احكي يا شهرزاد
أمل محمد الكاشف.
تحدث البدري لمدحت مجددًا:
" ستبقى ترافقني ما دمتُ أنا من الأحياء، ستبقى بقلبي و روحي ما دمت حيًا".
اقترب عمهم محمد من الاخوة وأبنائه قائلا:
" توقفوا عن ما تفعلوه هيا لنأمن خلف الشيخ ونأخذ العزاء بعدها الرجال ينظرون إلينا".
تحركوا ليستقيموا بوقفتهم مد سيد يده ورفع أخاه وهو ينفض التراب من على عباءته رافعين يدهم بعدها ليأمنوا خلف دعاء الشيخ ، علا صوت بكاء بغدادي من جديد ليصبح يناجي ربه بصوت نحيبه: " آمين، آمين يارب".
كان دعائه وبكائه يرعد بقلوب احبته واقاربه لتدمع العيون عليه وتتقطع الأفئدة على شبابه وما ترك خلفه من صغار ببداية الحياة.
مضت أول ثلاث أيام العزاء بصعوبة وألم كبير طلب البدري من فهيمة زوجة عمه أن يتحدث مع زوجة مدحت ليعزيها ويعلمها انه في ظهرها من الآن و صاعدًا.
ابلغته فهمية بمرض فاطمة وارتفاع حرارتها وأنها نائمة على أثر المحلول الطبي الذي أضافوا به بعض المهدئات.
حزن البدري على حالتها مجيبًا على زوجة عمه قائلا:
" نعم وهل مثل اخي لا يحزن عليه أقسم أنه انتزع فؤادنا وقوتنا ورحل بهم".
دمعت عينا فهمية من جديد ليسرع هو بالوقوف للهروب قائلا:
" سأنتظر عدة أيام لتستعيد صحتها وأعود لزيارتها".
ثم نظر حوله مكملا:
" تأخر الأولاد كنت أريد رؤيتهم قبل ذهابي".
ردت فهمية عليه بصوتها الذي يغلبه نبرة حزنها وبكائها:
" جدهم يأخذهم كل يوم ليلعبون ويركضون، يشتري لهم الحلوى كي لا يتذكروا والدهم ويسألون عليه لتتألم قلوبنا عليهم".
سأل البدري زوجة عمه: " هل يسألون عنه ؟".
زاد بكاء فهمية:
" وهل تنتظر رد على سؤالك يا أبني".
تحرك ليخرج من المنزل هاربًا من دموعه:
" سأعود لأراهم مجددًا".
خرج وصعد سيارته معاتبًا على نفسه قائلا:
" ما هذا السخف الذي وقعت به؟ هل ينسى الولد أباه؟"
مر أسبوع كامل على حادث الوفاة لتتلقى فهمية خبرًا جديدًا رج جدران مملكتها وارعد قلبها حيال تلك الحقيقة التي لم تفكر بها ولم تضعها بالحسبان.
فُتح جرح قلبها وظلت تبكي وهي تحتضن أولاد ابنها طالبة من امهم أن تبقى في الصعيد ولا تحرمها من أحفادها من بقوا ذكرى من ابنها، وعدتها أن تجعلها تاج على رأس الجميع لا يطلب منها شيء ولها ما تأمر به فقط كي تبقى.
بحالتها المنتهية وصوتها الذي أصبح لا يخرج وإن خرج لا يسمع بكت توته و وعدتها أن تعود لزيارتها وان لا تحرمهم من احفادهم.
أعادت حديثها بضرورة عودتها مع والديها فداخلها لم يعد يتحمل البقاء مع الذكريات والأحلام أكثر من هذا فكل مكان حولها يذكرها به وبصوته.
صدقتها فهمية فهي أعلم بحالها وخاصة نوباتها البكائية وهي تترجاه أن لا يُحدثها بأحلامها.
وافقت على ذهابها طالبة منها ان تبقى يومين حتى يعود البدري من القاهرة ليجلس معها كما طلب وأيضا لتعلم ما سيحدث بحقوق أبنائها.
ردت توته على فهمية قائلة:
" أعلم أنكم لن تظلموهم أنتِ موجودة ستكفين وزيادة بغيابي".
عادت توتة مع عائلتها للقاهرة وهي بالكاد تتحرك من مكانها متحججة بألم مفاصلها ورأسها واقدامها، نقل بغدادي الأولاد لمدرسة قريبة منهم ليكملوا سنتهم الدراسية ومن. ثم يروا ما يفعلوه السنة القادمة.
صدمتهم توتة برغبتها بالعودة لمنزلها القديم والاستقرار به بعد انتهاء شهور العدة ليرفض والدها بشدة.
عادت شهرزاد لتنتظم بمحاضراتها بعد انقطاع دام لخمسة عشر يوما متواصلة ، حزن أستاذ نديم على حالة وجهها التي تصف ما هم به من حزن، اقترب منها ليقوم بواجب العزاء لها طالبًا منها أن تستأذن له والدها كي يذهب إليهم ويعزيه بنفسه.
ردت عليه باحترام كبير قائلة:
" رغم أنه لا داعي لإرهاقك وتعبك إلا أن حضرتك لا تحتاج الاستئذان يكفي أن تخبرنا عن موعد قدومك لنكون بانتظارك".
شكرها أستاذ نديم واخبرها انه سيأتي إليهم بالغد بعد أذان العشاء، لم تتوقع شهرزاد أن تصادف زيارة استاذها زيارة والديٌ شريف وخاله وزوجته الذين أتوا في نفس الموعد بعد أن استأذنوا قبلها بوقت قصير وسُمح لهم من قبل بغدادي.
خرجت توته لتجلس وسطهم دون روح، حزنوا على شبابها وجمالها لتكون أول كلمة لمديحة عند خروجهم: " مؤسف على شبابها وجمالها".
رد أمين الحلو
" كان الله بعونها الحزن أكل روحها وجمالها".
اومأت زيزي رأسها بحزن قائلة:
" الفراق يكسر القلب ويشيخ شبابه ربنا لا تحرمنا من أحبابنا".
طلبت زيزي من مديحة أن لا يبلغ أحد شريف بزيارتهم هذه فقد كانت لأجل المواساة و إحقاق الحق فقط ولا تريد لابنها أن يسئ الظن بهم.
وافقتها مديحة قائلة:
" أنتِ محقة إن أراد البدأ بحياة جديدة علينا أن نساعده بها، وما فعلناه له ثواب كبير عند الله فجبر الخواطر والمواساة عمل كبير لا ينتظر العبد ثوابها إلا من الله".
ردت زيزي بحزن:
" و نعم بالله ، أنتِ محقة حزنت كثيرا على حالة زوجته وكأن عينيها ترهلت وسقطت على وجنتيها من شدة حزنها وخمولها".
_ " لا تذكريني بحزنها وخمولها بقيت أنظر لها خشية فقدانها لوعيها أقول الآن ستميل على اختها الان ستفقد وعيها الحمدلله انه لم يحدث امامنا وإلا كنت وقعت بجانبها".
اومأت زيزي رأسها وهي تحلل ما سمعته:
" أعتقد انه حدث لأجل ما حكيت لكِ من فقدها لوعيها بشكل دائم".
_ " نعم أنتِ محقة وخاصة عندما أتوا ليوقظوها بالصباح ليجدوها بدون نفس، الحمدلله انهم انتبهوا لها وإلا كانت الآن بجانب زوجها".
ردت زيزي بخوف و عاطفة أمومة:
"بعد الشر لازالت صغيرة لمن ستترك طفليها".
اجابتها مديحة بنفس حزنها:
" أخ يا زيزي لا تذكريني بهم كان الله بعونها على تربيتهم وحدها الحمل كبير والطريق طويل لا زالوا براعم صغيرة ".
……….
شرد شريف من جديد في لقائهم الأخير الذي لم يغادر خياله وأحلامه حتى الأن، رن هاتفه نظر للشاشة مجيبًا عليه.
استمع صوت سيف يغني له:
" وحداني والقلب وحيد، وحداني وحبيبي بعيد ".
ضحك شريف وهو يستمع لسيف الذي تحدث بصوته الفرح:
" ما أجمل الحرية وأخيرًا تحررت".
تساءل شريف بقلق:
" ماذا تقصد! كيف تحررت؟، هل ما فهمته صحيح!".
اخفض سيف صوت الأغاني من جانبه، مجيبًا:
" أكيد صحيح وهل يقصد بالحرية خلاف هذا".
_ " ولماذا يا أخي ألم نتفق أن تهدأ و تتأنى لتعطيها فرصة أخرى".
أجاب سيف بجدية قائلا:
" هذا أفضل من أجل الجميع، وأيضا عليّ أن احقق وصيتك لي".
سأله شريف باستغراب:
" هل وصيتي!، وما دخلي بتركك لخطيبتك".
_" ألم توصيني عليها !" غير سيف نبرة صوته لتصبح شبيهة لصوت شريف مكملًا:
" حلال عليك أنت أحق بها من سامر".
أصيب سيف بهستيرية ضحك كان يتحدث بها قائلا:
" بصراحة رأيت أنها مناسبة لأحلامي، لا تخف سنتفاهم معا بشكل جيد".
وقف شريف عن ضحكه وهو يستنكر ما يقوله ابن خاله حتى وإن كان يمزح.
استغرب سيف أنهاء شريف لمحادثتهم متحججًا بتحضيرات هامة عليه القيام بها.
اغلق الهاتف وهو يحدث نفسه:
" هل صدق ما قلته واغلق لأجل هذا".
فكر قليلا ليراجع نفسه:
" لا هو يعلم أنني أمزح معه وأيضا هل جننت لأعيد التجربة".
عاد ليغني بفرح وسعادة وراحة كبيرة جراء انفصاله عن خطيبته.
تذكر شريف عيونها الدامعة مسح على وجهه قائلا لنفسه:
" هذا أفضل لنا، لنتذكر بعضنا بهذا الجمال والحنين، لن أسمح للمشاكل العائلية أن تجعلك تندمين على رؤيتك لي".
فتح هاتفه ليجد صفحة الواتس اب الخاصة بها لا زالت مفتوحة على هاتفه فهو كلما اشتاق لها فتح محادثتهم ليقرئها وكأنه أول مرة يقرأها، يتفاعل ويضحك وهو يدور بين سطور ردودها وكأنها وصلت إليه للتو.
توقع شريف أنها تعيش أياما صعبة مليئة بذكرياتهم، تدمع عينيها على سفره وتركه لها حتى بعد صلحها مع أمه.
فكر أكثر مراسلتها شارحًا أسباب سفره وإصراره على قراره الأفضل لمستقبله ودراسته.
لم يستطع إرسال أي رسالة احترامًا لوضعهم وعدم وجود رابط رسمي بينهم حتى أنه لم يعد أستاذها الآن.
ولكنه لا يعلم بأي هم وغم هي فكان من المفترض معرفته بوفاة مدحت من تغيير الصورة الشخصية للتطبيق أو نشر حالة معبرة عن حالتها كما يفعل الكثيرون.
عكس شخصية شهرزاد التي لا تهتم بهذه التفاصيل حتى من الممكن ان تكون صورتها هذه هي أول صورة وضعت بحسابها من خمس سنوات، فآخر همها وهي بهذه الحالة تغيير الصورة أو نشر تعزية.
أتت حادثة الوفاة لتسلب عقولهم وأفئدتهم فلم يصبح لديهم فكر سوى كيف يهتمون ويعتنون بتوته والأولاد وتهوين عليهم فقدهم لأبيهم.
توالت عدة أيام اخريات جاهد شريف نفسه كي لا يفتح حقيبة السفر، بدأ مع والديه مكالمة فيديو طويلة استمرت لساعات ولم تنتهي إلا بعد وصول ضيوف لمنزل أمين الحلو.
عاد الحنين ليسيطر عليه تحرك ليفتح الحقيبة مخرجًا منه كتاب بعنوان
'لم أكن أنتويه حبًا فأصبح بالحلال عشقًا'
أخذه وتحرك به ليجلس بجانب الطاولة الصغيرة التي مرة تصبح مائدة للطعام ومرة أخرى مكتب يدرس عليها، غير قبلته ليستلقي على فراشه ممسكًا بالكتاب بعدها يلامس عنوانه وغلافه قائلا لنفسه:
" لنداوي أنفسنا بأيدينا حتى وإن لم ترد قسمتي تحقيق حلمي فلنحققها بالأحلام، أنا أعلم جيدًا متى استطيع التحكم بنفسي وافصل بين الحقيقة والخيال".
تذكر شريف ذهابه قبل سفره بساعات ليبحث بالمكتبات الكبيرة عن نفس الكتاب الذي تقرؤه وبالفعل وجده واشتراه بقلب سكنته الراحة والسعادة و كأنه سيأخذها معه لتحدثه وتؤنس غربته بصفحاته.
بدأ يقرأ بصوت يشبه القاءها، وبهذه اللحظة استسلم شريف لقلبه بعد حرب طاحنة دامت لأسبوعين واكثر حاول فيهم الابتعاد عن أي شيء يذكره بها حتى وإن كان حلم يوقظ نفسه منه ويشرب الماء شاغلًا عقله بدراسته ليبتعد عنه.
عاد القلب ليلقي بنفسه في أحضان الأحلام ليريح قلبه ويهدأ ناره ويهون عليه غربته و وحدته، وهو مقتنع بقوته في الفصل بين الحلم والحقيقة.
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
ذهبت شهرزاد للجامعة مسرعة في دخولها المحاضرة، جلست وسط الزملاء مستمعة لأستاذها بانتباه كبير.
طرق باب القاعة ليظهر بعدها أستاذ نديم بوجه سعيد مستأذنًا من أستاذ نبيل أن يسمح له بأخذها شهرزاد من المحاضرة.
سمح أستاذ نبيل بصدر رحب لتخرج شهرزاد محاولة فهم تعابير وجه استاذها الذي تحرك عائدا لمكتبه وهي من خلفه تسرع محاولة اللحاق به.
جلس على المكتب ناظرًا لوجهها قائلا:
" أريد الحلوان لن اكتفي بمساعدتك لي، اريد شيء أكبر لا اعرف ما هو ولكن عليكِ أن تفكري جيدًا بهذا".
سألته بوجه علت عليه علامات الاستفهام:
" ماذا حدث هل يوجد جديد بأمر كتاب حضرتك؟".
أجابها استاذها ليهز جدران قلبها بصوته الفرح:
" وأخيرا تحقق حلمك يا أستاذة شهرزاد وتم تعيينك معيدة بالجامعة بعد تغيب أسماء وتركها العمل بسبب خطبتها وزواجها المقترن بالسفر".
_" كيف! هل تم فصل أسماء من الجامعة ؟".
رد نديم بوجهه للفرح قائلا:
" نعم تم فصلها لكثرة تغيبها دون أعذار قانونية حاولنا مساعدتها الجميع كان يتغاضى عن هذا كما نفعل مع بعضنا بأوقات الأزمات، من الواجب شكرها لنا عكس ما فعلت حين زاد تغيبها دون اتصالات، تم استدعائها من قبل الإدارة لاستلام إنذار الفصل وهنا اخبرتهم انها عروس وتجهز للسفر مع زوجها أو الذي سيصبح زوجها لا أعلم، بالأخير حدث ما حدث وعليكِ أن تعتبري منه وخاصة في أول سنة تعيين ممنوع الإجازات الكثيرة".
نظر لملامح وجهها باستغراب متسائلا:
" ألم تفرحي؟".
حاولت شهرزاد تحريك منحوتة وجهها الحزين كي ترسم الابتسامة عليه قائلة:
" بالطبع فرحت ولكني حزنت عليها كيف تترك وظيفتها بهذه السهولة؟، إن انتظرت شهرين ومن ثم تزوجت وفعلت ما تريد".
_" من الجيد حدوث هذا فرحت كثيرًا لأجلك صدقيني وكأن محمد ابني هو من عاد وتم تعيينه بجانبي".
ردت شهرزاد بحزن عليه قائلة:
" بإذن الله سيعود بجانبك وتسعد به".
تنهد نديم بحزن أجاب عليها به:
" إلى أين يعود أصبحت الغربة تسري بعروقه بدل الدم، تزوج وأنجب وأسس حياته هناك من الصعب ترك كل هذا ليعود".
سألته بتحفظ وتردد:
" ولكنه يعود بالإجازات أليس كذلك!".
_" من الواضح انكِ استكثرتِ عليّ الفرحة لتذكريني بهم، لا يا بنتي من يوم ذهابه لم يعد يتحجج دائما بالأعمال وبعد زواجه وعدنا بالمجيء ولم يحدث، تعلقنا بالأحفاد وتمنينا أن يصدق وها نحن هنا ننتظر".
حزنت شهرزاد قائلة:
" سيأتي بالأخير سيعود لوطنه وأهله، يغتر الشباب بجمال وبريق ما يروه بالغربة وبعد وقت تعود الألوان لتظهر على طبيعتها ويعلمون أن لا راحة ولا مستقبل لهم إلا بوطنهم".
ابتسم نديم بحزن تحدث به:
" أصبحت كندا موطنه الثاني بعد حصوله على الجنسية وبعدها تزوج من كندية يقول إنها مسلمة ليصبح هو وزوجته حتى أولاده كنديين الهوية، اتركينا منه أرادها منذ صغره وتحققت له".
_"وماذا عن الأخرى اعتقد انه لديك ابنة بالغربة أيضا، أليس كذلك؟".
أبتسم نديم قائلا:
" لا ليست ابنة بل ابن اسمه حسام هو أيضا خارج البلد ولكنه ذهب بناء على عقد عمل في السعودية، يعود بكل اجازة ليبقى بمنزلنا طوال شهور الصيف حتى يشبعنا منه ومن أبنائه، بالأصل زوجته ابنة خاله فلهذا تجديها تحب البقاء بمنزلنا والمجيء بكل فرصة حتى انها تسبقه بشهر أو شهرين لتقضي أكبر قدر من الاجازة بيننا نحن وأهلها، ثم تعود بعدها لتلحق به هذه هي الحياة يا ابنتي الجميع يسعى لتحقيق حلمه وها أنتِ حققتي ما حلمتي وتمنيتي مبارك أنتِ أحق بها من غيرك".
عادت لمنزلها حاملة فرحتها بقلبها معلنة عليها بعيون دامعه، كبر البغدادي وهلل فرحًا بالخبر، بكت توته من الفرحة المختلطة بألم قلبها متمنية لو كان رفيقها بجانبهم يفرح بسعادة ما تمنوه لها.
كتب أستاذ نديم رسالة لشهرزاد عبر الواتس أب:
" لا تجعلي الفرحة تنسيكِ كتابي، لم يتبقى الكثير على تسليمه شهر مدة صغيرة على انهائه وتصحيحه ومراجعته فأنا أحب مراجعة كتابي عدة مرات قبل النشر، سامحه الله شريف سافر دون تواصل وكأنه يعلم ما سيلحق به ان اتصل".
وبعد ثواني من قراءتها للرسالة كتبت رد سريعًا:
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لا لم أنسى حتى أنني كنت أحدث اختي قبل قليل أنني سأسهر الليلة لإنهاء كل ما طلبته مني".
ابتسم وجه نديم كاتبًا لها:
" بارك الله فيك يا بنتي، طمنيني على اختك هل هي أفضل الآن".
كتبت شهرزاد باهتمام:
" نتمنى هذا ، كما نعلم مرور أربعين يومًا مدة غير كافية للخروج من هذا الألم".
كتب نديم بحزن:
" نعم أنتِ محقة أامل أن تنجح الأيام بتهوين حزنها وألمها فالحمدلله الذي ينزل الاقدار وينزل معها نعمة النسيان وإلا ذهبت عقولنا خلف من ذهبوا أحياء كانوا أو اموات".
بادلته الحزن وهي تكتب ردها:
" الحمدلله ليهون الله ويرفع برحمته عن كل قلب يتألم من فراق الأحبة".
انتظرت شهرزاد دقائق دون رد من استاذها أو حتى رؤية رسالتها الأخيرة أغلقت الهاتف وجلست على مكتبها لتبدأ إنهاء ما وعدت به.
انشغل أستاذ نديم مع الاتصال الذي أتاه عبر تطبيق الواتس قائلا:
" الحمدلله انا بخير، المهم أنت كيف أحوالك سافرت وقطعت بنا أين وعودك بالاتصال والتواصل الدائم".
رد شريف على أستاذه:
" أعتذر منك أنت محق واكثر من محق، مرت الأيام الأولى بسرعة كبيرة في النهار ما بين الجامعة وما تأخرت عنهم به وعند عودتي تتصل امي بمكالمة مفتوحة لا تنتهي إلا بعد انتهائي".
ضحك أمين برده:
" ليرضى الله عنك إياك والابتعاد عنهم حتى وإن كلفك هذا الانقطاع عن العالم كله، فكما قلت لك إياك وكسر قلوبهم لن يبارك الله لك بأي شيء دون رضاهم".
اجابه شريف:
" بارك الله لك بأولادك وأنعم عليك حبهم وبرهم لا يكون لديك قلق من هذه الجهة".
فرح وجه نديم قائلا:
" آمين يا ابني اللهم امين، كنت سآخذ رقمك الجديد من والديك ولكني نسيت بيومها ولم أتذكر سوى اليوم حين وصلنا الخبر السعيد وجئت أنت بعقلي فور معرفتي به، تذكرت حينها عدم أخذي لرقم الجديد من والديك فما رأيناه من حزن بأعينهم أنسانا كل شيء"
استقام شريف بجلسته وهو لا يفهم على أستاذه ليأتي رده الغير مرتب:
" أنا لم أفهم شيء، هل رأيت والديٌ بعد سفري، هل لا زالوا حزانىَ على سفري"
و بدهشة و استغراب رد نديم على سؤاله بسؤال آخر:
" سفرك! ألم يخبروك بوفاة زوج أخت شهرزاد ومصادفتي لهم بمنزل الأستاذ بغدادي".
وقف شريف بمكانه قائلا بصوت مصدوم:
" لا إله إلا الله كيف توفى مدحت كان بخير ماذا حدث له ".
_ " من المؤكد أنهم لم يبلغوك كي لا تحزن اعتذر منك يا بني".
رد شريف بسرعة:
" العفو منك ولكن أخبرني كيف مات هل كان مريض أم حادث سير اعتقد انه حادث فما أعلمه أنه بصحة جيدة".
_" هل سمعت عن حادث القطار الذي وقع بأسيوط منذ قرابة الشهر كان هو به".
سأله شريف بخوف:
" وماذا عن زوجته وأبنائه؟".
_" جميعهم بخير شاء الله ان يكون وحده رحمة الله عليه، عليك أن تحمد الله على سفرك وابتعادك توفى الكثيرون وكل منهم له حكاية غير الآخر استمعت عبر التلفزيون قصصهم من ذويهم وحزنهم الكبير بقلب كاد ان ينفطر عليهم منهم عريس والأخر توفى هو وعائلته ولم ينجو إلا رضيع صغير والأخر كان عائدا من الإمارات وذهب للقاهرة ليشتري منزل يتزوج به ومنهم من خرج بإعاقات مستديمة، حُرق قلبي وأنا اتابع الاخبار حسبي الله ونعم الوكيل بكل مسؤول تواطئ وأغمض عينيه عن هذه المنظومة المتهالكة".
رد شريف عليه:
_" نعم تابعت الأخبار وعلمت ببعض القصص المؤلمة حسبي الله ونعم الوكيل".
_" اعتذر منك يا بني احزنتك حتى أتوقع عدم اتصالك بي مجددًا".
رد شريف بسرعة:
" العفو منك أستاذنا الكريم لا تقل هذا بل من الجيد معرفتي لأداء واجب العزاء للأستاذ بغدادي وأسرته".
تحدث نديم بحزن:
" لا تذكرني بأسرته خاط الحزن ملامح وجوههم لدرجة انهم نسيوا اصطناع الضحكة عليه، اسرعت اليوم لأزف لها بشارة تحقق حلمها فاجأتني بصمتها و تبسمها ابتسامة إن أخرجتها بوجه عدو كانت ستكون بأداء أفضل من هذا، اعتادت وجوههم على الحزن ولم تعد القلوب تفرح كسابقها، آخ لو ترى حالة أختها فاطمة وكيف كانت جالسة معنا وكأنها ليست معنا".
لم يفهم شريف شيء من كثرة ما أطال به نديم ليستفسر منه عن أي بشارة يتحدث.
اجابه نديم بفرح:
" سامحك الله شغلتني وجعلتني احكي كثيرا دون ان أعطيك الخبر الكبير، سأشرح لك انت تعلم وضع أستاذة أسماء وما كانت تفعله معنا من استهتار وعدم تحملها للمسؤولية، تفاقم الوضع و وصل لهيئة التعليم العالي ليتم اخذ قرار قطعي بفصلها انا كنت على علم بهذا وشاركت بقرارهم حتى واني أعطيت هيئة مجلس الأمناء اسم من يستحق هذا العمل واليوم تم تعيين شهرزاد معيدة بالجامعة".
ابتهج وجهه فرحًا بالخبر مغردًا:
" هل عينت شهرزاد معيدة بجامعتنا".
_" ما بك ولمن كنت اشرح أنا؟، أقول لك اجتمعت هيئة الأمناء و اصدروا القرار النهائي بتعيينها".
ظل نديم يتحدث معه ويفتح مواضيع مختلفة دون أن يعطي شريف فرصة الرد عليه من الواضح انه وجد من يملأ فراغه و وحدته الكبيرة. أخبره شريف تحويله الرقم المصري الخاص ليصبح دولي يتناسب مع تنقله خارج البلد فإن كان تواصل بالاتصال أو حتى إرسال الرسائل كان سيرد عليه.
نجح شريف بإنهاء الاتصال حين تحجج باتصال ابن خاله على هاتفه أكثر من مرة:
" أعتذر منك اتصل بي أكثر من مرة وعليّ أن اتصل به أخشى أن يكون أمر مهم".
_" لا عليك أخذت أكثر من حقك تبين من غربتك كم أنت محب للرغي اشغلتني عن عملي هيا اذهب لابن خالك واتركني لعملي".
اغلق نديم هاتفه ليفتح شريف فمه قائلا لنفسه:
" هل أنا محب الكلام!".
رن هاتفه من جديد، فتحه قائلا دون مقدمات:
" سأقطع علاقتي بك، حتى أقول لك سأقطع رأسك وبعدها سأقطع علاقتي بك بشكل تام".
رد سيف بصوت أنثوي:
" لمن ستتركنا بعدك، ماذا افعل انا بدونك، ان لم تفكر بي فكر بمضغتي التي أحملها ببطني".
اصمته شريف قائلا:
" لا تمزح معي أنا جاد لماذا لم تخبرني بوفاة مدحت زوج أختها".
تساءل سيف: " عن من تتحدث؟".
حذره شريف بصوته الجاد:
" سيف انا لا امزح ".
_" من الواضح أنني صادفت وقتك السيء، عمتي وأمي أرادوا هذا كي لا تتأثر بغربتك وأيضا لأنهم ذهبوا لأجل الفتاة وإن علمت أنت ستفكر انه لأجلك".
رد شريف بحزن كبير:
" كان رجل خلوق وذو روح مرحة، عندما تنظر له أول مرة تعتقد انه صعب وثقيل الظل ولكن بمجرد تحدثه تعلم كم هو خلوق ومرح رحمة الله عليه".
تحدث سيف داعيا:
" اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عن سيئاته واسكنه فسيح جناتك واجعل قبره روضة من رياض الجنة".
_" آمين يارب العالمين سأغلق معك لاتصل لأداء واجب العزاء وبعدها أعود لمحاسبتك انتظرني".
رد سيف بنبرة ضحك غير واضحة:
" طبعا طبعا عليك ان تقدم الواجب والأسئلة والأجوبة".
_" الخطأ على من أجاب عليك، امسح رقمي ولا تتصل بي مجددًا".
لم يستطع سيف منع نفسه عن قول:
" لن امسحه ولن اتركك لها أنت لي وحدي، أنت لي يا وليد".
_" والله سأغلق بوجهك الهاتف".
اسرع سيف برده الجاد:
" تمام سأغلق كنت أريد أن أخرج ما بداخلي معك ولكنك لا تستحق انظر لمن يتصل بك مرة أخرى".
_" سأعود لاتصل بك لا تصبح ثقيل لهذا الحد".
توتر شريف قبل اتصاله شرب الماء ومسح وجهه وهو يترحم على مدحت فتح الهاتف قائلا لنفسه:
" علينا أن نبلغه عزائنا ومن ثم نتصل بها كي اعزيها".
فكر للحظات تساءل بعدها:
" وهل يحق لي الاتصال بها، سيكون واضح أمام والديها، الأفضل أن اتصل بها ومن ثم أطلب والدها لأتحدث معه، وكأني اتصلت عليها لأجل أن أقدم العزاء لوالدها، ولكنه سيقول لماذا لم يتصل بي مباشرةً".
تحرك بالغرفة وهو يفكر كيف سيحلها ليستقر بالأخير على أن يتصل بوالدها كي لا يكون عيبًا عليه، فتح هاتفه واتصل بسرعة لينصدم بصوتها وهي ترد عليه دون معرفة المتصل أو الانتباه انه لا يشبه ارقامهم المحلية:
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
انزل هاتفه من على أذنه لينظر للرقم إذ به اتصل بها هي وكأن قلبه محى عقله واتصل بأقرب رقم له.
رد شريف بتوتر قائلا:
" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أعتذر إن اتصلت بوقت غير مناسب "
أنزلت هاتفها لتنظر للرقم مسرعة بإجابتها:
" أستاذ شريف أهلا بك لا يوجد اعتذار حضرتك تتصل بأي وقت".
_ " البقاء لله رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته حزنت كثيرًا عند معرفتي قبل قليل بخبر الوفاة ".
ردت شهرزاد:
" شكر الله سعيكم و عظم أجركم، لكل أجل كتاب".
_ " ونعم بالله، هل اختك بخير سمعت من أستاذ نديم عن سوء حالتها".
كادت دمعتها أن تفر من عينها وهي تحدثه بصوتها الحزين الشاكي لهمهم:
" مع الأسف لا زالت على نفس الوضع دموعها بعينيها دائما تأكل وتشرب بصعوبة حتى الأولاد تأثروا بحزنها كثيرا، دعواتك لهم".
_" أعلم أن الوضع صعب ولكن الأطفال لا ذنب لهم بهذا، عليها ان تستجمع قوتها لأجلهم".
مسحت شهرزاد دمعتها التي ظهرت بنبرة صوتها وهي تجيب:
" لا تقلق نحن معها لن نتركها حتى تتخطى ما هي به، توته أقصد فاطمة اختي مرهفة الحس من الصعب تحملها لما وقع عليها".
حدثها بصوته الحنون المواسي لها قائلا:
" حتى إن كانت غير ذلك فالموت حقيقة لا يتحملها بشر، فكرة الفراق وعدم رؤيتك لأحبتك مجددا صعب على الكل".
قطع كلامه حين شعر ببكائها ليعتذر بسرعة منها قائلا:
" أعتذر لم أرد فتح جرحك تحدثت دون أن انتبه"
ارتعد قلبه راجفا وهو يكمل بصوته الحزين:
" رجاءً لا تبكي ".
مسحت دموعها ثم تحدثت بصوت حاولت أن يكون جيدا:
" لا يوجد بكاء ولا شيء أنا بخير بالأصل وإن أردت لا يحق لي لأجلها هي والأولاد، كم دمعة سقطت رغما عني وانتهى انا بخير لا تقلق".
رد شريف بحزن على حالتها:
" إن كان البكاء يريح قلبك فلتبكي لا تحتجزيه بقلبك كي لا يخرج فجأة كما خرج الآن، شهرزاد اياكِ أن تظني البكاء ضعف اخرجي ما بقلبك حتى ترتاحي وتستطيعي التحلي بالقوة أمامها".
علا بكائها بجوابها عليه:
" لو رأيتها لن تستطيع التعرف عليها تبقى القليل لتذهب من بين يدينا".
مرة أخرى ارتعد القلب وارتجفت الأيدي لبكائها تحدث ليقول: " حفظها ال ".
لم يكمل كلمته حتى انقطع الاتصال وانتهى شحن هاتفه، غضب على نفسه أسرع ليبحث عن الشاحن فوق فراشه والطاولة، فتح حقيبة يده الصغيرة ليبحث عنه دون فائدة وكأن الغرفة انشقت وابتلعته، وضع يده على جبهته وهو يسمي الله محاولا تذكر مكانه تحرك بالقرب من الباب ليبحث بجيوب جاكيته الصوفي ليتذكر انه بالحمام فحين اضطر لشحن اللاب توب بمقبس الغرفة لم يجد بديلا عن مقبس الحمام لشحن هاتفه أثناء تناوله لطعامه الذي لم يكتمل بسبب اتصال أمه لينفذ من جديد.
وضعه على الشاحن ثم غسل يده و وجهه بقلق وارتباك جعلوه يحاول إعادة تشغيل هاتفه وهو على الشحن ليتصل بها سريعا.
عاود اتصاله بها لتأتيه مفاجأته الثانية بنفاذ رصيده مسح وجهه وهو يهدأ نفسه ليفتح تطبيق الواتس اب كاتبًا:
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اعتذر لانقطاع الاتصال نفذ الشحن ومن بعده مع الأسف الرصيد".
فتحت شهرزاد الهاتف فور سماعها صوت الرسالة هو فتحت الرسائل ليحصل ما لا تتوقعه حين ضغطت على اتصال فيديو بالخطأ.
اسرعت باغلاق الاتصال ولكنه فتح في نفس اللحظة ليكون له الحظ برؤية وجهها الحزين وعينيها المتأثرة ببكائها الذي لم يتوقف من بعد انقطاع الاتصال، توقف صافنا متأثرا بها.
اسرعت شهرزاد للنظر إلى المرآة واضعه يدها على رأسها ناظرة نحو سيدالها الأحمر قائلة:
" وجدت الوقت المناسب كي أخطئ به".
خلعت ما عليها ناظرة نحو شعرها بالمرآة حامدة الله أنه سترها من الفضيحة.
عاود شريف الاتصال عبر تطبيق، فتحت معتذرة للخطأ الذي حدث ليجيبها بسرعة قائلا:
" إن لم تتصلي أنتِ كنت سأتصل انا لأطمئن على صوتك".
_" أنا بخير لا تقلق اعتدت على هذا مدحت كان أخًا غالي على قلوبنا الحمدلله على كل حال لا يغلى على ربه".
أجاب شريف عليها:
" عليكِ بالصبر كيف تنتظرين من اختك أن تصبر وهي ترى حالة عينيكِ بهذا الشكل".
مسحت عينيها وهي تقترب من المرآة مجددًا مدافعة عن نفسها:
" حقا انا بخير حتى دخلت غرفتي بعد نوم الجميع لأنهي تدوين ما طلبه مني أستاذ نديم لأجل قرب موعد طبع الكتاب بنهاية الشهر المقبل".
_" إن اردتي مساعدتي لننهي بشكل أسرع".
اجابته برفضها السريع قائلة:
" شكرا لك استطيع انهائه وحدي حتى وإن لم انم ليلتي، أعلم مسؤوليتك حدثني أستاذ نديم عن جدية الوضع بجامعتكم والمجهود الذي على عاتقكم".
_" لا يوجد شيء وأيضا اليوم أنهيت كل ما أريده بالجامعة قبل عودتي لأن أمي لا تتركني فور عودتي".
ردت بحزن على ما قاله:
" لا تسئم لأجل اتصالها انه أقل حقوقهم، هل هذا جزاء تربيتهم لك، تركتهم وذهبت دون شفقة بالإضافة لتثاقلك من اتصالاتهم إن لم يتصلوا بكم كي يستمدون عافيتهم وقوتهم بهذه الحياة بمن يتصلون"
استرسلت شهرزاد بإعطائه درس في طاعة الوالدين و واجبهم عليه، وظل شريف صامتا يستمع لحديثها الذي تحول إلى ثورة غضب كبيرة، قائلا بصوت غلبه المعاتبة:
" ما الداعي لكل هذا، من قال لكِ أنني تثاقلت منهم انا فقط أخبرتك بأنهائي لدراستي وابحاثي في الجامعة لأعود متفرغًا لهم دون أن اقطع متعتهم، يتناولون طعامهم معي ويشربون قهوتهم وهم يتحدثون إلي وكأنني بينهم وبالأخير هم من يملون ويغلقون ليناموا أو ينهوا ما وراءهم".
_ " أعتذر منك تأثرت بوضع أستاذ نديم وتحدثت بقوة لم اقصدها أتمنى ان تقبل اعتذاري، الغربة تغير النفوس لعل القدر جعلني أقول هذا لك كي تنتبه وأن لا تفعلها بالمستقبل، صدقني مهما نجحنا وحظينا بمحبين حولنا لن نستطع الفوز بقلوب تحبنا كحب والدينا فهم أكبر نعمة بهذه الحياة إن خسرها الإنسان خسر معها كل شيء".
أومأ شريف رأسه وهو يسحب المقعد من جانبه ليجلس عليه قائلا:
" اعلم كل ما تحدثتي عنه، انا لم اتخلى عنهم ولا يمكنني أن أتخلى فهم باب جنتي هل يتخلى المرء عن باب جنته بسهولة، أعلم انكِ حزنتي لأجل أمي ومن المؤكد أنها تحدثت معك بهذا ولكن صدقيني قرار سفري مهم بالنسبة لي لا أعرف كيف أقولها لكِ رغم اني أخبرتك عنها بأحلامي إلا أن الإفصاح عنها صعب قليلا".
جاءت لتقاطعه وترفع الحرج عنه هاربة مما سيقوله وخاصة بعد ذكره للأحلام.
لم يعطيها فرصة حين أمضى بشرحه:
" أصبحت لا أتحمل ضغطهم عليّ من جهة لا اريد أحزانهم ومعارضتهم ومن جهة أخرى أصبحت لا أتحمل معاملتهم لي كطفل صغير، هل تصدقين أن أمي حتى الآن تختار لي ما أكل واشرب وارتدي تبقى القليل لتختار أصدقائي ومن أتحدث معهم رغم إنه شيء ليس بجديد عليها، كنت اطيعها حبا لها، اهتمامها يشعرني بالتميز ولكن بعد فترة تمردت ليأتي ابي و يصبرني على ما تفعله وأن لا احزنها لأجل أنني وحيدها بجانب مرضها، اقسم إن وقفت أمامي وطلبت مني ان لا اسافر ما كنت أتيت إلى هنا، فعلتها بالسابق وكنت سأفعلها، كنت بصدد خسارتها أصبحت لا اتحمل المزيد لم اعتاد على الوقوف بوجهها ورفض ما تتمناه وما تراه مناسب من وجهة نظرها وبنفس الوقت يصعب علي أن أستمر بهذا".
صمت شريف ليلتقط نفسه المختنق
لتسأله هي قائلة:
" ولماذا لم تستطيع الوقوف أمامها وتحدثها بهدوء من الممكن أن تتفهمك. الهروب ليس حلا".
_" أنا لم أهرب السفر كانت امنية لي أغلقتها وعادت لتفتح أمامي بوقت صادف احتياجي للبعد لفترة قصيرة انهي بها الزمالة البحثية وأعود من جديد، لا يمكنني أن أحضر الدكتوراة بثلاث وأربع سنوات ومن بعدها تعييني بالجامعة اعلم انها فرصة ذهبية ولكنها لا تصلح لي".
ردت شهرزاد باستغراب:
" هل طاعتك زائدة عن الحد المطلوب، إبداء الرأي وتقبله من الجهة المقابلة ليس بعيب او خطأ عليها أن تتقبله".
_" أمي لم تستطع انجاب غيري بسبب مرضها الذي فرض عليها القيام بالتحاليل السنوية وبعض الأحيان تغيير الدم ولكن هذا لم يتكرر كثيرا حدث مرة بمقتبل عمري والأخرى وانا بعمر الرابعة عشر، أنا وأبي نراعي حالتها النفسية ونخشى عليها من نسيم هوائها ، لا نحب معارضتها ونبتعد عن احزانها، اعترف انني ابتعدت لعدم استطاعتي تحمل المزيد من ضغطتها عليّ ممكن أن يسميه البعض ضعفا أو سلبية ولكني أثق بنفسي ولا انتظر تقيمي من احد، وعدتها أن أعود لها بأقرب وقت وهي تعلم قدر وعدي لها".
تحدثت لترفع الحرج قائلة:
" مرة أخرى وجب علي الاعتذار ".
_ " رجاءً لا تعتذري بالأصل كنت انتظر الوقت والفرصة لأوضح لكِ واخبرك".
صمتت دون رد ليكمل قائلا:
" لدي طلب صغير لا اريد لاحد معرفة ما حدثتك به وخاصة وضع أمي الصحي أنه خاص جدا بالنسبة لها، لا تصدقي إن أخبرتك بعدم معرفة احد بمرضها حتى اقاربنا، انتقلنا للعيش بمكان اخر حتى تم شفائها وعدنا لاستئناف حياتنا بعدها"
ردت شهرزاد بحزن:
" فهمت عليك لا تقلق حفظها الله لكم كل عائلة لديها من الهموم والاقدار ما يكفيها، ولولا ستر الله على عباده ما كنا سنعيش".
_" هل عليّ أن أعتذر انا أيضا".
اجابته متسائلة عن السبب ليكمل شريف بوجهه الذي خالطه الحزن بالفرح:
" أعتذر عن إهدار وقتك وتحميلك هموم فوق همومك، كان عليّ أن أكتفي بواجب العزاء، لا اعرف كيف اخذنا الحديث لهذه النقطة".
فكرت شهرزاد قبل أن ترد عليه ناظرة للأوراق على مكتبها لتتذكر ما عليها قائلة:
" ببعض الأحيان إبداء العذر دون فعل ملموس لا يجدي نفعًا ولا يقبل أيضًا".
أجابها باستغراب: " فعل ؟".
اجابته بابتسامة ملأت باللؤم والدهاء قائلة:
" بما أنك أنهيت ما عليك بالجامعة".
أكمل هو حديثها:
" عليك أن تساعدني بما عليّ لأنهيه قبل الصباح".
_ " ليس بكثير سأعطيك جزء بسيط منه، أقسم أنني أن بقيت للصباح لن استطيع انهائه وحدي بكفاءة و دقة ".
رد عليها بفرح قائلا:
" سقطنا بالفخ مجددًا، وهل ترفض أوامر الأمراء؟، تمام على الرحب والسعة لنفعل كالآتي ارسلي لي كل ما لديكِ وسنقتسم العمل، وقبل نومي سأرسل ما انهيته وما لم انهيه لكي تقومي أنتِ به، ولكن علينا ان نتفق على امر هام كما تعلمين اتصلت كي اتحدث مع أستاذ بغدادي ولكنك ابلغتيني انه نام مبكرا فطلبت منكِ إبلاغه سلامي وعزائي حتى أعاود الاتصال به غدا".
ابتسمت متسائلة بلؤم:
" وهل حدث عكس هذا؟".
فرح لأجابتها منصدم بعدها بالملفات التي وصلت إليه فور إغلاقه المكالمة، لتكون أول رسالة له تعقيبا على الملفات ملصقا يحمل وجه الممثل عادل امام وهو فاتح فمه بعينيه المتسعة البارزة.
ابتسمت بخجل ولم تبدي أي ردة فعل ظلت صامتة دون أن تراجعه فهي حقا بحاجة لمساعدته.
ارسل الملفات لجهاز الحاسوب الخاص به ثم ترك الهاتف ليجلس على الطاولة ويبدأ بالعمل على ما غرق به.
تذمر أنه لم يبارك لها تحقيق حلمها صدم كف يده على جبهته قائلا لنفسه:
" ما الذي فعلته زدت همها هما ولم ابارك لها ، حسبي الله وكأني أفقد عقلي وانا أحدثها"
ابتسم وجهه ليتذكر صوتها وهي تسقطه بفخها
أمسك قلمه وكتب بآخر ورقة سبقت غلاف قصتها:
" اهرب منكِ إليكِ لأسقط ببحورك من جديد دون أن أشعر ، سحرتني نغمات صوتك لأصبح أسيرك تفعلين ما تفعليه لاستقبله بفرح وحب، جميع ما يأتي منكِ يترجم على أوتار معزوفة أحببت قلبك وهل لي غير قلبك موطنا، الثامن عشر مارس الفين اثنان وعشرون".
تنفس الصعداء مغلق عينيه بعودة روحه لجسده.