recent
جديدنا

الفصل الثالث

رواية "ومَا مَلَكَت أَيمَانُهُم" 

بقلم أمل محمد الكاشف 







فتح عينيه بصعوبة كبيرة محاولا فهم الوضع الذي هو به، ابتسم وجهه الغارق بالنوم فور تذكره وضعها بحضنه لم يصبه حظه برؤية وجهها المنغمس بصدره، حك أرنبة أنفه بظهر كف يده وتحرك شيء فشيء مغلق عينيه تحسبًا وخوفًا من استيقاظها وخجلها من وضع تمسكها به، نجح بخفته ولياقته التحرر من قبضتها والوقوف بجانب الفراش ليحسن من وضع سترته و سرواله الواسع.

رفع عليها الغطاء وتحرك هاربًا لفراشه سعيدًا بلقائه به وكأنه لم ينم عليه منذ قرون فتح ذراعيه ورجليه على مصراعيهما قائلا لنفسه:
''ما أجمل الحرية، ما أجمل حياة العزوبية".

استند على ذراعه ليرتفع قليلًا بقامته العلوية ناظرا نحوها مكملًا لنفسه:
"من يرى صمتك وحدتك لا يتوقع تمسكك بحضني و نومك داخلي، ما هذا للحظة توقعت انني قبض علي".

عاد ليستلقي على فراشه وهو يزفر أنفاسه ليريح داخله:
"الحمدلله انه كان حلمًا عابرًا".

ضحك ساخرًا من نفسه:
"ما بك يا أسد الأدغال هل خاف داخلك من هذا السئيل".

اغمض عينيه ليتذكر لون يدها وقدميها التي لا تدل إلا على شخص أُسرَ وكُبلَ وعُذبَ مختنق بقوله:
"أي أخ ذلك أعوذ بالله، وكأنه من عصر غير العصر الذي نعيش به".

نهض من فراشه مجددًا مقتربًا من مكتبه أخذ قلم وورقة ليبدأ بكتابة سريعة غاضبة اغلق بعدها الرسالة وصعد للأعلى حيث الصخرة المتحركة زحزحها قليلًا مبتسمًا لرؤيته عودة الحمامة، امسكها ليسحب الرسالة من قدمها ويضع بدل عنها الرسالة الجديدة.

وأطلق سراحها معيد الصخرة بمكانها كان من المفترض نزوله أولا ولكنه قرر قراءة الرسالة بالأعلى من شدة فضوله.

اطمئن لما قرأ قائلًا:
 "إنها البداية فقط".

نزل ونام على فراشه متنعمًا بحريته عليه ليغرق على الفور بأحلامه الجميلة التي تراوده بسحر الطبيعة الفاتن.


وعلى موعدها اليومي استيقظت الفتاة وهي تردد:
 "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور".

نظرت بخوف حولها متذكرة أمر ما حدث من بيعها لرجل غريب لا تعرف عنه شيء استقامت بجلستها على الفراش باحثة عنه لتجده نائمًا، اتسعت عينيها حين رأت وشاحها ملقي على الأرض، نظرت للغطاء الثقيل لتشعر بغرابة الوضع، وبخوف رفعت يدها لتلامس حجاب رأسها ليطمئن قلبها على وجوده وسترها.

تحركت ببطئ وحذر لتأخذ قنينة من الفخار مملؤه بالماء واقتربت من جدار الكوخ لتبدأ بالوضوء.

جلست على اطراف اناملها منحنية للأمام واضعة القنينة أمامها لتبدأ بتشمير اكمامها.

سمعت صوت يأتيها من جهة فراشه:
"هناك ساتر أسود اللون بالركن الشمال الشرقي تستطيعين الوضوء وقضاء حاجتك داخله براحة أكثر".

وقفت بسرعة وخوف تنظر نحوه لتجده يستدير على فراشه ليعطيها ظهره مكملًا:
"اسرعي كي لا يضيع عليكِ فرضك تبقى القليل ليتبين الخيط الأبيض من الأسود وتسود من بعده أشعة الشمس معلنة اشراقتها الذهبية".

فاجأته بسؤالها:
 "وماذا عنك".

ابتسم فرحًا لحديثها معه، اجابها وهو على وضعه دون النظر لها:
"ولماذا أنا مستيقظ ان لم اصلي، هيا اسرعي لتصلي ولكن قبل عودتك للنوم لا تنسي أن تغلقي المصابيح".

تحركت باحثة عن الساتر الأسود حتى وجدته هرولت نحوه كي تسرع بالوضوء، تفاجأت بوضع الحمام والعطور ومستلزمات الاستحمام الفريدة من نوعها فهذا ما علمته من النظرة الأولى للزجاجات الفخمة والروائح العطرة التي تصدر عنها دون الاقتراب منها.

توضأت لفرضها دون أن تسقط نظرها على الزيوت العطرية والصابون الزهري.

خرجت بسرعه لتمد الوشاح على الأرض لتبدأ الصلاة عليه، أنهت ركعتي السنة لتبدأ بعدها بتلاوة الفاتحة في أول ركعة من الفرض بصوت عذب سحره وجعله يعتدل على ظهره ناظرًا نحوها بتعجب كبير.

استرسلت بخواتيم سورة البقرة:
﴿لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).

ركعت ثم استقامت بقول:
"سمع الله لمن حمدا".

رآها ترفع كفيها هامسة بحمد الله ثم سجدت لتطيل السجود وعادت لتعتدل وتسحره بتلاوتها العذبة بسورة الفاتحة ملحقة بها تكملة خواتيم سورة البقرة:
(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.


استقام بجلسته متأثرًا ببكائها في الصلاة حتى كاد ان يدمع وهو يناجي الله داخله:
"والله لم أظلمها ولم اقترب منها، أخاها المذنب هو من ظلمها، أنا لا دخل لي".

خشى بكائها ودعائها لربها وهي تتلفظ هذه الكلمات، زاد خوفه كلما طالت بسجودها ودعائها وبكائها، ارتعد قلبه من الظلم الذي سقط عليها بل دمعت عينيه بحالتها وهي بين يدي الله عاد لينام رافعًا الغطاء على رأسه كي يمسح دمعته وهو يحدثها بنفسه:
{ولاتحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون}.


انتهت من صلاتها وتسبيحها وهي تسترق النظر نحوه لتتأكد من حقيقة نومه.

اقتربت من صرة ملابسها لتأخذها وتفتح عقدتها فلم تجد داخلها إلا عباءة واحدة باللون الأزرق الكحلي نظرت نحوها بحزن كبير ثم أخرجتها لتفتح أكمامها وتخرج ما وضعته داخلها ،كان لها وتيره غريبة بتطبيق ملابسها تمسك العباءة وتضع داخلها ملابسها الداخلية و سروال وسترة وتطبقها مغلقه عليها الاكمام كي لا تبحث او تهدر الوقت حين تقرر تبديل ملابسها، وأيضا كي تخفي ملابسها الداخلية عن عين أخيها الذي كان يعاقبها بنثر ملابسها في كل مكان بالغرفة كي ترهق بإعادة تنظيمهم وهذا اقل عقاب بيوم تحمد الله عليه حين يأتيها عوض عن غيره.

أخرجت العملات الذهبية و وضعتهم بجانب المصباح الأكبر في الكوخ وهنا رأت دائرة حديدية ذات عقارب كبيرة موصولة بسلسال ذهبي، تعجبت من وصول ساعة فخمة كهذه ليد رجل بسيط.

حدثت نفسها باستغراب:
"هل يتنعم بكل هذا كونه انقذ ابنة السلطان من الموت كما يقول".


استرقت النظر نحوه من جديد ليطمئن قلبها بنومه، تحركت وهي تحمل ملابسها و وشاحها الكبير من الأرض وذهبت خلف الساتر الأسود من جديد.


كانت تنوى تبديل ملابسها بسرعة لولا انجذابها للروائح العطرة المميزة، تركت نفسها لما تهوى فماذا يمكن أن يصيبها أكثر مما هي به.


أرادت حمامًا سريعًا غسلت ملابسها و وشاحها ومن ثم بدأت الاستحمام على عجل كما قررت ليحدث عكس ذلك حين سحرت بغسول الشعر والزيوت العطرية التي نعمت جسدها بها، انتهت لتخرج من وراء الساتر بعيون شبه مغلقة من الاسترخاء والهدوء حتى كادت تسقط قبل وصولها للفراش.


لم تتوقع بحياتها قط انها ستنام بعد صلاة الفجر بهذه الراحة والاسترخاء، فبالأمس القريب كانت تبدأ رحلة معاناتها قبل شروق شمس الصباح والان هي حرة بنومها واستيقاظها.


نامت على الفراش بعد أن تلحفت بالغطاء الثقيل متنعمة بفروه الغزير،
حمد الرجل ربه وشهده أنه لم يرتكب بحقها اي سوء، انتظر حتى تذهب بنومها فهذا ما كان متأكد منه بعد أن شم رائحة العطور والزيوت التي تجعله ينام خلف الساتر وقبل وصوله للفراش من شدة الاسترخاء والهدوء الناتج عنها.

أراد ان يغسل وجهه فقط ليخرج بعدها من الكوخ مستمتع بالطبيعة التي سحرته بجمالها.

ولكنه لم يتحمل فوح العطور بكل مكان حوله ليفعل هو أيضا ما فعلته قبل قليل، لاحظ وجود خصلات ذهبية متناثرة حوله ابتسم وجهه واخذ يجمعهم بفضول معرفة نوع وطول هذا الشعر ذو اللون المحبب لقلبة فلم يكفيها سحره بلون رموش عينيها الشبيه لأشعة الشمس اللامعة لتأتي وتزيد عليه بخيوط خصلات شعرها، همس لنفسه:
"كالمروج الملونة بصفرة الزهور في ربيع عمرها".

ابتسم بأعجاب مكملًا:
"بل كعين النرجس الأصفر المحيط ببياضها الرباني".

على الجهة الاخرى في المزرعة جن جنون الرجل السئيل وهو يقسم للجيش الملكي:
"إنه ليس لي، جاء رجل عديم الذمة بالأمس أكل طعامنا وشرب شرابنا وبالأخير رفض ان يعطينا حقنا".

تحدثوا أصحابه ليشهدوا معه:
"صمدي محق هذا ما حدث ونحن شاهدون عليه، جاء الرجل وأراد أن يأكل من خيرات المزرعة بدون مقابل مادي كما يحدث معنا جميعا فبالاخير هذا المسكين يسترزق من مزرعته، جاء وأكل كل ما لذ وطاب حتى انتهى وأراد أن يذهب بحجة نسيانه للأموال".

قاطعهم صمدي بتأكيد شهادتهم:
"نعم ادعى نسيانه للمال وأراد ان يذهب دون ضمان ونحن اتفقنا على أخذ الحصان الذهبي حتى يعود لنا بالأموال".

اقترب أكثرهم دهاءً من كبير الجيش الملكي 
وقال بصوت منخفض:
"لقد سرق الرجل مال الصمدي واخته ولكنه لا يستطيع البوح عن سرقة عرضه كي لا يصبح مضغة بفم الناس من حولنا، اكتفى بسرد قصة الطعام على ان يبحث عنه ويعيد ماله واخته منه، يمكنكم الان استرجاع الحصان الذهبي ومن بعدها تعيدون لنا الفتاة والذهب فنحن نعلم امانة وعدل مولانا السلطان نجم الدين الكبير".


أومأ كبير الجيش رأسه ناظرا لرجاله من حوله قائلا:
"فليأتي الجميع معنا كي نحقق بالأمر ونرى من له الحق ومن عليه".

رد الصمدي بنبرة تثير الشفقة:
"ومزرعتي واغنامي ومحاصيلي واموالي من سيدير كل ذلك بغيابي".

رد احد افراد الجيش:
"لقد صدر الأمر بترك عدة رجال ليرعوها بغيابك ".

ردد الصمدي:
 "أنه ظالم لقد ظلمني".

تخلوا أصحابه عنه محاولين إخراج انفسهم من هذه الورطة كي لا يتم محاسبتهم معه ولكنهم لم يستطيعوا الفرار من الجيش الملكي.

مضى نهار اليوم الأول بهدوء واسترخاء كبير ظل الرجل الخلوق محبس في فراشة خشية منه أن يصدر صوت يوقظها به من نومها العميق، هجر لذة كتابة الشعر متمعن بالنظر إليها بنومها كي يفك لغز هيئتها الغريبة.

رفعت يدها لتضعها على فمها وهي تتثاوب وتتمغط وتتمطط بيديها وظهرها، رفع حاجبيه ومد فمه بتعجب كيف تتحرك بهذه المرونة أليس لديها مشكلة في فقرات الظهر، نظرت صوب فراشه بجهة الشمال الشرقي لفراشها لتجده جالسا ينظر نحوها جلست بسرعة خجلها تلملم عباءتها محكمة اغلاق حجابها وهي ترفع غطائها عليها.

ضحك بقوله:
"ما بكِ هل رأيتِ ذئب بري أمامك".

وتحرك ليُنزل قدميه أسفل فراشه:
"ما كل هذا النوم لقد جعت وفرغت معدتي".

وقفت باستقامة كاملة من سرعتها لتتذكر وتعود لتحني قامتها العلوية:
"سأحضر لك الطعام على الفور".

حدثها بقوة:
"لا داعي لإنحنائكِ أصبحت أعلم بصحة و وضع عمودك الفقري".

أجابته وهي تفتح صندوق الطعام الكبير:
"أؤمرني سيدي ماذا أُحضر لك".

اقترب بضيق:
"اقول لكِ أنني أعلم بوضع ظهرك هيا استقيمي ولا تنحني أمام أحد من بعد الآن أيًا كان قدر خوفك منه، لا أفهم السبب وراء تمثيلك لهذا، اعتقدت انكِ زوجته المسنة او أمه".

اجابته دون الانصات لحديثه:
"يوجد لحم محمر بالزبد هل تريد تناوله بجانب كرات البطاطس والخضروات كما يمكنني تحضير الأرز بجانبه ان أردت ذلك".


هم ليقترب منها كي يعدل قامتها العلوية بيده لولا رؤيته لدموعها مجددًا واختلاط صوتها به:
"سيدي لستُ معارضة لأوامرك ولكنِ احتاج لبعض الوقت كي يمكنني فعلها فهل تسمح لي بذلك أما يتوجب علي فعلها الان".

رق وحزن قلبه عليها ورغم ذلك استجمع عاطفته وشفقته ليقول بقوة:
"نعم افعليها الان هيا ارفعي ظهرك و وجهك ولا تنحني لأحد سوى خالقك من بعد الان، هيا ارفعي وجهك واستقيمي وإلا سأساعدك انا بهذا".

وبدأ يُقرب يديه منها ببطئ كي يترك لها وقتا بفعلها وحدها، رفعت عينيها بعينه بدأت ترتفع بقامتها بجانبه حتى استقامت.

كانت نظراتها ضعيفة مملوؤه بالانكسار والعجز والقهر والظلم والشفقة على النفس وكل الوان الإهانة والمعاناة، رشقت سهام نظراتها بقلبه لتدميه حزنًا عليها تمنى لو ان تركها بانحنائها وكسرة رأسها على ان يرى تلك النظرات التي لم يراها بعيون احد قبلها.

استنشق نفس عميق متحدث بعده:
"عظيم أريدك على هذا النحو دائمًا، هيا تنحي من أمام الصندوق انا من سيحضر لكِ الطعام اليوم".

رفضت متحدثة بصوتها الملغم بالحزن:
"العفو مولاي إنه واجب علي".

ابتسم محاولا إخراجها من حالتها:
"لا يمكن لسمو الاميرة حفصة إعداد الطعام للغرباء بنفسها، ان علم مولاي السلطان بهذا الجرم يقطع رأسي دون سماع افادتي ودفاعي عن نفسي وقولي هي من اجبرتني على ذلك".


كادت ان تبتسم لولا عدم معرفتها كيفية فعلها ورسمها على ملامحها التي اعتادت على الحدة والخشونة.


ومع ذلك رأى بعينيها بريق لامع وهدوء عم على ملامحها المرتخية باستجابتها ولينها له.


ردت على استحياء:
"لا تقلق لن أخبر والدي السلطان عن ذلك".

وبدأت بإخراج الخضروات لتغسلها وتقشرها وتقطعها، بينما أخذ هو اللحم المحمر وبدأ يخرج منه و يضع بالقدر ناظرًا لمهارتها وسرعتها بأعجاب وذهول كبير.

حدثها ليزيل حالة الصمت قائلا:
"عليكِ أن تنشري ملابسك على أغصان الأشجار بالخارج كي يجف الماء منهم".

اجابته بسرعة وقوة قلقها وخوفها:
"لا يمكنني فعل ذلك، ماذا إن رآهم أخي وعلم بمكانك، حينها سيقتلك ويأخذ أموالك ومكانك دون علم أحد".


تذكر حلمه وهو يستمع لبقية حديثها:
"لا تثق بنفسك كثيرًا وأيضا ان اردت العيش عليك ان تبتعد من المنطقة حتى أقول لك يمكنني العودة بالأموال وأقول له هرب لمكان بعيد كي يكف عن البحث عنك، ان عادت أمواله له سيهدأ وشيء فشيء سينسى امرك".

نظر لها باستغراب تحدث به:
"ألهذا الحد ترغبين في العودة إليه؟".

هزت رأسها بالنفي مجيبة بسرعة:
"إن علم مخبئنا وأمسك بك سيقتلك كما قتل من قبلك لا يمكنني تحمل كل هذا الذنب أمام ربي، وايضا ما ذنبك أنت؟ هذه حياتي وأنا راضية بقدر الله لي".


"هل ستعودين لظلمه واستعباده لكِ لأجل حمايتي".


اجابته بقوة:
"ليس لأجلك ولكنِ كما قلت لك لا اريد ان اكون سبب في إزهاق المزيد من الأرواح ظلمًا".

سألها باستغراب ظلل على نبرته:
"ألم تأتيكم اللجنة المفوضة من قبل القصر الملكي".

إجابته بثقه:
"نعم تأتينا مرتين تقربيًا بالعام".

عاد ليسألها:
"لماذا لم تتحدثي لهم وتحكي عن الظلم الواقع عليكِ وما يفعله أخيكِ بالناس".

حركت رأسها باستهزاء:
"وكأنك تعيش بدنيا غير دنيتنا، ألم تعلم أنهم يأتون ليأكلوا ويشربوا ويحملون ما اعجبهم مقابل كتابة تقرير حسن بحقنا، وأن رفضنا سيحدث ما يهابه ويخشاه الناس فيصمتون ويستعوضون رزقهم لله، ومنهم من أصبح يخبئ النعم بعيدًا عن أنظارهم لتفادي طمعهم".

حزن متحدثًا بقوة:
"إن علم السلطان نجم الدين..".

قاطعته بتنهيدة حزينة:
"اترك الملك للمالك وهيا اقبل لتأكل طعامك".

رآها تعود لفراشها سألها:
"ألن تشاركيني طعامي".

هزت رأسها بالنفي:
"شكرًا لا شهية لي عافية لك".

اسرع بسؤالها:
"هل ستعودين للنوم؟ ألم تشبعي منه؟".

نظرت له:
"لا لن انام أؤمرني لأنفذ ما تريده".

أعاد حديثه:
"أخرجي ملابسك بالهواء الطلق".

اجابته بخوفها:
"هل تعطشت روحك للقاء ربها".

اقترب منها ليحدثها بلطف:
"لا تخافي نحن بمأمن لن يستطيع اخاك الوصول لنا او ظلم الناس من بعد الان لا هو ولا أصحابه انتهى أمرهم بصدور فرمان ملكي بحقهم".

تذكرت امر الحمام الزاجل والرسالة التي كتبها متسائلة:
"هل أبلغت المملكة عنهم".

أومأ برأسه:
"نعم والحصان الذهبي ينتظرنا بالخارج لبدء تجولنا في صباح الغد".

اسرعت بحديثها:
"وماذا عن المزرعة الأغنام والدجاج وباقي الحيوانات والمحاصيل".

أجابها بوجه حسن:
"بهذه الحالة يتم تولي المهام لمختصون يراعوها حتى يتم الفصل بأمر صاحبها".

نظر لها مكملًا:
"هيا لنتناول طعامنا لن أقبل بقول لا شهية لي وما شابه أنتِ مجبرة على تنفيذ شروط الاتفاقية التي من ضمنها مشاركتي الطعام دون إهدار حقي".


تحركت لتطيع أمره جلست ارضا وبدأت تشاركه الطعام بصمت وشرود كان يحاكي معاناتها لكل من يراها.


مرت الليلة بشكل هادئ ليكون من نصيبه الاستيقاظ قبل الفجر والوضوء لأداء فرضه.

تحركت هي ايضا لتنهض كي تتوضئ وتصلي متسائلة هل مر وقته ام لا زال هناك وقت لأدائه.


حدثها بصوته الهادئ:
"لا لم يفت وقته ان اسرعتي".


وبالفعل اسرعت بوضوءها وعودتها لبدأ صلاتها متفاجئة به وهو يقول:
"هل تصلين معي؟".

رفعت نظرها به متسائلة بتعجب:
"هل ستؤم بي".

ضحك:
 "ما بكِ وكأنكِ لا تثقين بي".

اومأت برأسها:
 "حسنا ولكن عليك ان تسرع كي لا يمر وقته".

وقف متقدمًا عنها قليلًا ليبدأ بقول الإقامة ومن بعدها كبر تكبيرة الإحرام للبدأ بالصلاة، لم تتوقع ما لمس قلبها من جمال ترتيله الآيات أنصتت لكل كلمة وحرف يخرج منه بقلب خاشع وعيون دامعة من تأثرها بالتلاوة.

أنهيا الصلاة لتمسح دموعها وتجيب عليه:
"ولك ايضا تقبل الله".

استدار بجلسته قبلتها:
"هل نخرج لنستمتع بجمال الطبيعة".

همست بصوت خافت: 
"ولكنِ أخشى".

قاطعها:
 "ثقي بي ، هيا بنا ".

اخبرته بحيرة أمرها:
"ولكن وشاحي لم يجف بعد".

رد عليها:
"ألم يكفيكِ حجابك وستر ملابسك؟، وايضا ألم تتذكري أمر الشرط الثاني وهو ممنوع ارتداءه مجددًا".

التزمت الصمت وبادرت بالطاعة والسير خلفه مطأطأة الرأس
ساعدها بصعود الفرس ثم صعد خلفها منطلقًا بها من جديد في رحلة ولا بالأحلام.

انبهرت بجمال الطبيعة والسير بين حقول الورود والزهور دون أعباء او التزامات، تستنشق عليل الهواء الطلق المعبئ بنسائم الزهور العطرة وهي براحة كبيرة.

نام على قمم أحد الهضاب التي لم تراها من قبل مشيرًا لها كي تقترب وتتمدد بجواره.

لم يتركها وحدها كان يصطحبها ويجبرها بالقيام بكل فعل يقوم هو به كي يخرجها ويهون عليها ما عايشته حتى وإن فرض ذلك عليها
نامت بجواره ناظرة بعيون ضيقة لاشعة الشمس المتعمدة عليهم وهي تقول:
"أشعر أنني سأحترق بعد قليل".

ضحك واستدار برأسه لينظر لها قائلا:
" لا تقلقي ستتحمرين دون حروق".

ابتسمت لأول مرة بردها:
"ومن يضمن ذلك".

جلس بمكانه ناظرًا للطبيعة من حوله:
"هل تمزحين أم انكِ غير مستمتعة!".

مدت نظرها لما ينظر نحوه قائلة بصوت ترتيلها العذب:
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ".

ابتسم وجهه:
"اتسائل من علمك تلاوة القرآن واياكِ ان تقولي أخي".

حركت رأسها بالنفي:
"تعلمته في صغري من جدي رحمة الله عليه كان كفيف بكبره قعيد الفراش اصعد بجانبه لامسك يده ويبدأ هو بتلاوة الآيات وانا اعيدها من بعده حتى علمني قراءته وحفظ الكثير منه، فلولا وفاته كنت أتممت حفظة الان".

اجابها بسعادة بعد ان تلفظ بالبسملة:
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأِولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".

ابتسمت بوجهه مجيبة بتلاوتها:
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ".

تحمس بالاسترسال بتلاوته:

"قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ".

ظل كل منهما يجيب على الآخر بتلاوة آيات الله منسجمين بعذب أصواتهما والتدبير بمعاني ما يقولانه.

كانت هذه الصفوة كفيلة برفع الحواجز والقلق والخوف والضيق من صدورهما بل كفيلة على تآلف قلبيهما وشعورهما باقتراب أرواحهما من بعضهما البعض.


يتبع ..

إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. 



منها "احكي يا شهزاد .... ميقرينوس,,,, عروس بغداد" 



author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

3 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف18 نوفمبر 2024 في 10:05 م

    روعه تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Rim kalfaoui photo
      Rim kalfaoui21 نوفمبر 2024 في 7:22 م

      تسلم اناملك حبيبتي حلقة جميلة وراقية جدا جدا ولما تلتقي أرواح طيب القلب تنسجم وتلتأم مع بعضها البعض

      حذف التعليق
      • غير معرف26 نوفمبر 2024 في 4:39 ص

        ما شاء الله و تبارك الرحمن حبيبتي روعااااتك

        حذف التعليق
        google-playkhamsatmostaqltradent