احكي يا شهرزاد
بقلم أمل محمد الكاشف
رُسم على محياها الخجلُ استحياءً من كلماته لتطفوا أمارات الفرح والسرور على وجهها وهي تستأذن منه لتذهب لألقاء محاضرتها، ابتسمت له الحيـاة من جديد توردت الزهور وفاح عطرها بسمائه وهو يتبع خطاها بعينيه اللامعة من فرحته وكأنه أخذ موافقتها على مطلبه السامي.
تبقى القليل ليرقص على انغام قلبه العازف بطبول ومزامير الفرح، فكر للحظة ان يزف لوالديه خبره السعيد ليحدثه عقله بتأني وصبر رفض قلبه هذه النبرة وهو يفتح هاتفه متصلا برقم وضعه بالمميزة قائلا:
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حال حضرتك اتمنى ان تكون بخير وسعادة".
_ " وعليكم السلام شكرا يا بني نحن بخير الحمد لله".
تحدث شريف قائلا:
"اتصلت أستأذن القدوم إليكم والتحدث معكم بأمر عاجل وهام هل تسمح لي؟".
_" طبعا يا ابني خير اللهم اجعله خيرًا قلقت بشأن ما ستقوله هل شهرزاد بخير، هل هو متعلق بها يعني هل عاد من جديد ونحن ليس لدينا خبر".
رد شريف بهدوء:
" لا تقلق كله خير نعم عاد وبقوة ايضا، هل تسمح لي ان اتي إليكم الان".
وبدون تفكير أجابه البغدادي بخوف:
" انا في انتظارك لا تتأخر".
طار شريف بلمح البصر ليصل إلى قبلته ليجد بغدادي في انتظاره بشرفة منزله، ليسعد باهتمامه صاعدًا بسرعة إليه ليجده يسلم عليه باهتمام كبير ويدخله قائلا:
" لا يوجد غيرنا بالمنزل اعتقد انه فرصة جيدة لتتحدث بسرعة وتخبرني بالجديد".
و بفرح ممزوج بالحياء تحدث شهريار عصره وزمانه قائلا:
" إن سمحت لي أنا جئت لأطلب يد أميرتكم المصونة لأكمل بها نصف ديني واضيء بها حياتي واضعها تاج على رأسي، أعدك أنني لن احزنها عن طيب خاطر ولن ابكيها سأسعى دوما لأرى السعادة تشع من نور عينيها ليراها الجميع بتعابير وجهها وروحها وقلبها، ان قبلت بي لن اجعلك تندم قط سترفع رأسك بي دوما يكفي ان تقبل وتوافق على طلبي كي نعيش جميعا بسعادة وهناء".
رد بغدادي بخوف:
" اترك هناء بحالها واخبرني هل جئت على عجل وبشكل خاص لأجل طلب ابنتي مني؟".
رد شهريار بصوت قلبه الفرح قائلا:
" نعم جئت لأعيد طلبي متمنيًا ان تفتح لي أبواب السعادة لأتنعم بجنتي".
اجابه بغدادي:
" انتهت المقابلة هيا تحرك لا يوجد لدينا بنات للزواج".
تغيرت ملامح وجهه لتسرع ضربات قلبه خوفا مما سمع تحدث اللسان متسائل:
ا" هل احزنتك بشيء يعني إن كان…
قاطعه بغدادي قبل إكمال حديثه، قائلا:
" أنت تستحق هذا، ذهبت روح من روحي وانا انتظرك بخوف منتظرًا تحدثك عن مرضها الذي عاد إليها".
_" أي مرض هل عاد مرضها من جديد!".
تحدث بغدادي من جديد قائلا:
" استغفر الله العظيم ما الذي تقوله الله لا يكتب عليها غير الصحة والعافية والسلامة من شر الأمراض، ما بك يا بني جئت لتمرضني وترفع ضغطي".
وبلباقته المعهودة تحدث شهريار بلسانه المعسول:
" الف لا بأس عليك حفظك الله لنا".
_" ما فهمت أنك أتيت لخطبتها فقط دون ملحقات الفتاة بخير وليس بها شيء".
ابتسم شهريار بفرح قائلا:
" نعم جيدة لا يوجد شيء مما فهمته، هناك بعض الاضطرابات بالعقل والاعصاب ولكني اعدك بالسيطرة عليها واعادة ضبطها لمسارها الصحيح".
ابتسم بغدادي وهو يقول لنفسه سرًا:
" أخشى وأنت بطريقك للسيطرة تصاب بإضطراباته ليصبح حينها بدل الابتلاء اثنان".
_" ماذا قلت يا عمي هل على بركة الله نأتي أنا وعائلتي اليوم لخطبتها".
تفاجأ شريف بقول بغدادي له:
" هيا يا ابني فلتذهب من حيث أتيت ليس لدي بنات للزواج يكفيني مصيبة واحدة الشكر لله لا اريد ان اصاب بجنون على اخر عمري".
رد شريف بسرعة قائلا:
" لا يمكنني الذهاب لأي مكان سأمكث بمنزلكم حتى تعطيني وعد بموافقتك حتى اقول لك سأبقى بمكاني حتى وان مضت السنوات لن أمل حتى تعطوني ابنتكم".
وبضحكة فرحة رد بغدادي عليه:
" هل أنت مصيبة رأسي؟".
أومأ شريف رأسه:
" ان كنت كذلك فليبارك الله لك بي".
طُرق باب المنزل نظر شريف نحوه بسرعة قائلا بقلق:
" هل أتت بهذه السرعة".
ضحك بغدادي بجوابه عليه:
" شعرت وكأن شرطة الآداب تهاجمنا ما بك هل تخاف منها لهذه الدرجة".
ابتلع شريف ريقه مبتسما:
" لا ليس خوف، أنا فقط تفاجأت".
رد بغدادي بعدم اقتناع بجوابه:
"واضح واضح أنت محق ولماذا تخاف".
تحرك بغدادي ليفتح الباب وهو يقول في سره:
" ماهذا! الرجل ارتعب خوفًا منكِ، والله اشفقت عليه هل نرفض حفاظا على ما تبقى من عقله أم نتخلص منه ونوافق عليه لتنهي أنتِ ما يلزم انهائه".
فتح الباب ليجدها أمال وابنتها، استغرب من طرقهم للباب وعدم وجود الأولاد معهم سألهم:
" أين مفتاحكم؟، والأولاد! أين هم الاولاد؟".
ردت أمال عليه بغضب وعصبية قائلة:
" انتظر لندخل أولًا انقطعت ايدينا نحمل الاغراض وأنت تسأل عن المفتاح".
ردت توته بعد ان تنهدت بألمها:
" هادي وباهي ذهبا لبقالة الحاجة فاطمة ليشتروا الحلوى".
صُدمت أمال بوجود شريف لتقطع توته حديثها وتأوهاتها من ألم يدها وارجلها، نظر شريف نحوهم مبتسما:
" اعتذر أن فاجأتكم".
ضحك بغدادي قائلا:
" لا يا بني لا تعتذر ما رأيته نبذة صغيرة مختصرة عن سجل حياتي".
واقترب منه ليجلس من جديد بجانبه قائلا:
" رأيت بأم عينك الامر ليس بهين عليك ان تراجع نفسك بقرارك المصيري".
لاحظت أمال تحدثهم بصوت منخفض تحركت لتنضم لهم مرحبة بضيفها وهي تسأله عن أمه ووالده محاولة فهم سبب زيارته، نظر لها بغدادي غامزا دون أن يراه ضيفه قائلا:
" هل ذهب تعبك".
تحدثت لتجيبه برضا:
"الحمدلله رضي الله عنك أصبحت أفضل برؤيتكم لا تؤاخذني يا حاج لم اقصد ما قلته فور مجيئي ولكن إن علمت كم مكان ذهبنا إليه ستعذرني".
ابتسم بغدادي قائلا:
" أعلم انكِ لا تفعليها عمدًا".
ثم نظر لشريف مكملا:
" هي وشهرزاد يتشابهان بهدوء أعصابهم وتحكمهم بغضبهم لدرجة تحتار بها".
رفع شريف رأسه مومأً بها وهو يرد على البغدادي:
" يتشابهان بهدوئهم وتحكمهم بغضبهم؟، هي وشهرزاد؟".
ضحك بغدادي لتسرع أمال بحديثها:
" شهرزاد حبيبتي وهل يوجد بالدنيا بطيبة وقلب وهدوء ابنتي".
خرجت توته من غرفتها بعد ان وضعت الحقائب داخلها مقتربة منهم وهي تقول للضيف: " بماذا اضيفك هل تفضل القهوة أم نسكافيه".
وقف شريف وهو يستمع لرد بغدادي على ابنته:
" سيكون أفضل إن كان نسكافية من يدك الجميلة".
نظرت توته لوقوف شريف وبدء حديثه قائلا:
" أعتذر إن جاءت متأخره البقاء لله بارك الله لكِ بالاولاد واكرمك بالصبر والسلوان".
ردت توتة عليه:
" آمين لا يوجد تأخير ابلغني أبي بعزائك لنا شكر الله سعيكم ، سأحضر النسكافية إذا".
رد بغدادي على ابنته:
" أريد الخاص ذو رغوة كثيرة".
ابتسمت وهي تجيب على أبيها الذي أكثر من طلباته وأطال حديثه كي لا تعود لتنغمر بحزنها كعادتها كلما وصل الحديث عن رفيق عمرها.
تحركت أمال لتتلقى الأولاد فور مجيئهما لتدخلهما ليغسلا أيديهما و وجهيهما قبل سلامهم على ضيفهم.
أُتيحت الفرصة أمام شريف للتحدث مجددًا قائلا:
" ما قولك هل تسمح لي أن أصبح فرد من أفراد عائلتكم الجميلة المرحة".
اجابه بغدادي بجدية:
" اتركنا من الضحك واستمع جيدًا لما سأقوله".
_" تفضل أسمعك بكل أذان صاغية".
أكمل بغدادي:
"أتذكر بالسابق عندما أتيت لطلب ابنتي وهي بتلك الظروف واصرارك على مساندتها ومساعدتها في دراستها ونجاحها، بالإضافة لطلبي منك أن تأتي عشية يوم المنتدى لم تقصر واتيت على الفور خلاف، ولا ننسى وقوفك بالمشفى ورؤيتي لقلقك وخوفك عليها بل والسعي لإنقاذها حين تبرعت وأتيت بمن يتبرع لها كل هذا واكثر جعلني أتعلق بك وأحبك بل واضعك بمكانة عالية في قلبي، صدقني إن كان الأمر بيدي ما سمحت لها برفضك في المرة الأولى تتعجب من حديثي أنا أعلم هذا ولكنِ اردت ان أخبرك بقدرك لدي كي لا تعتقد أن المشكلة متعلقة بنا".
وبنفس اللحظة كانت أمال غاضبة على زوجها بالداخل، تحدث ابنتها بجانبها قائلة
" آه يا رأسي والله إن مت منه لا تلموني، سيرفضه والله سيرفض".
_"اهدئي يا أمي فلنستمع لما سيقوله أولا".
صمتا ليستمعا لشريف وهو يرحب بالأولاد ويسلم عليهم عندما قاطعوا حديث جدهم بدخولهم الصالون.
أمرهم جدهم بعدها أن يذهبوا للغرفة كي يتحدث مع عمهم شريف في أمر خاص لا يمكنهم سماعه.
انتظر دخول احفاده غرفتهم ليكمل حديثه لمن تلجم من ضيقه وخيبة أمله وهو يهيئ نفسه لسماع باقي الحديث الذي بدأه بغدادي قائلا:
"أنت ابني وإن كان الأمر بيدي لوافقت عليك دون تفكير ولكني يا بني لا استطيع فعلها وخاصة بأمر الزواج الذي أعطاه الله كافة حريتها به إن قبلت فلها وإن لم تقبل لا أنا ولا أحد منا يستطيع إجبارها عليه، بالمرة السابقة أخبرتنا أنها تشعر بضيق وغير مرتاحة لهذا أنا لا أريد ان اعطيك وعدا أو أملا وأعود لاكسر خاطرك".
تحدث شريف قائلا بضيق:
" لا اعرف لماذا تأثرت وحزنت لهذه الدرجة أعلم جيدا أنها من رفضني بالمرة السابقة وكما أخبرتني أنها تشعر بأننا أخوة بجانب الإطار الذي تعرفنا على بعضنا به كأستاذ وطالبة ولكني أطلب فرصة أخرى أخيرة ان كان لا زال شعورها كالسابق ولم تستطع قبولي كزوج وشريك حياة فأنا ساحترم هذا الرأي ولن أكرر طلبي والضغط عليكم".
رد بغدادي بضيق ملأ قلبه حزنا عليه فهو حقًا صادق بمشاعره تجاهه، قائلا:
" كما تريد ولكنِ بكل الأحوال لا أريد لك أن تنسى ما قلته، أنت غالي بقلوبنا وأصبحت فردًا منا أيًا كان هذا المسمى، القبول أو الرفض لا ينكر هذه الحقيقة".
وقف شريف كي يتهيأ للاستاذان، أتت أمال حاملة صينية الضيافة قائلة:
" إلى أين لم تشرب ضيافتك بعد".
رد شريف بوجه شاحب التعابير قائلا:
"أعتذر لتعبكم لنتركها مرة أخرى".
همت أمال لتصغط عليه بالبقاء لولا أن بادر بغدادي بحديثه قائلا:
" كما تشاء ننتظرك لتشربه بالمرة المقبلة".
تحرك شريف وخرج من المنزل بثبات بعد أن سلم عليهم، أغلق بغدادي الباب ناظرًا لعيون زوجته الغاضبة متحدثًا بضيقه:
" ماذا كنتي تنتظرين مني ألم تري حالته ومحاولته إخفاء حزنه الذي غير نبرة صوته ولون وجهه رغمًا عنه، اتركيه ليذهب لا داعي لنضغط عليه ونبقيه وهو بهذه الحالة المحتقنة"
ردت توته على ابيها بحزن قائلة:
" أنت محق سبحان الله على النصيب الرجل لا يعيبه شيء سوا عدم قبول شوشو وضيق صدرها".
ردت أمال عليهم بغضب:
"سأقضي عليها هي وضيق صدرها، هذا الرجل لا يُرفض، تتمناه كل فتاة وهي تتعفف وتتحجج بضيق صدرها".
ردت توته بحذر من غضب امها عليها:
" بصراحه ان كان هذا ما تشعر به فلا يحق لأحد ارغامها عليه وإن كان ملاك كامل الاوصاف، كله إلا الزواج لابد ان يكون بالتراضي والقبول والراحة فهو حياة كاملة وهي من ستعيشها".
تحدث بغدادي مؤكدا على كلام ابنته:
" نعم وهذا ما قلته له أنا لم اكذب عليه، لو كان الأمر بيدي كنت أعطيته الموافقة على الفور ولكنِ بهذه الأمور لا يمكنني فعلها، واحذرك ان ضغطتي عليها".
جلست أمال بضيق وغضب مجيبة به:
" لترفض نعم ترفض وتبقى كما هي".
أخذ بغدادي النسكافيه من الصينية وتركهم ليخرج بالبلكون يستنشق الهواء بعد أن اختنق بحالة شريف ومن بعده أمال، تفاجأ بسيارة ضيفهم لا زالت بالأسفل دقق النظر محاولًا رؤية هل داخلها أحد أم لا ليأتيه اجابته بتحرك السيارة ببطئ مبتعدة عن المكان.
ضاق صدره اكثر وتمنى لو انه لم يخرج ويرى ما رآه واثبت له ضيق وتأثر شريف من حديثه.
أراد شريف أن يذهب لسيف ابن خاله ولكنه غير قبلته وذهب ليقف أمام ضفاف النيل شاردًا بهمومه وضيقه، تذكر أول يوم رآها به عندما كان ينظر من نافذة مكتبه بفرح وسعادة كبيرة بتحقيق أمله بالالتحاق والعمل بالجامعة وبهذه الفرحة وجدها تتحدث بصوت عالي وجدية كبيرة وهي تدير الجمع وسط لفيف من الطلبة تحضهم على الرفض والامتناع عن الحضور وسط هذه الأجواء الخطيرة باحتمالية الإصابة بكوفيد، ازدادت عينيه حزنا وهو يتذكر خروجها امامه لأكثر من مرة بهذا اليوم وكأن القدر هو من أراد لفت نظره نحوها حتى انها كادت بإحدى المرات ان تحتك به من ضيق الممر ودخولها السريع دون انتظار خروجه، تنهد شريف بضيق متذكرًا استدارته نحوها فضولا منه للتعرف على هذه الفتاة التي تشع منها طاقة مختلطة بين القوة تنتثر حولها لتتحدث عن تميزها واختلافها.
تحرك حاملًا همومه وضيقه يسير بهم نحو المجهول سابحًا بذكريات البدايات التي نحتت بقلبه واصبح يهتم بكل تفاصيلها متعمدًا الوصول للجامعة مبكرًا ليستمتع بدخولها الفريد من نافذة مكتبه دون أن يقاطعه أو يراه أحد، أثلج قلبه وقاده قدره مرة أخرى ليصبح استاذها حينها لم يصدق عقله وقلبه رؤيتها داخل القاعة التي دخلها لأول مرة بعد قرار تعيينه بالجامعة، واخيرا ابتسم وجهه وهو يتذكر غضبها بذلك اليوم من قرارات هيئة التدريس وما فرض عليهم ابتسم اكثر وهو يتذكر تقدمه ودنوه منها شيئا فشيء حتى صادف اقترابه منادات صديقتها لها ليسلب عقله معرفته باسمها الذي دق قلبه فور سماعه متسائلا " هل شهرزاد"
رفع شريف يده ليضعها خلف رأسه بوجهه المبتسم متذكرًا حالته التي جعلتها مترددة من الرد على سؤاله ليفقد عقله لأول مرة أمامها قائلا: " الأمير شهريار"
خرجت منه قهقهه خافته تعبر عن سعادته وجمال ذكرى البدايات.
انزل يده ورفع رأسه للسماء ناظر لابوابها داعيًا:
" يارب إن كان لي خير بها أكرمني بموافقتهم وإن كان شر و ضرر لنا في حياتنا المستقبلية فيا رب ابعدنا عن طريق بعضنا البعض وارضني بما قسمته لي وازح من قلبي الهم والضيق".
ارتفع صوت مآذن المساجد
" الله أكبر الله أكبر"
صمت ثواني امتلأت بها عينيه بسحاب الضيق مستأنف دعائه الحزين قائلا:
" هونها علي يا رب فأنت تعلم بحالي، انت فقط من يرى ضعفي وهمي فإن لم تكن من نصيبي فانتزع يا الله حبها من قلبي وأبدله بالصبر والرضا على قضائك".
تحرك شريف تاركًا اقدامه تقوده لأقرب مسجد على مرمى بصره وهو يردد الأذان والدعاء مناجيًا ربه كما ناجى ذو النون ربه وهو ببطن الحوت بظلمة الليل حيث لا منجى ولا منقذ له إلا الله
" لا إله إلا إنت سبحانك إني كنت من الظالمين"
ظل يرددها متمنيًا أن يشعر بالراحة وذهاب الهم كما وعد رسوله الكريم.
مر وقت المغرب ليحل بعده العشاء مقتربًا من الساعة التاسعة ليلًا، نام الأطفال وحان الوقت الذي تنتظره أمال على احر من الجمر.
تحدث بغدادي لشهرزاد بعد كثرة الإشارات المتوالية عليه من زوجته كي يتحدث، قائلا:
" لقد جاء استاذ شريف لزيارتنا اليوم".
نظرت شهرزاد لأبيها مندهشة مما سمعت ليكمل اباها حديثه بجدية:
" هذا ما توقعته بل وكنت متأكد منه، لا علم لكِ بزيارته لنا، ولذلك لن اطيل الحديث اتى من جديد يطلبك للزواج".
تنهد بغدادي بضيق نتج من حزنه على شريف قائلا لابنته:
" وانا اخبرته برفضك المعاكس لنا، ولكنه أراد أن يكرر الطلب وترك الأمر لكِ أن رفضتي فلن يعاود طلبه ولن يضايقك مجددًا".
ردت أمال بضيق مدافعة عن شريف:
" ومنذ متى ضايقها؟، الرجل لم نرى منه إلا كل خير واحترام".
نظرت توته لأختها قائلة:
" أعطيه فرصة أخرى يا شوشو، فكري من جديد واستخيري ربك وبعدها اتركي نفسك فمن الممكن أن يتغير شعورك نحوه هذه المرة".
أومأت شهرزاد رأسها بخجل وتحركت لتذهب لغرفتها، سألتها أمها:
" إلى أين لم نكمل حديثنا بعد".
خجلت اكثر قائلة بعيون هاربة من مواجهتهم:
" سأفعل كما قلتم لي".
تحركت أمال بفرح محتضنة ابنتها قائلة لها:
"بارك الله فيكِ وحفظك بعقلك، حبيبة امها ليرضى الله عنكِ ويفرح قلبك كما فرحتي قلبي".
ابتسم بغدادي براحه قلبه التي استمدها من وجه ابنته المبتسم، قائلا:
"الان أصبحت حبيبتها وقبل قليل كانت تستعد لقذفك بالمدافع".
احمر وجهها وهي تنسحب من بينهم لتدخل غرفتها مغلقة الباب عليها واقفة بعدها محاولة تهدئة خجلها وارتجاف أطراف يديها مبتسمة بوجهها المورد وجنتيه بطلاء الخجل والفرح.
تحدث بغدادي قائلا باستغراب:
"هل ما رأيته صحيح؟، هل خجلت ابنتي وهربت لتختبئ منا أم تخالطت علي المشاعر".
اقتربت منه أمال واحتضنته من فرحتها وهي تقبل وجنته بقوة جعلته يبعدها عنه وهو ينظر لابنته فاطمة قائلا:
" أمك فقدت عقلها على الاخير".
ضحكت توته أكثر حين اقتربت أمها واحتضنتها هي أيضا لتقبلها بقوة، لم تذهب شهرزاد باليوم التالي للجامعة خجلًا من أن يراها ويحدثها شريف طالبًا معرفة رأيها.
للاسف هذا التغييب فسره شريف على أنه هروب منه فهي لا تتغيب عن عملها بسهولة قط، طلب أجازه لنفسه لمدة ثلاث أيام ليتفرغ بهم لزفاف صديقه وابن خاله سيف بعد خطوبة هادئة جميلة دامت لستة أشهر.
عادت شهرزاد باليوم التالي لعملها مترقبة رؤيته بخجل كبير، علمت شهرزاد بإجازة زميلها وإلغاء محاضراته حزنت لأجل هذا فبرغم أنها حضرت نفسها لتتهرب منه إلا أنها كانت متمنية رؤيته واستشعارها اهتمامه بها الذي اعتادت عليه بالفتره الاخير ة فياللعجب من قلب رق ولان وتمرد من خجله ودلاله.
هلك شريف بالركض خلف عريس العائلة لينهوا مستلزمات عش السعادة الزوجية وحجوزات الفندق وملابس العريس التي احتاجت لتضيق بعد ان قل حجم سيف من كثرة سعادته وركضه لإنهاء التحضيرات متحمسا لحياته الجديدة.
تم دعوته عائلة البغدادي لحضور الحفل من قبل والد سيف للعلاقة الودية التي نشأت بين العائلتين في آخر فترة، عارضت شهرزاد الذهاب مع أهلها لحفل زفاف واختارت البقاء مع اختها في المنزل.
نظر البغدادي لتوته قائلا:
" اما زلتي على رأيك أقول ماذا ان فكرتي مرة أخرى لأجل الأولاد، لا تدخلي قاعة العرس أبقي بالخارج أنها فرصة جيده لتستمتعي انتِ والأولاد كما نعلم هذه الفنادق لم تقتصر على قاعات الافراح ستجدين أماكن تجلسين بها".
نظرت توته لأختها التي تحججت بها لتخبئ خجلها ثم نظرت لأبيها قائلة:
" نعم أنت محق حتى أني بحثت على الهاتف ورأيت مسبح ومطعم ومكان كصالة عرض أفلام كرتونية".
ردت أمال بفرح قائلة:
" هيا إذا لنحضر أنفسنا على عجل كي لا نتأخر بأزمة ازدحام المرور".
تحركت شهرزاد لتتجهز بعد أن فشلت حججها بالبقاء مع أختها، من كان يراها وهي تحتار باختيار ملابسها يعلم جيدا أن رفضها الذهاب كان من خجلها من رؤيته فهل تخبط القلب وخفق حتى أصبح كالمراهقين يتهرب من المواجهة والقرب.
تأخرت زفة العريس في الوصول للفندق بعد ان هرب العريس بعروسته والتحق به باقي سيارات الزفه لتجبره على سرعة الذهاب للقاعة.
بدأت المراسم المبهجة، خرجت فرقة موسيقية لاستقبال العروسين و زفهم حتى باب القاعة استقبلتهم فرقة أخرى محملة بالورود والشموع تزفهم للداخل.
توترت شهرزاد وخجلت بمجرد شعورها بقرب اللقاء معتقده انه يعلم بوجودهم على عكس ما حدث حين حدق بعينيه ليتأكد هل هي أم أنه أصبح يتخيلها ويراها بكل مكان حوله.
اقترب منها ببطء يحاول تصديق رؤيته لها في الحفل، أدارت رأسها تجاهه متفاجأه بنظراته
وقدومه نحوها خجلت وارتبكت هاربة بعينيها ناظره للعروسين وكأنها لم تراه.
تحدث شريف لوالديها من خلفها مرحب بهم بوجهه المبتهج:
" الآن علمنا سر النور والسرور الذي أضاءت به قاعتنا"
أدار بغدادي رأسه واقفًا من مقعده فور سماعه للصوت كي يسلم على شريف ويبارك له كما باركت أمال هي ايضا متمنية للعروسين السعادة قائلة:
" ما اجملهم حفظهم الله وجعل السعادة من حظهم ونصيبهم".
أومأ شريف رأسه بفرحة كبيرة:
" آمين آمين".
ثم نظر لشهرزاد منتظر أن تتحدث ارتبكت أكثر قائلة على استحياء: "بارك الله لهما".
أُغلقت عينيه من شدة ضحكته وسعادته وهو يجيبها قائلا: " شكرا لكِ".
تحدث بغدادي موجه حديثه لشريف:
" لم نجد والديّ العريس كي نبارك لهم".
نظر شريف نحو عائلته ليشير لبغدادي نحوهم
" ها هم هناك تفضلوا لأوصلكم لهم".
تحركا والديها من دونها بعد ان تسمرت في مكانها خجلًا منهم، تعتقد معرفتها بطلبه الجديد لها وهذا ما جعلها بهذه الحالة.
نظر إليها مشيرًا بيده كي تتحرك هي ايضا معهم قائلا:
"هيا تعالي معانا ستفرح أمي برؤيتك اقصد رؤيتكم".
ازداد خجلها الذي أثقل خطواتها وظهر على وجنتيها التي تأثرت بحرارة جسدها.
استغربت شهرزاد من استقبال زيزي لهم حين تفاجأت بوجودهم ووقفت للترحيب بهم بسعادة كبيرة محتضنة شهرزاد قائلة:
" العاقبة لكِ ".
اندمجت أمال وبغدادي مع والدي سيف اللذين بادرا بدعوتهما دون إخبار أحد، قرروا العودة لمكانهم تحدث بغدادي لوالد العريس:
"لنعود لمقاعدنا ونترككم لضيوفكم".
ولأجل الفرحة التي أغلقت عيون شريف وابهجت وجهه رفضت مديحة والدة العريس أن يذهبوا لأي مكان قائلة:
" اجلسوا معنا لنجمع طاولتين ونبقى بجانب بعضنا البعض"
تحرك شريف لتنفيذ الفكرة وضم طاولتين بجانب بعضهم قبل ان يعترض احدهم أو يوافق.
جلسا كعائلة مكتملة يتناولون أطراف الأحاديث بينهم، فرحت مديحة بنجاح خطتها وتقريب العائلتين من بعضهم، أما شريف فمن فرحته لم يتحرك بعيدًا عنهم يدور يدور ويعود إليهم، كلما نادوا عليه ذهب لدقائق عائدًا بعدها راكضًا إليهم ليملأ قلبه ويشبع روحه بالنظر لها.
ازدادت شهرزاد خجلًا مستأذنه منهم أن تذهب لتطمئن على اختها ومن ثم تعود إليهم من جديد، تحركت خطوات هاربة منهم محاولة التقاط نفسها الذي لم يكمل حين سمعت إسمها بنبرة صوته خلفها.
استدارت لتجد نفسها أمام العروسين، وشريف يقول من جانبهم:
"ألم تباركي لهما".
نظرت لسيف بوجهها الفرح الخجل قائلة بلسانها الملجم: " الف مبروك".
ثم اقتربت من العروس لتسلم عليها من بعيد دون تقبيل كما هو شائع بعد جائحة كورونا.
رد سيف عليها بوسط زحمة الضيوف وعلو الأصوات من حولهم قائلا:
" العاقبة عندكم هيا استعجلوا قليلا نريد أن نفرح بكما قريبًا".
تفاجأ شريف بفضح ابن خاله لسره على العلن، نظر لها ثم نظر للعريس بوجه أبى أن يبدل ملامح فرحته رغم تفاجأه.
تحركت شهرزاد على استحياء تستأذن منهم مكملة طريقها للخارج تحت نظرات أمها التي لم تسقط من عليها.
تحدثت العروس لشريف بوجهها الفرح:
" ما شاء الله انها جميلة جدا فليبارك الله لكما، وكما قال سيف لنفرح بكم قريبًا".
جاءت ام العروس وبصحبتها مجموعة من المدعوين أرادوا أن يسلموا ويباركوا للعروسين.
تركهم شريف وخرج خلف من اسرت قلبه ليرى إلى أين ذهبت وسط الأجواء المزدحمة وأصوات مكبرات الصوت التي لم تسمح له أن يسمع حديثها مع أمها.
وجدها تخرج من جهة الحمامات ابتسم وجهه اكثر واكثر رفعًا يديه ليمسح وجهه محاولا تهدئة نفسه وفتح عينه لاستعادة رؤيته الكاملة.
انتظر قدومها للقاعة من جديد دون أن يتوقع تحركها بعكس الاتجاة.
بهذا الوقت وبعكس الجهة المقابلة له كانت توته تفتح هاتفها لترد على اتصاله قائلة:
" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته نحن بخير شكرا لك".
_" أعتذر إن اتصلت بوقت غير مناسب انهيت عملي للتو حتى أنني لم أعد للسرايا بعد، قلت لنفسي لاتصل بكم قبل عودتي وانشغالي بالأولاد".
ردت توته بقلب متعب قائلة:
" لا عليك كما أخبرتك من قبل تستطيع الاتصال بأي وقت وان كنت غير متفرغة لن أرد عليك".
تحدث مستفسرًا بعد أن لاحظ تغير صوتها قائلا: " هل هناك مشكلة الأولاد وعائلتك كله على ما يرام".
_" نعم كلنا بخير شكرا لك".
رد البدري باحترام قائلا:
" هل تأمريني بشيء قبل أن أغلق".
جاء باهي باكيًا شاكيًا
" هادي أوقع علبة الفشار خاصتي".
هدأته أمة قائلة:
" لا تبكي سأشتري لك غيرها اخفض صوتك".
سألها البدري بفضول:
" هل أنتم بالخارج؟".
ردت بضيق مما فعلاه أبناءها قائلة:
" نعم خرجت لأجل الأولاد".
_ "اعطيني هذا الذي يبكي بجانبك".
أجابته بسرعة ظهرت بها إجهادها الروحي قبل الجسدي:
" لا تشغل نفسك به أنا سأتحدث معه".
أصر البدري على التحدث مع باهي ليسألها فور تحدثه معه:
"هل أنت فتاة تبكي على كل شيء ام ولد كبير تعتمد عليه أمه بالخارج"
اجابه باهي مدافعًا عن بكائه:
" هادي أوقع الفشار قبل أن أكمله".
ابتسم البدري قائلا:
" وهل وقوع الفشار أمر يبكى عليه اعطيني امك لاجعلها تشتري لك اثنان بدلا من الذي أهدر".
أعطى باهي الهاتف لأمه التي تحدثت بصوتها الحزين قائلة:
" لا لن اشتري له لأنه اتضح ما اقترفه من خطأ بحق أخيه".
ابتسم البدري قائلا لها:
" وإن قلت لكِ لأجل وعدي له"
_" اعتذر منك أنا لا أحب الدلال الزائد إن أخطأ عليه تحمل نتيجة خطئه يكفيهم ما يروه من دلال جدهم".
تعجب من نبرة صوتها، سألها:
" هل أنتِ متأكده من أنكِ بخير، اعتذر لتدخلي ولكني أخشى أن يكون هناك أمر ما وأنتِ تخفيه عني، وايضا انا لا اسمع للوالد أو الوالده صوت هل خرجتي بمفردك، لا اريد ان تفهمي بشكل خاطئ".
قاطعته لتريحه قائلة:
" هم معي في نفس المكان ولكني لم أرغب بانضمامي لهم، تمت دعوتهم على حفل زفاف وأنا لأجل خاطرهم أتيت واكتفت بالبقاء بالخارج".
انتهت مكالمتهم بحزنه الكبير أغلق الهاتف قائلا لنفسه:
" الان علمت سبب تغير صوتك صبرنا الله على رحيله عنا".
تنهد بحزن كبير خرج به من المكتب مغيرًا قبلته ليذهب لزيارة قبر من تهرب منه لعدة أيام.
اقتربت شهرزاد من أختها ساحبة المقعد لتدنو منها متسائلة بحنان:
" ما بكِ لماذا تبكي؟".
مسحت توته دموعها الصامته قائلة:
" لا شيء، لماذا أتيتي وتركتي والديكِ وحدهم بالداخل".
ردت شهرزاد قائلة:
" اقترب ذهابنا تأخر الوقت".
اقترب باهي من أمه ليحنو على كتفها قائلا:
" لا تبكي لن اكررها سأصبح ولد كبير ولن ابكي مجددًا".
عطفت بيدها على رأس صغيرها قائلة وهي تبتسم بوجهه:
"أنت روحي هيا اذهب بجانب أخيك قبل أن ينتهي الفيلم".
ركض باهي مبتعدًا عنهم، نظرت توته لأختها قائلة: "هيا عودي للقاعة"
ولأجل تغير نبرة صوتها تحركت شهرزاد مشفقة على اختها لتتركها وحدها كي تبكي وتخرج ما بصدرها.
وقفت في منتصف بهو الفندق وهي بحيرة من أمرها لا تريد الضغط عليها بوجودها وفي نفس الوقت قلبها لم يطاوعها تبتعد عنها وتتركها تغرق بحزنها وحدها.
وجدها شريف أخيرًا بعد أن أضاعها بسبب تحدثه مع أحد المدعوين، تحرك نحوها ليكون أول كلماته:
"أين ذهبتي كل هذا الوقت قلقت عليكِ؟".
_" أنا بخير لا يوجد ما يدعو للقلق".
تحرك خطوات للأمام قائلا:
" هيا لنعود تأخرنا عليهم".
ردت عليه بحزن:
" تفضل انت انا سأبقى قليلا ومن ثم سألتحق بك".
_" ما بكِ لماذا أنتِ حزينة إن كان الأمر متعلق بي".
قاطعته مسرعه مجيبة عليه:
" لا ليس لك ذنب انا فقط لا اريد تركها وحدها ابتعدت عنها ولكن قلبي لم يطاوعني بالابتعاد أكثر وخاصة بعد رؤيتي لدموعها".
لم يفهم عليها حتى تحرك خلفها لينظر بعيدًا تجاه أشارتها له ليفهم همها، تنهد شريف بحزن اسرعت شهرزاد باعتذارها وطلبها منه أن يعود للقاعة ليكمل فرحته بابن خاله.
تحدث شريف ليبدي رأيه قائلا:
" أعتقد أن جئتي أنتِ أيضا سيكون أفضل لها لأنها ستزداد حزنًا أن علمت بوقوفك هنا ورؤيتك لها، اتركيها لتخرج ما بداخلها وبعد وقت قصير عودي إليها حتى تكون استعادت تماسكها".
اومأت رأسها وتحركت قبله مستجيبة لرأيه مما جعله يتعجب من حالتها وعدم معارضتها له، اسرع بخطواته حتى أصبح يسير بجانبها بفرحة عادت لتطرق قلبه من جديد.
تحدثت إليه بحزن قائلة:
" ليس سهلا على قلبها من المؤكد أن الأجواء نبشت الذكريات المدفونة داخلها، كيف يطلبون مني الصمت والموافقة على ارتباطها من جديد وجرحها لا زال ينزف انت لا تعلم كم كانا متعلقين ببعضهما".
توقفت لتنظر له متحدثة:
" أنت لا تعلم كم كان يحبها ويدللها ويتحمل تغيراتها، رغم هدوء أختي إلا أن عصبيتها وغضبها حين يتملكوها لا يستطيع أحد تحملها أو تهدئتها إلا هو، لا اعرف كيف كان يحتويها ويتحملها حتى تهدأ وتعود لتعتذر منه، ماذا احكي لاحكي سأظلم حبهم ان تحدثت عن جانب وتركت الآخر، هل تصدق انها كانت تتصل به عدة مرات بالساعة ليس شوق وإن كانت تقول له هذا ولكني كنت أراه خوف عليه، دائما ما كانت تشعر أنها ستفقده أو سيحدث شيء يحرمها من سعادتها بجانبه، كيف يريدون منها أن تتزوج بإبن عمه بقلبها النازف كي يحمي الأولاد وحقوقهم، بغض النظر انه رجل لا مثيل له وكأنه ملاك نزل علينا من السماء، تمام انا معهم ولكني عندما افكر بها قلبي يغلي عليها أرى دموعها ليلا على وسادتها وهي تمثل نومها وقلبها يغلي رافضا النوم والراحة، لا زالت مكلومة تتألم بصمت، أنت لا تعلم كم ينغزني ويؤلمني هذا البكاء الصامت، كما رأيت تنتظر بقائها وحدها حتى تسمح لدموعها أن تتحرر من قبضتها، اقسم انني اقتربت على الزواج من إبن عمه كي اريحها من همه".
اسرع شريف بالرد قائلا:
" نعم و وقتها انهيه بيدي لترتاحوا منه على الاخير".
ابتسمت خجلا مما قال، معقبة عليه:
" حينها سيكون الخلاص ليس منه فقط، وايضا ان رأيت طوله وعرضه لن تتحدث بهذه السهولة، حتى اقول لك من المحتمل أنه سيقرأ ما بعقلك قبل تنفيذه فهو أشبه بسوبر مان هذا الزمان".
غار قلبه ليراجعها قائلا:
"لا تمزحين!".
ابتسمت مكملة باعجابها:
" إن رأيت ابنه ستفهم عليّ ماشاء الله الولد يشبه أباه، كيف جعل ابنه يتصرف مثله بهذا السن لا اعرف، لا يتحرك حتى يأذن له ذكي وجميل حتى انه طويل وعريض قليلا كأبيه".
نظر شريف لنفسه ثم نظر لها قائلا:
" تتعمدين احزاني أليس كذلك، تستمتعين بالتحدث عنه كي تثيري غضبي".
هزت رأسها نافية ما قاله، قائلة له:
" لا والله انا اقول الحقيقة فقط لا اريد ان اظلمه أو تفهم أن رفضي له عائدًا لعيب في شخصه، مع الأسف حاولت ان اجد له ثغرة استطيع ان استخدمها ضده ولكنِ لم أجد".
غار اكثر من كلامها حتى اقترب على الاشتعال ليبدأ مقارنة نفسه به قائلا:
" تقولين انه ليس منه اثنان وأنه اصدار خاص افهم من هذا أنكِ تحلمين بشخص مثله وأصبحت أنا سيء امامه".
اثلجت قلبه بردها الغير مدروس من جهتها حين تحدثت بتلقائية ومنطقية قائلة:
" أنت مختلف عنه فليبارك الله لأصحابه به انا امزح فقط، نعم هو جيد وقد يكون ممتاز ولكن لمحيطه أو من يتحمل ثقله ومسؤولياته نحن مختلفون".
ضحكت شهرزاد قائلة:
"ماذا إن علم بكتاباتي أو أخبرته بيوم أنني أريد أن ألقي عليه قصتي، اعتقد سيقيم علي الحد وخاصة بآخر رواية لي حتى مدحت المختلف عنهم كان يسخر مما اكتبه من أحلام واساطير".
ابتسم شريف فرحًا بحديثها، قائلا:
" نعم لن تجدي سواي لتحكي له ويستمع به بفرحة وسعادة كبيرة، نسبح داخل قصصنا سويا نغوض باعماقها الخيالية مرة والقوية مرة والدرامية مرة والرومانسية مرات عديدة".
_" ولكني لا استطيع وعدك بنوع ما سأكتبه سأكتب وأروي ما يفرضه قلمي عليّ".
وبحماس انقطع به شريف عن عالمه اجابها:
" موافق ومستعد حتى وإن كانت شبيهة افلام الاكشن المختلط بالرعب".
_" ومن أين علمت أنني احب افلام الاكشن والرعب وكثرة الدماء".
ضحك شريف مجيبًا عليها:
" قلب المؤمن دليله أعلم جيدا ما أقحمني به حظي ونصيبي".
_" وما يجبرك عليه وأنت تتذمر من الآن".
وبنفس فرحته وضحكه تحدث لها:
" لم يجبرني أحد سأكون سعيدًا بكل الوانك يكفي أن أعلم بموافقتها عليّ حتى تتفتح أبواب الجنة بوجهي".
خجلت من كلامه ليعيد طلبه بمعرفة رأيها اجابته بعد إلحاح كبير منه قائلة بخجل:
" ستعلمه من ابي وليس مني".
تركته لتعود للقاعة، أسرع خلفها قائلا بصوت تدلل به عليها:
" على الأقل اعطيني اشارة تريح قلبي".
ابتسمت وهي تدير رأسها جانبًا لتخبئ تلك الابتسامة التي اسرعت بسيرها كي تسيطر عليها قائلة:
" مدام الرد مختلفًا هذه المرة فعليك أن تسمعه من أبي وليس مني".
توقف شريف بعينيه الشبه مغلقة من شدة فرحتها وتعابير الضحك والسعادة ملأت وجهه وتتبعت خطواتها السريعة المبتعدة عنه كي تدخل القاعة من جديد وهو لا زال واقفًا في مكانه لا يصدق ما سمعه، رفع يديه ليشبكهم خلف رأسه ينظر حوله محاولا ان لا يفقد عقله بعد أن أخذ إجابته على حلم عمره.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.
منها "رواية حياتي"
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..