recent
جديدنا

الفصل الأول

وما ملكت ايمانهم

بقلم أمل محمد الكاشف



 دفعها بقوة رجت بنيانها واسقطتها على ضفة النهر مُتألمة الفؤاد، اغمضت عيناها مستنشقة غضبها وتمردها ورغبتها بمشاركته المعركة داخل صدرها محاولة السيطرة على الهيجان النابع من فوران الدم في عروقها.

صاح من خلفها:
"إما ان تعملي بجد ونشاط وسرعة وأما أن اتخلص منكِ بالبخس لأتي بالأقوى والأسرع".

صمت لوهلة ازدهرت بها ملامح وجهه وهو يحدث نفسه بصوت خافت:        "والأجمل أيضا …".

عاد لوعيه واستقطب ملامح وجهه رافعا من نبرة صوته مكمل حديثه:
"سأتي بمن تُشرق الشمس على مزرعتي وتضيء لياليها وتدفئ قلوب من فيها، لتحيا الحيوانات وتنمو النباتات وتزدهر الحياة بنورها".

استجمعت قواها و وقفت من جديد بظهرها المنحني للأمام بقوة قسوة الأيام مقتربة من النهر بخطواتها الهزيلة المتعبة لتملأ جرَادلُ الماء المحملة على البغل الذي لا حول ولا قوة له في رفض نقل كل هذه الكمية الكبيرة كل صباح من مكان النهر للمزرعة الخاصة بهم.
صمت بنظراته اللئيمة بعد ان نجح بسيطرته على مكسورة الجناح، لفتت انتباهه ازدهار وترعرع محصول البصل الأخضر والخيار البلدي بجانب بداية ظهور أوراق الخس، اسرع بخطواته نحو مد نظره قائلا بتعجب واندهاش:
"متى نبتت وترعرعت كيف لم أرها بالأمس!".

فرحت عينيه وبرقت بطمعه مكملًا بصوت عالي:
 "نبتت بفضل خيرنا".
ألتفت برأسها المتطأطئة من انحنائها متسائلة بضيق:
 "بل من خير الله".
رد بنفس علو صوته:
 "نعم كل خير من عند الله ولكن هناك مسببات للخير، ألم نطعم بغالنا يوميًا في هذه البقعة تحديدًا".
زفرت بضيق:
 "وهل يخرج خير مما تطعمه لهم، اشفق على بطونهم التي قست من أكل كل ما هو فساد وعفن".
لم يكترث لحديثها من شدة فرحته لرؤية نبتة السلق بجانب الخيار والبصل الأخضر، جمعها اولًا وهو يقول:
"ما ألذ وأطيب مذاقها الشهي وهي تطهى مع اللحم والفلفل الحار".

جمع المزيد حتى أوشك على انتهاء محصولها الرباني قائلا لنفسه:
"هل أكتفي بهذا الكم واعود في الغد لأخذ المزيد ام اكمل واستفرد بالمحصول وحدي هذا العام".

نظر حوله مكملًا بوجه اعتلاه الطمع:
"لا لن أتركهم لغيري لنعمل ساعة إضافية ننفرد بعدها ببيعه أفضل من أن نأتي غدا ونجد من سبقنا بجمعه".

ظل يعمل جاهدًا يجمع الحشائش ويحملها على أظهر البغال ليزيد من حمولتها ومعاناتها اليومية.
أنهت من عملها رافعة طرف عينيها ناظرة نحو أخيها المتسلط متحدثة بصوت متعب:
"أنهينا حاجتنا املأت ما يكفينا هيا لنعود".

اجابها بصوته الغليظ:
"مد يدكِ معي كي ننهي جمع المحصول قبل اشتداد حموة الشمس".

نظرت لكثرة ما أشار نحوه وهو يكمل:
"انظري إلى هناك متى نبتت الأعشاب العطرية أيضا انا لم اراها صباح أمس، ترعرعت وكبرت النباتات والأعشاب بيوم وليلة وكأنها فرحت بقدوم الربيع مثلنا".

ردت على أخيها رافضة البقاء وجمع كل ما طمعت عينيه بتملكه قائلة:
"اتركه ليوم غد نأتي مع أول إشراقة للشمس نجمع ما تسعه طاقتنا ونعود بعد الغد للبقية فمحصول كهذا لن يقدر مثلنا على حصده ولو عملنا أسبوعا كاملًا، انظر لما تشير له لم تحصد ربع السلق حتى الان بجانب البصل والخيار والنباتات العطرية".

غضب عليها واسرع بخطواته القوية نحوها لنهرها وهز جسدها بين يديه من جديد مُصدر فرمان أوامره:
"لن تغادرِي المكان حتى نحصد كل ما به، هل سمعتِ جيدًا ما أقوله سنحصده اليوم حتى وإن بقينا للغروب، لن اترك هذا الخير لغيري، أنظري بعين العقل يا هذا لتري كم قنينة ذهبية ملقاة على الأرض تنتظر حصدها".

اخذت نفس عميق من جديد متسائلة بعده:
"وماذا عن الأبقار والأغنام والدجاج والبط وسقايا الأرض، جميعهم يحتاج للماء ستفسد الطماطم و محصول الفاصوليا كما ستعطش الحيوانات وتتكأ على جانبيها تستغيث دون حركة تسمد بها الأرض وتبيض لنا البيض الثمين كما سيتأثر حجمها عند بيعها".

رمقها بنظرات ساخرة مقللًا من حديثها:
"هل سيخرب كل ذلك أن بقينا في مكاننا ساعتين اضافيتين! اعملي دون كلام وإلا سأتخلص منكِ لأقرب مشتري يأتي للمزرعة وبدون مال ولا طلبات، حتى أقول لكِ سأبحث بين رفقائي أيهما أكثر شعثا وغبرةً لاهديكِ له دون مقابل".

تغيرت نظرتها خوفًا مما قاله فهي تعلم جدية ما يقوله، أسرعت في سيرها دون هزلان أو عرج وبدأت تجمع ما يشير لها نحوه دون معارضة.

كل ذلك تحت انظار وعيون غريبة عنهم تراقبهم بفضول من أعلى هضاب ايدر المرتفعة.

ينظر نحوهم تارة متعجب من أمر الرجل والمرأة المسنة بهزل جسدها وتارة أخرى ينظر نحو الخضرة في كل مكان حوله، وتُحلق الفراشات الملونة وهي تتراقص فرحةً بروعة الألوان الزاهية.
استلقى بظهره بجانب حصانه الذهبي مطلق العنان ليديه وقدميه أن يتحرروا بزاوية منفرجة على جانبية ناظرا للسماء المشرقة بأشعة الشمس التي تهبط على الأرض لتعانق كل شيء فتكسبه الدفء بحرارتها الغير حارقة.

أغمض عينيه من شدة سطوع الأشعة قائلا لحصانه:
"لنستريح قليلًا حتى يرحل ذلك السئيِل ومن ثم ننزل بجانب النهر كي نتنعم بالماء المعطر بنسائم الزهور والورود الملونة".

نام الفارس بجانب حصانه الغير ثابت بمكانه وكأنه يحرس صاحبه من غدر الخونة والأشرار.

أبحر الفارس بأحلامه الجميلة يتقلب ذات اليمين وذات الشمال بوجه فرح بأجمل واحب الفصول لنفسه وقلبه.

وبينما يتنعم هو بالأحلام وسط الأزهار والخضار ما يشعر به من جمالٍ يستفزّ مشاعره وروح الشعر داخله، كانت هي قد أُنهكت على الأخير حدثت أخيها أكثر من مرة على انهاء العمل وإتمامه بالغد ولكنه أصر على رفضه رفضًا باتًا مكملًا بطمعه في حصد أكبر قدر ممكن حتى أكلت الشمس ناصيتهم من حدتها، وهنا أجبر على ترك الباقي والعودة للمزرعة.


ترنح بسيره من شدة ألم رأسه أمرها أن تحضر له القهوة فور عودتهم.

نزل الفارس وهو يسحب حصانه خلفه مقتربًا من النهر ليغسل وجهه ويسقي فرسه.

انتبه لوجود جرادل مملؤه ماء مخفيه خلف كوم أعشاب عالي الارتفاع، أطلق بصره مسلك الرجل الغليظ وامرأته المسنة محدث حصانه:
"ما رأيك بأخذ الأجر والثواب في تلك المرأة المسكينة نساعدها ونهون عليها وطأة ذلك المتسلط".

خاض بذكريات اللحظات الأخيرة قبل مغادرتهم المكان ليتذكر كيف كانت تعقد ربط الجرادل وصعوبة حملهم على جانبي البغل وهي تضع بالأعلى أكياس ما حصدوه بعد أن جمعته وأحكمت الرباط عليه، بل اطلق العنان قليلًا ليتذكر كيف كان شاهدًا على تسلط وظلم ذلك السئيِل على امرأته، حزن وجهه وصغرت عينيه وهو يرى الإهانة والضرب العشوائي الذي تتعرض له تلك المرأة كلما تذمرت او رفضت بتلبية ما يفوق احتمال البشر، حدث نفسه بضيق:
"ألا يوجد تشريع يمنع هذا السئيِل من عبوديته زوجته".

نظر لحصانه محرك كفه على عنقه الذهبي مكمل حديثه له:
" هيا يا شريك لتكن لوجه الله".

وبالفعل هم بكل قوة لرفع جرادل الماء متوقع خفة ثقلها ليزداد: اندهاشه "كيف حملتهم فوق ظهر بغلها!".

شدد من قوته وحمله اخيرًا ليثبته على جانبي حصانه أخذا بالاعتبار نظرية التوازن لثباتهم بالجهتين، ثم وضع أعلى ظهر حصانه ما تبقى من حصد النباتات الأعشاب العطرية متبع خطى البعير الضعيفة المتعثرة بالرمال حتى ظهرت أمامه مزرعة مليئة بالمحاصيل المزروعة والحيوانات المنتجة، رأى بالواجهة منصة كبيرة يعلوها الجبن الطازج والألبان والبيض والعسل والطماطم والخيار والكثير مما تشتهي الأنفس.

علم أنهم يبيعون و يسترزقون من خيرات المزرعة، راقب المكان أولا قبل أن يقبل عليهم فرغم مجيئه المتكرر للمنطقة إلا أنه لم يرى هذه المزرعة المتوسطة المرتفعات من قبل.

حزن لرؤية ذلك المتسلط وهو يعنف المرأة المسكينة لتأخرها بجلب صحن الماء والملح لأجل نقع وتدليك قدميه المتعبة، تأججت النار الغاضبة بعينيه وهو يراها تسرع بوضع القهوة على موقد الحطب بجانبه ثم هرولت بعدها في تلبية باقي طلباته التي لم تنتهي.

ظل يراقب عملها المستمر وتنقلها بين الحيوانات لإطعامهم والمحاصيل الزراعية لسقياهم وهي بحالتها الغريبة تعرج بوقت وتسير جيدًا بوقت اخر، تنحني بظهرها بشكل يثير الانتباه فكيف لهذه الحالة ان تحمل جرادل الماء والقيام بكل هذه الاعمال الشاقة دون سقوط أو فرط بالجهد.

قرر أن يقترب ليعطيهم حاجتهم ومن ثم يشتري من واجهتهم ما اشتهت نفسه له وحصانه الوفي ثم يذهب.

فتح باب المزرعة الصغير القصير بنفس الوقت رافعًا يده ملوحا للمرأة الأقرب له من ذلك المتسلط.
ابتسم لوجهها شفقة وجبر خواطر ليجدها تنظر نحوه بقوة مدققة بحالة ملابسه البسيطة والحصان من خلفه بصمت، اقدم المتسلط مسرعًا بصوته العالي:
"أخرجنا صدقاتنا ولا يوجد لدينا ما نساعدك به".

اجابه بابتذال:
"ولكنِ لم آتي للصدقة".

ألتفت لحصانه مكملًا وهو يشير لما يحمله:
 "أتيت لأُوصل لكم ما تركتموه بجانب النهر".
نظر المتسلط على الحصان نظرة قوية تعدت نظرة المرأة متسائلا:
"هل هو لك".

فهم الفارس نظراته مجيبًا إجابته المحفوظة لديه بسرعة وحنكة:
"نعم لي. أهداني إياه السلطان نجم الدين لإنقاذي لأبنته الاميرة حفصة من حيوان بري كان سيودي بحياتها للتهلكة".

اسرع المتسلط بقوله:
"نعم صدقت يا أخي، فإن أجبت عكس ذلك ما كنت سأصدقك".

نظر لحالته البسيطة مكملًا بنبرة طالعة:
"سأشتريه منك بعشرون ألف قنينة ذهبية بجانب حصان يعينك ويكفيك في قضاء حاجتك".

رد الرجل:
"أمر سيدي السلطان أن لا ابتاعه لأحد وأن لا يأخذه مني أحد بالقوة، ومن يرى هذا الحصان لدى غيري فليبلغ سموه حتى يعاقبه عقابًا شديدًا ومن ثم يعيده لي".

اندهش المتسلط لغرابة القصة قائلا:
"لم اسمع عن ما تقوله ولكن ان كنت تحيك هذه القصة لأنك تخشى سرقته أو إجبارك على بيعه".

 صمت لوهلة مغير بعدها نبرة صوته لتصبح تهديدًا قوي:
"سأبلغ المملكة بسرقته".

أسرع الرجل بالدفاع عن نفسه:
"يمكنك أن تذهب وتسأل بنفسك".

نظر المتسلط للحصان وحك رقبته متحدثًا بصوت منخفض:
"سأزيد لك عشرون قنينة ذهبية أم أقول لك سأزيدك أربعون نعم لك أربعون آخرون ليصبح المبلغ ستون قنينة ذهبية".

رفض الرجل وتحدث وهو ينظر لحالة المرأة ومراقبتها لحديثهم قائلا:
"اعتذر لا استطيع ان اقبل ذلك أخشى مولاي".

حك المتسلط رقبته ولحيته من جديد ناظرا حوله باحثا عن شيء يغري عيون الرجل كي يتخلى عن حصانه عاد متحدثًا:
"لا تخشى مولاك لدي من يشتريه ويقدره ويعم الخير علينا نحن الاثنان هو أعلم بهذه الأمور فلديه يد مقربه من السلطان ولا احد يستطيع اذيته أن قال وجده دون صاحبه يصدقه الناس".

وقبل أن يرفض صاحب الحصان الذهبي ويهم على الخروج دون أن يشتري ما يريد نادمًا على مجيئه والخير الذي فعله في رجل كهذا، اسرع المتسلط بقول:
"مائة ألف قنينة ذهبية بالإضافة لتلك الفتاة".

استدار الرجل ناظرًا بقوة نحو من كان يتوقع أنها امرأة مسنة وهو يستمع لتكملة حديث الرجل:
 "أنها هدية مني دون ثمن أو وعود بحسن معاملتها، لا يغركِ حالتها الهزيلة فهي ماهرة بتحضير الطعام الشهي وسرعة إدارة المنزل و العمل والحصاد ونقل الماء وإطعام الحيوانات و…".
قاطعه الرجل متسائلا:
"أليست زوجتك؟ وأنت ماذا عنك؟ من سيقوم بعملها ان اهديتني بها؟".

سخر المتسلط منه قائلا بتنكر:
"احتاج للأسرع فهي بقدمها هذه وظهرها المحني لا تثمر بالقدر المطلوب تتأخر بعملها وكما ترى كثرة الأعمال وكبر المزرعة ماشاء الله، أما أنت فستكون كافية وزيادة".

نظر الفارس نحو من تعمل بجهد كبير مسترقة النظر نحوهم من الحين للآخر.

أدار رأسه لينظر لوجه المتسلط المعتلي بالفرح متسائلا:
"وما قرابتك لها، ظننتها زوجتك بأول الأمر ولولا تسلطك عليها لاعتقدتها أمك".

ضحك الرجل مجيبًا:
"هذا يعني أنك وافقت على البيع ستأخذ اختي الفتاة الشابة وعليها مائة ألف قنينة ذهبية مقابل هذا الحصان الذهبي الأصيل".

صمت الرجل بنظراته المملؤة بالشفقة والحزن على تلك الفتاة التي شابهت المسنين من شدة تسلط أخيها وعملها الشاق.

لآن الرجل بحديثه قائلًا بحنكة:
"ولكن عليك أولا أن تؤمن له غرفة محكمة ادخله بها حتى يعتاد على المكان كما حدث معي من قبل، وإلا سيتذمر ومن الممكن أن لا يأكل ويثور ليذهب خلفي".

ضحك الرجل المتسلط فرحًا:
"لا عليك سأتولى أمره أترك أمره ليٌ".

ساومه على البيع ليقول:
"ولكن هناك بعض التغيرات أن وافقت عليها سيتم الاتفاق، انا لا اريد بعيرًا سأخذ الفتاة مئة ألف قنينة ذهبية بجانب حصان قوي يعينني على حالي وترحالي، كما أنني لا أعود للمكان مرتين ولا لي مكان محدد تجدني به أن ذهبت صعب عليك الوصول لي ولا لأختك مرة أخرى".

يعتقد أنه بحديثه سيرجعه عن بيع اخته بهذا الشكل ولكنه تفاجأ بعدم اهتمام المتسلط لحديثه وكأنه كان ينتظر خلاصه منها.

بل تفاجئ أكثر ببهجته وابتعاده وهو يقول بصوت مسموع:
"سأجهز له المكان واحضر لك ثمنه".

تحرك الرجل من بعده ساحب الحصان خلفه ليدخل المزرعة مقترب من الفتاة قائلًا لها:
"أتيت لكم بالماء والحصاد دون أن أتوقع ما رأيته وسمعته، لماذا يفعل معكِ هذا؟ هل هو اخاكِ حقًا".

لم تجب عليه ولم ترفع حتى رأسها تحركت لحمل الماء و وضعه بمكانه ومن ثم اخذت المحصول و وضعته بعيدا عن الأغنام.

حدثها بصوت يصل لحد الأمتار القليلة الفارقة بينهم:
"جهزي نفسك كي تأتي معي".

و بخوف وذعر نظرت نحوه مستمعة لتكملة حديثه وهو يقص عليها ما دار بينه وبين أخيها، تعجب حالتها ونظرات الخوف التي رأها رغم تخبئتها لعينيها عنه.

حدثها بنبرته الجديدة على مسامعها فهي لم تلقى حسن معاملة او حديث راقي من احد قبله:
"استطيع التراجع ان لم ترغبي بذلك، بالأصل وافقت لأجل تحريرك من قبضته وتسلطه وكأنك عبدة لديه حتى الجواري في القصور لم يُفعل بهن ما يفعل معك، ولكن ان كنتِ راضيه متعايشة مع الوضع سأعود عن البيع".

ومن خلف جدران غرفته راقب المتسلط حوارهم وقرب الرجل من أخته، نظر للحصان الذهبي الملكي القوي بعيون لامعه وقال:
"من الجيد حدوث ذلك، رجل مثلك لا يمكنه مقاومة عرض كهذا، جاء وقت المساومة إذا".

وقبل أن تتحدث الفتاة أسرع أخيها بالاقتراب والتحدث بقوة:
"فكرت مجددًا و وجدت ان المبلغ كان زائدًا عن حد العقل ستأخذ مئة ألف وحصان قوي وعليهم فتاة ماهرة بكل شيء كأختي، بهذا سأخرج أنا الخاسر من هذه الصفقة".

استاء الرجل من وضع المتسلط نظر بجانبه نحو الفتاة ليجدها تمسح عينيها بأكمام عباءتها الواسعة المقطعة، نغزه قلبه حزنًا على تلك المسكينة التي نحت ظهرها كالمسن من كثرة الأعباء في هذا العمر.

امتلكه شعور كبير بتحرير الفتاة من أخيها حتى وان لم ترغب هي بذلك.

أجاب الرجل بحنكة وقال:
"لنفض البيعة إذا، فما لي بفتاة محنية الظهر عجٌزت وشاخت بعمر شبابها، الشكر لله استطيع القيام بأعمالي البسيطة وحدي، لتبقى هي لديك وليبقى حصاني الملكي لي".

ابتلع المتسلط ريقه وقال:
"خمسة وثلاثون ألف قنينة ذهبية وحصان قوي واختي كن كريمًا ولا تعد عن كلمتك لأجل المال فإن كان معي المزيد لأعطيتك ولكنِ للحظة تحمست للحصان ونسيت أمر خسارة الأمس القريب حين اجتمع علي اللصوص ونهبوا خيري وانا في طريقي للمدينة ولولا أنني لم أخذ جميع أموالي بسفري كان الوضع سيسوء أكثر وأكثر".


تحدث الرجل وهو يرسم على وجهه ملامح تصديق ما سمعه:
"حسنا حسنا عوضك الله عن خسارتك، يكفينا هذا القدر من المال".

نظر الرجل المتسلط لأخته قائلا لها:
"لقد تحررتي أخيرًا من أعمالك الشاقة اذهبي واهنئي بالمال والحياة الجديدة مع مالكك، من يوم غدا سأنزل المدينة كي استأجر رجلًا شابًا عوضًا عنكِ".

اقتربت بدموعها متحدثه بصوت منخفض مرتجف:
"أخي كيف سأعيش مع ذلك الغريب؟ كيف لك أن تلقي بي هكذا؟، من سيرعاك؟ و من سيحضر لك كل ما لذ وطاب؟، وأيضا المزرعة من ….".

قاطعها أخيها:
"لا تكثري من الأحاديث الماسخة اخبرتك سأستأجر رجلًا للعمل بالمزرعة وبعد ان ابيع الحصان سأذهب وأتزوج من خيرة العائلات وأتي بمن ينعم حياتي".


وبصوتها المختنق المرتجف سألته:
 "وأنا؟ ماذا عني".
هم ليغضب عليها ويعنفها رافعا يده للأعلى متفاجئ بالرجل يسرع بمسكه وابعده عن اخته قائلا:
"أصبحت ملكي ولا يحق لك اهانتها أمامي".

صاح أخيها غاضبًا:
"هيا اذهبي وحضري ملابسك".

ثم عاد عن حديثه مكملًا:
"انتظري انا سأجمعهم اسرع منكِ".

ونظر للرجل مشيرًا لغرفة الاحصنة قائلا:
"ستجد غرفة فارغة اتركه بها واغلق عليه حتى أعود".

تحرك الرجل وقلبه يتألم حيال صوت بكاء المسكينة، أودع حصانه الملكي واختار غيره مغلق الحظيرة بشكل كامل عائدا بجانب الفتاة متحدثا لها:
"لا أعرف لماذا تبكين، كان عليكِ أن تفرحي لتحررك من هذا السيئ، أقول لكِ من الآن عليكِ أن تحدثينني عن هذا الكائن الغريب وما أوصله لهذا الحد من الجشع فور خروجنا من هنا".

عاد إليهم المتسلط وبيده لفافة من القماش أودع داخلها القليل من ملابس اخته واليد الأخرى لفافة صغيرة من القماش أيضا داخلها العملة الذهبية.

أخذهم الرجل ثم خرج من المزرعة دون أن يرى ما بداخل لفافة المال وهذا ما احزن المتسلط وجعله يندم على عدم إنقاص المزيد منهم فإن كان يعلم بعدم مراجعته لعددهم لكان انقصهم عشر أو خمسة عشر عوضًا عن الخمس قنينات التي طمع بهم.

تحدث الرجل فور خروجه من المزرعة:
"ما هذا البخل هل عجز أخيكِ على وضعهم بحقيبة محكمة الغلق".

لم تجيبه من حزنها فلقد حدث ما خشيته وحاربت لسنوات من اجل ان لا يحدث، صدق أخيها بتوعده لها رغم حالة ملابسها وانحناء ظهرها.

ظل يسير بها جهة النهر، ظن المتسلط أنهما لن يستطيعا الإبتعاد كثيرًا ولذلك فكر بأن يستعيد باقي الأموال منهم حين تغرق السماء بدمس الظلام، وحينها سيأتون أصدقاء السهر إليه ويعنوه على فعلها كما اعانوه من قبل.

دخل المزرعة مهرولًا بفرح نحو غرفة الحصان الذهبي ليملأ عينيه بثروته الثمينة متعجب من هدوئه قائلا:
"انت حقًا ملكي أن كنت عكس ذلك ما كنت صمت للحظة بعد ابتعاد صاحبك عنك وما كنت تناولت طعامك بهذه الراحة".

فكر قليلًا أن يكون العكس ولكنه سرعان ما نفى ذلك فكل الدلالات تشير لذلك.

وفور رؤيتها للنهر تحدثت الفتاة بعد صمت طويل:
"وما أشبه اليوم بالبارحة، ابتاعني اخي مرتين من قبل أحدهم قبل ثلاث سنوات والأخرى قبل أربع سنوات مقابل صفقات أكبر من صفقتك تلك، ربح الأموال الكثيرة فور ادخالي بالبيعة ليرضي الطرف الآخر ويتم المشتري البيعة وهو طامع بي، كنت ابكي واتوسل إليه هو والمشتري دون أن يتركوني في حالي".

سألها الرجل بفضول:
"هل كانوا يزهدوا بكِ ويعيدوكِ لأخيك من شدة بكائك وحزنك وضعك".

اجابته بحزن:
"بالمرة الأولى توقعت انها صدفه انقذتني واعادتني له، ولكن عندما تكررت نفس الصدفة بنفس الوتيرة علمت ان اخي يفعلها عنوه يبيع بيعته ليكسب الثمين الباهظ ويغري عين المشتري بي ليتم البيعة ومن ثم يدبر أمره ليعيد ماله ويعيدني تاركًا الطرف الآخر يتحسر على ماله والفتاة التي طمع بها".

نظر الرجل خلفه ثم نظر للفتاه وقال:
"هل سيسلط علينا من يسرقنا".

اومأت برأسها مجيبه عليه بصمتها وحزنها، وهنا خرج الرجل من طوره كونه رجل بسيط امامها متحولًا لفارس قوي شجاع اسرع بانحنائه مقابلها ليحملها من ساقيها لتجد نفسها بعدها فوق الحصان، وصعد بجانبها وبنفس السرعة واللياقة والقوة التي اذهلتها وألجمت فمها، ليس هذا وحسب سمعته يحضها على التمسك بلجام الحصان جيدا ليبدأ بقيادة الحصان وجعله يسرع ويسرع بفروسية لم تشهدها من قبل.

لم تصدق ما هي به اغمضت عينيها خوفًا من شعور السقوط الذي امتلكها اقتربت بظهرها المنحني نحو عنق الحصان لتحتمي من شعورها.

وبعد مرور ما يقرب من الثلاث ساعات انتهوا بانتهاء طاقة الحصان وسيرة بهم بصعوبة كبيرة فتحت عينيها لتجد نفسها على مشارف كوخ كبير أزاح الفارس الأشجار والخيش المترب الممزق من أعلى بابه فاتحه على مصراعيه امامها، دخلت بخطوات هزيلة نظرت خلفها لتجده يعلق الأشجار والخيش المترب على الباب استعدادا لإغلاقه خلفه، أظلم المكان حولهم حتى عجزت عن الرؤية، اقترب الفارس بعدها من المصابيح العالية لينيرها مضيئ المكان من حولهم.
تفاجأت الفتاة بوجود الخيرات والأسرة المنعمة داخل الكوخ نظرت نحوه باستغراب لتجده يقول لها:
"لا تخافي لا يمكنه إيجادنا وإن بحث عنا شهرا كاملًا".

سألته بفضول وقلق وشيء من الخوف يملأ قلبها:
"من أنت؟".

رمقها بابتسامة ممزوجة بالإجهاد والتعب:
"الأمير سيف الدين ولي عهد السلطنة والابن الوحيد للسلطان نجم الدين ،هل سمعتِ عنه؟ أم ستزيدين من دهشتي بقولك العكس".

استخشنت بصمتها أمام ابتسامته ليسألها بلطف اراد به التهوين والاشفاق على تصلبها وخوفها:       "وأنتِ؟".

نظرت له نظرات مفعمة بعلامة الاستفهام ليجيبها على الفور:
"أعني وما أسمكِ وكم عمركِ".

أجابته بنبرة قوية ردًا منها على استهزائه بها وقوله انه ولي عهد السلطنة قائلة:
"انا الاميرة حفصة الابنة الوحيدة للسلطان نجم الدين".

وبرقي وحركة لطيفه منه انحنى امامها وهو يرفع يده على صدره: "سيدتي لم أكن أعلم إنكِ الاميرة الصغيرة حفصة ،لقد تشرفنا بسمو جلالتك".

 قالها ليعتدل صادرًا منه ضحكة جميلة أدخلت بقلبها الشك.
"هل هو حقًا الأمير سيف الدين ولي عهد السلطان نجم الدين "
علقت نظراتها عليه غارقه بتفاصيل وجهه وسيره وحديثه محاولة فهم حقيقة ما هي به.

أتمنى تكون بداية لطيفه على قلوبكم
منتظرة تعليقاتكم ورأيكم بالتعليقات.

يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. 


منها "رواية حياتي" 

رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..
author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف16 نوفمبر 2024 في 10:51 م

    رواية رائعه جدا وممتعة كل ما أقرأها هي وغيرها من رواياتك الرائعة كنما أقرأها أول مرة تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Saga Emam✨ photo
      Saga Emam✨17 نوفمبر 2024 في 7:50 م

      😍😍😍😍😍😍

      حذف التعليق
      • Saga Emam✨ photo
        Saga Emam✨17 نوفمبر 2024 في 7:50 م

        ايه ذي المفاجأة الحلوة 💃🏼💃🏼💃🏼💃🏼💃🏼🩷

        حذف التعليق
        • Saga Emam✨ photo
          Saga Emam✨17 نوفمبر 2024 في 7:51 م

          جميلة جدا تسلم ايدك يا لولو 🤭🩷

          حذف التعليق
          • غير معرف17 نوفمبر 2024 في 9:52 م

            جميله تسلم ايدك ياقلبي ❤

            حذف التعليق
            • Rim kalfaoui photo
              Rim kalfaoui21 نوفمبر 2024 في 6:15 م

              لا كده كثير امتي نزلتيها الرواية يا جمالك يا لولو مدلعانا بروايات الحلوة والله زمان على أمير سيف الدين هههههه

              حذف التعليق
              google-playkhamsatmostaqltradent