recent
جديدنا

انها غيوم الحياة الفصل الثاني

             رواية "إنها غيوم الحياة"

                           بقلم أمل محمد الكاشف 



نزل خبر الحمل على رأس حياة وصادق كالصاعقة التي كادت أن تفتك بقلبيهما ،ضخ الدم وتصلب بعروق وجه أخيها المقتضب وهو يقترب من الفراش كي يسحقها ويُطهر شرفه بيده متسائلا عن والد طفلها ومن ضحك عليها وفعل بها هذا ،تدخل مصطفى ودافع عن أخته بشكل أدهش صادق الذي كان يصرخ ويوبخها بأقذر الصفات ،سحبه مصطفى للخارج ليتحرك الطبيب والأم من خلفهم ،تعالى صوت بكاء حياة ومدافعتها عن شرفها وطهرها دون ان يستمع لها أحد ،أغلقت الأم الغرفة عليها وهي تخبرها بأنها تثق بشرفها وعفتها كما وعدتها أنها ستذهب  لاخوتها كي تهدأ منهم خشية أن يؤذيها صادق وتعود لتستمع لها، بكت حياة متحدثة لأمها "أقسم لكِ انه لا يوجد ما يقولوه ،أنا لستُ بحامل ،من المؤكد ان هناك خطأ ما ،أريد أن أذهب للمشفى ،أمي أريد أن أذهب للمشفى انا لستُ بحامل" انهارت ببكائها مرة أخرى حين سمعت صوت اغلاق الغرفة بالمفتاح دون ان تنصت أمها لطلبها، تمنت الموت بهذه اللحظة على أن تعيش حقيقة ما سمعته فكيف هي حامل دون أن تلمسها يد غريبة ،كيف حامل وهي لا زالت بكر ،لم تمر دقائق على الخبر الذي عصف بحياة واخيها صادق حتى وقفت سيارة أمام منزلهم الفقير ،نزل منها رجل يظهر على سيارته وملابسه أنه ذو شأن وقدر كبير بالمجتمع ،طرق باب منزلهم وهو يعرفهم على نفسه "أنا الطبيب سعيد نافع من مستشفى قلب واحد ،جئت لأتحدث معكم بأمر مهم"

رحب مصطفى بالطبيب بوجه تصنع اندهاشه من قدومه بينما وقف صادق ينظر نحو الضيف وامه واخيه باستغراب كبير ،تحدث الطبيب لمصطفى قائلا "ألم تتذكرني؟"

أنكر مصطفى ومن بعده الأم تذكرهما للطبيب ليتحدث هو قائلا "معكما حق بعدم التعرف عليٌ ،وأنا أيضا كنت قد نسيتُ أمركم لولا التحقق من فيديوهات تسجيل كاميرات المشفى وتذكرت لقائنا حين أتيتم خائفين على ابنتكم تطلبون مني المساعدة"

كانت الأم تنظر لكذب الطبيب وهي تتذكر توليه أمر حياة فور وصولها دون طلبهم منه ، نظر صادق لأهله ثم نظر للطبيب وتساءل "عن أي فيديوهات ومشفى تتحدث؟"

قلق مصطفى ونظر لأمه التي بادلته نفس الشعور الذي كاد ان يقطع أنفاسها، تحدث الطبيب ليرد على صادق "في يوم الحادي عشر من شهر أغسطس الماضي حدث اختلاط بين المرضى ،أتت أختكم لأجل إجراء عملية الزائدة، وكانت هناك سيدة جاءت لتجري عملية حقن بويضات أمرت بتخديرها حتى اتعقم وأتي إليهم لم نعلم بأمر هروبها من غرفة الانتظار لوجود مشاكل بينها وبين زوجها ،إلى هنا الأمر طبيعي المشكلة أنها قبل خروجها تركت ملفها الطبي على فراش ابنتكم حياة ليتم إجراء العملية وبكل أسف لابنتكم الذي كان من المفترض أنها سليمة وتراجع الطبيب عن إجراء العملية بعد أن تم تخديرها وتهيئها لإزالة الزائدة"

وقف صادق بغضبه ليعارك الطبيب لولا أن وقف بوجهه مصطفى مرة أخرى وهو يحذره مما يفعله ويحثه على الإنصات والتحدث بعقل كي يخرجوا من هذه المصيبة، انتبهت حياة للاصوات العالية بالخارج توقعت ان اخويها يتعاركون بسبب حملها مما زادها بكاءا وألما دفاعا عن طهرها حيث كانت تحدث نفسها وتقسم لها انها لم تقدم على خطيئة كهذه، صُدم صادق من عرض الطبيب الذي تضمن مبلغ كبير مقابل التنازل عن حقهم في هذا الخطأ ،لم يسمح الطبيب لهم بالرفض حين صدمهم بعرضه الأكبر ذو المغريات برقمه الثمين الذي سلب عقلهم دون أن يتوقعوه مقابل إعطائهم الطفل بعد الولادة وتأمين عملية عودة غشاء البكارة لابنتهم باحترافية كبيرة"

و رغم العرض الثمين الا أن صادق فاجأهم بطرده للطبيب وتوعده برفع دعوى جنائية لإعادة حق اخته، أشفق الأخ على حالة اخته التي دمرها بكائها وحديثها مع نفسها ومناداتها عليهم ليدخل عليها الغرفة ويحتضنها وهو يحنو على رأسها ويعدها ان يأخذ حقها ممن ظلمها ،لم يتحمل قلبها الصغير حقيقة حملها بعد أن تأملت بعدم صحة النتيجة ،ظل صادق لأيام معارض وغاضب على محاولات أخيه في إقناعه بقبول العرض الكبير الذي أتى لهم من عند الله دون أن يسعوا له ،تحدثت الأم بعيون تدمع بكذبها "افعلوا ما تفعلوه دون ان تفضحوا ابنتي ،لا اريد قضايا تدمر سمعة ابنتي المسكينة ،هي لا ذنب لها بهذا الخطأ"

تحدث مصطفى بصوته الهادئ المسموم ليكمل حديثه مع اخيه ممثلاً حزنه المرتسم على وجهه قائلا "أسمعت ما قالته أمي ،إن لم يكن لأجل المال وانقاذنا من هذا الفقر الذي سيقضي علينا بآخر المطاف فليكن لمصلحة اختنا وعدم فضحها وفضحنا بالمحاكم ،فكر كيف سينظرون لها وكيف سيمكننا تزويجها ان علم الجميع وضع حملها والطفل الذي تحتضنه ،أي رجل سيرضى بأم لم تمسسها يد غريبة"

صمت صادق بعد ان كثرت أحاديث مصطفى وأمه التي كانت تضع قناع الخوف على سمعة ابنتها ومستقبلها الذي تخشى أن يتدمر"

وافق بالأخير كي لا تفضح اخته وينتهي مستقبلها ،أقنعه مصطفى وأعمى عينيه بالنعم التي ستعم عليهم في المستقبل الذي سيتغير وينير حتى أنه ألمع عين صادق وأمه بالخير الذي سيعم على حياة وعودة بصرها بعد أن يجروا لها العملية بأكبر مشفى خاصة في البلد كما يتم علاجها من مشكلة الهرمونات واضطراب وظائف الغدد مع المتابعة عند أفضل الأطباء المختصين، وأيضا سيتخلصون من هم الطفل والتحاقه بهم دون نسب ،جاءت لعقل مصطفى فكرة شيطانية فرح قلبه وهو يعرضها على مسامع أمه وأخيه قائلا "لنقل لها أنه توفى أثناء العملية كي لا تتعذب بذنبه أو تتهمنا به فهي الآن لا تريده ولكننا لا نعلم كيف سيكون الوضع ان لمسته ورأته ،سنريحها بخبر موته كي تعود لحياتها الطبيعية وتكمل دراستها وتتزوج ممن ترغب وتراه مناسبا لها بقلب لا يفكر بماضيه ".

صمت صادق واشترك معهم بظلم حياة مبررًا لضميره أنه يساعد ويحافظ على شرف أخته.

لم تستسلم الصغيرة لحقيقة حملها حاولت بشتى الطرق أن تتخلص منه دون أن تستطيع النجاح به على الرغم ان الطبيعي والمتعارف عليه بهذه العمليات الحساسة أن وضع الحمل غير مستقر يحتاج لجهد كبير من المحافظة حتى إتمامه  ،إلا أن طفلها تمسك بها وكأنه طبيعي بل وأكثر من الطبيعي الذي لم يتحمل وقوعها المتعمد من على فراشها واللكمات المتتالية أسفل بطنها.

مرت الشهور الأولى بصعوبة كبيرة ألقى صادق بنفسه خارج المنزل طوال اليوم كي لا يرى حزن اخته ويسمع بكائها على حالتها، اقترفت الام ذنبا جديداً بحق ابنتها حين لجأت لاقناعها بفكرة حملها وطفلها وجمال شعور الأمومة حتى أصبحت تتخيل معها لعبهم بالطفل الذي لا ذنب له بما حدث وكم سيفرحون بحركته وأول كلماته ، كانت تفعلها لأجل أن تكف حياة عن لكمها لبطنها ورفضها للأدوية المهمة وتعمد سقوطها طوال الشهور الأولى دون تراجع او ملل ،سحرت عقل ابنتها بكثرة أحاديثها التي لمست شعور الأمومة وهو يكبر داخلها كلما كبرت بطنها وتدفقت البركة بصدرها.

مع الأسف نجحت الأم بربط حياة بطفلها دون أن تنتبه أنها بهذا العمل قد ألقت بها في جهنم العذاب ،لم تكن حياة هي فقط من ارتبط بالطفل فمن كثرة حديث حمدية عن الطفل وجمال الشهور الأولى الموالية للميلاد كانت هي أيضا قد تعلق قلبها بذلك الذي كانت تدلِله في بطن ابنتها وهي تنعته بكنزها الثمين.


بالمقابل وفي الجهة الأخرى كانت سما قد بدأت بلف رباط وسط على بطنها لترتفع مع تقدم عمر إعلانها عن حملها كي يصبح الأمر أكثر واقعية

إزدادت كبرياءً وتملكاً بوضعها الجديد حتى أصبحت تنظر لسراج بعين قوية وتحدثه عن جمال طفلها وما سيسعدون به في المستقبل ،وهذا ما كان يضيق صدر نازلي التي كانت تتخذ من حزنها وضعفها أمام حبها الأول جسرا للتحكم بها وكسرها والسيطرة على ابنها أركان.

تأمل سراج وفرح بقرب قدوم الطفل حتى أنه في يوم عاد وهو يحمل بعض الأغراض كفراش متحرك صغير وألعاب ذو نغمات موسيقية هادئة ،فرح الجميع بهدايا سراج ما عدا سما التي قسم فؤادها وهي تتمنى وتتخيل هذا المشهد بشكل آخر يجمعها بحبيبها وطفلهما الأول منه ،اقترب سراج ليعطي سما جهاز تعقب عبارة عن جزئين يوضع بجانب الطفل جزء يظل مع الام ليصل صوت طفلها فور بكائه واستيقاظه.

مدت يدها لتأخذه منه وهي تنظر لعينيه بعتاب كبير ،تفاجأ سراج بنظراتها و وضعها يدها على يده الممدودة نحوها دون كلام، ابتلع ريقه خجلا مما تفعله أمام عائلته ،اقترب أركان واحتضن زوجته من خصرها طابعاً قبلته أعلى اذنها اليمنى قائلا "نحن لسنا بحاجة لهذا الجهاز لأنني لدي زوجة ذو قلب حنون سيستمع لبكاء طفلها حتى قبل أن يخرج منه"

حرك سراج يده ليبعدها عن يد سما تاركا الجهاز معها ،نظرت لعيون زوجها القريبة منها بحزن كبير فكيف ستشعر بشيء لم ينبت بداخلها ،كيف وهو بدم وروح أحد غيرها.

تحملت أحاديثهم وفرحتهم بصعوبة كبيرة ذهبت بعدها لغرفتهم كي تبكي قهرا وحزنا على ما هي به ،ألقت برباط خصرها أرضا ساخطة على قدرها الذي اقحمها بهذه الألاعيب ،في الصالون تحدث سراج لأخيه قائلا "لا تفهمني بشكل خاطئ ولكنني أشعر بتغير سما واضطرابها النفسي ،تضحك بعيون دامعة حزينة تتحدث بنبرة غريبة"

احتقن وجه الأم بضيقها ناظرة لأركان بقوة جعلته يغير مسرى حديث أخيه ويعارضه برأيه وملاحظاته.

تعجب سراج من عدم انتباههم لوضع سما النفسي ،التزم الصمت بعد أن أوصاهم بضرورة التواصل مع طبيب نفسي كي لا يتطور الوضع مع تقدم الحمل ويحدث معها ما يسمعونه عن الحوامل التي تسوء حالتهم حتى يصلون لرفض أبنائهم.

وقف أركان وهو يضحك استهزاءً بما يُقال إليه وتحرك ليخرج  قائلا "لا تقلق نحن بأفضل حال ،تحققت أمنياتنا و اقترب حلمنا أن يصبح حقيقة ،أقول لك بل أنت من عليه مراجعة الطبيب كي تهيئ قلبك لهذه الفرحة"

ابتسمت نازلي مقاطعة حديث ابنها أركان قائلة "نعم وأنا سأذهب معك يا سراج أخشى على قلبي من فرحة رؤية حفيدي"

ابتسم الجميع ليخرج أركان من الصالون بوجهه الذي بردت ملامحه وهو يتوجه لغرفة زوجته لكي يراجعها عن أفعالها واضطراباتها الغير مبررة ،تحرك سراج ليبدل ملابسه ويذهب لعمله بعدما طلب من أمه أن تدعو له بالتوفيق ،كان يسير اتجاه غرفته وهو حزين على وضع سما ونظراتها التي أشعرته بحزنها ،تذكر ما كان بينهم من انسجام وضحك وسط الأصدقاء، توجه نحو خزانته الكبيرة ليخرج منها بنطلون جينز وقميص رغم بساطته الا ان فخامته تطغى على هيئته ،ارتداهم وهو يتذكر مدحه في سما أمام أخيه أركان وكم كان معجب بأحاديثها وضحكها وتميزها بين الأصدقاء، نظر لمرآته التي كانت بطول الحائط ونصف عرضه وهو يتذكر تلقيه لخبر خطبة أخيه ممن أعجب بها ونبت ريعان حبها بداخله دون أن يكبر ،بالجانب الآخر في جناح أركان كانت سما ترد على زوجها بغضب وحزن كبير قائلة "لا أريد طفل غير طفلي أتفهم علي"

نظر أركان لرباط الحمل الملقى أرضا بوجهه المقتضب لتقترب سما منه واضعة يدها على كتفه لتكمل حديثها المختلط بنبرة بكائها "ارجوك تفهم  نحن نفقد الوقت ،فلتجهض هذه المرأة طفلها ونسافر لنجرب حظنا مرة أخرى ،لنذهب لأطباء آخرين  ،لنبحث عن حلول أخرى ،لا تعارضني ارجوك استمع لي لا أريد لا أستطيع هضم فكرة أنني…"

قاطعها وهو يمسكها من يدها بغضب قائلا "أخرجي هذه الأفكار من عقلك ،أنتِ من وافق وتحمل مسؤولية رعاية الطفل فور ولادته ،أنتِ من اشترط أن تجرى العملية دون لمسي لها كي تتقبلي الطفل ،فعلت لكِ ما تريدين وقفت بوجه أمي ورفضت حلمها بطفل شرعي بشكل آمن ،حافظت على مشاعرك وحقوقك لأجل أن لا تكسري أمام أي شخص وإن كان أمي ،عودي لصوابك وتقبلي اقتراب وصول ابننا واحتضانه"

ضغط على يدها أكثر وهو يقول "لا أريد لأحد أن يشفق على دموع عينيكِ التي لم أعد أفهم سببها هل هي حسرة على طفل لم ينجبه رحمك أم ….."

ترك يدها بغضب ورفع السبابة بوجهها ليحذرها "انتبهي لحالتك لا أريد أن ارى واسمع أخي وهو يشفق على زوجتي"

امسكت سما ذراعها محتضنة نفسها بخوف وهي تستمع لتكملة حديث زوجها بعد أن تغيرت نبرته لتصبح أكثر شدة وهو يقرب اصبع السبابه من وجهها قائلا " أحذرك انا جاد بهذا الامر ،لن أسمح لأحد أن يسرق فرحتي بابني وإن كان أنت"

انتظرت ابتعاده عنها لتخرج من الغرفة دون الرد عليه كانت مسرعة إتجاه بوابة المنزل الرئيسية اوقفها سراج بخروجه أمامها وسؤاله عن حالتها ولما هي مسرعة بهذا الشكل ،بكت عينيها حين التقت بعينيه الخائفتين عليها ،وقبل ان ترد جاءهم صوت نازلي من الخلف "ابنتي هل ألمتك معدتك من جديد؟"

وضعت سما يدها على بطنها مغلقة جاكيتها عليها بشكل سريع فور تذكرها وضع رباطها ،نظرت نازلي لابنها سراج قائلة بوجه مبتسم "اجهدت كثيرا بهذه الليلة اذهب لعملك ،أنا سأبقى معها حتى اطمئن على حالتها ونومها"

نظر سراج لأمه وزوجة أخيه بوجه مبتسم متمنيا لهم ليلة سعيدة وتحرك ليخرج من المنزل ،انتظرت نازلي ابتعاد سراج حتى سحبت سما لغرفة المكتب لتبدأ حديثها الثقيل على نفس من تعذب بوضع خلقي ليس لها يد به ،هددتها نازلي بزواجها و وضعهم الاجتماعي وان تضع عقلها برأسها وتنتبه على ما وافقت مشاركتهم له منذ البداية.

استمر الوضع على هذا المنوال حتى أتى اليوم المنتظر حين بدأت بوادر المخاض تظهر على حياة ،لم تكن ولادة صعبة كما توقع الأطباء وتجهزوا لاخضاعها للقيصرية دون إجهاد الأم أو المخاطرة بالطفل ،ابتسم وجه حياة وبكت عيونها فرحا فور سماعها لصوت رفيقها الذي تحدثت معه لشهور بفرح وحزن وضحك واشتياق ،وبعد أن اطمأن الطبيب على وضع الطفل اقتربت الممرضة وأخذت الصغير لتسكب عليه الماء وتنظفه من آثار الولادة ،بينما خرج الطبيب دون ان يتحدث مع الام آمرا بوضع الطفل في الحضانة على الفور.

اشفقت الممرضة على الام التي لم يهتم بها أحد كونها لا ترى ولا تتابع حركاتهم ،اخذت الصغير واقتربت من حياة وهي تقول "انها تبكي لتضعيها على صدرك كي تشعر بكِ وتهدأ قبل ذهابها للحضانة"

ابتسمت حياة فرحة وقالت "فتاة  انها فتاة ،نعم كنت أشعر بأنها فتاة"

و باستغراب حدثتها الممرضة "ما بكم ألم تعلموا انها فتاة ،حتى الطبيب أخرجها من رحمك وهو يتحدث انه ولد رغم رؤيته لها وتأكده من جنسها" 

وضعت الممرضة وجه الطفلة قريبا من وجه الأم لتبدأ الصغيرة بتحريك شفتيها على وجه أمها ببكاء مستمر ،لم تجد حياة نفسها الا وهي تخرج صدرها الذي نغزها ببركة لبنه المتساقط منه لتضع الطفلة عليه ،سمت الممرضة وكبرت وهي تساعد الأم بإرضاع طفلها وهي تقول لها "أنا لم أرى طفلة حديثة الولادة تستجيب لصدر أمها بهذه السرعة من قبل"

دمعت عيون حياة من جديد وهي تقول "نحن معتادتان  على بعضنا ، نعرف بعضنا منذ شهور ،تحدثنا وفرحنا وبكينا سويا حتى واتفقنا على كل شيء معا ،هي سندي وملجئي بهذه الحياة ،ليس لي سواها سأعيش لأجل حمايتها ورعايتها ،وعدتها أن لا تبكي وهي بجانبي ،وعدتها أن لا اتركها او اخذلها ما دمت حية ارزق"

نامت الطفلة على صدر أمها التي رفضت أن تترك ابنتها من يدها وكأنها تشعر بالمصير الذي ينتظرهما، وبعد مرور وقت ليس بكبير دخل اخويها الغرفة ليقنعوها بترك الطفلة بينما امتنعت الأم حمدية عن الدخول خوفا من تراجعها والوقوف مع ابنتها بعد أن تعلق قلبها بحفيدتها.

انفرد الأخوين باختهما مغلقين الباب عليها بعد أن خرجت الممرضة ،تحدث مصطفى بصوت مقتضب "حمدلله على السلامة، أخبرنا الطبيب انكِ بحالة جيدة ويمكننا الخروج على الفور، هيا اعطني الطفل ليأخذوه للحضانة ونهرب نحن دون ان يرانا احد ،لا تقلقي تم كتابة اسمك بصيغة مختلفة عن القانوني ،كما تحدثت مع الطبيب بأمر الكاميرات لن يستطيع احد الوصول لنا بعد ان نخرج من هنا"

ذعرت حياة وتمسكت بطفلتها أكثر رافعة نفسها بصعوبة لتستند بظهرها على المسند قائلة "ومن قال لك أني سأخرج بدونها ،انها روحي ،سنعيش سويا ،هي قدري وانا قدرها"

تحدث مصطفى وهو يسحب الطفلة منها "ومن قال لكِ انها  بنت ،أخبرناكِ أنها ولد"

لم تصغ له ولأحاديثه عن الفضيحة والعار الذي سيتلطخ به اسمهم ان تمسكوا بالطفل ،نظر مصطفى لوقوف صادق الملتصق بالباب نظرة قوية جعلته يقترب هو أيضا ويتحدث مع اخته قائلا "ان لم نستطع التخلص منه الآن سيبقى حِمل وذنب بل وإثم على رؤوسنا ،لن يستطيع أحد منا إكمال حياته وهذا الطفل بيننا"

بكت حياة معلنة من جديد أنها ولدت بنت وأنها لن تتخلى عنها ما دامت حية ترزق ،ازداد سحبهم للطفلة التي عصرتها أمها داخل حضنها رافضة تركها لأحد وهي تقول "اتركوها لي ،استحلفكم بالله اتركوها لي ،فلتكن سندي ،فلتكن رفيقي ،أقسمت عليكم ان تتركوها لي ،صادق لا تفعلها ،صادق اتركها لي"

نجح مصطفى باخذها وهو يسمع نداء أخته التي كانت تقسم عليه أن يترك ابنتها لها ،حضنها صادق كي يثبتها على الفراش معيقا نزولها خلف مصطفى وهو يستمع لكلماتها التي فطرت فؤاده حين اشهدت الله على ظلمهم لها صارخة بقوة نامت بعدها على إثر حقنة مهدئة من يد غادرة لم تستيقظ بعدها إلا وهي في الطريق السريع حيث قبلتهم الجديدة اتجاه اسطنبول الكبيرة، كانت عينيها المظلمة تبكي دون جهد او طاقة تساعدها على الصراخ او حتى التحدث ،تغمض عينيها بإرهاق كبير وجسد مخدر وتفتحهم بعد ساعات بهذا الصمت القاتل.

لم يكن الوضع على هذا النحو بمنزل عائلة اوزدمير الكبير حين سافر الأخوين لحضور حفل مؤتمر لرجال الأعمال خارج تركيا ،وفور وصولهما علما بولادة سما التي أتت مبكرا على غير المتوقع ،عادا على وجه السرعة ليحتفلوا بقدوم حفيدة عائلتهم الأولى.

خرج أركان هو أخوه من المطار للمنزل مباشرة فرحا باللحظة التي سيرى بها طفلته ،دخلا غرفة سما التي كانت ترتدي ملابس زهرية وتاج على رأسها بنفس لون مظاهر الاحتفال الذي اضفى بزينته على الأبواب والممر و جناحهم الخاص بشكل كامل ليجعل منه حديقة زهرية فائقة الجمال والبهجة.

نظرت سما بحزنها الكبير نحو سراج وهو يقف بجانب أركان فرحا بالطفلة قائلا "كنت أتوقع ان تحمل بشرة ناصعة البياض كأبيها وأمها ولكن أتضح انها تشبه عمها"

اقتربت نازلي لتحتضن أولادها وهي تنظر للطفلة قائلة "وجدتها أيضا"

تحدث أركان "تعد من ذوي البشرة البيضاء وإن لم تملك بياضاً ناصعاً"

نظرت الام نازلي بوجهها الفرح قائلة "نعم فهناك أبيض قمري وكريمي وما يقال عنه أبيض الدب خلاف الأبيض اللامع والناصع والنقي والاحمر كضي الشروق والعديد العديد فإن لم تشبه أمها ببشرتها الناصعة فهي شبيهة عمها وجدتها ببشرتهم الكريمية"

 تحدث سراج ساخرا من شرح أمه قائلا "لقد تهت منكِ" 

ضحكت نازلي وهي تنظر لسما قائلة "لنسميها روجي"

تحدثت سما بضيقها من أم زوجها المتباهية قائلة بقوة "سأسميها آيلا جول"

استدار أركان ناظرا لأمه وهو يتحدث بلين محاولا تهدئة صدى نبرة زوجته قائلا "آيلا جول اسم جميل وجديد اعتقد انه ذو أصول أعجمية وغربية معناه وردة ضوء القمر ياله من جميل حقا"

نظرت نازلي لسراج ثم نظرت لسما بصمت وضيق فهي تفهم أن اختيارها لوردة ضوء القمر لم يأتي من فراغ.

يتبع ..

 ‎إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.

انها غيوم الحياة الفصل الثاني
Wisso

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • غير معرف3 ديسمبر 2024 في 1:29 ص

    تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Rim kalfaoui photo
      Rim kalfaoui3 ديسمبر 2024 في 7:00 م

      وحلقه اخري من الوجع والظلم والقهر من اخوات حياة للأسف يوجد كثير منهم في هذه الحياة المريرة بالنسبة لحياة اتمني تقف على رجليها وتأخذ بطارها من الكل عيلتها وعيلة نازلي

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent