احكي يا شهرزاد
بقلم أمل محمد الكاشف
طار النوم من عين شريف طيلة ليلته، شعوره أنهما يفعلان نفس العمل بنفس الوقت أعطاه طاقة عالية استطاع بها إنهاء القسم الذي أسقطته عليه.
جمع الملفات وأرسلها لها كاتبا:
" وفيت بوعدي ها هي كاملة كما طلبتي، بالمناسبة شكرا لحديثك وخوفك عليٌَ سأضع نصائحكِ نصب عيني كي لا أضل الطريق وحدي، أعلم إنكِ نمتي لهذا سأقول لكِ إن وجدتي نقص أو أردتي شيئًا آخر اكتبي لي وأنا سأحاول مساعدتك، والآن سأتركك لأنام ساعتين قبل نزولي الجامعة تصبحين على يوم جميل مضيء بنور النجاح والفلاح بإذن الله".
تحرك ببطئ لينام على فراشه متألما من ظهره الذي تصلب من طول جلسته، لم تكن شهرزاد نائمة أنهت ما تكتبه ثم نظرت لهاتفها مبتسمة بفرح لما قرأته برسالته التي ردت عليها كاتبة:
" شكرا على مساعدتك وانا أيضا انتهيت للتو، اشعر بالتعب سأخلد للنوم أنا أيضا ولكن ليس لساعتين فقط، من حسن حظي ان يومي فارغ من المحاضرات لذلك سأنام حتى اشبع ومن ثم اذهب بعد الظهر للجامعة اطبع الملفات وأسلمها لأستاذ نديم لآخذ تكليفي الجديد وأعود، أعتقد أنك بهذا الوقت ستكون عدت من الجامعة ام أنك تتأخر لإنهاء عملك هناك؟".
توقفت عن الكتابة تراجع نفسها:
" وكأني أحدث أصدقائي اكتب براحة واتطفل أيضا لا إله إلا الله".
مسحت رسالتها تاركة له شكرها على ما ساعدها به فقط.
سمع صوت وصول الرسالة لهاتفه وهو شبه نائم أراد أن يتحرك ليجلب هاتفه من على طاولته ليغشاه نومه بأحلامه الجميلة مع من أغرقته بها من جديد.
استيقظ متأخرًا عن معاده اسرع بخروجه وانشغاله بواجباته، فتح هاتفه في منتصف اليوم بشوق كاتبًا ردًا على رسالتها:
" وهل يشكر المرء على سعادته".
انتظر لترد عليه أو تفتح لترى الرسالة ولكنها تأخرت بهذا ليكتب من جديد:
" أخذنا حديثنا امس ولم ابارك لكِ فرحتك بتحقيق حلمك، لقد سعدت كثيرًا لأجلك تهانينا لكِ أنتِ أحق من يكون بهذا المنصب"
مر اليوم ليمر بعده يومين آخرين تم تعيين شهرزاد خلالهما معيدة رسميا بالجامعة ليفرح قلبها فرحته الكبيرة بتحقيق حلمها.
استغل أستاذ نديم فرحتها وطلب منها أن تأخذ ما كان يفترض عمله بنفسه، كي يبدأ بمراجعة ما تم انهائه من قبلها.
أخذتهم بكل صدر رحب متمنية انهائهم قبل الأسبوع المقبل فكر نديم بالكم الذي حملهُ عليها بخجل وحيرة من أمره، من جانب لا يريد أن يثقل عليها ومن جانب آخر لا يأمن على كتاباته لغيرها، فتح هاتفه قائلا بسره:
" فلتسامحوني علينا انهائه حتى وإن ضغطنا أنفسنا قليلا أنتم وعدتموني بهذا ".
جمع نديم شهرزاد وشريف معهُ بمجموعة خاصة كتب عنوانها 'ليس لدي خيار آخر'.
ثم كتب داخلها أولى رسائله:
" أزف الوقت وليس أمامي سوى هذا الخيار ليتم تسليم الكتاب في موعده أو أني انتظر للسنة القادمة لطبعه ونشره بالمعارض الدولية وانا لا اضمن بقائي لهذا الوقت اريد ان انهيه ليكون صدقة جارية لي قبل أن يسترجع الله أمانته، أنتم ترون كيف أصبحت بليلة وضحاها أخشى أن يسوء الوضع أكثر ولا استطيع حتى مراجعته من خلفكم".
لم يرى شريف تلك المجموعة نظرًا لنومه بوقت مبكر عند ارتفاع حرارته فجأة، ليكون لشهرزاد النصيب بالرد الأول كاتبة:
" سننهيه وتطبعه لترى نجاحه القريب بإذن الله، ثم تبدأ بعده بصرح جديد أكبر وأقوى نستفاد جميعنا به في دراستنا ومستقبلنا العلمي، أتمنى ان تتذكرني بهذا الوقت وتسمح لي بالمشاركة ولو بجزء بسيط فما أجمله من شعور أنني بجزء من تراث تاريخي سيخلد بقوته ونجاحه".
شكرها نديم و وعدها ان كان بالعمر بقية لكتب أخرى ستكون هي مساعدته الأولى وسيتخلى عن شريف لتقاعسه وعدم اهتمامه للانضمام لهم حتى الآن.
ضحكت شهرزاد وكتبت:
" الله اعلم بظروفه من الممكن أن لا يكون متصلا بشبكة النت أو أن لديه عمل هام خارج المنزل".
كتب نديم بوجه مبتسم:
" هل عينتي نفسك مدافعًا خاص عنه".
خجلت مما كتب جاءت لترد و لكنه كتب قبلها:
" امزح معكِ أنتِ محقة كان الله بعونه والآن سأتركك لأرى أم حسام جاء موعد دوائها".
ردت شهرزاد كاتبة:
" بالشفاء التام، كن على راحتك وأنا سأبدأ الآن بإنهاء فصل جديد من الكتاب".
رد نديم كاتبًا:
" الملف الأحمر مدون به بداية كل فصل لا تنسي وضعها مع كل بداية".
نظرت شهرزاد للأوراق والملفات أمامها ثم نظرت لشاشة هاتفها كاتبة:
" من الجيد انك اخبرتني تمام سأبدأ بها ومن ثم النقاط الرئيسة وشرحها ثم انهيها بالدروس المستفادة وطريقة توظيف هذه الأفكار بدراستنا وأبحاثنا".
رد استاذها عليها كاتبًا:
" جميل سهل الله عملك يا ابنتي".
أغلقت هاتفها وهي تتذكر حالة أختها وعدم إنهائها لطبق طعامها، تحركت لتذهب لغرفة توته كي تطمئن عليها هل نامت كما قالت أم لا زالت مستيقظة كعادتها الأخيرة، طرقت باب الغرفة داخله بعدها لتجدها جالسة على سجادة الصلاة تقرأ بمصحفها.
دخلت شهرزاد وأغلقت الباب خلفها ناظرة لنوم الأطفال قائلة بصوت ضاحك:
" اعجبتني فكرة الأَسِرة المضمومة على بعضها هل انقل خاصتي لانضم لكم بنومي بصراحة من يرى جمالهم بنومهم يتشوق بالنوم جانبهم طبعا علي أن أنسى أولا هجومهم عليّ عند عودتي حتى استمتع دون خوف".
ابتسمت توته بحزن أغلقت به مصحفها ناظرة لأولادها أعلى الفراش قائلة:
" نعم هما ينتظران عودتك بفارغ الصبر حتى يلعبا ويضحكا معك".
تحدثت شهرزاد بضحك أرادت به إخراج اختها مما هي به قائلة:
" أنتِ لا تعلمين شيئًا بل لأجل الحلويات التي بحقيبتي"
_" أنتِ من جعلهما يعتادان على هذا أقول لكِ لا تجعليهم يفتحان حقيبتك ويفتشان بها وأنتِ تعانديني وتساعديهما بفتحها".
ابتسمت شهرزاد لأختها قائلة:
" لا تقلقي جميعها مصلحة لي تخيلي يأتي عريسي ويصفوني امامه بأنني صاحبة قلب حنون ويد كريمة".
نجحت شهرزاد برسم الضحكة على وجه توته الهزيل لتجدها فرصة جيدة لتطلب منها مشاركتها بتناول الطعام، سألتها توتة:
" ألم تشبعي؟".
ردت بعيون غير ثابتة:
" إن كنت تقصدين انهائي لطبق ملفوف ورق العنب فأنتِ تظلمينني كان صغيرًا ومن بقايا طعام الأمس".
ابتسمت توتة بردها قائلة:
" صحة وعافية نعم كان قليلا إن اردتي يمكنني أن أحضر لك شطيرة شاورما الدجاج".
حضنتها شهرزاد لتقبلها بقوة كادت توته أن تبكي جراءها فالقلب أصبح ضعيفًا هشًا لدرجة جعلته يتأثر من ابتسامة بسيطة تواسيها، وحضن يحميها من شعورها بالوحدة، ويد تحنو عليها لترفع عنها همها، ابتلعت ريقها المختنق ناظرة بعينيها الهزيلة نحو أختها قائلة:
" هيا اذهبي انتِ لتدرسي وأنا سأحضره لكِ".
وافقت شهرزاد لتمد يدها نحو اختها كي تسحبها لتقف من جلستها الأرضية، تحركت توتة بخطوات كادت ان لا تلاحظ من بطئها و تثاقلها، انتظرت شهرزاد وصول اختها للمطبخ لتذهب هي مسرعة خلفها قائلة:
" غيرت رأيي اجلسي أنتِ بجانبي وانا سأحضر شيء مميز لنا سويا".
ردت توته قائلة بصوت هزيل:
" أنا لا اشتهي شيء معدتي ممتلئة ما دام ستحضرين بنفسك سأذهب أنا لإكمال تلاوتي".
لم تتركها لتذهب وخاصة انها تعمدت من الأول تحريكها وإخراجها من الغرفة، أمسكتها لتجلسها على المقعد المجاور للطاولة الصغيرة قائلة:
" انتظري لتري أولا و من ثم اعترضي ".
تنهدت توته بردها:
" أنا متعبة ولا شهية لي اتركيني لأكمل تلاوتي وانام بجانب الأطفال".
_" إن ذهبتي وتركتني سينتابني الكسل ولن أحضر شيء لي وأنا جائعة ولا اريد تناول الجبن وما شابه".
جلست توته مستسلمة لأختها التي خسرت وزن إضافي من وزنها ليصبح لحمها على عظمها كما يقولون لها فكان كل منهم يسعى لإطعام الأخر هي تشفق على اختها والأخرى تشفق على حزنها وانعدام طاقتها وجسدها الصغير المنتهي.
أخذت طنجرة و وضعت بها الماء ثم وضعتها اعلى الموقد، لتستفسر توته عن حاجتها لكل هذا الماء.
ابتسمت شهرزاد لها وهي تخرج الحليب من الثلاجة قائلة: " انتظري لتري".
رفعت يدها لتفتح البراد العلوي 'الفريزر' لإخراج علبة مربعة سألتها توته من جديد:
" على ماذا تنوين، لماذا اخرجتي شاورما الدجاج ؟".
ضحكت شهرزاد قائلة:
" لآخذ حقي بها أنتم تعلمون عدم محبتي لها ومع هذا تتعمدون تحضيرها، لحسن حظي أنني رأيت أمي وهي تضعها بعد العشاء".
و باستغراب سألتها توته:
" تقولين لا احبها وتشتريها من الخارج وتأكليها باستمتاع ؟".
ردت شهرزاد مدافعة عن نفسها:
" وهل يتشابهان؟، اتركينا منها وانظري ماذا سأفعل ".
أخرجت طنجرة أخرى و وضعتها على النار ومن ثم افرغت بها علبة الحليب بشكل كامل، راقبت توته اختها بتركيز محاولة فهم ما تفعله.
تأخرت شهرزاد بإخراج الطحين من داخل خزانة المطبخ فتحه وأخذت كمية كبيرة منه اقتربت لكوبين وتحركت بهم لتضعهم بالطنجرة، أسرعت توته لمنعها أخذه الحليب منها وهي تقول:
" ماذا ستفعلين حبا في الله لا يمكنك وضعه على الحليب الساخن يتحول لكرات ولن نستفيد منه".
سألتها شهرزاد باستغراب:
" هل سيتكور، فعلوه بهذه الطريقة!".
ردت توته على سؤالها بسؤال آخر
" هل تريدين عمل صلصة البشاميل!".
اومأت رأسها وهي تستعطفها بعيونها:
" نعم اشتهيت المعكرونة بالبشاميل وجبن الموزريلا".
سألتها توتة مره آخر:
" هل لدينا الجبن أنا لم أراه!".
ضحكت شهرزاد واخرجت الجبن من الباب العلوي للبراد 'الفريزر' قائلة:
" من حسن حظي أنني أصل باللحظات المناسبة"
ابتسمت توته بردها
" ستقتلك أمي عند استيقاظها، هل تعلمين طلبها مني هادي اليوم انتظري للغد أحضرها لكم".
اجابتها شهرزاد بحب
" حبيب خالته، لا انا سأحضرها ويفطر بها أو يأخذ منها للمدرسة".
غلي اللبن حتى اقترب من حافة الطنجرة لتسرع توته وتغلق تحته قائلة:
" مدامه ساخن لا يمكننا وضع الدقيق عليه مباشرةً، سنضع الزبدة بطنجرة أخرى ونحرك الطحين به وحين يبدأ بتغيير لونه نصب عليه الحليب والقليل من مرقة الدجاج ونقلبه سريعًا حتى يمتزجا بشكل كريمي".
اقتربت شهرزاد من توته و قبلتها قائلة:
" إذا عليكِ البشاميل وعلي أنا سلق المعكرونة".
ابتسمت توته بجوابها:
"أنتِ مصره على اتعابنا بهذا الوقت المتأخر".
اومأت شهرزاد رأسها قائلة:
" ستأكلين أصابعك بعدها، ستخرج أيقونة الطبخ بهذا العمل الأول لي ، ستتباهين بي حتى ستنعتيني بالطباخ الماهر انتظري".
ابتسمت توته وهي تقلب الزبدة بالدقيق لبدأ تحضير البشاميل قائلة بنبرة سخرية:
" أمي من حضرت الحشوة وانا من سيقوم بتحضير البشاميل وأنتِ لأجل وضعك المعكرونة بالماء ستصبحين طباخة ماهرة".
أجابت شهرزاد اختها بثقة كبيرة قائلة:
" انتظري لتري لمساتي المميزة ".
بدأت توته بتحضير البشاميل لتتفاجأ بشهرزاد تضع الكريمة اللباني عليه ومن ثم مكعبات مرقة الدجاج الجاهزة ومن ثم وضعت نصف كيس الجبن، كانت تراجعها وتخبرها أن كثرة المكونات سيذهب طعمها يكفيها الزبدة الفلاحي لتخرج البشاميل مميزًا وجميلًا، ولكنها أصرت على وضع كل ما رأت بالفيديو وانهتها بوضع ما تبقى من الجبن أعلى صينية المكرونة قبل إدخالها الفرن.
غسلت شهرزاد مكونات السلطة الخضراء واخذتها لتخرج خلف أختها لتقطعها وتجهزها وهي تجلس بجانبها بالصالون .
تحدثا عن الجامعة وشعور شهرزاد تحقيق حلمها في العمل بالجامعة ليصل حديثهم لتعليم توته الذي لم تكمله، امتلأت عيني توته بالدموع قائلة:
" سيكتمل أين سنذهب أصبحنا متفرغين".
اجابتها شهرزاد معترضة على ما قالته:
" ليس لأنك متفرغة هذا ما كان عليكِ فعله من قبل".
مر ما يقرب من نصف ساعة واكثر قليلًا استيقظ بغدادي ليتفاجأ بهم داخل المطبخ، حك عينه متسائل: " ماذا تفعلان؟".
ضحكت شهرزاد قائلة:
" هل كانت جدتي تحبك لهذا الحد؟".
نظر لوجه توته وهو يجيب بضحك:
" على حسب ما فعلتوه".
أخرجت توته المكرونة من الفرن وهي تجيب والدها قائلة:
" اشتهت شهرزاد المعكرونة بالبشاميل وانا ساعدتها كي لا تهدر النعم".
أجاب بغدادي بفرحته من حالة توته قائلا:
" اطمئن قلبي سآكل معكم ما دمتي وضعتي يدك الجميلة بها، انتظروني سأدخل الحمام وأعود إليكم لا تهدروا حقي ضعوا لي طبق يملأ العين ".
و قبل تحركه سمع توته تقول لأختها:
" أنا لن ااكل لا تضعي لي".
رد بغدادي عليها:
" ظننت انكِ ستأكلين تمام وأنا لن أكل".
أضافت شهرزاد على ما قاله ابيها:
" وانا أيضا لن آكل منها وحدي لنضعها بالبراد ونأكلها سويا غدا".
عارضتهم توته وحاولت ان تقنعهم بتناولهم دونها ولكنهم كانوا مصرين اما أن تأكل معهم وإما أن يمتنعوا هم أيضا، وافقت على تناول قطعة صغيرة لأجلهم لتضع لها شهرزاد قطعة كبيرة متأملة أن تنهيها.
لحسن الحظ استيقظ الأولاد على الصوت واحد تلو الآخر ليتناولوا بفرح معهم.
تحدث بغدادي ليقول:
" نعم صدقتي يا بنتي لولا التركيز والمهارة بسلق المعكرونة ما كانت بهذا الجمال".
ضحكت شهرزاد متحدثه للأولاد:
" حالي كحال الفأر الطباخ لا يصدق احد موهبته ومهاراته".
ضحك باهي بعيونه التي غلبها نعاسها قائلا:
" خالتي الفأر الطباخ".
ليضحك هادي قائلا:
" ولكن كيف ستحملها امي فوق رأسها لن تتسع القبعة لخالتي".
ردت توته بفرح على حالة أولادها قائلة:
" ما رأيكم بأن نصنع سحر يصغر حجمها وقت الطبخ لأستطيع وضعها تحت قبعتي".
ضحك باهي وهو يميل على جده:
" خالتي ستشبه الفأر".
دغدغة جده من بطنه ليغير هادي ويتحرك ليعلو ظهر جده بضحك وسعادة أخرجت أصواتهم العالية.
تحركت شهرزاد لتشاركهم الضحك والدغدغة للأطفال متمنية استمرار رؤية وجه اختها بهذا الشكل، كان الجميع يحاول إخراج توته من حالتها وحزنها واستغلال أي فرصة لاضحاكها واطعامها بجانب الاهتمام بالأولاد وتعويضهم فقدانهم لأبيهم.
كانوا ينجحون رغم ان نجاحهم هذا يضيع بلحظة بكاء يأتيهم من أحدهم اشتاق لوالده ليشاركه الآخر وحينها ينتظرون بكاء توته واخذهم بحضنها وانهيارها مجددا كأول أيام بعد الفقد ولكنهم وجدوها على عكس المنتظر منها تتحدث لتصبرهم وتحكي لهم جمال الجنة وما به أباهم حتى انها كانت تنهاهم عن البكاء كي لا يحزن على حزنهم كما تحثهم على الضحك واللعب والفرح لأجل إسعاد ابيهم و رضاه عنهم.
تحدث بغدادي قبل أن يعودا لنومهم ليخبرهم باتصال شريف به قبل فترة وتقديمه واجب العزاء ولكنه نسي أن يقول لهم.
عاد الجميع لنومه لتعود هي لبدأ ما تأخرت عنه فتحت هاتفها متوقعة رؤية رسائله في المجموعة.
استغربت وقلقت من آخر ظهور له بوقت مبكر
مر ما تبقى من الليل ليأتي يوم جديد علمت شهرزاد به وضع استاذها ومرضه الذي أخبرها به أستاذ نديم حين قال:
" اتصلت به لأجده لا زال نائما سألته ما هذا الكسل لاكتشف مرضه وأنه منذ عصر أمس راقد بالفراش يجاهد ارتفاع حرارته".
_" عليه أن يأخذ خافض للحرارة كي لا يسوء وضعه وهو وحده ".
رد نديم عليها قائلا:
" نعم اوصيته بهذا فالحرارة المرتفعة خطر كبير ولكنه قام بطلب فحص كوفيد وأخبرني أنهم سيأتون ليأخذوا منه عينة".
خاف قلبها وقلقت عليه رغبت بالاتصال والاطمئنان بنفسها لولا خجلها منه جعلها تنتظر النتيجة من استاذها نديم دون أن تتمكن من الاتصال به فبما ستبرر اطمئنانها وقلقها عليه.
ظلت صامته تنظر للساعة من الحين للآخر دون خبر مما جعلها تتشجع وترسل رسالة قصيرة كاتبة بها:
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخبرني أستاذ نديم بوضع حضرتك وأردت الاطمئنان عليك".
نظرت شهرزاد للرسالة قبل إرسالها ثم أعادت صياغتها كاتبة:
" أخبرني أستاذ نديم بوضع حضرتك ألف لا بأس عليك".
مسحت الرسالة من جديد لتعيد كتابة:
"علمت من أستاذ نديم بمرض حضرتك"
مسحت حضرتك وكتبت أنت ثم جاءت لتمسح ليأتيها رسالة منه مضمونها:
" ماذا تكتبين كل هذا ألم تعلمي أنني مريض ولا أتحمل قراءة الكثير هل تريدين اجاهدي وأنا بهذه الحالة".
دق القلب ناقوسه معلنًا خطبًا جديدًا قد علاه، ابتسمت ضامه شفتيها لتلمع عينيها ببريق خجلها الذي تجلى باحمرار وجنتيها بلحظات عابرة ساحرة قُطعت بها عن عالمها.
أتتها رسالته التالية:
" ألن تتمني لي الشفاء وتسأليني من سيهتم بي في غربتي ومن سيحضر لي حساء الشفاء ويروي لي الحكايات ليهون علي ألمي و وحدتي".
فتحت فمها مندهشة من رسالته لتصفن للحظات أخرى محاولة إعادة تشغيل محرك عقلها واستعادته من قبضة يد قلبها الذي استولى عليه ولعب بإعداداته.
وجدته يكتب من جديد، توترت خوفًا مما سيلقى بوجهها بدأت رسالتها السريعة:
" زال البأس طهور إن شاء الله ".
ابتسم شريف متوقفًا عن الكتابة ليمسح ما كتبه معيدًا صياغته بإرسال:
" شكرا لكِ، أبلغني أستاذ نديم أنكِ قلقتي وذعرتي لأجلي و اوصيتيه أن يطمئنك عليّ فور معرفته بنتيجة التحليل، ومع نومي الطويل وكثرة اتصالاتك به لأجلي طبعا طلب مني ان اكتب لكِ بنفسي كي اطمئنك عليّ لهذا تواصلت معكِ لا تقلقي أنا بخير تستطيعين النوم براحة وسلام الآن".
ظلت تنظر للرسالة باندهاش وصدمة كبيرة فهي لم تفعل ما يقوله حتى انها خجلت أن تسأل عليه و لو مرة واحدة.
كتبت له و هي بهذه الحالة:
" هل هذا حقا ما قاله أستاذي".
سعل ضاحكا وهو يتحرك على فراشه جانبا ليكتب بعدها:
" كان بودي أن أقول نعم لولا أن الكذب لا أقدام له، بصراحة أخبرني بمعرفتك وقال إنه سيطمأنك ولكني أردت ان اطمئنك بنفسي".
ارتاح قلبها لترد عليه كاتبة:
" نعم لا أقدام له ويُسقط صاحبه بجهنم سواء كان ابيض أو اسود كلاهما بالنار".
راسلها كاتبًا:
" يكفي النار التي اشعر بها وكأنني سأفقد وعيي من ألم رأسي وفوران جسدي الذي لم يترك مكان إلا وأمره بالتألم".
كتبت بقلق:
" هل ظهرت نتيجة التحليل؟".
راسلها كاتبا:
" نعم خرجت إيجابية نحمد الله على كل حال، لا تقلقي أنا بانتظار فريق من المشفى سيأتون لإعطائي العلاج ومن المحتمل أن أطلب نقلي للمشفى إن كان هذا متاحا، حرارتي مرتفعة بشكل غير مسبوق أتألم كثيرا والسعال بدأ دوره وأخشى أن تسوء حالتي وأنا وحدي وأيضا لأجل أن ترتاح أمي وعدتها بهذا".
كتبت بسرعة:
" نعم هذا أفضل الأيام الأولى من الإصابة بكوفيد صعبة ومن المحتمل ارتفاع الحرارة أكثر وعدم انخفاضها بسهولة الأامن لك الذهاب للمشفى لتكون تحت أعين الأطباء".
اغمض عينيه ليريحهم وهو يسعل لم ينتبه لغفوته بهذه الحالة ، استمرت بمراسلته كاتبة:
" أستاذ شريف، هل أنت بخير، أستاذ شريف ، هل أتوا الأطباء".
قلق قلبها من رؤيته للرسائل دون رد فهي لا تعلم نومه وتركه المحادثة الكتابية مفتوحة بينهم.
لم يستمر الوضع كثيرا حين أتى فريق الأطباء وايقظوه على صوت طرق الباب قام بصعوبة وتألم ليفتح لهم بعينيه الذابلة المجهدة و وجهه الذي تشع منه حرارته، تحدث شريف بصوت متعب طالبا نقله إلى المشفى لتخوفه من استياء حالته وفقدانه لوعيه وحده .
تواصل الفريق مع المشفى لإعلامهم ومن ثم ابلغوا شريف انه امامه دقائق ليجهز نفسه، أرسل من هاتفه رسائل صوتية ليطمئن أمه ومن بعدها شهرزاد ويبلغهم انه سينقل الآن ومن المحتمل عدم استطاعتهم التواصل معه.
وبالفعل تم نقله تحت إشراف وتعقيم عالي، البسوه سترة غطته من أعلاه لأسفله لكي ينقلوه بعدها بأمان دون أن يؤذي أحد.
لم تنم زيزي ليلتها من خوفها على ابنها كانت تصلي هي و زوجها ويدعون له بالسلامة ليطمئن قلبها باتصاله الصباحي ليخبرها أنه بخير وأنهم يعتنون به بشكل كبير.
كما اتصل على الظهيرة بشهرزاد ليطمئنها عليه قائلا:
" السلام عليكم اعتذر لاتصالي ولكني اردت ان اطمئنك عليّ بعد ما حدث بالأمس".
كان متردد باتصاله كي لا يضغط عليها ولكنه تفاجأ بنبرة صوتها الفرحة وهي تجيبه بتلقائية:
" أستاذ شريف وأخيرًا الحمدلله أنك بخير قلقت كثيرا لأجلك هل أنت بخير الحرارة و الآلام؟".
قاطعها ليرد عليها بفرحة كادت ان تشفيه وتقيمه من مكانه راكضًا، قائلا:
" أصبحت أفضل الآن حتى يمكنني أن أطلب خروجي الفوري".
ابتسمت بخجل ليكمل شريف حديثه:
" أنا بخير لا تقلقي يهتمون بادويتي بانتظام، كما لم ترتفع حرارتي منذ قدومي فهم يهتمون بإعطائي خافض الحرارة بأوقات متقاربة تجنبا لارتفاعها يفسرون فعلهم هذا بأن الجسد تضعف مناعته و مقاومته بوجود الحرارة لهذا هم يحاولون منعها كي يستطيع الجسم التصدي و مقاومة مرضه ".
_" خير ما فعلوه ليكمل الله شفائك ، أشكرك على اهتمامك و اتصالك حقا كنت قلقة كثيرا ، لا اعرف كيف سأقولها و لكن يتوجب علي أن أغلق الآن لأجل دخولي قاعة المحاضرات فاليوم هو الأول بمزاولة عملي بشكل رسمي ".
ابتهج وجهه فرحا:
" يا له من خبر جيد شاء القدر أن يجعلني اتصل بالوقت المناسب لمشاركتك تلك اللحظات الأولى يا ليتني بجانبك كنت سجلت بعدسة كاميرتي الخاصة هذا الحدث الكبير ".
فرحت بخجل أومأت به رأسها مستأذنة مرة أخرى:
" وجب دخولي القاعة اعتذر منك علي أن اغلق ".
وبالفعل انهيا محادثتهما بفرح وسعادة كبيرة جمعت قلبيهما رغم بعدهما:
" و يحدُث أن تكون بمكانٍ، وقلبك بمكانٍ آخر".
وقفت عدة دقائق على باب القاعة توقع طلابها انها فعلتها كي تعطيهم وقت للدخول قبلها.
و بهذه الفرحة و الطاقة الإيجابية بعد ان تحقق حلمها و اعتلت منصة القاعة لأول مرة كونها أستاذة جامعية تحدثت شهرزاد لطلابها:
" الحمد لله نحمده و نشكره على نعمة عدد ما في الكون من معلومات ، ومداد ما خطه القلم من كلمات ، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و أمره بالقراءة ليسمو بأهمية العلم و القراءة التي ترتقي بها العقول والشعوب لتصبح مهيأة لاستيعاب و فهم كل حق و واجب ودين، الحمد لله الذي امدنا بالنعم وترك خيارنا بأيدينا فمن شاء فليعلوا و يرتقي ومن شاء فليسقط ويندثر، الحمد لله الذي امدنا بالأمل و النور و التفائل و أمرنا بالأحلام و الدعاء و التمني، الحمد لله الملك الحق الذي لا يُظلم عنده عبد ، الحمد لله الذي وهبنا عقول و ميزنا عن غيرنا بالدين و العلم ، طلابي وطالباتي الأحباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم سنبدأ مع بعضنا أولى خطواتنا التي أسال الله أن يجعلها تعم بفائدة كبيرة لكم ، أتمنى ان أرى بكم ما حلمت به ، حقكم علي أن أشرح لكم المقرر بشكل وافي وكافي و مبسط أيضا و حقي عليكم أن أرى ثمرة ما سأقدمه باهتمامكم بدراستكم ، انا بصفكم طالما شعرت بهذا الاهتمام و الرغبة بالتعلم و اشبع طموحكم و حلمكم بالتفوق و النجاح و مع الأسف سأكون ضدكم بشكل سيخيفكم مني ان وجدت عكس هذا ، الالتزام بمواعيد المحاضرات واجب لا أتنازل عنه و سيتم وضع أكبر قدر من الدرجات العملية عليه بجانب الاهتمام بعمل أي تكليف اطلبه منكم دون كسل أو تأخر ، لا اريد ان تكون علاقتنا باطار أستاذ يدخل القاعة ليفضي ما بداخله و طلاب يجلسون امامه دون استيعاب يخرج الأستاذ راضيا عن انهائه قسم جديد بالمنهج و يخرج من بعده الطلاب دون حصيلة أو فهم ، هدفي أن أوصل لكم كل معلومة جديدة بشكل مبسط يدخل عقلكم و يركز بهِ و واجبكم أن تركزوا بعقولكم و تدرسوا المحاضرات فور عودتكم لمنازلكم لتثبيت ما تم أخذه ، سيطلب من كل طالب أن يحضر الدرس القادم ليكون على استعداد لشرحه عندما يقع الخيار عليه و هذا أيضا عليه درجات كبيرة و مهمة، ستبدأ محاضرتنا بأسئلة عن الدرس الجديد و القديم و سيتم مكافأة المجتهدين بشكل مستمر المكافأت تستحق الاجتهاد لأجلها فانضمامك لمنتدى دولي و محلي ثقافي مع لفيف من الأدباء ليس بشيء يستهان به طبعا بجانب مفاجآت أخرى سيحظى بها الأعلى بالدرجات العملية ، هدفنا ليس النجاح بل التميز والإرتقاء لهذا علينا جميعا أن نتحلى بالعاطفة الصادقة نضع هدفنا بحب و صدق مع النفس و السعي لتحقيقه بجانب كثرة قراءتنا للكتب القيمة لنستمد منها الأفكار الجليلة التي ستساعدنا ببناء مملكتنا الأدبية الخاصة بنا و طبعا لا يخلو جمال و تميز من العبارات الجميلة و الخيال الواسع ، اليوم سأعطيكم أول واجب عملي " .
تحركت شهرزاد ممسكة بقلم كاتبة على السبورة الكبيرة و هي تقرأ ما تكتبه بصوت عالي و قوي يدخل الحماس و يحرك روح العمل و النشاط بعقول طلابها قائلة :
" أولا . ما هو هدفك بالحياة ؟ ، ثانيا . ما الفائدة من تعلمك ؟ ، ثالثا. ما هو حلمك المستقبلي ؟، رابعا. هل تحب ما تدرسه أم أنه فرض عليك القيام به ؟، خامسا .هل تحلم أن تقف مكاني و تقوم بأعمالي؟، سادسا. لمن تحب أن تقرأ من الأدباء الكبار؟ ، سابعا. أي نوع من أنواع الأدب العربي تفضل و تحب ؟، ثامنا. هل سبق لك تجربة كتابة شعر أو نثر بأنواعه خاطرة او رواية او مقالة او سرد تاريخ بلمساتك الخاصة ؟ ، تاسعا. هل ترى بنفسك نواة لأديب كبير و ناجح ؟، عاشرا . إن شاء القدر و سمح لك بأن تغير أو تمحي شيء بالمجتمع المحيط بك أو بالعالم بشكل عام فماذا سيكون هذا الشيء ؟ ".
يتبع .. إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. منها "رواية حياتي" رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..