recent
جديدنا

مقرينوس الفصل الثامن عشر

 


رواية مقرينوس 

ضي القمر وظلمات يونس





" الحقيقة ليست دائمًا ما نراه أمام أعيننا، بل هي تلك التي الظلال التى تراقبنا في صمت، تنتظر اللحظة التي نُضطر فيها للاقتراب منها لتكشف عن نفسها. لنكتشف معها عبءًا لسنا مستعدين لتحمله. على عكس توقعنا."



داخل قاعة العرش المزينة بأعمدة شاهقة ومنقوشة برموز القوة والهيمنة. النوافذ الواسعة تطل على السهول الممتدة، وأشعة الشمس المتسللة تضفي وهجًا خافتًا على عرش الملك ثورين، الذي يتربع بثبات كأن العرش جزء منه. دخل الحارس مطأطئ الرأس.


الحارس:

مولاي، الأميرة منيفة تطلب الدخول.


رفع الملك ثورين حاجبه ببطء، ناظراً إلى الحارس كأنما يتأكد مما سمع.


الملك ثورين:

دعها تدخل.


فتحت الأبواب الثقيلة لتدخل الأميرة منيفة بخطوات واثقة رغم أن قلبها يضطرب تحت وقع اللقاء الحتمي. عيناها تشعّان تحديًا، وثوبها الملكي يعكس هالة من الجسارة والإصرار. تقاطع نظرها مع نظر الملك لكنها لم تحيد بنظرها عنه.


وقفت على بعد خطوات من عرش الملك ثورين، الذي يراقبها بعينين حادتين. وجهه كالصخر لا يلين.


أردف ببرود وهو يميل إلى الأمام:

إذن، قررتِ أن تواجهيني بنفسك هذه المرة يا منيفة. ما الذي جعلكِ تتخلين عن ألاعيبك وتأتين إلى عرشي؟


الأميرة منيفة بهدوء مصطنع تخفي خلفه ثورة مشاعرها:

جئت لأضع نهاية لهذه المهزلة. هذا الزواج الذي تفرضه لن يحدث.


ضيق عينيه وابتسم ابتسامة باردة:

مهزلة؟ مهزلة هو أن تظني أنكِ تملكين خيارًا. هذا الزواج هو ما سيجلب السلام بين مملكتينا. أو هل تفضلين أن أُرسل جيشي بدلًا من الخاطبين؟


تقدمت بخطوة إلى الأمام، ملامحها مشدودة بعزم وقالت:

تحدث عن السلام كما تشاء، لكنك تعلم جيدًا أن الأمر لا يتعلق به. إنه ثأر شخصي. تريد أن تنتقم لمقتل ابنك.


نهض من عرشه ببطء. كل حركة منه محسوبة وكأنها تهديد صامت:

ابني لم يُقتل في معركة عادلة. والدك غدر به، وقتله كجبان. وأنتِ يا منيفة لست أغلى من ابنى. ستكفرين عن خطيئة والدك.


ناظرته بنظرة ازدراء تعلو وجهها:

لن أكون أداة انتقامك. أنت تتحدث عن العدل، لكنك تريد فرض ظلم آخر.


اقترب منها بخطوات ثقيلة، وهتف بصوت منخفض لكنه ازداد حدة:

لا تستخفي بي يا منيفة. زواجك أو الحرب. الخيار لك. لكن اعلمي أنني لن أقبل بأقل من دم يعادل دم ابني.


حدقت حدق فيه بعينين مشتعلتين مردفة:

إن كنتَ تبحث عن دماء، فأنا لست ضحيتك.


مرت لحظة صمت بينهما ملأها التوتر كخيط مشدود على وشك الانقطاع.


قطع الملك هذا الصمت بصوت هادئ لكنه قاتم:

هل تعتقدين أن العناد سيحميك؟ قد تستطيعين تأخير الزواج، لكنك لن تمنعيه.


ابتسمت بمرارة وهي ترد عليه:

ربما، لكنني سأحارب حتى النهاية.


استدارت الأميرة بعزم لتخطو نحو الباب، لكن قبل أن تغادر القاعة، توقفت فجأة. يراقبها الملك بثقل، حائرًا في سبب توقفها. أخرجت من جيبها خاتمًا صغيرًا واستدارت لتخطو ببطء نحو العرش، ثم وضعت الخاتم أمامه على الطاولة الحجرية.



وقالت بصوت هادئ لكنه عميق وعيناها تبرقان بتحد صارم:

تعرف هذا الخاتم، أليس كذلك؟


اتسعت عينا الملك لوهلة، ثم أظلمت ملامحه وهو يحدق في الخاتم. يحاول أن يتحدث، لكن الكلمات تخونه.


تابعت بنبرة ثابتة:

ليانا اختارت أن تهرب من مصير فرضته عليها. وأنا سأفعل الشيء نفسه ولكن بطريقة تعاكس ما فعلته. ليانا دمرت نفسها بضعفها اما منيفة ستمحي أثر المملكتين ان اضطرت لذلك. كل شئ سهل وممكن الا التضحية بي.


زمجر الملك ثورين بصوت منخفض مليء بالغضب المكبوت:

احذري يا منيفة. اللعب بالنار يحرق.


ردت بهدوء جليدي:

لقد احترقت بما يكفي، يا ثورين. يا عمي ثورين.



وقبل أن تغادر همست وهي تلتفت نحوه للمرة الأخيرة:

لن أكون أداة في حربك. اختر حربك، لكن اعلم أنني اخترت حريتي.



وبقي الملك واقفًا نظراته مثبتة على الخاتم الذي يلمع فوق الطاولة، وكأنه يستعيد شبح الماضي الذي مزّق قلب ابنته ليانا. كان الخاتم يومًا رمزًا للحب والأمان بالنسبة لها، لكنه الآن لا يذكرها سوى بكوابيس يقظتها.  لقد تحول بريقه إلى لعنة تطاردها في أحلامها وتخنق يقظتها، حيث لم يعد يحمل سوى ذكريات الألم والمآسي التي تسبب بها بيديه.



تداخل صفير الرياح مع نبضات قلبه المتسارعة، وكأن الطبيعة ذاتها تستعد لمواجهة محتومة. في عينيه بريق تحدٍ وفي صدره شعلة لا تنطفئ ينتظر اللحظة التي سيكتب فيها قدر مملكته بيديه.



خرجت الأميرة منيفة من القاعة بخطوات متسارعة، تحاول أن تحافظ على ثباتها، رغم العاصفة التي تعصف بداخلها. عبرت الأروقة الطويلة حتى وصلت إلى الحديقة الأمامية للقصر. توقفت هناك، حيث الهواء يحمل عبق الزهور التي لم تتغير منذ طفولتها.


رفعت بصرها لتتأمل القصر. كانت الحجارة القديمة تروي ذكريات عالقة بين الجدران، ذكريات ضحكات طفولية ومغامرات بريئة. تلمست بنظرها النوافذ العالية والشرفات التي طالما اختبأت خلفها مع رفيقتها ليانا.


ليانا... الاسم وحده كان كافياً ليوقظ شعورًا ثقيلًا في صدرها. رفيقة الطفولة التي أصبحت إحدى ضحايا هذه اللعبة القاسية.


أغمضت منيفة عينيها للحظة، تحاول أن تستجمع شتات نفسها. ولكن دمعة حارقة خذلتها حين فلتت من بين جفونها كأنها تحمل وجع السنين الماضية كلها. بسرعة، رفعت يدها تمسحها، قبل أن يراها أحد. لا مجال للضعف الآن.


وقفت مستقيمة مجددًا وأخذت نفسًا عميقًا. رفعت رأسها نحو القصر مرة أخرى، نظرتها هذه المرة ليست نظرة حنين، بل نظرة تحدٍ. كأنها تعاهد نفسها على أن الماضي لن يُعيد نفسه، وأنها ستخوض هذه المعركة بطريقتها.


استدارت، وتابعت سيرها بثبات، بينما خلفها تتراقص أوراق الأشجار مع الريح، كأنها تودع ظل الطفلة التي كانتها يومًا.


_____________


داخل غرفة يونس الفخمة جلست  قمر بجانبه تتفحص ذراعه تطئطئ رأسها  تتحاشى النظر إليه، حدق بها مطولا ينتظر اجابة لاستفساراته ليفهم ما مرت به وأين كانت وكيف اختفت لكنها لم تعطه اي فرصة بل استمرت بعملها وكأنه غريب عنها تجري عليه ما يلزم من معالجة فقط، نفذ ما عنده من صبر فزفر بضيق مرددا: 

قمر رجاء تحدثي لم كل هذا الجفاء منك فجأة؟ 


سكتت برهة ونظرت للخارج تفر منه سؤله المتكرر وقبل أن تباشر الحديث معه أتاها طرق خفيف على باب الغرفة فتحدث يونس قائلا: 

تفضل


دلفت الأميرة ليانا بابتسامتها الناعمة وثوبها الزاهي قائلة: 

 أتيت لأطمئن عليك،  كيف حالك الآن؟  هل زال عنك البأس؟ 


ابتسم لها ورد: 

بخير. بخير تفضلي. 


لم تهمس قمر حتى بل زاد توترها واضطربت ما إن حضرت ليانا فجمعت أغراضها سريعا وانسحبت قائلة: 

أنهيت عملي،  الأدوية التي تناولت ستزيل عنك البأس كما تتمنى الأميرة، لأتركك مع ضيفتك، ثم خرجت ولم تعقب وعيون يونس عليها يحاول استعاب ما يحدث معها لكنه لم يصل لجواب شاف. 


خرجت من الغرفة تكتم غصتها لقد تحول داخلها لبركان هائج تجلى ظاهرا في وجنتيها المحمرتين بينما كانت تسير نحو عرفتها تضرب الأرض بقدميها لكن توقفت فجأة وأخذت نفسا عميقا تستذكر ابتسامته للأميرة وكيف رحب بها بكل ود، فكرت وقررت ثم عادت ادراجها تتوعد له فدلفت الغرفة مباشرة دون أن تطرق الباب،  نظرها يونس والأميرة بدهشة فاقتربت ناحية يونس وقبل أن ينبس ببنت شفة رددت بامتعاض واضح: 

لقد نسيت أن أحقنك بدواء مسكن للألم. 


تحدث سائلا: 

ألم تعطني منذ قليل أقراص مسكنات وقلت انها ستخفف الألم؟ 


ناظرته ورفعت حاجبها مرددة بنبرة يشوبها الغضب: 

هل تفهم أكثر من الطبيب يا سيد يونس؟ 


أومأ بالنفي ولا يزال مذهولا لتصرفاتها لتسحب حقنة من حقيبتها ثم أفرغت محتوى الدواء بها وأمسكت بذراعه بينما عيونه لا تزال عليها لكن لم تكترث لنظراته بل أمسكت بذراعه بقوة وعلى حين غرة غرزت الحقنة في ذراعه حتى أنّ قائلا: 

على مهلك يا قمر. 


تحدثت الأميرة من الخلف قائلة بنبرتها الهادئة: 

على مهلك لقد آلمته. 


حدقت قمر بيونس غاضبة والشرر يقدح من مقلتيها فأومأ مستفهما وهمس: 

ماذا؟ 


زفرت قمر بضيق وأكملت حقن الدواء بذراع يونس ثم حاولت الهدوء والتفتت للأميرة قائلة: 

لا تقلقي يا أميرة فجلده سميك مثل الثور


 ثم ناظرته واقتربت منه لتضرب كتفه بكل قوة مضيفة: 

لا تقلقي عليه فهذا جزء من الف جزء مر به ولم يمت حتى الآن. 


حاول كتم ألمه بسبب ضربها ثم تحدث هامسا: 

ماذا هل تتمنين موتي؟ أنا أخيك هل نسيت؟ 


ابتسمت برهة ثم عاودت ضرب كتفه مرددة:

الموت للرجال يا أخي،  والآن لأتركك ترتاح وتكمل حديثك مع الأميرة لقد. أنهيت عملي. 


ابتسم ورد: 

تصبحين على خير أختي. 


رمقته بطرف عينها وقالت: 

تصبح على خير أخي،  تصبحين على خير جلالتك،  ثم خرجت من الغرفة ووقفت في الرواق برهة لتتنفس الصعداء قائلة: 

لنر إن كنت ستقاوم مفعول المهدئ القوي سيد يونس. 


مضت في ذلك الرواق نحو غرفتها تمشي بهدوء ولم يمر دقيقتين حتى سمعت قرقعة حذاء آتية من خلفها فالتفتت لتنظر لتجدها الأميرة قادمة من غرفة يونس،  نظرتها بتوجس سائلة: 

 هل حدث شيء؟ 


ردت الأميرة بحزن جلي: 

لقد نام يونس فجأة قبل أن نتحدث يبدو أنه تعب. 


ابتسمت قمر بمكر لكنها حاولت كبت ضحكتها قائلة: 

يجب ان نتركه ليرتاح فالذي مر به ليس هينا،  وإن شئت أناهنا أنا أيضا يمكنني الاستماع اليك متى تشائين. 


ابتسمت الأميرة وأضافت: 

شكرا لك حقا لكن سأعود لغرفتي.


__________________



انفتح الباب الحديدي الضخم لقصر مقرينوس بصرير خافت، وكأن الجدران نفسها تهمس بتحذير مبهم. ترددت خطواتها الواثقة في الممر الطويل، مفعمة بصلابة اكتسبتها من لقائها الأخير مع الملك ثورين. ظلت ملامحها متجهمة مشحونة بقسوة لا تعرف اللين، حتى دخلت غرفتها. هناك، انتفضت مشاعرها للحظة إذ وجدت والدها. الملك إيليادور، جالسًا على كرسي مذهب بجوار النافذة، غارقًا في صمت ثقيل. لم يكن في ملامحه أي أثر للدفء الأبوي الذي تشتاق إليه؛ بل بدا كتمثال حجري. جامدًا ومهيبًا، بينما عيناه المتقدتان بالغضب اخترقتا سكون الغرفة كعاصفة وشيكة.



هتف بصوت بارد، لا يخفي تحذيره: 

منيفة... أين كنت ؟


اقتربت منيفة ببطء. ملامحها متماسكة، لكنها تشعر

ببرودة الهواء بينهما وكأنها نذير خطر. أردفت بهدوء متعمد: 


كنت في المكان الذي وجب عليك أن تكون فيه، عند

الملك ثورين.


في لحظة خاطفة نهض الملك إيليادور ليصفعها

بقوة. صدى الصفعة تردد في أرجاء الغرفة وخلف

على وجهها ألما لم يكن جسديًا فحسب.


صرخ الملك إيليادور غاضبًا: 


كيف تجرؤين على اتخاذ قرارات دون إذني؟ هل

فقدت عقلك؟ 


رفعت يدها إلى وجنتها تتلمس أثر الصفعة، لكنها لم تبكي. عيناها اشتعلتا بغضب مكبوتًا طيلة سنوات.


تحدثت بصوت متقطع من فرط الغضب:

أنا من فقدت عقلي؟ حقًا يا أبي؟ أنت من حطمت كل

شيء، أنت من تسير بمقرينوس إلى الهاوية... وأنا

من فقدت عقلها ؟


صمت الملك للحظة. مصدومًا من جرأتها، لكنها لم

تمنحه وقتًا للرد. تقدمت نحوه عيناها تدمعان غضبًا:

أنت السبب في كل شيء. تحالفت مع السحرة

والمحتالين، أفسدت المملكة بقراراتك الطائشة.

بسببك خسرنا كل حلفائنا. لا أحد يثق بك، ولا أحد

يقف بجانبنا.


حاول أن يستعيد هيبته صارخًا بها:

أنا الملك أعرف ما هو الأفضل لمملكتي


أردفت بصوت متهدج لكنه صارم: 

الأفضل؟ الأفضل أن تقتل ابن ثورين؟ أن تُقدم

"ليسيان" قربانًا للسحرة؟ أهذا هو الأفضل؟


اتسع بؤبؤ الملك، لكنها واصلت كأنها تفرغ ما كتمته

لسنوات:

أردت القوة والسلطة بأي ثمن فقتلت وريثهم والآن

تريد مني أن أصلح أخطاءك؟ أن أكون كبش الفداء؟

تريد تزويجي من رجل يكبرني بسنوات، فقط لأنك

تعلم أنك ستخسر الحرب ان واجهته. 


حاول الملك أن يتحدث، لكن صوته خفت أمام سيل

كلماتها.


اقتربت منه حتى واجهته وجهًا لوجه:

كل هذا الخراب... كل هذا الموت... بسببك! أنت من

أوصلنا إلى هنا وأنت الآن تدوس على أقرب الناس

لك، على ابنتك لتبقي رأسك مرفوعًا ولو للحظة.


خفض عينيه للحظة، ثم رفع رأسه بتحد قائلا:

إنها مصلحة المملكة.


قاطعته بابتسامة ساخرة:

المملكة ؟ أي مملكة؟ لم يتبق منها سوى أطلال.


خيم صمت ثقيل على الغرفة، كأن الجدران نفسها تراقب المواجهة بصمت مهيب. الملك إيليادور أشاح بنظره بعيدًا، متجنبًا اللقاء بعيني ابنته التي كانت تتلألأ بغضب مكبوت. 

وقفت منيفو بثبات تتنفس بعمق، تحاول جاهدة كبح العاصفة التي تتأجج داخلها.


أردفت بنبرة أخف لكنها مشحونة بالحدة:

"افعل ما شئت يا أبي. لكن اعلم... لن أكون ضحيتك. لن أكون القربان الذي يُصلح أخطاءك."


ظل إيليادور صامتًا، وجهه مغطى بقناع من الجليد. ثم تحرك ببطء. خطواته ثقيلة، كأنها تحمل وزرًا أقدم من الزمن نفسه. 

قبل أن يغادر التفت إليها بنظرة أخيرة، لكنها كانت نظرة رجل يدرك أنه خسر شيئًا لا يمكن استعادته. دون أن ينبس بكلمة دفع الباب خلفه تاركًا الغرفة تغرق في صمت أشد وطأة.


ما إن توارى ظله حتى سقطت منيفة على ركبتيها. تدفقت دموعها بصمت وكأنها انتظرت هذه اللحظة لتنهار بعيدًا عن عينيه المتحجرة. كفتاة صغيرة تبحث عن دفء مفقود، دفنت وجهها بين يديها، وتركَت الألم يخرج أخيرًا ينساب مع أنين الريح التي تسللت عبر النافذة، شاهدة على لحظة كسر لم يكن لها شهود سوى تلك الرياح.



أثناء هذه اللحظات كان  يونس وقمر أمام الكتاب. صفحاته متوهجة. ينبعث منه ضوء غريب يتراقص على وجهيهما بظلال مرتجفة. الكلمات بدأت تسطر نفسها على الصفحات بلغة قديمة، لكنها مفهومة لهما الآن وكأنها تحكي قصة لا تريد أن تبقى سرًا. المشاهد تتوالى أمام أعينهما، كأنهما يعيشانها: الملك إيليادور واقف في قاعة مظلمة. محاطًا بدخان كثيف. وأمام قدميه جسد الأمير ليسيان المسجى. وأصوات السحرة تتردد بكلمات غريبة. طقوس مخيفة. ودماء تُراق.


وضعت قمر يدها على فمها، وجهها يشحب مع كل كلمة تظهر أمامها. عيناها الواسعتان تحدقان في المشاهد التي تتجلى أمامهما، لكنها غير قادرة على استيعابها.


هتفت بصوت مرتجف، بالكاد يُسمع:

سحر؟ قربان؟


يونس يجلس بجانبها صامتًا. يحدق في الصفحة المفتوحة وكأن الكلمات تحفر عميقًا في روحه. وجهه يشحب تدريجيًا حتى فلتت منه كلمة واحدة، لكن صداها يحمل وزناً ثقيلاً هتف بهمس مشحون بالرعب:

جدتى!



رفع نظره إلى قمر ووجهيهما يحملان نفس الخوف القاتم. صمت ثقيل ساد بينهما لكنه كان صمتًا يصرخ بكل ما لا يستطيعان قوله. فكرة واحدة سيطرت على عقليهما- ميثال- . المشاهد التي رأوها لم تكن مجرد ماضٍ؛ كانت تحذيرًا. ميثال التي اختفت فجأة، يشعران بأنفاسها تتلاشى من ذاكرتهما ببطء قد تكون الآن في قبضة هذا المصير المروع.


أردفت قمر ودموعها تحاول الانفلات:

ميثال... يونس، هل يمكن أن... هل يمكن أن يكونوا قد فعلوا بها ما فعلوه بليسيان؟


لم يرد لكنه شعر بوخزة في قلبه. الصورة المروعة للأمير ممدد على الأرض، مُضحى به من أجل الطمع والسلطة، تداخلت مع صورة ميثال في ذهنه. تخيلها هناك، وحدها، خائفة، وربما... ربما أسيرة لهذا المصير المظلم.


أمسك رأسه بيديه. صوته يخرج بصعوبة:

لا... لا يمكن. لن أسمح بذلك.


أغمضت عينيها للحظة محاولة كبح الفزع الذي استولى عليها. لكنها لم تستطع. قلبها ينبض بعنف وشعور بالعجز يتغلغل في عظامها. نظرت إلى يونس وكأنها تبحث عن أمل، عن طمأنة، لكنه بدا مثلها. غارقًا في بحر من الخوف.


همست بيأس:

ماذا سنفعل؟ إنهم أقوى منا. إذا كانوا قد أصابوها بسوء...


ليقاطعها يونس بحزم ممزوج بالخوف وكأن مجرد التفكير في ذلك يعذبه أكثر من أي شيء آخر:

لا. سنجدها. لا يمكن أن يحدث لها ما حدث لليسيان. لن أدع ذلك يحدث.



هزت رأسها ببطء، وكأنها توافق على ما قاله، لكن عينيها كشفتا عن قلق دفين متغلغل في أعماقها. فجأة، ظهر "راشد" يحلق أمامهما، واستقر على حافة الشرفة. حاول أن يبدد الصمت الثقيل بصوته المعتاد، لكنه بدا وكأنه قادم من مكان بعيد، غريب ومجهول.


تسلل إحساس مرير بالعجز إلى قلبيهما، شعور طاغٍ بأن الوقت يتلاشى بين أيديهما، وأن ميثال تحتاج إليهما الآن أكثر من أي وقت مضى. تبادلا نظرة صامتة، كل منهما يدرك أن القرار الذي سيأتي سيكون مصيريًا لهما ولميثال! 



يتبع…. 

انتظروا الفصل الجديد يوم الخميس الساعه الثامنة مساءا..

مقرينوس الفصل الثامن عشر
Wisso

تعليقات

9 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف2 ديسمبر 2024 في 10:52 م

    روعه تسلم ايدك حبيبتي ابدعتي احداث مشوقه جدا ❤️♥️

    حذف التعليق
    • تمارا ياسين2 ديسمبر 2024 في 10:55 م

      تسلم ايدك مبدعتي

      حذف التعليق
      • Alaa Mohamed2 ديسمبر 2024 في 11:35 م

        الأحداث 🔥🔥
        منيفة دى شخصية غريبة بس فظيعة
        عجبتني اوى
        اتمنى متكونش مؤذية زى أبوها وأذاها يطول قمر ويونس 🙂

        حذف التعليق
        • غير معرف2 ديسمبر 2024 في 11:36 م

          تسلم ايدك سمسمتي ❤️❤️❤️

          حذف التعليق
          • Rim kalfaoui photo
            Rim kalfaoui3 ديسمبر 2024 في 7:32 م

            ما أجملها من أحداث وأسرار عميقة تسلم اناملك حبيبتي فعلا مغامراتها هذه الرواية السحرية رائعة جدا جدا جدا

            حذف التعليق
            • غير معرف6 ديسمبر 2024 في 12:32 ص

              أما كل مرة تصدميني بمنيفة ابدا ما توقعت

              حذف التعليق
              • كنزة6 ديسمبر 2024 في 12:34 ص

                رغم هدوء الفصل الا انه اسراره قوية

                حذف التعليق
                • غير معرف6 ديسمبر 2024 في 12:34 ص

                  شيء ممتع وكل متقري تحسي ما بدك الفصل ينتهي

                  حذف التعليق
                  • كنزة بن هلال8 ديسمبر 2024 في 12:19 ص

                    روعة روعة روعة

                    حذف التعليق
                    google-playkhamsatmostaqltradent