"إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
لم تتقبل آيلا اقتراب جدها منها او حتى النظر لها، كانت الزيارة أشبه بانذار وتحذير لقرب فقدناهم حضانة الصغيرة حين تحدث هاشم بنبرة أدت لاستعطاف قلوبهم بها "لم يعد لها أحد بالحياة سوانا، علينا أن نعوضها ما عايشته بهذا السن الصغير، سأعتني بها واجعلها بأفضل حال"
حدثه سراج ليشرح له الوضع النفسي الحساس الذي تمر به صغيرتهم بسبب ما حدث مع امها والفراغ الذي كانت تعيش به مرورا بفقدانها لأبيها بالاخير.
طمئنه هاشم انه يعلم ما يقوله وأنه لن يخطو اي خطوة دون وضع حالتها النفسية وراحتها بعين الاعتبار، ومن الان حتى تعتاد عليه هو وجدتها ستكون نازلي استعادت صحتها و وعيها وتعود إليهم لتساعده بهذا.
سايره سراج بالحديث دون أن يعارضه كي يكسب المزيد من الوقت، لم ينسى اخر كلمات هاشم وهو يقول له بوسط كلامه "لم يعد لها أحد من عائلتها" كانت عيونه وملامحه وهو يقولها تلمح على عدم انتسابه للعائلة.
لم يترك الشك قلب سراج ظل يضغط عليه حتى قرر إجراء فحص الحمض النووي المشترك بينه وبين ابنة اخيه وامه، اهتزت وقلقت حياة مما قام به ليطمئن قلبه وانتسابه للعائلة، استعان سراج بصديقه يزن ليقوم بهذا التحليل دون معرفة أحد، وقد كان ذلك حين تم أخذ العينة خلال الزيارة اليومية لنازلي دون علم رجال راجح لاطمئنانهم عليها من جهة ابنها، مرت تلك الأيام بل والساعات والدقائق بصعوبة كبيرة وهي تفكر ماذا ستفعل إن اثبت عدم انتساب سراج لعائلة اوزدمير، ماذا إن تركهم، ماذا إن أتى جد الطفلة واخذها منها، ماذا إن عادت لوحدتها من جديد، وبالموعد المرتقب وصل يزن للمنزل وبيده نتيجة التحليل التي أراحت قلوبهم عند ثبوت قرابته للصغيرة بنسبة مئة بالمئة وهذه النسبة لا يمكن الحصول عليها إن لم يكن عمها أو خالها أو أحد أفراد عائلتها الأقربون، ولكن الصدمة الحقيقية حين اكمل فتح الاوراق ليثبت ويتأكد عدم انتسابه لنازلي فهي فعليا ليست أمه، فتح سريعا ورقة اختبار الصغيرة مع الجدة ليجد ما زاد حيرته فالطفلة تتطابق بالانسجة مع الجدة، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على انتماء أركان والطفلة لنازلي، بينما سراج ينتمي للعائلة من جهة الأخ والحفيدة.
هدأ داخلها وبدأت تحدثه بحكمة
"أنت وأركان إخوة من أب واحد وأُمان مختلفتان، حدثتني أنك لم تشعر بتفرقه بينك وبين أخيك، بل دائما كنت تشعر بحبها وخوفها عليك، اهتمت بك حتى كبرت وأصبحت بأفضل مكانة وعلم، اعتقد انه يتوجب عليك في هذا الموقف وما هي به أن تفي لها حقها عليك وتصبر حتى تتحسن وتعود إليك لتشرح تفاصيل نسبك لأمك الحقيقية وكيفية انفصالك عنها وتسجيلك في نفوس الدولة على اسمها "
تحدث سراج بحزن
"هذا يعني أنني جئت إليها صغيرا، هل كنت نتاج علاقة غير شرعية بإحدى نزوات أبي"
سألته على حذر
"هل كان ابوك شيئا من هذا القبيل، نزوات وما شابه؟"
هز رأسه بالنفي
"لم أسمع او أرى له شيء كهذا من قبل، ولكني أتذكر حرصه الكبير على توزيع تركته وتقسيم ثروته علينا قبل وفاته بأشهر وكأنه يشعر بموته، كتب لي انا وأركان كل شيء بالتناصف بعد أن جعل حق أمي بعيدا عنا، يومها تحدث لنا عن أهمية ترابطنا واستمرار حبنا واتحادنا، ظل يحذرنا من الانصياع وراء وسوسة الشيطان بتزيين حب الدنيا والأموال بعيوننا حتى نجد انفسنا نقف أمام بعضنا أعداء كلا منا يحاول إسقاط الآخر للحصول على أمواله وربح اكثر، اكملنا حياتنا ونحن نحرص على تنفيذ وصيته ببقائنا بجانب بعضنا أحباء، نزلت دموعه من جديد وهو يقول لها
"ضمتنا بحضنها وهي تقبل رؤوسنا وتهون علينا مصيبة فقده، كانت تساوي بيننا حتى اختار أركان العمل بالشركة عن الاجتهاد بالدراسة عكسي تماما حين رفضت ان اعمل بالشركة واترك أحلامي، ليهتم هو بالأعمال وانا بدراستي ونجاحي باحلامي، لم أشعر قط بحقد او تفرقة كان هناك بعض الاهتمام الزائد بأركان ولكني بحكم دراستي كنت افسره لتقاربهما بالعمل وبقائهما ساعات طويلة مع بعضهما هناك بجانب نجاحهما وخوضهما التحديات والصعوبات سوياً"
تأثرت حياة ببكائه على أخيه وهو يقص عليها ذكرياتهم الجميلة بالطفولة والشباب وكم كان أركان شاب طيب عفوي مرح يهتم بالجميع ويحب الناس.
ابتسم بحزن حين قال
"لم يكف عن أخذ كل ما يعجبني قبل حصولي عليه، كانت عادة صغيرة كبرت معه، اعترف أنني سبب استمرار هذه العادة لديه حين كنت اتنازل بسهولة أمامه، بل وكنت أقصر بأوقات أخرى ليصبح هو أحق بي منها"
تحدثت حياة بدموعها
"رغم أنني لم أرى هذا الوجه مطلقا الا أنني حزنت على وفاته، أنا لم أرغب بحدوث ذلك، أعلم أنني السبب بغضبه وخروجه من المنزل بهذا الشكل، فإن كنت استمعت له ما كان سيحدث كل ذلك"
سألها سراج برقيه واحترامه
"سمعت عتابك لنفسك أكثر من مرة ولكني لم أسألك عن سبب هذا الخلاف من قبل، انتابني الفضول حول ما حدث بينكما ليحوله لشخص غاضب ثائر لهذا الحد، شخص هادئ مثلك…"
قاطعته باستحيائها وخفض عيونها لتحدثه
"أنت أيضا كنت تعلم ما يفعله من ورائي، جميعكم كنتم تعلمون بعلاقته مع الاخرى وصمتم، لم أتوقع أبدا أن شخصا مثلك يرى إنسان يُظلم ويتركهُ دون تنبيه، اعلم أنني لا أمثل شيء لك كنت مجرد متابعة كآلاف المتابعين المحبين لبرنامجك، لربما توقعت صلاحه بعد الزواج او تغاضيت لأجل الصغيرة، ولكني انسانة لدي كرامة ومشاعر واحلام، الجميع يتعامل معي وكأني أداة لتحقيق رغباتهم وأحلامهم بينما أنا بشر لدي حقوق واحلام خاصة بي كان يحق لي عيشها سواء نجحت او فشلت بها، حتى عائلتي استكثروا علي هذا وزوجوني من شخص لا يعرفونه لمجرد انه لديه أموال ونفوذ كبيرة، تحملت الكثير والكثير ولكني لم أستطع تحمل وهضم فكرة خيانته لي كل ليلة أمام عيناي و اصمت بل و أسلمه نفسي ايضا، كيف سأسلمه نفسي وأنا لا أشعر بالأمان بجانبه، كيف يريد مني أن أسلمه نفسي لمجرد انها توفت ولم يجد بديل لها؟، لم استطع نعم ياليتني فعلتها كي لا يترك ابنته وحيدة بهذه الحياة ولكني لم أستطع فعلها كلامه ونظراته حتى وعوده، كنت أرى ازدرائه لي بعيونه كلما نظر لي، كنت اتغاضى عن ضحكاته وهو ينظر لملابسي التي من اختياره، حدثني كثيرا عن صالونات التجميل وعمليات تغير خلقة الله وانا لم استجب له بل لم استمع فقلبي يحترق على ما أضعته، ذنبي أعلم أنه ذنبي حين وافقت عليه لأجل الوصول لابنتي، ذنبي حين قبلت رعاية ابنته مقابل أن يجد لي ابنتي، ذنبي أنني بحثت عن ضالتي بالمكان الخطأ، ذنبي أنني ولدت بكفن عائلة مثل عائلتي لم يأخذ منها المرء سوى الخذلان والخزي والعار"
صمتت من شدة بكائها الذي أعاق تحدثها، لم تتوقف دموعه المنهالة من قلبه المجروح المتألم، حدثها بحزنه الكبير
"حاولت منع زواجكم، حتى أنني أردت الذهاب إليكِ لاتحدث معكِ بهذا الشأن، صحت بوجوههم لاوضح لهم الفرق الكبير بينكما ولكنهم لم يستمعوا لي، فقدت عقلي من شدة تمسكهم وسرعة مجريات الأمور حتى انصدمت بتحديد اليوم واتمام الزواج، لم أعلم بخيانته لكِ بعد الزواج كنت اشك بذلك بعد الذي قاله يوم الحادث ولكني لم أعلم أنه استمر بعلاقته مع يارا بعد زواجكم، وكيف سأعلم ألم يكن زواجكما عن حب وإعجاب متبادل، ألم تتفقا على كل شيء، ألم تعجلا بزواجكما لبدأ تحقيق الحلم باجتماعكما؟، هكذا قال وفهمت ماذا كنتِ تنتظرين مني، هل اقف امام حبكما و بدايتكما الجميلة بإنشاء عائلة واحدة واقول انكما غير مناسبين لبعضكما!"
ردت عليه مدافعة عن نفسها
"كذب لم أعجب او احب احد، وعدني بمساعدتي بايجاد ابنتي إذا تزوجت به، هربت من عائلتي وتأملت بسند قوي يحميني من غدرهم وقبضتهم القوية على انفاسي، حلمت ان اجد ابنتي واعيش معها في كنفه، كنت أحلم أن تأتي وتصبح أخت لآيلا لأنها بنفس عمرها، كم حلمت بلعبهما وغنائهما وارتدائهما نفس الالوان والفساتين، احترق قلبي وأنا أرى على هاتفه صور مع غيري بمواضع يتقزز ويشمئز منها الشريف، ورغم ذلك تنازلت ورضيت بالذل والاهانة على أمل أن يجد لي ابنتي، أخبرته أنني لن اسلمه نفسي حتى يجدها لي فأنا لن اتحمل حرق نفسي واحلامي وهي بعيدة عني، تمنيت أن اتعافى من نار بعدها حتى وان سقطت بنار أكبر مني، أخوك كان يعلم مكان ابنتي ويعلم من فعل بي ذلك انا لستُ غبية او ساذجة انا فقط كنت صامتة اربط الخيوط ببعضها حتى انسج منها طريق يصل بي إليها"
رد سراج بحزن
"وماذا اذا كان لا يعلم وعشتي بخدعة لأجل…."
قاطعت حديثه
"أنا لستُ ساذجة صمت وتحملت لأجل الوصول لابنتي، كنت انتظر رجوعه وهو ثمل حتى استدرجه بالحديث، علمت منه ما لم أعلمه من اخوتي، كدت بيوم أن أصل لأسم الطبيب او اسم ذلك الرجل الذي تآمر علي، أخوك يعلم بأمر الرجل الذي تزوجت به هو على علم بمكان ابنتي"
لم يصدق سراج ما قالته وظل يشرح لها اضطرابات المدمن ولجوئه للكذب وتزينه حتى يصدقه، اخبرها انه لم يعلم بأمر سقوطه بالادمان والا كان وقف بوجهه وادخله مصحة وأشرف عليه بنفسه حتى يعيده لعائلته بكامل عقله، طال حديثهما وافراغ كل منهما لما بداخله حتى تاهت الأحاديث والمواضيع ببعضها، يخرجان من واحد ويدخلان بالآخر دون إكمال ما سبق وكأنهما يهربان بالتنوع وكثرة الكلام من حقيقة ما هم به، افرغت عيونهما دموع خزنت بها ظلمهما وقهرهما حتى تصحرت وأصبحت يابسة.
آخر ما كانا ينتظرانه بهذا اليوم هو وصول هاشم للمنزل بدون موعد سابق ليزيد هذا من ضغطهم وتوترهم.
وبعد مرور يومين جاءهم خبر إجماع الأطباء على وجوب سفر نازلي وتلقيها العلاج بالخارج بعد أن أصبحت بصدد إجراء عملية دقيقة تفصل بين حياتها وموتها، شرح راجح لسراج وحياة الوضع وأهمية سفرها لضمان نجاح العملية وعودتها لوعيها من جديد فهذا ما يتمنوه بعد أن أصبح من المستحيل عودتها للوقوف على قدميها.
وجد سراج نفسه أمام خيارين إما أن يوافق على سفرها واجراءها هذه العملية الخطيرة وإما أن تبقى على وضعها ينتظرون تحسنها البطيء الغير مضمون.
ورغم اضطرابه النفسي وكثرة الأفكار المشوشة برأسه إلا أنه وافق على سفرها للخارج كي لا يقف أمام شفائها متأملا في عودتها للحياة ومعرفته منها هوية أمه الحقيقية وما حدث بأول عهده بهذه الدنيا.
وبعد ان تم نقل نازلي لمشفى خارج البلد، وجد سراج انه لا داعي بتأخير وتأجيل الامر أكثر من ذلك اقترح على حياة ان يتحدثا مع يزن بأمر طفلتها بحكم عمله لسنوات بمستشفيات انقرة ومن الممكن أن يستطيع مساعدتهم.
انصدم يزن من وجود هذا الجرم بمستشفيات العاصمة وأكد على معرفة الجميع بموعد العملية والتحضير لها كما اخبرها سراج بالسابق، فهناك تشديد من جهة الدولة على الأطباء والمستشفيات بهذا النوع من العمليات بعد أن أصبحت المتاجرة بالارحام جرم شائع لا يدفع ثمنه سوى الأرواح الصغيرة التي لا ذنب لها بذلك تحدث قائلا: " أتوقع انه تم توقيع جميع الأطراف على أوراق قانونية لثبات انتساب الطفل بعد الإنجاب وأحقية والديه به"
نفت حياة توقيعها على أي أوراق رسمية، تحدث سراج
"من السهل أن يخدعوكِ بكتابة اسمك على أوراق فارغه او انهم وقعوا بالنيابة عنكِ، ولكني رغم كل ذلك لا أرجح هذا الاحتمال فمن يدفع مبالغ كبيرة ويقوم بالتخطيط واحكام اتمام جرمهم من المؤكد عدم عجزه أمام تزوير و تدبير أوراق بأسماء مستعارة تجعل العملية رسمية أمام المشفى وبنفس الوقت دون إظهار هوية والديها الحقيقين"
اومأ يزن برأسه مؤكدًا على حدوث ذلك بقضيتهم، وعدهم بمساعدتها والتحدث مع عدة أطباء أمناء بهذا المجال ليعلم من أين عليهم البدأ، طلبت حياة أن يكون البحث بشكل سري حتى لا يعلم والد الطفلة ويخفيها عنها او يقطع اي طريق يمكنهم الوصول به إليها، حتى طلبت ان لا يخبر نجلاء عن قصتها حتى تجد ابنتها، احترم يزن رغبتها بل و واعطاها الحق بها قائلا بفضول كبير
"اتعجب من عدم بحثك او تحدثك مع أحد عن ملابسات العملية والإجراءات التي يتوجب القيام بها قبل الحقن، يعني كيف خدعوكي لدرجة اعماء عينك وعقلك عن البحث بأدق وأبسط تفاصيل العملية التي قمتي بها"
هزت رأسها مجيبة بحزن
"سألت نفسي نفس السؤال ولم أجد له إجابة، هل اعمى القدر عقلي عن هذه التفاصيل أم أنه تقصير وجهل كبير مني"
رد يزن ليهون عليها
"لعله خير لا تعلمين ماذا سيحدث ان تفاجئتي بصدمة كهذه وانتِ بكفنهم، كيف كنتِ ستستمرين بالعيش معهم وكم من الانهيار والضياع ستعيشين وانتِ مجبرة على النظر لأعينهم وتحملهم بعد فضحهم أمامك".
تحدث سراج مكملا على ما قاله صديقه
"لا تحزني نفسك لكل أجل كتاب، اخر الله معرفتك بهذه التفاصيل لحكمة لا يعلمها غيره، ربما أراد أن تعلمي ما علمتيه وأنتِ بموطن قوة لتستطيعي رد ابنتك ومظلمتك منهم، أعتقد هذا أفضل بكثير من ان تعلمي أنهم شركاء بظلمك ولا تستطيعين حتى التحرر منهم"
وعدها يزن أن يعمل قصارى جهده للبحث في المستشفيات القريبة من منزلهم القديم بانقرة.
اوما سراج رأسه متحدثا
"كما اخبرتك سيكون الضابط أحمد معك بكل خطوة كي يؤمن ما يصعب عليك دون التأذي أو معرفة أحد بعملك"
أتت المربية للشرفة الكبيرة الخاصة بسراج طالبة من حياة ان تأتي معها قليلا، استغربت من طلبها تحركت مستأذنة منهم لتخرج من حيث أتت أشار سراج نحو باب الغرفة الداخلي قائلا
"من هنا أقرب لكِ"
اعتذرت بقولها
"شكرا لك، تعلم انه لا فرق لدي بكل الحالات سيصل بنا للداخل"
تحركت لتنزل من درج الشرفة الخارجية ومن خلفها المربية التي حدثتها بصوت منخفض
"لا أعرف كيف سأطلبها منكِ ولكني مجبرة على ذلك، أخي بحاجة ملحة لي وأريد أن أذهب لأراه قبل دخوله العملية غدا، أتصل أكثر من مرة مكررا طلبه، أخشى أن يحدث له مكروه واندم على عدم ذهابي"
تحدثت حياة
"حسنا اذهبي وابقي معه حتى يخرج من غرفة العمليات"
سألتها المربية عن سراج لتطمئنها وتخبرها بأن الأمر أصبح لديها.
وكالعادة نامت حياة بغرفة آيلا كما تفعل كل يوم من بعد الحادث بعد أن أصبحت لا تطمئن ولا يأتيها النوم بغرفتها وبعيدا عن الصغيرة التي ارتبطت بها ارتباط تعدى المعلمة او زوجة الأب وكأن أرواحهم وقلوبهم تشابكت واتحدت.
كانت الأيام تشبه بعضها لاجديد بحالة نازلي او ما كلف به يزن حتى عائلة حياة اختفت اختفاء تام.
ليأتي بعد تلك الأيام صباح عاصف افقدهم عقلهم حين دخل هاشم عليهم المنزل ليخبرهم بقرار المحكمة التي أعطته حضانة حفيدته، اتسعت اعين سراج منتفضا من مكانه
"ماذا تقول أنت عن أي محكمة تتحدث ولماذا لم يتم اعلامنا، أنا عم الصغيرة ولدي الحق بحضانتها"
تحدث المحامي من خلف هاشم "لا يمكن كسب حضانتها دون عائلة وأبناء، وايضا الحضانة تنتقل للأجداد أولا ومن بعدها الخال أو العم في حالة ثبت استقرارهم العائلي وتواجد أسرة متكاملة لديهم"
نظر سراج لهاشم متسائلا
"لماذا رفعت القضية دون علمنا، لم نمنعها عنك طوال الأشهر الماضية، حتى انك لم تخبرنا بنواياك ماذا حدث حتى تفعل ما فعلته؟"
رد هاشم بانتصار
"ألم أقل لك بالسابق أريد تعويضها عن فقدانها لوالديها"
دخلت المربية بوجهها المذعور غرفة آيلا التي تلعب بالدمى أرضا قائلة
"حياة هانم"
التفتت حياة لوجهها الأصفر المذعور مقتربة منها بسرعة قلقها لتتحدث بصوت منخفض
"ما بكِ ماذا حدث؟"
ردت المربية بصوت لا يسمعه غيرهم
"أتى جدها ليأخذها بعد أن كسب حضانتها"
اتسعت عينيها نظرت للطفلة بخوف ثم نظرت للمربية متسائلة
"هل أنتِ متأكدة مما سمعتيه؟"
اومات رأسها بالإيجاب لتسرع حياة بالخروج من الغرفة ذاهبة لسراج متفاجئة بعرض هاشم أن يأخذ المنتجع السياحي الخاص بعائلة أوزدمير مقابل بقاء الطفلة معهم.
صدموا بطلبه ليغضب سراج عليه وهو يتهمه باستغلال صلته بصغيرتهم لمطامع أخرى، ذكره بتركه آيلا بعد وفاة أمها وعدم اهتمامهم بها حتى بحياة أمها ما كانوا يهتمون بها ولا برؤيتها.
ظلت كلمات سراج وعتابه الغاضب على جد ايلا يدوي بأذن حياة وهي تستغرب من علاقة الجد بحفيدته الوحيدة ليكون أول سؤالها
"كيف يتعامل مع حفيدته الأولى من ابنته الوحيدة بهذا الشكل، من الغريب ذكرك عدم أخذ الأم لابنتها أثناء زيارتها لمنزل والديها، كيف تستغني عنها وتسافر وتبقى هناك لأيام دون أخذها معها"
صمتت لتفكر أكثر مكملة بعدها
"تلقي بها من الشرفة لمجرد مناداتها بأمي تلك الكلمة التي ينتظر الجميع سماعها"
رد سراج بحزن كبير
"لا تجهدي نفسك دون فائدة هم شيء من هذا القبيل، وانا فعلت مثلك من قبل كنت اتعجب من أمها و والديها فهم حقا غير طبيعيين وكأنها ليست حفيدتهم او وكأن أمها ليست بأمها"
رفع نظره نحوها مكملا
"هل تعلمين؟، لولا حنان أخي ومحبته الكبيرة لابنته كنت آمنت أنها ليست ابنتهم، من الجيد أنني قمت بتحليل الحمض النووي وتأكدت من نسبها لنا"
ردت بحزنها
"الشكر لله ولكن الآن ماذا ستفعل معه؟، هل ستعطيه الطفلة أم ستعطيه…"
قاطعها قبل أن تكمل حديثها قائلا
"لن اعطيها له، ولن ينال المنتجع حتى باحلامه"
سألته
"وماذا ستفعل هل ستنقض بالحكم"
أجابها بقوة
"نعم سأقدم صباح الغد مذكرة نقض للحكم الذي ظهر دون علمنا بالقضية، سأذكر اهمالهم للطفلة وعدم اعتيادها عليهم، حتى أنني سأستعين بالطبيب النفسي الذي كان يعالجها ليساندنا بتقرير يفيد بأن الطفلة كانت تعاني من الوحدة والعنف العائلي من قبل أمها وعائلتها ايضا"
وبخوف تساءلت حياة
"هل عائلة أمها كانت تعنفها أيضا"
نفى سراج حدوث ذلك وأكد أن أكبر ظلم للطفلة هو إهمالهم وإبتعادهم عنها بل وتحميلها ذنب وفاة أمها بهذا السن الصغير.
بمكان بعيد عن العيون كان صادق يمر بأزمة جديدة بجانب ابيه، اهتز جسده واختنقت أنفاسه حتى فقد الوعي من جديد، بكى الأب وهو يقرأ عليه القرآن ويدعو ربه أن ينجيه له حتى استعاد صادق وعيه، كان سالم قد علم بالمؤامرة التي دبرت على ابنته من قبل نازلي وابنها بعد أن حكى صادق له جميع ما يعلمه، حزن من مصطفى وزوجته وتوعد لهما أن يجعل مصيرهما السجن عقابا على تفريطهما بابنته واللعب بها.
رفع المحامي دعوى النقض على الحكم وهو يخبر سراج بضعف موقفهم وأن خصمهم يعتبر الأقوى فالاستقرار العائلي بهذه القضايا عليه عامل وتأثير كبير بقرار المحكمة الأخير ومن المرجح عدم قبول النقض من الأساس، عاد سراج لمنزله بضيق كبير حاملا بقلبه خوفه على وردته التي لم تتحمل بعده عنها فكيف سيتحمل قلبها الانتقال بشكل كامل، تذكر اخاه وخوفه وحبه لابنته، كيف كان يحرق الوسط لأجل الحفاظ عليها وعدم احزانها، تذكر وقوفه أمامه وهو يكرر "لأجل وردتك ساتزوجها لأجل وردتك"
وقف أمام حياة بحالته المضطربة ومعارضة عقله لما يجول بقلبه قائلا ما كان يتمنى قوله بأجواء مختلفة عن ما هم به
"علينا أن نتزوج بأسرع وقت لأجل اكتساب حضانة آيلا، اعلم انه امامك عدة ايام حتى إكمال عدة الحداد التي سألتي عليها من قبل، واعلم انها ليست أيام فقط بل اسابيع ولكني مضطر على الارتباط لأجل تكوين وسط عائلي يسمح لي بكسب حضانتها، لا يمكنني خسارتها، موقفنا ضعيف جدا ونسبة خسارتنا لها كبيرة، فلتنتهي عدتك ونعقد بعدها الزواج بشكل صوري، إن سايرته و أعطيته المنتجع اليوم سيأتي المرة المقبلة ليطلب المزيد حتى نجد انفسنا ملقى بنا على الطريق"
امتلأت عيونها بالغيوم من جديد كما اهتز جسدها وارتجف فهي ليست بحال يسمح لها بالتضحية أو التفكير بقرار مصيري جديد، صمتت لتزيد من حرقة قلبه وحزنه الشديد على ما هو به، ساد السكون والصمت المكان كلا منهما انعزل عن الآخر ذهبت هي الى جانب الصغيرة كما لجأ هو لصومعته جالسا على مكتبه ينظر للأمام بحزن كبير متذكرًا ما مضى باحثا عن مشاعره ورغبته بالارتباط بها من قبل دون أن يجد لها أثر داخله فمشاعره أصبحت مختلطة بين الأخوة والمحبة والاهتمام وشعوره أنه مسؤول عنها من بعد وفاة أخيه واختفاء عائلتها.
لم يختلف الوضع لدى حياة التي كانت تنظر للصغيرة وهي عاجزة عن التفكير، من جديد تشعر بحاجة آيلا إليها بجانب حاجتها لمن يساعدها ويقف بجانبها لاسترجاع طفلتها وحمايتها من طمع وظلم عائلتها ان عادوا.
وبصباح يوم جديد على مائدة الفطور تحدثت له وهي تطعم صغيرتها بجوارها دون النظر له
"فلننتظر انتهاء الأيام المتبقية من العدة ونفعل ما طلبته بالأمس، أعني من هذا أنني قبلت ما قلته على ان يكون بشكل استثنائي لحين استقرار الامور وعودة نازلي هانم كي تتولى هي حضانتها، لن اتركك او اتركها بموقف كهذا، ولكنه سيكون صوري كما.."
شكرها بفرحة كبيرة لأنه كان ينتظر الرفض وتفاجأ بموافقتها.
تحدثت سراج مع جد آيلا طالبا منه التنازل عن الحضانة مقابل أن يتنازل هو عن النقض ويجلسا ليتفاوضا على ما يرضيه بخلاف المنتجع السياحي فهو غالي كثيرا بالنسبة له.
كان يحاول ان يكسب أكبر قدر من الوقت والايام حتى يأتي موعد الزواج، بالمقابل كان هاشم ايضا يسايره فاخر ما كان يهتم به أن يتحمل مسؤولية طفلة مضطربة نفسيا بجانب انها سيئة الحظ تفسد أي حياة تدخلها.
وبوسط المفاوضات وكثرة زيارات هاشم لمنزلهم بحجة اعتياد حفيدته على وجوده دون إظهار زوجته بالصورة بعد أن رفضت رؤية من كانت السبب في موت ابنتها تفاجأ الجميع بعملية هجوم مسلح على منزل اوزدمير تم خلاله تخدير كل من بالمنزل وسرقة الطفلة والهروب بها بسرعة كبيرة.
ظلت السيارة تبتعد وتبتعد وتبدل الطرق والمسارات لمدة لا تقل عن أربعة ساعات دون توقف حتى انتهى بها المطاف امام منزل وسط مزرعة كبيرة مليئة بالأشجار، فتح الباب وخرجت ممرضة تقود مقعد متحرك عليه رجل فاتح ذراعيه بعيون دامعة يأخذ طفلته بحضنه ليقبلها بشوق وحب كبير
"أبنتي ، حبيبتي ، روحي، كم اشتقت لكِ"
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.