رواية "ومَا مَلَكَت أَيمَانُهُم"
بقلم أمل محمد الكاشف
تحركت آمنة خطوتين لتنظر لها بعدهم
"عليكِ ان تلقي بفستانك هذا داخل احد الصناديق الخضراء المخصصة للمهملات"
كادت ان تبكي وهي تنظر للفستان محركة يدها على ملمسه الناعم فهي لم ترتدي في جماله من قبل، اقتربت من إحدى مرايا الطاولة الرخامية كي تنظر لنفسها
قائلة دون صوت "هذه مشيئة الله وتقديره، الحمدلله على لطفك وكرمك يا ربي"
بدأت بنزع حجابها ومن ثم فستانها بحلق محتقن بما في قلبها من غصة، تعمدت عدم النظر للفستان كي لا تبكي فرحتها التي لم تكتمل.
اخذت المناشف والملابس ودخلت لغرفة الاستحمام مغلقة عليها الباب وبمجرد اسقاطها الفستان عنها ظهرت لفائف يدها و خصرها وارجلها، بدأت بنزعها والمحافظة عليهم حتى تعود بلفهم.
ليتضح صغر حجمها والسر وراء خفة جسدها، فلا يوجد انتفاخ من السمنة لا في مناطق البطن ولا العُضد ولا الافخاذ جميعهم مفتعل برباطات ملتفة لتشويه ملامح جسدها الحقيقي.
انتهت سريعًا عكس ما اعتادت عليه بالكوخ، ارتدت ملابسها ثم مشطت شعرها وهي تتذكر تجولهم وأحاديثهم وضحكهم سويًا، تذكرت اشتياقه للأميرة حفصة والقصر ولسان حالها يحدث قلبها
"لم اتوقع تركه لي بهذه الطريقة، كيف دون سلام أو وداع أو حتى…"
فتحت سندس باب قسم الحمامات ناظرة نحوها "هل انتهيتي "
أومأت برأسها حاملة فستانها لتلقي به في إحدى الصناديق الخضراء بكل حزن وقلب متألم تنظر له ويدها لا تطيعها بتركه، تحدثت سندس بصوت الرحمة
"يمكنكِ الاحتفاظ به أن اردتي ذلك"
نظرت لها بوجه تخلى قليلًا عن حزنه
لتكمل سندس
"اعطيني إياه سأخبئه لكِ ولكن عليكِ ان تعطيني مقابل ذلك من مالك الخاص، لا أتحدث عن الان ولكني اقصد حين تاخذين راتبك الشهري مقابل خدمتك في القصر، ماذا قلتي؟ "
نظرت للفستان بيدها ثم نظرت لسندس وهي تومأ برأسها استجابة للاتفاق مدت يدها لتعطيه لها مستمعة لقصة سندس والألم التي شعرت به عندما أسروا بالحرب وجاؤوا بهم إلى القصر، ظنت انها النهاية لتجدها بداية جميلة لحياة آمنة مزودة بمأكل ومسكن لا يحلم به الكثير، كما أنهم يقدمون وجبات مزودة باللحوم ثلاث مرات في الأسبوع غير الهدايا في الأعياد والمناسبات. أنهت سندس حديثها
" أنا أؤمن أنكِ ستستمتعي بيننا ويخرج صوتك مثلنا تمامًا".
…..
فُتح باب غرفة السلطان نجم الدين لتدخل حفصة راكضة نحو أخيها الأمير ملقية بنفسها بداخل احضانه. تلقاها بذراعيه المفتوحة رافعها للأعلى وهو يدور بها ليدور فستانها حولهم.
ضحك نجم الدين
"ألم تكبروا على هذه الحركات"
رد سيف الدين بعد ان انزلها
"وزنها من سيحسم الأمر عليها المحافظة على رشاقتها كي استطيع فعلها لآخر يوم بعمري"
تحدثت حفصة
"سأكل بكثرة حتى لا تستطيع فعلها بالمرة المقبلة"
ضحك بحب
"اعلم تأخرت عليكم من جديد، ماذا علي ان افعل تعلمون محبتي لفصل الربيع أقسم ان قلمي وقلبي وعقلي عاجزين عن وصف جمال ما أراه هناك. فالربيع كالسلاح الفتاك الذي يعصف بالجفاف والعجز والهزلان تنتظر الطبيعة قدومه لتستمد منه قوتها في مواجهة باقي الفصول قاسية المشاعر، تمر أيام السنة دون اهتمام الفصول لمهامها في الحفاظ على الزهور والحيوانات، عكس ما يحدث بالربيع فور قدومه. فهو والطبيعة قلبان بجسد واحد مملوء بالاشعار المعسولة والأحاسيس الجياشة. فيه تختلف اللغة والقوانين لدى الطبيعة لنراها تُخضع شمسها وهواءها وسمائها وخضارها وأنهارها أمام المتعة والانطلاق في ميادين الجمال الرباني"
صفقت حفصة متحدثة لأبيها
"صدقت جدتي حين قالت نهاية مملكتنا على يد ابنك يا مولاي السلطان"
ضحك مجددًا ممسكها من أنفها
"متى طال لسانك يا مولاتي حتى أصبح علينا تقصيره"
أجاب السلطان
"صدقت صغيرتي أصبحت أخشى من تحقيق ما تقوله أمي"
رد على أبيه
"لذلك خططت لاستدعائي السريع، مساكين الحراس اعتقدوا أن الجيش ذهب لانقاذي"
وبسعادة اجابه والده
"من الجيد حدوث ذلك بين الحين والآخر ليعلموا قيمة الجيش والمملكة ومجهوداتهم في حمايتهم"
وصلت السلطانة الأم لغرفة ابنها السلطان لينحني أحفادها لها مقدمين فروض الاحترام والتقدير، تحدث بوجه مبتهج
"كنت أخشى نسيانك لموعد الحفل السنوي ككل عام"
تحرك نحوها ليحتضنها قائلا
"هل لي أن أفعل ذلك مجددًا، خشيت أن احرم من متعتي ما بقيت حيًا و ايضا اشفقت على جهد الجيش في البحث عني"
ردت بانتصار
"من الجيد انك اصبحت تعي هذا"
تحدث السلطان لأمه متسائلا
"هل وصلت قوافل الهدايا ام لا زالت بالطريق "
رفعت الأم السبابة بوجهه "إياك احذرك"
حرك السلطان رأسه بضيق وغضب، طرق الباب لتستأذن المسؤولة عن الأميرة حفصة لوجوب قدومها معها لأجل قرب بدء دروس اللغة.
تحركت حفصة بتذمر دون التفوه بأي كلمة أمام جدتها، ليضحك الأمير سيف الدين ساخرًا من حالتها
"كم هي منضبطة ومحبة لدراستها"
ضحك أباه السلطان ضحكة اخفاها فور نظر أمه له، نظرت الجدة للامير وقالت
" انتظرك بغرفتي كي نتحدث بمهامك الجديدة"
تحدث سيف الدين متذمرًا رافضًا لما تقول
"لا زال بإجازتي بقية"
التفتت له وهي ترفع حاجبيها
"لتكمل البقية في السنة المقبلة لا اريد اعتراض سأنتظرك "
تحركت السلطانة لتخرج من الغرفة، ليسرع الأمير للنظر لابيه كي يتدخل ولكنه كالعادة يرفع اكتافه ويداه منتظر خروج أمه من الغرفه قائلا
"عليك أن تجد حجة نرسلها لقصر عمك تمكث لديه عدة شهور نرى راحتنا وسعادتنا حتى تعود على فصل الشتاء فهي لا تتحمل البرد القارص هناك".
تنهد سيف الدين حين رأى مساعدة السلطانة رفيدة وهي تدخل الغرفة لتذكره بانتظار جدته له، ابتسم السلطان ابتسامة خفية وهو يميل على ابنه "سررت لهذا فلتنشغل بك وتنسى أمرنا، بسلامة رأسك يا بني "
نظر لأبيه بعيون مبتسمة
"هل ستجعلني اندم على اشتياقي لكم"
ربت نجم الدين على كتف ابنه متحدثًا بصوت مسموع
"هيا يا بطل نريد أن نفرح بك قريبًا، لا تنسى أن الحفل فرصة جيدة لاختيار شريكة حياتك المستقبلية "
تحرك سيف الدين ملبي النداء الذي استغرق ساعتين مملوءتين بالقوانين والواجبات والمفروضات، هرب بعدهما متحججًا بالتحدث مع السيد ناصف حول الاستعدادات النهائية قبل حفل يوم الغد.
تحدثت السلطانة مؤكدة ما اتفقا عليه من بداية كلمة الافتتاحية والمبارزة مع أولاد العم دون اذيتهم مرورا بالاهتمام بكبار الشخصيات المهمة وبعض الاهتمام بالعامة والأهم من كل ذلك عدم هروبه بمنتصف الحفل كي لا تحرق الكوخ وتنهي رحلات الربيع للأبد.
كان يؤمن على ما تقول مقتربًا بخطواته من باب الغرفة استعدادا للهروب، علا صوت السلطانة بأخر كلماتها
"يكفيك دلالًا علينا ستختار غدًا احدى الأميرات الحَسنَاوَات لنسرع بإجراءات زواجكم، اولاد عمك الأصغر منك تزوجوا وانجبوا وانت تسعى بتشردك في الصحاري والجبال"
انحنى قليلًا أمامها مجيبًا
"امرك يا مولاتي أعدك ان اسحب اول فتاه تخرج بوجهي وارقص معها واعرض عليها الزواج دون ان اعرف اسمها حتى"
حذرته بخوف
"اياك فعل ذلك، سأختار انا لك واشير بعيني نحوها وانت تذهب بعدها لتسحبها وترقص بها"
هرب منها وهو يردد امرك مولاتي امرك حبيبتي امرك يا نوارة قصرنا، ابتسم قلبها لكلمات حفيدها المدلل المقرب لفؤادها.
أخذ نفسًا طويلًا تلعثم بخروجه فور سماعه صوت شيخ المملكة المسؤول عنه وهو يحدثه
"واخيرًا أمسكنا بك، هيا لا مهرب لك مني ستتلو علي جميع ما كلفتك بحفظه وبعدها سأطلق سراحك"
أجابه بتذمر
"هل الهروب حلال أم حرام يا مولانا"
ابتسم الشيخ بقوله
"اختلف العلماء بالحكم المبني على نوع و وقت الهروب"
اسرع راكضا وهو يجيبه
"اختلاف علمائنا رحمة أليس كذلك"
ضحك الشيخ وهو يعلو بصوته
"سأنتظرك بعد صلاة فجر الغد إياك أن تتأخر"
نامت صوفيا على فراشها وهي تتأمل مثواها الاخير محدثة نفسها
"ما بكِ! أين ذهب الرضا والإيمان بأقدار الله؟ ألستِ بكرم وخير كبير! من يوم غد ستبدئين بالعمل لساعات محددة مقابل الأجر، تأكلين وتشربين من اجود المزراع والأطعمة الصحية بالمدينة ومن الممكن او يكون لديكِ أصدقاء. أليس أفضل من بقائك بالكوخ وانتظار مجيئه بمن يحلم بها كي يحررك في عالم ليس لكِ أحد سواه. أليس أفضل من استعباد صمدي لكِ" راجعت نفسها معاتبة عليها
"استغفرك ربي واتوب إليك لا إله ولا مولى ولا ملجأ لنا إلا أنت، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، رضيت بقدرك يا الهي رضيت لأجل نيل رضاك وجنتك"
اغمضت عينيها لتسقط منهما دمعة صغيرة تشرح ما في النفوس من ألم.
خرج الأمير سيف الدين لحديقة القصر الخلفية هاربًا من الجميع
"هل يتعمدون الضغط علي كي اهرب منهم دون رجعة ،ما دخلي انا بزواج أولاد عمي، لا أريد الزواج. لا اعرف متى سيفهمون لا اريد ان اتزوج لأجل العرش والمملكة"
…..
دخلت السلطانة الأم على ابنها نجم الدين بوجه قوي قائلة
"لقد قررت شيء مهم"
وقف نجم الدين ناظرا للفتاة التي بجواره كي تخرج من الغرفة حتى ينهي حديثة مع أمه، لتتحدث الملكة الأم فور إغلاق باب الغرفة عليهما
"من يوم غد سُيفتح الحرملك أمام الأمير سيف الدين، سأختار له كل من هي صغيرة وجميلة ليقضي كل ليلة مع فتاة مختلفة، عليه أن يتعلم كيفية التعامل مع الفتيات بما يريد هو وليس هي، كيف سنزوجه وهو بهذا الوضع الخام ام سننتظر لتأتي من تقوده خلف أوامرها وسلطتها تحت مسمى الحب والتفاهم. تسيطر على قلبه وعقله ليضيع تعبنا سدًا، لا يمكنني الوقوف ثابتة منتظرة قدوم ذلك اليوم، سيبدأ من يوم غدًا بمخالطة الفتيات ليعتاد قلبه على التغير والتبديل بينهم وايضا كي لا يسحر بجمال واحد فقط وينقاد خلفه، عليه ان يشبع عينه وقلبه بجميع الوجوه والجمال الذي وهبه الله لفتيات الحرملك حتى نضمن صموده وثباته بوجه زوجته"
أجاب السلطان بقوة
"نعم أنتِ محقة بذلك من يوم غد عليكِ ان تختاري له ولي من هم أفضل وأصغر سنًا"
رفضت السلطانة
"يكفيك ما خصصتهم لأجلك، لن اسمح لك بالمزيد، كان عليك ان تتزوج وتكتفي بواحدة ولكنك رفضت ذلك"
اجابها متذمرًا
"هل عدنا لنقطة الصفر، وايضا أليسوا من حقي الشرعي أليسوا ملكت ايماني لما هذا التعنت بالقرارات"
نظرت له
"كي لا يذهب عقلك و تشيخ بوقت مبكر،
في حين رفض ابنك الشاب ما تفعله تأتي أنت وتتذمر بطلب المزيد"
اجابها بضيق
"لا تقارنيني بعديم الشغف هذا"
…..
لا زال الأمير سيف على حاله يقف بمنتصف الحديقة يستنشق الهواء الطلق لكي يستجم ويسترخي بأحضان الطبيعة محاول استجماع نفسه بعد ما سمعه من أوامر وفروض كلف بها، سمع صوت قطة بالجوار فتح عينيه ليبحث عن الصوت وقد عادت له ذاكرته نظر إذ بها قطتها جالسة على وشاحها أرضا.
أسرع نحوها وهو يبحث عن رفيقة رحلاته متوقع وجودها
"كيف سأعتذر لها عن طول تركِ لها، من المؤكد انها حزنت مني وبقيت في الخارج تنتظر عودتي"
لم يجدها بالمكان حمل القطة رافعًا الوشاح من الأرض
وهو يحدثها
"لما أنتِ وحدك أين رفيقتك"
أتت احدى فتيات الخدم مسرعة باعتذارها
"إنه ذنبي كان علي أن القي بها خارج أسوار القصر ولكني انشغلت بكثرة الأعمال، السماح يا مولاي ساخرجها على الفور"
رفض إعطائها لها متسائلًا
"اين صاحبة القطة"
تعجبت من سؤاله مجيبة
"صاحبة القطة! لا ليس لأحد يد بدخولها لقد تسللت للقصر عن طريق الخطأ تعلم يحدث ذلك رغمًا عنا، ولكني ساخرجها وأنبه على الحرس بأخذ …"
قاطعها بتكرار سؤاله
"أين ذهبت صاحبة القطة"
حركت رأسها بخوف
"لا علم لي يا مولاي"
اصطحب القطة ودخل بها من البوابة الكبيرة، رآه ياغيز بيه كبير مسؤولي الخدم والحرملك نظر سيف الدين نحوه بقوة قائلا
"أتت معي صباح اليوم فتاة مرتدية فستان بلون زهرة البنفسج كانت تحمل تلك القطة بحضنها"
فكر ياغيز للحظات تحدث بعدها
"معرفة هذا ليس بأمر صعب، أخبرني بذنبها المقترف وأنا اعثر عليها وأسقط اشد عقاب يمكن لأحد…"
قطع حديثه حين رأى اقتراب الامير منه وهو ينظر حوله متحدثًا بنبرة ظهرت قوية رغم انخفاضها
"ستجدها على الفور وتأتي بها في غرفة الضيافة الملاصقة لغرفتي دون ان يعلم احد بوجودها هناك"
أومأ ياغيز برأسه
''أمرك مولاي سنبحث عنها على الفور ونأتي بها وإن كانت بعرين الاسد"، حذره من ان يمسها أحد بسوء مؤكدا على سرية الأمر.
وتحرك بالقطة متجه نحو غرفته وهو يقول لنفسه "عن أي عرين أسد يتحدث"
راودته الأفكار السيئة بهروبها وعودتها للكوخ عندما شعرت باهماله لها.
كاد ان يخرج خلفها من شدة ايمانه بعدم تحملها البقاء وحدها كل هذا الوقت دون غضب أو عودة لمكانهم وحدها. قلق قلبه وهو يقول
"كيف ستعود مستحيل ان تصل وحدها دون أذى "
دخل الغرفة غاضبًا على نفسه ترك القطة داخل شرفته أرضًا، وعاد ليبدل ملابسه على وجه السرعة تحسبًا لخروجه خلفها.
ما لبث كثيرًا حتى أتاه ياغيز ليبلغه بتنفيذ ما أمره به، سأله أين وجدتها ليجيبه تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمها للحرملك واعلامها بكل شيء يخصها من بداية مكان نومها حتى بدأ عملها غدا في قسم غسيل الملابس.
أجابه الأمير
"استمع لي جيدًا ستبقى الفتاة بغرفة الضيافة دون أن تعلم السلطانة بأمرها، كما لا دخل لأحد بها. سيتم إبلاغي على الفور إن حدث أي أمر متعلق بها"
رد ياغيز بقلق
"وكيف سأخفي أمرها عن السلطانة"
نظر له سيف الدين بقوة
"أنه عملك. هل تريد لي أن أعرفك كيف تقوم بعملك؟، ماذا إن اصبحت سلطان للمملكة وامرتك أن تقوم بمهمة سرية لا يعلم عنها سوانا هل ستخذل السلطان والمملكة! هل ستسلم رقبتنا لعدونا! هل ستقول لي كيف سأفعلها"
تحمس ياغيز قائلا
"رقبتي فداك يا مولاي لا تقلق سأفعل ما تريد ولن يعلم أحد بهذه المهمة السرية"
ابتسم الأمير سيف حين رأى حماس ياغيز وخروجه من الغرفة وكأنه بمهمة تخص أمن وسلامة المملكة.
ابتسم وجهه أكثر وهو ينظر للقطة، تقدم نحوها ليحملها ملقي بها في الشرفة الجانبية لشرفته عبر حاجز خشبي سهل التحرك.
انتظر قدومها وحملها للقطة لتحدثها بصوتها الذي اشتاق له. ولكنها لم تأتي تسلل لشرفتها ودخل الغرفة ليجدها جالسة على الفراش بوجهها الغارق في الدموع.
اقترب منها بسرعة لتتفاجئ هي بوجوده داخل الغرفة، سألها بقلق وخوف
"ما الذي يبكيكِ"
امسكت يده ليشعر بارتجاف يدها وهي تحدثه
"من الجيد مجيئك قبل الأمير، أخبروني أنني سأبقى الليلة مع الأمير ولم استطع التحدث وطلب التواصل معك لأجل أن لا اتسبب بأذيتك"
تعجب من حالتها متسائلًا
"هل أحزنك بقائك مع ولي العهد لليلة واحدة! ألم أخبرك أنه حلم كل الفتيات بالاسفل!"
هزت رأسها بالنفي ليسألها مجددًا
"لماذا تبكين لهذا الحد ام انكِ حزنتِ لأجل تركي لكِ"
اجابته بصوت اخفق قلبه حزنًا عليها
"لا عليك إنه قدري وانا راضية به، كنت اريد معرفة وضعي أمام الله كي لا يحاسبني ان كنت ملكًا لك واصبحت لغيرك، ولكن ما دامت تعلم بالأمر فمن المؤكد قيامك باهدائي له"
مسحت دموعها مكملة بنفس النبرة
"هيا اذهب لغرفتك قبل أن يأتي ولي العهد ويراك"
أراد أن يخرجها من حزنها، لذلك اجابها بخوف
"هل سيأتي ولي العهد !"
أومأت برأسها والدموع تفر من عينيها مجددًا
"وبماذا أخبرك منذ الصباح هيا اخرج كي لا تأذي نفسك"
علم انه لا مهرب من حزنها ضمها لحضنه ليهدأ منها
"لم اتركك لغيري، لا تقلقي لن يأتي أحد غيري للغرفة"
لم تصدقه حثته على تركها والخروج بسرعة ليسألها عن شغفها بلقاء الأمير، غضبت عليه
"انت السبب فيما أنا به الآن"
هز رأسه وهو يأخذ ابريق الماء من الجوار كي يسكب منه في الكأس ويشرب قائلا
"اقول لكِ لن يأتي غيري الليلة"
وقفت لتدفعه بقوة غضبها عندما رأت ابتسامته وراحته على وجهه، سقط ماء الإبريق عليها بالخطأ لتصرخ من برودة الماء، اعتذر منها وأمسك الغطاء من أعلى الفراش ليمسح ملابسها به.
خرجت عن صمتها غاضبة عليه، حاول مساعدتها بإخراج الملابس من الخزانة
"من المؤكد وجود بديلًا لهم بداخلها، وايضا ما هذا الإهمال كيف يأتون بكِ بملابس النوم هل ستقضي ليلتك بجانب الأمير بهذه الحالة"
اعطى لها ملابس نوم نظيفة و وقف ينظر اتجاة نافذة الشرفة قائلا بضحك
"هيا اسرعي قبل ان يأتي ولي العهد ويراكِ غارقة بالماء"
حذرته ان يستدير ليذكرها أنه أمر ليس بجديد عليهم فقد اعتادوا على تكراره من قبل.
ولأنها تثق به اغلقت باب الغرفة بالمفتاح وبدأت بتبديل ملابسها وهي تقول له
"هيا لنعود الى موطننا، متبقي يوم كامل على موعد الحفل يمكنك الذهاب والعودة من جديد، لا أريد أن أحضر الحفل اتركني هناك وعد وحدك ابقى للوقت الذي تريده، رجاءً خذني للكوخ"
رمقت عينيه سطح زجاج النافذة دون تعمد أو اهتمام لصورتها المنعكسة عليه، نظر امامه لثواني راودته تلك الصورة الملونة، عاد لينظر للزجاج متعجب مما على يديها وجسدها، استدار بعيون مندهشة مما رأت.
فزعت وصرخت بوجهه ليسقط الفستان من يدها ضمت نفسها بذراعيها ليكون أول سؤال لها "هل كانت هذه الرابطات لأجل… لأجل… اتساءل عن سبب قيامك بهذا، هل تعانين من مرض ما في عظامك"
تراجع سريعًا مستنكر ما قاله فكيف مريضة وهي تسابقه وتتمتع بكمال الصحة بجواره منذ شهور، اخذت الملابس من الأرض وهمت مسرعة بارتدائها، سحبها منها رافضًا إكمال ارتدائها وهو ينظر نحو بطنها المنتفخ زورًا قائلا بنبرة معاتبة عليها
"ألم تثقي بي!، أخبرتك أنني زاهد بك و لم تصدقيني، هل كنتِ تخافين مني لهذه الدرجة!"
هزت رأسها بالنفي، ليغضب هو
"لماذا تريدين إظهار نفسك بهذا القبح؟"
اجابته بصعوبة خجلها واختناقها
"اعتدت على فعلها منذ السابعة عشر من عمري كي لا أكون مطمع لصمدي وأصحابه"
اخذت الغطاء من أعلى الفراش ورفعته عليها وهي تكمل
"كانت عيونهم كالسهام تخترق جسدي كلما تحركت أمامهم، فعلت كل ما بوسعي لإظهار نفسي باسوء مظهر أمامهم، اعتقد الجميع أنني امتلأت فجأة حتى انهم حرموا علي الطعام كي أعود لوزني الاول تخوفًا من إهمال عملي، اعتدت لسنوات حتى اصبحت هذه الاربطة جزء لا يتجزأ من ملابسي على مدار الأربع سنوات الأخيرة"
اقترب منها لتبتعد بخوف، تراجع بغضب
"من الان وصاعد ستتحررين من كل الماضي"
شدد من قبضة يده وهو ينظر لعينيها
"سيدفع صمدي ثمن رفع نظره على اخته"
وتحرك ليعود لغرفته من جهة الشرفة مكملًا
"هيا ابدلي ملابسك وتخلصي من هذا الهراء، لن يأتي أحد لغرفتك دون أذني حتى يمكنكِ ابقاء الباب مغلق كي يطمئن قلبك. نامي براحة وسكون وغدا نلتقي"
وقبل خروجه من الغرفة سمعها وهي تقول
"لسنا اخوة هو مالكي بالوراثة فقط. كانت أمي وجدي ملك لابيه وبعد الوفاة أصبحنا ملكا له. سمعت حديثه مع أصحاب السوء خاصته عن الفتيات اللواتي يشتركون بتجميع اثمانهم ليستمتعوا بهم على التوالي ومن بعدها يعيدوا بيعهم والكسب من ورائهم. فعلتها كي أحمي نفسي من سوئهم وظلمه وتوحشه في معاقبتي كلما أخطأت أو أهملت بعملي فرغم الألم إلا ان للرابطات فضل في تقليل سطو وقسوة العصى التي تنهال على كل مكان بجسدي، فعلتها كي لا يعاقبني الله حين أخضع لإرضاء أكثر من رجل بليلة واحدة أو ليالي متتالية، ألسنا بشر لنا حقوق وعلينا واجبات مثلنا مثل الجميع حولنا، ألم يخلقنا الله أحرارا، ألم يشرع الدين بالتساوي بيننا، ألا يحق لنا العيش المكرم ام سنظل نعاقب على ذنب ليس لنا يد به، قدر كتبه الله علينا وأوصى بلطفه فيه، ألا يحق لنا العيش كالبشر، أم كُتبت علينا العبودية والمذلة والاستغلال الجسدي قبل النفسي، أجبني… لماذا صمت؟ ألم تحزن لتغيير ملامح جسدي! ألم تحزن لإنحناء ظهري وارتداء عمر أكبر من عمري!، ألم تُحسن رفقتي شفقه ورحمه على ما رأيته من آثار التعذيب على يدي وقدمي، ألم أرى الدموع بعينك كلما ايقظتني من الكوابيس القاحلة. أجبني… "
اقترب بحزن كي يجيبها على الطريقة التي اعتاد فعلها كلما تأثر بكلماتها الحارقة، ضمها لحضنه مقبل رأسها وهو يحنو بيده على ظهرها المخبئ أسفل الرابطات
"اششششش، لا تبكي"
حاولت الابتعاد عن حضنه وهي تكمل
"اجبني. لا تشفق علي. لا تجعل قلبك الرحيم يتأثر بي. اتركني لقدري. اتركني أجاهد في حياتي حتى ألقى الله دون ذنب يحيل بيني وبين جنته"
لم يسمح لها بالخروج من حضنه ظل مغلق عليها بجناحي الرحمة محدث قلبها المكلوم بصوته المقرب له
"لا تبكي. توقفي. رجاءً توقفي عن البكاء"
دفنت وجهها داخل صدره لتجهش ببكائها القوي متأثرة برحمته التي لم تلمسها من غيره في دنيتها القاسية.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.