رواية مقرينوس
ضي القمر وظلمات يونس
"لا أحد يهرب من قدره"
تقف قمر عند النافذة مشدودة الأعصاب. عيناها تائهتان في الأفق المترامي وراء الأسوار الحجرية. شعور ثقيل بالخوف والقلق سيطر على قلبها، فيما لا يزال صدى أفعال الملك إيليادور الوحشية يرن في رأسها كجرس إنذار لا يتوقف. خلفها يجلس يونس على كرسي خشبي متهالك، يمرر يده على وجهه بتعب واضح، وكأن التفكير في مصير ميثال يستنزف قواه.
فجأة. شعرت قمر بحركة غريبة. التفتت لتجد أن الطائر راشد الذي كان رفيقهم الدائم، قد اختفى من مكانه المعتاد على الحافة القريبة من النافذة. اقتربت بسرعة من الشرفة تطلعت حولها بعينين متفحصتين، لكن لا أثر له. ما لفت انتباهها بومة بيضاء ضخمة تقف على أحد الفروع البعيدة. وبمجرد أن التقت أعينهما، انطلقت البومة في السماء، تاركة وراءها ريشة صغيرة تتهادى في الهواء.
همست قمر بدهشة:
ــ "راشد كان هنا... أين ذهب؟ أم أنني كنت أتخيل؟ وما هذه البومة التي تتجول في وضح النهار؟"
سمعها يونس فرفع رأسه ببطء متكئًا بمرفقيه على ركبتيه:
"ربما طار قليلاً وسيعود. لا تشغلي بالك بالبومة الآن."
نهض من مكانه واقترب منها قائلا:
" لدينا أمور أكثر إلحاحاً. علينا أن نحدد ما سنفعله."
لكن قمر لم تتخلى عن تساؤلاتها فلقد علق شكل البومة بفكرها. نظرت إلى السماء حيث اختفت البومة ثم التفتت إليه وعيناها متسعتان بالقلق:
"يونس. ألا ترى أن كل شيء حولنا غريب؟ كأن كل شيء يرسل إشارات لكننا لا نفهم من الا القليل"
تنهد يونس بعمق:
"أعلم. كل ما نمر به غير منطقي. لكن التفكير في هذه التفاصيل الصغيرة الآن سيجعلنا نفقد التركيز. الهدف واضح. علينا إيجاد جدتى."
توقف للحظة وكأن الكلمات تخونه قبل أن يضيف:
ـ"الكتاب... هو المفتاح لكل شيء ولا نثق سوى به فيجب ان نقرر كيف سنكمل فكلما خطونا نحو الطريق الصحيح نراه يرشدنا ويبين لنا محتوى احدى صفحاته."
عقدت قمر ذراعيها أمام صدرها واخفضت نظرها تراقب الأرضية الحجرية أسفل قدميها بتفكير عميق:
ـ "الكتاب. احيانا أشعر أنه كائن حي ينبض بطاقة غريبة وقوة خفية. احيانا اخاف منه واخشي أن يضللنا ولكن سرعان ما اتراجع لأنه لغز ومفتاحه لا شئ سوى الثقة"
رد يونس بصوت خافت. وكأن الاعتراف بذلك ثقيل على لسانه:
"لكنه الشيء الوحيد الذي نملكه الآن. الكتاب يتغير ويتفاعل معنا. أعتقد أنه يحاول أن يخبرنا بشيء طوال الوقت. لكننا بحاجة إلى أن نثق به اكثر لنكون مستعدين لسماع رسالته."
استدارت قمر واقتربت من الطاولة حيث وُضع الكتاب. وضعت يدها عليه بحذر، وكأنها تخشى أن يُفتح من جديد ويكشف أسراراً لا تستطيع استيعابها. شعرت بحرارته تتسلل إلى راحة يدها، وكأنه كائن حي ينتظر اللحظة المناسبة للبوح.
قالت بصوت خافت وكأنها تختبر الفكرة في عقلها قبل أن تلتزم بها:
"إذاً... نكمل مهمتنا؟"
أومأ يونس بثقة هذه المرة:
"نعم. سنكمل. الكتاب سيقودنا. ومهما كان الخطر الذي ينتظرنا، لن نجد ميثال إلا إذا سرنا في الطريق الذي يفتح أمامنا."
صمت لحظة، ثم أضاف بابتسامة خفيفة:
"لكن هذه المرة، سنتحرك بحذر. لا مزيد من المفاجآت غير المحسوبة."
ابتسمت قمر بدورها على الرغم من التوتر الذي لم يغادر ملامحها:
"اتفقنا. لكن اوعدني بشيء."
ــ "ماذا؟"
_"أن نستمع لبعضنا البعض. لا قرارات فردية."
ضحك يونس بخفة، وكأن التوتر خف للحظة:
"وإلا؟ سترسلين البومة ورائي؟"
ردت قمر بجدية ساخرة:
"بل راشد نفسه، أينما كان!"
انفجر كلاهما في ضحك لم يدم طويلا فلم يكن ضحك بالمعنى الحرفي. لقد كانت مجرد لحظة للهروب من التوتر والقلق بشأن مصير ميثال. عم الصمت مرة أخرى لكن هذه المرة كان صمتاً مشحوناً بالأمل، أكثر من الخوف.
_____________
في قصر مقرينوس حيث تتراقص الظلال مع النور في تناغم غريب، تقف الأميرة منيفة في شرفتها العالية، تتنفس الهواء المشبع برائحة الأسرار القديمة. امتدت أمامها حدائق غامضة، مليئة بأشجار لا تزهر إلا تحت ضوء القمر، أوراقها تتلألأ كأنها شظايا من سماء بعيدة تنتظر قدوم الليل ليعانقها فتفوح بعبيرها.
على السور الحجري حطّت البومة مرام. لتقف ثابتة تنظر إلى منيفة بعينيها الواسعتين المتوهجتين بلون القمر المكتمل. بدا وكأنها ليست مجرد مخلوق من هذا العالم، بل حارسة للحدود بين الحقيقة والخيال.
رفعت منيفة يدها ببطء تحرك أصابعها كأنها تلامس خيوطًا غير مرئية تربط هذا العالم بالعوالم الأخرى. أغمضت عينيها. وغاصت في الرؤية التي جلبتها مرام.
تجمّد الزمن. تلاشت الأصوات، ولم يبقَ سوى الصور المتدفقة في ذهنها. رأت قصر سرمد. حيث كانت قمر تقف بالغرفة تتحدث مع يونس. عيناها تتسعان قلقًا، والكلمات بينهما كانت همسات مشحونة بالخوف.
البومة كانت هناك تراقب كل شيء بصمت تام كما أمرتها منيفة. قبل ان تراها قمر فرفرت بجناحيها وحلّقت عائدة، تحمل معها ما جمعته من خيوط الحكاية.
تلاحقت الصور في عقل منيفة:
الصفحات المتوهجة من الكتاب الغامض الذى يبدو أنه يحتوي على أسرارًا ثقيلة.
ثم همس صوت خفي في عقلها:
"المسار واضح. لكنهم لم يدركوا بعد."
فتحت منيفة عينيها ببطء، والهواء من حولها بات أثقل، كأن القصر يتنفس معها. شعرت بنشوة الانتصار، لكنها لم تكن مكتملة بعد. كان هناك عمل يجب القيام به.
تقدّمت نحو البومة مرام، تحدثها بنبرة منخفضة ولكنها تحمل أوامر لا تقبل الجدال:
"لقد أدّيتِ مهمتكِ جيدًا، لكننا لم ننتهِ بعد. أريدكِ أن تراقبيهم من الخفاء. دعهم يظنون أنهم أحرار... لكن لا تسمحي لهم بالتقدّم أكثر من اللازم."
أمالت البومة مرام رأسها الصغير وكأنها تفهم تمامًا. لكن منيفة لم تنهِ أوامرها بعد.
_"أما ذلك الكتاب..."
قالت منيفة وهي تستند على السور أمامها
_ "علينا أن نفهم سره. أريد أن أعرف من أين جاؤوا به وكيف استطاعوا تفعيله. الكتاب ليس ملكهم، ولا يمكن أن يكون سلاحًا بأيديهم."
تقدّمت خطوة نحو البومة وأكملت بحذر:
"ستعودين إلى هناك. مهمتكِ ليست فقط المراقبة. أريدكِ أن تهمسي للكتاب... أن تروضيه. اجعليه يضللهم، يقودهم إلى مسارات خاطئة. لا أريدهم أن يفسدوا خططي."
رفّت أجنحة مرام بهدوء ثم انطلقت في الهواء، تختفي تدريجيًا في ظلام السماء، تاركة خلفها أثرًا فضيًا يتلاشى ببطء.
تنهدت منيفة عائدة إلى غرفتها. هناك، كانت الخرائط القديمة والكتب المسحورة تنتظرها. كل ورقة وكل سطر كان جزءًا من خطة أعظم. لم تكن الأحداث التي تراها سوى قطع صغيرة تتحرك بدقة، لكنها تعرف أن الخطوة القادمة هي الأهم.
مدّت يدها ولمست غلاف كتاب مغطى بالرموز الغامضة، تهمس لنفسها:
"لا أحد يهرب من قدره."
في نفس الوقت في حديقة قصر سرمد الهادئة المكسوة بضوء باهت مع اقتراب النهار من الانجلاء. الهواء بارد، يحمل عبق الزهور الليليّة التي لم تذبل بعد، وأوراق الأشجار تهمس بأصوات خافتة، كأنها تروي حكايات قديمة.
كان يونس يسير ببطء، يداه معقودتان خلف ظهره، وعيناه تحدقان في الأرض كمن يبحث عن إجابات. أفكاره مثقلة بصور جدته التي اختفت، وقلقه يزداد كلما فكّر في عجزه عن إيجادها. كيف ينقذها وهو لا يعرف مكانها؟
بينما يتجول، لفتت نظره شجرة كبيرة، بأغصانها المتشابكة التي تظلل المكان بنعومة. تحتها، جلست الأميرة ليانا، ظهرها مستند إلى جذع الشجرة، شعرها الذهبى متناثر حول كتفيها، وعيناها الشاحبتان تحدقان في الأفق بتعب واضح. بدت وكأنها جزء من المشهد، هشة كأوراق الخريف، لكنها صلبة في صمتها.
تردد يونس للحظة، لكنه اقترب بخطوات هادئة. استوقفه شيء في جلستها، ذكره بجدته التي كانت تحب الجلوس تحت شجرة مشابهة، تغرق في كتبها لساعات.
سأل بصوت منخفض، يراعي الهدوء الذي يغمر المكان:
"هل أزعجكِ إن جلست هنا؟"
نظرت ليانا إليه دون اهتمام يُذكر، ثم عادت بنظرها إلى السماء الباهتة. وبعد لحظة طويلة من الصمت هزت رأسها بإيماءة صغيرة. جلس يونس على مسافة قريبة، لكنه لم يتحدث. كان يعلم أن الكلمات أحيانًا تكون ثقيلة في مثل هذه اللحظات.
مر وقت قصير قبل أن يقطع الصمت بصوت ناعم:
"كنتُ أتجول هنا، أفكر في أمور كثيرة... هذه الشجرة تشبه شجرة كانت جدتي تحب الجلوس تحتها."
رفعت ليانا حاجبًا بالكاد، لكنها لم تعلق. استمر يونس بنبرة أكثر هدوءًا:
"أحيانًا أشعر أن الذكريات تصبح عبئًا. لكنها أيضًا تساعدنا على الاستمرار، أليس كذلك؟"
تنهدت ليانا بخفوت وكأنها تزن كلماته:
"الذكريات؟"
همست وهي تنظر بعيدًا، كأنها تتحدث إلى نفسها: "الذكريات هي ما يقتلني، وليس ما يبقيني على قيد الحياة."
ارتفع حاجبا يونس قليلًا، لكنه لم يقاطعها.
فواصلت:
"أتساءل دائمًا.لماذا نعيش عندما تصبح كل لحظة ثقيلة، مليئة بالندم والخسائر؟"
توقف يونس لثوانٍ قبل أن يجيب بصوت هادئ لكنه عميق:
"ربما لأننا نبحث عن شيء آخر. معنى، هدف. ربما أمل بسيط."
ابتسمت بسخرية لكنها لم تلتفت إليه.
"أمل؟ الأمل خيانة أخرى."
_" الأمل هو طريق الخلاص."
صمت للحظات ثم قال بصوت هادئ يشوبه قلق حقيقي:
"حين حاولتِ القفز من النافذة. شعرتُ بالعجز. والآن أراكِ هنا، تحملين نفس الحزن في عينيك."
رفعت ليانا عينيها إليه ببطء، تنظر إليه وكأنها تحاول فهمه. كان وجهه صادقًا، خاليًا من الشفقة المعتادة التي اعتادت رؤيتها. بعد لحظة طويلة من الصمت. تنهدت. لكنها لم تقل شيئًا.
ــ "أعلم أنني غريب عنك وعن هذا المكان"
تابع يونس بصوت منخفض:
"لكنني أريد أن أفهم. لماذا تحملين كل هذا الألم وحدك؟ ما الذي حدث وجعلكِ تصلين إلى هذه النقطة؟"
بدت ليانا وكأنها تتصارع مع نفسها. رفعت يدها ببطء ومررتها فوق الأوراق الملقاة على الأرض، وكأنها تلامس ذكريات قديمة.
سألت بصوت هامس، دون أن تنتظر إجابة:
"هل تعتقد أن الإنسان يمكنه أن ينجو بعد أن يخسر كل شيء؟"
رد يونس بصراحة:
"لا أعرف. لكن أعتقد أن الحديث عن الألم قد يخفف من وطأته... ولو قليلًا."
ابتسمت بسخرية خفيفة. فأومأ لهايشجعها على الاستمرار.
فأردفت بعد لحظة بصوت متهدج. وكأنها تتكلم لأول مرة عن جرحها القديم:
" أحببت شخصًا... بكل ما أملك. ولم أحسب حساب وقوع صديقتي منيفة بحبه هي ايضا. ورغم انه أرادني واختارني. لكن لم نتمكن من منافسة سحر شخص يمكنه التحكم في قلوب الآخرين؟"
أخذت نفسًا مرتجفًا، لتكمل بنبرة مكسورة:
"دافعت عن حبي بإصرار. لكن... كان ذلك عبثيًا. سحرها كان أقوى. حتى اختفى... ولا أعرف إلى أين ذهب، أو ماذا حدث له. كأنه تبخر من العالم."
سألها يونس بحذر:
"وهذا ما دفعك للابتعاد عن منيفة؟ وانشأ العداء بين المملكتين؟"
ــ "لم أبتعد فقط... فقدتها. كنا مثل الأختين. والآن... لا شيء."
سكتت لحظة، ثم أكملت بصوت أكثر انكسارًا:
"ثم جاء إيليادور... بجشعه أخذ مني أخي. قتلوني مرتين. وبعدها، أصبحت مملكتينا أعداء. السحر الذي كنت أعتقد أنه مجرد أسطورة أصبح واقعًا. وها أنا هنا، شاهدة على كل هذا الخراب."
ابتسمت بسخرية مرة أخرى، تضيف:
"السحر. الحب. كلاهما أوهام بعيدة. أوهام سرمدية لا يمكن الوصول إليها."
شعر بثقل كلماتها لكنه لم يقاطعها. أرادها أن تُخرج كل ما بداخلها.
همست بخفوت:
"لم أعد أرى أي سبب للبقاء. كل شيء فقد معناه."
تأملها يونس لبرهة ثم قال بحزم لطيف:
"ربما ما فقدتِه لا يمكن استعادته، لكن لا يزال هناك ما يمكن إصلاحه. لا تزال هناك فرص لإيجاد معنى جديد. ليس عليكِ حمل كل هذا الألم طوال حياتك."
رفعت عينيها إليه ولمعت دموعها تحت ضوء القمر الخافت الذى كسي حديثهم بضيائه. لم تكن مقتنعة تمامًا، لكنها أرادت أن تصدق، ولو للحظة.
سألت بصوت ضعيف:
"كيف يمكنك أن تكون متفائلًا؟"
ــ "لستُ متفائلًا."
اكمل بابتسامة حزينة:
"لكنني أعرف أنني لم أخلق عبثًا. هناك هدف. وغاية واكيد ليس الحزن ولا الحسرة احد هذه الغايات ولا حتى وسائل للوصول إليها."
صمتت ليانا ثم نظرت إلى السماء، وكأنها تبحث عن إجابة بين الغيوم.همست وكأنها تخاطب نفسها:
"لا أحد يهرب من قدره."
ابتسم يونس برفق، شعر أنه بدأ يفهم شيئًا أكبر. كل الخيوط تشير إلى منيفة وإيليادور. السؤال الوحيد الذي بقي يحيره: لماذا أرسلته مقرينوس إلى سرمد؟
______
في قلب إحدى الغرف العتيقة داخل القصر كان الظلام ينسحب أمام ضوء خافت ينبعث من وسط الغرفة.
الوردة. زهرة سرمد الأسطورية. تقف شامخة داخل قبة زجاجية شفافة. كانت البتلات كأنها من حرير أثيري، تتلون بأطياف متعددة تتغير مع كل نبضة، متوهجة بهالة فضية خفيفة، تلامس الزجاج دون أن تخترقه. السيقان خضراء زمردية، تتشابك كأنها تنبض بالحياة، فيما تلتف حولها خيوط ضبابية كأنها أنفاس الكون.
الهالة المحيطة بالوردة بدت وكأنها تتراقص ببطء، كأنها ترسم دوائر سرية لا يستطيع فك شيفرتها سوى من يعرف سرها. كان الهواء داخل الغرفة مشبعًا برائحة غريبة، مزيج من أزهار ليلية وأعشاب نادرة، وكأن الغرفة بأكملها تتنفس مع الوردة.
وقف الملك ثورين في منتصف الغرفة، يرتدي رداءً من المخمل الداكن، مطرزًا بخيوط ذهبية تتماوج مع حركة الضوء. عيناه، الحادتان كالصقور، تتابعان الوردة بتأمل عميق.
صوت الهمس الذي لا يسمعه سواه يتردد في أذنيه، وكأن الزمن نفسه يوشوشه بأسرار الحب والمصير.
اقترب بخطوات واثقة، حتى أصبح على بعد أنفاس من القبة الزجاجية. مد يده دون أن يلمس الزجاج، وأغمض عينيه للحظة، كأنه يستشعر الطاقة المنبعثة منها.
ثم همس، كمن يعلن عن حقيقة يعرفها منذ زمن:
"إن ازدهرت زهرة سرمد..." صوته كان كالنغمة العميقة لوتر كمان قديم:
"فهذا يعني أن بوادر حب حقيقي تُولد... في القصر."
كلماته حملت معها مزيجًا من الدهشة والحذر. فتح عينيه، والتماعٌ غامض ظهر فيهما، كأن الوردة أجابت على سؤال لم يطرحه علنًا.
استدار بهدوء، وخطا خطوتين نحو النافذة العالية ذات الزجاج الملون، الذي يعكس مشهدًا باهتًا من الحديقة. فتح الستائر الثقيلة بإيماءة خفيفة، ووقف هناك يُلقي بنظره نحو الخارج.
رأى يونس يجلس بجوار ليانا تحت تلك الشجرة الكبيرة، حيث الأوراق تتمايل برقة مع هواء الليل. كان المشهد بسيطًا، لكن ثورين لم يرَ البساطة فيه؛ رأى احتمالًا لتهديد خفي.
عينيه ضاقتا قليلاً، تجسيدًا للتوجس الذي ملأ صدره.
ــ "يونس..."
همس باسمه وكأنه يختبر وقع الكلمة في فمه:
"أنتَ لستَ هنا بالصدفة، أليس كذلك؟"
ظل يراقبهما بصمت، بينما الأفكار تدور في رأسه كدوامة لا تهدأ.
الوردة ازدهرت. والنبضات داخلها أصبحت أقوى. لكن هل الحب الذي يولد سيكون خلاصًا... أم دمارًا آخر؟
ندعوكم أيضًا لاستكشاف مدونتنا التي تضم مجموعة مميزة من الروايات الحصرية بالإضافة إلى روايات مكتملة تأخذكم إلى عوالم مشوقة بين الخيال والإبداع بأسلوب يلامس القلوب.