رواية مقرينوس
ضي القمر وظلمات يونس
داخل قاعة العرش المزينة بالأعمدة الحجرية العالية والتماثيل البرونزية، يجلس الملك ثورين على عرشه المهيب. جسده الضخم يعكس القوة وعيناه الثاقبتان تمعنان النظر في كل من يجرؤ على الاقتراب. وقف الحراس على جانبي الباب بينما انفتح بصوت عميق، لتدخل قمر بخطوات واثقة رغم هيبة الموقف.
لتردف قمر:
مولاي الملك، أشكر جلالتك على منحني فرصة الحديث.
رمقها الملك بحدة:
تفضلي... ولكن كوني سريعة. وقتي ثمين.
اومأت برأسها بتوتر قبل أن تقول:
جئت أطلب الإذن للقيام بأمر أراه ضرورياً لصالح المملكة ولصالح عائلتك الكريمة.
اعتدل في جلسته هاتفا:
وما هو هذا الأمر؟
تقدمت قمر خطوة أخرى، محاولة الحفاظ على هدوئها رغم النظرات الثاقبة.
قمر:
أطلب إذن جلالتك لعلاج الأميرة ليانا.
رفع حاجبه بدهشة مردفا:
ليانا؟ ولكنها ليست مريضة! صحتها جيدة كما ترى.
ردت بهدوء وثقة:
هذا صحيح، يا مولاي. الأميرة لا تعاني من مرض جسدي. ولكن حالتها مختلفة... إنها تعاني من مرض نفسي.
بدا الارتباك واضحاً على وجه الملك، عبس قليلاً محاولاً فهم كلماتها.
_"مرض نفسي؟ ما هذا الذي تقولينه؟ هل تدعين أن ابنة الملك ضعيفة العقل؟!"
وضعت يدها على صدرها بتهدئة:
لا يا مولاي، لم أقصد ذلك مطلقاً. دعني أشرح لك.
توقفت للحظة لتجمع أفكارها، ثم تابعت بصوت ناعم ولكن قوي:
المرض النفسي، يا جلالة الملك، هو ألم داخلي يصيب النفس وليس الجسد. قد يبدو المريض سليماً من الخارج، لكنه يحمل أعباء ثقيلة على قلبه وعقله. الأميرة ليانا تمر بتجربة صعبة. لقد لاحظت كيف تبتعد عن الناس، وكيف تنعزل في غرفتها لساعات، وكيف تبدو حزينة رغم محاولتها إخفاء ذلك.
قطب الملك جبينه:
ولكن كل فرد يمر بلحظات ضعف! كيف يكون ذلك مرضاً؟
ابتسمت قمر برفق لتردف:
صحيح، يا مولاي. لكن الفارق هو أن هذه اللحظات تتحول لدى البعض إلى حالة مستمرة تؤثر على حياتهم بالكامل. المرض النفسي، مثل أي مرض آخر له أسباب. قد يكون بسبب فقدان. أو صدمة. أو حتى ضغوط متراكمة. الأميرة تحتاج إلى من يفهم معاناتها ويساعدها على التعبير عنها بدلاً من كتمانها.
بدا الملك غير مقتنع بعد:
وكيف تعتقدين أني سأسمح لشخص غريب أن "يعالج" ابنتي؟ وما الذي تضمنينه لي بأنك لن تلحقي بها الضرر؟
اخذت قمر نفساً عميقاً وأشارت بلطف إلى الملك:
يا مولاي، أعلم أنكم تخشون على ابنتكم، وهذا حقكم. ولكن أرجو أن تسمحوا لي بمحاولة مساعدتها. لا أستخدم السحر ولا أدوية قد تؤذيها. سأكتفي بالحديث معها، بالاستماع إليها بمنحها الفرصة لتفتح قلبها. أحياناً، كل ما يحتاجه المريض النفسي هو شخص يثق به.
نظر إليها بتمعن:
ولماذا تعتقدين أني سأثق بكِ؟
أجابت بثقة:
أتيت إليكم بصدق، يا مولاي. ولو كنت أريد السوء بالأميرة لما طلبت إذنكم. كل ما أطلبه هو فرصة. إن رأيتم أي ضرر يصيب الأميرة بسبب حديثي معها، يمكنكم معاقبتي كيفما ترون.
تردد الملك للحظة، نظر نحو إحدى النوافذ الكبيرة المطلة على القصر، ثم عاد بنظره إلى قمر، وقال بصوت حازم:
سأمنحك هذه الفرصة، ليس لأنني أثق بكِ، ولكن لأنني يائس من رؤية ليانا تعود كما كانت. ولكن اسمعيني جيداً، إن لمستُ أن هناك أي ضرر أصابها بسببك، فلن يحمِكِ أحد من غضبي.
اومأت قمر واضعة يدها على صدرها احتراماً:
أشكركم يا مولاي على ثقتكم. أعدكم أنني سأبذل قصارى جهدي لمساعدتها.
__________
في هذه الاثناء وسط السماء الواسعة الممتدة أعلى سرمد. تنعكس عليها أشعة الشمس الذهبية، بينما يحلق يونس ممتطياً ظهر راشد. أجنحة الطائر القوية تمزق الرياح بصوت خفيف، تمنح يونس شعوراً مزيجاً من الحرية والتوتر. كانت المملكة تحت قدميه تمتد كلوحة مليئة بالحياة؛ الحقول الخضراء القرى الصغيرة المزدحمة، والطرق التي تشبه خيوطاً ذهبية تمتد نحو الأفق.
تحدث إلى راشد:
أتعلم يا صديقي؟ هذه المرة الأولى التي أشعر فيها أنني أرى الأمور بوضوح. من هذا العلو، تبدو المملكة كلها متصلة... لكن تحت هذا الجمال، أشعر أن هناك شيئاً خاطئاً.
خفض راشد جناحيه قليلاً وبدأ بالتحليق قرب الأرض، حيث ظهرت الأسواق والناس يمارسون حياتهم اليومية. ظل يراقبهم بصمت، لكنه سرعان ما قرر النزول للتحدث مع أحد المزارعين عند أطراف الحقل الذهبي.
توجه نحو أحد المزارعين:
صباح الخير، يا عم. أرجو أن تكون بخير.
رفع المزارع رأسه، متفاجئاً:
صباح الخير، يا ولدي. غريبٌ أمرك، لم أرَ مثل هذا الطائر من قبل. هل أنت من هنا؟
ابتسم يونس مردفًا:
لست من هنا، لكنني جئت لأفهم. أخبرني، هل الأوضاع بين مملكتي سرمد ومقرينوس بهذا السوء الذي أسمع عنه؟
تنهد المزارع ونظر حوله بحذر قبل أن يتحدث:
الأمور ليست بخير، يا بني. مملكة مقرينوس تتهمنا بالخيانة، ومملكتنا تتهمهم بالمثل. الشائعات لا تتوقف، والخوف يزداد يوماً بعد يوم. البعض يقول إن ملك سرمد ينوي غزوهم، والبعض الآخر يزعم أن ملك مقرينوس هو من يخطط أولاً. لكن الحقيقة؟ لا أحد يعرف.
يونس بتفكير:
وهل تعتقد أن هناك من سيربح في هذه الفوضى؟
المزارع:
فقط أولئك الذين يحبون إشعال النار في قلوب البشر.
شكر يونس المزارع، ثم صعد على ظهر راشد من جديد، متابعاً استكشافه. لكن ما لم يكن يعلم به هو أن أحد الحراس الملكيين كان يراقبه من بعيد، مستخدماً منظاراً عتيقاً.
تحرك الحارس بسرعة نحو معسكر قريب، حيث يجتمع عدد من الحراس الآخرين.
الحارس:
رأيت رجلاً غريباً يطير على ظهر طائر لم أرَ مثله من قبل. يبدو وكأنه جاسوس من مقرينوس!
حارس آخر:
جاسوس؟ في وضح النهار؟ هذا تصرف جريء.
بينما يونس يحلق عالياً فوق أحد القرى، شعر بحدس غريب أثار قلقه. نظر إلى الأسفل ليرى عدداً من الحراس يراقبونه.
تمتم بقلق:
هذا ليس جيداً يا راشد، علينا أن نكون حذرين.
لكن الحراس لم ينتظروا طويلاً. أشار قائدهم نحو السماء، وصرخ بأوامر واضحة.
القائد:
استعدوا! لن ندع هذا الجاسوس يهرب.
بدأت السهام تُطلق نحو السماء، بعضها يقترب بشكل خطير. راشد يراوغ بمهارة، ولكن يونس شعر بالخطر يقترب أكثر.
فصاح بصوت مرتفع:
راشد، ارتفع أكثر! علينا الابتعاد عنهم قبل أن ينجحوا في إصابتك!
أطلق صرخة حادة مرتفعا نحو السحاب، لكن يونس يدرك أن المشكلة لم تنتهِ بعد. إنه الآن ليس فقط مستكشفاً، بل أصبح هدفاً وعليه إيجاد طريقة لتهدئة الأمور قبل أن يتحول سوء الحظ إلى كارثة.
بينما يرتفع راشد إلى أعلى ظلت السهام تتبع مساره، بعضها يخترق الهواء على مقربة خطيرة. يونس يحاول الحفاظ على توازنه على ظهر الطائر التفت بسرعة ليحاول تقدير مدى خطورة الموقف. صوت الحراس يعلو من الأرض، يصرخون بأوامر وتعليمات، وقد بدأت مجموعة صغيرة منهم تمتطي خيولاً لتتبعه.
يونس بقلق:
راشد، علينا التوقف عن التحليق فوق المناطق المكشوفة. اتجه إلى تلك الغابة هناك، قد تمنحنا الغطاء اللازم!
أومضت عيون راشد كما لو أنه فهم، فانطلق بسرعة نحو غابة كثيفة الأشجار كانت تمتد على أطراف المملكة. أجنحته الواسعة تخترق الرياح بخفة، لكن يونس شعر بزيادة عدد الحراس خلفهم.
حالما دخلوا بين الأشجار، انخفض راشد في طيرانه، محاولاً التوغل بين الأغصان المتشابكة. كان الطائر بارعاً في المناورة، لكن الحراس لم يتوقفوا عن التقدم، رغم أن الغابة أبطأت من سرعتهم.
همس يونس برفق:
يجب أن نجد طريقة للتحدث معهم. لا يمكننا أن نستمر هكذا... إذا تمكنوا من الإمساك بنا، سيعتقدون حقاً أنني جاسوس.
لكن راشد أطلق صرخة حادة، كما لو كان يرفض الفكرة. بدا وكأنه يحذر يونس من التوقف الآن.
تنهد يونس مردفا:
حسنًا، كما تشاء... فقط أخرجنا من هذا الوضع!
فجأة، بينما كانا يتنقلان بين الأشجار، رأى يونس نبع ماء صغيراً بجانب كهف مخفي جزئياً تحت الصخور. أشار إلى راشد بسرعة:
هناك! ادخل الكهف. قد نتمكن من الاختباء لبعض الوقت.
انخفض راشد بحذر شديد، مستخدماً أجنحته كفرامل، وهبط أمام مدخل الكهف. انزل يونس نفسه بسرعة من ظهر الطائر وسحب عباءته ليغطي جزءاً من راشد كي لا يظهر بريق ريشه في الضوء.
هتف يونس بصوت منخفض:
علينا البقاء هنا حتى يهدأ الوضع. لا أعتقد أنهم سيغامرون كثيراً بالدخول إلى كهف كهذا.
داخل الكهف كان الجو بارداً ومظلماً. أخرج يونس شعلة صغيرة من حقيبته وأشعلها ليضيء المكان. وجد أن الكهف يمتد إلى أعماق غير معروفة، والجدران مغطاة بنقوش قديمة. شعر بشيء غريب يشبه الدفء ينبعث من الصخور المحيطة.
نظر حوله بحذر:
هذا ليس مجرد كهف عادي...
صوت خطوات خافتة خارج الكهف جعله يلتفت بسرعة. انطفأت الشعلة من بين أصابعه وحبس أنفاسه، محاولاً الاستماع. كانت الخطوات تتباطأ، كما لو أن الحراس ترددوا في التقدم أكثر.
صدح صوت حارس من الخارج:
الكهف ضيق وقد يكون خطيراً. لا أظن أنه سيغامر بالاختباء هنا.
حارس آخر:
ربما هرب من جهة أخرى. دعونا نبحث في مكان آخر.
تراجع صوت الخطوات شيئاً فشيئاً، لكن يونس لم يتحرك. انتظر عدة دقائق حتى تأكد أن الحراس غادروا المنطقة. بعدها التفت إلى راشد الذي كان يراقبه بعينين لامعتين.
ابتسم يونس بخفة:
يبدو أننا نجونا مجدداً، يا صديقي. ولكن... ما هذا المكان؟
بدأ يتحرك بحذر نحو النقوش التي غطت الجدران، محاولاً قراءة الرموز. بدا أنها بلغة لم يكن يعرفها تماماً، لكنها حملت بعض التشابه مع الكتابات القديمة التي رآها من قبل عدة مرات سواء في مقرينوس او بالقبة او هنا في سرمد.
تحدث مع نفسه بخفوت:
ربما هذه فرصة لفهم المزيد، قد تكون هذه النقوش مرتبطة بمشاكل المملكة، وربما تفسر شيئاً عن النزاع بين سرمد ومقرينوس.
لكن قبل أن يكمل تحليله، سمع صوتاً غريباً أشبه بهمس قادم من أعماق الكهف. كان الصوت ضعيفاً ولكنه واضح بما يكفي ليجعله يتوقف مكانه.
الصوت: "لماذا تهرب... وأنت تحمل الإجابة؟"
تجمد يونس في مكانه وأخذ ينظر حوله بحذر.
صاح يونس:
من هناك؟ من يتحدث؟
لم يكن هناك أحد في الكهف سوى الظلال، ولكن الصوت تكرر مرة أخرى، هذه المرة أكثر وضوحاً.
الصوت: "إن كنت تبحث عن الحقيقة، فلا تهرب منها... ابحث في الأعماق."
نظر يونس إلى راشد الذي بدا غير منزعج، كما لو أنه كان يتوقع حدوث هذا. شعر يونس أن مغامرة جديدة تنتظره، ولكن هذه المرة... قد تكون الإجابة تحت قدميه.
ما زال متجمداً في مكانه، شعر بأن الكهف بدأ يلفه بغموض أكبر. الوهم والواقع يندمجان أمامه، لكنه لم يكن ليتراجع. لم تكن هذه مجرد صدفة؛ هناك شيء ما، شيء يربطه بالمكان.
تمتم بصوت يملؤه القلق:
الأعماق... هل تعني هذه النقوش؟ أم أن هناك شيئاً آخر مخفياً هنا؟
تقدم بخطوات حذرة نحو الجدران، محاولاً تتبع النقوش التي بدأت تضيء بشكل خافت عند اقترابه. كانت الأحرف القديمة تتحرك كما لو كانت حية، تشكل رموزاً وصوراً غريبة. ركز نظره محاولاً فهم ما تريده هذه الكتابات أن تخبره.
تحدث مع نفسه بخفوت:
يبدو أن هذه الحروف تشير إلى مكان، لكنها ليست لغة أعرفها تماماً.
بينما كان يقترب من أحد الجدران الأكثر نقوشاً، شعر بالأرض تهتز تحت قدميه. لم يكن اهتزازاً عنيفاً، بل أشبه بنداء، كما لو أن الكهف كان يدفعه نحو نقطة معينة.
الصوت يتكرر بصدى غريب: "إلى الأعماق... حيث تكمن الحقيقة."
نظر يونس إلى راشد الذي كان يقف بثبات، وكأن شيئاً لم يحدث. أطلق الطائر صوتاً قصيراً ثم مشى بخطوات ثابتة نحو إحدى الزوايا المظلمة في الكهف. تبعه يونس بسرعة متوجساً مما قد يجده.
عندما اقترب من الزاوية لاحظ أن الجدار هناك لم يكن كالجدران الأخرى. ملمسه مختلفاً وبدت النقوش عليه أكثر وضوحاً. مد يده ببطء ولمس الجدار، فبدأ الضوء يزداد قوة كما لو أن الكهف يتجاوب مع لمسته.
يونس بدهشة: ما هذا؟
قبل أن يكمل كلامه انفتح الجدار بصوت عميق كاشفاً عن ممر مظلم ينحدر نحو الأسفل. الهواء الخارج منه بارداً ويحمل رائحة الأرض القديمة. تردد يونس للحظة ثم استدار نحو راشد.
_"يبدو أننا وجدنا شيئاً، يا صديقي. لكن هل هذا ما كنا نبحث عنه؟"
أطلق راشد صوتاً قصيراً آخر ثم تقدم نحو الممر. أخذ يونس نفساً عميقاً وتبعه، مشعلاً شعلة ليضيء الطريق. الممر يضيق كلما تقدم والنقوش على الجدران تزداد غرابة، وكأنها تحكي قصة غامضة عن حرب قديمة أو اتفاقية مكسورة.
بعد دقائق من المشي، وصل إلى قاعة واسعة تحت الأرض. كانت القاعة مظلمة تماماً، إلا من بقعة ضوء خافتة في منتصفها. اقترب يونس بحذر ولاحظ أن البقعة تسقط على شيء يشبه الطاولة الحجرية.
أخذ يتفحص الطاولة قائلا بعد تفكير:
يبدو أنها مكان لعقد اتفاقات؟
على الطاولة. وجد رمزاً محفوراً بدا مألوفاً. كان نفس الرمز الذي رآه على الكتب التي دمجت سابقاً، وعلى الأختام في القبة. وضع يده على الرمز. وفجأة. امتلأت القاعة بضوء ساطع.
الصوت ذاته الذي سمعه سابقاً، لكنه أصبح أكثر قوة ووضوحاً.
الصوت: "لقد وصلت إلى المكان الذي يربط بين المملكتين... حيث بدأت الحرب، وحيث يمكن أن تنتهي."
صاح يونس بصوت مرتجف:
من أنت؟ ماذا تريد مني؟
الصوت: "أنا ظل الحقيقة... ما تبحث عنه ليس بعيداً، لكنه يتطلب شجاعة لاختراق الأسرار. سرمد ومقرينوس... حُكمهما معلق بين الخيانة والندم. الخيار الآن بين يديك."
نظر يونس حوله محاولاً فهم مغزى الكلمات. ثم ظهر أمامه خيال غامض، شبيه بظل رجل طويل يتقدم نحوه بخطوات بطيئة.
الخيال: "هل ستكمل طريقك، أم ستعود؟ الحقيقة ليست دائماً ما ترغب في سماعه."
توقف يونس للحظة، ناظراً إلى الظل، ثم إلى راشد، الذي وقف خلفه وكأنه ينتظر قراره.
يونس بصوت حازم:
سأكمل. جئت هنا للبحث عن الحقيقة، ولن أهرب الآن.
ابتسم الظل بخفوت، ثم أشار إلى رمز آخر على الأرضية بالقرب من الطاولة. كان يشبه خريطة قديمة تشير إلى مكان معين على حدود المملكة.
الخيال: "إذاً، امضِ قدماً. ولكن تذكر... ما ستكتشفه قد يغير كل ما تعرفه عن المملكتين... وعن نفسك أيضاً."
اختفى الظل فجأة، وبدأ الضوء يخفت تدريجياً، تاركاً يونس واقفاً أمام الطاولة والخريطة محفورة بوضوح على الأرضية. انحني يونس لفحصها عن قرب ليلاحظ موقعاً محدداً محفوراً بعلامة مميزة.
تمتم بصوت مسموع:
هذا المكان... يبدو أنه الحدود بين سرمد ومقرينوس. يبدو أن رحلتنا لم تنتهِ بعد، يا راشد.
نظر إلى الطائر الذي أصدر صوتاً وكأنه يوافقه الرأي. ابتسم يونس بخفة ليقف بثبات متجهاً للخروج من الكهف، استعداداً لمواجهة الحقيقة التي تنتظره.
______________
اسرع يونس وهو يعود نحو القصر، ذهنه مليء بالتساؤلات عما رآه في الكهف. يعلم أن عليه إخبار قمر بكل شيء. هي الوحيدة التي يمكن أن تساعده في فك لغز هذه النقوش والرسائل الغامضة. انزله راشد بالحديقة الخلفية، ليبدأ في البحث عنها.
بعد لحظات وجدها تجلس في الحديقة مع الأميرة ليانا، تتحدث معها بهدوء . يبدو على ملامح الأميرة إشراقة خفيفة، وكأن كلمات قمر تترك أثرها. وقف يونس عند مدخل الحديقة، وأشار إليها بيده ليطلب منها اللحاق به. رمقته قمر بنظرة فضولية، اعتذرت للأميرة ليانا بصوت ناعم ثم وقفت وتبعته بصمت.
عندما وصلا إلى جناحه. أغلق يونس الباب بعناية وأخذ نفساً عميقاً قبل أن يبدأ الحديث.
يونس بجدية:
كنت في السوق كما اتفقنا، وحاولت جمع المعلومات عن المشاكل بين سرمد ومقرينوس، لكن الأمور لم تسر كما خططنا.
اردفت بقلق:
ماذا حدث؟ هل تعرضت لمشكلة؟
اسرع ليخبرها بكل شئ:
ليس تماماً... على الأقل ليس مشكلة مباشرة. ولكن بسبب راشد، أحد الحراس رآني واشتبه بي. اضطررت للهروب والاختباء في كهف وهناك اكتشفت شيئاً.
نظر إليها بعمق كأنه يتأكد من أنها مستعدة لسماع بقية القصة:
الكهف لم يكن عادياً. بدا وكأنه يحمل أسراراً قديمة. كانت هناك نقوش غريبة، ورسائل صوتية تتحدث عن صراع المملكتين، وعن شيء متعلق بالحقيقة التي قد تغير كل شيء.
حدقت قمر فيه. عيناها ممتلئتان بالدهشة والقلق:
صراع المملكتين؟ وماذا كانت الرسائل تقول بالتحديد؟
أردف بحماس:
تقول إن الحرب بدأت من هناك، وإن هناك سرّاً مدفوناً في الأعماق يمكنه أن يغير مصير سرمد ومقرينوس.
اقتربت قمر بخطوة، تحاول استيعاب كل ما يقوله:
يبدو أن هذا الكهف مفتاح مثل الكتاب. لكن ماذا سنفعل الآن؟
قبل أن يجيبها انفتح الباب فجأة بعنف، ودخل الملك ثورين بخطوات قوية. كانت ملامحه غاضبة، وعيناه تحدقان في يونس وقمر بنظرة اتهام.
يتبع….
إلى هنا انتهي فصل اليوم، آمل أن ينل إعجابكم
بعتذر جدا عن الفصل اللى فات، بس الحمد خلصت الامتحانات وان شاء الله مفيش انقطاع تاني عن النشر.
انتظروا الفصل القادم يوم الاتنين ان شاء الله في نفس الميعاد الساعة الثامنة مساءا