"إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
وأمام شرودها وسقوط الدموع من عينيها المتسعة تحدث لها
"انتظري لا تحزني بكل الأحوال هناك بريئة صغيرة تصارع الوحدة والضياع في اللامعلوم، بكل الاحوال عليكِ أن تبحثي عنها لتعيديها لحضنك او حضن والديها"
تحركت حياة لتجلس على مقعد مجاور لها قائلة بعينيها المتسعة
"قبل الحادث بعدة شهور أخبرتني أمي أني لدي مشكلة خاصة ولأنني كنت عمياء بتلك الفترة"
تحدث بقوة مفاجأته
"عمياء؟"
أكملت حياة بدموعها وقهرها دون الإجابة على سؤاله
"أخبرتني اكتشافها تغير لون دورتي الشهرية و وجوب ذهابي لطبيب لفحصي وهناك تم طلب فحوصات منا وإجراء تصوير اشعاعي للرحم والمبايض حتى أنه سألني عدة أسئلة خجلت يومها بالرد عليه كنت صغيرة تسعة عشر عاماً فقط"
صمتت لوهلة لمسح دموعها التي تتساقط من عينيها المتسعة وتعابير وجهها المصدوم مكملة بعدها
"هذا يعني أنه تم بيعي، نعم كانوا على علم بالعملية وما سيحدث بي"
رفعت عينيها بعينه التي شبهتها بتعابيرها متسائلة
"وماذا عن الشيخ وعقد الزواج، وكيف ساءت حالتي بهذه السرعة التي انتهت فور تصريح الطبيب أنني بخير"
استرسلت بالكلام عن طبيعة العريس وفرض اخيها الزواج منه ، واختفائه بعد العملية، لم يصدق ما يسمعه سألها على حذر "بعد خروجك من العملية وعودتك للمنزل مع أهلك هل تناولتي أدوية أو حقن بالبطن"، بكت أكثر مؤكدة أخذها للأدوية التي كانت امها حريصة على مواعيدها، كما كان يأتي ممرض ليحقنها بمضادات التهاب بالبطن.
اغمض عينيه بملامحه المستاءة متحدثاً بأسف
"هذا يعني أنه تم تجهيزك بعناية قبل وبعد العملية"
علا صوتها وهي تحرك رأسها على جانبيه "لماذا فعلوا بي هذا، على أي كنز سقطوا حتى يدمروا حياتي وفؤادي!"
تحدث بصوت أوشك على البكاء من شدة اختناقه وتأثره بحالتها
"لا تظلميهم عليكِ أن تستمعي لهم، من الممكن أن يكونوا خدعوا بشكل ما"
تحدثت حياة
"وما سر دفاع مصطفى عني أمام صادق، كنت أريد أن اتخلى عن الطفل ولكنهم رفضوا وظلوا يحدثوني عن جمال الأمومة وحرمانية الإجهاض، أين ذهب الخوف من الله حين باعوها بالرخيص، ولكنه ليس برخيص، كم كنت غبية كيف لم أفكر بذلك، من اين أتوا بثمن عملية باهظة الثمن في مشفى كبيرة كالتي بقيت تحت رعايتها حتى تم شفائي، من أين اشتروا المنزل الكبير وأصبح لكل فرد منا غرفته المجهزة بكل ما كنا نراه بالاحلام ونتمناه، حتى انهم سمحوا لي أن اكمل جامعتي بعد أن كانوا معارضين، أخبرني من أين أتوا بكل هذه الأموال من بعد فقر شديد كالح، لا تقل لي بأن مصطفى انقذ حياة شاب ثري وأخرجه هو وحقيبة أمواله من السيارة قبل حرقها واخذ مقابله مكافأة كبيرة كشكر من والد ذلك الشاب الثري"
اخفض رأسه بحزن
"هذا يعني أنهم أحكموا خطتهم ورتبوا لكل شيء"
صمت قليلا ليتحدث باستغراب
"وأين كان عقلك بكل ذلك تسعة عشر عام ليس بعمر قليل يعمي عينيكِ عن الحقائق، كيف ضحكوا عليكِ وكأنك صغيرة، من ذلك الرجل؟، ملامحه او اسمه وكنيته، هل لديكِ دفتر زواج مدون به شخصه كي نبحث عنه لربما هو والد الطفلة او مشترك معهم باللعبة"
اعتصر قلبها حزنا وألماً
"العمى ليس عمى القلب فقط، أصبت بهِ وانا بعمر العاشرة ولأن التكاليف كانت باهظة عجز أهلي عن إجراء العملية لي وبقيت كما أنا حتى مشارف العشرين"
تنهد بحزنه الكبير عليها
"ليس لديكِ سوى العودة لأهلك لتقفي أمامهم تنظرين لعينيهم وانتِ تواجهيهم بالحقائق"
أومأت برأسها
"نعم سأفعلها، سأذهب و اواجههم حتى اني سأخرج حقي وحق ابنتي منهم"
رد عليها
"أامل أن تجدي ما يرضيكِ بهذه المواجهة"
تحدثت وهي تمسح دموعها
"هل يمكنني طلب شيء"
اسرع برده
"طبعا اؤمري ماذا تريدين لانفذ على الفور، وعدتك بالمساعدة وانا عند وعدي، سأفعل كل ما بوسعي كي أراكِ تضحكين"
قطع اخر كلماته أمام بكائها وطلبها
"لا أريد لأحد أن يعلم ما تحدثنا به قبل، وكأننا لم نتحدث، أخشى أن يحزن أركان أو يغضب ويعرض عن مساعدتي ان علم أني قصصت ذلك لك، بالاصل كان قد نبه علي أن لا أخبر احد بوضعي وهو بالمقابل سيساعدني بعودة طفلتي لي"
و باستغراب كبير سألها
"عودة طفلتك؟، هل ما أسمعه صحيح وعدك أركان ان يبحث لك عنها ويعيدها"
أومأت برأسها ليكمل تساؤلاته، "هل كان يعلم بوضعك قبل الزواج يعني أنكم اتفقتم على كل شيء ام تفاجأ بعد …."
اجابته
"نعم نحن متفقين على كل شيء من قبل وهو وعدني بمساعدتي شرط أن لا أتحدث مع أحد، لهذا طلبت منك أن لا تخبره رجاءا لا اريد خسارته، لجأت إليك حين شعرت بالضياع والضعف اردت ان تنصحني ماذا أفعل، لم اندم على حديثي بل من الجيد تحدثي معك لترفع الغشاوة عن عيناي، أعتقد أن أركان كان يعلم بكل ذلك ولم يرد احزاني، أراد أن يبحث ويتحرى خطاهم كي يفي بوعده، لهذا السبب كان يتهرب مني ويغير مجرى الحديث، نعم حاول ان يخبرني أنهم مشتركين بالجريمة دون جرحي"
تحرك سراج ليخرج من الغرفة بعد أن ضاق صدره بمدافعتها عن أخيه الذي كان صوته يطرق بإذنه
"اعجبنا ببعضنا واردنا أن ننشئ عائلة سويا اتفقنا على كل شيء صدقني انا لم أقصد احزانك "
أوقفته قبل خروجه
"لا داعي لتكرار طلبي منك ببقاء ما تحدثنا به بيننا، ولكني سأطلب منك المساعدة ولو بالنصيحة احتاج لمن يوجهني بظلمتي، فلتكن أنت عيناي وعقلي بعد أن فشلت أنا بالوصول بهم لأي شيء"
اومأ برأسه دون النظر لها
"أنا بجانبك دائما ستجديني أخ وناصح وطبيب أينما أردت هذا"
ابتسم لسخرية القدر مكملاً
"ستكونين أول مريضة استقبلها بعيادتي الخاصة، أنتِ لا داعي لاركان معرفة ما دار بيننا، تحدثي مع عائلتك اخبريهم أنكِ قرأتي على وسائل التواصل الاجتماعي عن الموضوع وعلمتِ إنه ليس مجرد خطأ لتريِ ردة فعلهم واجوبتهم وعلى أساسها سنفكر في الخطوة التي تليها"
نظر لوردته بعيونه الحزينة مستأذنا بالخروج، وبنفس هذا الوقت في مكان خالي من الأعين والآذان المتصنتة صُدمت نازلي بحديث راجح درعها الأقرب من بين رجالها الأوفياء عن حالة أركان وشكوكه بتعاطيه مواد مخدرة، وبهذه الشكوك لمس ما شعرت به في آخر فترة، اقترح عليها أن يقوموا بتحليل سريع يطمئن قلوبهم كي لا يقع فريسة لينة هينة بفم أعدائهم وكل من يتربص وقوعهم مثل هاشم وغيره في وسطهم المظلم، وقد كان وبدون تأخير استدعت نازلي ابنها برسالة تحتوي على ألغاز متفق عليها ليصل متفاجئ بما يرغم عليه من قبل رجال أمه، غضب عليهم وحذر أمه أنه لن يمرر ما فعلته، انصدم الجميع بالنتيجة الايجابية سألته أمه عن نوع العقار الذي يدمنه لكي يسرعوا بعلاجه ولكنه فاجأهم بعدم معرفته، نظرت نازلي لراجح
"اريد معرفة نوع المادة المخدرة" ثم نظرت لأبنها
"لنتأكد من تعاطيه لها بإرادته أم بشكل آخر"
غضب أركان مما سمعه مؤكدا على صدق ما يقوله، جاء ليخرج من المكان بقوته المعهودة وعيونه الشرسة من شرارة الشر الذي بها لتتحدث أمه "لا يوجد لك مخرج حتى نتأكد من نوع المادة المخدرة وكيفية تعاطيك لها"
زأر بقوة اخافت من حوله" كيف لا يوجد مخرج هل سأسجن هنا، ومن سيجرأ على ذلك" ونظر للرجال من حوله ليخفضوا أنظارهم خوفا من مواجهته
ردت امه بهدوء حاولت مسايرته به
"حبيبي أنت تعلم خطورة ما أنت به، ألم أعلمك قوة خصمك، ألم أحذرك من جنوده وما يخططونه لأجل كسرنا، هم يعلمون انك درعي وقوتي وسندي ان كسروك سـ.... "
قاطعها مجيبا بقوة
" لن يكسروني لن أخضع لمخدر أنا أقوى من هذه الأشياء انتظري لتري كيف سأقف بوجههم"
تحرك نحو الباب من جديد، همَ لرجل ليقف أمامه متفاجئ بإخراج السلاح وإطلاق رصاصة برأسه ساقطا أرضا، اتسعت عيون نازلي من ذعرها وصدمتها وضع أركان سلاحه موضعه وهو يتحدث دون الالتفات لأحد
" إياكم أن تسول لكم عقولكم بالوقوف أمام أركان اوزدمير انهيكم أياً كنتم"
وخرج بخطواته التي كادت ان تزلزل الأرض من أسفله، أسرعت نازلي خلف ابنها
" أعيدوا ترتيب المكان واخرجوا بعدها بشكل متفرق كما أتيتم لا اريد ان يشعر احد بتجمعنا"
اسرع راجح بإصدار الأوامر للرجال قبل اللحاق بنازلي والصعود معها السيارة كسائق خاص
" اؤموريني يا هانم إلى أين سنذهب"
ردت عليه *بقوتها* المغلفة* *بالخوف*
“راقبوا سيارته جيدا، من الواضح أن هاشم لديه مخططات أكبر من تدمير شركتنا و أعمالنا، اريد ايضا ان نزيد من تأمين وحراسة المنزل ومن به"
تحدث راجح متسائل" وماذا عن سراج بيه؟"
ابتلعت نازلي ريقها "لا تقلق عليه هو بعيد عن كل هذه الصراعات"
وصمتت لتحدث نفسها
"لن يتأثر وان هدم كل شيء من حوله، أملاكه وأمواله محفوظة منذ الأزل تربى وحدها دون تعب أو جهد"
اغمضت عينيها لتتذكر انتظارها لزوجها الثري كي تخبره عن حملها بشهرها الثاني لتتفاجئ به وهو يدخل عليها بعينيه المنتفخة حاملا طفله بين يده ليخبرها بموت زوجته وحبيبته الأولى والأخيرة التي لم يستطع زواجها بالعلن لأجل رفض أبيها الثري بزواجهم لانه لم يحمل شهادات ومناصب عالية فهي من يعود نسبها للسلاطين والأمراء لا يمكنها الزواج من أي شخص كونه فقط صاحب ثروة مالية، تذكرت نازلي قبولها أنساب الطفل لها كي يعيش حياة مكتملة هادئة كما يحلم أبيه الذي عَينَ له مربية خاصة كانت تتبدل كل فترة خوفا من تأثره بها كما ألحقته بمدارس خاصة بأبناء الطبقة المخملية وسلالة الأمراء كي يشعر بدفئ أمه وهو بين من يشبهوها بالرقي، تذكرت حب سراج لها ومناداته لها بأمي وكم كان طفلا هادئا محبا يخاف عليها من نسمات الهواء الطائرة حولها، ابتسم وجهها وهي تتذكر الورود التي كان يشتريها لها عند عودته من المدرسة، فتحت عينيها متذكرة وصية زوجها الاخيرة بأن تعدل بين أولاده ولا تظلم أخ على حساب الآخر كما كان يفعل بدنياه، تحدثت نازلي بصوت مختنق بذكرياته
"حسنا أنت محق فلنؤمن سراج ايضا ولكن دون أن يشعر كي لا نصطدم بوجوب تبريرنا وتوضيحنا أسباب تأمينه، راجح نحن بفترة حرجة علينا أن ندير المشهد بحكمة وقوة كي نتخطى الازمة دون سقوط حوت كهاشم خصم ليس بهين، يريد أن يصفي حساب روح ابنته باولادي و أعمالنا لننجح بذلك ومن بعدها نكمل نجاحنا أعدك ان خرجنا من هذه الازمة دون خسائر كبيرة سأجعلك تتنعم بما هو أكبر من احلامك "
رد راجح عليها
" مكافاتي الحقيقية هي يوم انهي حياة هاشم وعائلته وكل رجاله عن وجه الأرض"
اومات براسها مؤكدة "قريبا جدا، والان عليك أن تحضر أوراق وتذاكر السفر الخاصة بأركان وعائلته، اريد ان يبتعدوا عن الوسط دون ان يعلم احد قبلتهم حتى أركان سيتفاجأ بالمكان، لنقل له اننا نقوم بتمويه سيمكث هناك عدة أيام حتى يؤمنوا له الوضع بكندا ولكن بالاصل سيتم اجباره على دخول مصحة فور وصوله، وبالنسبة لابنته وزوجته سيتم اخفائهم بدقة كبيرة ليبقوا تحت حماية ورعاية الكنج هناك، وحتى معالجة أركان بشكل كامل سنكون نحن أنهينا عملنا مع هاشم"
رد راجح" اقترح بسفر سراج بيه ايضا، لندبر له لقاء صحفي أو دعوة لحضور حفلات فنية وما شابه"
أعجبت نازلي بالفكرة متسائلة وكيف ستفعلها، رد عليها بثقة
" اتركيها علي ولا تقلقي كما نعلم هو لا يحب الواسطة لهذا علينا أن نخطط للدعوة من بعيد كي تكون بشكل طبيعي"
تحدثت نازلي
"جميل، وبوسط انشغالنا بالسفر وانباء عن عودة أركان لكندا وذهاب سراج لقبلته بهذا اليوم والساعة بالتحديد سنتمم صفقتنا المؤجلة منذ شهور ونبدأ الحرب الشرسة من بعد تأمينها بمخابئنا الخاصة، أحلم باللحظة التي سينصدم هاشم من انهائنا الصفقة رغم عن أنفه"
عادت نازلي للمنزل بالوقت الذي كانت حياة تحاول الوصول لأمها ومصطفى ولم تنجح بذلك، اتصلت بصادق لتسأله "هل تواصلت مع أخيك وأمك"
فاجأها برده
" لا لم اتواصل"
سألته من جديد "ولماذا لم تتواصل معهم ألم تكن قلقا عليهم"
نظر صادق للظرف الذي يعلو الطاولة أمامه قائلا بصوت عذاب ضميره
" اريد ان اموت وحدي"
اختنقت بحديثه وقفت بصمتها ليكمل هو
"ونحن صغار كنتِ تركضين عليّ فور وقوعي او اصابتي بركبتي، حتى إنكِ كنتِ تداويني بالماء وقطع القماش لتغطي الجرح، حين اتلقى من ابي الضرب المبرح كنتِ أنتِ بصغر حجمك من يدافع عني ويقول بعد الشر حين أدعو على روحي بالموت"
اذرفت عيونها بالدمع
"نعم كنت ساذجة بحبي لكم، خدعتموني وطعنتوني بظهري، كيف هان عليكم بيعي، كيف هان عليكم ان تذبحوني وتتركوني اعافر بعذابي، كيف هنت عليك يا صادق، أين ذهبت طيبتك وحنانك علي، أين ذهبت محبتك وحمايتك لي دوما من مصطفى وأبيك، كيف اتفقتم وقبضتم ثمن موتي"
اتسعت أعين نازلي وهي تقف خلف الباب الغير مغلق تستمع لحديثها الذي أكملته
" علمت بخطتكم، لم تكن العملية صدفة وغلطة عابرة، لقد تم اعدادي لها من قبل، اخذتني أمي لطبيب النساء كي يأخذوا مني عينات ليحضروها ويعودون لحقني بها في اول ايام التبويض، كانت خدعة مدبرة لأجل المال"
لم يصدق أخاها ما سمعه بكى وهو يحدثها بقلبه الحزين المريض
"كيف تم تحضيرك، أخبرنا الطبيب بخطئه امامي بمنزلنا هنا بالتحديد جلس واعترف بخطئه"
قاطعته اخته بقوة وصوت علا بالبكاء
"يكفيك كذبا وظلما، تم بيعي وتحضيري للعملية من قبل، كنتم جميعا شهداء على بيعي وذبحي و دفني بقبري وانا على قيد الحياة ، كيف فعلتم هذا بي وكيف سلمتم ابنتي مقابل ثراءكم لعالم لا تعلمونه كيف فعلتم بي هذا يا اخي"
اقسم لها انه لم يبيعها وعند عودته تفاجأ بما حدث، فكيف سيأتي لها بطبيب في المنزل يكشف عليها وهو يعلم بوضعها، ذكرها بحالته وغضبه حين علم بحملها وكيف كان سينهي حياتها لغسل عارهم، قاطعته بكلماتها التي أقسمت فؤاده
" يا ليتك فعلتها، يا ليتك فعلتها وانهيت حياتي لتكن أهون علي مما اعيش الان"
استاءت حالته حتى أصبح غير قادر على البكاء وضع يده على قلبه
"ساساعدك بعودة ابنتك مقابل مسامحتك، انا لا استطيع العيش منذ ذلك اليوم المشؤوم، لا زال بكائها بأذني، لا زال صراخك ودعائك علينا يقسم فؤادي، حتى أنكِ لا تعلمين ما الذي حدث لي بعد أن رأيت صورها اقسم لكِ أنني مت وعدت للحياة مجددا اقسم لكِ يا اختي أنني لم ابيعك، ضحك علي شيطاني كنت أنوي ان اعيدها لكِ بعد اخد الأموال ولكني انصدمت بكيفية أخذها وعدم تعرفي عليهم"
راجعته بعينيها الثابتة و وجهها المنصدم
" كيف رأيت صورها، هل تعلمون مكانها وتذهبون لرؤيتها، اخي كيف رأيتها واين تلك الصور، أين ابنتي، صادق أين ابنتي؟"
لم تصدق نازلي ما سمعته وضعت يدها على رأسها وهي تقرب اذنها لتستمع
" اي ظرف ابيض هل صورت أمك ابنتي"
بكت وهي تستحلفه ان يصدقها القول وأن لا يكذب عليها، حتى انها أخبرته أن يبقى بمكانه حتى تأتي له على الفور.
أسرعت نازلي مبتعدة عن باب الغرفة لتدخل غرفة أخرى مخصصة للمفروشات والتخزين الخاص بجناح أركان وابنته فاتحة هاتفها لتتحدث بصوت سريع وضعيف.
تحركت حياة لتخرج من المنزل مهرولة بوصولها لبوابته متفاجأة بمنع الأمن خروجها
"اعتذر منكِ لا يمكننا إدخال او إخراج احد من المنزل دون اذن من أركان بيه او نازلي هانم"
فتحت هاتفها لتتصل بزوجها ولكنه لم يرد عليها، عادت للمنزل كي تسأل العاملين عن رقم نازلي كي تتصل بها، اغلقت نازلي هاتفها وهي تستمر باختبائها مخرجة هاتف العمل السري لتطمئن على تنفيذ ما أمرت به.
بكت حياة وظلت تتصل بأركان دون ان تصل به، خطر بعقلها الاتصال بسراج لولا معرفتها انه ببث مباشر ولا يمكنه الرد.
وبعد اقل من ساعة اتصل زوجها بها
"اعتذر منكِ كنت باجتماع مهم ولم استطع الرد تفضلي ماذا كنتِ تريدين"
طالبته بصوتها القوي ان يتصل بالأمن كي تخرج وتذهب لأخيها، ليجيبها
"على الفور كما تريدين سأأمرهم بتحضير السيارة واخذك للمكان الذي تريديه"
خرجت حياة ودموعها بعينيها لتشهد نازلي على خروجها من المنزل لتتحرك بعدها وتخرج من مخبئها وهي تتحدث بالهاتف
" هل تم الأمر"، اتتها اجابتها "أنهينا المهمة على أكمل وجه لا تقلقي يا هانم كل شيء تحت السيطرة الان"
وبعد أن عارك مصطفى والده وطرده من منزلهم دون الرد على أسئلته بحجة ما فعله بهم سابقا،عاد سالم لمنزله وهو أشد حزنا وقلقا على أبنائه، اقترحت حمدية أن ينتقلوا مرة أخرى ولكنه رفض خوفا من عودته لمنزلهم الأصلي، ردت عليه حمدية
" انسيت أننا كنا بانقرة ولم يعلم احد شيئا عن عنواننا بازمير او اسطنبول"
تحدث مصطفى بعصبية
"وهل تركتم بي عقل كي افكر بشيء، بغض النظر لن ننتقل لاي مكان اخر ولن نخبره عن مكان حياة ولا زواجها، فليبقى كل شيء على موضعه لن اسمح لهذا الرجل ان يقترب منا مرة أخرى"
ردت حمدية" كيف ستفعلها انه... "
قاطعها مصطفى وهو يحذرها" اياكِ ان تكمليها هو ليس والدي، وان كان نيتك الآخرين فهو ايضا لا يستحقهم، انا المسؤول عنهم فقط بهذه الحياة لن اسمح له بكسرنا واهانتنا وتجويعنا من جديد، ياليتك بقيتي ارملة على الزواج من رجل كهذا"
جلست حمدية على مقعدها قائلة
" لم يكن كما رأيتموه، كان بألف رجل جميع النساء تتمنى..
قاطعها بصوته العالي الغاضب
"أمي لا اريد ان اسمع شيء عن امجاده لا اريد ان اتحدث عنه أكثر من ذلك أنهينا أمره ومن الجيد رؤيتنا له كي ننهي أمره"
اتصلت نازلي بابنها كي تسأله عن موعد عودته ليجيبها
"سأتاخر اليوم لا تنتظروني"
نظرت نحو ابنته التي تلعب بجانب مربيتها متسائلة بصوت منخفض غاضب
"ولماذا ستتأخر ألم تعلم وضع زوجتك؟ "
قاطعها أركان
"أمي لا تبدئي لدي بعض الأعمال وسأعود متأخرا، وبالنسبة لحياة لا تقلقي عند عودتي ساتحجج بعملي كالعادة" ضحك وأغلق الهاتف لتزداد غضبا وهي تقول "ستفعل اي شيء لاجل الذهاب واخذ جرعتك الجديدة، أقسم أنني سادمرك يا هاشم"
أغلق أركان الهاتف قائلا بصوت عالي
"ما هذا وكأنني طفل صغير اغلقتي عليه المنزل اختنقت منكِ، انتِ تستحقين ما يحدث لكِ، زوجتك زوجتك سئمت من زوجتي"
فرحت يارا بسماعها ما دار بينه وبين أمه، كانت تتجهز للسهر والاحتفال معه باستقرار الحمل وحديث الطبيب عن وضعها المستقر، وقف أركان عن مقعد مكتبه بالشركة وهو يضع من عطرة المميز، فتح هاتفه ليحدثها و يغازلها أثناء خروجه من الشركة.
أصيبت حياة بنوبة صراخ وبكاء حين ذهبت لمنزل عائلتها ولم تجد أحد، بحثت بكل مكان عن الظرف الأبيض ولم تجده، بكت وهي تقرأ ورقة اعتذار بخط يد أخيها الذي يتميز بسوئه وأخطائه
" اعتذر منكِ لم أستطع الوفاء بوعدي، ساختفي افضل لكِ ولي، لا تبحثي عني واتركيني بحالي ودنياي"
وبهذه الاثناء اغلقت يارا الباب خلفها بفرحة كبيرة واضعة المفاتيح بجيب محفظتها نزلت من الدرج بحماس كبير متحدثة له على الهاتف مستمتعة بغزله وتمنعه بإغلاق المكالمة التي استمرت طوال تجهزها.
وفور خروجها من البناية وتخطيها الطريق وهي تقول "هيا اغلق حتى اركب السيارة لا تقلق مسافة الطريق وسأكون بجانبك ولن اتركك الليل كله.."، لم تكمل اخر كلماتها حتى أتتها ضربة قوية من سيارة مسرعة طرحتها أرضاً.
وبينما هي تصارع جراحها ونزفها كانت حياة قد عادت
للمنزل لتجد زوجها ينتظرها على اعتابه ليأخذها بحضنه وهو يحنو على ظهرها، شهقت ببكائها العالي وصراخها الغاضب على أقدارها وما فعلوه بها أهلها كان يهون عليها ويعدها بالانتقام منهم كان المشهد حزين ومؤثر حين ترى المظلوم يبكي ويشتكي ظلمه بحضن ظالمه، اهتزت حياة بقهرها وظلمها، همت نازلي بالدخول من شرفة غرفة الضيافة العلوية متفاجئة برسالة أتتها من راجح لتخبرها بإنهاء أركان حياة يارا.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.