احكي يا شهرزاد
بقلم أمل محمد الكاشف
ها هو البدري يعيش من جديد تضارب و صراع داخلي عميق، يجاهد ليحقق التوازن بين قلبه وعقله، جزء منه يشعر بعاطفة جارفة وانجذاب قوي يمتزج بالإعجاب والمحبة تجاه هذه المرأة، وجزء آخر يجد نفسه مضطرًا إلى كبح هذه المشاعر بدافع الالتزام بمكانته فهو ليس شابًا أو رجلًا عاديًا يمكنه التعبير عما يدور بقلبه بحرية، فهو الكبير الذي يتوقع منه الجميع الحكمة والتحفظ.
إضافة إلى ذلك كله احترامه لحرمة أرملة أخيه مدحت رحمة الله عليه وهذا ما يجعله يضع حاجزًا بينه وبين ما يشعر، رافضًا أي اتصال تجاهها يضعفه.
كان يضع القيود على قلبه لكيلا ينزلق في طريق يرهقه ويمزقه بين ما يمليه عليه قلبه وما يفرضه عليه عقله متأرجحًا بين رغبة جارفة وكبح قاسٍ لهذه الرغبة.
تحركت توته بغضبها وضيقها لتجلس جانبًا بصمت دون النظر إليه، تحرك هو من بعدها ليلقي بعكازه على عباءته جالسًا أمامها محسنًا ياقة قميصه مجددًا محاولًا بهذا تهدئة الضيق الي في نفسه وإعادة ترتيب ادراج عقله لمكانه الصحيح قائلا:
" فلنفعل كالاتي أنتِ اتصلتي وأنا أتيت ملبيًا لطلبك تفضلي استمع لكِ بماذا كنتِ تريدين التحدث معي".
اجابته بحزنها وضيقها قائلة بنبرة غاضبة:
" لا يوجد شيء شكرا لك، حتى إنه تبقى أسبوع فقط على بقائي هنا ومن ثم سأعود لأجل زواج أختي ومدرسة الأولاد، لا تقلقوا لن أثقل عليكم بالمزيد فقط أسبوع لأجل أن أكون وفيت بوعدي لجدتهم".
اختلطت نبرة صوتها القوي بالبكاء في آخر كلماتها مما جعلها تصمت كي لا تسقط دمعة واحدة تضعف منها امامه.
اختنق البدري بحالتها ولمس قرب بكائها، قائلا:
" يا ابنة الناس الطيبين انظري لما أقوله أنا وما تقولينه أنتِ، أثقل عليكم! من أين أتيتِ بهذا الحديث الماسخ؟".
ظلت صامتة تتهرب بعينيها تحاول ان لا تبكي، ليتحدث هو من جديد قائلا:
" أنتِ تجلسين في منزلك وعلى ارضك وأرض أولادك، لا تثقلين على أحد إنكِ بالمكان الصحيح وايضا هل زواج أختك اقترب لهذه الدرجة، عدنا أمس من حفل الخطوبة لماذا يستعجلون".
ردت توته عليه لتراجعه قائلة:
" بالعكس مر أربعة شهور على خطبتهم، كان من المفترض أن تتزوج بعد شهرين فقط ولكن لأجل بدأها في العمل على مشروعها المشترك مع خطيبها طال الأمر قليلا".
سايرها بالحديث ليقلل من حدتها و يمتص غضبها متسائلا:
" أي مشروع هل عمل خاص يجمعهم؟".
_" نعم كانت تحلم بفتح دار نشر ومكتبة كبيرة وها هم يعملون سويًا لتحقيق حلمهم قبل الزواج، لانهم أن أجلوه لبعده ستضيع فرصتهم بالاشتراك بالمعرض الدولي للكتاب واستضافتهم للقامة الأدبية التي ستشارك به".
حاول أن يبتسم بحذر قائلا به:
" ومع هذا عليها أن تنتبه وتطيل الخطبة قليلًا فمن الواضح أن عريسها غارق بالأحلام الروائية وما شابه".
ابتسمت أخيرًا ليسعد قلبه حين تحدثت:
" نعم هو كذلك ولكن الحق يقال شريف طيب وحنون، بجانب انهُ يحبها ولا يستطيع كسرها وهي تستحق ليس لأنها اختي فقط ولكنها حقًا تمتلك قلب جميل، عندما تراها من بعيد تعتقد أنها قوية وحادة وبالحقيقة تمتلك قلب أرق وأحن منا جميعًا لا تتحمل ظلم ولا أذيه لأحد، حتى عندما تحزن تظهر عكس ما بقلبها كي لا نحزن عليها، نعم تقمصها دور المصلح الاجتماعي والمحامي العام لجمعية حقوق المرأة بعالمها يجعل من لا يعرفها يخاف منها ويبتعد عنها ولكنها حقًا مختلفة وذكية، دومًا احمد الله على وجودها بحياتي فهي عقلي وقلبي وروحي".
أومأ رأسه قائلا بعينيه التي تحاول ان تختلس النظر لعينيها:
" اتفهم عليكِ جيدًا لأني لامست ما تقوليه، مجرد وصولي لمنزلكم بأول زيارة صُدمت بقوتها وبعد مرور الوقت وتوالي الزيارات اكتشفت ما تقولينه بل واعجبت بقوتها ونصرتها للمظلوم كما حدث بحكاية جارتكم التي ضربها زوجها، جميعكم كنتم تضحكون وتسخرون مما فعلت لكني أعطيتها الحق ولولا العيبة كنت رفعت يدي مصفقا لما فعلته".
وضعت توته يدها على فمها لتخفي نواجذها التي ظهرت من سعة ابتسامتها الصامتة الساحرة لقلب البدري، قائلة:
" تصفق لمن؟ هل تسمع ما تقوله؟ لقد ضربت الرجل بخرطوم المياه والله إني اشفقت على نظرات خطيبها بهذا اليوم".
ضحك البدري بسعادة رؤيته لابتسامتها قائلا:
" اقسم انها عليت وكبرت بعيني، ماذا ستفعل ليس أمامها غيره والرجل الذي أشبه الحيوانات بوحشيته يضرب امرأته بمنتصف الشارع أمام أولادها والجميع يشاهد من بعيد، أتصدقين اتضح انها أرجل من رجال المنطقة طبعا لحسن الحظ انه لم يهاجمها ويكسر يدها و ارجلها كما فعل بزوجته".
راجعته قائلة بقوة:
" من سيكسر لمن شهرزاد معها الحزام الأسود بالكاراتيه بجانب ممارستها للرياضة بالإجازات".
ضحكت فاطمة وهي تكمل قائلة:
" إن رأيت كيف هجمت على الرجل وبشكل متتالي دون أن يعي ما يحدث له، تضربه بقوة في اتجاهات مختلفة حتى وصلت الشرطة طبعا بناءً على اتصالها بها أثناء نزولها الدرج راكضًا لإنقاذ المرأة".
ضحك البدري قائلا:
" وتستغربين لقولي أصفق لها حتى أني تمنيت الان ان تكون ابنتي مثلها علمًا انها لديها جميع المقومات للنجاح بهذا".
ردت عليه بضحكة بسيطة خجلة، قائلة:
" بهذا اليوم كان ابي وأمي بالخارج وعند عودتهم لم يصدقوا ما سمعوا حتى ان أمي حمدت ربها على خطبتها قبل الحادثة وإلا كانت بقيت بأحضانها طوال العمر".
وبهذه اللحظات الهادئة المحفوفة بالضحك والانسجام كانت أعين فهمية الدامعة تراقبهم بقلب مكلوم ولسان يدعو ربه أن يؤلف بين قلوبهم وأن لا يتركها البدري لتفتح مشروعها الذي سيأخذها هي واحفادها بطريق بعيد لا عودة لهم منه.
تحركت فهمية لتعود إلى غرفتها باقدامها التي ثقلت من همها وكأنها تحمل بكل منهما شوال غلة ثقيل.
استغل البدري الفرصة ليسأل توته بوسط ضحكها عن الموضوع الذي اتصلت به لأجله، صمتت للحظات أخبرته بعدها بأمر مشروع الحلوى مضيفة على ما قالته:
"أنا بارعة بهذا المجال، بحث ووجدت أماكن بيع المعدات، كما أرغب بنشر إعلان لحاجتي الى عمال متخصصين بمجال الحلوى فور عودتي للقاهرة".
استرسلت بروي حلمها لتشرح له حاجتها للقيام به محاولة الخروج من حالتها و وحدتها واشغال وقتها الفارغ به، كما طمأنته أنها ستتواجد فقط بالفترة الصباحية والأطفال بالمدارس و والدها سيتولى أمر الفترة المسائية.
فاجئها البدري من جديد حين أعجب بفكرة المشروع وما تخطط لأجل بدايتها القوية كما وصفت له لتفرح بمساندته المعنوية رافضة أي مساندة مادية عرضها عليها، قائلة:
"شكرًا لك أنا لم أتواصل معك لأجل ذلك، لدي ما يجعلني ابدأ مشروعي بشكل جيد"
علمت ناهدة من أمها بجلوس البدري مع فاطمة مما جعلها تتصل به لتطالبه بالعودة لأجل سلمى التي لم تصمت عن طلبها له.
تحدث البدري مع صغيرته بوجه هادئ:
" سآتي إليكِ بعد قليل".
وقفت توته معتذرة شاكره تفهمه لها، ثم تحركت لتعود إلى لمنزل، تحدث بسرعة كبيرة قائلا:
" لا يوجد عروس ولا أي شيء من هذا القبيل، كيف صدقتي أنني سأتزوج واجلب لأولادي طفلة صغيرة بهذا السن، وايضا كيف سأذهب لطلب أي فتاة وأنا لا زلت أنتظر الرد على طلبي من والدك بصمت ودون تذمر من تأخره".
نظرت له، ليكمل البدري حديثه:
" فلنفعل كالاتي أعجبت بمشروعك لدرجة أنني أريد مشاركتك به ما رأيك؟".
صمتت من مفاجأتها لا تعرف بماذا ترد، ليكمل هو أمام صمتها قائلا:
" وافقي على طلبي وانتقلي لتعيشي معي بالسرايا معززة مكرمة وأنا سأحقق لكِ حلمك بمشروعك الذي افتتحه لكِ بأفضل مكان ترغبي به هنا في الصعيد، بالشكل والدعاية والخدمات التي ترغبين بها على أن أكون شريك أو لا أكون هذه مزحة فقط ولكني جاد بالباقي على شرط".
استغربت توته من قوله شرط متسائلة عن ما يقصده قائلة:
" هل شرط؟، وما شرطك؟".
تحدث البدري بجدية قائلا:
" أن يكون جميع من يعمل معك بالمشروع من جنس النساء فليكن مشروع ينهض بالمرأة كما تقول أختك".
تحدثت توته لتراجعه باستنكار قائلا:
" ولماذا من النساء هل ستحرم عليّ التعامل مع الرجال إن تزوجت بك".
صدمته بجوابه مسرعًا بمراجعتها قائلا:
"لا فهمتي خطأ انا فقط لأجل وضعي، أريد منكِ أن تفكري بوضع البلد ووضعي ككبير العائلة، سنفعلها على هذا النحو منعا لأي مزايدات حتى أننا سنعلن انه مشروع لأجل مساعدة نساء البلد، ومن حقك ان لا تقبلي سوى الماهرات منهن حتى وان استدعى الأمر أن نعين عاملات من القاهرة والمحافظات المجاورة يكفي أن توافقي وكل شيء سيكتمل بعدها كما تحلمين، على أن لا ينقص أو يؤثر على وضعك بمنزلك والأولاد والدراسة بالمرتبة الأولى".
سألته بنبرة صوتها المستاءة قائلة:
" هل لهذه الدرجة تدافعون عن الأعراف والعادات، تقبل بزوجة أخيك دون أن تفكر بأي توافق بينكما كي لا تتزوج هي برجل غريب، وتوافق على المشروع ولكن على شروطكم بالشكل الذي يناسبكم".
من جديد صدمته توته بجوابها وحدتها معه، أخفض عينيه قائلا بضيق:
" أخبرتك بها سابقًا وسأذكرك بها الآن من جديد، أنا لم أفرض نفسي عليكِ كما تركتك لتفكري وتعطي رأيك براحتك، ستة أشهر من الانتظار ليست بفترة قصيرة، إن كنت أريد فرض نفسي أو ارغمك على الزواج ما كنت أتيت واعتذرت عن ما فعلته ناهدة بحقك، ولكن من الواضح أن ما حدث لا زال أثره بنفوسكم".
رن هاتفه من جديد ليغلق صوته وهو يكمل واقفًا:
" أعجبني مشروعك أتمنى لكِ النجاح، أن اردتي أي مساعدة كما أخبرتك أنا موجود ومستعد لهذا، لا تقولين أنه من الصعيد ولا يعرف أحد بالقاهرة تخطئين، اطلبي إنتِ فقط لتري كيف سأساعدك لأجل أولاد أخي وابوكِ الرجل الفاضل فقط، بالأذن منكِ تأخرت عليهم".
تركها ليصعد سيارته مغلق بابه بضيق صدره مبتعدًا بقيادته عنها قائلا لنفسه:
"انتهى ، وصلني الرد. انتهى وأغلقت الصفحة، سنهتم بأولادنا فقط هذا ما لنا لديهم".
توقفت سيارته أمام السرايا ليركض الأولاد عليه احتضنه فارس بينما هادي وباهي وقفا بالقرب منهما يشاهدان هذا الحضن دون مشاركة، نظر لهما بحزن سحبهما به ليدخلهما هما أيضا لحضنه وهو يقبلهم.
أصر عليهم أن يدخلا السرايا ليشاركوه طعامه ولكنهما رفضا وعادا لمنزل جدتهم لياكلا معها.
مر الوقت بثقل كبير على قلب البدري الذي شعر بانتهاء حلمه قبل بدئه، صلى فريضة العشاء بجانب فراشه ذاكرًا ربه بوجهه الحزين.
أتاه فارس قائلا له:
" أبي ألم تعدني أنك لن تذهب وتتركني كما فعل عمي مدحت" .
أخذه بحضنه متسائلا بحزن:
" هل من جديد ألم نتحدث عن هذا بالسابق، اخبرتك ان عمك لم يذهب برضاه وانه أمر الله نفذ عليه وعلينا جميعا، كما إني لم اذهب لمكان لا تفكر بهذا، جعلتني أندم على أخذك معنا بذلك اليوم".
تحدث فارس بحزن:
" أبي لماذا أنت وخالتي فاطمة لم تتزوجا حتى الآن".
تحدث البدري بضيق قائلا:
" هل سمعت زوجة عمك تتحدث بهذا".
رد ابنه عليه:
" لا لم استمع ولكني أريد أن يأتي هادي وباهي ليبقيا معنا ويناما بجانبي في الغرفة ولا يعودوا للقاهرة من جديد".
حضنه وهو يبتسم له قائلا:
" عن أي غرفة تتحدث هل التي لم تخطي اقدامك بها أم أنك طمعت بفراشي وتريد أن تدعو أصدقائك ليزاحموني عليه".
ضحك فارس قائلا:
"كان باهي يريد أن يأتي أمس لينام معنا عليه ولكن أمه رفضت وأخبرتني أنني كبرت على النوم بجانبك وعليّ ان أنام بغرفتي".
ابتسم البدري فرحًا بحديثها مع ابنه قائلا:
" وهل بهذه الطريقة أقتنع باهي".
هز الطفل رأسه بالنفي قائلا:
" لا لم يقتنع واخبرها انه يريد ان ينام معنا لمرة واحدة قبل ان انتقل لغرفتي".
ضحك البدري متسائلا:
" وهل ستنتقل لغرفتك".
هز فارس رأسه بالنفي:
" لتأتي سلمى معي أيضا".
ضحك البدري معقبًا على ما قاله ابنه:
" إذا ستزاحموني به ما دام برأسي عقل، فأنا لا أعدكم بإطالة النوم بجانبي كثيرًا يتألم ظهري من تزاحمكم معي وتحرك سلمى فوقي طوال الليل".
_" فليأتوا إذًا ليعيشوا معنا، نلعب ونأكل وننام سويًا، ناهدة زوجة عمي أخبرتني أنهم سيلعبون معي طوال الوقت".
رد البدري باستياء قائلا:
"ناهدة طبعا هي من أخبرك بجمال الحياة حين يأتون بالعيش معنا بها الخير صاحبة واجب".
رد فارس قائلا:
" أبي أنا لم أفهم هل ستطلب من خالتي فاطمة الانتقال إلينا والعيش معنا كي نسعد أنا والأولاد، باهي أيضا يريد هذا حتى أخبرني ان خالته شوشو ستتزوج قريبًا ومن بعدها ستتصل جدته بك لتتزوج خالتي فاطمة لترتاح منهما هو سمع هذا بنفسه".
ابتسم البدري متسائلا:
"وماذا عن هادي ألم يحدثك بهذا؟".
_" هادي يريد عمي مدحت أن يعود ليعيش معهم بمنزل جدتهم ويلعب معنا مثل الماضي".
حزن البدري على حالة هادي وفارس ابنه الذي تأثر كثيرا من بعد زيارتهم المقابر خوفًا من خسارة أبيه.
ذهب البدري لعمله في الصباح وانشغل به طوال اليوم، بهذا الوقت مرضت ابنته سلمى وارتفعت حرارتها بشدة.
قامت ناهده وجميلة بعمل كمادات موضعية على الرأس والمفاصل حتى عاد البدري متفاجأ بعلو صوت ناهده وخروجها من السرايا حاملة الطفلة التي احمر وجهها وقل نفسها بيدها.
اخذها منها بخوف وذعر وصعد السيارة بجانب أخيه كي يذهبا للمشفى ليطمئنوا عليها وهناك تفاجؤوا بوجوب حجزها بالمستشفى لأجل التهاب شديد بالحلق واللوزتين.
صُدم البدري من وصولها لهذه الدرجة قائلا:
" قبل ذهابي للعمل كانت تتألم من حلقها بشكل بسيط ورفضت أن تأكل، هذا كل ما في الأمر".
تحدث الطبيب ليخبرهم أن مناعتها الضعيفة وراء تأثرها وتملك مرضها منها بهذه السرعة، فسر لهم احمرار الوجه كان من شدة ارتفاع الحرارة فلا شيء خطير جميعهم سيزول مع بدأ العلاج ولكن هذا لا يمنع حجزها كي لا يتكرر اختناق النفس ليلا.
حزن الجميع لأجل ابنتهم الصغيرة المدللة، اتصلت فهميه أكثر من مرة لتطمئن عليهم بالمشفى و وعدت البدري أن تأتي لزيارته بعد أن تودع زوجة المرحوم.
رد البدري على زوجة عمه قائلا:
" لا تتعبي روحك أنا من سيأتي بها إليكِ بعد أن تتعافى".
تحدثت فهميه قائلة:
" كيف لا اتعب حالي أنت تعلم غلاوة أولادك من غلاوتك بقلبي، سآتي بالغد لأراها بعيني ويطمئن قلبي عليها".
أغلقت الهاتف متحدثة مع فاطمة:
" كم هو حزين على ابنته لو تسمعين صوته تشعرين به، الضنى غالي وما يصيبه يصيب قلوب والديه قبله".
ردت توته متأثرة بالحديث:
" حفظها الله التهاب الحلق أمر بسيط كثيرا ما أصيب به الأولاد، اعتقد انها كانت مريضة قبل عدة أيام ولم ينتبه أحد لها أو خرجت من هواء بارد الى ساخن فزاد مرضها لهذه الدرجة".
_" سامحك الله يا ناهدة طفلة صغيرة لم تستطع الحفاظ عليها وفهم علتها، فأنتِ محقة يا فاطمة الطفلة لم تصل لهذه الحالة بساعة وضحاها".
ردت توته بحزن:
" كيف لم ينتبه والدها عليها".
_" وهل الرجل كالمرأة يا ابنتي؟، وأيضا لا لوم عليه يكفيه ما فعله به عمك محمد أول أمس في مجلس كبار العائلة، والله إنه باعه أمام الجميع دون شفقة ولولا حكمة البدري وتملكه لغضبه لكان الوضع سيء الآن".
تحدثت بضيق قائلة:
" هل لا زال يضغط عليه لأجل مقعد كبير العائلة؟".
_" لا ليس كذلك؟، تعدى الأمر الضغط وأصبح العداء بيّن هداه الله وأصلح حاله، اتركينا منهم واخبريني بأي ساعة حجزتي موعد عودتك".
ردت توته على استحياء قائلة:
" لم أجد حجز الغد واجلتها لبعد الغد".
_" لو الأمر بيدي ما سمحت لكِ بالعودة، على خير فليكرمك الله بكل خير، ولكن عليكِ أن تتذكري كلام البدري هو محق ويستطيع مساعدتك حتى ولو بالقاهرة".
مرت ساعات الليل على البدري وهو نائم على المقعد المجاور لأبنته بالمشفى، استيقظت توته في منتصف الليل دخلت الحمام توضأت وصلت ركعتين قيام رافعة يدها للسماء داعية لزوجها وأولادها بما هو صالح لهم، تذكرت ابنة البدري لتدعو لها بالشفاء ولأبيها بالنصر على من يمكر له وأن يبعد عنه أي مكروه.
أنزلت يدها واستندت برأسها على حافة الفراش بجانبها تنتظر أذان الفجر الذي اقترب موعده وهي تتذكر ما دار بينهم في المجلس الخارجي وكيف كسرته و أحزنته حتى تغير لون وجهه وتحدث معها بما قاله لها قبل ذهابه، غفت وهي تسمع قوله بأذنها:
" لأجل أولادك وابيكِ الرجل الفاضل".
نامت على حالتها لترى باهي وهو بالسرايا يلعب ويركض بفرح طالبًا منها أن يأكل السمك، استغربت مطلب ابنها الذي لا يحب السمك ليظهر هادي فجأة طالبًا منها أن يأكلوا السمك كي يفرح أخاه الصغير، ولكنها رفضت واخبرتهم أن لا يمكنهم أكل السمك بأطقم الزفاف وأيضا خالتهم بالخارج تنتظرهم ليبدأوا الزفة حزن الأولاد وهم يرددون مطلبهم لأكل السمك، كما بكت سلمى وهي تسحبها من فستانها الأبيض تريد أن تحركها معها، جاءها صوت زوجها بالخلف وهو يقول لها:
"اطعمي الأولاد ولا تحزنيهم في منزل عمهم".
ظهر البدري على الدرج العلوي بطقم ابيض واضعا على اكتافه عباءته البيضاء ممسكًا بعكازه ينظر نحوها بصمت وعتاب.
علا صوت أذان الفجر الله أكبر الله أكبر.
استيقظت توته من غفوتها وهي تسمي الله وتنظر حولها واضعة يدها على قلبها، نظرت لولديها اعلى الفراش ثم تحركت لتذهب لتعيد وضوؤها وتصلي فرضها كي تنام وسط أبنائها وهي تقبلهم وتحتضنهم.
تحدثت فهمية على تمام الساعة العاشرة صباحًا بعد أن انتهوا من تناولهم لفطورهم قائلة:
" سأذهب ساعة زمن لأطمئن على سلمى ابنة البدري وأعود".
رد الأولاد بصوت واحد:
" ونحن سنأتي معك".
رفضت فهمية لأجل مرض الطفلة و وعدتهم أن لا تتأخر عليهم ليصمت الأولاد مرغمين على طاعة جدتهم.
تحدثت توته وهي تنظر لأولادها قائلة:
" يمكننا الذهاب أن ألتزم كلا منكما بما نقوله له".
_" أخشى أن تنتقل لهم العدوى أو الطفلة تبكي للعب معهم وهي عنيدة إن أرادت شيء لا يمكن لأحد إقناعها بغيره صعيدية أصيلة جمعت كل العائلة وأخذت عصارتهم المركزة و وضعتها برأسها".
ضحك الأولاد فرحين بحديث أمهم:
" وأنا أيضا سأذهب لرؤية سلمى والأولاد سيجلسون دون حركة وإن أرادوا اللعب فليخرجوا ليلعبوا مع فارس بعيدا عن أنظارها".
_" ليس لدي مانع إن كنتِ ستأتين فليأتوا هم أيضا ولكن عليهم أن لا يقتربوا من الطفلة كي لا يمرضوا".
فرح الأولاد وتحركوا ليتجهزوا بألعابهم، ابتسمت فهمية قائلة:
" سبحان من زرع محبته بقلوبهم".
نظرت توته لفهمية وأولادها بصمت كبير، قامت هي أيضا لتتجهز للذهاب للسرايا مرتدية عباءة سوداء وحجاب ابيض أصبح ملازم لها بعد كسرها حدادها.
وعند وصولهم للسرايا تفاجأوا بسيارة سيد تقف أمام المدخل الكبير، نزل منها البدري حاملًا ابنته النائمة على كتفه ومن الجهة الأخرى نزل سيد الذي اسرع باقترابه وعتابه على مجيئهم وحدهم دون اخبارهم ليذهبوا لأخذهم.
تركت فهمية يد توته مكتفية باستنادها على يد سيد قائلة:
" يكفيكم ما أنتم به اتصلت ببهانة وهي أرسلت ابنها بسيارته الأجرة".
رحب البدري بزوجة عمه وتنحى جانبًا ليسمح لها بصعود درج مدخل السرايا وهي تستند على سيد براحتها، اقترب الأولاد سائلين عن فارس ليقول البدري لهم بصوت منخفض:
" ستجدونه بكتاب الشيخ أمين".
تحدثت توته قائلة لأولادها بصوت منخفض:
" لا تزعجوه اتركوه حتى يعود وحده".
نظر البدري لساعة يده قائلا بنفس نبرة صوته المخفضة لأجل ابنته:
" فليذهبوا لعلهم يستفيدوا معه طبعا إن اذنتي أنتِ لهم".
اومأت توته رأسها وسمحت لأولادها بعد أن اوصتهم أن لا يصدروا أصوات عالية هناك، اقتربت توته عدة خطوات قليلة منه متسائلة:
" كيف حالها الآن هل هي بخير".
رد عليها وهو يبدأ سيره دون النظر لها:
" نعم بخير لا شيء كبير الحمد لله".
تحركت من خلفه لتصعد الدرج ناظرة للطفلة النائمة بصمت تملكها كثيرًا بآخر يومين وفور دخولهم أشار البدري لزوجة عمه نحو الطابق العلوي قائلا: " تفضلي".
وافقته فهمية بالصعود للأعلى لأجل الطفلة التي وضعها على فراشها ومن ثم خرج للمجلس الجانبي ليرحب بهم مرة أخرى.
أتت ناهدة للأعلى وبيدها صينية كؤوس عصير الجوافة قائلة:
" السرايا نورت بقدومك يا أمي".
أعطت أمها ومن بعدها البدري لتأتي بجانب توته لتعطيها قائلة:
" وأخيرا تكرمتي علينا واتيتي لزيارتنا".
رفعت توته كف يدها رافضة أخذ العصير منها قائلة: " شكرا لكِ معدتي ممتلئة".
لم ترد ناهدة على ما قالته وضعت الصينية على الطاولة مكملة بضحك:
" لا تخافي كؤوسنا نظيفة ومعقمة جيدًا البنات لا يقصرون بعملهم".
اختنقت توته من حديث ناهدة لها، نظرت فهمية بقوة لابنتها كي تحذرها أن تصمت.
ردت ناهدة بضحك:
" امزح معك إياكِ ان تحزني مني".
ظلت توته على صمتها وعدم النظر لها مما زاد الأمر احتقانًا، جاءت ناهدة لتتحدث من جديد ليقاطعها البدري بطلبه منها:
" أحتاج لفنجان قهوة رأسي تؤلمني".
_ " حسنًا يا اخي دقائق ويكون عندك".
وتحركت لتنزل الدرج.
انتظرت فهمية ابتعاد ابنتها حتى تبدأ اعتذارها من فاطمة وهي تؤكد أن ابنتها لا نية لديها لأحزانها هي تمزح كما قالت.
رن هاتف البدري، نظر لهم مستأذن بالرد وتحرك لغرفته ليرد بالداخل و يبدل ملابسه أيضا، تحركت فهمية قائلة لتوتة:
" سأنزل لأرى أين اختفت جميلة وأعود لن أتأخر".
أرادت النزول معها ولكنها رفضت على وعد سرعة عودتها، بقيت توته وحدها تنظر حولها تتفقد المكان وألعاب الأولاد و ركن التلوين بطاولته الحمراء الصغيرة.
أتاها ابنها باهي وهو يركض مناديًا عليها، حدثته بسرعة:
" أخفض صوتك سلمى نائمة ما بك تصرخ بهذا الشكل".
_"لا أريد اللعب معهم يخرجوني الخاسر بكل مرة".
ردت أمه قائلة:
" أقول لك أخفض صوتك وانزل أكمل لعبك حتى نعود تبقى وقت قليل على عودتنا".
نظر باهي لكأس العصير بالصينية:
" أريد العصير أنا عطشان".
وبعينها القوية تحدثت فاطمة:
"انزل يا باهي مع أخيك وأنا سأعطيك مثله عند عودتنا لمنزل جدتك هيا".
علا صوته متذمرًا:
" ولكنهم غشاشون يخرجوني بكل مرة خاسرًا وهم يفوزون".
وصل إليهم صوت بكاء سلمى بغرفتها، غضبت أمه لعدم سماعه لكلامها تحرك باهي ليذهب لسلمى دون أن يرد على أمه التي منعته وتحركت خلفه لتلحق به.
اخذت الطفلة التي تبكي بعيون مغمضة ووضعتها على كتفها وهي تهز بها وتدور بالمكان لتعيدها لنومها متوعدة لابنها بصوت منخفض:
"والله سأعلقك من أرجلك و رموشك، انتظر عليّ نعود للقاهرة كي لا تجد من يدافع عنك وسترى حينها ما أفعله بك".
تحدث البدري من الخلف بصوت منخفض:
" إن كنت مكانك أرفض العودة للقاهرة مهما كانت المغريات لا تقل أنني لم أنصحك".
استدارت لتنظر خلفها بخجل لمن اقترب ومد يده ليأخذ ابنته مكملا:
" أعتذر إن أطلت عليكم كان عليّ أن أخذ حمام ولو سريع، كان الله بعون المرضى هناك يتألم القلب لحالتهم وأوجاعهم".
ابتعدت عنه قائلة:
" أنا سأضعها بمكانها لتكمل نومها".
اقترب البدري من جديد قائلا:
" لا تحاولي لن تكمله على فراشها".
ردت عليه بصوت منخفض:
" الدلال الزائد سيفسدها لتعتاد على فراشها".
تحرك باهي ونام على الفراش المجاور قائلا:
" وأنا سأنام هنا".
وقبل أن يرد عليها وجدها تعطيه الطفلة:
" أعتذر إن تدخلت بشأنك أنا لا اقصد هذا".
وضع يده على ظهر ابنته ليحنو عليها قائلا:
" لا عليكِ أعلم أنكم محقون".
ثم نظر لباهي متسائلا:
" لماذا أنت هنا؟، أين اخوتك عنك؟".
رد الصغير:
" يغشون ويقولون خسرت خسرت وأنا لم أخسر الكرة هي من طارت بعيدا".
ضحك البدري معقبًا على ما قاله الصغير:
" كيف يفعلون هذا بك سأخرج عيونهم و أعلقها على مدخل السرايا ليحرموا تكرارها".
فرح باهي لتتحدث توته قائلة:
" سأذهب لأرى أمي فهمية أين هي".
ركض باهي قبلها قائلا:
" سأذهب لأقول لهم إن عمي سيعلق عيونهم على باب السرايا".
ضحك البدري وخرج خلفهم قائلا:
"أشعر وكأننا بفيلم رعب".
_"و يا ليته ناجح معه لا يسمع الكلام".
رد عليها وهو ينزل الدرج بجانبها:
"هم أطفال، لا زال صغيرًا اصبري عليه و ستجدينه افضل مما تتمنيه".
رأتهم ناهدة وهم ينزلون الدرج منسجمين بالحديث ليغار قلبها عكس أمها التي غلت النار بقلبها لرؤية نزولهم بهذه الحالة.
رفض البدري ذهابهم قبل أن يتنولوا طعامهم ويقضوا باقي اليوم معهم، لم تستطع فهمية كسر رجاء أحفادها وخاصة عيون باهي الذي احتضنها وقبلها قائلا:
" لأجل خاطري أريد أن ألعب وأنتم معنا لأجلي يا جدتي".
أرادت توته أن تعود وحدها متحججة بتحضير الحقائب والأغراض الخاصة بها لتعدها فهمية بالعودة بعد تناولهم للغداء كي لا يكون عيبًا على أصحاب الكرم.
نظرت توته للبدري مخفضة عينها فور رؤية عينه تنظر لها مستسلمة لطلبهم.
انشغلت جميله وناهدة بمتابعة الطعام مع من يعدونه في المطبخ، كما تحركت فهمية لتصلي فرضها ليبقوا وحدهم من جديد.
أرادت أن تعتذر له عن هجومها الغير منطقي لعاداتهم وما قالته بحقه ولكنها تراجعت وفضلت صمتها ومراقبتها لحديثه ورده على المكالمات التي كانت تتوالى خلف بعضها بسبب تغيبه عن العمل.
وضع البدري يده على رأس ابنته بقلق رجوع ارتفاع حرارتها قائلا:
"لا أعرف هل عادت أم أنني لا زالت اتوهم هذا".
تحركت على استحياء مقتربة منه لتهز أركان قلعته من جديد، واضعة يدها على جبهة الطفلة قائلة بصوت منخفض:
"لا تقلق أنها بخير".
شكرها مازحًا وضعه:
"لا أعرف كيف تخطط بهذه الاحترافية لجذب الأنظار إليها واهدار حقنا من جديد".
ابتسمت بوجهه قائلة:
"لا تظلمها التهاب الحلق لا يستهان به، كان عليك الانتباه عليها أكثر من ذلك، بمجرد ان تشعر برفضها للطعام او أي شكوى أثناء الابتلاع تبدأ بالانتباه على حرارتها كي لا يتكرر ما حدث".
_"الله المستعان مسؤولية الأولاد أصعب بكثير من إدارة الأعمال".
ردت مجيبة عليه بعد عودتها لتجلس مكانها:
"أنت محق هم أمانة بأعناقنا علينا المحافظة عليهم وتوجيههم لطريق الرشد دوما".
خرجت ناهدة من المطبخ عدة مرات ضغطت بهم على فاطمة التي صمتت وهي تنظر لساعة هاتفها محاولة تحمل ما تفعله لأجل فهمية واحترام المكان.
جاء وقت تناول الطعام، تحرك الجميع تجاه المائدة الكبيرة، وبحركة ذكية من فهمية أبدلت مقعدها مع توته بحجة إطعامها لأحفادها، قطعت ناهدة قطعة من الديك الهندي و وجهتها نحو توته قائلة:
" تفضلي يا غالية ستعجبك حتى تأكلين أصابعك خلفها".
وضعتها بطبقها، شكرت توته ناهدة على اهتمامها، أكملت ناهدة قائلة:
" العفو أتمنى أن تعجبك ولا تؤلم معدتك الرهيفة، أن علمنا مسبقًا لحضرنا لكِ المشويات التي تحبيها".
قالتها ثم تحركت لتضع لها الشوربة السادة أمامها كي تكمل بعدها:
" عليكِ انهائها لتستردي عافيتك التي ذهبت بذهابك للقاهرة، كان الله بعونكم جميع ما يقدم لكم دون فائدة صحية عكسنا تمامًا نحب أن نأكل من خير منازلنا".
تضايقت توته لتمتنع عن الرد دون أن تنظر لها، بدأ الكل باندماجه بطعامه ما عداها هي كانت ترفع المعلقة لفمها وهي بالكاد تضع على أطرافها الأرز محاولة مضغه وابتلاعه بصعوبة.
اهتمت ناهدة بإطعام أولاد أخيها ووضع اللحم أمام الجميع وهي تقول لأمها:
" لا تنسي تحضير الزبدة البلدي والفطير والدجاج ليأخذوها معهم بسفرهم كي يتقووا بهم وتشتد عظامهم".
وضعت توته الملعقة بجانب طبقها الممتلئ ثم وقفت قائلة دون النظر لأي أحد:
" الحمدلله شكرا لكم".
تحدثت ناهدة:
" ألم يعجبك!".
قاطع البدري حديثها بضيق:
" كفاكِ يا ابنة عمي اتركيها على راحتها".
تحركت توته لتذهب إلى الحمام، ليكمل البدري حديثه قائلا لناهدة بصوت منخفض:
" صمتي لا يعني رضاي عن ما جرى عيب بحق الضيف وحقنا إن لم يكن احترامًا لها على الأقل كان عليكِ أن تحترمي جمعتنا".
وتحرك قبل انهائه لطعامه قائلا:
" عافية لكم سأرى سلمى بجناح محسن الخارجي من بعد أذنك يا جميلة".
_" تفضل يا ابن عمي المكان مكانك".
تحرك مبتعدًا عنهم، لتتحدث أمها لها:
" جعلتينا نتسمم ما نأكله حتى أني ندمت على مجيئي، هل هذا ما تعلميه عن اكرام الضيف وكأنهم يعيشون بمجاعة وأنتِ تشفقين عليهم بطعامك هذا".
_" أصبحت مذنبة من جديد الحق عليّ انا أردت أن أكرمها ولكن جميعكم يقف في صفها أمامي".
تحركت أمها لتجلس بالصالون قائلة:
" أنتِ من استمر بتكرار ما تقولينه حتى صدقه عقلك".
خرجت توته من الحمام لتجد البدري يقف جانبًا، تحركت لتفتح له الطريق بصمت قطعه هو، قائلا:
" أعتذر منك على ما حدث أتمنى أن لا تحزني منها، ناهدة وأصبحنا نعرفها لا أحد منا يهتم بأحاديثها".
_" من الواضح أننا أطلنا زيارتنا كثيرًا حتى مجيئي لمنزلها كان أكبر غلطة، لا داعي للندم تبقى ساعات على راحتها منا بل راحة الجميع منا".
طار عقله بدمعتها وصوتها الذي اختنق ببكائها، تحدث بقوة قائلا:
" اخبرتك أنكِ لستِ ضيفة عند أحد".
_" جئت لأجل الاطمئنان على الطفلة وعدم ترك أمي وحدها حتى الأطفال هم من..".
قاطعها بنفس قوته قائلا:
" لا داعي أن تبرري مجيئك لسرايا البدري عرابي، في حال أن سرايتي مفتوحة للجميع هل تغلق أمامك لأجل ثرثرة النسوة".
وتحرك ليدخل الحمام كي يغسل يده وفمه بسرعة وغضب خرج بعدهم ليجدها قد عادت لمنزل عمه دون أن تنتظر فهمية.
وصل سيد للسرايا محاولا اللحاق بانضمامه معهم على الغداء ليتفاجأ بالوضع وذهاب فهمية زوجة عمه.
سأل عن سبب عدم انتظارهم له، ليرد البدري بقوته موجها حديثه لأخيه و زوجته قائلا:
" ما حدث ستسأل زوجتك عنه فهي أكثر من يعلمه، لم اراجعها بما حدث ولكني سأنتظر هذا منك ولكن إذا لم تراجعها سيكون هناك أحاديث أخرى فعلى الجميع معرفة حدوده وأدب حديثه على الأقل بوجودي و وجود الضيوف، ما حدث بالسرايا عيب كبير بحقي وحق العائلة".
وتحرك مناديًا على ابنه ليصعد قبله للأعلى ثم ذهب وأخذ ابنته ليصعد هو أيضا دون أن ينظر لأحد من اخوته.
تحدثت جميلة لنفسها قائلة:
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم انها كارثة حقا تقلب حال كل مكان تذهب إليه، ليحفظنا الله من شرها، أسقطت السقف على رؤوسنا من زيارة واحدة فماذا كانت ستفعل إن انتقلت إلينا معاذ الله أعوذ بالله من شر الاقدار".
……
سمعت شهرزاد حديث اختها والبدري من أمها، رفضت أن تربط توته مصير ونجاح مشروعها بزواجها ودعم أحد لها.
أصرت على ضرورة اعتماد فاطمة على نفسها وافتتاح مشروعها والنجاح به وإكمال دراستها وحدها ومن ثم تفكر بالزواج إن أرادت هي وشعرت انه الأفضل لحياتها.
أضافت شهرزاد:
"عليها أن تجد نفسها لتستطيع العيش بسلام لا يمكنها أن تتزوج لأجل أولادها فقط، كيف ستعيش مع رجل لا تشعر اتجاهه بشيء فقط لأجل الأولاد طبعا الأولاد مهمين ولكن إذا لم تهتم بنفسها لن تستطيع النهوض من اسفل حزنها وضعفها"
وافقها والدها رأيها قائلا:
" نعم أنتِ محقة ومع ذلك ببعض الأوقات يتوجب اختيارك لمصلحة أبنائك على أي مصلحة أخرى، لن تفهمي عمق ما أقوله لكِ حتى تصبحي أم ويلمس قلبك قلب من سيمتلكون عقلك ووجدانك وروحك لتصبحي أسيرة لسعادتهم وكل ما يريح قلوبهم وعقولهم، أما توته ابنتي رغم ما حدث معها وتغيرها وتحملها المسؤولية بعد زوجها إلا أنها لا تستطيع العيش بعيدًا عنا وخاصة بهذه الأجواء المتوترة، أعوذ بالله كيف لم نلاحظ سوء ناهدة رحمك الله يا مدحت من المؤكد أنه كان يحجب اخته عن زوجته دون أن نشعر".
اسرعت أمال للمطبخ قائلة: " غلى الحليب".
تحرك البغدادي ذاهبا للحمام، فتحت شهرزاد هاتفها لتتصل بأختها لتجد صوتها ملغم ببكائها سألتها بسرعة: " هل تبكين".
نفت توته و تطمئنها انها بخير كما انها تحضر حقائبها للعودة.
دخلت شهرزاد غرفتها وأغلقت الباب عليها مقتربة من مكتبها بصدر ضاق من سماعه لصوت اختها.
أتصل بها شريف متعجبًا من نبرة صوتها، حكت له ما يضيق صدرها خوفا على اختها.
تساءل شريف عن موعد عودة فاطمة، اجابته عروسته قائلة:
" غدا ستعود ويرتاح قلبها من الضغوط والذكريات، أفكر أن أخذها واتجول معها لاختيار بعض الأغراض لمشروعها الجديد لتلمس بداية تحقيق ما حلمت به، ستفرح من المؤكد أنها ستفرح أنا أعلم جيدا فبرغم أنها أكبر مني سنا إلا أنها لا زالت بقلب طفل صغير يفرح بالكلمة الحلوة والهدايا والتسوق".
كانت شهرزاد محقة بكلامها فها هي اختها تجلس بجانب فهمية بالصالون وهي تقول لسيد:
" لا يوجد شيء يستدعي الاعتذار ناهدة أخت الغالي ولا يمكنني أن أحزن منها المسامح كريم".
ردت ناهدة قائلة:
" سلمتي يا غالية وأنا لم اقصد أحزانك".
نظرت توته نحو جميلة التي تحدثت بسرعة:
" أنا لم افعل شيء حتى لم أتحدث".
ابتسمت توته وشكرتها على استقبالهم وتعبهم بتحضير الطعام لهم، تدخل محسن بالحديث قائلا:
" لا شكر على واجب مدحت غالي على قلبي وأولاده أيضا على راسنا كلنا ومن يقرب من زوجته سأكون خصيمه".
استغرب الجميع من حديث محسن واهتمامه الزائد بالأولاد والتحدث مع توته وفتح المواضيع معها دون خفض نظره مما أشعل الغيرة بقلب جميلة.
وبعد أن ذهبوا تحدثت فهمية إلى فاطمة قائلة:
" أرأيتي قدرك لدينا كما قلت لكِ لن اسمح لأحد باحزانك وإن كانت ابنتي يكفي أن لا تحرمينا من أولادنا وتعديني بالعودة للصعيد مرة تانية".
اقترب باهي من أمه طالبا منها طلب غريب:
" أمي أريد أن أكل السمك المشوي على الفحم".
ردت فاطمة باستغراب قائلة:
" من أين أتيت بهذا الآن وهل ستأكل السمك إن حققت لك ما تريده".
اومأ باهي رأسه وفتح هاتف عمته ميادة ليريها الفيديو قائلا:
" أريده على الفحم كما فعله هذا الرجل".
اتصلت فهميه وطلبت من سيد أن يبحث عن مطعم سمك يحضر أطعمته على الفحم ويحضر لحفيدها منه لأجل أن لا يعود للقاهرة دون أن يأكله.
وقف محسن قائلا لسيد:
" أنا أعلم مكان مطعم سمك سيعجبهم سأذهب لأشتري لهم".
تحدث سيد لأخيه البدري وهو ينظر حوله ليتأكد خلو المكان من نسائهم قائلا بصوت منخفض:
" من الواضح أن أخي سقط ولم يسمي عليه أحد إن رأيت اهتمامه وأحاديثه معها".
ضحك سيد ليكمل بعدها:
"حتى زوجته لاحظت هذا وقلبت وجهها".
وقبل أن يبرر محسن محسن نيته ورغبته بمساعدة زوجة مدحت وأولادها، رد البدري ليقول لسيد:
" لا تتحدث بهذا الشكل عيب بحق أخيك وايضا لديه زوجة مصونة نحن لا نضع أعيننا على الغير، هو محق فعلها لأجل غلاوة ومحبة مدحت بقلبه، كما أنها امرأة طلبها أخوه وينتظر ردها على طلبه هل محسن شخص سيء بعينك لهذه الدرجة التي تجعله يضع عينه على امرأة من الممكن ان تصبح زوجة أخيه بليلة وضحاها".
تسمر محسن متفاجئا بما افحمه بهِ كبيره، أومأ رأسه مجييًا على حديث البدري:
" نعم هو كذلك فعلتها لأجل مدحت".
رد سيد ليسأل أخاه البدري قائلا:
" ألم يعطوك ردًا على طلبك حتى الآن، اعتقدنا انهم رفضوا منذ وقت طويل ولم نرد سؤالك".
تحدث البدري لأخيه:
" لا تطيل الكلام دون شيء رأسي يؤلمني أذهب واشتري ما أرادته الحاجة فهمية قبل نوم الأولاد، وأنت يا محسن اذهب لزوجتك وارضيها واخبرها أننا رجال لا نضع أعيننا على العالم والناس، عليها أن تعلم أننا لا نحب العيون الزائغة وامرأة واحدة تكفينا".
ثم صمت قليلا ليسألهم بعدها:
" أليس كذلك، من المؤكد أنكم لا زلتم تتذكرون وصية الحاجة فايزة رحمة الله عليها، اوصتنا بالدقة في الاختيار وأعطت لنا الحرية بهذا على أن نعدها الاكتفاء بامرأة واحدة كي لا نتشتت بمشاكل لا طاقة لنا بها".
حك محسن أذنه صامتًا، ليتحرك سيد لينزل الدرج ملبيًا طلب حماته، ومن بعده نزل محسن بصمته وصدمته ليذهب إلى زوجته كي يدللها ويرضيها ويعيد أمامها ما قاله أخاه على أساس إنه كلامه هو نابع من قلبه.
شبع الأولاد من تناولهم للسمك مع تفاجأ الجميع من شهية باهي واعجابه بطعمه، ضغطت فهمية على توته أن تأكل معهم، فعلتها وشاركتهم الطعام كي ترضي أم مدحت، ليطمئن قلب فهمية وينام الجميع بعدها بقلب راضي.
ما عدا توته التي استعادت تذكر حلمها وطلب باهي منها النوم بالسرايا واكل السمك وحديث مدحت ورؤية البدري أعلى الدرج وسلمى التي كانت تسحبها من فستانها.
جاءها صوت رنين هاتفها استدارت لتأخذه جالسة على الفراش أولا مترددة في الإجابة لثواني حركت بعدها طرف أناملها على الشاشة كي تفتح الاتصال قائلة:
" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"
سألها البدري:
" ما أخبار من اشتهى السمك في منتصف الليل".
ردت عليه بصوتها المخفض قائلة:
"الحمدلله بخير شكرا لك".
_"لم أتوقع نومكم أعتذر لاتصالي بوقت غير مناسب".
اجابته بصوت منخفض:
" لا لم أنم أخشى فقط أن أوقظ الأطفال، ناما باكرا كي يستعدا لرحلة العودة".
_"سهل الله لكم الطريق على العموم اتصلت لأعتذر لكِ بنفسي بعد الذي صدر من زوجة أخي قبل أن تكون ابنة عمي، صمت حينها منتظرًا أن تردها امها ولكن لم يحدث، ولأنه بسرايتي وبحضوري توجب عليّ الاعتذار بشخصي عن ما صدر".
ردت فاطمة عليه قائلة:
" لم يحدث شيء كبير كان عليّ أن لا اهتم بما قالته وكنت مهيئة نفسي لهذا ولكنها نجحت بالضغط علي مجددا".
_" لا تفهميني بشكل خاطئ أعلم أنها تعدت حدها ولكن ليس بالقدر الذي يجعلك تحزنين،
بغض النظر عن ناهدة أو غيرها لا تسمحي لأحد أن يؤثر عليكِ بهذه السرعة، ان قالت لكِ معدتك لا تتحمل ردي عليها بقولك لا تقلقي حتى انها تتحمل اضعاف هذا، وأن تحدثت عن الأولاد ردي عليها إنكِ تهتمين بهم ولا بأس بزيادة الاهتمام من عمتهم، وبهذا الوضع لن تنتصر عليكِ و ستصمت لأنها أصغر من أن تحاربك أمامنا جميعا".
_" نعم وكأننا بحرب، لماذا تعاملني بهذا الغضب والحقد، تبحث عن أي ثغرة لتحزنني وتضغط عليّ".
اجابها البدري قائلا:
" لأنك أعطيتيها هذه المساحة وستزيد كلما زادت مساحتها وانتصارها عليكِ".
تحدثت فاطمة بضيق:
" أنا لا أحب أن أتواجد بوسط كهذا، أتساءل ماذا ان وافقت على طلبك وذهبت لأعيش معها بمنزلها، صدقت شهرزاد حين قالت ستشتعل النار حولي وتغرقني بهم وحزن لا خروج منه".
تحرك بمكانة متربعًا على الفراش ليتحدث بوجه تزاحم عليه كثرة المشاعر المضطربة قائلا:
" لا تجعليني أغير رأيي بأختك من جديد، عن أي نار وحزن تتحدث ومن أين خرج منزلها! هذه سرايتي أنا وليست هي، وأيضا ألم تتحمليها بالسابق لأجل مدحت والأولاد!، كنتِ ستكملين على هذا النهج لا شيء جديد عليكِ ناهدة طيبة ويمكننا السيطرة عليها صدقيني هي فقط لسانها طويل قليلا، نحن لم نصل لهذا العمر سدا رأينا وتعلمنا وخالطنا ناس بمختلف الأطوار، لن تصعب علينا ناهدة ونحن نعلم نهايتها كما أن سيد خلفها أخي لا يحب ظلم أحد".
اومأت فاطمة رأسها وهي تراجع نفسها قائلة:
" أعلم إنني انفعلت وغضبت بشكل زائد وكأن طاقتي لم تعد تتحمل اعتذر منكم".
رفع يده ليحك جبهته بفرح تحدثهم سويًا قائلا:
" عليكِ أن تعتذري للديك وليس لي لقد أهدرنا حقه وتركناه ونحن فارغون البطن".
ردت توتة بخجل قائلة:
" شكرا لحسن استضافتكم لنا وبإذن الله سنكررها بالإجازة المقبلة ليلعب الأولاد مع بعضهم، لا أعرف كيف أخذنا الحديث ولم اطمئن على سلمى هل هي بخير الآن".
ابتسم بجوابه قائلا:
" نعم بخير لا تقلقي عليها الحرارة انخفضت وتنام الآن بجوار أخيها".
تمنت توته لها تمام الشفاء ليرد البدري:
" بالمناسبة بقيت لعبة باهي بغرفة الأولاد".
أجابت بنبرة ابتسامتها قائلة:
" أعطيها لناهدة وهي ستحل امرها".
اجابها مؤكدًا على ما قاله سابقًا:
" أرأيتي كم تحبهم، والله إنها صاحبة قلب محب تغضب على أولادي حتى تفقدني صوابي، و بعد قليل تأتي لتصالحهم وتلعب معهم".
ابتسمت توته قائلة بانسجام غريب طرأ عليها أثناء حديثهما:
" حسنا سأحاول التفكير بهذا المنطق واعتاد عليها رغم انه صعب قليلا".
_"لا يوجد صعاب إن أراد الشخص أن ينجح بشيء وعزم عليه من المؤكد أنه سينجح، مثلي تمامًا نويت أن انفاسك بالسوق وافتتح مشروعك بالبلد قبل أن تفتحيه أنتِ بالقاهرة".
قالها البدري محاولا اختبار حظه من جديد لعلها تلين، وقد نجح حين ابتسمت قائلة بنبرة جميلة:
" نعم يمكنك فعلها ولكنِ سأقول لك لا يمكن لأحد تحضير الحلوى كما سأحضرها أنا".
تحرك ليستقيم بجلسته أكثر قائلا بفرح:
" اثق بهذا فلا يمكن أن يجتمع الجميع على مجاملتك".
ردت توته بفرح:
" إن كان هناك نصيب يمكنك تذوقها عند الافتتاح حتى أني فكرت أن أجعل كل العاملين من النساء كما نصحتني أنت".
رد البدري عليها بثقة كبيرة:
" لن تربحي كربحك من أهل الصعيد ومحبتهم للحلويات بجانب نساءهم الماهرات بصنع الحلوى لهذا سأتفوق عليك أقول لكِ من الآن كي لا تحزني".
وبلحظة لم يتوقعها ردت فاطمة عليه لتصدمه وتخرب إعدادات عقله قائلة له:
" أفهم من هذا إنك تقول اقبلي عرض شراكتي كي لا تحزني من الخسارة المستقبلية، إن كان كذلك حسنًا لنقبل لنرى ما تحمله لنا الأقدار".
أعاد ترديد ما قالته بعقله:
" لنقبل لنرى ما تحمله لنا الأقدار".
يتبع .. إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. منها "رواية حياتي" رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..