رواية "إنها غيوم الحياة"
بقلم أمل محمد الكاشف
توترت من المواجهة تحركت قائلة
"أنا بغرفتي ان احتجتم لشيء بلغوني"
نظر سراج لأمه ثم نظر الى أخيه متسائل بدهشته
"اجيبوني عن أي معلمة تتحدثان"
تحرك أركان خطوات قربته لأخيه قليلا متحدثا "المعلمة حياة داود معلمة آيلا بالمدرسة"
اسرعت نازلي بخطواتها لتخرج من الغرفة مختبئه بجانب بابها وهي تستمع لمحادثتهم التي بدأت بتحديق سراج بعينيه وهو يرد على أخيه
"نعم فهمنا ولكن كيف أنت وهي انا لا افهم من أين أتيت بأمر زواجك بها، كما أنك تعلم أنني…"
قاطعه أركان قبل أن يسمع ما يعلمه
"انتظر سأخبرك بكل شيء، لنجلس ونشرب القهوة لاشرح لك"
انفعل سراج على أخيه
"لا أريد أن أجلس أو أشرب، ولن أقبل بما تقوله أو ستقوله، أنت تعلم بإعجابي بها كيف أخبرك عن مشاعري وتسرع ب.."
قاطعه من جديد
"اخي لا تفهمني بشكل خاطئ انا لم اتعمد أخذها منك هل أنا سيء بهذا القدر بعينك، وأيضا الجميع يعجب بأشخاص مختلفين قد تعجب باحترام شخص وحكمة الاخر وجمال غيرهما هذا لا يعني رغبتك بالارتباط او ما شابه، كما انك لم تفصح عن مشاعر حقيقية جميعها كان اعجاب من طرف واحد"
حدثه سراج "حسنا إن كان النقص بالإفصاح عن مشاعري سأفعلها وأخبرك أنني…"
اسرع أركان بتحدثه
"سراج انتظر لا تكمل استمع لي اولا انا وحياة اتفقنا على كل شيء، أعتقد أنها لا تعلم عن ما تقوله شيء قد يكون اعجاب زائد ومن كثرة ترددك على المدرسة جعلك تفكر انه مختلف وإلا لماذا هي معي وليست معك"
اندهش سراج مما يسمعه
" كيف معك، انا لم افهمك كلانا نعلم أنها مختلفة عن وسطنا"
اوما أركان رأسه مؤكدا
"نعم انت محق هي مختلفة لم أقصد أننا معا بعلاقة او ما شابه، ما قصدت قوله أنني شعرت بانسجام كبير بيننا في آخر شهر اقتربنا من بعضنا به وكان السبب الأول تعلق آيلا الكبير بها ومن ثم انجذبنا وتحدثت معها لاطلب منها ان تشاركنا حياتنا وتصبح فرد من عائلتنا لأجل ابنتي"
تحدث سراج بصوت خالط الغضب الانكسار به ليخرج على نحو غريب
"هل عرضت عليها طلبك"
أخرج أركان أنفاسه الحزينة ماسحا على جبهته وهو يرد على أخيه
"هذا ما كنت أريد قوله لك، أنا لم أعلم بقدر مشاعرك كانت أحاديثك عن تميزها واخلاقها وقلبها الكبير تهمس بقلبي كلما تقربت إليها وتحدثنا سويا عن الحياة والأبناء وخوفي من المستقبل، صدقني يا أخي لم أعلم بمشاعرك وخاصة أنها كانت تندمج معي وتنسجم بأحاديثنا واهتمامها بابنتي وكأننا أصبحنا عائلة واحدة متكاملة، كل يوم اذهب للمدرسة اقول لنفسي جاء الوقت لتسعد آيلا وترتاح نفسيا بجانب من تحب طوال العمر، جاء الوقت لأذهب للعمل واسافر دون قلق عليها"
رد بصوته الذي خرج منه بغيوم حنجرته
"هل انسجمت واندمجت معك؟"
وبحزن حقيقي على ما وصل إليه أخيه أومأ برأسه دون كلام، ليكمل سراج
"وماذا عن يارا واحلامك معها وعلاقتك بها"
دافع عن نفسه
"لا يوجد علاقة بيننا مجرد تقارب وتسلية وقت الفراغ ولكني لم انجذب لها، حسنا لا ترد أعلم أنني أخبرتك بإعجابي بها وفكرتي بالارتباط لكنه ظل بالماضي لم يكتمل بل وشعرت أنها لا تصلح ان تكون ام لابنتي سنعود لوضع سما وعدم تقبلها للطفلة"
تحدث سراج بغيومه
"ولكنها مختلفة عنك، مختلفة عن ذوقك و حياتك واهتماماتك، لا يمكن الزواج بها لأجل ابنتك تظلمها وتظلم نفسك"
رد أركان
"بالعكس من قال لك هذا لعلي كنت مخطئ بمفاهيمي وهي صححتها لي"
تحركت نازلي لغرفتها وهي تستمع لكلمات سراج
"متى عرضت عليها الزواج وهل أخذت ردها أم لا زالت.."
ابتسم لأخيه
"ألم أقل لك أننا اتفقنا على كل شيء، سراج أخي صدقني هذا الأفضل لأجل وردتك حان الوقت لتعيش حياة هادئة كاملة"
خرج سراج من المنزل دون أن يرد عليه، ليجلس أركان بحزن كبير
"وانا ايضا جرحت وكسرت، أنا أيضا اتحمل أضعاف ما تشعر أنت، وما الذي تحمله او تشعر به وأنت تحلم ونحن نلبي لك احلامك، نشقى ونلقي بأنفسنا في مهب المخاطر لأجل ان ننفذ أحلامك، إنه حقي نعم لاعيش انا وهم من بعدي"
فتح هاتفه كاتبا رسالة مضمونها
"لن تذهب اختك للعمل غدا الا بعد اخذي لموافقتها اعمل وفق هذا، احذرك ان تم العكس"
أغلق أركان هاتفه محدثا نفسه
"وهذا ايضا تم كي لا يذهب إليها ويهدم ما خططنا له"
تحرك نحو غرفة ابنته ليدخل مغلقا الباب خلفه صاعدا أعلى فراشها ليأخذها بحضنه ويناما سويا وهو يحدثها داخله
"سيعود كل طير لعشه ساضعك امانة بيديها لينتهي ذنبك"
اتصلت يارا به أغلق هاتفه بشكل كامل وأغلق بعده عينيه لينام بهذه اللحظة.
لم تكف نجلاء عن محاولاتها بإعادة حياة عن رأيها وهي تحدثها عن وضع عائلة أوزدمير بالبلد وما يمتلكونه وكأنها فتحت بوجهها طاقة السماء، ولا زالت تخبرها هي الاخرى أنها لم ترغب بالزواج في الوقت الحاضر.
انتهى اليوم بثقله على سراج ليبدأ يوم جديد ارتدى به بوقت مبكر ليخرج من المنزل قبل استيقاظ اي احد.
لم يكن لديه قبلة محددة حاله يشبه حال ليلته المضطربة، أوقف سيارته الشبابية الفاخرة وهو يقول لنفسه
"حسنا لا يليق وضعها بمنتصفنا تختار منا من تشاء، ولكن على الأقل لتعلم ممن تتزوج"
اغمض عينيه ليتذكر قرب أخيه من يارا وسهره معها وكيف كانت حالتهم حين يتصلان بوردته ليتبادلوا الأحاديث، زاد ضيقه وهو يحدثها داخله
"كيف انسجمتي معه بهذه السرعة، أين ذهب صمتك وخجلك وعينيكِ المخفضة دوما، أم أنني لم أعرفك جيدا، هل خدعت بمظهر عكس ما بداخلها"
تذكر غيوم عينيها المستنجدة به، ابتسامتها الخجولة حين تخفيها عنه، فرحتها وهي تثني على برنامجه، حتى وصل لتذكره اخر لقاء حين ذهب ليزيل شوقه لها متحدثا معها ناسيا أمر وردته.
أرجع قامته للخلف مستندا على مقعده وهو ينظر للمارة من حول سيارته شاردا بأمر سما واعجابه بها و ما فعله أخوه فور سفره ليعود بسؤاله لنفسه
"هل يتعمد فعلها ياترى؟"
تجهزت حياة بعد أن رفضت التغيب عن عملها بناء على رغبة أمها التي حاولت بشتى الطرق منعها من الخروج.
قاد مصطفى سيارته وهو يفكر كيف يمنعها من الذهاب وبنفس الوقت دون ضغط عليها كي لا يخسر أمر إقناعها بالموافقة على الزواج.
وبمنتصف طريقهم أوقف سيارته بجانب سور عائد لمجمع مهجور وبدأ يتظاهر بالتعب ممسكا بطنه متأوها من آلامه.
ظلت تنظر له دون تجاوب يستنجد بها وهي ثابتة تتذكر تألمها من بطنها يوم عقد زواجها على شخص لا تعرفه، كانت عينيها تذكرها اهمالهم لها حتى تم استبدالها بشخص آخر، كادت أن تبكي حين تذكرت تألم قلبها وهي تترجاهم أن يتركوا لها ابنتها دون رحمة منهم.
ناداها مصطفى أكثر من مرة متفاجئ بدموعها وحديثها
"أنا أيضا كنت اتألم واعتصر حزنا وألما عليها، تتذكر يا اخي يوم اقترابك لتأخذها من بين أحضاني، كيف هانت عليك أن تلقي بها للمجهول، لن أقول لأجلي ولكن ألم تشفق على بكائها وضياعها بعالم لا يرحم فيه، يهجر الأب ابنه فما بالك بالغريب، كيف فرطت بها"
من الغريب اهتزاز قلب مصطفى أمام كلمات اخته التي خرجت بنبرة ألم ماضيها الحي، كان من المفترض أن يخبئ مشاعره وتعاطفه بالسب والقذف والضرب كي يصمتها ويرهب قلبها قبل تحرك مشاعره، استمر بتمثيله واستنجاده بها وهو يرى تخبطها ما بين رحمتها بانقاذه والاتصال بالإسعاف وبين هروبها، رفع يده واتصل هو بنفسه ليتم نقله امام عينيها الممتلئة بالدموع ليس عليه بل على ما وصلت إليه، أتى طبيب شاب وأخبره أنهم سيقومون بفحص الزائدة من جديد بعد أن تبين وجود مشكلة بها، انصدم من حديثه قائلا
"لا يمكن أنا لست مريض، اقصد أنني لم اتألم منها مجرد مغص طارئ وسيزول"
أخبره الطبيب أنه ليس كذلك وبالفعل قام بإجراء فحص آخر وجلس بعده بجانب اخته ينتظر نتائج الفحص، تحدثت حياة وهي تنظر أمامها
" يا للغرابه وكأن الزمن يعيد نفسه، ولكن لا تخف أنت مبصر لجميع من حولك، كبير بالعمر تستطيع حماية نفسك، لا تخف لا يمكن لأحد سرقة أحلامك، كما لن تحتاج لمن يساندك ان جار عليك زمانك"
حرك سبابته على شاربه وهو متأثر من حديثها ليخرج عن النسق
"نعم أخطأنا بحقك، اتخذنا عدة قرارات أنانية دون التفكير بوضعك، اصارحك لم انتظر منكِ كل هذا الحزن والألم، توقعت انه سيزول بعد يومين او شهرين أو حتى سنتين"
قاطعته بدموعها وعينيها التي ثبتت بعينيه "وهل زال؟"طرقت بيدها على قلبها "هل زال، هل اخمدت السنوات لهيب قلبي، هل استطعت إسكاتها عن الصراخ بأذني، هل تنعم عقلي بالنوم دون تفكير أين هي جائعة أم شبعانة، مريضة أم حزينة ام سعيدة ام منغمسة بالشقاء"
سقط مصطفى بلسانه
"اتعجب كيف تشعرين بها، أعني رغم موتها تشعرين بكل ذلك"
تجمع ألمها وضيقها واحتقان معاناتها بصوتها الذي خرج يهزه "لم تمت" رفعت حاجبيها بقوة مكرره "لم تمت"
ابتلع ريقه قائلا
"نعم انتِ محقة لم تمت"
كاد عقلها ان يطير من مكانه تحركت على مقعدها
"أين هي، مع من تعيش، مصطفى حبا في الله أخبرني، أثلج قلبي يا اخي"
اهتزت يدها الممسكة بيده متوسلة به "اسامحك بحقي واعيش خادمة تحت قدميك، حتى يمكنني أخذها والابتعاد عنكم دون رؤيتي مرة أخرى، يكفي يا اخي يكفي"
انهارت حياة وهي تتوسل وتقبل يد اخيها أن يرحم عذابها ويخبرها عن ابنتها، بهذه اللحظة كان من المفترض أن يخشى دخول أحد عليهم او خروج أخته عن السيطرة بل كان من المفترض سحب يده وافراغ غضبه عليها ولكنه تحدث بعكس ذلك
"لا نعلم أين هي، تركناها بجانب الطريق وظل صادق وانا من خلفه نراقبها من بعيد كي نتعرف على صاحب القسمة لننصدم بسيارة سوداء كبيرة توقفت لأخذها والابتعاد عنا سريعا، جن صادق لعدم حمل السيارة لأي أرقام وكأنها خاصة بجهة رسمية أو جهة مخفية، أسرع يركض خلفها محاولا استعادة ابنتك ولم ينجح"
لم يكن حديثه كله صدق نعم تراجع أخوه وكاد أن يجن من عدم معرفته المكان الذي سقطت به الطفلة حتى الطبيب حين ذهب للمشفى لم يجده فكيف سيجد شخص كُلف للتمثيل أمام العائلة كلها على أنه الطبيب وهو ليس كذلك، توقع عقل صادق الصغير أن يأخذ الأموال ويستعيد الطفلة بعد فترة ولكنه لم يعلم مع من كان يلعب فهم أمام قوة شيطانية ممثلة بشخص على هيئة امرأة تدعى "زينب".
تحدث من جديد أمام بكائها ليفاجئها
"ان كنتِ لا تستطيعن نسيانها، فلنعيدها لحضنك"
اهتز فؤادها و تهاطلت الدموع بعينيها متسائلة "كيف ستعيدها أتعلم مكانها"
رد أخيها عليها
"لا ولكننا سنبحث عنها سأعينك على البحث عنها، لأعود لأنقرة وابحث عن السيارات الشبيهة لتلك السيارة ومن يستطيع حمل هذا النوع من المركبات دون أرقام"
بكت حياة وقالت "ماذا إن كانت سقطت بيد ظالمة او قطاع طرق، ماذا إن كانت عصابة"
تحرك سريعا ناظرا حولهم "لا يوجد كلام من هذا هل نحن بغابة، وعدتك أن ابحث عنها وأتي بها إليك ولكن عليك أنت ايضا أن تفكري باسم عائلتنا وتحمينا، يعني علينا أن نفكر كيف سنعيد لكِ طفلة وانتِ عزباء لم يمسسك بشر كما تقولين"
تغيرت نظراتها ليسرع مصطفى بقوله
"أعلم انكِ كذلك انا اتحدث عن الناس"
ردت عليه بجوارحها
"سآخذها وابعد عنكم حتى وإن طلبتم مني تغيير البلد سأغيرها"
رد مصطفى ليكمل ما بدأه
"لا داعي لابتعادك، لا يمكننا العيش وانتِ بعيدة عنا وايضا في رقبتك طفلة كيف سنلقي بكِ دون حامي، لدي فكرة أخرى تجعلنا نبحث عن الطفلة وبنفس الوقت نعيدها إليكِ دون قلق"
مسحت دموعها وهي تنظر له بتركيز كبير
" تزوجي وزوجك يتبنى أمر الطفلة ويحتضنها بكنفه، بالأصل حين تتزوجين سيقطع لسان الناس ولن ينتبه احد لعمر الأطفال والزواج ليمتزج هذا بذاك وننهي الأمر بعدها"
وافقت على الحال
"حسنا سأفعل ما تقوله نجد ابنتي ومن بعدها اتزوج بمن ترضوه لي"
استجمع مصطفى قواه
"لا بل العكس تزوجي وانا ابحث عنها واعيدها لكِ"
شعرت حياة بمكره واشتمت رائحة خداعه "هل زال ألمك وعدت لوجهك الأول، هل أنا غبية لاتزوج وأجد نفسي بقبضته يتحكم بي ويرفض ابنتي من بعدها"
اسرع مصطفى برده
"وأين سأكون أنا"
ابتسمت بسخرية تحدثت بها "ستكون بموقعك قبل ستة سنوات بل ستزيد على قبضته حتى انتهي بينكم"
أجابها بثقة
"وماذا إن اثبت لكِ العكس"
لم تصدقه ولم ترد عليه ليكمل هو
"من الان وصاعدًا سأبدأ بالبحث عن ابنتك لاعيدها لكِ، وبنفس الوقت سنفكر بأمر المتقدمين للزواج منكِ و هم كثر هذه الأيام ماشاءالله" ابتسم مكملا
"من كان جدي فليعلم انكِ لديكِ ابنة تبحثين عنها وحين تجديها ستأتي وتعيش معكم، حتى لنكتب هذا ويوقع عليه مقابل إتمام الزواج"
أتى الطبيب من جديد ليصطحب مصطفى لغرفة الكشف الإشعاعي، تحدث بصوت ساخر مما يفعلوه
"ما بكم انا بخير ستجعلون الشخص يندم على المجيء إليكم"
أخبره الطبيب أنه بوضع حرج والزائدة متضخمة حتى قاربت على الانفجار وعليهم أن يقوموا بعمل فحوصات أدق.
تعجب مصطفى وتحرك معهم تاركا اخته خلفه لا تصدق ما قاله لها وكيف ستصدقه بعد الذي فعله بها على مدار الستة سنوات من قهر وتجبر وعذاب نفسي.
وبعد حرب كبيرة بين ذهابه وابتعاده وجد سراج نفسه يخطو نحو فصل آيلا وهو يقلب فيما سيقوله، تفاجأ بغياب حياة عن المدرسة سأل عن ابنة أخيه ليجدها هي أيضا غائبة استغرب الأمر لتأتيه المفاجأة حين عاد لمنزله وعلم من المربية أن وردته تغيبت اليوم لأجل تغيب معلمتها المحبوبة لديها عن المدرسة.
أغلق عينيه ليستطيع هضم الصدمة الجديدة، أوصل أركان ما كان يريد إيصاله لأخيه الذي كسر قلبه مجددا
لحقيقة علاقة أخيه بمن تملكت قلبه ،كان يسير بخطوات بطيئة هادئة حذرة نحوها كي يداوي ما يراه بعينيها من ألم ليكتسب ثقتها وقلبها بعده ولكنه ندم على ذلك.
اتضح فعليا تأثر الزائدة لدى مصطفى ووجوب عملية بأقرب وقت كي لا تنفجر داخله، وكأن الزمان أعاد نفسه، ساعده القدر باثبات مرضه وصدقه أمام اخته المكسورة الراجية من الله ان يلهمها سبل الطريق لابنتها، لم تصدق حياة حديث أخيها عن استجابة العريس للطلب ورغبته الكبيرة بمساعدتها في استعادة روحها لها والعيش معها، فرح قلبها عندما علمت بوجود طفلة بنفس عمر ابنتها لدى العريس الجديد ورغم غصة قلبها الا أنها شعرت بطيف الأمل يلوح بسمائها الملبدة بالغيوم، وقفت حمدية متحدثة بنبرة أم يهمها مصلحة ابنتها قائلة "عليه أن يأتي ليجلس معها مرة واثنان وثلاث حتى وان كانت عشر حتى ترتاح له ويتوافقا مع بعضهما لتقتنع وتتزوج بإرادتها التامة"
حدق مصطفى بعينيه لأمه منصدما مما قالته كيف شهر وليس أمامهم إلا بضعة أيام على الموعد المحدد من قبل العريس، صمت وانتظر ليختلي بها حتى يراجعها بحماسها
"هل سيبقى صادق بالحبس شهرا كاملا، أم تعتقدين ان أركان بيه سيصبر علينا كل ذلك"
تمتمت الأم "لا أعرف تحمست وقولته، ولكن لا تقلق من الواضح أن النصيب أراد أن يجمعها بابنتها ويفتح لنا أبواب الجنة"
رد مصطفى "أخشى أن يفتح رأسنا ويقدم نهايتنا، الان نريد ان نزينه بعينيها حتى يأتي وتنصدم انه هو والد تلميذتها لنرى ما سيحدث بعدها"
ومن داخل صومعته فتح هاتفه ليكتب
"كنت كلما اشتاق اليكِ ارفع نظري للسماء لأرى وجهك الذي يشبه السحب البيضاء الملغمة بغيوم الحياة، استمر بنظري حتى يشبع قلبي من قربك منه، حتى اعتاد على التأمل بالسحب، بل حتى اعتدت على مد عنقي صوب السماء، والان علي ان افطم قلبي ونظري وعنقي عن جمال رؤيتك بسمائي كل ليلة وضحاها"
أغلق هاتفه وتحرك ليبدل ملابسه ويذهب لتقديم برنامجه الذي بدأ حلقته بقول
"لا تضع الأخطاء على الآخرين دوما فربما انت المخطئ الأكبر بقصتك، ولا تعيب التاريخ على تكرار آلامك فلربما يدك هي من اعتادت على تكراره"
كتبت حياة رسالة نصية على صفحة البرنامج
"نعم أنا المخطئة، بقائي بجانبهم وتحت سيطرتهم هو خطئي الأكبر، كان علي ان اهرب فور ابصاري لاشتكي عليهم، هم من تخاذلوا بنصرتي، هم من ألقوا بروحي في غياهب الظلمات، أنا السبب بكل ما أصابني، أنا أيضا مخطئة حين شاركتهم بصمتي وضعفي ومسالمتي"
بكت حياة أقدارها الثقيلة على النفس ألمها قلبها على فلذة كبدها ليحرق فؤادها من جديد، لم يكن هناك داعي بمنعها عن العمل بهذا اليوم بعد أن أصبحت بحالة متعبة من كثرة البكاء والقهر طوال الليل، خلى المنزل من امها واخيها حين ذهبا للمشفى مجددا، ليكون لها الحظ باستقبال أركان بنفسها، تفاجأت انه نفس الرجل الذي حدثها اخوها عنه لم يضغط عليها بدخوله نظر خلفه نحو الطريق الفارغ متحدثا
"حزنت مما سمعته من اخيكِ والان علمنا سبب صمتك وحزنك، لم اصدق ان هناك طبيب يستطيع بيع ضميره ويفعل ما فعله، اعتذر منك تقولون خدعة ولكن من المستحيل ان تكون خدعة، وايضا كيف لا يتم الإجهاض فور اعلامكم بالامر، كان يتوجب على اخواتك معاقبة الطبيب لا التمادي بالخطأ واعطائه الطفلة كيف هان عليهم أن يبيعوا هذه الروح الصغيرة البريئة، ولكن لا تقلقي انا خلفك ومعك ساقاضي هذا الطبيب ومنه سنعلم والد الطفلة ومكانها"
راقب حالة وجهها بصمت لحظي مكملا بعده "تزوجي بي وانضمي لعائلتي انا بحاجة إليكِ لأجل ابنتي التي وجدت بكِ ضالتها، وأنت بحاجة الي من أجل مساعدتك بنفوذي، اعدك باعادة ابنتك لحضنك"
ملأت عينيها بغيومها مجددا كانت تستمع له وهي لا تصدق تأكيد شكوكها، هم من باعوها وأخذوا ثمن رحمها وابنتها أموال رفعتهم وساعدتهم بالوصول لما هم وإلا من أين كل هذه الأموال والمنزل الكبير والأثاث الفاخر بجانب مشاريعهم التي تغلق واحدة لتفتح الاخرى.
سقط أركان بلسانه دون أن يدري، لقد اتضح انه بلا عقل يتحرك بيد أمه توجهه وتأمره بارع بتنفيذ الخطط وإدارة الرجال تحت يده ولكنه بالأمور الدنيوية ضعيف يتأثر وينخدع بسرعة.
لم يصمت صوته بإذنها وهو يخبرها أن اخوتها متورطين، كانت عينيها القوية تدل على شدة ما هي به.
طلبت يارا من أركان أن يأتي لمنزلها بسرعة لمساعدتها بعد سقوطها بشكل سيء، استغرب من وضع منزلها الذي أشبه بغرفة في فندق من صغر حجمه، فتحت الباب وألقت بنفسها في حضنه وهي تبكي خائفة، ضمها وتحرك بها للداخل مغلقا الباب متسائلا "كيف سقطت؟"
بكت في حضنه أكثر "خفت كثيرا، لا أعرف كيف سقطت وجدت نفسي أرضا تحركت بصعوبة حتى اتصل بك"
نظر لقدمها وحالتها الجيدة قائلا
"مرت لم يحدث ضرر الحمدلله، لا تخافي تعالي اجلسي هنا"
تحرك ليجلسها على الأريكة ناظرا لحالتها المتلاصقة بحضنه باستغراب، سألها عن بكائها "أشعر أن هناك أمر آخر خلاف وقوعك ما بكِ"
ردت يارا "أشعر بالوحدة والضيق اختنق كلما نظرت للفراغ حولي"
حدثها ليعاتبها "وانا أين ذهبت، هل تشعرين بكل ذلك وانا بجانبك"
تدللت بحضنه "أنت قريب وبعيد بنفس الوقت لم أعد أعلم هل أنا مهمة بالنسبة لك ام مجرد ضيف ثانوي"
قبل رأسها بحضنه "كيف ذلك ألم تعلمي قدرك لدي"
هزت رأسها بالنفي ليكمل هو "انتِ الشخص الوحيد الذي أجد نفسي بجانبه، سعادتي وراحتي وهروبي من الجميع لم أجده سوى بقربك"
تحركت من حضنه لتسأله سؤال خرج من أعماق قلبها الذي سقط بحبه
"اريد ان أعلم تعريف ما نحن به، أنا…"
قاطعها بتماديه في قربه منها وخوضه فيما لم يخوضاه من قبل، كادت أن تنسى نفسها بين يديه لولا معرفتها بأمر اجهزة المراقبة، تراجعت بصعوبة مبتعدة عنه "ما نفعله خطأ كبير"
اقترب منها وهو يرى تحسينها لفستانها "ليس بخطأ نحن جيدان.."
اقترب من جديد لتدفعه عنها برفق "لنتزوج اذا، ما دمنا قريبين بهذا القدر وتجد نفسك سعيد بجانبي فلنتزوج"
تراجع أركان مرتبكا صامتا لتعيد هي كلامها "لنرتبط ونعيش سويا نسهر ونفرح ونعمل ونعيش حياتنا كما يحلو لنا"
طأطأ رأسه "مع الاسف لن استطيع فعلها، تمنيتها وكنت ساقدم على التحدث معك بهذا الامر، ولكني ساتزوج قريبا"
مثلت يارا اندهاشها ورسمت ملامح الصدمة على وجهها "كيف، هل تعلب بي، أكنت تتسلى بي"
تحدث هاشم وهو يجلس براحته في منزل جديد خالي من الرجال السابقين بجانبه زوجته وعدد من الحراس المضمونين
"وماذا كنتي تظنين، تشبهين أمك بكل شيء، يكفي هذا الكم من الغباء ليؤكد لي استحالة نسبك لي"
قررت حياة أن تصمت لتتخلص من عائلتها السيئة وتتزوج لتبدأ حياة هي الاقوى بها، رغم ضيقها الذي لا زال يراودها كلما رأته او سمعت صوته الا ان وعوده واحاديثه عن عائلتها ونفوذه القوية التي سيستخدمها لمساعدتها، عمت رغبتها بالنجاة من اهلها والوصول لمرادها بايجاد ضالة قلبها حتى أصبحت تؤمن بحديث نجلاء
"ما تشعرين به بداية مشاعر حقيقية القلب ينبض والجسد يرتعش لينبئان على حب قوي"
خدعت نفسها مغلقة عينيها عن حقائق ملموسة لها، ذهبت للعمل بعد يومين غياب لتجد المدير يتحدث معها بشكل مختلف، اعتذرت عن تغيبها المفاجئ لتجده يقول
"لا عليكِ أركان بيه أخبرنا بهذا، من الآن وصاعدا تستطيعين التغيب والمجيء في اي وقت يكفي أن تخبرينا عبر الهاتف لنرتب امر فصلك بغيابك"
شكرته و وعدته بالالتزام وذهبت لفصلها كي تستقبل الأطفال، ظهر أمامها بوجهه المبتسم خجلت من وجوده توترت وتسارعت نبضات قلبها.
اقترب ليعطيها ابنته في حضنها، تراجعت خطوات للخلف ثم مدت يدها لتأخذ الطفلة من يده.
طلب منها ان يأتي بآخر اليوم ليأخذهما كي يتناولوا طعامهم بالخارج، رفضت معتذرة منه
"حسنا أعلم تحفظك ولأجل هذا علينا أن نسرع بأمر الزواج"
طلبت منه وقت ليتعارفا سويا على بعضهم، حدثها بضيق لم يظهر على وجهه "كما تريدين امامك اسبوعين نتعارف بهم كما تحبين وترضين، والان ابنتنا بامانتك ساذهب انا لعملي"
نظرت له من الخلف محاولة فهم ما يقال لها كانت جوارحها تحاول اخبارها عن صلته بظلمها وهي تترجمها بأنها البدايات الجديدة التي تبدأ بغرابة في المشاعر.
بالمساء تحدث اركان مع امه عن تفاصيل حفل الزواج لتقول له
"لا يوجد حفل باي مكان سيكون هنا بالمنزل بين العائلتين ، يأتي كاتب العدل لينهي الامر"
فكر اركان قليلا متحدثا بعدها "وهل سنأتي بامام يقرأ القران ويبارك الزواج"
ردت امه بضيق "لا داعي لهذا أنسيت انها لا زالت زوجتك"
اندهش من حديث أمه التي أكملت
"ما بك ألم تفكر بهذا، هي لا زالت زوجتك أمام الله ما دمت لم تطلقها"
فرح اركان وتبسم لامه التي ازدادت غضبا وضيقا، هذه الفرحة جعلته يتشجع ويتصل بحياة اتصال هاتفي بعد أن رفضت ان يكون فيديو "اعتذر لاتصالي بوقت متأخر ولكني أردت أن اقوم بمفاجأة صغيرة لابنتي ستسعد كثيرا أن سمعت صوتك قبل النوم"
ردت حياة عليه
"بكل سرور وانا ايضا ساسعد بهذا"
وبقوة وثقة دخل أركان غرفة ابنته وهو يتحدث ويضحك ناظرا لآيلا بحضن عمها قائلا
"احزري من يريد التحدث معك"
فتح المكبر قائلا "قلبك تسمع"
رعد واهتز قلب سراج وهو يستمع لصوتها يخرج من هاتف أخيه، تحرك تاركا الطفلة وسط العابها وخرج من الغرفة على أنغام "لماذا انتِ مستيقظة حتى الان، نامت صغار الارانب"
أغلق الباب بقوة رافضا أن يستمع لباقي حديثهم، وهنا وصل اركان لغايته حين جعل اخوه شاهدا على علاقتهما.
وبعد اسبوعين و وسط ازدحام المدعوين كان اركان يدور بالمكان تأخذه خطوات اقدامه للعبث يميناً و يساراً لم تتوقف يده عن مسح عرق جبينه و رقبته من فرحته و حماسه وكأنهما يتزوجان بقصة حب كبيرة، تأخرت بخروجها ليزيد هذا من حرارة جسده حرك يده ليحرر رقبته قليلا من ربطة العنق التي احكمت بشكل جميل، نظر للمرة المليون لطقمه الرسمي ليتأكد ان كل شيء كما رسمه.
مرت الدقائق كالساعات الجميع من خلفه ينتظر تلك اللحظة و هم يفتحون كاميراتهم، خرجت حياة بفستان ابيض بسيط جدا تسير بخطوات بطيئة وكأنها خائفة، اقتربت يارا منه لتبارك لهما توترت نازلي من نظرات حياة على من تقربت لزوجها وقبلته من وجنته.
اقتربت نجلاء وخطيبها ليسلما على العروسين بفرحة كبيرة، مالت على صديقتها "ما بكِ خذي نفسا عميقا واخرجيه بهدوء، اصبحت عيناكِ كسحابة غائمة محملة بامطار الفرح".
اقترب دكتور يزن من سراج متسائلا
"ما بك هل دعس أحدهم على قدمك؟"
لم تسقط عيون سراج عن ايلا الفرحة بتنقلها بحضن ابيها ومعلمتها، كما لم تسقط أعين نازلي القوية عن مصطفى وامه، تم عقد الزواج ليقترب بعدها رجل يخبر مصطفى بوجوب ذهابه، طلبت حمدية أن تبقى قليلا ولكنهما تفاجأا باخراجهما من قبل الأمن دون حتى أن يودعا ابنتهما، وبعد عدة محاولات نجحت يارا بالاستفراد باركان لتدخل بحضنه رافضة أن يكون لغيرها، ظل صامتا متأثرا بحبها حتى أنه اخذ كأس* العصير منها وشربه كله كي لا يكسر *قلبها وعيونها الحزينة.
وبينما كان يشرب هو عصيره في ظل تقرب يارا منه محاولة اغوائه ليكون لها فقط، كان مصطفى يصارع سيارتين كبيرتين ظهرتا فجأة واحدة أمامه والاخرى ورائه حاول الابتعاد عنهما والهروب دون الاصطدام بهم او السقوط من الهاوية.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.