"ومَا مَلَكَت أَيمَانُهُم"
بقلم أمل محمد الكاشف
تعلقت عيناها بعينيه المبتسمة وانفاسه المداعبة لوجهها وهو يسألها
"ما بكِ هل دارت رأسك"
استقامت وابتعدت عن يديه رافعة يدها على حجابها لتحسن من وضعه بخجل، ليكمل هو
"لا اعرف هل من سوء ام حسن حظي حدوث ذلك، تأملت ان تتحرري غدًا واعود وحدي لاكمل حياتي كسابق عهدها، ولكن من بعد سقوطك ذهبت كل الأحلام متناثرة مع الرياح العاصفة"
و بذكاء وسرعة بديهة
"اطلق سراحي وحررني لتعود لحياتك الأولى دون من يشاركك طعامك وحصانك والعطور الملكية الخاصة بك"
اجابها سريعًا
"لا يمكن حدوث ذلك هل أنا سيء لألقي بكِ في دنيا ليس لكِ احد سواي، نعم كنت سأتركك واحررك وانتِ بين يدي أميرك حينها يطمئن قلبي ويرتاح ضميري"
مالت فمها دون رضا
"تحررني بين يديه! أم تسجنني في قصره مع باقي الجواري انتظر اللحظة التي يتذكرني بها ليدعوني لغرفته كي يتسامر وتسعد روحه وبعدها أعود لقسم الجواري لاكمل حياتي على ذكرى هذا اليوم''
سألها باندهاش غلبه الفضول
"أليس كافيًا أن تبقي بجانب السلطان ليلة كاملة تتنعمي بجنته وحديثه وإهتمامه"
غضبت من حديثه قائلة
"أي كفاية! وأي تنعم هذا!، هل يعيش المرء ليُستخدم كسلعة من أجل سعادة سلطانه مرة واحدة ومن بعدها يُهجر ويُحرم من حقه ببناء حياة عائلية سعيدة حرة، يتم وضعهم كالاغنام في غرفة يأكلون ويشربون ويحلمون بليلة اخرى تنعش حياتهم، أي عدل وأي حياة كريمة تلك"
أجابها حذرًا من زيادة غضبها
"تلك الحياة التي لم تعجبي بها يتمناها الكثير ممن ليس لهم نسب واصل و عائلة، يعيشون في مأمن من قطاع الطرق والسيئين بجانب توفير الطعام والملبس. أين سيجدون كل ذلك"
ردت عليه بعيون دامعة وصوت مختنق
"تقول من ليس له عائلة ليس له حق لعيشةٍ كريمة وبناء أسرة والتمتع بذريته"
صمت أمام غضبها لتكمل
"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"
راجعها بصوت هادئ
"هذه الرواية المنسوبة لسيدنا عمر بن الخطاب غير صحيحة وغير معترف بها في السنة النبوية"
ردت بصوت مختنق
"وما قولك بكلام الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}"
أجابها بنفس هدوئه
"نعم أكرمنا الله على غيرنا من المخلوقات ولكنها الحياة، ليس الجميع سواء لهذا شرع الله بكتابه بسم الله الرحمن الرحيم {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ واللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ}"
اختنقت أكثر بحديثه قائلة
"أتسمع الآية! إن لم يستطع أن ينكح المحصنات أي النساء من عائلته أو عشيرته فلينكح من ما ملكت أيمانه، أي يختار واحده لينكحها ويعيش معها حياة متكاملة كريمة"
رد عليها بهدوء متمعنًا بملامح وجهها الغاضبة
"من أين أتيتِ بهذا التفسير! وإن فرضنا صحته ماذا عن الآية التالية بسم الله الرحمن الرحيم {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}، لم يتم التحديد الآية كاملة و واضحة"
اختنقت أكثر مجيبة بعد البسملة
"{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}، لقد كرم الله ما ملكت ايمانكم بوضعهم بنفس الموضع في الإحسان إليهم كما يُحسن المرء للوالدين والقربى واليتامى والمساكين"
أومأ برأسه
"نعم أنتِ محقة وهذا ما يحدث يحسنون إليهم ويكرموهم ولا يحملوهم ما لا تتحمله نفسهم"
هزت رأسها بغضبها
"جيد شكرا للاضافة، جزاكم الله خير الجزاء على اطعامنا والإحسان لنا، والان اريد ان انام من بعد إذنك طبعا"
استغرب قولها متسائلًا
"من بعد اذنك! هل منعت عنكِ النوم أو قيدت حريتك بأي عمل من قبل"
اومأت برأسها والدمع يكاد ان يفر من عينيها
متحدثة بجوفها المختنق
"لا لم تفعل شكرا لاحسانك لي"
وتحركت لتنام على فراشها وهي تستمع له
"ما بكِ كنا نتحدث ونتناقش لا يحق لكِ ان تحزني، وايضا كنا نشرح وضع القصر واردت ان أوضح لكِ شرعية ما يحدث داخله من الجهة الدينية كي لا تعتقدي انهم مذنبون أو سيئون "
استدارت لتنظر له قائلة
"انا لم أقل انهم سيئون كنت أتحدث عن ظلم الفتيات هناك، رحم الله روح السلطانة صوفيا حاربت لأجلهم وأبت أن تتركهم رهان نزوة مالكهم، زوجت المئات والآلاف منهم، حتى انها اعتقت الرجال الذين رغبوا ببدأ حياة كريمة بعرق جهدهم، أحبها الناس للخير المصبوغ بكفيها كادت ان تنهي أسطورة حرم السلطان المعبئ بأشكال وألوان من الفتيات لولا أن توفاها الله بعمر صغير"
تنهد مبتسمًا بحزن
"هل احببتِ السلطانة صوفيا حتى تقمصتِ شخصيتها وعزمتِ على استكمال مسيرتها"
تنهدت بضيق
"وهل يحق لي هذا وأنا ملك يمين سيدي"
دافع عن نفسه
"ولكنكِ تعلمين بزهد سيدك بكِ، ألم يخبركِ هو بذلك"
أومأت برأسها
"اعلم رغبتك بعيش حياة مختلفة دون قيود، وحلمك بشريكة حياتك التي لم تجدها إلا بالأساطير وهذا ما يطمئنني لتعيش على أمل ايجادها واللقاء بها ولكن تذكر عندما تجدها ستفي بوعدك لي وتعتق رقبتي"
ضحك ضحكة خافته خرجت بعد شحنات سلبية ملأت الكوخ من شدة وحدة حوارهم
"إلا بالأساطير! بشركِ الله بكل خير "
واخيرا ارتسمت على وجنتيها نغزات تبسمها وهي تجيبه على خجل
"نعم بالأساطير فأين ستجد تلك التي تنزل من السماء مع إشراقة شمس كل يوم تتزين بلون الطبيعة تضيء ما حولها بقلبها الشبيه بالقمر في اكتماله.."
قاطعها بصوت ضحكته العالية
"نسيتِ أمر الخيوط الذهبية اللامعة التي تعتلي رأسها وصولًا لأسفل قدميها"
شاركته ضحكه
"علمت الآن السبب الخفي وراء تأخر اللقاء في ذلك اليوم المعهود المشهود"
قاطعها
"ألم يكن اليوم الموعود! من أين أتيتِ بالمعهود والمشهود"
اجابته بقوتها
"سيحدث لك شيئًا إن لم تراجعني وتنتصر عليٌ، ولكني سأكون أكرم منك هذه المرة وأخبرك بسبب تأخر لقائك مع فتاة أحلامك لعلي أفز بحريتي"
فتح عينيه وأمسك أذنيه ليمدهما للأعلى
"ها أنا استمع إليكِ بكل آذان صاغية"
ابتسمت وهي تدير وجهها عنه قائلة بسرها
"ما هذا الابتلاء يا ربي توبة استغفر الله"
نداها بوجهه الغريب
"هيا يا حفصة تحدثي قبل أن تثبت أذناي بهذا الشكل وترفض فتاة أحلامي أميرها لقبح أُذنيه"
ضحكت بقولها
"أذنيه فقط؟"
انزل يديه ممثل حزنه منها
"هل أنا قبيح؟"
اجابته بضحكها
"معاذ الله لم يخلق الله شيئًا قبيح لا تقلق حيال ذلك فالجميع لديه جماله الخاص به وإن كان غير مرئي"
حدثها بنبرة تحذيرية
"حفصة…"
اسرعت برفع الغطاء لتصعد لفراشها وهي تحدثه
"حسنا حسنا امزح معك، سأخبرك بالسر العظيم لأنام بعده"
زفر بجوابه المازح
"يوسوس لي شيطاني ان احرمك من نومك الليلة"
اسرعت كالعادة باجابتها الضحكة في هذه المحادثات اللطيفة
"أعوذ بالله من أن تستمع لشيطانك يا مولاي"
جلست على فراشها رافعة غطائها عليها حتى اوصلته أعلى كتفيها
"لعلها تتعثر بطول الخيوط الذهبية التي تصل لأسفل قدميها، يعني ان قللت طموحك قليلًا بطول شعرها الذهبي اضمن لك مجيئها في الخمسون عامًا القادمة، قل إن شاء الله "
استلقت على فراشها تنتظر جوابه الذي لم يأتيها حتى رحلت عن عالمها بنومها العميق فرغم مرور عدة شهور وليالي كثيرة قضتهم براحة وهدوء نفسي وجسدي إلا أنها لا زالت تشعر بحاجتها الكبيرة للنوم والاسترخاء دون عناء ومسؤوليات اكبر من قدرتها.
ظل على وضعه يراوده نفس السؤال والطلب الذي أراد كثيرا البوح به دون استطاعة فها هي تنام مجددًا دون أن يشبع فضوله عن عدم تخليها عن حجابها في الكوخ حتى الان، أما زالت تخجل منه ام تخاف منه.
خلد لنومه بوجه مبتسم يتذكر اخر كلماتها بوجهها الفرح، سبح بعالمه المحبب له حتى أيقظته بيديها التي رجت جسده وصوتها العالي
"استيقظ يا هذا استيقظ ما بك وكأنك فارقت الحياة"
فتح عينيه بصعوبة ليراها كالخيال أمامه من شدة تشوش الرؤية
"ما بكِ تصرخين منذ الصباح الباكر"
حركت كتفه بقوة
"ان لم تستيقظ سأصلي وحدي واتركك دون صلاة"
رفع يده ليغمسها بعينيه محاولًا استيعاب إدبار الليلة وإقبال يوم جديد، جلس على فراشه برأسه الثقيلة مستاء من كثرة ثرثرتها بجانبها، رفع كفه بوجهها
"شششششش، أصمتِ قليلًا"
ردت عليه
"لن أصمت اقترب شروق الشمس وأنت لا زلت نائمًا، ألم تخاف من اضاعة فرضك، ألا تخاف من عقاب الله، هل أمنت لحماية السلطان وتركت حماية الله، ألم تعلم أن صلاة الفجر تجعلك في ذمة ورعاية الله، ألم تعلم أن صلاة الفجر تجعلك من أهل الله وخاصته، ألم تعلم…."
قاطعها رافعًا يده ليضعها بالقرب من فمها هذه المرة
"اششششش، اصمتِ قليلًا إلا اطعمتك لأقرب وحش بري…"
قاطعته من جديد وهي تسحبه لتنزله من على الفراش
''لنصلي الفجر ومن بعدها نرى من سيطعم الآخر للوحش البري"
تحرك متذمرًا بواسطة يدها التي كانت تسير به نحو الساتر الأسود
"ما دخلك بي هل توليتِ أمري، أذهبي وأدي فرضك وحدك"
فتحت الساتر وادخلته مغلقة عليه
"أمامك دقيقة على الأكثر لتتوضأ وتخرج"
تذمر عليها بالنعاس
"انا متعب أذهبي وجدي لكِ إمام غيري"
اجابته من خلف الساتر على خجل
"انتظر لنذهب للحفل لعلي اجد من يقبل أن يؤم بي دون تذمر"
خرج من خلف الساتر وهو يجفف ذراعيه
"ما بكِ ثرثرة ثرثرة ثرثرة ألم يؤلمك لسانك"
ابتسمت
"هيا اسرع لتؤدي فرضك"
لم يستطع تخبئة ابتهاج وجهه وابتسامته الفرحة بتبسم وجهها وحركاتها العفوية أمامه
سألها "أنا لم أسألك عن عمرك من قبل"
اغمضت عينيها بضيق مفتعل توجه الابتهاج والسعادة المرسومة على وجهها
"لن اجيبك قبل صلاتك"
ومن جديد سحبته لتوقفه على سجادة الصلاة ليبدأ بالتكبير ومن ثم قراءة سورة الفاتحة يليها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} ، كبر وركع ثم سجد وقام ليقيم الركعة الثانية حتى انهى صلاته دون أن يتوقع ضحكها وقولها
" {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} هل قمت بتلاوتها كي اخاف واتركك لنومك، بالأصل ايقظتك لأجل الله واليوم الآخر''
مسح وجهه ناظرا لوجهها متسائل
"هل رأيتيني بحلمك اليوم"
رفعت كتفها وهي تهز رأسها بالنهي "لاااا"
سألها مرة أخرى
"هل أكلتُ طعامك قبل نومي"
ابتسمت لتجيبه بكتفها "لاااا"
عاد ليسألها
"هل ايقظتك في يوم من الايام رغمًا عنكِ"
ازدادت تبسمًا "لاااااا"
عض على طرف شفته السفلى محاول اخفاء ابتسامته وهو يسألها محرك كتفه كما تفعل
"هل كل الفرح والتبسم لأجل 'لااااا'"
خجلت منه تحركت من جانبه وهي تبتلع ريقها ملتقطة انفاسها بهدوء وثبات كي تخفي شعورها بسرعة ضربات قلبها وارتفاع حرارتها من شدة استحيائها مما فعلته أمامه، كيف نسيت نفسها وأطلقت العنان لكتفها وجسدها ان يتمايل بدلالها وسعادتها التي تشعر بها كلما غرقت بأحاديثه الممتعة، كيف نسيت أن تكبح اعدادات قلبها وروحها وهي تتحدث معه، خجلت بعتابها لنفسها هاربة من إجابتها له بحجة انشغالها بتحضيرها للفطور.
يعتقد من يراها انها تحبه بداخلها دون أن تخبره. ولكن ليس كل الأمور كما ترى من الخارج فكيف ستعلم فتاة مثلها معنى الحب وتدركه وهي من عاش طفولة حزينة مليئة بالمعاناة، لتلحقها بشبابها الذي علمها الحدة والقسوة والمثابرة لتحقيق الأعمال الشاقة لتتمكن من العيش بسلام، كيف وهي من مثل انحناء الظهر والعجز كي لا تكون مطمع للغير، أقصى حلمها ان يأتي الليل وتنام بسلام دون عقاب أو حرمان من الطعام، كان عيدها الحقيقي يكمن بتفضل صمدي عليها بقطعة من اللحم الدافئ والخبز اللين، جاءها اليوم الذي خشيته لسنوات حامدة الله عليه أيا كان سوئه لتتحقق حكمة الله بالخير المكمون داخل ما تراه شرًا وسوءًا لها، تعلقت بولي أمرها وسيدها الجديد للطف وحسن سلوكه وخطابه ولمسها لطيب قلبه واختلافه عن هؤلاء الطامعين الجشعين الملتفين بسوءهم حول صمدي، تمنت من أعماق قلبها لذلك الرجل الخير والحياة الكريمة مع فتاة أحلامه، خشيت عليه من المعصية والتقصير في حق ربه كي لا يجازى بسوء، اهتمت وتعلقت واحبت الحديث معه حتى أصبحت دنياها تدور حوله ليس لانه حبيب أو مشروع زواج بل لأنها لم ترى حياة كريمة انسانية إلا من خلاله، فتعلقها وارتباطها الروحي وانتمائها له ليس كشبيه اهتمام وتعلق وارتباط الأم بابنها ولا الأخ بأخيه ولا حتى الاب بأولاده لأن فاقد الشيء لا يعطيه، تتخبط وتخجل وتضج بمشاعر مبهمة ليس لها مفهوم أو عنوان أو نور يُهتدى به.
تحرك لينظر للساعة متحدثًا بعدها
"اختلطت عليٌ الأيام، تبقى يومين على الحفل، لا اعرف كيف تخطى الخميس يومي الثلاثاء والأربعاء"
وضعت الطعام على مفرش الأرض مجيبة بوجه تعمدت ان يكون خالي من التعابير
"لعلك تحمست واشتقت لزيارة غرفتك بالقصر أو لعلك حلمت بالرقص مع احدى الأميرات الحَسنَاوَات"
جلس بوجهه المبتسم أمامها متناول الخبز وأخذ يقسمه إلى نصفين معطيها نصيبها أولًا، تأملت ابتسامته وتناوله طعامه بهذه التعابير المبهجة وداخلها يتسائل هل لديه جواري خاصة هناك ردت سريعًا على نفسها لا ليس لهذه الدرجة ايضا ان كان لديه ما كان تركهم ووهب نفسه لحياة الاكواخ والتجول هنا وهناك، بدأت تتناول طعامها وهي تحدث نفسها أم انه يذهب في ليالي البرد القارص ليتدفأ باحضانهم، رفعت كتفها بشرودها وابتلاعها لطعامها "لا لاااا"، صغرت عينيها وهي تنظر نحوه قائلة لنفسها "أم أنه يحب ابنة السلطان ويذهب من الحين للآخر كي يبقى بجانبها او يحظى بالرقص معها"
تعجب من حالتها ناداها أكثر من مرة دون ان تستمع له من شدة شرودها ونسجها للحكايات داخلها متخيلة ان قصة إنقاذ الأميرة تم تلفيقها حين تم الإمساك به مع حبيبته الاميرة حفصة وهنا اضطروا لقول ذلك كي لا يتقاضى.
مال للأمام وهو يمد يده ليمسك كتفها
"حفصة، حفصة"
انتبهت لندائه مجيبة عليه "لستُ بحفصة، أخبرتك باسمي أنا صوفيا لماذا لا زالت تصر على ندائي بحفصة"
ابتسم بإجابته
"لعلي اشتقت للقاء الاميرة الجميلة صاحبة الشعر الأسود وعيون العسل وشفاه الكنستناء و…و وجنتي المانجو"
زفرت بسخريتها
"ما هذا الوصف عين كالعسل وشفاه كالكنستناء…" صمتت لوهلة متسائلة بعدها
"كيف تكون شفاة الكنستناء"
ضحك رافعًا يده ليقربها لشفتيه قائلا
" صغيرة ومرتفعة تأكل عقلك وهي تمدها للأمام متذمرة على أوامر والدها السلطان، طوال الوقت تجديها عاقدة حاجبيها رافضة لكل شيء إلا الدلال والركض والتنغم بالضحك"
صمتت بعيون كادت أن تدمع ليكمل هو
"هل تعلمين أنتِ محقة شعرت الان بكم شوقي للقصر ورؤية الاميرة والسلطان"
وقف بفرح
"هيا لنعود إذا لنقضي معهم يومين قبل الحفل سيسعد الجميع بقدومنا"
تحرك بنفس فرحته وحماسة ليتجهز للعودة كما قال، حرر الحمام الزاجل واحكم اغلاق الصخرة ومن بعدها المصابيح ثم اقترب للساعة كي يضعها داخل ملابسه، لم يكن بوسعها إلا ان تلبي أوامره امام حالته جمعت الفطور وأحكمت الطعام داخل الصندوق الكبير ثم بدأت بترتيب الكوخ بشكل سريع، نظر لرابطة ملابسها في يدها متسائلا
"هل تنوي أخذها معك للقصر"
اومأت برأسها خجلا من حالة ملابسها
"اعلم ان ملابسي لا تناسب القصر ولكني لا أمتلك غيرهم واحد ارتديه والآخر"
رفعت الرابطة بوجهه "داخلها"
اخذها منها ملقي بها على فراشها
"اتركيها لتجدي شيء تبدلين به عند عودتنا"..
سألته
"وماذا عن…"
قاطعها وهو يخرج من الكوخ
"سأشتري لكِ غيرهم لا تقلقي "
خرجت من خلفه ليجدها تصعد على ظهر الحصان وحدها، صفق لها
"يعجبني حبكِ للتطوير والتعلم يا ليت حفصة مثلكِ بهذا"
تغيرت ملامحها من جديد، صعد خلفها ليتحرك الحصان نحو قبلتهم، ظلت صامته شاردة بنظرها للطبيعة رغم كثرة حديثه معها كالعادة، وقبل اقترابهم من المدينة نزل من على حصانه ليزيح كسر لوح زجاجي عن منتصف الطريق، عاد بعد انتهائه من عمله ليجدها تطلب منه بنبرة الكسرة والوهن
"هل يحق لي ان اطلب ملابس جديدة قبل دخولي للقصر، أعلم أنني…"
قاطعها مسرعًا بجوابه
"بل هو حقك عليٌ من أول يوم أتيتِ للكوخ، اعتذر منكِ طار عقلي وأجلت الامر مقابل تمتعنا بالترحال من مكان لآخر فهذا ما تفعله معي الطبيعة منذ صغري، ولكني سأعوضكِ عن هذا فور دخولك للقصر"
نظرت للرقع المخاطة في ثوبها وهي تجيبه بنفس النبرة الموجعة للقلب
"أخجل ان ادخل القصر بهذه الملابس، أعلم أنني من فئة…."
لم يسمح لها بقولها مجيبًا عليها
"لستِ من أي فئة أنتِ ضيفتي بالقصر لكِ كل الاحترام والتقدير هناك"
وأمام كسرتها وضعفها وهوانها على روحها
"ان شئتِ أحرركِ الآن "
رفعت عينيها الدامعة لتنظر لعينه بقلبها المرتجف
"وما يجبرك على فعلها"
اجابها متأثر ومختنق بحالتها
"لأجل أن لا أرى هذه النظرة بعينك مرة أخرى"
نزلت دمعة من عينيها على وجهها المرتجف خوفًا
"وماذا سأفعل وأين سأذهب ومن سيحميني ان فعلتها"
ازدادت انفاسها حتى أصبح صدرها يرتفع وينخفض
"أنا لا أعرف كيفية العيش حرة ، اعتدت على ان اكون تابعة لولي أمري طائعة له كي لا يصيبني السوء"
امتلأ وجهها بشلالات الدموع الحارقة وهي تنظر حولها بخوف وذعر
"وكأني سأواجه ذئاب مقنعين بأوجه أناس بشرية"
ارتعد قلبه من حرارة بكائها واحمرار وجهها، مد يده ليحنو على وجهها بأنامله الناعمة ماسحًا دموعها لتزداد ببكائها الأجش حتى أصبح جسدها يرتجف، ضمها لحضنه دافنًا وجهها بصدره مقبل رأسها
"لا تخافي، هل تعتقدين أنني سأسمح بأذيتك، كما أنني كنت امزح كيف سأحررك قبل ان اجد فتاة أحلامي، من سيعد لي الطعام ويتنافس معي بسباق الركض والفوز عليٌ حتى بالأحاديث، من سينام خلف الساتر الأسود تاركني بالخارج انتظر دوري الذي لم يأتي الا بصعوبة وتهديد باقتحام الساتر"، امسكها ليخرجها قليلًا من داخله وهو يسألها بوجه الرحمة
"من سيأكل نصيبي من الطعام حتى ازداد نحافة ويزداد هو وزنًا"
ابتسمت ابتسامة خالطت دموعها
"لم أكل نصيبك"
ضحك وضمها من جديد مقبل رأسها
"هيا لنشتري لكِ ملابس جديدة تدخلي بها القصر، كنت أقول يا ليت حفصة مثلك لاجدك تشبهينها ببكائها حين ترغب بكل ما هو جديد"
مسحت دموعها وخرجت من حضنه حين شرد بحديثه وضحكه غير منتبه على ربته المتتالي على كتفها ومنتصف ظهرها طابع عدة قبلات أعلى رأسها.
اقتربت من الحصان لينتبه هو على ما خرج منه في لحظة تجلي المشاعر السامية في أبهى حُلتها.
………
ما أجمل علاقتهم والمشاعر التي تراود كلًا منهم دون التفكير في نزوة تلبي نداء الغريزة، أو حسابات رقمية وتقدر حجم الجانب الآخر بما لديه من مال وجاه، ما أجمل العطاء والتضحية، الخوف وتحمل المسؤولية، الاهتمام والتقدير، الحنان وصفاء القلب، الرحمة والعطف، الحنان واللطف، الأخلاق والصفات النبيلة ليست بشيء يكتسب، أو خصال تفرض علينا عند مخالطة الأقرباء أو من هم ذو المكانة العالية منا، بل هي فطرة الله بالنفس البشرية منا من يرويها ويزهرها لتظلل على جميع من حوله ومنا من يجحد بها حتى تجف وتعدم داخله مدمرة من حوله.
اليوم تعلمت ان الحب ليس اللبنة الضرورية لأساس قوي فهناك ما هو أهم وأسمى منه
وهنا يستحضرني الحديث الشريف وقول رسولنا الكريم
"إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ"
صدق رسولنا الكريم فمكارم الأخلاق أن وجدت في قلب أصلحته وزهرته وأثمرت أجمل ما به.
يتبع.....
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.