماحياً تلك الفرحة التي اعتلت عليها جراء حديثها المرح مع نجلاء التي خرجت خلفها مستاءة من تعابير وجه مصطفى الذي أسرع بنزوله من السيارة متحدثا بوجه مختلف تماما عن ذلك الوجه المحمل بالغضب قائلا "تفضلي لنوصلك انتِ أيضا بطريقنا"
ابتسمت نجلاء ابتسامة منقوصة لم تصل عينيها قائلة "شكرا لك كما اخبرتك سابقا المنزل قريب لا داعي لسيارة"
تحركت ليتحرك خطوتين "قربه لا يعيق ايصالنا لكِ"
خرج يزن من باب المدرسة ليرى نظرات مصطفى وطريقة تحدثه مع نجلاء، لم يلبث الوضع الا ثواني ابتعدت بعدها تجاه منزلها ليتحرك مصطفى ليصعد سيارته وعينيه على الطبيب يتفقد وضعه قائلا لاخته فور بدأ قيادته "من ذلك الأصفر هل يعمل معكم بالمدرسة، هل هو جديد لم أراه من قبل؟"
لم ترد حياة عليه، ليغير نبرة صوته ويتحدث بغضب جعلها تصرخ بوجهه "ما دخلك بصديقتي، كم مرة اخبرتك ان منزلها قريب ولا تريد منك مساعدة، كما لا دخل لك بموظفي المدرسة، لا تتحدث وكأنني بتحقيق يُنتظر ردي لإسقاط الأحكام علي"
تمالك اعصابه ضاغطا على قبضة يده كي لا يصفعها بقوة في وسط الطريق قائلا " كم أصبحتي وقحة وصاحبة لسان سليط لا ينطق إلا بالسوء"
صمت وهو يتابع الطريق مكملا بعدها "ناكرة المعروف"
نظرت له بقوة وحدة صارخة بغضبها"معروف؟، عن أي معروف تتحدث، أخبرني عن أي معروف تتحدث!"
لم يرد عليها ليعلو صوتها اكثر قائلة "نعم تذكرت اكبر معروف فعلته بي حين انتزعت روحي مني دون رحمة او شفقة"
أوقف مصطفى سيارته بشكل مفاجئ جعل حياة تصطدم بلوح السيارة المقابل لها حين تحركت كريشة طائرة من مكانها لتتأذى بشكل سيء بجبهتها.
رغم قلقه عليها واهتمامه بالاطمئنان على حجم الضرر الناتج عن تهوره و وقوفه المفاجئ أثناء قيادته السريعة.
لم تسمح له ان يمسكها مستمرة بحدتها وصراخها بوجهه قائلة "لم يحدث ما تتمناه هيا جرب مرة أخرى ربما تنجح هذه المرة، هيا، هيا اقتلني ليرتاح قلبك مني" ارتفع صوتها اكثر "هيا اقتلني"
حاول اخفاض صوتها ليصمتها دون فائدة "قاد سيارته قبل أن يتجمع المارة حولهم"
وصل لمنزلهم بسرعة كبيرة لتنزل هي على الفور راكضة نحو الباب لتدخل قبله، لحق بها مسرعا حتى تفاجأت حمدية بسرعة دخول ابنتها ومن خلفها مصطفى الذي تمكن من ذراع حياة وسحبها نحوه واضعا يده على عنقها ليخنقها بها وهو يتحدث بعينيه الجاحظة المخيفة" على من تصرخين، على من يعلو صوتك"
اقتربت حمدية لترفع يده قبل أن يقضي على أنفاس وحياة من لا حياة لها، أبى مصطفى ان يترك اخته وسحبها نحو الحائط الجانبي ليثبتها عليه متحكما بها صارخا بوجهها "انسيتي نفسك، انسيتي ما حدث بنا من وراء العار الذي الصقتيه بنا"
لم تتحمل الأم ما تراه ليصبح صوتها اعلا من ابنها وهي تدافع عن ابنتها التي احمر وجهها من اختناقها.
لم تجد الام ما تفعله فلجأت الى حيلة ذكية منها ممثلة فقدانها لوعيها وسقوطها أرضا وهنا نجحت باجبار مصطفى على ترك أخته للاهتمام بها.
سقطت بمكانها تشهق أنفاسها بقوة لتعيد الحياة لروحها الممزقة بظلم سندها، لم تبكي بكاءا طبيعيا حين تمنت الموت على عيش قهرها المر كل مرة
لم يستطع أحد إعادتها لحالتها التي كانت عليها قبل الحادث حين اعتكفت بفراشها لتتخذ من غطائها مهرب ومسكن من وحشية وظلام ما هي بداخله
وبعد مشاجرات بالأيدي دامت لأيام بين الاخوين اقسم صادق ان يفضح أمر أخيه ويجعله يندم على ما فعله بحياة، توسلت حمدية ان لا يفعل كي لا يحرق قلبها أكثر مما هو محترق فهي تتألم يوميا بنار موت طفلتها و احتمالية عيشها فماذا ستفعل ان تأكدت من هذه الحقيقة ماذا ان علمت ما فعلوه بها كانت أمه تتوسل له وهي تبكيوتقول "ستقاطعنا وتحاكمنا دون النظر لنا سنخسرها للأبد"
رد صادق على أمه "نحن نستحق ذلك، فلتفعل وتخلصنا من ذنبنا الذي سيقضي علينا، يحترق قلبي على ابنتنا كيف واين تعيش هل سعيدة ام حزينة، ام انهم القوا بها في الشوارع بعد أن انتهى دورها بحياتهم"
رد مصطفى على اخيه "نحن غسلنا عارنا بأيدينا، حافظنا على شرفنا من عار كان سيودي بنا للجحيم"
تحدث صادق بغضب" هل كذبت الكذبة وصدقتها، أي عار واي فضيحةتتكلم عنها، كان علينا أن نقف بجانبها ونعيد لها حقها وكرامتها وابنتها وشرفها وبراءتها التي اغتصبت بدم بارد، كان علينا ان نحميها لا ان نلقي بها في أحضان هؤلاء الوحوش دون شفقة او رفق، أليست اختنا، أليست من دمنا وروحنا، كيف فعلنا بها هذا، كيف سمحت لكم، كيف تعاونت ورضخت لكم"
لم تكف الأم عن بكائها وندمها على ما اقترفته بحق ابنتها لاجل حفنة مال لم يستطيعوا الهناء بها
ورغم تأثر مصطفى بوضع اخته وندمه على فقدانه لعقله وخروجه عن حدود العقل بتعامله معها إلا أنه كان يفكر بمصلحته من جديد تريث لخوفه من تهديدات صادق وكثرة وقوفه أمامه، بل خاف وشعر بقرب نهايتهم امام انهيار أمه وحزنها الكبير على حال ابنتها التى رفضت ذهابها للعمل وممارستها أي لون من ألوان الحياة، حتى الراديو المصاحب لها بسنوات ظلام عينيها وروحها اعتزلته متمنية الموت.
ذهب صادق للمدرسة كي يضمن وظيفتها لتبقى انتصارا لها وسط ما هي به، كان يدخل غرفتها وهو يجمع بقلبه الكثير من الكلام والحروف التي تتبعثر بمجرد النظر بوجهها المعاتب المؤنب لضميره دون حتى أن توجه قبلتها له.
تأثرت آيلا بغياب معلمتها، بل تاثر الأطفال جميعا وتمنع البعض عن الذهاب متسائلا "هل ستأتي معلمتهم أم لا"
وبعد عدة أيام من كثرة غياب الأطفال حتى ايلا المسالمة اصبحت تتمسك بوالدها وعمها تأبى تركهم مستخدمة بكائها تعبيرا عن رفضها،تحدث أركان مع الإدارة لحل مشكلة تغيب المعلمة بأقرب وقت كما عرض راتب إضافي للمعلمة ان كان هناك مشكلة بينها وبين الإدارة خاصة بهذا الوضع.
وعلى مائدة العشاء تحدث سراج لاخية قائلا "دعها يا أركان لا تضغط عليها كي لا تكره المدرسة، لننتظر عدة أيام حتى تبلغنا الإدارة بعودتها"
تحدث أركان بخوفه من ان تعتاد طفلته على غيابها وعودتها للوضع الصامت بعد ان بدأت بمراحل الشفاء، فكرت نازلي قليلا مقترحة عليهم وهي تقول "فلنوظفها لدينا بأي ثمن تطلبه وبنفس عدد ساعات المدرسة وأقل إن أرادت، تأتي لتجلس مع ابنتنا وتعلمها وتلعب معها وتذهب مع انتهاء الموعد المحدد"
سعد أركان و شكر أمه على فكرتها، اسرع سراج برفض عملها بمنزلهم شارحا لهم أهمية المدرسة وتواصل الطفلة مع أطفال بنفس عمرها كي تعتاد على الاختلاط
تحدثت نازلي" نعم أنت محق وخاصة بحالة تأخر نطقها وانعزالها، تمام اذهبوا واعرضوا عليها راتب اضافي كما قال أركان"
صمتت وهي تتابع احاديث أبنائها عن المعلمة متسائلة عن اسمها ليقول سراج بسرعة أدهشت أمه وأخيه "حياة"
تأثرت الام قليلا بالاسم ناظرة لأركان الذي تحدث ليطمئنها بعد ان فهم عليها قائلا" لم اتوقع ان يخرج كل هذا النجاح من شخص قصير القامة، نحيف، هادئ، خجول، بصراحة لم اتوقع منها هذا النجاح"
رد سراج مدافعا عن من أسرته سجينا بين اسوارها متخذة من قلبه مسكنا قائلًا "أتوقع ان قصر قامتها أعطاها ميزة بالتواصل مع الأطفال بشكل أكبر، حين ارى حجمها وقامتها الصغيرة وهي تتنقل وسط الأطفال أتعجب وكأنها بنفس عمرهم، بالكاد استطيع إخراجها من بينهم، تلمع عينيها بضحكتها التي تظهر غمازاتها بوجنتيها الممتلئة رغم نحافة جسدها، اتمنى يا أمي ان تذهبي وتجلسي معهم بعض الوقت لتري حيويتها ونشاطها وكم الفرحة التي تدخلها على الأطفال وهي تلقي بنفسها داخل احضانهم مرة وتدخلهم بحضنها مرة أخرى، خلاف يدها التي تتنقل على رؤوس الأطفال بحنان كبير وكأنها ام للجميع خلاف حسها الادبي الذي أعجبني.
صفن اركان هو وأمه مستمعين لاندماج سراج بوصف مواطن جمال المعلمة المميزة بروحها وحنانها وصغرها الذي أشبه الأطفال ببرائتهم حتى وصل لانبهاره بتغير طبقات صوتها باحترافية كبيرة حتى تصل لقلب كل طفل.
لقد لمست قلبها المحب وهو يحتضن الجميع ليس لأجل نجاح بعمل بل نجاح باكتساب القلوب.
وبعد عدة محاولات نجحت نجلاء وصادق والأم حميدية أن يخرجوا حياة عن حالتها، أعانهم مصطفى الذي كان أكثر شخص بينهم يتمنى عودتها حتى وان صرخت و وبخت ليس لأجل الاخوة بل تخوفا من استياء الوضع وخروجه عن السيطرة، اشترى لها الكثير من الهدايا معتذرا لأكثر من مرة، كان يفعل كل ذلك وهو يحدث نفسه "كان عليّ ان لا أكل أو أشرب حتى أجد من يتزوجها ويرحل بكِ لمكان بعيد"
وضع مصطفى هدفه نصب عينيه ليجعله شغله الشاغل في الفترة المقبلة، عادت حياة للمدرسة ليفرح التلاميذ بعودتها المفاجئة، لم يتوقع أركان ترك صغيرته له وتحركها بخطوات كادت أن تكون مسرعة مقتربة لمعلمتها من الخلف منتظرة دورها لتحتضنها وتحظى بقليل من الحنان و القبلات الحارة كما تفعل مع زملائها.
فكر أركان ان يتدخل ليلفت انتباه المعلمة لطفلته المدللة كي لا تنتظر دورها أكثر، توقف أركان وقيدت قدماه وهو يرى طفلته تقترب بهدوئها وصمتها من معلمتها كي ترفع كف يدها لتحنو على ظهرها مستندة برأسها عليه.
ألمه قلبه برؤيته لطفلته وهي تتلمس وتبحث عن الحنان من الغرباء منتظرة دورها كي تحظى بالقليل مثلها مثل غيرها، هم أركان ليأخذ ابنته بحضنه ليقبلها ويحنو عليها شاهرا حبه الكبير امامها أراد أن يحتضنها ليثبت لنفسه قبل ابنته ان قلبه مسكن كبير لها، ادهشته المعلمة حين استدارت فور شعوره بهذه اليد التي تعرف عليها القلب قبل العقل قائلة بصوت فرحة بدت بقوة على وجهها "أتت وردتي" ضمتها بحضنها حتى كادت أن تختفي الطفلة بين جناحيها وهي تخفض رأسها لتقبلها بداخلها وهي تعبر عن مدى اشتياقها لها، اقتربت طفلة من حياة أرادت ان تخرج آيلا لتجلس مكانها.
لتأتي لأركان مفاجئته الجديدة وهو يرى ابنته تدفعُ الطفلة بيدها الصغيرة دفعة هادئة قائلة بخوف وقلق من الهزيمة وخسران هذا الحضن "لااا"
اتسعت عينيه وهو يقترب جاثيا على ركبتيه بجوارهم يشدد من انتباهه وتركيزه محاولا تصديق ما سمعه هل نطقت ابنته حقا، هل واجهت الطفلة بهذا القلق والخوف كي لا تبتعد عن حضن معلمتها.
ليس هو فقط من اتسعت عينيه حين استدارت حياة برأسها للخلف منصدمة بهذا القرب الصادم الكافي بقلب حالها وارتعاش جسدها وازدياد ضربات قلبها واختلاط مشاعرها بين ضيق وخوف وخجل وارتباك.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.