"إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
خفق قلبها المتأثر بآخر كلماته، سألته "كيف ابنتي" ليجيبها وهو يضحك باستخفاف
"ألم أعدكِ بإعادة ابنتك لكِ"
ازداد ضيقها زافرة بردها
"هل انا بلا عقل كي أصدق ما تقوله، أسألك ما الذي اجبرك على الزوج مني واعطائي كل هذه الوعود وانت تحب فتاة أخرى لائقة بك أكثر مني، وانت تجيبني كي اعيد ابنتك، هل بقيت إعادة ابنتي عليك؟"
وضع يده على رأسه
"أوووف يكفيكي بهذا القدر، اتركي شيئا للغد او لبعد الغد حتى" ضحك مكملاً
" لا تقلقي لم اطلب ان تكفي للأبد فقد استمتعت بحالتك الجديدة فهي افضل كثيرا من الوضع الصامت وكأنكِ تتشوقين لوضع البكم"
وتحرك لينام على فراشه بدون ان يبدل ملابسه، اشمئزت من حالته ورائحة المشروب التي تحملتها بصعوبة وهي بجانبه لتتحرك وتعود للشرفة مغلقة على نفسها بابها جالسة على مقعد جانبي مستندة بذراعيها على حافة سورها تنظر للسماء بحزن كبير.
وكأنه شعر بها او انه سمع صوت تحريك المقعد حين قربته من السور، خرج لشرفته رافعا نظره للاعلى متأملا حالها وشرودها للسماء المغيمة، وبعد وقت قصير نامت حياة على حالتها، ذهب عقله لما رأه حتى لم يستطع البقاء بالخارج البارد كثيرا ولا الدخول ليتنعم بدفئ غرفته وهي بهذا الحال، كان يحرك كفيه ببعضهما ليدفئهم من برودة الطقس، رفعهم لينفخ بهم وهو يتحرك خطوات بمكانه لا يستطيع الدخول وتركها بهذه الوحدة المظلمة ولا يستطيع البقاء أكثر من ذلك.
فتح هاتفه ليتصل باحدهم متحدثا بصوت مسموع
"يزن مساء الخير ما الاخبار هل كل شيء على ما يرام"
فرح صديقه باتصاله ليبدأوا مكالمة لطيفة مع بعضهما كان سراج يحاول رفع صوته بالقدر الذي يجعلها تنظر نحوه وتنتبه لبرودة الطقس كما كان يكرر لصديقه الذي سأله "ما بك هل ضربك أحد على رأسك، تمام علمنا ان الطقس بارد يكفيك ما كررته، ام انه تم تكليفك بالنشرة الجوية ونحن لا نعلم"
ضحك سراج بصوت عالي وسأل عن نجلاء وكأنه ينادي عليها، مما زاد هذا من استغراب واندهاش يزن، كان يجيبه وعقله يفكر بحالة صديقه الغريبة.
لم ينم سراج ليلته ظل يدخل غرفته ليدفئ قلبه ويديه اللذين أبوا أن يتدفأآ ناظرا نحوها لا يصدق نومها بهذا البؤس.
كاد قلبه ان يتمزق حزنا عليها، حتى كاد ان يصدق كلمات صديقه له
"لم تحبها، أنت فقط تعاطفت مع احزانها وتمنيت ان تعالجها وتصالحها مع الحياة لذلك تقربت وارتبطت بها بحس المعالج النفسي و الروحاني الذي بقلبك، استحوذت على فكرك و وجدانك من هذه الجهة ليس أكثر"
وضع سراج يديه على وجهه ليدفئه قائلا بأنفاسه
"أيا كان حسي ومشاعري فهي اصبحت أخت لي، سلمت أم لم اسلم فهذه هي حقيقتنا"
نظر للأعلى
"سأعالج روحك حتى تعودي للحياة وأرى وجهك يضحك مع وردتي دائما، لن أترككِ تحت أي مصطلح كان"
وبمنتصف الليل تشنج ظهرها وطرقت الطبول رأسها منذرة بازدياد برودة طقس لا يضاهيه ملابس كالتي ترتديها، تحركت على مقعدها متألمة منصدمة من مكانها، وقفت بصعوبة وألم في كل مفصل من مفاصل جسدها المتيبس، التقط سراج أنفاسه شاكرا الله على دخولها غرفتها. اسرع بإغلاق باب شرفته لاجئا لفراشه مستنجدا بهِ ليدفئه من برودته، لم تجد حلا آخر سوى مشاركته الفراش الدافئ و الالتفاف بغطائها لتنام على فورها من جديد، تحرك اركان بنومته و احتضنها بقوة مهمهمًا بكلمات
"لأجل ابنتك، ها هي بحضنك، ألم يكفيكي حضنها ورعايتك لها، ألم يكفيكي عودتها لحضنك بكل هذا الحب، ماذا تريدين مني اتركيني أفعل ما أريد، وابقي أنتِ مع أبنائك"
فتحت عينيها بصعوبة تألم رأسها بالطرق الذي داخله محاولة فهم كلماته، سألته بدهاء دون الخروج من حضنه
"لماذا تزوجتني؟"
حرك يده على ظهرها ليحرق فؤادها وهو يقبل رأسها قبلات متتالية
"أخبرتك لأجل أبنتك ألم تفهمي علي"
التقطت أنفاسها بصدر ارتفع وانخفض بضيقه
"هل أخذ مصطفى مقابل بيعه ابنتي حقا أم انكِ تتوهم"
"أممممم، أمممممممم" همهم بنومه الغطيس سابحاً به، لم يقبل قلبها الاستسلام والصمت فلقد أصبح كالجمر المنتهي من شدة ما يشعر به، أعادت عليه السؤال متمنية اجابته، حركت كتفه وهزته منادية عليه مكررة سؤالها ليضربها ويصدمها بجوابه
"وهل يعطي الدنيء شيء دون مقابل"
هزته ليكمل حديثه ولكنه غارق بسكره ونومه، أعادت اسئلتها
"وماذا عن صادق هل اشترك معه"، "أركان أجبني وماذا عن صادق، هل اشترك مع أخيه ببيع أبنتي، كيف باعوها ولمن باعوها، هل تعلم مع من أبنتي"
بكت وهي تحدثه
"نعم أنت تعلم مع من تعيش، ثقتك وتأكيدك على عودتها لي لم يأتي من فراغ، معرفتك بأمور لم استمع لها من قبل يؤكد ذلك"
هزته بقوة
" أركان أخبرني أين أبنتي، ارجوك أخبرني أين هي، أركان تحدث "
غرق ببحور نومه العميق حتى أصبح لا يسمعها ولا يرد عليها نامت بدموعها وحزنها، نامت وهناك عيون لا تنام ظلت واقفة من بعيد تراقب باب منزلهم على امل رؤية خيالها، جفت دموعه و تمزق القلب من لومه وعتابه، أذن الفجر وتحرك ليذهب لاقرب مسجد يصلي به، تفاجأ بقدوم مصطفى بسيارته التي توقفت بقوة سكره وثمله لينزل منها فاتحا الباب داخلا لمنزله، وهنا تذكر نفسه وغضبه فور دخوله وضربه لزوجته وابنته، انهار أرضا باكيا تائبا مستغفرا ربه عن ذنبه الذي لحق بأبنائه فأفسدهم.
استيقظت حياة بألم في رأسها وجسدها، بدأت أعراض البرد تظهر عليها رويدا رويدا حتى تملكها، حذرها أركان من الاقتراب لآيلا كي لا تنتقل العدوى لها، أجلت أحاديثها واسئلتها رغم إلحاح كل جوارحها على البدء بهم تخوفا من نفوره وتمنعه عن الإجابة، سمع صوت موسيقى هادئة علم مصدرها فكر قليلا طالبا من زوجته بعدها أن تخرج بالشرفة بعد توديعه لتلتقط له عدة صور بوضعيات مختلفة يحتاج إليها من أجل الدعاية وما شابه، لم تعارضه وخاصة انه ليس بعمل ثقيل او مؤذي كل ما عليها أن تخرج لشرفة غرفتهم وتبدأ تصويره.
شهد سراج على خروج أخيه من باب المنزل بوجه مبتسم يلوح لزوجته التي كانت تلتقط له الصور، تعجب من حركات أخيه وتلويحه ونبرته الفكاهية وهو يحدث زوجته طالبا منها ان تكف عن تصوير القمر وتكتفي بهذا القدر.
رفع يده ليبادل أخيه سلامه قبل أن يصعد السيارة ويبتعد بها بوجه منتصر بتحقيق غرضه ونجاح خطته، وصلته الصور فتحها بانتصاره يقلب بها، أوقف سيارته حين وجدها قد شاركت أخيه صورة وهم يتبادلون السلام، غضب عليها وتغيرت ملامح وجهه ليتصل بيارا قائلا
"صباح الخير يا سلطانة قلبي، كيف أصبحتي اليوم، هل لا زال ولدي يتعبك أم سمع كلام أبيه"
فرحت يارا
"عليك أن تأتي لتأخذ جوابك منه"
ابتلع ريقه بابتسامته ورده
"جميل فلنأتي أذن أنهي بعض الأعمال بالشركة وأتي على الفور ولكن لا تنسي"
ضحكت بانتصار وفرح
"لا تخف سأحضر لك أجمل وأطيب الأطعمة التي تحبها من يدي"
ضحك "أموت انا بيدك وقلبك"
أغلق الهاتف و وضعه بجانبه وهو يحدثها بسره
"لنستمتع قليلا قبل الخلاص منك كي لا نعذب باهدار النعم دون أن نشبع منها" اتصل هاشم بيارا ليطمئن على الوضع، حدثته بفرح "اصبح كالخاتم بأصبعي، أكل الطفل عقله حتى وصل به الحال أن يتصل من الوقت لآخر يطمئن عليه و يوصيني أن لا اتحرك خوفا عليه"
أومأ برأسه
"جيد ليبقى على هذا الحال إذا، لا تنسي ما اتفقنا عليه من اليوم ستبدئين بوضع كمية مضاعفة بالطعام"
ردت بصوت يملأه الشفقة
"يكفي بهذا القدر الغائب الحاضر، لنجعله ملك اشارتنا دون أن نؤذيه"
حدثها هاشم برفق
"نعم يا قلب والدها لن نؤذيه بشكل كامل ولكننا سنضمن امتلاكنا له، لن نضاعف مرة أخرى بهذا القدر الجديد فقط حتى لا يستغني عن رؤيتك ولو ليوم واحد
فرحت يارا وهي تستمع لوعود ابيها في تزويجهم وضم الشركات وجعل أركان اسيرا لهم بعد أن يتخلصوا من أمه وزوجته و حتى أخيه.
رفضت يارا
"ما ذنب أخيه، لا اريد ان ااذيه"
أنهى هاشم محادثته بغضب ملقيا الهاتف على المقعد المجاور له قائلا
"غبية، ستعيشين وتموتين غبية كأمك"
تذكر هاشم علاقته بأم يارا في السابق وكم التشابه بينها وبين ابنتها التي اخبرتها قبل وفاتها بأن هاشم والدها كي لا تتركها وحيدة دون نسب خلفها ذهبت ووضعتها أمانة لديه في اضعف أيام حياته بعد أن خسر ابنته وطعم الحياة بعدها، ظل والدهم يراقب المنزل ليومين متأملا برؤية صادق أو حياة ولكنه لم ينجح بذلك، بتلك الأيام حاول أركان ان يثبت لزوجته عكس ما رأت بصور خيانته لها، خدعها بأكاديبه التي مثلت عليه تصديقها بها متأملة في الوصول لابنتها او أي معلومة تقربها منها.
وبصباح اليوم الثالث وعلى تمام الساعة التاسعة صباحاً تفاجأت حياة بمكالمة هاتفية من صادق أخيها، ترددت بالإجابة والتفكير في كيفية خروجه من الحبس، أجابته بعد أن كرر اتصالاته عدة مرات دون صوت منها
"ألو حياة أين أنتم لم يجب علي أحد ولم أجدكم بالمنزل، هل خرجتي باكرا للعمل"
استغربت مما قاله متسائلة
"هل خرجت من محبسك"
رد عليها بفرح
"لا أعرف كيف خرجت فتحوا لي الباب وقالوا براءة لم تعد هناك قضية تنازل الطرف الآخر عن حقوقه"
سألته بفضول
"كيف لم تجد أحد بالمنزل، أتصل على أمك او أخيك"
اجابها وهو يمسح التراب من على اسطح الأثاث
"ام انكم انتقلتم، المنزل فارغ والأتربة تعلو كل مكان به، بجانب ملابس مصطفى الملاقاة بكل مكان"
فتح الخزائن ليتعجب اكثر
"الخزائن فارغة حتى من ملابسي"
استغربت مما يقول، سألها عن مكانهم وأين هم حتى طلب منها أن تعطي امه الهاتف ليحدثها ويفرحها بخروجه، أجابته بصوتها المنخفض
" لا أعلم أين هما، لم أراهم من بعد زواجي"
شهق صادق من مفاجئته
" زواجك؟ "
كادت ان تبكي وهي تستمع لاسئلته
"متى تزوجتي؟ ولمن؟ وكيف؟ وهل غصبك مصطفى بعد دخولي السجن؟ هل هذا سبب اختفائهم كي لا يواجهوني؟ ، نعم يعلمون أنني سأحرق الوسط ولن اقبل ظلمك من جديد"
اغلقت الهاتف بعد أن أخبرته انها تزوجت بمحض إرادتها هروبا من ظلمهم.
اغلق هاتفه بحزن دخل به غرفة أمه ليجلس على فراشها بحزن كبير، وجد بجانبه ظرف يعلوه التراب فتحه ليجد داخله صور ارعدت قلبه بقوة جعلته يضع يده عليه متألما بصوت
" آآه" لم يكن شيئاً عابرا ظل صادق يتألم من رعد قلبه المؤلم حتى تعرق وجهه وثقل لسانه لدقائق عاد بظهره لينام على الفراش محاولا تخطي أزمته التي حذر واوصى طبيب السجن بوجوب عمل مخطط قلب يوضح حالته.
لم يتركه صوت بكاء الطفلة والسيارة التي أخذتها مبتعدة عنهم بدون أرقام مرخصة، صدق مصطفى بهذه الرواية فكان صادق يطمع بالمال بجانب أماله بمعرفة مكان الطفلة و استرجاعها بالمستقبل.
تمدد بجانب صور إبنة العائلة الصغيرة وهي بحضن امها بعد ولادتها، فلم يتوقع أحد تصوير حميدية للصغيرة وهي بحضن امها موضحة وجهها بشكل جيد، من الواضح أنها ايضا طمعت بعودة الطفلة بعد عمر مديد، لا أحد يعلم سبب اخراجهم من المخبئ و وضعهم بظرف قبل سفرها هل لأجل أن يكون وصية حفظ حق ابنتها وحفيدتها بأمها بعد موتها لتخلص ضميرها من الذنب أم ورقة ضغط تستخدمها مع من تخاف بالنظر في أعينهم.
دخل أركان الغرفة على زوجته ليجدها تبكي بقهر وحزن كبير، استقامت على فراشها فور سماعها لصوت فتح الباب، اقترب منها بقلق
"ما بكِ لماذا تبكين"
حدثته بوحدتها وحزنها
"خرج صادق من السجن"
رد عليها ليفاجأها ويكسب قلبها كما خطط
"انا من سعيت لإخراجه كي أرى سعادتك واكسب مسامحتك، علمت من المحامين أنه متورط ببضائع غير مرخصة واموال كبيرة غير مدفوعة، تم حلها جميعا والشكر لله أخبروني أنه سيتم تخريجه صباح اليوم بعد أن أنهوا الإجراءات أمس"
ردت عليه "لا يهمني خروجه، فليذهبوا للجحيم"
مسحت دموعها وطلبت منه العودة لعملها، اجابها مكررًا نفس ما قاله سابقا
"لا يوجد عودة للوراء وبالنسبة لاصدقائك فليأتوا لزيارتك"
ردت بضيقها
" ليس بهذه السهولة انا اجد نفسي بالعمل وسط الأطفال، كما أن نجلاء مشغولة بمرض أمها و تجهيز منزلها يعني ان وجب على احد الاتصال والزيارة فسيكون انا وليست هي"
وببرود اعصابه الهادئة
"ليس لدي مانع اذهبي لزيارتها، سأبلغ السائق الخاص أن يتجهز بالموعد الذي ترغبين به، اذهبي لتشتري لها الهدايا فلا يمكنك الدخول عليهم دون إظهار وضعك الجديد، ومن بعدها اذهبي إلى مكان ما تريدين يكفي أن تطلبي منه ذلك، ولكن عودتك للعمل اعتذر منكِ لا يوجد عمل ولا يوجد نقاش بهذا الأمر "
ردت حياة عليه
" هل يمكنني الذهاب لمنزلي القديم كي اجلب دفاتري بقيت هناك"
نظر نحوها بعمق
" هل تريدين مقابلة صادق؟"
ابتلعت ريقها
" نعم وهذا ايضا موجود"
فكر بقلق وخوف
" ليس لدي مانع ولكن اصبري يومين واذهبي بعدها، انت لا زلتي متعبة من دور البرد الذي لم ينتهي منك بعد وأخشى أن تضرين من تقابليه، يومين على الأكثر أطمئن عليكِ واذهبي بعدها لاخيكِ وصديقتك حتى وان عدتي بوقت متأخر لن اعترض.
صمتت مجبرة على مسايرته التي اخدتها عهدا على نفسها حتى يفصح لها عن ما يعلمه، وقف وهو يمد يده نحوها "هيا لنفطر سويا قبل خروجنا"
نظرت ليده التي حركها لتتمسك به، وبالفعل تحركت و وضعت يدها بيده ليخرجا من الغرفة، اندهش من تركها ليده لتتعلق بذراعه أثناء سيرهم، فرح قلبه لابتسامتها بوجهه
وصلا للمائدة اجلسها على المقعد ثم جلس بجانبها ملقيا الصباح على أمه.
ابتسمت نازلي وهي تتأمل عيون حياة المنتفخة من البكاء
" صباح الخير لكم ايضا، هيا تناولوا فطوركم تأخرنا كثيرا"
تحدث أركان ليسأل عن أخيه، تفاجأ برد زوجته
"من المؤكد أنه يجهز للحلقة الأولى"
ابتسم أركان رغم ضيقه وغيرته
"وبأي موعد ستكون"
ردت بحماس غلبه صوت حزنها
"الثانية عشر ظهرا، كان يوصي وردته ان تشاهده بأول ظهور في برنامجه التلفزيوني الجديد"
تحدثت نازلي لابنها كي تدرك الوضع قبل تفشيه
"جميل هذا يعني أننا سنتابعه سويا بالشركة"
ابتسم بحالته المختلطة
"وهل يمكن هذا، ولمن سأترك متعة مشاركة زوجتي مشاهدة برنامجها المحبب بالإضافة أن النجم أخي"
اكملت نازلي دون تعليق على حالته التي أصبحت تضغط عليها كثيرا
"تمام كما تريد، أنتبهوا لسعادتكم، بالمناسبة اريد إجراء تعديلات وتجديد على سير عملنا بكندا، الوضع اصبح مختلف الآن علينا أن نهتم بالشركة هناك ونكبرها لتكون سند وعون لنا بالمستقبل"
ضحك أركان ضحكة زادت من استغراب أمه
"لمن استمع انا، هل اقتنعتي بحديثي أخيرا"
ردت بوجه تصنع الابتسام والرضا عكس ما تشعر به ورغبتها الكبيرة بصفعه
"نعم ظهرت انك محق فكرت جيدا ورأيت ان اهتمامنا بالعمل هناك خلال السنتين القادمتين فرصة كبيرة لازدهارنا، كما أنه فرصة جيدة لانجاب أبنائك هناك"
انصدمت حياة ونظرت له ليتوتر هو قائلا لأمه
" هل سنذهب لنعيش هناك"
اجابته نازلي لعدة سنوات فقط اثنان ثلاث على الأكثر اربعة وتسلم الأعمال وتعود إلينا لتديرها من هنا، كانت تتحدث وعيونها على تعابيره التي أشبهت مدمنين العقاقير المدمرة للعقل وتجعل الشخص غير متزن بالتفكير والإنصات وردات الفعل، نام صادق بعد أن تخطى أزمته بمكانه دون حركة، كلما حزن او بكى او ندم بشدة أصبحت تأتيه هذه الحالة ليصارعها حتى يتخطاها بصعوبة ، ظلت حياة صامتة حتى خرجت نازلي من المنزل لتبدأ حديثها الأقوى بعد انتكاستها
"لن اذهب لمكان قبل أن احتضن ابنتي"
اقترب منها ليقبلها بكل جرأة في منتصف المنزل، ابتعدت بسرعة ناظرة حولها
"ماذا تفعل؟، هل فقدت عقلك؟"
لم يهتم لمراجعتها له اقترب من جديد
"موافق سنسافر جميعنا لهناك"
اندهشت من ثقته وطريقته بالتحدث، سألته بقلب يرفرف من الفرح حتى أصبح لا يشعر بقربه منها
"أركان هل حقا ما تقوله، هل تعلم مكانها، نعم انت تعلم مكان ابنتي، حتى من الممكن أن تكون على علم بما حدث معي من قبل ذلك الرجل الغني لربما صديقك أو قريبك، تزوجت بي كي تعيد الطفلة منه، هل هي حزينة وتعيسة لهذه الدرجة"
اقتربت آيلا منهما ليرفعها والدها مقبلا وجنتها مجيبا
"لا يوجد تعاسة أو حزن، وما كل هذه الأسئلة نسيت أولها بمجرد الوصول لآخرها، اصبري لتري ما وعدتك به وبعدها أحكمي واجيبي أنتِ على أسئلتك، اعدكِ لن تهبط طائرتنا على الأراضي الكندية حتى يصلك جميع اجاباتك"
تسمرت بمكانها وهي تدقق بملامحه وحركة يده على فمه بشكل متكرر، صمتت وهي تراقب لعبة مع ابنته بشكل غريب مع تناوله للحلويات والموالح بنفس الوقت بشكل زاد من تعجبها ودهشتها ومراقبتها الصامتة.
غضبت نازلي عندما علمت بأمر خروج صادق، وبخت ابنها على قراراته المتسرعة والغير مدروسة، فكرت وفكرت قائلة لنفسها
"هذا جيد من أجل الجميع فلتعود لكندا، عد وابتعد عدة سنوات لاعيد ترتيب الوسط، بقائك سيقضي علي قبل القضاء على تجارتنا"
تذكرت نازلي ما ورطها به أركان لتغمض عينيها متحدثة داخلها
"أنت جيد بكل شيء إلا في استخدام عقلك، نصحتك كثيرا ان تترك لي التخطيط وأنت القوة والتنفيذ ولكنك لم تقف صامتا تريد امتلاك كل شيء والتسرع بانهائه دون استخدام عقلك أو العودة لي"
أتى موعد البرنامج ليبدأ سراج حديثه بوجهه المنشرح
"مشاهدينا الكرام من كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا بكم في أول حلقة من حلقات برنامج
"قلب المشاعر" أود أن افتتح برنامجنا بالتحدث عن السلام النفسي و الروحاني الذي يقودنا للرضا والتصالح مع النفس والغير، من منا لا يريد أن ينعم بحياة هادئة، سعيدة، خالية من المنغصات، مليئة بالسلام والتصالح مع النفس؟، لأجل أن نعيش الحياة السعيدة التي نحلم بها، بالبداية علينا جميعا معرفة بأن الثقة في النفس وقدراتها وقوتها تساعدنا على الوصول للسلام النفسي الذي سيؤدي لنهوضنا وفلاحنا.
ستسألونني عن كيفية ذلك؟
سأجيبكم بقصة رسالة تلقيتها مؤخراً عبر البريد الإلكتروني من شخص ما يقص علي تلقيه إساءه واتهام من أحد الأشخاص بمحيطه، ضاق صدره واستثارت غريزة الثأر لكرامته والمدافعة عن نفسه في داخله حتى همَ بالرد القوي على من بادر بالإساءة من مبدأ الدِفاع عن النفس ولكنه لم يقم بذلك حين أدرك في نهاية المطاف أن الرد لن يؤدي إلا المزيد من السلبية بنفسه و للمحيطين، ظل هذا الشخص يحدث نفسه ليومين بأفكاره الدفاعية التي تجولت في رأسي مثل سحابة مظلمة تظلله، نسج الكثير من حوارات جميعها تثبت مظلمته، تراقصت أفكاره على نغمات الانتقام حتى اختنق بهذه الطاقة السلبية و ذلك الشعور الذي جعله بحالة ضعف تثير الشفقة عليه وهو يسأل نفسه
"هل أنا أستحق ذلك؟، هل هذا نهاية الإحسان؟، هل طيبة قلبي ما جعلتني أسقط بهذا؟، هل أنا من سمح لهم بالتمادي؟"، وهنا تحول شعوره من الدفاع الى جلد الذات ومعاتبتها وارهاقها حتى استاء أكثر، تواصل معي كي يجد حلا لشعور الضيق والانزعاج والإساءة التي تمكنت منه"
ابتسم سراج وهو يحدث جمهوره من امام الكاميرات
"هيا ورقة وقلم واكتبوا من خلفي"
ضحك مكملاً "وأن تغير نهجنا فلا يمكننا الاستغناء عن تدوين النقاط المهمة والحكم والعبر لكي تكون دافع ومرجع لنا"
تعجب أركان وعلم بهذه اللحظة ما سبب جلب زوجته دفتر وقلم قبل بداية الحلقة، أعاد نظره للشاشة وهو يستمع لأخيه
"من أفضل الحلول للرضا النفسي والتخلص من الاستياء والضيق والمشاعر المزعجة التي تضغط علينا هو أن نؤمن ونقتنع بأن النفس البشرية بنيت على النقص وليس الكمال الذي هو صفة يختص بها الله عز وجل،لو أيقنا جميعا هذا المعنى وعشنا به سنجد انفسنا أكثر راحة عندما يهاجمنا أحدهم، حينها سنفكر بحكمة وهدوء لادراك النقص ومحاولة ترميمه، أو إدراك أن ما قيل ليس بنا فلن نهتم أو نشعر بالانتقاص منا، فعدم سعينا للكمال ينبت بداخلنا الرضا عن النقص ومواطن الضعف قبل القوة، وهنا تأتي النقطة التالية وهي الثقة بالنفس والاقتناع انك دائما بحالة ارتقاء واجتهاد نحو الأفضل، سنعلم أن الضعف مرحلة لابد منها لتعلم القوة، و احتمالية الوقوع في الخطأ لنتعلم منه تفادي تكراره، واننا نستطيع تحويل المشاعر السلبية لطاقة ايجابية تقودنا للتغير للأفضل، حين نثق بأنفسنا سنتعلم كيفية قراءة الأشخاص والمشاهد من حولنا، بالثقة سنصل لمرحلة تجعلنا أكبر من أن نهدر وقتنا وجهدنا في الدفاع عن أشياء نحن نعلمها ومتأكدين من عدم وجودها بنا، ثقتك بنفسك ستغنيك عن جلدك لذاتك والسعي لتقويمها والنجاح بما أخطأت به سابقاً، تخلصوا من فكرة الكمال و أسعى لتصحيح أخطائك مع الآخرين، خذ نفسا عميقا ولا تمارس الألوهية مع نفسك فتندثر وتنتهي أسفلها، حين تصل لهذه النقطة من المؤكد أنكم ستشعرون بسلامكم النفسي والروحي الذي سيساعدكم على التطور والنجاح والنظر للمستقبل بنظرة جميلة مبهرة لا يخدشها مواقف واحقاد وسلبيات الاخرين".
رفع أركان حاجبه
"الآن اطمئن قلبي عليه، لم يذهب جهدنا بتعليمه هدر"
نظرت حياة متسائلة
"وهل افادك تعليمك بعملك، كونك محامي قانون هل استفدت به في علمك"
ضحك أركان
"ومن قال لكِ أنني محامي"
استغربت من إجابته " ألست محامياً، أخبرني مصطفي بذلك"
رد عليها "لا لست كذلك ولكن اخبريني ماذا تتوقعين دراستي"
هزت رأسها بعدم معرفتها ليكمل هو
"كسبت جامعة هندسة ولكني لم أكمل بها، التحقت بعدها بجامعة تجارة ونظم معلومات إدارية الشكر لله كنت انجح واتفوق دون فتح الكتب وببعض الامتحانات دون حضور حتى حصلت على شهادة تخرج بامتياز بقدر الباب تضعها امي بغرفة مكتبها في الشركة متباهية بثمن ما دفعته للحصول عليها".
ازداد تعجبها من صراحته وحالته الغريبة فهو كل يوم يختلف عن اليوم الذي يسبقه، حتى ثباته وثقته وقوته وردوده المتزنة اختلفت كثيرا عن عدة شهور سابقة.
وبينما كان الشيخ يطرق باب منزل عائلته، كان صادق ينظر لصور الصغيرة بحضن أمها وهو يبكي نبض ضميره المؤلم، صُدمت حميدية برؤية زوجها، تعرفت عليه بسرعة رغم حالته الجديدة، تراجعت للخلف بخوف وجسد ارتعش من هول ما تراه، تعتقد انه متخفي بهذا الزي هاربا من العدالة او أصحاب الديون، ألقى عليها السلام وجلس على المقعد وهو ينظر نحو المنزل من حوله
"كيف أصبحتم وما الذي أتى بكم لهذه القرية الصغيرة"
تحدثت بصوت مهزوز
"أنت من أين علمت بمكاننا، من دلك علينا"
اجابها بسؤال آخر
"بماذا يعمل مصطفى وصادق حتى وصلتم لهذا الحال الجيد، أين حياة أم أنها…"
قاطعته حمدية
"ماذا تريد منا، لماذا عدت بعد كل تلك السنين"
رد بصوته الأجر
"لم تجيبي على أسئلتي، كيف وصلتم لكل هذا، بماذا يعملون الاولاد، ولماذا اتيتم لهنا"
تمنعت عن اجابته والتحدث له قبل أن يأتي مصطفى الذي صُدم من صوت أمه المنخفض وهي تستنجد به "عاد والدك".
تهيأ أركان وتجهز للخروج بعد أن فشل بترويض القطة التي أصبحت شرسة لا تقبل أي تقرب منه قبل إعادته لابنتها، بالاصل لم يجهد نفسه معها وكأنه يتقرب منتظر إبعادها عنه ليتحجج بخروجه وقبلته لمنزل يارا، غضبت نازلي وغلى الدم بعروقها عندما اخبروها الرجال بوصول ابنها لمنزل عشيقته.
عاد سراج للمنزل ليجدها تجلس مع وردته أمام فيلم كرتون، تقدم خطوات بوجهه الفرح من حالة آيلا النائمة بحضن حياة، انتبهت على نوم الطفلة اخذتها بحضنها "كنت شاردة ولم انتبه لها، أعتقد أنه حدث لتوه لأني كنت أحدثها…"
قاطعها بقوله
"لا داعي لتبريرك، نامت دون ان تنتبهي لها لم يحدث أمر جلل هوني على نفسك"
وابتسم متسائلا
"أم انكِ لم تشاهدي حلقة اليوم"
بادلته الابتسامة
"كانت حلقة رائعة، شاهدتها أنا واركان"
هز رأسه وهو يجلس جانبا متنهدا بإرهاق يومه وتعب التصوير قائلا بعدها
"من الان وصاعدا عليكي أن تثقي بنفسك ولا تعطي المبررات والاعذار الكثيرة، لا تضعي نفسك بموضع المذنب المخطأ حتى لا تذهبي تحتهم"
ردت عليه بحزن كبير
"يا ليتها تُحل بالثقة في النفس والتصالح والتسامح"
لم يرد الضغط عليها كي لا تبكي او تعود لحزنها، تحرك وأخذ منها وردته
"اشتقت لها لاحتضنها قليلا وانا بطريقي لفراشها"
أومأت برأسها ناظرة لخروجه وابتعاده بعقل يفكر بحالة زوجها الغير متزنة، وأحاديثه الغريبة بين الصدق والكذب، تحركت خلفه لتفاجئه بدخولها غرفة آيلا
صامتة، تحرك ليستقيم من استلقائه بجانب الصغيرة
"تفضلي هل اردتي شيء، ان اردتي البقاء بجانبها يمكنني الخروج"
تحدثت وهي مخفضة العينين
"عندما عرضت علي المساعدة بالمرة الماضية تذكرت صديقة بحاجة لمن يساعدها في مشكلتها الكبيرة"
تمعن بنبرة صوتها وحالتها جالساً باستقامة أكثر منصتاً لحديثها التي بدأته
"خضعت صديقتي لعملية قبل سنوات لأجل استئصال الزائدة وحين خرجت من غرفة العمليات اعلموها أنهم لم يجروا العملية لها بسبب خطأ في التشخيص وعدم استدعاء قيامهم بها"
صمت رغم صمتها منتظر تكملتها التي أتت بعد أن أخذت نفسها واستجمعت قواها
"وبعد مرور شهر على هذه الحادثة أكتشفت صديقتي انها حامل رغم عذريتها وعدم اقتراب أحد منها"
اختنقت حياة و استاءت نبرة صوتها الملبدة بالغيوم
"حدث خطأ بالمشفى وتم حقنها بالخطأ بعد هروب المرأة المقرر قيامها بعملية التلقيح الصناعي واختلاط الأمر على الطبيب حين اعتقد صديقتي المستلقية على الفراش الطبي غارقة بالبنج هي تلك المرأة التي هربت"
رفع حاجبيه وهو يمط فمه باستغراب منتظرا استماعه لباقي القصة دون مقاطعة، لتكمل هي
"تعذبت شهور الحمل حتى وضعت طفلتها واحتضنتها بين يديها"
اختنق صوتها حتى كادت أن تهرب من أمامه لولا عدم رغبتها بالإفصاح عن شخصها بالقصة وايضا لاحتياجها للمساعدة من رجل حكيم راشد يدلها على الطريق الصحيح، تحدثت من جديد بنبرة أسرع
"لم تتقبل العائلة الصغيرة ليأخذوها ويلقوا بها في وسط غابة كبيرة على سنها الصغير"
بكت حياة
"منذ ذلك اليوم وأمها تعيش تحت وطأ هذا الألم متمنية أن تجدها وتجتمع بها"
تنهد سراج قائلا
"غريبة يعني كيف لأصحاب البويضة الحقيقين أعني الأب والأم أن لا يسعوا لاستعادة طفلتهم وتركوها لهم ليلقوا بها بهذا الشكل الغير إنساني"
ردت دون تفكير لتدافع عن حقها بابنتها
"أنا أم الطفلة وليس هي"
تعلقت وتشابكت العيون من شدة المفاجأة فبرغم شكه إلا أنه لم يتوقع صراحتها، سألها على حذر
"أن كنتِ أمها فمن المؤكد سحب عينة منك قبلها بفترة ليتم تجهيزها مع العينة الاخرى من جهة الأب طبعا، أنت تقولين دخلت العملية وخرجت بهذا الخطأ الغير مبرر او بمعنى آخر غير وارد بهذه العمليات ولكني سآخذ كلامك محمل الجد، أن كنتِ أم الطفلة فهذا يتوجب متابعتك عند طبيب نساء و إجراء عدة تحاليل وأخذ عينة ليتم حقنك مجددا بها وحتى وإن لم يأخذوا عينة وتم حقنك بشكل مباشر بعينة الأب لابد من إجراء تحاليل للتأكد من وضع الرحم والخصوبة وايام التبويض ونسبة استجابتك له، ان لم يحدث ذلك .."
قاطعته قائلة
"ستكون أم الطفلة مختلفة عني"
اومأ برأسه
"مع الاسف إن لم تقومي بإجراء هذه الفحوصات فمن المؤكد أنها ليست طفلتك"
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.