احكي يا شهرزاد
بقلم أمل محمد الكاشف
يصبح الصمـــود فرضًـا لا خيـارًا لك غيره عندما يكون التقدم والرجوع مؤلمًا، والوقوف أشد ألمًا من كلاهما.
……..
مد البغدادي يده مشيرًا نحو ابنته التي هلت عليهم لتوها قائلا:
" أعرفك إبنتي فاطمة زوجة المرحوم مدحت ابن عمك".
وقف البدري رافعًا عينيه ليمد بصره نحو المشار إليها، خفق قلبه متفاجأً بما رآه أمامه، تغيرت نظرة توته فور تعرفها عليه علقت عيونهما لثواني معدودة أخفض هو عينه بعدها لتصبح على امتداد الأطفال فاتحًا ذراعيه لهما قائلا:
" ما بكما تقفان بعيدا ألم تفرحا لرؤية عمكما؟"
تحدثت توتة قائلة لأولادها:
" اذهبا وسلما على عمكما".
تحرك باهي بخطوات مسرعة قليلا داخلاً بها في حضن من انحنى ليتلقاه ضامه لصدره ساحبًا بيده الأخرى من اقترب منه ببطء مغلقًا ذراعيه عليهما وهو يقبلهما ويطمئن منهما على أحوالهما مرددا لأكثر من مرة:
"اشتقت لكم ذهبتم دون عودة ألم تشتاقوا إلينا؟".
أخذهم وتراجع بهم خطوات ليجلس على مقعده وهو يحدثهم بحضنه.
أشار البغدادي لابنته نحو المقعد المجاور له كي تجلس بجانبه، استجابت توته لوالدها اقتربت لتجلس في المكان الذي أشير لها عليه لتصبح بهذا أقربهم لضيفهم.
تحدث باهي ليسأل عمه قائلا:
" لماذا لم يأتي فارس لزيارتنا كنا ننتظره أنا وأخي لنلعب بألعابنا الجديدة".
رد البدري على الصغير وهو ينظر نحو الحج بغدادي الذي لم تسقط عينه من عليه قائلا بحزن: " بالمرة المقبلة يا ولدي بالمرة القادمة سيأتون إليكم".
صمت البدري ليخيم على المجلس السكون لعدة دقائق قاطعه باهي وهو يتحرر من حضن ابن عم أبيه مقتربًا من أمه قائلا:
" أريد أن ألعب بالهاتف".
اتسعت عينيها لتحذره بصمت، رد بغدادي على حفيده قائلا:
" لا تتدلل وتطلب الممنوع هيا ادخل أنت وأخاك أجمعا العابكم من أرض الغرفة أو ألعبا بها".
قالها البغدادي ثم نظر بعدها لضيفه ليكمل حديثه: " نشروا العابهم بكل مكان في الغرفة استعدادا لقدوم صاحبهم".
حزن البدري اكثر من الأولاد، أراد أن يخبرهم بوجود ابنه معه لولا قلقه من الوضع وحالة الاحتقان التي رآها بأعينهم، صمت دون كلام ليتحرك الطفلين لغرفتهم تحت رعاية عينيه التي انتظرت اختفائهم ليبدأ حديثه الثقيل على قلبه قائلا:
" لا أعرف من أين ابدأ حديثي، رؤيتي لهادي وباهي فتحت النار بصدري من جديد وكأني اليوم فارقت الغالي".
ابتسم بحزن أكمل حديثه به:
" هادي روحه قريبة من أبيه بشكل يحرق الفؤاد".
عقبت شهرزاد على حديثه بحدة:
" نعم هو كذلك، محب وطيب ولا يحزن أحد منه يخاف على أمه وعائلته تماما كوالده".
علم بغدادي إلى أين سيصل حديث ابنته ليقطعها قائلا:
" أمك تنادي عليكِ".
لم تفهم عليه قطعت حديثها وهي تنظر خلفها نحو المطبخ متسائلة:
" هل نادت علي؟، أنا لم اسمعها".
أومأ البغدادي رأسه مغمض عينيه لوهلة قائلا:
" أنا سمعت اذهبي إليها لتساعديها".
فهمت على ابيها من نظرات عيونه جاءت لترفض ولكنها تراجعت أمام قوة نظراته التي صوبت نحوها، تحرك بضيق مستأذنه منهم متوجهة نحو المطبخ.
وبوسط هذه الأجواء الساخنة وجهَ البدري قبلته نحو فاطمة متعمدًا عدم رفع بصره عليها مخرجًا ظرف أبيض من جيب جاكيته الزيتوني ووضعهُ على الطاولة التي كانت تتوسط مقعديهما قائلا:
" أعتذر عن تأخيري بهذا".
نظرت توته للظرف ثم نظرت لأبيها الذي بدأ حديثه قائلا:
" جميل أتيت بنفسك لتعطيها مصروفها الشهري ممتاز، ولكن يا ترى يا هل ترى سيكون هذا آخر مصروف لها إن لم تخضع لمطلبكم أم أن لديها فرصة إن تعددت الخيارات والعروض أمامها".
رد البدري بحزن وخجل ظهراَ على وجهه قائلا: " جئت لأقدم اعتذاري عن ما اقترفته ناهدة ابنة عمي واخت الغالي بحق كريمتكم وإرغامها على الزواج بي بشكل يخالف شرع الله، فإن أرادت كريمتكم عدم قبولها الزواج فلها ما تريد، لم يعلم أحد منا ما قيل من قبل ناهدة وعند معرفتي بمحض الصدفة اصريت على أن آتي بنفسي لأقدم اعتذاري لحضرتك أولا ومن بعدك لزوجة الغالي، فلا أحد بالعائلة يمكنه الضغط عليها بحقها وحق أولادها حتى وإن كان أنا هذا الشخص، حقها الشرعي دين برقبتنا لا يمكن لأحد مساومتها عليه".
تنهد بغدادي بحزن تحدث به قائلا:
" لا اكذب عليك لا زلت غاضبا مما حدث لا اعرف هل أصدقك أم أصدق ما سمعناه من اخت المرحوم، ولكن بكل الأحوال احب ان اعلمكم انها ليست بحاجة لهذا الظرف فهي ستكمل حياتها بما تحب وترضى، انا لستُ بحاجة لمن يصرف على عائلتي لا تحملوا هم هذا أنا قادر على كفالتها هي وأولادها بشكل أكبر مما تظنون".
رد بدري بأسف شديد قائلا:
" لا استطيع مراجعتك لك الحق بكل ما قلته مع الأسف نحن المخطئون وكل ما يخرج منكم أنتم محقون به".
مد يده مشيرًا للظرف قائلا من جديد:
" هذا ليس بمصروفها الشهر بل هو حقها ونصيبها الشرعي بميراث زوجها، أعلم إنني بهذا اخالف عادات وقوانين العائلة، فكان عليّ أن أخيرها بأخذ حقها أو تركه ليربى لها حتى تطالب به وتأخذه نقدي، ولكن بعد ما حدث استصعب عليّ أن اخيركم ولهذا تصرفت بنفسي وكتبت باسمها منزل مكون من أربع غرف ومنافع في مدينة نصر، اعتذر لقول هذا ولكني سأقوله لإرضاء ذمتي أمام الله، المنزل جديد وتم تسليمه لي قبل سنة على الأكثر سعره يتعدى حقها الشرعي بقليل وبهذا أكون قد حررت رقبتي من ذنبها، رغبت سيتم تسجيل العقد بالشهر العقاري وإن لم ترغب به سأعطيها غدا نصيبها نقدي".
تفاجأ بغدادي بحديث البدري الجاد الصادق نظر لابنته متسائلا عن رأيها قائلا:
" أنا لا أحب أن أُدخل نفسي بهذه الأمور إن أرادت هي المال فلتأخذه، وإن أرادت المنزل لن أعترض الخيار الكامل لها".
وبمجرد بدأ فاطمة بتحدثها وسماعه لصوتها شعر البدري بصدى غريب يضج به قلبه رفع نظره لوجهها مستمعًا لما تقوله وهو لا زال مندهشا من مفاجئته هل كانت هي من يبحث عنها، قائلة بصوتها الحزين الشاكي:
" لا أعلم لماذا فعلت ناهدة هذا بي لقد جرحتني وأحزنتني أنا لم اؤذيها قط".
سعل البدري محاولًا الرد عليها قائلا:
" إن تكرمتي علينا فأنا اطلب السماح لها فهي لا تقصد هذا، يعني جميعنا يعلم غلاوة الغالي بقلوبنا وعندما سقط أمر الله علينا ومن بعده عودتكم للقاهرة شعرنا وكأن احد انتزع قلبنا وابتعد به عنا، من المؤكد أنها فعلتها لأجل محبتها و رغبتها بأخذ أولاد أخيها بجانبها".
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
تفاجأ شريف بزيارة أبيه له في الجامعة، سلم عليه ورحب به مصطحبه لمكتبه، سأله أمين عن شهرزاد قائلا:
" جئت لأتعرف على من ملكت قلب ابني و زوجتي، أين هي؟".
ابتسم شريف بقلب فرح:
" هذا يعني أنك لم تأتي لأجلي".
رد أمين على ابنه بنبرة ضاحكة:
" وما شأني بك أراك كل يوم بالمنزل قلت لنفسي لأتحجج بزيارتك وأتي لأراها عن قرب اكثر".
_ " مع الأسف أود أن أخبرك بأن من أتيت لأجلها بعطلة اليوم وأنا فقط من سيحظى بهذه الزيارة".
ضحك أمين مجيبًا على إبنه:
" كنت اعلم أن الحظ ليس بصفي ولكني لا أعلم أنه وصل لهذا الحد".
ضحكا بصوت عالي ومحبة كبيرة، تحدث بعدها شريف قائلا لأبيه :
" قل لي بماذا أضيفك يا أبي اليوم عيد بالنسبة لي فالملك ذات نفسه تنازل وجاء لزيارتنا".
_"اتركنا من الضيافة لا أريد أن أشرب شيء جميعهم من الممنوعات، أجبني ولا تتهرب لماذا لم تفاتحها حتى الآن أم أنك تراجعت عن اختيارك وصعد نجم جديد".
ابتسم شريف وهو يجيب والده:
" لا يوجد جديد ولكني أريد أن أتأكد من مشاعرها اتجاهي أخشى إن عدت بطلبي تعود هي برفضي".
حزن أمين مما سمع قائلا:
" وهذا أيضا موجود من الممكن أن ترفض لرد كرامتها أو تخوفها من وضع أمك بالمستقبل، اقترحت عليك من قبل أن تذهب أمك وتخطبها لك وتتحدث معها وأنت رفضت".
_" لا يمكنها ان تخطو خطوة كهذه وأنا خارج البلاد، كنت انتظر عودتي وايضا عليّ أن أتحدث معها أولا وإن رفضت فبالاخير لا يستطيع أحد تغيير قدره".
أومأ أمين برأسه قائلا:
"طلبت منك أن تحدثها قبل سفرك كي نقرأ الفاتحة ومن ثم تتوكل على ربك ولكنك بعندك هذا أضعت الفرصة من يدك".
رد شريف ليجيب أباه:
" كنت بحاجة للتأني ومراقبة الوضع كما رأيت ما فعلته أمي مع الفتاة وتغيرها الذي كان واضح جدا، شهرزاد فتاة ذكية جدا وستتفهم الأمر هي ليست بصغيرة أو عاطفية ليمر عليها تغير أمي ومن بعدها الخطبة دون ربط بينهما، أخبرتك حينها أنني لا أحب الارتباط بهذا الشكل اردت ان اشعر بحقيقة مشاعرنا المتبادلة".
رد أمين على ابنه قائلا بجدية:
" أنت تعلم أنني أعطيتك الحق بهذا ولكن الآن وبعد مرور كل هذا الوقت هل يعقل ان تقول وتعيد نفس الكلام ألم تثق بمشاعركم حتى الان".
_" أنا شرحت ما سبق للتوضيح فقط، ولكني أخبرتكم أنني اقتربت من هذه الخطوة".
ضحك أمين بحزن:
" وكم سنة تبقت على هذه الخطوة التي اقتربت يا ترى".
ابتسم شريف قائلا:
" بدأنا الاستجواب من جديد، تمام سأجيب عليك ليرتاح قلبك كنت سأتحدث معها اليوم ولكنها كما رأيت حطمت أحلامي واحلامك معًا".
رد أمين مازحًا:
" لا تخيفني منها يكفينا أمك علينا، يجب عليها أن تأتي مطيعة لينة وبشوشة هلكنا ونحن ندلل ونطيع، نريد أن نفرض أنفسنا ونتدلل قليلا".
ضحك شريف متحدثًا بصوت علا بضحكته:
" لا تقلق من هذه الجهة، من الواضح أننا سنستمتع بالدلال حتى نسئم منه".
_" ما دمت ضحكت هذه الضحكة التي نعلم خفاياها فمن المؤكد أننا سنقضي ما تبقى من حياتنا بدلال زائد عن حده بكثير".
رد شريف على أبيه:
" اشتم رائحة شخص يتذمر بعد مرور خمسة وثلاثون عامًا".
_" لا أبدا حتى انهم مرو علي وكأنهم خمسة وثلاثون يومًا بالتمام والكمال".
ضحكا من جديد ليدعو أمين لابنه:
" أسعدكم الله وحفظكم لو لم أتأكد من أنها جيدة وذات أصول ما كنت وافقتك لا من قبل ولا من بعد حتى وان استقريت بالمريخ ضع هذا بعقلك".
وبغرور رد ابنه عليه قائلا:
" وهل سيسقط ابنك بغير ذلك".
عاد أمين لضحكه قائلا:
" لا تثق كثيرًا لا يقع إلا الشاطر انظر أمامك واتعظ".
_" سأقول لأمي لنرى من منا سيتعظ".
أكمل أمين ضحكه قائلا:
" ملفك عندي أن فعلتها سأفضحك دون رحمة".
_"وهل ستبيع ابنك بعد كل هذا العمر".
رد أمين بنبرته الضاحكة:
" العيب على من بدأ".
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
وبينما هم يضحكون بحب كبير كانت أمال تدخل الصالون مرحبة بالبدري بوجه أخبر بغدادي عن سماعها لحديثهم.
اقتربت شهرزاد لتضع عصير المانجو أمام ضيفهم ومن ثم وضعت بجانبه طبق مملوء بالحلوى قائلة: " تفضل عافية لك".
نظر للعصير ثم نظر لحدة شهرزاد وهو يقول داخل نفسه: " لن اندهش إن مزجتهُ بالسم".
تحدثت أمال بوجهها البشوش لتسألهُ عن فهمية العائلة، ناهدة، جميلة، ليرد عليها متعجبًا من حالتها الفرحة الغير متوقعة قائلا:
" الحمدلله جميعهم بخير لا ينقصهم سوى رضاكم".
ردت أمال بقلب سليم:
" رضي الله عنكم يا بني، كنا نظن أنك ستأتي بأطفالك، باهي وهادي تحمسوا كثيرا منذ أن سمعوا بخبر مجيئك".
قاطعت شهرزاد حديثهم قائلة لأمها:
" هل لا زالت النار مشتعلة أسفل الزيت".
اتسعت عيني أمال مسرعة نحو المطبخ وهي تردد " بسم الله استر يارب".
وبهذه اللحظة كان بغدادي ينظر بضيق نحو شهرزاد التي اعتلت وجهها ملامح الراحة بعد أن قطعت حديث أمها مع ضيفها وارسلتها بعيدًا عن الأجواء.
جاءت لتتحدث لولا سماعها صوت اتصال هاتفي أجاب عليه البدري متحدثًا بصوت منخفض: " تبقى القليل لن أتأخر".
صمت ليستمع للمتحدث الذي أخبره بتقيؤ سلمى من جديد، ليرد عليه بنفس نبرته المخفضة:
" ليس وقتها الآن، تمام دقائق وسآتي".
أنهى حديثه واغلق الهاتف مستمعًا لصوت البغدادي الموجة قائلا:
" لا يوجد ذهاب قبل ان تأكل معنا".
وقف البدري قائلا بأسف:
" شكرا لك لا داعي لهذا يكفي أن تسامحنا بحقكم".
خرجت أمال مسرعة من المطبخ وهي تؤكد على بقائه وتناوله الطعام الذي أعدوه له، ليعتذر منهم ويعدهم انه سياكل بالمرة المقبلة.
رد بغدادي بضيق قائلا:
"ما بك هل جئت لتقلل منا في منزلنا؟، ماذا إن فعلتها بك ورفضت استضافتك وطعام منزلك!".
رد البدري بسرعة موضحًا:
" العفو منك أنا لم اقصد التقليل من شأنك، الله عليم بقدركم لدينا، ولكني على عجلة من أمري، أسمح لي هذه المرة وأعدك أن أكرر زيارتي ونيل شرف تناول الطعام في منزلكم".
رن هاتفه من جديد ليفتحه مجيبًا عليه:
" ها أنا قادم إليكم".
اقتربت شهرزاد من أبيها لتهمس له بصوت منخفض كي يترك ضيفهم يذهب.
ابتعد بغدادي عنها وهو يستمع لزوجته التي تحدثت:
"من كان يبكي على الهاتف ولماذا أنت على عجلة من أمرك، تناول وجبتك ومن بعدها اذهب للمكان الذي تريده على الأقل لأجل تعبي بأعداده".
خجل البدري وتحرك خطوتين اقترب بهم من توته، صعق حين انتبه من قربهما مبتعدًا بسرعة كمن أصابه تماس كهربائي استغرب الجميع من ردة فعله وسرعته بالابتعاد عن ابنتهم.
تمالك نفسه قائلا:
" لكم ما طلبتم ولكن اسمحوا لي بقليل من الوقت نصف ساعة أو ساعة على الأكثر وأعود إليكم من جديد".
رد بغدادي ليسمح له أمام تعجله بالخروج قائلا:
" كن على راحتك المهم اننا سننتظرك لتعود وتنضم إلينا على الطعام".
تحرك نحو الباب وهو يفتح هاتفه:
"ها أنا آتي إليكم".
تحدث البدري بصوت رغم انخفاضه إلا أن أمال سمعته من شدة اهتمامها بأمره.
سألته أمال بفضول كبير:
"هل ينتظرك أحد بالأسفل، كما أنني سألت عن من يبكي على الهاتف ولم تجب عليّ، خير يا بني ما العجلة بأمرك".
تدخل البغدادي بحديثهم ليسأله هو أيضا قائلا:
" وأنا شعرت بهذا إياك أن يكون معك أحد وتركته ينتظرك بالشارع".
تحدثت شهرزاد لأهلها بضيق:
" ما بكم فتحتم تحقيق مع الرجل فليذهب بسلام ويعود وقتما أراد اعني بعد ان ينهي عمله…
قطعت شهرزاد كلامها أمام نظرات أبيها الغاضبة قائلة:
" قلتها لأجل أن لا نثقل عليه".
تلجم لسان البدري بالرد لم يستطيع نفي ما يقولونه، كما من الصعب اخبارهم بأمر أطفاله الذين ينتظرونه بالأسفل كي لا يزيد الأمر سوءً.
وجهت فاطمة سؤالها الصريح له بصوتها الهادئ قائلة:
" هل كان صوت سلمى! أهي بالاسفل؟".
باندهاش ردت أمال قائلة:
" ليس لهذه الدرجة هل نحن سيئين بنظركم لهذا الحد!"
تدخل بغدادي قائلا بتعجب:
" لا اعرف هل أتيت للاعتذار أم لإهانتنا".
وأخيرًا وجد البدري الفرصة ليتحدث بين أحاديثهم مدافعًا عن نفسه وهو يخفض صوت الهاتف الذي توالى اتصالاته من قبل إبنه:
" العفو منكم أنا لم اقصد هذا ولكن بعد ما صدر عن ابنة عمي من تعدي للحدود جعلني أكتفي بصعودي بمفردي كي لا أزيد الوضع سوءً وخاصة أن سلمى مريضة قليلا، لا شيء كبير اعتقد انه حدث لطول الطريق والآن اسمحوا لي يجب أن انزل لها على وجه السرعة بالأذن منكم سأعود مجددًا".
خرج البدري على عجل ليخرج البغدادي خلفه وهو يستمع لأمال توصيه أن يضغط عليه ليأتي بالأطفال.
نظرت شهرزاد لأمها قائلا بضيق:
" ما هذا الحب الذي نزل عليكِ فجأة هل سحر لكِ من أول نظرة".
ابتسمت توته لأختها قائلة:
" انتبهي على نفسك لا حيل لي اليوم كي أدافع عن شعرك".
ضحكت شهرزاد مبتعدة عن أمها:
" لا تقلقي أنا لها أنا لها، كله فداء أختي الجميلة".
نظرت أمال للظرف قائلة لبناتها:
" والله انه رجل بحق لقد علا بنظري أكثر".
تحدثت شهرزاد بصوت ضاحك أرادت به أن تشاكس أمها قائلة وهي تحرك يدها على خصرها :
" النقود تغيير ما بالنفوس يا موووول، أقول ماذا ان اخرج ظرف آخر و وضعه أعلى الأول"
ضحكت أمال مقتربة من توتة وهي تميل عليها " حينها سأخلع أبيكم واتزوج أنا به".
علا صوت ضحكهم الذي قطع بسماعهم صوت بكاء الطفلة يقترب منهم، دخل بغدادي المنزل من جديد قائلا: "تفضل يا ابني".
رأفت أمال بحالة الطفلة قائلة بحزن:
" هل تقيئت على ملابسها؟".
رد البدري بخجل منهم:
" أنه أمر بسيط سأبدل لها ملابسها وستهدأ بعدها".
اقتربت توته منه لتحمل سلمى عنه وهي تحدث الصغيرة:
" تعالي معي لأغسل وجهك وأبدل لكِ ملابسك".
رفضت الطفلة محاولة الالتصاق بأبيها الذي أبعدها عن ملابسه، سحبتها توته من بين يديه قائلة لأبيها:
" عليك تحمل صوتها قليلا".
تحركت بها نحو الحمام تاركة أهلها وضيفهم بحالة ذهول، بالنسبة لأهلها استغربوا من حالة ابنتهم واخذها الطفلة من يد ابيها بهذه الجرأة، أما بالنسبة للبدري فليس بجديد عليه سحب ابنته من يده واخباره أن يتحمل بكائها فهذا ما تفعله العائلة حين يريدون مساعدته بابنته العنيدة ولكن ما جعله بهذه الحالة اقترابها منه وتحدثها معه بتلقائية كبيرة وكأنهما يعرفان بعضهما من قبل.
نظر بغدادي لضيفه قائلا:
" اجلس أنت وأنا سأنزل لأضغط على حامد كي يصعد للأعلى".
رد عليه البدري بصوته المتعب:
" صدقني من الصعب إقناعه بهذا، كما قلت لك لم يدخل سرايتنا ولو لمرة واحده فكيف تريده أن يدخل منزلكم، هو شخص متحفظ بشكل كبير من مثله اختفوا و اندثروا من عالمنا".
اومأ بغدادي رأسه لتتحدث شهرزاد قائلة:
" على الأقل فليصعد الصغير، لا ذنب له بالبقاء بالأسفل، لا تكن شديد لهذه الدرجة أاذن له ليلعب ويفرح مع باهي وهادي".
تحرك البدري وهو يستمع لأمال التي تستأذنه أن يسمح للطفل أن يلعب مع الأولاد:
" والله لو ترى كم كانوا ينتظرونه بفرح"
بحث عن ابنه حوله ثم اقترب بسرعة ليفتح الباب بخوف ليجده يقف جانبًا ينتظر أباه الذي أخذه بحضنه فور رؤيته قائلا:
" لماذا تقف عندك هكذا".
أسرع الجميع لينظر نحوهم وهم يستمعون للولد الذي برر لأبيه قائلا:
" لم يؤذن لي بالدخول".
قبله والده وتحرك به للداخل قائلا:
" كان عليك ان تتصل بي، لا تقف وحدك بهذا الشكل مرة أخرى، أنت تعلم يا بني سلمى تهدر حقنا دائمًا و لكني لدي مفاجأة لك".
علا صوت باهي الفرح من الخلف:
" فارس" اقترب ليحتضنه ويسحبه معه لغرفتهم كي يلعب بألعابهم وعند اقترابه من الغرفة سلم عليه هادي بخجل يشبه كلاهما.
فرح الجميع لفرحة الأولاد دخلت شهرزاد غرفتها لتساعد اختها التي كانت تتحدث مع الطفلة محاولة تذكيرها بها و بأولادها.
فتحت شهرزاد باب خزانتها لتأخذ منها حقيبة ورقية مقتربة من الطفلة وهي تخرج منها ربطات شعر بألوان زاهية مطعمة بوجوه حيوانات و فواكه و ورود، أعجبت توته بجمالهم لتخرج شهرزاد طوق رأس قطيفة مزين بالورود اعطتهم للصغيرة وهي تحدثها بفرح كي تصمت عن بكائها الذي هدأت نبرته قليلا.
تحركت سلمى من بينهم ونزلت من اعلى الفراش وهي محتضنة لما اهدوها به لتخرج من الغرفة، تحدثت توته قائلة:
" ليس بعد، عليّ أن أمشط شعرك واضع لك هذه الرابطات الجميلة".
رفضت سلمى وهي تعود لبكائها ليسمحوا لها بالخروج من الغرفة والذهاب لوالدها كي تلقي بنفسها داخل حضنه.
رفعها ابوها بحضنه لتجلس على إحدى ارجله شاكرًا لتوتة ما فعلته دون النظر لها.
أكمل بغدادي حديثه قائلا:
" لا عليك كما أخبرتك أخت واخطأت بحق أختها، فهمت عليك نحن أهل ومدحت كان غالي بقلوبنا ومن الطبيعي أن يحزنوا على فراقه".
تحركت توته وعادت لتجلس مكانها مادة يدها نحو البدري بالفرشاة قائلة بصوتها المميز:
" لم ننجح بهذا".
رفع نظره عليها وهو لا يصدق انها هي، صوتها وصورتها يقولان أنها هي، فرحت أمال بهذه النظرات تجاه ابنتها لتتحرك بصدر البط مقتربة من مائدة الطعام كي تضعه في المنتصف وهي سعيدة.
أتت شهرزاد من بعدها وهي حاملة طاجن البامية لتضعه جهة اليمين، خرج باهي من الغرفة راكضًا نحو عمه البدري قائلا:
" عمي ااذن لفارس أن يلعب معنا بالألعاب".
وبعد أن مشط شعرها الصغير أعطى الفرشاة لابنته وهو يرد على باهي بابتسامة متعبة:
" إن أراد فليلعب ليس لدي مانع".
رد باهي شاكيا لعمه:
"قل له ليلعب معنا فهو يقول لا يمكنني اللعب بألعاب الغير".
استدارت شهرزاد لتنظر للبدري وهي مبهورة بأدب فارس قائلة بنبرة ضاحكة:
" والله اندهشت من أين وجدتم هذا الإصدار النادر، هل لا زال بيننا طفل يستأذن للعب والله أغلق عليّ الباب ليلا كي لا يحدث سطو على اغراضي أثناء نومي، من يراه لا يمكنه أن يصدق اخوته مع سلمى".
ضحك البدري وشكرها على إطرائها قائلا:
" نعم سلمى طراز خاص جاءت لتهدر حقوقنا جميعًا".
وصل لهم صوت نداء أمال على ابنتها لتكمل نقل أطباق الطعام معها.
تحرك بغدادي ليأخذ طعام السائق كي ينزله له، بهذا الوقت وجدت توته الفرصة الجيدة لتفضي ما بقلبها قائلة للبدري:
" اعتذر منك أنا لا أريد هذا المنزل يا ليتك خيرتني قبلها".
رد عليها باهتمام وجدية قائلا:
" لا زال العرض متاح ان اردتي نصيبك نقدي أسحبهم غدًا واعطيهم لكِ".
ردت توته بسرعة قائلة:
" لا أنا لست بحاجة للنقود بصراحة فكرت بالأمر من قبل وقررت أن اتركهم أراضي حالهم حال أراضي وأملاك أولادي ليكبروا ويربوا لهم فأنا لستُ بحاجة إليهم الحمدلله لدي مال يكفيني أن أكمل حياتي دون الحاجة لأحد".
رد البدري عليها ليراجعها:
" زيادة الخير بركة، الأولاد لديهم ما يكفيهم هذا حقك أنتِ "
ثبتت توته على رفضها قائلة:
" هذا ما أريده سأترك نصيبي لأولادي".
اومأ البدري رأسه مجيبًا عليها:
" في حين الجميع يطلبون أموالهم واموال أولادهم فاجأتيني أنتِ بقرارك، حسنًا لكِ ما تريدين".
_" شكرا لك على تفهمك وتحملك عبئ مسؤولية أراضي الأولاد".
نظر لها متحدثًا بصوته المتعب:
" ياليت كل المسؤوليات شبه مسؤوليتكم".
تنهد بحزن أكمل به:
" لم أتوقع أبدا أن تفعل ناهدة ما فعلته سامحها الله هي أيضا أرادت الخير لأولاد أخيها ولكنها محت عقلها وقلبها وهي تتحدث بهذا الجرم بحقك، كلما تذكرت أشعر بالخجل من هذا، بالمناسبة الحاجة فهمية مريضة منذ عودتها من آخر زيارة لكم لا تأكل ولا تشرب كالسابق وكأن روحها اشتاقت لحبيبها".
ردت توته وهي ناظرة للأرض بعيون دامعة:
"أعطاها الله الصحة والعافية كيف تفعل هذا ألم تعلم غلاوتها بقلب أحفادها والله إنهما لن يتحملا فقد آخر".
رفع البدري يده ليضعها على جبهته متألمًا من صداع رأسه دون صوت.
نظرت توته للطفلة قائلة: " نامت سلمى".
نظر البدري لابنته قائلا:
" الحمدلله فلتهدئ قليلا وتعتق أرواحنا لنرتاح نحن أيضا".
ردت توته لتهون عليه:
" أعلم أنها متعبة وعنيدة ولكنها ستتغير عندما تكبر".
ابتسم البدري ناظرًا لابنته بحزن:
" متى سيأتي هذا اليوم فليكبروا ونكبر معهم لنرتاح من هموم واثقال الشباب".
رفعت توته نظرها على استحياء قائلة له:
" إن أردت يمكنني أن أجلب لك مسكن للرأس".
رفع عينه هو أيضا متفاجأ بالتقاء عيونهم وملاحظتها لألمه اسرع باخفاض عينه للهرب منها قائلا:
" لا يمكن لأحد أن يقترب من صديقي الصدوق فكيف سأعيش إن ذهب ألم الرأس، شكرا لكِ أستسمحك فقط أن أضع سلمى على الاريكة واذهب لأغسل وجهي ويدي".
وقفت توتة قائلة:
" أعطني إياها أنا سأنيمها بغرفة شهرزاد بعيدًا عن أصوات الأولاد".
اقتربت منه قليلا على حذر لتأخذ الطفلة التي ألقاها بين يديها بسرعة ضربات قلبه مبتعدًا عنها قائلا بتوتر: " أين طريق الحمام".
ضمت توته الطفلة بحضنها وهي تسمي عليها، تحدثت أمال من الخلف قائلة:
" الحمام من هذه الجهة تفضل خذ راحتك".
تحرك البدري نحو الحمام وهو يسعل بصوت عالي: " يا رب يا ستار".
ردت أمال من جديد:
" تفضل يا بني لا يوجد أحد".
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
ذهبت شهرزاد لغرفة الأولاد لتطمئن عليهم لتجد فارس قد خجل من وجودها، ابتسم وجهها أخذه من الحلوى التي بالطبق كي تعطيها له ولكنه رفض اخذها منها قائلا:
" شكرا لكِ لا اشتهي الآن".
استغربت شهرزاد من حالته لتنظر لأولاد أختها غامزة لهم:
" هل رأيتم أداءه أريد مثله، من الآن فصاعدا لن أقبل أقل من ذلك".
جاءها اتصال على هاتفها نظرت للساعة باستغراب ثم فتحت لتجيب قائلة:
" السلام عليكم".
رد عليها أستاذ شريف قائلا:
" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أستاذة شهرزاد معي؟".
باستغراب أجابت بنبرة تردد:
"نعم أنا ولكن كيف يعني أنا لا أفهم".
ابتسم شريف مكملا بجدية:
"أريد التحدث مع الأستاذ البغدادي هل هو متاح من فضلك".
رفعت يدها لتحك رأسها قائلة داخلها دون صوت:
" ليس وقت هذيانك ما بك!".
ناداها شريف حين صمتت:
"أستاذة شهرزاد هل تسمعيني؟ أريد التحدث مع والد حضرتك بأمر شخصي للغاية هل تسمحين لي؟".
مسحت كفها على وجنتيها وهي مرتبكة ليكمل شريف قائلا:
"تمام وصلتني إجابتي سأعاود الاتصال على هاتفه من جديد".
خرجت عن صمتها قائلة:
" أنه مشغول الآن، لدينا ضيوف من الصعيد إن اردت شيء أستطيع أبلغه به".
رد مجيبًا عليها:
" كنت أتمنى ان أبلغ حضرتك به ولكنه خاص جدا ولا يمكنني إخبارك به قبلهُ، يعني أحب أن اتبع نظرية الدخول من باب المنزل عوضًا عن نوافذه".
انذهلت مما فهمت لينهي هو حديثه الجاد بسرعة:
" تمام إذا سأتصل به بعد عدة ساعات من الآن أعتقد بعد العشاء سيكون مناسبًا، إن تفضلتي علينا أخبريه أنني أريده بأمر هام ومصيري لا يمكن تأخيره أكثر من هذا، اتركك لضيوفك السلام عليكم".
لم تصدق شهرزاد ما دار بينهما وما تحدث عنه هل اتصل ليطلب يدها من أبيها؟، راجعت نفسها قائلة:
" لا اعتقد انه بدون عقل لهذه الدرجة".
خاف وجهها وخجل وهي تقول:
" والله انه لهذه الدرجة وأكثر، بأي ابتلاء ابتليتنا يارب هل نصيبي أن أقع به من دون الرجال، والله ان البدري أهون علي من عقله هذا".
فكرت شهرزاد قليلا لتبتسم قائلة:
" ولكنه أصبح الموت لديه أفضل بكثير من شخص مثلي، أوف يا شوشو ألم تضعي بالحسبان أن من الممكن احتياجي إليه".
سخرت من كلامها ومزاحها تحركت نحو المطبخ لتكمل التجهيزات.
صعد بغدادي من الأسفل وباشر بترتيب المائدة والاطعمة عليها لتقترب أمال منه قائلة بصوت ضعيف قائلة:
" تحدثا سويا قبل قليل، أخبرته توته بقرارها السابق وتنازلت عن الأموال والأملاك لأبنائها".
سألها بغدادي بجدية واهتمام
" وماذا كان رده يا ترى".
_"ماذا سيقول عارضها قليلا ومن بعدها تركها على راحتها".
تحدث بغدادي لزوجته قائلا:
" والله الرجل يزداد بعيني يوما بعد يوم هكذا هم الرجال".
_" ما رأيك أن نتريث بردنا على طلبه، والله الرجل فرصة لا تعوض يعطيه الواحد منا أمانته دون خوف".
نظر بغدادي حوله قائلا بصوته المنخفض:
" لا يمكننا جبرها على ما لا تريده إن أرادت ان لا تتزوج بعد زوجها فلها ما تريد".
تنهدت أمال بحزن قائلة:
"كلما تذكرت حالها ألمني قلبي عليها".
قطعت أمال حديثها عندما رأت توتة تخرج من غرفة شهرزاد مقتربة منهم قائلة:
" سأرى شهرزاد لنأتي بباقي الأطعمة قبل أن يبرد ويصبح بلا طعم".
تحركت للداخل لتصادف خروج البدري من الحمام وهو يرفع شعره للخلف ومن جديد أعطى ردة فعل أكبر من حجمها حين تراجع خطوات للخلف مخفضًا عينه احترامًا لها فهم لم يعتادوا أن يرفعوا أعينهم بنساء العائلة.
وبينما الجميع كان يهتم بضيفهم كان هو يهتم بإطعام ابنه وأولاد أخيه بفمهم، تحدثت أمال لتطلب منه ان يتركهُ من الأولاد ويأكل هو ليجيبها حفيدها الصغير:
" سيقول لكِ أنا أشبع بإطعامهم".
ضحك الجميع على كلام باهي السابق لعمره، لم يصمت بلسانه وجرأته التي تضفي عليه سحر خاص به .
رد البدري بفرح قائلا:
" أرى أنك ما زلت تتذكر ردودي أيضا".
تحدث هادي بهدوء وصوت منخفض من خجله قائلا:
"هو يحبك باستمرار يتذكر اطعامك لنا بالسرايا ولعبك معنا أنت وأبي بالكرة".
خفق قلبه ألما وحزنا ملئ به عينيه التي نظرت لهادي، قائلا :
" وانا أيضا احبكما اكثر مما تتخيلون، ما رأيك في أن نكررها عند زيارتكم لنا، نلعب ونركض واطعمكم بيدي حتى تسأموا مني".
رد باهي ليصدم الجميع قائلا:
" هل سنذهب معك بعد أن تصبح مكان ابي؟".
همت أمه لترد عليه لولا أن بادر البدري برده:
" لا أحد يمكنه أن يملأ مكان ابيك لا بقلبك ولا بقلوبنا جميعًا".
حزن الطفل وكادت أن تدمع عينيه وهو يقول:
" ألم تأتي لأخذنا للعيش معكم أنت وجدتي كالسابق".
نظر الجميع لبعضهم البعض منصدمين مما يقوله، اسرعت أمال بالرد على حفيدها لتصدم الجميع أكثر بردها:
"ولما لا يا قلبي، لا أحد منا يعلم ما تحمله الأيام لنا، تناول طعامك يا روحي ولا تفكر بشيء الآن".
سعل بغدادي من مفاجأته فكان حديث أمال أشبه بموافقتها على الزيجة، وصل إليهم صوت بكاء سلمى التي وصلت للصالون باحثة عن والدها.
تحرك ليحملها هامسا لها:
" يكفيكِ بكاء وردتي الجميلة لا تبكي عيونك ستحزن منكِ".
دفنت الطفلة وجهها بكتف ابيها لينظر هو للحج بغدادي: " شكرا لكم سلمت أيديكم".
تحدثت أمال قبل بغدادي قائلا:
" لن أقبلها منك قبل أن تتذوق طاجن العكاوي الخاص بي، اجلس لا زلنا بأول طعامنا".
وبرقي أجابها البدري:
" من المؤكد أنه بجمال الباقي ولكني حقا اشبعت بطني".
تحرك فارس ليقف هو أيضا، تحدثت شهرزاد:
" والله علي أن أصورك واحتفظ بصورتك لتعطيني الأمل بجيل المستقبل".
ثم نظرت للبدري مكملة:
" أنصحك أن تحافظ عليه ولا تتركه يلعب كثيرا مع الأولاد".
وأشارت بتخفي وضحك نحو أولاد أختها.
ابتسمت توته مدافعة عن أولادها:
" أنتِ هكذا دائما تظلمينهم دون وجه حق".
نظرت شهرزاد لوجوه أولاد أختها ليضحكا لها بخبث جعلها تكمل:
" لم ارتاح لهذه الضحكة هل ستعاقبوني بعد ذهابهم".
عاد البدري لمكانه على المائدة لأجل خاطر فارس كما بدأ بإطعام ابنته واحدة واحدة بصبر وبحب.
سبحان من ألف القلوب ورسم الضحكة على الوجوه ونزع الرهبة والحزن والضيق من النفوس .
فلا أحد منهم كان يتوقع جمال جلستهم وأحاديثهم الجميلة عن مدحت والصعيد والأولاد، اعجبت أمال بأخلاق البدري وصبره على تحمل ابنته فكان يهتم بصغاره والرد عليهم وسط أحاديثه مع الباقين.
حتى شهرزاد أعجبت بشخصيته التي أثبتت أنها تستحق ما يقولون عنها. ولكنها لا زالت تراه غير مناسب لأختها التي يتوجب عليها أن تكمل دراستها وتعيش بجانبهم دون أن تضطر للبعد عنهم.
وبعد انتهائهم من تناول الطعام وشرب الشاي بعده نظر البدري لساعة هاتفه ثم مد يده ليأخذ ظرف أوراق عقد المنزل.
بهذا الوقت شعرت أمال انه يستعد للذهاب تحركت بسرعة ونادت على زوجها لتأخذه معها للغرفة متحججة باحتياجها لشيء منه.
دخل البغدادي الغرفة متسائلا:
" ما بكِ ماذا تريدين سحبتيني بهذا الشكل أمام الضيف".
_" اتركهم بمفردهم ليتحدثوا على راحتهم قليلا لعل وعسى ليس بعيد على الله أن يلطف قلوبهم".
رد البغدادي بقوة تحذيرية قائلا:
" أمال بدأت أفقد صبري يكفي ما افصحتي عنه ونحن على مائدة الطعام، تبقى القليل لتفتحي أمر الزواج و توافقين عليه".
تنهدت أمال بحزنها على ابنتها قائلة:
" ماذا افعل؟ نعم إن كان الأمر بيدي كنت تحدثت وفتحت الموضوع من جديد، ألم ترى حالة باهي وحبه له حتى هادي الذي يخجل من الغريب كان على طبيعته مع عمه، الأولاد قريبون منه يحبونهُ و يحبهم حتى تعلق الولد وتأمل بالعودة لحياته السابقة وسط اهله وعزوته".
_" وهل هو بالشارع، هو أيضا بين أهله وعزوته".
ردت أمال محاولة إقناع زوجها:
" يا حاج الرجل كالذهب والله ان كنت اعلم انه بهذا القدر كنت فعلت كما فعلت فهمية حين أرادت تزويجه ابنتها البكر، حتى أقول لك ندمت الآن على الاستهزاء بكلام مدحت وعدم التفكير بجدية بأمره هو وشهرزاد اتضح أن ابني كان يريد لنا الخير".
رد بغدادي بغضب:
" لاااااا أنتِ فقدتي عقلك بشكل كامل اتركيني لأخرج للرجل حتى لا يكون عيب علينا".
وقفت أمال أمام الباب لتمنعه قائلة:
" لا. سندعهم ليتحدثوا قليلا الشرع سمح لهم بهذا اتركهم ولا تثقل قلبي".
أعاد البدري الظرف لجيبه ملبيًا رغبة زوجة ابن عمه التي لا زال يتعمد عدم النظر لها.
وجدت فاطمة الفرصة الجيدة لتتحدث إليه قائلة:
" لا أعرف على أي شيء سأشكرك هل على انقاذي بيوم هجوم البقرة عليّ ام على مساندتك ومساعدتك لنا بأمور الإرث".
ابتسم البدري قائلا:
" سبحان الله لو لم أخرج بهذا الوقت كانت انهتك على الاخير، كيف لم يخطر ببالك التصدي لها لو حاولتي امساك حجر و رفعتيه بوجهها كان انتهى الأمر".
ردت توته بعصبية وقوة عليه:
" هل أنا المخطئة الآن تتركونها دون رباط تهاجم المارة، ومن لم يتصدى لها تتهمونه بالضعف والخطأ".
أخفى ملامح الابتسامة من على وجهه ليرد بجدية منقوصة:
" لا أنا لم اقصد هذا، قلتها لأنها بقرة مسكينة تخاف من الأطفال إذا رفعوا يدهم بوجهها، بالأصل لا يمر غريب من هذه الجهة الخاصة بنا والجميع يعلمون بحالها حتى أولادك يتسابقون معها و يثيرون غضبها ويتصدون لها أيضا".
حزنت توته عندما تذكرت اخوات مدحت وما فعلوه بهذا اليوم بها، صمتت شاردة قليلا تاركة عقل من بجانبها يفكر كيف سيخرج من هذا الوضع الصامت.
تحدثت هي من جديد قائلة:
" ومع هذا عليّ شكرك، كان يود مدحت التعرف عليك لشكرك ولكني لم أرك بعدها".
تنهد بحزن قائلا:
" سبحان الله رغم قربي من المرحوم إلا ان القدر لم يسمح بلقائنا في حياته، لنقل اللقاء نصيب ومكتوب".
على خجل ردت توتة:
" أريد أيضا أن اعتذر لك عن ما صدر من باهي على مائدة الطعام، رغم أننا تعمدنا عدم التحدث بهذا الموضوع أمامهم إلا أنه فاجأني بمعرفته وسماعه أطرافه".
اسرع بإجابته عليها قائلا:
" وهل ينتظر المرء الاعتذار عن ما يصدر من أولاده، أنتِ لا تعرفين قدر أولاد مدحت لدي أقسم أنهم بقلبي كأولادي بالضبط وما قاله باهي افرحني وبنفس الوقت أحزنني".
ردت محاولة اغلاق الموضوع كي لا تخجل اكثر قائلة:
" شكرا لك والأولاد يحبونك أيضا ستظل عمهم المقرب والمحبوب لديهم دائما".
أكمل حديثه الذي كان يخرج من بين ثنايا جرحه النازف قائلا:
" لا أكذب عليكِ عندما أتت الحاجة فهيمة وضربت بوجهي أمر الزواج لأجل أولاد وحيدها تزلزلت وتخبطت، سقطت بحزني مجددًا كيف بالوقت الذي أقنع نفسي بأنه لازال حيًا يستقر بمكان بعيدًا عن أعيننا يطلبون هم مني أن أصبح مكانه، أقسمت له أني سأحرق كل يوم بهذا، بقيت روحي معلقة جزء مني رافض أن يحل محل أخيه والجزء الآخر يريد ان يضم أبنائه بحضنه وتحت عينه ليحميهم من غدر الزمن".
قطع حديثه وصول بغدادي ومن خلفه أمال غاضبة على خروج زوجها عن سيطرتها، اعتذر بغدادي لتأخره عليه وجلس بجانب ابنته لتجلس أمال قبالة البدري الذي تحدث مكملا:
" العفو منك لم تتأخر بالأصل كنت أتحدث مع كريمتكم كيف كانت حالتي عندما أتت الحاجة فهيمة وطلبت ما طلبته لأجل الأولاد، نعم حزنت وتخبطت وانقسم فؤادي لأجل هذا، فأخذ مكان أخي المقرب لي ليس بسهل عليّ، أعلم أنكم تستغربون من حديثي لأن هذا الأمر ليس بغريب عنا، اعتدنا في أعرافنا أن الرجل يتزوج من زوجة أخيه المتوفي كي يحمي أولاده ويحافظ عليهم".
أتت شهرزاد هي أيضا بعد ان أنهت تنظيف المطبخ الذي اقحمتها أمها بعبئه، جلست لتستمع لما يكمله ضيفهم حين قال:
" حقا لم أكن أعلم أن هذا العرف يطبق بهذه الصعوبة وبعدها جاءت موافقتي فرض و واجب عليّ، أبلغتهم بموافقتي واشترطت عليهم أن تكون برضاكِ هنا وضعت الكرة بملعبكم وكنت أراهن نفسي على الفوز برفضكم الذي تم ليأتي بعدها القدر ليلعب لعبته الذهبية بتفوه ناهدة بما تعدى العيب بحقنا قبل حقكم، ولكني بمجيئي وسماع ما قاله باهي حبيب قلبي أصبحت مؤمن بل وراغب بإتمام الموضوع إن لم يكن لديكم مانع بهذا، لقد فتح قربهم بقلبي جرح حاولت أن أهرب منه دون فائدة، شعرت للحظة أن الله أنطق الطفل ليعلمني بقدري لديهم، لا اريد ان تفهموني بشكل خاطئ فما شرحته عن رفضي لم ينبع عن شعوري تجاه كريمتكم فأنا لم أرها من قبل ولكنه كما أبلغتكم لمحبتي وألمي لأخي، ولأجل هذه المحبة أريد أن اطلبها بنفسي وأنا راضي ومقتنع وراغب بأن أكون سند وحامي وحافظ لكريمتكم وأولادها الصغار".
تحركت شهرزاد لتبدأ حديثها لولا أن نغزتها أمها في ظهرها بقوة حركتها اكثر من مكانها نظرت لها قائلة بصوت منخفض:
" ماذا حدث لكل هذا".
اتسعت عيني أمال لتصمت ابنتها، تحدث بغدادي بحكمة وتأني من جانب لم يرد كسر الرجل في منزله ومن جانب آخر أراد أن يعطي لابنته فرصة للتفكير قائلا:
" سأتعامل مع طلبك وكأني استمع له لأول مرة ولهذا احتاج لوقت كي أستطيع الرد عليك".
تحدث البدري من جديد موجهًا حديثه لفاطمة دون النظر لها:
" من الواضح ستكثر اعتذاراتي ولكني استسمحك بتحمل ما سأقوله، أعلم صعب عليّ قوله كما صعب سماعه بالنسبة لكم، ولكن عليّ قوله لأجل وضعنا الخاص و وجود أطفال من الجانبين يتوجب علينا الاهتمام بهم بجدية ليصبحوا رجال أقوياء يخلفوننا من بعدنا، كما تعلمين لدينا عادات وتحفظات بجانب وضعي ككبير العائلة وهذا ما يلزمني بإشغال أكبر وأكثر من وقتي بكثير، نعم لدي عبئ كبير على عاتقي لا استطيع التهاون أو التفريط به، أحاول الاهتمام بأولادي على قدر المستطاع وسأفعل هذا ما دمت متفرغًا لا تقلقي أنا شخص لا أحب أن أثقل على أي أحد بطلباتي أو طلبات أولادي، كما أن ناهدة وجميلة موجودين بجانب الأولاد يحبونهم و يساعدونهم، أتمنى ان أوجد لأبنائي رابط أسري يخرجهم من شعورهم بالوحدة والفراغ وما رأيته من اندماج بينهم وابتعاد سلمى عني كل هذا الوقت رغم أننا في مكان واحد شجعني على طلبي أكثر، إن وافقتي على الزواج بي والاستقرار بسرايا عرابي بيه راضية بعادتنا واعرافنا سأضعك فوق رأسي لكِ ما لكِ وعليكِ ما عليكِ من واجبات وحقوق واحترام وإن لم تقبلي ستبقين أيضا فوق رؤوس رجال العرابية جميعًا اخت عزيزة لها ما لها من واجبات وحقوق واحترام".
استأذن البدري بعد حديثه هذا مودعًا الأولاد على وعد منه بزيارة قريبة، ركضت سلمى واخذت هدية شهرزاد لها ثم عادت بجانب والدها الذي ضحك شاكرًا شهرزاد على ما أهدت به ابنته.
لوحت توته للصغيرة:
" سلام يا سلمى".
ولكنها خرجت قبل أبيها دون الرد على أحد وقبل أن يخرج فارس وجدوه يفعل كما يفعل والده يرفع يده بعينه المخفضة قائلا:
" السلام عليكم ".
ثم خرج بعدها لتزداد شهرزاد إعجابا ومدحا به أمام عائلتها فور ذهاب ضيفهم.
رد البغدادي عليها قائلا:
" الأبناء مطبعة الآباء يا ابنتي كما سيرون سيطبع بعقولهم وتترجم بأفعالهم دون أن يشعروا".
ردت أمال بإعجاب:
" والله دخلوا قلبي وفرحت بزيارتهم عكس ما حضرت نفسي له".
ظلت توته صامتة تستمع لهم بروح منهكة ورأس متألمة تحركت لتحضر لنفسها القهوة سائلة من سيشرب معها ليرد بغدادي:
" أنا سأنتظر أذان العشاء بصعوبة، سأصلي فرضي وأنام بعدها".
وافقته أمال كلامه فهي أيضا متعبة .
نظرت توته بجانبها لتجد باهي قد نام على فراشهم وبجانبه هادي يحاول بعينه الصغيرة محاربة نعاسه، لتوافق هي أيضا والديها بأن يصلوا العشاء ويناموا باكرًا لترتاح أجسامهم.
بحث بغدادي على هاتفه فلم يجده سأل الجميع ليردوا بعدم رؤيتهم له إلا هي ظلت صامتة حتى خرج من الغرفة ليبحث بغرفته كما قال لتبدأ هي حديثها مع أختها:
" لا تنامي اسهري معي لنتحدث سويا وتدرسين".
ردت توته بصوت متعب:
" عن ماذا نتحدث ومن أين أتيتي بالدراسة بعد يوم ثقيل كهذا".
_"سنتحدث عن ما دار اليوم أعترف غيرت رأيي به ولكن هذا لا يعني أننا سنوافق عليه فهو غير لائق بوضع..
وضعت أمها طبق البرتقال على جنب وتحركت مقتربة من شهرزاد وهي تسحبها من ذراعها قائلة: " هيا اذهبي لغرفتك لتدرسي".
استغربت شهرزاد من أمها قائلة:
" لا يوجد دراسة عليّ، كنت أشجعها كي تدرس هي وأنا اكتب قصتي التي اقترب نسياني لها"
_"جميل، إذا تحركي واذهبي لغرفتك كي تكتبي قصتك قبل نسيانها".
ربعت شهرزاد ارجلها فوق الفراش وهي تنظر لأختها وأمها قائلة:
" قررت ان ابحث للبدري عن عروسة".
غضبت أمها منها قائلة:
" ولماذا تبحثي له؟ نحن لم نرفضه بعد، انتظري لتفكر أختك وتعطي قرارها ومن بعدها إن رفضت سأزوجه لكِ وأوصيه أن يوقظك و ينيمك على عصا تأديب ليكمل هو ما قصرنا به نحن".
ردت شهرزاد بغضب قائلة:
" كسرت يده ويد أي رجل يرفع يده على امرأة أيا كان صلته بها اخت أو بنت أو زوجة".
نظرت أمال لتوته قائلة بضيق:
" بدأنا بخطبة حقوق المرأة، اتركينا منها أريدك أن تفكري جيدًا قبل اعطائك أي قرار، ستفكرين بكل شيء أولادك مستقبلهم وحياتك نحن لن ندوم لكم، معكم اليوم ونحن لا نعلم هل سنبقى للغد أم لا، الأحوال تتغير والجميع سيغلق أبوابه على نفسه وتبقين أنتِ وأولادك وحدك، حتى البدري سيتزوج ويلتهي بحياته وامثالك كثيرات حوله لهذا أقول لكِ فكري بعقل كبير ولكِ وقتك كما تشائين".
تحدثت شهرزاد باستنكار:
" أصبحت الدنيا تدور حول البدري، ولكني أقول لكم انه لا يناسبها ابنتك ضعيفة لا تتحمل ما قال وصرح لها عنه، تتذكرين سابقا كم كانت تشتكي و تتدلل ومدحت رحمه الله لم يقصر معها، ولكن أن تذهب للصعيد وتصبح زوجة لكبير العائلة عليها واجبات ومتطلبات هذا غير العادات والتقاليد التي ابعدها مدحت عنها، من غير شيء إقنعناها بصعوبة كي تذهب معه على شرط رجوعها للقاهرة مستقبلا أما البدري فكان صريحا سيعيش ويموت ببلده وسط اهله بعاداتهم وتقاليدهم".
ردت أمال بحزن قائلة:
" أعلم إنكِ محقة بما قلتي وأنا لن اضغط عليها فقط اطلب منها أن تفكر بعقلها وأنا معها وخلفها بأي قرار ستتخذه".
تحركت أمال وهي تردد الاذان قائلة:
" سأصلي فرضي وأنام بعده تصبحون على خير وبركة "
نظرت شهرزاد لأختها الصامتة متسائلة:
" ما بكِ صامتة تحدثي معي ما رأيك؟، بماذا تفكرين؟".
تحركت توته قائلة لأختها:
" رأسي يؤلمني سأتوضأ واصلي كي أنام لارتاح، وأنتِ ان اردتي أدخلي توضئي قبلي".
وبغير رضا ردت على اختها:
" معي وضوئي سأصلي بغرفتي واكتب بعدها".
تحركت وأغلقت الإضاءة خلفها لتذهب لغرفتها مقتربة من خزانتها لتتأكد من إخفاء هاتف والدها بشكل جيد ومن ثم بدأت صلاتها، ثم بدلت ملابسها لتجلس على مكتبها محاولة البدء بقصتها، أوقفت شهرزاد الكتابة عندما أتتها مكالمة صوتية من هاتفها الصامت لتظل تنظر له دون إجابة عليه وعلى عكس المتوقع أعطت شهرزاد ردة فعل غاضبة على هذا الاتصال ومن قبله حديثه عن طلبه للتحدث مع ابيها غير الرسائل السابقة و حالات الواتس اب و طريقته التي تعدت الحدود الطبيعية بالجامعة لتقرر شهرزاد أن تنحي قلبها ورغبتها باستمرار شعورها أن هناك من يريدها وينتظرها ويهتم بها مستمعة لصوت عقلها الذي له دائما صدى أقوى يؤثر على ردودها وأفعالها فهي شخص جاد لا يحب النقص أو الضعف أو التخلي عن أي مبدأ من مبادئه .
ليحدث ما لم ينتظره شريف حين جاء ليمزح معها في مكتبها بالجامعة، منصدم بوقوفها وتحدثها بوجهها الحاد:
" من فضلك علينا أن نحافظ على حدود العلاقة بيننا كزملاء عمل وأن لا نخترق هذه…
قاطعها بسرعة خوفه من تكملة حديثها قائلا:
" لا يمكنني أن أعدكِ بالنجاح فيما قلتيه وخاصة زملاء عمل فأنا لم أركِ بهذا الإطار قط".
همت شهرزاد لترد بقوة ظهرت بعينيها ليصمتها شهريار عصره وزمانه بحديثه السريع قائلا:
" لقد طال الأمر أكثر من اللازم وجاء الوقت لننهي ما نحن به، اتصلت بالأمس كي أتحدث مع والدك لأطلبكِ منه مرة أخرى بشكل رسمي لائق بكِ، أعلم إنكِ بآخر فتره اصبحتي تسأمين من تقربي واحاديثي التي أحاول بها أن أشعر بخروجنا عن إطار الأستاذ والطالبة أو الزملاء، أردت ان أشعر برضاكِ عني انظر إليك منتظرا إشارة خضراء تريح قلبي وتفتح لي الطريق إليكِ، ماذا افعل نعم فقدت عقلي وأصبحت شخص كما ترين والآن عليكِ أن تحافظي على ما تبقى من عقلي وتسمحي لي أن أدخل جنتك، من فضلك اسمحي لنا ان نخوض التجربة لا تتسرعي وتجيبي على طلبي بناءً على معطيات مر عليها الزمن وتغيرت، أريد أن أكمل نصف ديني وما تبقى من حياتي معك اسمحي لي ان أعيش بسعادة وراحة كما تمنيت وحلمت، يمكننا أن نجلس ونتحدث ونتفاهم وأجيب لكِ عن كل ما يجول بخاطرك لكن رجاءً لا ترفضي قبل أن تعطينا فرصة، حتى أقول لكِ أنا لست على عجلة من أمري يمكننا أن نؤجل أي احتفالات حتى تقتنعين تماما بي وبعدها إن لم يحدث قسمة ونصيب أقسم لكِ أنني بهذا الوقت سأحترم حدود الزمالة ولن اضايقك بأي شكل كان".
.. إلى هنا وحسب انتظرونا بالفصل المقبل
يتبع .. إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. منها "رواية حياتي" رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..