رواية "إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
رحلت سما تاركة خلفها قلوب حزنت عليها، لم يتوقع أحد حزن أركان الكبير على زوجته ،بل لم يتوقع أحد عداء السيد هاشم وفتح نار العداوة مع عائلة اوزدمير عندما توعد بتدميرهم وانهائهم كما أنهوا ابنته ،مثلت نازلي تعاطفها وحدادها على زوجة ابنها المكلوم ،وبهذه الأجواء أهتم سراج بآيلا جول الصامتة كي لا تحزن على غياب أمها وهو يتعجب من عدم اهتمام والديٌ سما بحفيدتهم الوحيدة متسائلا عن سبب جفائهم المعهود وقبل أن تتحدث نازلي لتجيبه دخل أركان عليهما مجيباً على أخيه "أبنتي ليست بحاجة لأحد، لن أتركها لهم كي يُحملوها ذنب وفاة والدتها وسوء حالتها من بعد ولادتها ،الطفلة لا ذنب لها يكفيها ما رأته وعايشته خلال السنوات الماضية"
جلس على المقعد بقوة متحدثا لاخيه كي يمحو بداخله أي شك "للعلم طلبها جدها عدة مرات ورفضت إرسالها إليهم إن أرادوا رؤيتها فليأتوا لمنزلنا نحن لم نغلق أبوابنا أمام أحد"
رد سراج بحزنه الكبير "معك حق يا اخي ،أعانك الله على حملك ،لا تخف نحن معك سنجاهد جميعا حتى لا تتأثر وردتنا بغياب أمها"
وقفت نازلي متحدثة بصوتها المتعب "مررنا بإسبوع ثقيل علينا جميعا لهذا انصحكم أن تذهبوا لغرفكم وتريحوا أجسامهم لتستعيدوا نشاطكم لأسبوع عمل جديد، وأنا أول من سيفعلها أشعر أنني بحاجة كبيرة للنوم والراحة"
تسائل أركان "هل ستأتي غدا للشركة؟"
نظرت نازلي لولديها وقالت نعم جميعنا سنذهب أنت تعلم أهمية هذا الاجتماع السنوي، اقترح سراج أن يؤجلوا اجتماع مجلس الإدارة السنوي لشهر او اكثر كي يكونوا قادرين نفسياً وجسدياً على مسايرة العاملين والتبسم بوجوههم"
بادر أركان بإعطاء أخيه الحق مقرراً تأجيل الاجتماع شهرين كاملين.
دخلن المربية الخاصة بآيلا وهي تحملها بيدها قائلة "لم أستطع إعادتها لنومها بعد أكتشافها عدم وجودك"
تحرك أركان ليأخذ ابنته ويحتضنها ماسحا دموعها وهو يحدث المربية بقوة "لم يطلب أحد منكِ إعادتها لنومها ،يكفي أن تلبي مطلبها وتأتي بها أو تتصلي بي لأتي أنا لها"
تدخلت نازلي قائلة للمربية "اذهبي انتِ الآن"
عاد أركان ليجلس على مقعده وهو يدلل ابنته ،تحدثت أمه "المربية محقة عليها أن تعتاد على النوم بدونك"
قبل رأس ابنته بحب كبير تحدث به وهو يضمها داخله أكثر "لا يتدخل أحد بمدللتي فلتفعل ولتطلب ما تريد كي ألبيه لها دون مراجعة"
ضحك سراج وقال "يحق لك يا أخي ،فهل يراجع الورد الجميل عن جمال ونعومة أوراقه"
ضحك الجميع ضحكتهم الأولى من بعد عدة أيام قضوها بمراسم الدفن و واجبات العزاء
في غرفة حياة التي تضج بالألواح الملونة والنشاطات المدرسية التي كانت تصنعها بيدها لأطفال فصلها علا صوت هاتفها ليقطع رسمتها الهندسية ،تركت القلم من يدها لترد على المتصل قائلة "لا تتأسفي لا زال الوقت مبكراً ،كما أنه أمامي عمل طويل حتى أنهي لوحتي"
ردت نجلاء بصوتها المرح "تشوقت لرؤيتها من الآن، هل تعلمين أنكِ لديكِ مهارة كبيرة بفن الرسم وصنع الأنشطة المدرسية ،أقسم أنني انتظر اعمالك كأطفال صفك وأكثر"
فرحت حياة بمدح صديقتها لها وهي تستمع لتكملة حديثها "أتصلت بكِ كي أخبرك بتغيير خطة حفل الإدارة وتأجيلها لنهاية الأسبوع"
وببهجتها ردت حياة "كم فرحت لأجل هذا ،تعلمين كم يضيق صدري من هذه الأجواء حتى أفكر أن أخذ اجازة بهذا اليوم"
أسرعت نجلاء بإعادة حياة عن فكرتها قائلة "إياكِ أن تفعلي ،هل نسيتي أنه اليوم الوحيد الذي يأتي به دكتور يزن لمدرستنا ،أقطعك إن فعلتيها"
ابتسم وجه حياة قائلة على استحياء "وما دخلي أنا بدكتور يزن"
قفزت نجلاء لتجلس على فراشها قائلة "لا تكوني سيئة ،انتظر حضور مسلسلي المفضل مرة نهاية كل اسبوع وأنتِ تريدين حرماني منه"
ردت حياة على صديقتها "من المؤكد ان حرارتك ارتفعت مجددا ،هيا اتركيني واذهبي لنومك لدي الكثير من الأعمال"
وبشرودها و وجهها المبتسم ردت نجلاء قائلة "برأيك ما لونها"
تعجبت حياة من السؤال التي قابلته بسؤال آخر "أي لون"
اجابتها بنبرتها العفوية الفرحة "لون عينيه اتعجب من حالتها وكأنها تتغير بكل مرة أراه بها، اتسائل هل تتغير مع لون ملابسه يا ترى"
حذرتها بصوتها الخجل "ماذا تقولين لا تتدخلي بالرجل اتركي عينيه بحالها"
مرت الأيام والأسابيع دون أن تُعيد هاشم عن عدائه وتوعده لعائلة اوزدمير بشكل أصبح شبه واضح ،اهتز عرش نازلي وشعرت بالخطر الحقيقي حيال ما يفعله من إعطائهم معلومات خاطئة عن مواعيد الشحنات الجديدة وإدخالهم بمناقصات فاشلة سئمت من الوضع تحدثت مع أركان القلق من الوضع قائلة بوجهها المخيف "دعه يحفر قبره بيده"
ابتلع أركان ريقه ونظر نحو باب المكتب المغلق مقتربا من أمه قائلا بصوت منخفض "كيف يحفر قبره ،أمي هل تقصدين…"
راجعته أمه بمقاطعتها لحديثه وقولها "لا تخف طريق القتل ليس بطريقنا ،لن نقحم أنفسنا به لأجل أمثال هاشم ،سأجعله يدفع ثمن أفعاله ويعيش بقبره وهو على قيد الحياة"
سألها أركان بخوف "ماذا ستفعلين؟"
اجابته بقوتها "اهتم انت بعملك وأترك عملي لي"
خرج أركان من غرفة مكتب منزلهم تاركا أمه خلفه تفكر بخطورة ما تقدم عليه ،فهي بصدد أن تخطو خطوة تعيدها خمس وعشرين عاماً للوراء.
تعلم أنها تلعب بالنار ولكنها تعلم أيضا خطورة ما يفعله هاشم على مستقبل شركتهم وقرب نهايتهم إن استمر بهذا الشكل.
رفعت هاتفها لتخرج بيدها المرتعشة رقماً من السجل ضغطت عليه لتبدأ حديثها "المفتاح أسفل الجبل الأخضر، هل لا زالت كلمة السر حتى الآن أم أنها كما هي"
ضحك المعلم بيراق قائلا "تغيرت لدى الجميع إلا أنتِ"
اجابته نازلي "ممتاز فرحت لأجل تذكرك لي بعد مرور كل هذه السنوات"
ضحك بيراق وقال "وهل لنا أن ننسى عيونك المميزة"
فهمت نازلي ما يريد قوله لتتحدث بحدة وقوة"أحتاج لمساعدتك بأمر مهم وحساس"
انشغل الجميع بحياته المزدحمة حتى أتى يوم جديد كان أركان يصعد درج شركته بلياقة كبيرة وسط جموع من الموظفين والمساعدين ،اتجه نحو قاعة الاجتماعات ليكون أول حديثه فور دخوله "أعتذر لتأخري"
ضحكت أمه وقالت "ألم تمل من تكرارها بنفس اليوم من كل عام"
ضحك الجميع على ما قالته نازلي تحرك أركان وجلس على رأس طاولة الاجتماعات مقابل أمه التي كانت تترأسها من الجهة الأخرى وهو يقول "وكأنها ميزة التصقت بي"
تناول سراج قطعة حلوى ليأكلها وهو يقول "جميل انت تتميز بالتأخير وأنا أتميز بالهروب مبكرا"
رفض الجميع ترك سراج دون حضور الاحتفال هذا العام ،ضاق صدره من الشكليات والرسميات والوجوه المنمقة ،اقترب أخاه منه قائلا "عدة ساعات ولم تتحمل فما بالك بحالتنا اليومية"
ضحك سراج بوجه أحد العاملين وهو يرد على أخيه "كان الله بعونكم"
نظر أركان لباب الخروج قائلا "سأصنع لك معروفا بشرط عودتك المباشرة للمنزل كي تؤنس وحدة وردتك الصغيرة"
وبفرح رد سراج "وما أجمله من شرط ،أصدق انت بتهريبي وأنا ساطير لاعتني بوردتنا حتى العام القادم"
نظر أركان لانشغال أمه مع كبار الموظفين ليقول لأخيه "اذهب الآن قبل أن تلتصق بنا ويصعب عليك الهروب حينها" أدار رأسه نحو أخيه مكملا "ألستَ بحاجة للذهاب للحمام؟"
تحرك سراج غامزا لأخيه وهو يقول آخر كلماته "وبحاجة ملحة أيضا، أتمنى لكم حفلاً سعيداً"
خرج سراج ليخرج من بعده أركان من القاعة الكبيرة وهو يستأذن من المحيطين به كي يرد على هاتفه ،استقل زاوية احد الأعمدة الكبيرة متحدثا بصوت منخفض "ما هذا السخف كيف يهمل بأمر مهم كهذا ،انت تعلم اهتمامي بأدق وأصغر التفاصيل واي خطأ بها يساوي أكبر خطأ وأكثر…."
لم يكمل أركان حديثه حين أسرع بمد يده لينقذ من تعثرت بكعب حذائها الذي كسر فجأة أثناء سيرها ،أمسك يدها بيد والأخرى حاوط خصرها بها كي يحول دون سقوطها أرضا، رفعت يارا رأسها ناظرة لوجهه القريب نظرات متفاجئة طالت قليلا حين سبحت بعينيه وقربه.
وصل لاذانهم أصوات أقدام أحدهم تسير بجانبهم تحركت يارا لتقف بعيدا عن أيادي أركان التي احاطتها دون أن تستطيع حين كادت ان تسقط من جديد ،خلعت نعليها وهي مستاءة من وضعها معتذرة منه بقولها "الواضح ليس لنا حظ بالحضور والتعرف على مدراء شركائنا الجدد ،سأهرب قبل أن يراني أحدهم واسقط بموقف حرج"
ابتسم أركان ابتسامة إعجاب كبيرة قائلا بعدها "نعم أنتِ محقة بما قلتيه هيا لاساعدك بالهروب إذن، أين سيارتك"
خجلت يارا أكثر وهي تتحدث بتململ و عيون متلألأة "لا تسألني عن سيارتي من الواضح أنني صادفت حظي السيء اليوم"
سألها بغمز عينه وحركة رأسه التي سألتها قبل لسانه الذي قال "ما بها سيارتك هل اخرقتي دواليبها"
ردت عليه وهي تضع طرف اناملها بين شفتيها "ياليتها أتت بقدر دواليبها ،سأهرب بسرعة قبل أن ينتبه أحد علي وأعود بوقت آخر"
تحركت لتلقي بحذائها داخل صندوق فضي خاص بالقمامة ثم توجهت نحو مخرج القاعة هاربة ،ظل يتفقدها من الخلف ضاحكا على حالتها وسيرها على أطراف قدميها وهي تتعثر بأطراف فستانها الطويل.
اقتصر الحفل على الطعام والتعارف بدون موسيقى وفقرات غنائية كالسابق احتراما لحالة الحزن على فقيدة مدراء الشركة، وبعد الانتهاء من هذه الأجواء استأذنت نازلي لتذهب بسيارتها الخاصة وحدها ،رفضأركان وعرض عليها أن يعودا سويا لتأخر الوقت ولكنها أصرت على عودتها بسيارتها الخاصة مؤكدة على بقائه حتى يذهب الجميع وخاصة السيد هاشم الذي قاطعهم طوال الحفل.
نفذ ما طلبته أمه منه ليكون آخر شخص يخرج من الشركة بعد أن راجع بعض الملفات المهمة في مكتبه ،اقترب من سيارته متفاجئ باصطدام أحدهم بها وحطم مصباحها الأمامي بالجهة اليمنى اقترب لينظر على زجاج بابه قارئاً ما كان مكتوباً بقلم أحمر الشفاه الذي كان باللون الزهري "اعتذر منك لم أتعمد صدمها"
ابتسم وجهه متذكرًا صاحبة الفستان والشفاه الزهرية قائلا "وصلنا جوابنا من عنوان لونه"
صعد سيارته وهو يتذكر صورة وجهها وجسدها القريب منه أمام عينيه.
كانت تعيش خيبة أمل مجددا حين فشلت بالوصول لأي معلومات جديدة عن مستشفيات أنقرة، حصرت أسماء أكبر وأصغر التفاصيل الخاصة بكل مستشفى بقدر ما يتيحه لها موقع جوجل الإلكتروني.
اغلقت هاتفها بحزن كبير قائلة "كيف سأصل لها ،وإن وصلت كيف سأتعرف على الطبيب والممرضات"
اغمضت عينيها وهي تدعو ربها أن يجمعها مع ابنتها وان يلقيها بطريقها كي تعثر عليها وتعيدها لقلبها من جديد.
لم تمل او تكل بذهابها لمستشفيات اسطنبول بمنتصف عملها محاولة أن تسمع أصوات الممرضات والأطباء في محاولة منها للتعرف على أحدهم، كان الوضع مرهق نفسيا أكثر من الارهاق الجسدي ،فهي لم تتحسس الأصوات فقط بل كانت تخالط الاطفال المقاربين لسن ابنتها وهي تراهن على معرفة وشعور قلبها بابنتها.
جاء لسراج عرضه المميز بالكتابة في احد الصحف المشهورة بتركيا.
فرحت العائلة بفرحته وتحقيقه لامنياته واحلامه، تحدثت نازلي وقالت من الجميل رؤية اسمك ينير اسم عائلتنا بكل المدن وبشكل أسبوعي ،تحدث أركان بضحك رادا على أمه "لا تتحدثي بهذا الشكل أمامه حتى لا تطول رقبته ويصعب علينا محادثته من بعد الآن"
بادل سراج عائلته الضحك والفرح وهو يجيب "انتظر حتى أعين بإدارة الصحيفة ومن بعدها أعدك بتحقيق ما تقوله"
قبل أركان ابنته الجالسة على المقعد المجاور لمقعده قائلا "هيا أكملي فطورك بسرعة كي لا نتأخر"
استغربت الأم من حديث ابنها لتتساءل "على ماذا؟، الى أين انتما ذاهبان ونحن لا نعلم"
ضحك أركان غامزا لابنته "سنذهب للساحل كي نطعم النوارس"
فرحت نازلي لما سمعته ،ليكمل أركان موجها حديثه لابنته "أليس كذلك يا فستقتي"
اومأت آيلا برأسها فرحة بذهابها مع والدها ،اعتذر سراج لوردة القمر المحببة لقلبه قائلا "لولا انشغالي ببعض الأعمال ما كنت سأضيع جمال رؤية فرحتك وضحك وأنتِ تطعمين النوارس"
عرض صادق على أخته أن تأتي معه للتجول ،رفض مصطفى متحججا بانشغالهم بأعمال مصنع الأحذية الذي افتتحوه جديداً قائلا "عليك أن تكون بقدر المسؤولية"
رد صادق بدهشته "أنسيت أننا بيوم العطلة"
أجابه أخاه وهو ينظر لأمه "أعلم ومع هذا ستذهب للعمل كي نرى النواقص وسير العمل خلال الأسبوع الماضي لازلنا بأول الطريق علينا أن نجتهد كي نكبر مصنعنا ويزيد انتاجنا"
ردت حميدية مؤكدة على ما قاله مصطفى قائلة "عليكما أن تكثرا من جهدكما بأول مشوار عملكما وبدلا من ورشة عمل صغيرة يصبح مصنع كبير ينتج الكثير من الموديلات المتنوعة والمميزة"
وقف صادق بوجهه الفرح "معك حق يا أمي سنفعل ما تقولينه وأكثر ولكني احتاج للتجول حتى أستطيع الاستمرار بالعمل وانا بكامل طاقتي"
ازداد رفض مصطفى ليصر صادق ويعده أن لا يتأخر عن الساعتين ويذهبا للعمل بعدهما، انتهت المشادة بنجاح صادق في تحرير حياة من قبضة أخيه الذي شدد عليهما أن لا يبتعدا كثيرا عن محيطهم.
تألم صادق من حالة اخته التي كانت عينيها تبحث بكل مكان حولها ،تنظر للبنايات باحثة عن ضالتها بها ،تدقق بالناس حولها وتعلق عينيها على الاطفال وكأنها تملك قوة مغناطيسية تجذب ابنتها لها بمجرد وقوع نظرها عليها ،قلق مصطفى من خروج اخته بعيدا عنه وقد تحققت مخاوفه حين أراد القدر أن يجمع روحين بمكان واحد دون أن يشعرهم ببعضهم فكانت حياة وابنتها على نفس الساحل كلا منهما بعالمه المختلف عن الآخر، قلوبهما تبحث عن بعضهما ولكنهما بعيدتان كل البعد باجسادهما و وجهتهما، فإن تقاربا أو حتى تشابكت عيونهم كان من الممكن أن ينجذبا.
عادت من التجول بحالة مختلطة ما بين الحزن والفرح بتحررها من قبضة وتعنت مصطفى بخروجها بحجة خوفه عليها.
فتحت دفترها وكتبت بحزن "وكأنها إبرة وقعت بكومة قش ،لا يمكننا إزاحة القش دون أن تلتصق به الإبرة ولا يمكننا تركها تائهة بداخله ،ابحث عنها بروحي المعلقة الراجية من الله ان يمنحها ويهبها هذه الفرحة باللقاء، أخشى يا حبيبتي أن يطول الفراق ،ويَدمُرُ القلب حزناًعليكِ ،أدفع عمري و روحي أملا بالاطمئنان عليكِ حتى ولو بدون لمسك ،اتساءل واتعذب عندما أفكر بأي يد وقعتي ليرتاح ،هل تبكين أم تضحكين ،أم تلعبين ،تركضين منعمة بالحنان ،أم مقهورة من جفاء القلوب الصلبة ،أم أنكِ كما يقولون…."
اغمضت عينيها لتتحدث داخلها بقلبها المكلوم "لم تمت ،ساجدك يا روحي ،ساجدك أنا واثقة من ذلك"
نزلت دمعة حارقة من عينيها مسطرة حالة حزنها وألمها والنار المشتعلة بداخلها، فتحت الراديو على البرنامج اليومي المحبب لها لتجده قد انتهى منذ زمن ،كتبت على صفحة البرنامج "نشبت النيران بقلبي لتأكل روحي وتسرق الفرحة والبهجة من حياتي ،أضحك وأفرح وااكل واتنقل من مكان لآخر دون أن أشعر بفرق بينهم، عندما يأتوني جميعهم بطعم الألم والفقد والضياع"
أغلقت هاتفها دون أن ترسل رسالتها هكذا اعتقدت حين لم تنتبه على يدها التي ضغطت على إرسال بدلا من إغلاق.
نامت بحزنها الكبير لتستيقظ على رد من مقدم البرنامج برسالة "قد تطول النيران بإشتعالها منهية الأخضر واليابس ،وقد يطول الضياع والفقد حتى تُظلم الدنيا وتحكم قبضتها بعينيك لتفقد أملك بخروج نورها من جديد ،تيأس وتستسلم وتبتعد متقوقعاً داخل ظلامك دون أن تعلم مدى قربك من نجاتك والوصول لمرادك وحلمك ،إياكم أن تيأسوا من الحياة ،إياكم أن تتركوها تنتصر عليكم ،إياكم أن تستسلموا لظلامها ،حاربوا وجاهدوا لتنتصروا عليها ،اجعلوا شعاركم أما النصر أو النصر لا خيار ثالث، حينها ستصلون لقبلتكم ومرادكم لتنير حياتكم بكل ما يفرحكم ويرضيكم ،فمهما طال الليل بظلامه ينتهي وينجلي بانتصار الشمس على إزالة الظلام باشراقتها الذهبية المضيئة للحياة ،وبالنهاية أحب أن أصبح عليكم صباح مليء بالجهاد والانتصار على اليأس والظلام بالتفاؤل والعزيمة على النجاح"
فرحت حياة برسالة مذيعها المفضل غارقة بقراءة تعليقات المتابعين تحت رسالتها.
رأى أركان تلك الفتاة وهي تدخل من بوابة الشركة ابتسم وجهه رافعا حاجبه وهو يسرع نحو غرفة مكتبه أقدمت السكرتيرة عليه فور رؤيته ،تحدث لها دون مقدمات "ستأتي يارا هانم بعد قليل ادخليها على الفور ولا تقاطعي اجتماعنا حتى ينتهي"
دخل مكتبه مغلقا الباب خلفه وهو يقول "هيا لنرى ما ستفعليه"
لم يلبث عدة دقائق حتى طرق الباب وتحدثت السكرتيرة قائلة له "وصلت الضيفة"
اجابها بنفس وقفته المقابلة لنافذة مكتبه دون النظر نحوهم "اسمحي لها بالدخول"
كان يستمع للسكرتيرة وهي تدخل الضيفة وتخبرها أن المدير بانتظارها ،اقتربت بخطوات كعبها العالي لتدخل الغرفة مغلقة الباب خلفها وهي تقول "صباح الخير"
انتظرت اي ردة فعل أو استدارة منه دون أي نتيجة لتتحدث من جديد "أتيت لأجل الاتفاق على جدول اعمال الشراكة الجديدة"
استغربت اكثر لعدم اهتمامه بوجودها ،تقدمت خطوات مقتربة بها من المكتب ناظرة لظهره الموجه لها قائلة "أركان بيه ،أركان بيه هل تسمعني ،أنا يارا جيم أتيت اليكم لأجل أن نناقش الشراكة الجديدة بين شركتنا ومجموعة شركة حضرتكم"
استدار رافعا حاجبه بانتصار قائلا "لا يوجد بيننا شراكة حتى آخذ حق سيارتي منكِ"
فتحت فمها لتقول "أنت ،أعني حضرتك ،أقصد هل كنت أنت!"
ضحك أركان بقوله "لا بل كانت سيارتي"
أسرعت باعتذاراتها الكثيرة وهي تتحرك بمكانها بعفوية وضحك مشاركة كل جوارحها بحديثها السريع، هون عليها ما هي به قائلا "لا داعي لاعتذاراتك يكفي أن تقبلي مشاركتي لفطوري الذي لم اتهنى بتناوله هذا الصباح"
ابتسمت مرجعة شعرها الاسود خلف اذنها وهي تقول "بسيطة لنفطر سوياً ان كان هذا ما سيغفر لي"
وصل دكتور يزن للمدرسة الخاصة كي يوصل ابنة أخته حتى باب فصلها ،خرجت حياة من غرفة المدير لتجده بطريقه لبوابة الخروج بعد أن أدى مهمته ،ابتسم وجهه ملقيا عليها السلام لتقترب خطوات قليلة وهي ترد سلامها وتطمئن على الصغيرة ،ضحك يزن واخبرها بأنها تركته بعد أن اخذت وعد كبير بعودته لأخذها بآخر اليوم كي يتجولا سوياً، ردت حياة وهي تدعو لهما بالسعادة صامتة بعدها وهي تتردد بالبوح بحديثها الذي أبى أن يخرج منها ككل مرة ،استأذن يزن أمام صمتها متمنيا لهم يوم دارسي سعيد.
تحرك ليكمل طريقه تاركا لها وهي تنظر إليه من الخلف بصمت وشرود كبير هل تلحق به وتسأله ،وكيف ستسأله وبماذا ستبرر سؤالها ،استدار خلفها متعجباً من حالتها وشرودها أكمل سيره وبعقله اسئلة كثيرة تطرح عن حالتها وصمتها بل وشرودها الكبير كلما رأته.
وعلى عكس التوقعات وبوضح النهار التقت نازلي بالمعلم بيراق لتكمل اتفاقها معه لبدأ خطتها بإنهاء هاشم ،كانت نازلي ذكية ومخضرمة بعملها لدرجة تدهش كل من يعمل معها ،رحب العجوز بها قائلا "أنتِ كما أنتِ لا زالت عينيك تلمع بقوتك ودهائك"
جلست نازلي وهي تنظر للمسبحة الحمراء بيده قائلة "لا وقت لدي ،لنتحدث بالتفاصيل المهمة لا أريد اي خطأ أو تقصير الأمر مهم أريد عرقلة الشحنة والاستيلاء عليها دون لمسهااو اللعب بها، سيتم ايداعها بالمكان المتفق عليه بساعة الصفر المحددة ،أي خطأأو تلاعب سيكلفك ليس فقط مشوارك العملي بل حياتك"
اتسعت عينيه وهو يرد عليها بصوته الذي لا زال اجش قوي رغم كل هذه السنوات قائلا "من تهدِدين أنتِ ،ها من تهددين ،ألم يكفيكِ مسامحتي لكِ عن ما صدر منك قديما ،هل نسيتي غدرك بنا وهروبك، من قبضتنا قديما ،أقسم برب الكون لولا اخاكِ وفضله الكبير علينا كنت استمريت ببحثي عنكِ وانهاء حياتك لتصبحي عبرة لكل من سولت له نفسه أن يغدر بي"
ابتلعت ريقها خوفا من عينيه التي ذكرتها بماضيها قائلة "انت كما عهدناك دائما تثور بسرعة دون ان تسمع بقية الكلام، لستُ أنا من سينهيها نحن نعمل مع اشخاص اكبر مني ومنك لا يأمن أحد من شرهموما سيفعلوه عند غضبهم"
ورغم تحذيرها له إلا أنها زادت من مبلغ دفعها لأجل إشباع عينيه كي لا يطمع بالبضاعة.
وعلى عجل تحركت لتخرج من المكان الذي عملت عمرها كله لأجل الهروب منه والخروج من تحت وطأته وانقاضه ،ناداها قبل خروجها من الباب قائلا "زينب" وقفت مبتلعة ريقها محاولة التظاهر بقوتها وهي تستدير برأسها المرفوعة بشموخها وانتصاراتها على هذه الحياة مستمعة لسؤالها "اكلتينا بكلامك السريع حتى نسيت أن أسألك عن أخيكِ أين اراضيه الآن وبأي كنية يعيش"
اخذت نفسا قصيرا تحدثت بعده "هو بخير يدير نفسه وعمله بشكل جيد ،حتى أنه من اقترح علي اللجوء لك كي تساعدني وأخبرني أنك لن تخذلني او تُخيب ظنه بك فهو لا زال يثق بك ويسميك بحوت تركيا"
ضحك المعلم بيراق وقال "لازال يحمل الخير للجميع ،ابلغيه مني السلام"
خرجت نازلي مسرعة بخطواتها لتصعد سيارتها وتبتعد عن المكان الذي أسر عينيها بكل ركن وجحر وزقاق به"
وفور عودتها فكرت بجديه كيف ستحمي اركان من هذه الحرب وتبعده عن الأجواء الساخنة ،فكرت وفكرت حتى افتعلت أمر أعطاها الحق بأصدار قرار سريع بسفر أركان للعمل بكندا إثر
حريق كبير نشب بأحد مخازنهم وقد يؤثر على وضع عملهم هناك، كان أركان بحيرة من أمره جزء منه يريد الذهاب ومباشرة العمل عن قرب ومعاقبة كل من تسبب بهذه الخسائر الهائلة، والجزء الآخر يفكر بابنته كيف سيتركها خلفه وهي متعلقة به لهذا الحد.
أصرت نازلي على سفر ابنها قائلة له "من الجيد ابتعادك عنها ،علينا أن نفعل بنصيحة الطبيب ستجعلها تعتمد على نفسها بطلب طعامها و النوم وحدها والذهاب للروضة كي تخالط الاطفال والغرباء، وهذا كله لا يمكن فعله والنجاح به وانت قريب منها ،اتركها لشهر أو شهرين على الاكثر تكون قد أنهيت مهمتك هناك وهي قد اعتادت على ممارسة حياتها دون الاعتماد عليك ،جميعنا يتأمل بسماع صوتها مجددا نجحت بهذا أعلم ولكنها لا زالت خائفة تتحدث، بتردد وصوت مهزوز بالكاد يخرج منها ،أحلم باليوم الذي أشهد به عودتها لطبيعتها"
ابتسم أركان وقال لأمه "انها البداية من الواضح أن الطبيب الجديد يعلم عمله جيدا ،ستعود لطبيعتها وأفضل أيضا تبقى القليل ،اختار الطبيب لها روضه تتميز بالاهتمام ومراعاة الأطفال داخلها بشكل كبير ،أخبرني بأنه سيجعلنا نلتحق بها عندما تسمح حالتها بهذا"
تحدثت نازلي قائلة لابنها بوجه مبتسم "ما رأيك باصطحاب يارا معك"
ضحك أركان وسألها "من أين خرجت يارا الآن ،وأيضا ما عملها بشركتنا في كندا"
ضحكت أمه وقالت "لنرتب لها عملا هناك ،إن أردت أنت اصطحابها معك"
علت ضحكته أكثر وهو يستند بظهره للخلف قائلا "أمي من أين تأتين بهذه الأفكار"
تحدثت أمه "لن تبقى وحيداً طيلة عمرك ،بالأخير انت ملزم بإنجاب اخوة لصغيرتنا يشعروها بالاطمئنان والحب الذي تبحث عنه بعيون من حولها ،الوسط العائلي الدافئ مهم جدا بحالتها ،لم أتي بشيء من عندي هذا ايضا كان من ضمن نصائح الطبيب النفسي"
رد أركان على أمه وقال بجدية "أعلم هذا ولكني أريد أن اختار هذه المرة بمعايير مختلفة لأجل آيلا ،لن أسمح بتكرر تجربتها السابقة من جديد"
وافقته امه الرأي ،انتهى حديثهما بوصول سراج ومشاركته في أحاديثهم حول الشركة وما حدث بكندا.
مر ثلاثة وأربعون ليلة على اجتماع نازلي بالمعلم بيراق الذي نتج عنه فقد هاشم عقله من تدهور عمله،السري جراء السطورالمتكرر علىبضاعته رغم تغيير الخطط والأشخاص والاماكن والمواعيد الا انه فشل بحماية أعماله ممن يتربصون به.
ضغطت نازلي عليه مطالبة بحقها في وصول الشحنات المتفق عليها بمواعيدها وإلا سيتم تطبيق الشرط الجزائي وفقا لاعرافهم وهذا ما هز عرش هاشم بقوة كبيرة.
وبهذه الأجواء المضطربة جدا بل والخطرة كانت حياة تستقبل يوم جديد بطريقها للمدرسة، تزاحمت الطرق واختنق مصطفى بقيادته البطيئة وسط السيارات المحيطة به ،أوقف سيارته على رأس الطريق المقابل للمدرسة وهو يغضب على كثرة الاتصالات والتزاحم قائلا لأخته بصوت عصبي"
أنزلي انتِ واذهبي للمدرسة بسرعة دون الإلتفات حولك"
تحركت حياة وهي أكثر غضبا من مصطفى قائلة "يكفيك غضباً عليّ كل صباح، لا أعرف ما الداعي لايصالك لي حتى ادخل من باب المدرسة وكأني طفلة بصفي الأول" وأشارت بيدها نحو مجمع المدرسة بالجهة الأخرى مكملة "إنها قريبة بالقدر الذي أعبر الطريق لأكون داخلها بعده"
صرخ بقوة غضبه من أصوات السيارات التي تضغط،، عليه ليتحرك من مكانه ليقلل من الازدحام قائلا "هيا اذهبي وإلا سأنهي عملك لارتاح وترتاحي أنتِ أيضا من معارضتك المستمرة"
نزلت وأغلقت الباب بقوة واقفة فوق الرصيف وهي تنظر لسيارة أخيها بقيادته الغاضبة وصراخه على السائقين المجاورين له ،حزنت بوجهها المقتضب لما يفعله مصطفى بها أخذت نفسا عميقا لتهدئ نفسها من توترها بأول الصباح وهي تنظر لقصر المسافة التي حُرمت من تخطيها بمفردها.
أخذت نفسا أكثر عمقاً وهي تغلق عينيها برأسها المرفوعة للسماء زافرة بانفاسها، الهادئة وهي تفتح عينيها متفاجأة بالبالون المتطاير في الهواء الطلق، ابتسم وجهها واقتربت من البالون رافعة يديها وهي تحلق على أطراف قدميها ليصبح بينها و بينه مسافة قصيرة ،سمعت صوت قريب منها يقول "امسكي به ،امسكي بالبالون من فضلك ، من فضلك امسكي به"
و بعفوية طفلة صغيرة رفعت نفسها لأعلى وهي تقفز قفزة صغيرة تطاير فستانها معها وكأنها فراشة جميلة ترفرف بضحكتها و اجنحتها لتمسك أخيراً ببالونها فرحة بنصرها و فوزها الصغير بهذه الحياة.
اقترب منها وهو يحمل بين ذراعيه وردته الفرحة ،أمسك عمها البالون واعطاه لها لتأخذه بفرح دون أن يخرج صوت منها، ثم شكر الفتاة بقوة فرحته بسعادة من يحملها قائلا بسرور "نعتذر منكِ و لكنه مهم كثيرا بالنسبة لوردة القمر خاصتي"
ابتسمت حياة للطفلة التي سلبتها روحها و فؤادها شاردة بها منفصلة عن عالمها المحيط بها، رفعت يدها بهذا الشرود لتلامس وجنتيها المكورة رغبةً منها لتصديق حقيقة ما تراه أمامها أهي خيال أم ملاك.
رن هاتفها ليعيدها لواقعها ،اخرجته بسرعة وخوف لترد على أخيها دون ان تنطق حرف واحد بسبب صوته الغاضب "ما هذه الأصوات ألا زلتي بالخارج ،لماذا لم تدخلي للمدرسة حتى الآن"
كانت تستمع لغضبه بأعين حزينة شبه مغمضة و وجه يلبي أوامره باقدام تتحرك لتعبر الطريق وهي تستمع لتأكيده على سرعة دخولها المدرسة وعدم خروجها حتى يأتي ليأخذها.
لاحظ سراج توبيخراخيها لها فكان صوته الغاضب يخرج صداه من الهاتف ،تحرك ليعبر الطريق ذات الاتجاهين بجانبها وهو يحدث وردته التي بين ذراعيه بحب كبير.
اسرعت حياة بعبورها ودخولها للمدرسة وهي بحالة غريبة لم تفهمها ،انشغلت بتسجيل حضورها وتولي مهامها ،وبعد وقت قصير رأت الطفلة تقف صامتة وحيدة بمكانها تنظر لموضع يدها الصغيرة على البالون بصمت وهدوء ميزها عن غيرها ممن يدورون و يصرخون ويضحكون ويلعبون من حولها، اقتربت منها بحنين كبير لتتحدث معها دون ان تتوقع مجيء هذا الطفل المشاكس بسرعة صادما الطفلة بيده كي يأخذ بالونها منها
وقعت آيلا كورقة شجرة ذابلة، اسرعت حياة برفع الطفلة من الأرض وهي تنفض من على ملابسها ما تبقى من آثار سقوطها، لم تفز باحتضانها كما تمنت وهمت لفعلها لولا سرعة سراج واخذه الطفلة من بين يديها وهو يحدثها "لا تبكي، انا بجانبك اهدئي لا تبكي"
من شدة لهفتها وخفقان قلبها لأجل سقوط الصغيرة لم تنتبه لاقترابها ورفعها ليدها كي تمسح قطرات دموع عينيها الصامتة ،تجنبت يده الوصول لوجه آيلا حين سبقته يد حياة.
نظر سراج نحو المعلمة ليتذكرها ابتسم بلطف وهو يضم طفلة اخيه لحضنه قائلا "أشكركِ على مساعدتك مرة أخرى"
ردت على استحياء "العفو منك لا شيء مهم، صدمها طفل وهو، يلعب، مع الوقت سيعتادان على بعضهما و هي ستتعلم كيف تتصدى لهذه الصدمات"
أومأ سراج برأسه و بدأ يستقيم بوقفته حاملا آيلا بين ذراعيه ضاممها داخله بعد ان استسلمت و اسندت رأسها الصغيرة على كتفه مجيباً عليها "أتمنى هذا بل أامل كثيرا ان اراها كما تقولين"
حركت يدها لترفع غرة الطفلة من على عينيها وتضعها على جانبي جبهتها الصغيرة شاردة بتلك الدوامة الشعيرية التي بالجانب الأيمن لغرتها، ابتسم سراج من جديد ناظراً لطرف سبابتها الذي كان يدور مع دوامة الطفلة متحدثاً بلطف مظهره الوسيم "أعرفك على وردة القمر آيلا جول ابنة أخي"
ابتسمت وهي شاردة تهمهم "وردة القمر يليق بها كثيرا فهي كالوردة حقاً حتى دوامتها موردة كأوراق وردة الجوري ذات الأوراق المتحابة"
وبنظراته المعلقة على شرودها تحدث سراج "هل تعلمين ان الورد رسائل طائرة، وقاموس لغوي خاوي من كلماته، بل ومشاعر فياضة، وعطر، لا يقدر،بثمن"
اجابته بشردوها في وجه الطفلة النائمة قائلة "كبالون يطير من قلب رافض البوح بأسرار ،وعيون خائفة تنظر للجميع بغربة و وحدة، ترى السكون يدوي بعالمها البعيد ،تهرب بنومها لعالمها الذي لا يوجد به سوى وحدتها و سكونها"
اندهش سراج بحديثها و وصفها لحالة طفلتهم من أول لقاء بل من أول نظرة وتقارب.
أكمل حديثها قائلا "نعم اعطيكِ الحق بسكونها ، ظلامها ألمها، وكأنها كبرت، و شاخت قبل أوانها"
ردت عليه بنفس حالتها و يدها التي لازالت تدور على دوامة الطفلة بحنان "بل كوردة جورية جميلة، نبتت و ازدهرات، وكبرت بوقت قصير ،لم نشبع من جمال لونها و لا، عطرها حتى نتفاجأ بها تذبل و تذبل وتذبل و تذوب ليذوب القلب، معها حزناً على فرحة و سعادة لم يكتب تذوق لذتها ،وكأن حياتها أعطتها و حرمتها دون إذن منها"
دمعت عيني حياة الغائمة لتسقط منهما دمعة حارقة مكملة بها قولها "نهون على أنفسنا بقول ذهب، انتهى، أصبح ماضياً، و لكنه لا يزال محفورا بقلوبنا يطفو على السطح ليضيق صدورنا به، ويفيض من أعيننا ليذكرنا بمرارة تلك الغيوم بحياتنا"
ابتسم سراج وقال بنبرته الاذاعية "نعم وهذا ما يقال عنه غيوم الحياة"
رفعت نظرها وهي تكرر بسرها كلمة "غيوم الحياة" متمعنة بصوته الذي لم يكن بغريب على مسامع أذنيها.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.