رواية "ومَا مَلَكَت أَيمَانُهُم"
بقلم أمل محمد الكاشف
شيعَ في البلدة خبر لقاء ولي العهد سيف الدين بزوجته وأبنائه، اجتمع أهل البلدة بجانب الساحل ليروا السفينة الملكية الكبيرة التي حضرت لنقل ولي العهد والأمراء.
وقف سيف الدين بحدة وقوة منتظر صعود ابنائه بجانب أمهم ومن بعدهم ياغيز ثم صعد هو على متن السفينة مشيرًا بيده للقبطان كي يبدأ بالإبحار.
أمر الحراس أن يقربوا أبنائه منه ليحدثهم عن مملكتهم وجدهم وما سيروه هناك. انتبه من رفض اولاده الاقتراب منه دون امهم التي كانت تحضهم على الذهاب لابيهم.
فرغم حزنها الكبير من لقائهم وحالتهم بعد هذا الفراق والشوق إلا أنها رفضت أن تضع الأولاد خصم مشترك بينهم.
ومع رفض الأولاد ترك امهم امر سيف الحراس أن يأتوا بأمهم معهم.
جلست جانبا "هيا اقتربوا من والدكم تحدثوا معه بما تشاؤون"
تمنى ان يضحك وجهه لهم بشكل اكبر من ذلك. بل تمنت هي رؤية ابتسامته الصافية التي كانت تخرج من قلبه المحب للجميع.
حزنت كلما نظرت لملامح وجهه وضحكته المزيفة التي رسمت على وجهه لأجل ابنائه
انتظر ياغيز مرور عدة ساعات على ابحارهم ليقترب بعد ذلك رغبة بالتحدث مع الأمير مدافعًا عن نفسه والسيدة صوفيا.
لم يسمح لاقترابه منه ليمنعه الحراس من ذلك عاد لمقعده البعيد يراقب حالة الأمير وسط ابنائه ونظرات السيدة صوفيا الحزينة عليهم.
وصلت السفينة ليتفاجأوا باستقبال مهيب ينتظرهم الجميع ينظر ويترقب رؤية تلك المرأة التي شغلت أحاديثهم وقصصهم لسنوات.
توقعوا رؤية وجه ولي العهد فرحا سعيدا وهو يحتضن حبيبته وأبنائه عكس ما رؤه تماما، نزل من السفينة وخلفه صوفيا ممسكة بيدي عز وجلال الدين ومن بعدهم ياغيز
أقام السلطان حفل استقبال كبير ترأسه بنفسه لشدة لهفته بلقاء أحفاده، يبدو أن فرحة السلطان لم تبقيه بقصره حتى مجيئهم إليه.
تعجبت العائلة الملكية من حالة وجه سيف الدين ووقوفه مبتعدًا عن صوفيا الصامته بوجه شاحب لا معالم له.
تم صرف هدايا مالية لعامة الشعب بهذه المناسبة السعيدة التي دام الاحتفال بها لثلاث أيام.
دخلت السلطانة رفيدة بكل قوتها غرفة الحجز لتصفع مالك صفعة قوية حدثته بغضب بعدها
"كيف تجرأ على خداع السلطانة، كيف وقفت امامي لتكذب وأنت تنظر لعيناي، ألم ترى ما عانته المملكة جراء كذبك"
خاف مالك واسرع بدفاعه عن نفسه وخوفه منها فإن علمت انها السبب في تمكن ياغيز وصوفيا من الهرب ما كانت تركته حيا، وان عاد واخبرهم بكذبه لن يتركوه حيا في كلتا الحالتين سيموت فاختار ان يبقى حيا وان يبقوا هم بسلام بعيد عن الأنظار.
وهب سيف الدين وقته كله لابنائه محاولا كسب حبهم وانتمائهم له. استيقظ بصباح كل يوم مهرول لغرفتهم كي يوقظهم ليفطر معهم وهو يلعبهم ثم يصطحبهم ليدور بهم بأرجاء القصر كي يتعرفوا على كل موطأ قدم به.
لم يهدر السلطان نجم الدين حقه في الاهتمام بأحفاده، تحدثت السلطانة رفيدة
"لنبدأ بدروس تعلم كتابة وقراءة اللغة العربية ومن بعدها القرآن الكريم ومن ثم يبدأون بتعلم لغتنا الأم، كما عليكم ان تتعلموا السباحة والرماية وركوب الخيل، بجانب فنون الدفاع عن النفس"
لمعت عينيها القوية وهي تكمل
" وايضا عليكم معرفة عقوبة من يخالف الأوامر الملكية "
رد عليها عز الدين بفصاحته
"نحن لسنا بحاجة لأحد كي يعلمنا. فلقد علمتنا امي بما يكفي "
تحدث نجم الدين بفرح
"لا نهاية للتعلم يا بني ستظل تتعلم وتتعلم حتى تصبح سلطان قوي"
تحدث جلال الدين بعفويته و وجهه الشبيه لأمه "لا اريد ان يعلمني أحد غير أمي"
شعر الطفل بغربة وقلق لتدمع عينه وهو يقترب من أخيه "اريد ان اذهب لامي"
وصل الأمير سيف الدين غرفة أبيه وعيونه تراقب اقترب عز الدين من أخيه ليمسك ذراعه ليطمئنه، تحدث السلطان بحب
"هل خفت يا جلال الدين؟"
تحدث عز الدين بقوة "نحن لا نخاف إلا ممن خلقنا مالك السموات والأرض ومالك الحب والنوى، نحن اقوياء لا يقدر علينا أحد سوى الله"
اقترب بسرعة من ابنائه واضعا يده بمنتصف ظهر ابنه جلال الدين متسائل "ما بكم يا أولاد من احزنكم"
تحدثت السلطانة رفيدة بقوة "لم يحزنهم أحد. أخبرتهم بما يجب عليهم البدء به هذا كل شيء"
رد سيف الدين على جدته بنبرة تحذيرية
"ألم انبه عليكم أن لا يتدخل أحد بابنائي"
رفضت السلطانة رفيدة ما قاله حفيدها
"كيف لا نتدخل بهم اليسوا من العائلة الملكية ولهم ما لهم وعليهم ما على غيرهم من الأمراء"
اقترب جلال من أخيه اكثر متحدث بخوف ونبرة شبيهة للبكاء
"أخي اريد ان اذهب لامي"
تحدثت رفيدة بحزم "لا يمكنك الذهاب لوالدتك كلما شئت، ألم أخبركم قبل قليل ان للملكة قواعد وقوانين ستسري عليكم كما هو الحال مع من مثلكم من الأمراء الصغار"
تحدث عز الدين رادًا على السلطانة
"نحن لا نريد أن نكون مثلكم. نحن أمراء امي وسنبقى أمراء امي"
امسك يد اخيه وتحرك نحو الباب بسرعة، وقف السلطان نجم الدين " إلى اين يا أولاد "
اسرع اباهم خلفهم ليتفاجأ بعز الدين وهو يحدث اخيه
"لا تخف سنأخذ امي ونذهب بعيد عنهم"
طرق باب الغرفة بيده الصغيرة طالبا من الحراس ان يفتحوا لهم الباب. مكمل لاخيه
"لن نبقى بالمكان الذي أحزن امي"
تحدث سيف الدين بحزن
"افتحوا لهم الأبواب "
تحرك جلال الدين وهو ممسك باخيه
"نعم لنأخذها بعيدا عن هذا الرجل السيء"
صدم سيف الدين مما سمع، تتبع ابنائه وهو يسمع رد ابنه عز الدين
"لا يمكنك قول ذلك على ابيك ستعاقبك امي ومن قبلها سيعاقبك الله. ألم تقل امي وبالوالدين احسانًا"
ركض جلال الدين قرب باب غرفة امه ليدخلها بسرعة وهو يقول
"لا اريده لا اريده"
دخلا الغرفة ليبقى سيف الدين بالخارج يستمع لحديث الاولاد وطلبهم من امهم العودة لمنزلهم الصغير.
تألم قلبه وهو يستمع لصوتها الذي اشتاق له كثيرًا "كيف سنعود بعد ان وجدنا والدكم. ألم ننتظر عودته لسنوات. وايضا من احزنكم حتى اردتوا ترك القصر والعودة لمنزلنا"
تحدثا ليخبروها ان الساحرة الشريرة امرتهم ان يبدأوا دروس التعلم وان لا يذهبوا لغرفتهم الا بمواعيد ثابتة.
كان ينتظر ان تغضب وتعدهم ان لن يحزنهم او يقدر عليهم أحد ما دامت حية. ولكنه تفاجأ بقولها "لا تخافوا لن يسمح اباكم بهذا. اذهبا وتحدثا معه وهو سيفعل ما يرضيكم"
اجابها عز الدين ''امي لا اريد العيش معهم هيا لنعود"
عاد سيف الدين لغرفة أبيه بقوة وغضب ليقف بوجه جدته يأمرها بأن لا تتدخل في أمر ابنائه. تحدث أباه قائلا
"ما بك يا بني! لم تخطأ جدتك بحقهم فقط كانت تريد أن تعلمهم "
قاطع سيف الدين أباه
"انا من سيعلمهم لا دخل لاحد بهم، يكفي ما عايشوه من وراء هذا القصر"
تحدث أباه
"بني .."
قاطعه سيف الدين مكمل حديثه الذي خالطت القوة الحزن به قائلا
''يكفي انهم حرموا من حياتهم بحضني لأجل هذه القواعد والتعاليم"
ردت السلطانة
"هي من حرمتك منهم ولسنا نحن. بدليل مقاطعتك لها رغم من كان يرى حزن…"
زئر بوجه جدته "ان لم تتأمري علينا.."
وقف نجم الدين في منتصفهم متحدث بصوت أقوى منهما "اصمتوا لا تكملوا، لا أريد أن ننبش بالماضي، فلنفكر بالاحفاد بشكل.."
تحرك سيف الدين وقال "لا . لا تجهدوا أنفسكم بالتفكير انا سأعفيكم من هذا العبئ وارحل معهم حيث لا يجدنا أحد منكم دون رجعة"
اتسعت اعين أبيه "أين ستذهب هل فقدت عقلك؟"
تحدثت رفيدة "سأسقط عليك حد مخالفة الأوامر الملكية قبل ان تفعلها"
اجابها حفيدها
"افعليها اذا لنرى من سيقف امام سيفي"
صدمت من حديثه ابتلعت ريقها وهي ترى ابنها يقول لها "جعلتيني اندم على مسامحتك. ماذا تريدين منه! اخبريني ماذا تريدين! هل اقسمتي على محاربته وقسم فؤاده ام ماذا؟"
خرج سيف الدين من الغرفة وهو يحمل حزنه وغضبه داخله، جاءت رفيدة لتدافع عن نفسها منصدمة من فرمان السلطان
"لن اسمح لكِ من بعد الان، أما ان تصمتي وتبتعدي عن ابني وجميع ما يخصه. واما أن تختاري مملكة اخي لاستكمال مسيرتك الملكية هناك"
راجعته امه بحديثه "نجم الدين! ماذا تقول انت؟ هل ستنفي أمك لأجل…"
قاطعها بحزنه وغضبه وقوته "سأفعلها لأجل الحفاظ على ابني ولي عهدي، انا جاد سأفعلها لأرى الفرحة والسعادة التي حُرم منها على وجهه من جديد، سأفعل كل ما يريد لأرى أمامي ابني المحب للحياة، سأحرق الأخضر واليابس لاجل احفادي و ابني احذري مني وانتبهي لأنفاسك قبل كلامك لأنني ان غضبت ستري وجه لم يراه أعدائي من قبل وليس انتِ فقط "
كان يدور بغرفته وهو يقول لنفسه
"لن أسمح لهم بتعذيب ابنائي، يكفي ما حدث إلى هنا وحسب"
فتح باب غرفته ليدخلا اولاده وهم ممسكين بأيدي بعضهم، ابتسم وجهه لرؤيتهم اقترب مرحب بهم مستمع لجلال الدين وهو يتحدث بصوته الذي أصبح مفضل لدى أبيه
"اعتذر منك"
جلس على قدميه ليصبح بنفس طول قامته ناظرا لشعره الذهبي بحزن كبير رفع يده به كي يلامسه بألم ذكرياته متذكر تلك الخصلات الذهبية التي جمعها لشهور وشهور متمنيا التعرف على المزيد منها.
ابتلع ريقه المحتقن بالحزن وهو يسأل ابنه
"ولما الاعتذار الان"
إجابه ابنه "كي لا يحزن الله مني"
راجعه عز الدين وهو يحدثه بالقرب من أذنه "كي لا تحزن يا ابتي مني"
تحدث جلال الدين بوجهه المتذمر
"كي لا تحزن يا ابتي مني يحزن الله وامي تحزن مني لأنني احزنت الله، انا لا اريد ان تحزن أمي مني، يكفي ما بها من حزن"
رد سيف الدين وهو يحاول الاحتفاظ بابتسامته الحزينة
"ومن أين أتيت بهذا! هل أخبرتك أمك انها حزينة"
رد عز الدين بفصاحته واستباقه لمن في سنه بحنكته وقوته "لا داعي أن تخبرنا. نحن ثلاث قلوب بقلب واحد نشعر بحزن بعضنا وفرحنا دون ان يحكي أحد للآخر، هي لا تريد العيش معك. هي لا تريد البقاء بقصرك. ساخذ امي واخي واعود لمنزلنا كي نعيش بسعادة"
أجاب ابنه بقلبه الذي فتر من الامه
"وماذا عني هل ستتركوني وحيدًا"
رد جلال الدين بعفوية وكلمات لفظت بصعوبة من ثقلها على لسانه
"لا تجبرنا على احزان الله منا . نحن نريد أن نعود لمنزلنا اتركنا لنعود"
وبدون روح خرجت كلماته من جوفه كالشوك يقطع بحباله الصوتيه وهذا سر انخفاض طبقة صوته بجانب تقطعها وهو يقول لهم
"لكم ما تشاؤون عودوا إلى هناك. ما دامت سعادتكم بمنزلكم الصغير لن امنعكم عن العودة"
تحدث عز الدين بحنكة
"هل يسمح مولانا الأمير أن يذهب لأمي ليحدثها ولو مرة واحدة أخيرة. اخبرها فقط أننا ذاهبون للمنزل وانك راضي عن ذلك ولن تحزن منا لأجل ذلك"
اوما براسه والدمع يكاد أن يفر من عينيه
"مولاي الأمير! أين ذهبت أبي"
صمت الأولاد ليقف مادد كفيه نحوهم كي يمسكوه نظر الاولاد لبعضهم ثم نظرا ليد ابيهم الممدوده إليهم بصمت كبير.
اقترب وامسكهم هو كلا منهم من كف يده الصغيره ليسير بهم نحو غرفة أمهم
عجزت كلماته عن الرد على ابنه جلال حين طلب منه ان لا يخبر أمهم عن حديثهم معه.
اوما براسه ووقف امام الباب مستمع للأولاد وهم يقولون "ابي الأمير سيف الدين يريد التحدث معك، امي الأمير يريد التحدث معكِ"
تغيرت نقرة الاولاد وهم ينادون على امهم، اسرع سيف الدين للدخول منصدم بفقدانها لوعيها أثناء نومها.
اقترب بسرعة ليرفع نص قامتها العلوية وهو يطلب من عز الدين أن يناوله الماء. عادت لوعيها بغضون ثواني معدودة منتبهة لابنها وهو يقرب الماء منها بل انتبهت على وضعها بين يديه.
استقامت مبتعدة عنه رافضة شرب الماء من يده "انا بخير لا داعي للقلق"
حزن على حالتها تذكر أيامهم الأولى بالكوخ ولمسه الظلم الذي حل عليها من صمدي.
احس للحظة انه اصبح لا فرق بينه وبين من سبقه، وقف بجانب الفراش قائلا
"وفقا للقوانين فأنتِ حرة من اللحظة التي انجبتي بها أولادك الأمراء. لهذا لا داعي لتحريري لكِ. جئت لأخبرك عن إمكانية ذهابك أنتِ والأولاد للمكان الذي تجدون سعادتكم وراحتكم به دون أن يمنعك أحد "
نظر لأولاده الفرحين بحزن كبير اكمل به
"سيتم توفير العيش الرغيد الذي يناسبكم"
تحرك ليخرج من الغرفة مغلق الباب خلفه وهو يستمع للأولاد يقولون لامهم
"لماذا تبكين! سنعود لمنزلنا. سمحوا لنا ان نعود لمنزلنا يا أمي هيا لنرحل بسرعة قبل معرفة الساحرة الشريرة بأمر رحيلنا"
ابتعد بسرعة هاربًا من القصر على حصانه الأسود كان متخبطا لا يعرف أين سيذهب ظل يحوم بغضب حول القصر لا يستطيع الابتعاد وتركهم خلفه ولم يستطع العودة ومواجهة خروجهم وابتعادهم عنه بعد أن وجدهم"
ومن الشرفة الكبيرة كان السلطان ينظر لابنه وهو يدخل القصر بحالة مزرية، نظر للسماء قائلا "اللهم لا تختبر صبري بفلذة كبدي"
وفي وسط الأحزان جاءت للقصر امرأة عجوز طلبت مقابلة السلطان بأمر مهم.
لم يسمح لها بأول الامر، لتستعين بأحد معارفها القدامى كيف تفوز بمقابلة السلطان.
وقفت بعجزها ومرضها وكبر سنها متحدثة لنجم الدين
"الان حصحص الحق. يكفي ما اصابني من وراء هذا الذنب الكبير. اريد ان اخذ حسابي بالدنيا قبل الاخرة"
سألها السلطان من هي وماذا تريد أفصحت عن وجهها وهي تتحدث
"انا آمنة السوعدي يا مولاي هل تذكرتني"
لم يتذكرها لتكمل
"انا من رأى مولاي الأمير سيف الدين ومولاتي الأميرة حفصة النور على يديها"
ابتسم وجهه "هل كنتِ انت!"
ردت لتصدمه
"مع الأسف أنا. ويا ليتني مت قبل أن اصبح كذلك "
تعجب من قولها وحديثها الذي ألقته بوجهه وهي تعترف بقتل زوجته صوفيا أثناء ولادتها بأوامر من السلطانة الام، روت له قطعها أوردتها الحساسة بالداخل وتركها للسلطانة صوفيا تنزف دون تدخل حتى توفت وهي تنادي عليه وتأمنه على أبنائها.
لم يصدقها نجم الدين وتوعد بمعاقبتها أشد العقاب لتطاولها على السلطانة الأم.
كل ذلك قبل أن تنكشف الحقائق امامه وتشهد السيدة حافظة كبيرة مسؤولي الحرملك وابنة آمنة السوعدي وخوف وانهيار السيدة ماريم أوفى وأقدم العاملين بالقصر.
شك السلطان من تورط امه بحرق روحه على من امتلكت فؤادة لأجل سلطتها ونفوذها بالمملكة.
لم يكن الأمر سهلًا على نجم الدين الذي أتى بأمه و واجهها بالحادث لتنكر وتفرض عقوبة كبيرة على جميع من تطاول عليها وسولت له نفسه باتهام السلطانة هذا الاتهام .
الغريب استسلام الشهود للحكم القابلة وابنتها حافظة
"يكفينا ما تحملناه من عذاب الضمير. لتسري مشيئة الله ونحاسب على صمتنا بالدنيا قبل مقابلة الله"
وبخطة صغيرة لا تدخل على صغار السن نشر طبيب المملكة خبر احتضار القابلة آمنة السوعدي وهنا جمع السلطان بين أمه والمتورطون بذنب قتل زوجته في غرفة تم احتجازهم بها. ليكون هو الشاهد الأكبر على جبروت امه وضحكتها الكبيرة وهي تقول
"من ظننتِ نفسك حتى تعودي بعد كل هذه السنوات وتقفين أمام السلطانة لتتهميها بقتل زوجة ابنها"
بكت حافظة على امها وتجبر السلطانة عليهم قائلة
"يا ليتني مت بهذا اليوم. يا ليتني مت قبل ان ادخل غرفة الأميرة صوفيا وأشهد على ترككم لها دون إغاثة"
انهارت ماريم مكانها أرضا
"لا اريد ان اموت. لا دخل لي بكم. أنا لم أرى ولم اسمع شيء طوال عشرون عام. ماذا تريدون مني! أنا لم أرى شيء"
ردت رفيدة بقوة مخيفة
"ستموتين لأجل ضعفك وانهيارك أمام السلطان بقول هم من فعلوا انا بريئة أنا لم أفعل شيء، جُبنك هذا الذي سينهيكِ"
ردت القابلة آمنه
"رضيت بحكم الله وقدره، إن مت الآن سأموت براحة وقلب راضي بحكمه وعقابه لي بالاخرة"
غضبت السلطانة رفيدة عليها
"لا لن تنالي الموت قبل ان أسقط عليكِ عقابي. ساعاقبكم جميعًا أشد عقاب لتصبحوا عبرة لمن يقف امامي"
ردت حافظة ببكائها
"أنا لم أفعل لكِ شيء بقيت صامته كل هذه السنوات وافية للأوامر .."
قاطعتها السلطانة بقوة
"كان عليكِ ان تكذبي أمك بدلا من البكاء والادعاء بعدم معرفتك شيء والاسوء قولك انا لم أشهد الولادة وانتِ من بلغه خبر الوفاة واخبرته بما حدث بآخر لحظات صوفيا قبل موتها"
بكت حافظة
"لا اعرف كيف خرج مني هذا. ضميري يؤلمني. لقد مت مئات المرات طوال هذه السنوات وانا اتذكر لحظاتها الأخيرة. لقد كرهت أمي وابتعدت عنها لأجل انصياعها لأوامرك. كرهت عملي وكرهت نفسي لسنوات. لقد ماتت روحي باليوم الذي جعلتموني شاهدة على موت هذه الشابة التي لم نرى منها سوى المحبة والطيبة والدفاع عن حقوقنا. كرهت امي وكرهت نفسي وعملي والحياة حتى أصبحت مجردة من المشاعر أفعل ما أؤمر فقط"
اخذت رفيدة نفس طويل زفرته بقوة
"كان خطئي. نعم خطئي. كان علي ان انهي حياتكم بعد موتها كي تموت الحقيقة معها. بل كي لا تتعذبوا بالذنب. ولكن لا بأس من الجيد حدوث ذلك كي ننهي ما تأخر انهائه، سأجعلكم عبرة للجميع. لم يتأخر جاء الوقت لارسلكم لمثواكم الأخير كما ارسلت حبيبتكم ولكن لا تنسوا ان توصلوا لها سلامي "
خرج السلطان نجم الدين وخلفه الحرس من غرفة الحمام معلنا عن وجوده وسماعه الحديث الصادم.
……..
وبينما كان يعيش هو أصعب دقائق تمر عليه دخل احد الحرس عليه الشرفة قائلا
"السيدة والدة الأمراء الصغار تريد مقابلة سيادتكم، تم اعلامها بالتعليمات المشددة بعدم إدخال أحد غرفة حضراتكم ولكنها أصرت على الاستئذان من سيادتكم لأجل أمر مهم يخص الأمراء"
تسارعت أنفاسه حتى أصبح صدره يعلو وينخفض بشكل واضح. اوما براسه
"فلتدخل" عاد الحرس لمكانه تارك الأمير يصارع حالته المضطربة خلفه.
هذه الحالة التي جعلته يقطب حاجبية ويسن نظرات عينيه الثابتة على الفضاء امامه كي يظهر قوي أمامها.
اقتربت بخطواتها التي كانت تصف مدى ضعفها وعصفها ومعاناتها بحياتها.
تحدثت لترعد قلبه بصوتها المنخفض المتعب
"هل لي أن أتحدث وأنا جالسة"
ألتفت بسرعة لينظر لها خائفًا عليها. ليجدها تقف مخفضة الأعين بوجه شاحب، سمح لها مشيرا للمقعد الجانبي كي تجلس عليه.
وتبدأ حديثها دون مقدمات
"أعلم وأرى جيدًا مدى غضبك وتحاملك علي .لا تقلق أنا لم أأتي لادافع عن نفسي. بالأخير سأعود للمكان الذي جئت منه بناء على أوامرك قبل ساعات. ولكني أتيت لاتحدث معك عن ابنائنا.. عفوًا اقصد أبنائك"
ابتلع ريقه وهو يملئ عيونه من وجهها الذي حرم منه كل هذه السنوات متفاجئ بقولها
"هما لا ذنب لهما. انا من صمت وابتعد. وانا من عليه تحمل عقابي وحدي. سأفعل ما أمرت به. سأرحل من جديد ولكن هذه المرة دون ابنائي"
نزلت دموعها لتمسحها بسرعة وهي تكمل
"لا تظلمهم بابعادهم عنك. لا زالوا صغار. يحتاجون إليك. لا تحرمهم من نسبك وعائلتك. لا تتركهم ليشردوا بالبلاد. سأذهب خفية واتركهم لك. اخبرهم انك بحثت عني ومن بعدها اخبرهم بوفاتي"
مسحت شلالات الدموع المتساقطة من عيونها متمسكة بقوتها الغير متوفرة لا بجسدها ولا بصوتها مكملة
"ساتحمل كل شيء وأي شيء لأجل أن يعيشا بسلام وهناء. اعلم انك لن تظلمهم ولم تجعل زوجتك او اي احد من عائلتك يظلمهم، اعلم انك ستعلمهم دينهم وحب ربهم وخشيته. لهذا كله سأتركهم لك قبل رحيلي"
جاء ليتحدث بخطواته المقتربة من مقعدها
سبقته بنظرها له وقولها "رجاءً هما لا ذنب لهما.اتركهما بجانبك لتجدهم بظهرك في كبرك. ستحبهما وتعتاد عليهما انا اضمن لك هذا حتى ان عز الدين يشبهك بفصاحته وعناده وعدم تقبله الخطأ أما جلال… جلال الدين"
بكت متخلية عن قوتها الخرقاء
"يكفي ان يضع يده الحنونة على ظهرك لينسيك همه"
اصبح مقابل مقعدها نزل شيء فشيء حتى أصبح جالسا على ركبتيه ينظر لوجهها بحزن كبير تحدث به
"هل أنا سيء بعينك لهذه الدرجة"
لم تتحمل قربه وهذا ما جعلها تنهار ببكائها أكثر، اكمل حديثه
"ماذا فعلت لكِ كي تنظرين لي بهذا السوء، بماذا ظلمتك في الماضي كي أظلمك واحرمك من اطفالك"
حدثته "لا تبعدهم عنك هم ايضا أطفالك"
وضع يده على قلبه المتألم ليتحدث بوجع
"هما من يريدان العودة. استسلمت لطلبهما كي لا يكرهاني. يريدان العيش بسعادة هناك. طلبوها لأجل سعادتك وانا سمحت لهم كي لا احزنهم واقف امام فرحتهم وسعادتهم"
اجابته ببكاء
"سعادتهم وفرحتهم بجانبك"
رد عليها بعتاب كبير
"ولماذا حرمتيني منهم مدامك تعلمين هذا"
بكت أكثر
"لم استطع العودة. انقطعت اخباركم. فعلتها لأجل الحفاظ عليهم. ظننت أنك تزوجت وانجبت. خفت من كشف حقيقة نسبهم ويتم تصفيتهم دون ان تشعر بهم. وايضا كيف سأعود وانا لا املك حق ذلك. هل سأقطع عنهم الطعام لأجل العودة المخيفة والصعبة. من سيصدق نسبها. ماذا إن أنكرت انت …"
وضع يديه على كتفها ليهزها بلطف وعتاب
"انا لا اصدق ما اسمعه. كيف تفكرين بي كهذا. ألم تعلمي قدرك لدي"
اجابته بعيونها الغارقة بالدموع
"ماذا كنت تنتظر من امرأة لم ترى بحياتها سوى القهر والالم والعذاب. اصبحت اعلم أقداري واتعايش معها برضا كبير. اتعلم لماذا صبرت ورضيت اتعلم لماذا صمت وسرت مع التيار"
حرك رأسه مستفهمًا. خرجت كلماتها بهبو بركان ثائر وهي تحدثه بانهيار كامل
"كي لا اجن. كي لا يمتلكني شيطاني وأسخط على حالي. كي لا أخسر آخرتي. كي لا أعذب دنيا وآخره"
أسقطت يديه من على كتفها خارجة عن صمتها وهي تدفعه لتبعده عنها
"أتيت تغضب وتصدر الأحكام علي دون أن تسأل كيف مرت أيامي الأولى، كيف تحملتي صعود السفينة داخل صناديق مغلقة وانتِ التي تركتك مريضة خلفي. كيف كان يعود لكِ وعيك لتجدي نفسك وسط أناس لا يعرفونك و تعودي لتنفصلي عن عالمك مجددًا. لم تفكر كيف مرت شهور الحمل وانا مشتتة مهاجرة من مكان لمكان أخشى الظلام وسوء الناس. أواني ياغيز واعتنى بي حتى تشققت يداه من كثرة أعباء الأعمال التي تحملها كي يشتري لنا منزل صغير بأطراف المدينة. فتحها الله علي بدروس القرآن لأصبح اعيل نفسي واولادي. غضبت دون ان تسأل عن شيء غضبت لأجل حزنك ولم تغضب لما مررت به وتحملته لأجلك"
اقترب منها ليمسك كتفيها متأثر بحديثها وهو يقول ''ان أتيتِ او أرسلتي ياغيز ما كنتِ ستتحملين كل ذلك"
وقفت غاضبة عليه
"هل من جديد! كيف تنتظر مني ان أعرض ابنائي لاحتمالية موتهم وموتي وموت الرجل الطيب الذي رعانا دون تقصير، لم تخبريني ولم تأتي إلي ونسيتيني، عتاب واتهامات دون ان تفكر لماذا لم تبحث عنا، لماذا لم تتأكد من موتنا. لماذا لم تحقق بالأمر. لماذا استسلمت"
قاطعها بقوة دفاعه عن نفسه
"لم استسلم…."
دفعته بغضب مجددًا
"انت ايضا مذنب. مادمت لم تبحث ولم تحقق ولم تتأكد من موتنا بعينك اذا انت مذنب بعيني كما انا مذنبه بعينك"
زاد دوار رأسها
تحدثت بآخر كلماتها قبل ان تتحرك لتخرج من الغرفة
"فكر بما طلبته. أولادك لا ذنب لهم بالعيش دون اب…"
لحق بها ليسحبها من يدها قبل ان تكمل حديثها قائلا "وهل يحق ان يعيشا بدون امهم"
دارت رأسها اكثر اغمضت عينيها وهي تستمع له "كيف تطلبين مني أن احرمهم من أمهم . ألم تعلمين مدى تعلقهم وحبهم لكِ ألم أخبرك عن طلبهم ترك القصر والعودة لمنزلهم لأجلك"
لم تجيبه ظلت صامته تحاول ان لا تفقد وعيها أمامه، ليكمل هو بغضب
"ولما رفضتي تناول الأكل في قصرنا. لما انتِ بهذه الحالة. ام انكِ حزينة لعودتك إلي. ام انكِ نسيتي ما بيننا. انتظري ام هناك أحد غيري…''
تحركت لتبتعد وهي تستمع لكلماته الاخيرة استدارت لتجيب عليه بغضبها
"نعم يوجد غيرك هل برد قلبك الآن، أصبحت حرة ، حتى اقول لك سأترك فلذة كبدي واعود من اجله"
وأكملت سيرها داعية ربها "ما هذا الابتلاء ياربي منذ متى اصبح مغلق العقل. الهي ان لم يكن بك علي غضب فلا أبالي"
لم تجد نفسها إلا بين يديه يقبلها بقوة تخبطه وضيقه وشوقه وسنوات حزنه.
دفعته عنها رافضة تقربه منها
"انت لم تعد انت. اصبحت رجل غريب علي .لم تعد ذلك الرجل الطيب الرحيم الذي جبرني وهون عليا مرار الايام. لم تعد الأمير الحنون الذي حلمت لسنوات بردة فعله فور رؤيته لنا. لم تعد أميري الشجاع الذي انتظرت وصوله إلينا برحلة بحثه الطويل. مع الاسف اتضح انها اوهام . خدعني قلبي وروحي وعقلي وهم يروا لي في كل ليلة حلم جديد عن كيفية اللقاء بعد كل هذه السنوات"
اخذها بحضنه من جديد ليبرر لها صدمته وكم حزنه على ما عايشوه بدونه ولكنها لم تستمع له خرجت من الغرفة وهي تترنح جميع ما يأتي أمامها غير ثابت.
رأت حركة غريبة حولها اقتربت من غرفة الأولاد لتجد حراسه مشددة على بابهم واوامر صارمة بعدم دخول او خروج الاحفاد منها.
هدأت من روع أبنائها واسرعت باجهادها نحو غرفة سيف الدين منادية عليه بصوت عالي قبل أن تصل للابواب.
اسرع بخروجه مفزوعًا منصدمًا مما تقول اسرع لغرفة ابنائه ليجد كم كبير من الحراس الذين رفضوا تنفيذ الأوامر قائلين
"نعتذر منك ولكنها أوامر مولانا السلطان فلقد شدد على عدم فتح الباب لأي شخص غيره"
وجد كم كبير من الحراس يقبلون على غرفته ليقفوا امام الباب. طلب منه كبير الحراس أن يدخل غرفته كي يأمن بقائه داخلها كما أمر السلطان.
تعجب متسائلا عن السبب ليجيبه بقول
"الوضع لا يبشر بخير. قامت القيامة فور اصدار السلطان أوامره بالتحفظ على السلطانة رفيدة داخل غرفة الحجز. تفاجأنا بإنقلاب حلفاء السلطانة على السلطان نحاول أن نقبض عليهم جميعا ولهذا الوقت علينا أن نؤمن عليكم داخل الغرفة"
رفض ممسك بصوفيا ليدخلها غرفته رغما عنها مصدر أوامره بعدم خروجها.
وذهب ليرى ما السبب باحتجاز جدته وانقلاب ذو المناصب العالية المتحكمين بمقاليد أمن القصر.
كان يسير بقوة وشجاعة تبرز شخصيته القيادية ولكن الأمر خطر حقا والوضع لا يتحمل المخاطرة.
وبينما كان يقترب من أبيه ليسأله هجم عليه خمسة أشخاص من الخلف تكالبوا عليه منتهزين فرصة عدم حمله لسيفه مستخدمين سيوف السرعة التي طعنته عدة طعنات في أماكن مختلفة بالظهر.
سقط على إثرها دون حركة تذكر ابنائه ومن ملكت قلبه ليكونوا آخر من رأى أمامه قبل ذهابه للعالم الاخر.
دقت أجراس الخطر وارتفعت اصوات مكبرات الصوت وهي تعلن عن تعرض القصر للخيانه، اتسعت اعين صوفيا وهي تستمع لإعلان موت ولي عهد المملكة الأمير سيف الدين وسقوط السلطان نجم الدين غارق بجروحه الحرجة.
.......
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.