recent
جديدنا

وما ملكت أيمانهم الفصل الثامن


رواية "ومَا مَلَكَت أَيمَانُهُم" 

بقلم أمل محمد الكاشف


هدأ بكائها تحركت مبتعدة عنه وهي تستتر بغطاء الفراش وكأن الرابطات تركت شيء يرى، ورغم ذلك احترم خجلها وأخفض نظره متحدثًا 
"هيا ارتدي ملابسك لتنامي براحة وهناء يكفي اليوم بهذا القدر، أبقي الباب مغلقًا كما هو. لا تخرجي للخارج دون إذن مني. غرفتي بجوار غرفتك يتوسطنا عازل خشبي جهة الشرفات يمكنك المجيء لي أو مناداتي بأي وقت. ان دفعتيه بلطف سيتحرك معك بسهولة"
أومأت برأسها ليتحرك هو جهة الشرفة من جديد
أسرعت بسؤالها 
"وماذا أن جاء الأمير ''
ابتسم وجهه مجيبًا دون النظر لها
"اتضح كم أنتِ مولعة بلقاء ولي العهد"
ظلت مخفضة الأعين ليكمل هو 
"كما اخبرتك لن يأتي أحد لغرفتك نامي وارتاحي وبالصباح نكمل حديثنا"
أكمل سيرة ليدخل غرفته متوجهًا نحو بابها ليخرج حاملًا غضبه بوجه وعينيه.
……
جلست صوفيا على الفراش ملتقطة أنفاسها الهادئة تطمئن قلبها الذي أبى أن يتخلى عن قلقه وخوفه وحزنه على حاله.
نظرت للرابطات الملتفة على جسدها وهي تتذكر حديثه وبكائها داخل صدره
تحركت بصمت لترتدي ملابس النوم دون ان تتخلى عنهم فكيف ستتخلى وداخلها مهزوم.
 مهموم. غير ساكن. يخالط الحزن الالم، الماضي المرير بالحاضر الخفي، الثقة والخوف. نامت على فراشها رافعة الغطاء عليها حتى اعتلى كتفيها.
دخل ولي العهد بكل قوة وغضب غرفة الحجز التي تم إحضار صمدي بها وهو يتسائل
"ماذا فعلت! لماذا اتيتم بي إلى هنا؟ ماذا تريدون؟"
فتح الحراس باب الحجز أمام ولي العهد ليسرع صمدي بالتحدث 
"من الواضح انك اكبر منهم شأنًا، كن رحيمًا بي لا اطمع سوى بعدالة المملكة"
امسكه سيف الدين من ياقته وبدأ بلكمه في وجهه عدة لكمات كأول لقاء بينهما من بعد البيع البخس، صرخ صمدي بغضب 
"سأشتكيكم للسلطان"
رفعه بقوته المكمونة بعضلاته القوية من على الأرض ليلكمه من جديد مطرحه أرضا وهو بحالة أسوأ من الأول.
اغمض ياغيز والمسؤول عن أمن القصر عينيهما حين امسك ولي العهد السوط وبدأ يجلد صمدي عدة جلدات متتالية خشي ياغيز من مفارقة الرجل للحياة وهو تحت يديه.

اقترب لحثه على التوقف 
"دعهم يكملون عقابه دون تحرير روحه من قبضتنا، فمن الواضح أنه أذنب ذنبًا لم يذنبه غيره بالمملكة"
نظر ولي العهد لياغيز بغضب 
"هذا ما نعتقده ولكن ما يجري وراء ظهورنا أكبر وأعظم مما نراه في غرف الحجز"
ألقى بالسطو جانبًا مكملًا
"ولكني سأجد حلًا كي أخلص الناس من كل ظالم يسلب حريتهم وحقوقهم"
خرج ياغيز هو وكبير مسؤولي أمن القصر وراء الأمير وهم يقولون أخبرنا بذنبه كي نوقع عليه أشد العقاب
نظر لهم متذكر أمرها رافضًا فضح سترها. تحرك مجييًا عليهم
"انا من سيتولى عقابه بنفسي"
تركهم ليذهب لغرفته من جديد، وقف بها محاولًا تهدئة غضبه وضيقه الذي لم يهدأ كلما تذكر قسوة ما فعله صمدي بها.

لقد ظل صامتًا من قبل كونه أخاها وايضا كونه لا يعلم حقيقة ما عايشته تلك المسكينة من ألم كبير.
تحرك ببطئ كي يذهب لغرفتها ليجدها نائمة على فراشها بوجه يشرح وحدتها وحزنها.

اقترب من الإضاءة ليخفف حدتها ناظرًا نحوها بحزن كبير، حك عينيه من أثر النعاس نظر للباب ثم نظر للفراغ بجانبها على الفراش الكبير قائلا لنفسه
"أخشى أن تستيقظ بمنتصف الليل ولا تجد من يمتص خوفها"
اقترب ونام بجوارها وهو يبرر لنفسه 
"لأجل حمايتها. لن أنم سأبقى مستيقظًا حتى شروق الشمس واذهب بعدها لغرفتي"

صعد واستلقى ساحبًا طرف الغطاء بحذر.
كان هذا آخر عهده بوعيه قبل ان يفقده من شدة نعاسه، ظل نائمًا بجوارها يتقلب ذات اليمين وذات الشمال حتى استيقظ ليجدها بحضنه
اتسعت عينيه وتشبثت جوارحه لدقائق، تسحب شيء فشيء حتى أخرجها من حضنه ليستقيم بوقوفه ثم خروجه السريع من الغرفة كي لا تراه.
ذهب لغرفته بوجه يبتسم من سخرية ما كان به، ألقى بنفسه على فراشه وهو فاتح يديه وقدميه مبحر بحياة الحرية والعزوبية منفردًا بفراشه ليكمل نومه العميق.
بدأ يوم جديد مليء بالاستعدادات لاستقبال الضيوف وتجهيز الأميرات والجواري والضيافة والكثير الكثير مما يذهب العقل انبهارًا به.

فتح سيف الدين عينيه ليجد صورته على الحائط المجاور للفراش تذكر أمر فتاته تحرك سريعًا كي يرفعها.
بهذه اللحظة أتت السلطانة رفيدة لغرفته نظرت للصورة المرسومة بيده 
"ما الخطب هل سقط مسمار الحائط"
نظر للصورة ثم نظر للمسمار متفاجئ بظل صوفيا يقترب من الساتر الخشبي. تحدث مسرعًا بقلقه
"مللت من لون بدلتي الحمراء. سأذهب لاامرهم برسم واحدة جديدة باللون الأخضر.
حدثته قبل خروجه من الغرفة
"هل ستذهب لتأمرهم بملابس النوم. ام انك نسيت وضعك جراء ركضك بالصحراء "
نفى بحركة رأسه فاتح أزرار قميصه الطويل 
"سابدلها على الفور"
غضبت عليه "هل ستبدل ملابسك امامي!"
ابتلع ريقه اكثر وهو يرى صوفيا من انعكاس صورتها على زجاج شرفته تحاول فتح العازل الخشبي. ازداد توترًا وسرعة بالكلام قائلًا
"سلطانة قلبي غالية القصر هل تسمحين لي ان أبدل ملابسي على وجه السرعة. تعلمين اليوم يوم كبير ولدينا الكثير من الأعمال علينا الاهتمام بها"
تحركت السلطانة لتبدأ حديثها وهي تنظر نحو الشرفة لتتفاجئ بحفيدها يقترب بسرعة  لأحتضنها ناظرًا جهة الشرفة وهو يقول 
"سأجهز وأتي لأجلس معك اشتقت للحديث معك والتعلم من بحور علمك وخبرتك"

سيطر عليها وتملك قلبها من جديد، تعجبت من تحركه بها حتى اوصلها لباب الغرفة مكرر طلبه لتبديل ملابسه وكأنه عاري. 

تركته وذهبت لصغيرتها حفصة لترى ما فعلنه الوصيفات بأمر طول الفستان.

هم ولي العهد بسيره نحو الشرفة لولا طرق الباب ودخول ياغيز ومن خلفه الخدم قائلا وهو يغمز بعينه ويكز على شفته
 "احضرت لك ما طلبت يا مولاي"
اوما سيف الدين برأسه 
لينظر ياغيز للخدم قائلا
''اتركوا ما بيدكم وعودوا لعملكم"

كاد أن يغشى على سيف الدين وهو ينظر للفستان والتجهيزات التي زفت لغرفته امام اعين الجميع. رفع نظره على الخدم وهم يخرجون من الغرفة قائلا 
"هل تدير الأوامر السرية بهذا الشكل؟"
انحنى ياغيز قليلا للأمام
"انا تحت امر سيادتكم فلتحلم ونحن ننفذ بسرية كبيرة "
وضع كف يده على عينيه ليمسحهم محاولًا أن يؤكد لنفسه أنه مستيقظ، اقترب منه ياغيز متحدثًا بصوت منخفض
"بعد قليل ستصل لغرفتها الوصيفات كي يتولوا أمر تجهيزها" غمز بعينه مجددًا 
"لا تقلق كل شيء تحت السيطرة سعادة حضراتكم أمن قومي"

أومأ سيف الدين برأسه 
"كنت اتسائل ان اراد العدو اختراق نظامنا الأمني كم سيستغرق من الوقت"

اسرع ياغيز مجيبًا بثقة
"لا يمكن لأحد اختراقنا. كل شيء تحت السيطرة، السرية الحكمة وأخذ الحيطة من أولى اهتماماتي"

اوما براسه مجددًا وكأنه متأكد مما يسمعه، اقترب ياغيز منه ليشعره بقرب نهايتهم
"لا أحد سيعلم مكانها. ساصطحبها لحضور الحفل ومن بعدها ساعيدها لغرفتها دون أن يشعر أحد بذلك ثق بي"

وتحرك بهذه الثقة ليخرج من الغرفة، نظر سيف الدين للفستان وملحقاته قائلا بنبرة ساخرة مما سمع قبل قليل 
"هل استجيب لطلبها واذهب لاضعها بالكوخ واعود"
تذكر قول ياغيز كل شيء تحت السيطرة
محدث نفسه
 "لا يخيفني إلا ثقته العمياء"
فتحت العازل الخشبي متسللة بحذر لتختبئ خلف أبواب النافذة مخرجة طرف رأسها لتمد عينيها داخل الغرفة
"اشش، أنت، أنت، ياهذا"
ابتسم فور سماعه لصوتها استدار قائلًا
''صباح الخير يا مولاتي"
خرجت من خلف باب النافذة وهي تحدثه بغضب
"أين أنت؟ توقعت مجيئك مبكرا وايقاظي لصلاة الفجر،  كيف تركتني دون صلاة"
وقبل أن يجيب سألته
"هل صليت فجرك اليوم؟"
هز رأسه بالنفي لتكمل هي
"الشكر لله لست وحدي من إضاعه، وجدت من اشتكيه لله فإن أتيت وايقظتني كنت سأصليه''
تعجب مما قالته مدافعًا عن نفسه
"ولا تزر وازرة وزر أخرى"
ردت بقوة 
"كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه"
ابتسم بوجهها ابتسامه لم ترسم عليه من قبل، لمعت عينيه المبتسمة وتعطرت رئتيه بعطر نسيم لم يهب جدرانهم من قبل، رفرفت الفراشات حوله وانتعش القلب بهجة مستمتع بصفن جوارح الأمير لحديث من كانت تدور بغرفته  من زاوية لأخرى ممسكة بالتحف الأثرية والنقوشات النادرة على الجدران والحلي المطعم بالذهب على منسوجات الستائر وأغطية الفراش وهي تثرثر بأحاديثها كالعادة.
اقترب من مكتبه ليجلس عليه ممسك بقلمه مقرب أوراقه منه ليكتب ما هب وتدفق بمشاعره 
"وكأنها وردة طائرة لا تحمل شيء من هموم الحياة. تتراقص مداعبة الفراشات المحيطة بها، تتلألأ ببريق أشعة الشمس الذهبية وهي تندمج مع ألوانها الزاهية، كزهرة فرحت حين شعرت بقطرات الندى المتساقطة عليها في فجر يوم مليء بمعاني الحب والأمل والتفاؤل مصدره لمن يراها الشعور بحبّ صخب الحياة".
 صدر صوت عالي أفزعه وجعله يركض نحوها ممسك بها ليرفعها بحضنه وهو ينظر لجبهتها بابتسامة خفية. غضبت عند شعورها بها وتحركت لتقف 
"لا تقل عني خرقاء هي من سقطت علي دون لمسها، وايضا ما الداعي لوضعها بالأعلى هكذا"
رفعت يدها لتضعها على جبهتها مكملة
"كيف تترك كل هذا الجمال والتنعم وتكتفي بحياة الكوخ والتجوال في الغابات "
رفع حاجبه بتعجب
"هل تغير رأيك فجأة عندما رأيتي جمال غرفتي، أقول لنفسي ماذا سيحدث بعد حضورك حفل اليوم ورؤيتك لما به من تحضيرات"
اجابته بعيون لا زالت تتجول في غرفته
"ولما الكذب أعجبني طرازها فلاول مرة بحياتي أرى جمالًا كهذا وكأنه يشبه قصص الأساطير القديمة التي كان يقصها جدي علي"
ابتسم بسؤاله
"أخشى أن ترفضي العودة معي بعد الحفل"
وقبل أن تهمٌ بردها اكمل هو 
"انتظري أم إنكِ ستندمين على اضاعة فرصة قضائك ليلة العمر مع ولي العهد أمس"
زفرت بإجابته فور تذكرها خوفها بالأمس 
"ليقضي لياليه في جهنم ان شاء الله "
شهق وبرقت عينيه ذعرًا  
"أعوذ بالله"
رفع يديه ليحرك الهواء فوقها وحولها. سألته بتعجب 
"ماذا تفعل!"
 نظر لها بعيون واسعة
 "امنع صعود دعائك للسماء"
ابتسمت بوجهه القريب منها
"لا تخف لا يظلم أحد عند رب الكون المطلع على قلوبنا فليدعو من يدعو لن يصيبه إلا ما يستحقه"
وضع يده على صدره ليتنفس الصعداء 
"ونعم بالله. الحمد والشكر لله على عدالة السماء وإلا كنا نسيا منسيا الآن"
سألته "هل تحب السلطنة و ولي العهد لهذه الدرجة أم أنك تخشى ذهاب نعيمك برحيلهم؟"
لاحظت تمعن نظراته بعيونها الخضراء وهو يقول "أرى إنكِ أصبحتِ شغوفة بمعرفة تفاصيل الحياة الملكية هنا"
أومأت برأسها 
"لا أكذب عليك حدث ذلك فمن يرى كل ما نحن به ولا ينبهر، دعنا نؤجل ذلك لنجد ما نتحدث به أثناء رحلاتنا، وهيا اذهب وتوضأ لتصلي تأخرت على قضاء فرضك"
سمع صوت الحراس بالخارج وهم يقولون 
"دستور"
اتسعت عينيه واسرع بها نحو الشرفة ليعيدها لغرفتها، رفعت صوتها 
"ما بك لماذا تجرني هكذا كالبهائ.."
وضع يده على فمها ليصمتها قائلًا
"كي لا يعيدوكِ إلى  قسم الحرملك أن علموا بوجودك طبعا، لذلك عليكِ أن تتوخي الحذر بمجيئك لغرفتي، أو دعينا نتفق على شيء أفضل لا تأتي لغرفتي حتى أتي أنا إليك"
سمعت صوفيا صوت فتاة يأتيهم من الداخل 
"أين أنت هل أختفيت من جديد"
نسيت حديثه مجيبة عليه
"جاءت حفصة حبيبة الروح هيا اركض إليها كي لا تحزن منك"
ابتسم وجهه وتحرك مسرعًا مؤكد عليها
"لا تنسي ما قلته. وأيضا  الأفضل أن لا تخرجي للشرفة كي لا يراكِ أحدهم من الأسفل "

ترقبت سرعة خروجه فإنتابها الفضول في تتبعه ورؤية الأميرة حفصة. خرجت للشرفة بحذر متعمدة الابتعاد عن الأسوار كي لا يراها أحد من الاسفل. اقتربت من الساتر الخشبي ناظرة نحو الغرفة لترى انعكاس حضنهم ودورانه بها بوجهه الفرح وضحكاتهم العالية.
تسمرت امام جمال حبهم وأحاديثهم التي لم تسمعها من كثرة شردوها بنبرتهم الفرحة.
حدثها قلبها الحزين 
"من الواضح أن الفتاة محقة. سيأتي علي يوم أسعد ببقائي في الحرملك مثلهم"
اقترب سيف الدين بحديثه من جانب باب نافذة شرفته ليتفاجأ بوجودها.

لم ترى قرب تخطيه عتبة الشرفة من شدة شرودها. تحركت لتعود لغرفتها وهي تكمل حديثها مع نفسها
 "أقترب موعد زواجه ودخوله الأسرة الملكية من أوسع أبوابها. جيد نعم من الجيد أن يجد رفيقة دربه على هذا النحو والسعادة"
تذكرت عيونه الباسمة وصوته الرحيم وصدره الذي لم تتلقى كجبر التجائها له.

استندت بظهرها على الجدار الجانبي للنافذة متذكرة استيقاظهم لصلاة الفجر وسحبها له لتدخله خلف الساتر الأسود كي يأخذ حمام دافئ يزيل عنه جهد وعرق الترحال قبل نومه. كادت ان تدمع عينيها وهي تتذكر اخر أيامهم بالكوخ حين كان يتذمر بتناوله الطعام قبل نومه وتقترب هي للضغط عليه حتى أنها بآخر مرة وضعت له الطعام في فمه لعدة مرات متتالية حتى لا ينام وهو جائع.

دخل غرفتها باحثًا عنها ليجدها على حالها شاردة سألها " ما بكِ"
انتفضت بخوف هدأ عندما أيقنت انه هو لا غيره، رأته مقترب من الفراش ليضع فستان منفوخ عليه ثم تحرك للشرفة من جديد ليأخذ من ياغيز باقي مستلزمات الفستان والحلي.
سمعته وهو يحدث من في الشرفة 
"كما اتفقنا ستتولى أمر نزولها للحفل وصعودها قبل انتهائه وشعور الآخرين بوجودها".
علا سيف الدين صوته قبل ان يُجاب عليه أمرك مولاي قائلا 
"هيا هيا أسرع دون كثرة كلام"
هم ياغيز بقول امرك مولاي. ليفتح سيف الدين عينيه بقوة
 "لا تتحدث ولا بكلمة.  لا اريد تقصير بأي شيء هيا أسرع"
لبى ياغيز أوامر الأمير الذي دخل عليها الغرفة مجددًا 
"ما بكِ لما تقفين بعيدًا هكذا، هيا اقتربي لتري هل يناسبك مقاسه ام نأتي بغيره"

أضاءت  عينيها بجمال لونه البنفسج اللامع، اقتربت بوجهها المبتهج لتقول 
"هل سأرتديه بالحفل!"
أومأ برأسه
"هيا اسرعي لنرى مقاسه"
رفعت نظرها عليه
"هل هو من إحدى فساتين الأميرة حفصه"
نظر لها باستغراب لتكمل 
"سألت كي لا .."
قاطعها
 "وهل مقاس فراشتنا حفصة يناسبك، انها قصيرة ونحيفة عكسك تمامًا"
ابتلعت ريقها وهي تستمع له
"ذهبت لقسم تفصيل فساتين الأميرات بالقصر واخترته لكِ من بين اكثر من واحد، لفت انتباهي لونه ذكرني بذلك الذي اشتريناه من المرأة الطيبة ولأجل معرفتي بحبك لهذا اللون أمرت أن يجهز بمستلزماته"

لم تنتبه لكلمة أمرت حين غاصت وابحرت في حرير ملمسه وبريقه وتدرج لونه كموج البحر. رفعته و وضعته عليها مقتربة به من المرآه "اعتقد ان مقاسه جيد. لا تقلق إن كان واسعًا سأكثر من لف الرا….."
عُقد لسانها عن نطق باقي حديثها ناظرة عبر المرآة على اقترابه وقوله بحدة
"ألم أأمرك بالتخلص من تلك الرابطات، أم تريدين ان اخلصك منها بيدي"
استدارت لتقف مقابلة 
"سأفعل حين اعتاد على الفكرة"
رفض وأصر على نزعها للرابطات أمامه، أحمر وجهها خجلًا 
"كيف الان وايضا أمامك"
"كي تفكري أكثر من مرة قبل أن تعصي أوامري"
هزت رأسها بالنفي 
"لم اعصي عمدًا ولكني غير معتادة"
"هيا أنزعهيهم الآن"
هزت رأسها بالنفي وعيون راجية 
''كيف سافعلها امامك" 
سيطرت عليه الفكرة وأصر عليها بدوافع مختلطة غير مترجمة له، هل حقا يريد تحريرها من الماضي. ام انه غضب لعدم تنفيذها لأوامره كما اعتاد أن يطيعه الجميع، ام يفعل بها كما كانت تفعل به السلطانة حين تفرض أشد العقوبات عليه كي لا يعصي الأوامر الملكية مجددًا، أم أن مشاعره الجديدة واهتزاز عرش مُلك قلبه أمامها كما لم يهتز لفتاه قبلها جعله يصر على رؤية حقيقة ما أرادت اخفائه عن الجميع"

تملكه قلبه وعناده لتجده يرفع يده نحو حجابها ليرفعه عن رأسها بمحض فضول كبير راوده عدة أشهر لمعرفة شكل وجمال تتويج رأسها بتلك الخيوط الذهبية التي كان يجمعها من الحمام خلفها. 
اغمضت عينيها بخجل وشعور انها ستصبح ملك يمينه حقًا بعد تنفيذه لما قاله بيده، استسلمت بعينها المغمضة محدثة ربها 
"{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} …."
شعرت بيده تلامس رأسها لتقول داخلها
"وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ"
سلمت أمرها لله مستسلمة لأمر كانت تنتظره على مدار الأربع أشهر دون حزن أو خوف لما شعرته من ثقة وتآلف ورحمة بقلب ذلك الرجل الذي لا يزال شخصية غامضة بالنسبة لها، سلمت أمرها وهي تعلم إمكانية حدوث ذلك لمرة واحدة فقط جراء شهوة عابرة، سلمت أمرها له وهي ترى الاميرة تضحك بحضنه.
 حدثته داخل نفسها
"رغم اختلافك عنهم إلا أنك تشبههم بالتعدد. تحضنها وكأنها الأولى والأخيرة. وبعد دقائق تهم على غيرها. مسكينة الأميرة كانت تشعر انها امتلكت الدنيا وهي بحضنك" 

سمعا صوت يأتيهم كطرق على باب النافذة
"مولاي ، مولاي"
تركها مسرعًا نحو الصوت ليجد ياغيز يتحدث بصوت منخفض
"عليك أن تتجهز بسرعة السلطان يستدعيك كي تنزلا سويًا ترحيبا بالحضور"

تحركت وأغلقت نافذة الشرفة بإحكام مسدلة عليها بالستائر البيضاء مسرعة بخلع ملابسها ونزع الرابطات بيدها قبل عودته.

رفعت الفستان من على الفراش لترتديه بسرعة كبيرة مغلقة فتحاته بالاربطة الذهبية التي تزينت بها أكتافها وصدرها وجانبي الخصر، فرحت لوجودها فلم تكن تلك الاربطة الذهبية للزينة فقط بل للتحكم بمقاس الفستان. أما أن تعقدهم ليصغر الحجم أم ترخيهم ليصبح واسعًا.
فرحت بجمال حجابها وملحقات الزينة كالخاتم ذو الحجر الذهبي والعقد المرصع بالورود. طار عقلها فرحًا حين رأت الحذاء الذهبي اسرعت بارتدائه وهي تحسس عليه بحنو وفرحة واستمتاع.

وقفت امام المرآة تنظر لنفسها وكأنها أصبحت أميرة حقًا، أخذت نفسًا طويلًا لم تستطع إخراجه من شدة حماسها وفرحتها.

طرق باب الغرفة لتستمع لصوت يقول لها
"بدأ الحفل جئت لاصطحبكِ للأسفل"

أنهت ما تبقى ثم رتبت الغرفة بلمح البصر ووضعت كل غرض بمكانه وتحركت لتخرج مطفئة الإضاءة خلفها.
لم يرفع ياغيز نظره بها احتراما للقوانين، سار امامها يحثها على الاهتداء به حتى اقترب من عمود كبير وسط قاعة الحفل قائلا لها "ابقي هنا حتى أعود لاصطحبك للأعلى من جديد"

اومأت برأسها دون النظر له ليبتعد هو من جوارها تاركها منبهرة بما حوله من حلي وزينة وتصميم الملابس السارقة للقلب قبل العقل. تعجبت من ارتداء الجميع قناع خاص على وجهه. الفتيات باللون الأبيض بينما الرجال بالاسود. تذكرت امر قناعها بالأعلى لم تكن تعلم وجوب ارتدائها له.

خجلت و خفضت عينيها لتزداد جمالًا على جمالها الرباني. 
لم تلاحظ عيون سيف الدين المعلقة عليها حين اقترب منها أحد النبلاء قائلا
"من الواضح أن أميرتنا تذمرت على قناع الحفل. اعطيكِ الحق بهذا فانا ايضا لم أحب هذه العادة"
ابتعد سيف الدين خطوات عن السلطان وهو يراقب حديث الرجل معها. فار الدم بعروقه ليلتفت يمينه ويساره باحثا عن ياغيز بعيونه ليجده بالجوار يضحك مستمتعًا بالحفل، مال عليه بصوته القوي 
"اذهب وابعد هذا السئيل عنها"
لم يفهمه بأول الامر من شدة صخب الاصوات العالية نظر تجاه نظرات عين الأمير ليفهم قرب قيام قيامته. تحرك مسرعًا ليقترب منهم ويمد يده ليسلم على يد الرجل الممدودة أمام صوفيا وهو يرحب به ويصطحبه للجانب الأيمن.

فرح الرجل باهتمام شخصية مرموقة في القصر به ونسى امر الفتاة الجميلة التي اصبحت محط الانظار لجمالها وعدم معرفة حسبها ونسبها والأكثر لعدم ارتدائها القناع.

اقترب الأمير من إحدى الجواري جانبه
 قائلا لها 
"اذهبي واعطي تلك البنفسجية قناع تغطي به وجهها كي لا تصبح غريبة عنا، لا تتحدثي معها اعطيها القناع وعودي مكانك"
فرحت الجارية وطار عقلها بمجرد أنها حظت بحديث مع الأمير. بهذه اللحظة وصلت السلطانة الأم للقاعة متأخرة عن موعدها لترى حديثه مع الجارية.
ابتسمت وقالت 
"حسنا لتكن فاتحة خير عليك"

تحركت وعينيها تراقب الفتيات اللواتي بجانب ذويهم تعلم نسبهم رغم اقنعتهم فجميعهم معروفين ومقربين هم وعائلتهم للمملكة منذ سنوات.
تحدث السلطان نجم الدين لابنه بفرح 
"وصلت الهدايا الروسية . حلال عليك يا بني تم اختيار جميعهم لك كي تنهي حياة العزوبية بناء على أمر جدتك السلطانة. لا تحزن علي حجزت ثلاثة لي قبل تسجيلهم مع البقية"
ابتسم سيف الدين لأبيه 
"لا تقلق سيكونوا جميعهم لك "
رفض السلطان 
"لا هذه المرة غير سابقتها امي اعطيها الحق فيما فكرت به حتى ان اردت ساتنازل عن الثلاث الذين آثرتهم لنفسي حتى تتأمل جيدا في عظمة الخالق جل وعلا " وقبل أن يعترض سيف الدين اكمل والده
"لن تجدني بصفك حتى بحلمك. قُضي الأمر. اريد ان افرح باحفادي الجميع تزوج أولاده وأصبح جد الا انا"
اقتربت السلطانة منهم لتقول 
"يثيرني فضولي حول الحديث الشيق الذي سلب عقولكم عن الحفل والمدعوين"
أخبر السلطان امه انه كان يؤكد على ابنه ضرورة الخضوع والاستسلام لقرارها الجديد.
أومأت برأسها وهي تقول لحفيدها
"انت مضطر على ذلك حتى اجد عروس تناسبك"
دارت بنظرها وهي تكمل
"جميعهم دون روح، ابدأ حياتك كما أخبرك والدك وأنا سأجد لك من يناسب عرشك"
بدأت موسيقى الرقصة تحركت السلطانة الأم مكملة 
"سأصعد لاتحدث مع عمك يريدني بأمر مهم واعود بعد انتهاء الحفل لا داعي لاعطائك خاتم الزواج لنؤجله حتى نجد من تليق به. هيا اختر من تريد الرقص معها وبعد أن تتوقف الموسيقى  تمنى لها حياة طيبة".
ضحك السلطان وهو ينظر للعامة 
" لا أعرف من أين أتت ثقتك بإتمام هذه الرقصة مع احدى الفتيات، من المؤكد أنه سيفعل فعلته ككل مرة"
نظرت السلطانة الأم لولي العهد قائلة
"اقسم ان هربت هذه المرة او اتخذت من حفصة شريكًا لك سأمنع عنك متعة ترحالك"
قاطعها بوجه مبتسم 
"لا تقلقي لقد اعطيتك وعد كبير هذه المرة"
نظرت له برضا تحركت بعده لتصعد لغرفتها. 
تحدث السلطان نجم الدين 
"وأين ذهبت المبادئ وحرمانية الرقص مع غير المحللين لك. هل ستبيع مبادئك لأجل التنزه"
أومأ برأسه فرحًا
"من الواضح أننا مضطرين على أداء الرقصة بهذه المرة وإلا سيسوء الوضع واحرم من حرية انفاسي وليس تنزهي فقط"

تحرك تارك والده في دهشة وتعجب وترقب، توجه نحوها وهو يرحب بجميع الانظار التي تتلألأ امامه كلما اقترب من فتاة طارت فرحا واسرعت دقات قلبها لشعورها بقرب تحقيق حلمها.
انتبهت صوفيا لهذا المشهد الغريب عنها اصبحت تنظر لفرحة الفتيات وحزنهم الشديد فور ابتعاد الأمير عنهم.

حتى صُدمت بنظراته لها واقترابه منها، نظرت حولها فلم تجد غيرها تحركت ببطئ للوراء ملتصقة بالعمود الكبير لتدور معه شيء فشيء حالمة بخروجها السريع من باب قاعة الحفل.
اتسعت عينيها وتسارعت ضربات قلبها كما قلت انفاسها بمجرد شعورها بيد تمسك يدها من الخلف.
تسمرت بمكانها دون أن تستدير 
"ساعدني يا الله. ساعدني. كيف أرفض الأمير. وكيف اسلمه نفسي وانا ملك غيره"

سحبها وتحرك بها لوسط القاعة. بحثت عينيها عن مالكها دون ان تجده فكرت أن تخبر الأمير انها صاحبة رجل آخر وتعتذر عن الرقص معه ولكن كيف ستخبره وهي لم تعرف حتى اسمه.

وقف بمنتصف القاعة ناظرًا لها وهو يمد يده
كي تبدأ رقصتها معه
تحدثت بصوت مرتبك 
"أيحق لي ان اعتذر لأجل… "
اقترب ليمسك يدها ويرفعها على كتفه ثم امسك يدها الاخرى رافعها للأعلى وهو يستمع لها
 "مولاي لدي أمر خاص لا يمكنني الرقص مع حضراتكم "
وضع يده على خصرها لتنتفض شاهقة بقوة لم تظهر للجميع حين سحبها ليقربها له وهو يتحرك بها قائلا
"هل يرفض الأمير لأجل رجل بسيط"

تعجبت من قوله ونبرات صوته. تحرك بسرعة أكبر نحو اليمين وهو يتملكها من خصرها كي لا تسقط مكملًا
"كيف خُدعت كل هذه المدة! كان علي أن أتوقع وجود سر كبير بين حجمك ووزنك"

التقطت انفاسها اخيرا 
"أأنت! سامحك الله ماذا تفعل هنا؟ هل وقع على عاتقك الرقص بدلا من ولي العهد"

ضحك وهو يلقي بها أمامه لتتفتح كوردة بمنتصف ربيعها ثم سحبها لتغلق بين يديه قائلا
 "أرى أن درس الرقص أتى بثماره جيدًا"
غضبت بقولها 
"لماذا لم تخبرني كنت سأموت…"
قاطع حديثها برفع يده ليديرها أمامه مستمتع برفرفة فستانها لتشبه زهور البنفسج بالكمال والتمام.
ضمها له وبدأ يتحرك بها يمينًا ويسارًا دون أن يعطيها فرصة بالتحدث.
انبهر الجميع بمهارة رقص ولي العهد التي يرونها لأول مرة. حدثته بصوت خافت
"تبقى القليل على سقوطي مغشيًا علي. لا تقل انني لم أخبرك. انهي الرقصة كي لا نفضح"
أجابها بضحك "امرك يا مولاتي"
اجابته بضيق 
"انا جادة بذلك هيا لننهي الرقصة ونعود للكوخ"
دار بها عدة مرات بشكل سريع انهاها بانحنائه عليها حتى اقتربت قامتها العلوية من سطح القاعة.
اغمضت عينيها خجلًا من قرب وجهه لوجهها 
"لا تفعل. رجاءً لا تفعل أمام هذا الجمع"، حدثها ليذهب عقل الجميع بانسجامهم 
"وما المقابل"
ابتسمت لتذهب عقله هو هذه المرة 
"لنعد للكوخ ولك ما تأمر به يا مولاي الأمير"
وقف ليوفقها بجانبه دون أن يترك خصرها متسائلًا
"جميع ما أأمر به! هل انتِ متأكدة من ذلك"

خجلت مخفضة برأسها لتزداد جمالًا فوق جمالها الغير متكلف، انتظر الجميع إخراج الامير الخاتم وتلبيسه لتلك الفتاة التي علت علامات الاستفهام بحديث الجموع
 "من هي. ولاي عائلة تنتسب، هل من داخل المملكة أما من بلاد مجاورة لهم"
اقترب ليحدثها بصوته المنخفض 
"فعلت ما تريدين وأصبح لي دينًا برقبتك"
أعلن عن انتهاء الرقصة عبر بوق مكبر للصوت، ليفعل ولي العهد الأمير سيف الدين المتعارف عليه في هذا الوقت.
رفع قناع وجهه وهو يلوح للجموع ويشكرهم على حضورهم ومشاركتهم استمتاعهم.
اتسعت عينيها وهي تنظر لحديثه مع العامة وملابسه مستمعه باذنها قوله بأول يوم التقيا به
"أنا الأمير سيف الدين ولي عهد السلطان نجم الدين الكبير "


يتبع .. ‎إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.

 



وما ملكت أيمانهم الفصل الثامن
Wisso

تعليقات

3 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف24 نوفمبر 2024 في 11:54 م

    روعه تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Rim kalfaoui photo
      Rim kalfaoui25 نوفمبر 2024 في 2:37 ص

      حلقة جميلة وراقية جدا ومبهجة للقلب بعد ما تطورت العلاقة بينهم واحتواها وعطفه عليها الأمير وخاصة القفلة بعد ما علمت من يكون هنشوف بقي الأحداث القادمه

      حذف التعليق
      • غير معرف26 نوفمبر 2024 في 9:06 م

        ما اجملها من قصة وهذه المرة التانية اقرأها

        حذف التعليق
        google-playkhamsatmostaqltradent