احكي يا شهرزاد
بقلم أمل محم الكاشف
اطلع نديم على التسجيلات الخاصة بقاعة المحاضرات ليرى أنه كان محقا باختياره لها فتميزها وفرض حضورها القوي من أول دخولها القاعة جعله اكثر فخرًا وإيمانا بنجاحها وحقها بهذا المكان عن غيرها.
لم يفرغ يوم من اتصالات فهمية بأحفادها أكثر من مرة تتحدث معهم وتستمع لما فعلوه بالمدرسة و ما أكلوه و كيف يقضون يومهم و هل هم فرحين ام لا .
توالت الأيام حتى جاء موعد عودة شريف لمنزله بعد ان تعافى جزئيًا فلا زال جسده متعب ومنهك من الأعراض الجانبية لهذا الفيروس القوي على العظام والجسد.
عاد ليساعد استاذه ومن ملكت روحه بإنهاء صرحهم المميز، واجهته مشكلة مع الوقت حين كان يستنفذ باقي وقته مع أستاذ نديم الذي وجد من يتحدث معه يوميًا دون مراعاة للوقت ليجد شريف نفسه ينهي مكالمة والديه ليبدأ مكالمته الأخرى مع نديم لتطول ساعة وساعتين ليكمل بعدها مساعدته لهم، ينام متعبًا ليستيقظ بعدها على الساعة الثامنة صباحًا دون أن يكتفي من نومه ليقرر أن يشتري رقمًا جديدًا يتواصل به مع شهرزاد لإكمال عملهم وقت اختفائه من الوسط لتكون فرصة جيدة له للتعبير عن مشاعره دون مواجهة.
فبأول صباح بعد تواصلهم من نفس الرقم الجديد واخبارها عدم معرفة أحد غيرها به وجدت شهرزاد حالة جديدة منشورة له فتحتها لتتفاجأ بعبارة صباح الخير يا مولاتي، صمتت مشككة بالأمر فمن الممكن أن تكون أمه على علم بهذا الرقم وكأن مقصده على أستاذه فقط ولكن مع توالي الحالات الصباحية التي تخللتها موسيقى شهرزاد و عبارات مختلفة مثل:
" لأجلك لا زلت أتنفس نسيم الحياة، إن كان القلب يتحدث لأخبرهم عن ما صمت اللسان عنه، أحب قوتك حتى و إن خاف قلبي منها".
كانت تتمنع عن رؤية الحالة وتظل لساعات تحارب قلبها وفضولها حتى تشاهدها بالأخير، وبيوم في لحظة ضعف أرادت نشر حالة لها كانت عبارة عن مقولة تحث على القوة والسعي للنجاح ورغم أن الحالة بسيطة غير متعلقة به إلا أنها تراجعت خوفا من ضعفها واعتيادها على نشر حالات قد تفهم في غير موضعها، فهي لا زالت متمسكة بردودها القصيرة التي تجعله يلتزم حده ويفكر بما سيكتبه أكثر من مرة.
لا زالت تمارس ذكائها ولؤمها في اقحامه بأعمال اكثر منها ليأتي يوما متذمرا كاتبا لها على الحالة:
" اقحمتي شمسي بفخها مجددًا، و لكن هذه المرة سأقف متمنعا رافضا ما فرضه قلبها علي، فلن أسمح لقلبي أن يفعل ما تأمره به".
قرأتها شهرزاد عدة مرات محاولة استيعاب خباياها هل يخبرها انه لم يقم بعمل ما اتفقا عليه ام انه يمزح و حسب، جاءت لتسأله ولكنها أوقفت نفسها قائلة:
" كيف سأقولها له وإن سألني لماذا اخذتيها على نفسك أو هل أنتِ شمسي بماذا سأرد".
قامت بالعمل على القسم الخاص به تحسبا لحدوث العكس منه لتتفاجأ أنه يسلم قسمه بشكل كامل وكافي لأستاذه وهو يكتب له بالمجموعة المشتركة:
" و بهذا القسم أكون قد انهيت كل ما علي".
أرسلت هي أيضا قسمها الأخير كاتبة:
" وانا أيضا انهيت ما كان علي الكتاب كامل الآن و ينتظر مراجعة البروفيسور دكتورنا الكبير ليضع لمساته الأخيرة ويفاجئنا بنسخته الأخيرة".
شكرهم أستاذ نديم على مساعدته وأبلغهم أنه سيغلق المجموعة متمنيًا فتح غيرها إن كان هناك نصيب آخر لكتاب آخر.
اغلق المجموعة وأصبح لا حجة بتواصلهم اليومي لتصبح حالات شريف الذي ينشرها بشكل يومي دون انتظار الرد خير وصال بينهم.
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
توالت أيام أخرى أعقبتها الشهور لتنقضي السنة الدراسية ومن قبلها فترة العدة الخاصة بتوتة ليصبح دينا عليها ذهابها للصعيد كما وعدت أم زوجها.
وعندما حان الوقت و وجب كانت هي بحالة صحية سيئة عقب إصابتها بفيرس كوفيد هي وعائلتها واحدا تلو الآخر ليشفى الجميع منه إلا هي حين تأثرت الرئتين بالتهاب قوي لم يتركها بسهولة ليمضي شهر واكثر دون أن يفارقها سعالها وضيق صدرها وجلسات التنفس التي اضطرت للخضوع لها لتساعدها على التنفس.
و رغم معرفة فهمية بوضعها الا انها اختنقت من الأعذار وطول البعاد الذي أشعل النار التي لم تنطفئ بقلبها، دعت ناهدة أمها واختها ليأتوا إليهم كي يقضوا اليوم معهم محاولةً منها أخرجهم من همهم وحزنهم.
ذهبت فهمية للسرايا لأول مرة بعد ثمان أشهر على وفاة ابنها وأغلى ما لديها بهذا الكون الكبير ظاهريا ولكنه عند فقد الأحبة يتضح كم هو صغير ولا قدر له.
اهتمت ناهدة وجميلة وكل من بالمنزل بالحاجة فهمية كما عاد البدري باكرًا مرحبًا بالنور الذي أضاء سرايتهم تم تحضير أشهى الأطعمة و الحلوى التي لم تتناول منها الا القليل.
اجتمعت العائلة بالصالون الكبير تحركت جميلة حاملة سلمى بيدها غاضبة عليها:
" كيف وقعت ألم احذركِ أنها ستسقط".
تحدث البدري بضيق:
" لعلها أخذت الشر وذهبت به لا تغضبي عليها".
ردت جميلة التي تبللت ملابسها بطبيخ الملوخية:
" لا تدافع عنها، عليها ان تدرك الصح من الخطأ أخبرتها أن السلطانية بجانبها كي تنتبه عليها وانظر ماذا فعلت وكأنها تعمدت سقوطها".
نظر البدري لغضب جميلة وبكاء ابنته بضيق لم يخرجه أمام الضيوف، تحركت ناهده لتأخذ سلمى من يد جميلة قائلة:
" سأهتم أنا بتنظيفها وتبديل ملابسها واذهبي أنتِ لتبدلي ملابسك".
اعطتها جميلة الطفلة التي أكملت بالكاد عامها الثالث قائلة:
" لا ينفع معها التنظيف العادي انظري لحالتها حمميها أفضل، ما هذا وتبكي أيضا وكأنها مظلومة".
كز البدري على أسنانه تبقى القليل ليتحرك ليأخذ ابنته من يديهم، تحدث بهدوء ما قبل العاصفة قائلا:
" ألم تنتهوا حتى الآن، سقط ما سقط لا تكبروا القصة".
تحركت ناهدة وهي تعوج فمها لتصعد الدرج قائلة:
" *المشكلة ليست بإسقاط الطعام ولكنه في عندها و دلعها الزائد".
اغمض البدري عيناه مهمهم بقوله:
" استغفر الله العظيم".
ردت فهميه عليه:
" لا تحزن نفسك انت تعلم قلبها الطيب، تخرج ما بقلبها دون تفكير وبعدها تعود صافية دون أن تحمل لأحد ضغينة وأيضا عدم حملها حتى الآن زاد الأمر ضيقا وغضبا أخشى أن تبقى كجميلة دون ولد يؤنسها".
_" لا تقولي هذا يا زوجة عمي الله سيرزقهم ويعطيهم من فضله أنتِ تعلمين هذا سلو عائلتنا التأخر بالإنجاب ليس بجديد علينا وخاصة ان كان الزوجين من نفس العائلة كما حذرت سيد قبل الزواج وهو أراد هذا فلنتحمل التأخير وخاصة ان محسن وسيد سعوا بالعلاج وعلموا أنه مسألة وقت لا أكثر".
تنهدت فهميه قائلة:
" أكرمهم الله و اطعمهم يا بني".
تحدث البدري على استحياء وتردد قائلا:
" أريد أن أحدثك بأمر ما، لا اريد ان تفهمي خطأ أو تشعري انه ليس له قيمة بقلبي أنتِ تعلمين قدر مدحت لدي والله كأني فقدت أخي وأكثر ولكنها الحياة وجاء وقت الأخذ بنصيحته لي، كما رأيتي منذ قليل أصبحنا عبئ زائد على غيرنا جاء الوقت لأفعل ما هو صحيح لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو".
تحدثت فهميه لتبرر من جديد:
" لا يكن صدرك ضيق لهذا الحد من المؤكد أنها تلعبها وتصالحها بالأعلى".
_" نعم أنتِ محقة هم يحبون الأولاد ويهتمون بهم وعند خروجهم يعودون وهم محملين بالحلوى والألعاب لهم، ولكن كل هذا لا يغني عن تأسيس عائلة مستقلة مستقرة لهم وأنا أيضا أصبحت لا أتحمل الوضع فلنجرب حظنا مرة أخرى".
ردت فهمية قائلة:
" أنت محق يا بني فليكرمك الله ببنت حلال صغيرة وجميلة تتحمل أولادك وترعاهم وبنفس الوقت تهتم بك و بإسعادك".
رد البدري على فهميه:
" أنا لا ابحث عن صغيرة لا طاقة لي بهذا تعلمين اشغالنا والأولاد لهذا أريد امرأة عاقلة تتفهم الوضع قريبة من سني متعلمة وناضجة لتساعد الأولاد بمسيرتهم التعليمية".
سألته فهميه:
" هل توجد أمامك من تحمل كل هذه المواصفات ام تريد مني مساعدة".
رد بدري:
" تشكري يا زوجة عمي، بصراحة كانت هناك فتاة بمركز مجاور لنا أن أخذت رضاكِ سأذهب لطلبها بهذا الأسبوع وبعد شهر من التحدث والتفاهم نذهب ونعقد عليها بدون مراسم زفاف لأجل جرحنا وجرحهم هم أيضا".
ردت فهميه بفضول:
" هل هي من توفى اخوها قبل ذهابك أنت والمرحوم لطلب يدها".
ابتسم البدري وقال:
" سامحك الله يا أخي هل أخرج سرنا لكم".
و بدون تفكير دافعت فهمية عن ابنها قائلة:
" لا ولدي لم يفشي أسرار أحد أخبرتني ناهدة بما سمعته صدفة".
رفع البدري رأسه وحاجبيه قائلا:
" صدفة !، نعم هي من كانت بالسابق رأيت صورتها وجعلني صديق اخيها أراها من بعيد دون أن تراني هي، هادئة بزي يعكس احترامها وبساطتها لتكن خير لنا".
_" أمين، ما دمت رأيتها وتم الأمر على بركة الله اذهب يا بني وأطلب يدها واتمم الزواج بأسرع وقت ولا تحمل همنا فأخوك سيفرح ويرتاح بقبره انت تعلم محبتك لديه، كان لا يجلس معنا إلا وحدثنا عنك و أوصى أولاده بأولادك ".
دمعت عين فهميه من نار قلبها تحسرا على تلك الأيام التي استقر ابنها معها وكأنه يعلم برحيله وأراد أن يشبعها منه قبل أن يذهب دون موعد.
سألها البدري عن أولاد أخيه هل هم بخير؟ هل يحتاجون لشيء إضافي؟، كما اخبرها انه حول لهم مبلغ إضافي هذا الشهر ليكون عونا لهم في مرضهم.
ردت فهميه عليه قائلة:
" بالأصل ترسل الكثير لهم، لا داعي لما تفعله بالأعياد والمناسبات لا اريد لماله أن ينفذ قبل أن يكبر الأولاد، استثمره بأرضه لتكن سندًا لهم في شبابهم، المال الكثير يفسد ولا يخرج رجال أقوياء حتى انه يسلب عقل أمهم ويزيغ عينيها ويفتح قلبها على زينة الدنيا".
رد البدري بحزن وعدم رضا عن ما سمعه قائلا:
" لا تقلقي لن يفسد الله بذرة أصلها صالح، فليحفظهم الله وأيضا ما أرسله من زيادة عائد لي لم اخصمه من حصتهم لا تقلقي، كما أنني بإذن الله نويت أن أذهب لهم فور زواجي لأطمئن عليهم بنفسي ولن أقطع هذه العادة من بعدها، انتِ تعلمين لولا منعك لي ومطلبك أن أراهم عند مجيئهم البلد ما كنت انتظرت كل هذا الوقت لاهتم بهم وبأحوالهم عن قرب، اقسم أنني اتعذب لأجل هذا حتى أرى وجه اخي بأحلامي غير راضٍ عن تقصيري وكأنه يعاتبني".
ردت فهمية بخوف قائلة:
" لن تذهب الا بعد مجيئهم من غير شيء لم يأتوا فما بالك ان ذهبت أنت".
بكت فهميه شوقا وخوفا من عدم رؤيتها لأحفادها، حدثها البدري قائلا:
" هوني على نفسك سيأتون وتشبعين قلبك واعينك بهم، تعلمين وضع مرضهم أنتِ من حدثني عن حالة امهم السيئة وأن صوتها لم يعد لطبيعته بعد كل هذه المدة كيف تريدين لها أن تأتي وهي بهذه الحالة ".
صرخت سلمى بالأعلى باكية، لم يتحمل البدري هذه المرة تحرك وصعد لها بضيق، تحدثت فهميه من خلفه قائلة:
" سامحك الله يا ابنتي ألم تتحملي طفلة صغيرة".
من جديد غضبت ناهدة واضعة الخطأ على الطفلة التي تحركت دون توقف وهي تلبسها فستانها، اخذ البدري ابنته بحضنه شاكرًا ناهدة على تعبها ثم تحرك للغرفة قائلا:
" سنرتاح قليلا ثم أعود لأجلس مع الحاجة فهيمة لا تجعليها تذهب دون أن أودعها".
سألته ناهدة: " متى سيعود فارس؟".
_" سيأتي مع اعمامه يريد أن يبقى هناك".
ردت ناهده قائلة:
" و الله إن أراد فليبقى هو كالملاك لا يتعب ولا يغضب أحد منه".
أجابها قبل أن يغلق باب غرفته:
" وعن قريب لن يغضبكم أو يتعبكم أحد منهما".
اغلق الباب تاركها خلفه تراجع نفسها فيما قالته وفعلته فهي ورغم عصبيتها وغضبها إلا أنها تحب سلمى وتخاف عليها.
نزلت الدرج بهذا الحزن لتجد أمها تنتظرها أسفله لتستقبلها قائلة:
" هل تم الأمر هل اخرجتي ما بداخلك وارتاح قلبك".
تحدثت ناهدة:
" تتحرك كثيرا اتعبتني وانا ألبسها الفستان لما كل هذا الدلال".
ردت فهميه لتراجع ابنتها:
" اتقي الله يا بنتي انهم يتامى لو كانت أمها حية لكانت لعبتها و دلالتها وهي تلبسها".
استنكرت ناهدة حديث أمها قائلة:
" ألا تغضب الأم على ولدها".
_ " تغضب ويعلو صوتها ولكن بالمقابل في مواقف أخرى تغمرهم بحبها وحنانها لا تكوني ظالمة لطفلة صغيرة".
تحركت فهمية بحزن لتجلس مرة أخرى بمكانها في الصالون قائلة:
" هل تقبلي للحج بغدادي أن يصرخ على أولاد اخيكِ أو تأتي جدتهم أمال لتأخذهم من على الطعام دون أن يكملوا طعامهم لأجل خطأ اقترفوه".
دافعت ناهدة على أولاد أخيها:
" و لكنهم مؤدبين لا يفعلون ما تفعله تلك المدللة وأيضا امهم لا تسمح أتتذكرين كانت تقف أمام أخي كي لا يقسو عليهم".
ردت فهميه على ابنتها بقلب حزين قائلة:
" و هذا ما فعله البدري و تلومينه عليه، اخ يا بنتي أشعلت ناري عليهم كيف سأتحمل بعدهم عني ماذا إن استمر هذا البعد ماذا إن ذهبت امهم وتزوجت من رجل آخر وسقطنا بهم وغم لا ينتهي".
ردت ناهدة بصوت غليظ سيطر عليه الغل والغيرة قائلة:
" يتزوجها عفريت يأكلها وينهيها إن شاء الله، هل ستجد مثل اخي".
و بضيق تحدثت فهميه:
" لا تقولي هذا على زوجة اخوكِ، الفتاة جيدة بقيت معنا و رأينا سبب تعلق ابننا بها فهي لا ترى بدنياها سواه هو وأولادها ".
_" إذا فلتحافظ على هذا الحب وتستر نفسها وتبقى لأجل أولادها، اقسم إن فكرت بالزواج لأخذ أولادها منها واحرق قلبها عليهم".
ردت فهمية بعقلها الحكيم و صوتها الحزين قائلة:
" اقسمي على نفسك لا عليها وهل يحق لنا أخذهم من امهم وإن اردنا القانون لن يسمح لنا فهي حاضنة، حينها سنضع بلاغاتنا بأفواهنا منتظرين تفضلها علينا لنحدثهم ونراهم".
وبدموع بعينيها ردت ناهدة على أمها:
" منها لله، لن اسامحها وسأظل أدعو عليها ان فعلت هذا بنا وبالأولاد اليتامى كيف سنتحمل أن يأتي رجل غريب يربي أولادنا بعيدا عن أعيننا، ماذا ان غضب عليهم، ماذا ان أبكاهم".
نظرت فهميه لأعلى ثم نظرت لابنتها قائلة:
" وماذا سنفعل ستأخذهم امهم وتدخل غرفتها كما فعل البدري قبل قليل إذا كان بيدها أن تفعل هذا وتقف امامه".
احترق فؤاد ناهدة لتقول لأمها:
" والله أحبها ولا أسمح لجميلة بضربها في وجودي حتى أنني أدللها واشتري لها الألعاب".
ردت امها عليها قائلة:
" نعم وهو سيقول ما تقوليه"
ثم وضعت يدها على صدرها لتمحي نار صدرها الذي لم يمحى مهما فعلت.
تحركت ناهده لتستجيب لنداء جميلة واختها الذي اتاها من المطبخ، لتبقى فهميه بمكانها تفكر بما دار بينها وبين ابنتها ومن قبلها البدري الذي تفاجأ بصعود زوجة عمه للطابق العلوي لأول مرة منادية عليه.
خرج مفزوعًا ملبيًا ندائها العالي مصدومًا لما والاها بعد ان سحبته واجلسته بجانبها لتقول له:
" إن كنت ستتزوج فلتتزوج ولكن عليك ان ترضي أخاك بزواجك هذا ليفرح وجههُ بحلمك ويطمئن قلبه ويرتاح جسده بتربته".
و باستغراب مما قالته وبنبرة صوته وحالتها سألها البدري:
" وما علي فعله بزواجي كي يرضى أخي لهذا الحد".
ردت فهمية لتجيبه:
" ستتزوج من فاطمة وتأتي بها إلى هنا كي تعيش بجانبنا وتكبر أولادها بحضن عمومتهم".
فتح عينيه وأغلقها عدة مرات وهو لا يستوعب ما قالته زوجة عمه التي أكملت حديثها لتضع عليه حق المحافظة على أحفادها و تربيتهم وحمايتهم من غريب يحزنهم ويأكل حقهم.
سألها البدري:
" هل ستتزوج؟، يعني هل وصل لكم خبر عن هذا؟، ألم تقولي انها ستبقى على أولادها لتكبرهم دون زواج".
ردت فهمية عليه:
" و هل سأنتظرها حتى تقف بوجهي وتخبرني بزواجها؟، ماذا إن أتاها نصيبها، ماذا إن أخذت الأطفال و أبعدتهم عنا، البنت جميلة وكأنها شابة لم تدخل دنيا، ماذا أقول لأقول عنها عيون واسعة، بياض كالثلج، شعرها كالأميرات، يرغب ويسقط بها من يراها بسهولة يكفي أن تتحدث بصوتها الطبيعي ليتهافتوا عليها ويدفعون ما تأمر".
رد بحالته و استغرابه قائلا:
" ماذا تقولين لا يمكنها أن تكون سيئة لهذه الدرجة وكأنها جالسة بسوق تختار من يدفع اكثر".
_" أنت لا تعلم شيء أقول لك من مثلها مستحيل أن يبقى دون زواج، حتى انها لم تكمل عامها الثامن والعشرون ستكون فرصة لمن ماتت أو طلق زوجته، لهذا أقول لك نحن أولى بلحمنا من غيرنا لو كان والدك وعمك على قيد الحياة كانوا فرضوا عليك ما أقوله لك".
صمتت فهميه للحظات حدثت نفسها بصوت عالي بعدها:
" كيف لم أفكر بهذا من قبل، كيف كنت سأتركك تذهب وتترك لحمنا لغيرنا".
رد البدري بصوت مختنق:
" أنتِ محقه ولكني لا استطيع فعلها، خاصة وأنني أعلم جيدا مدى حب أخي لها، كيف تريدين مني أن أصبح مكانه سأحرق كل يوم بنار الفقد لا يمكنني فعل هذا، ولكني ساعدك أنني سأحاول إعادتها للصعيد لتربي أولادها بيننا، فلتطلب ما تريد وتحلم بما تشاء يكفي أن تقبل بالعيش بيننا وبهذا لا حاجة لي بالزواج منها".
ردت فهمية بخوف:
" و ماذا إن رفضت، وماذا ان ابتعدت من خوفها على أولادها، من قبل جاءت مجبره لأجل زوجها وكانت تتحدث انها ستعود بعد أن يكبر الأولاد ليكملوا دراستهم وحياتهم بالقاهرة".
رد عليها البدري:
" أعتذر منكِ تعلمين أنا لم أرفض لكِ طلبا ولكن أخذي لمكان أخي سيحرق قلبي ويظلم حياتي لا يمكنني هضم الفكرة وهي مجرد كلام فما بالك ان أصبحت واقع".
ردت فهمية لتقنعه:
" الحي ابقى من الميت ستتزوجها وتتعايش معها وترضيها هي وأبناءها وستحبها، اسمع مني انا اكبر منك وفي مقام امك اقسم لك انك ستحب قلبها قبل وجهها، انا لن اعطيك امرأة أكبر منك ولا اعطيك زوجة جاهلة و دون جمال، فاطمة لا يعيبها سوى دلالها الزائد الذي اعتادت عليه أيام المرحوم وأنت تستطيع بحكمتك وسيطرتك و شدتك منعها عن هذا فكيف تتدلل دون أن تجد من يعينها، غير ذلك فهي كالجوهرة وأهلها وأصلها أنت رأيته بعينك لن تندم نهائيا ألم تقل انك كبير عائلتنا وسندها فعليك اذا العمل بما تقوله".
وقفت فهمية منهية حديثها الذي فرضته عليهِ لتشوش بهِ عقلهُ قائلة:
" سأذهب أنا انتظر خبراً منك، انا اثق بك و بحبك لأخيك فإن أردت رضاه وراحته بتربته فلتتزوج من زوجته ولتأتي بأبنائه ليتنعموا بخير أبيهم و يكبروا وسط عائلتهم وعمومتهم".
تحركت بقوتها وعينيها الحادة لتنزل الدرج كي تأخذ ابنتها لتعود لمنزلها.
فرحت ناهدة لما سمعته من أمها وأخبرت به زوجها وأخيه محسن بل و زاد الأمر حين تحدثت باليوم التالي على الفطور قائلة:
" جميعنا نعلم بما قالته أمي أمس".
ثم نظرت للبدري مكملة حديثها:
" أنت من سيطفئ نار صدورنا ويعيد لنا أولادنا بيننا وأمام أعيننا، لا تخف من قول أمي أنها مدللة، أنت مختلف عن أخي وستضع لها الحدود كي لا تتعداها كما فعلت مع أخي وسحرت أعينه حتى أصبح لا يرى و لا يسمع لغيرها، جميعنا رأينا ادارتك لعائلتنا الكبيرة وكل ما يخصها من أملاك و مشاكل ومخاطر، ألتففنا حولك و وقفنا أمام عمي محمد مؤيدين بقائك على رأس عائلتنا لما رأينا بك من حكمة وعقل وعدل وقوة فلا تخذلنا وتجعلنا نندم على اختيارنا".
رد سيد ليؤكد على حديث زوجته ووجوب زواج أخيه البدري من زوجة المرحوم مدحت، تحدث محسن وهو ينظر للبدري قائلا:
" أعتذر منك يا اخي لا يوجد لك مبرر بالرفض".
سقطت دموع ناهدة وهي تتحدث مستعطفه قلوبهم:
" أنتم لا تعرفون كم ظلمتنا فاطمة بالماضي، وبقلوبنا البيضاء سامحناها لأجل أخي".
عادت لتنظر للبدري خاصة قائلة:
" رجاءً لا تجعلها تظلم أولادنا وتخرجهم ضعاف ناعمين الأيدي مثلهم".
أدارت ناهدة وجهها نحو زوجها والبقية لتكمل بدموعها:
" هل تعلمون أن باهي أصبح يتكلم مثلها من يراه يعتقد انه فتاة، هل سنترك أولادنا بهذا الحال".
رد بضيق البدري عليها قائلا:
" وما بهِ باهي كان بيننا الولد طبيعي نعم مدلل قليلًا ولكنه جيد ليس بشيء يخاف منه جميع الأطفال يتحدثون بهذا الشكل".
أسرعت ناهدة بردها قبل الجميع:
" وهل يتحدث ابنك فارس كما يتحدث هو".
وقف البدري لينهي طعامه قائلا بضيق:
" لا تكثري الحديث و تخلطي الأوراق ببعضها اتركوها على الله، فليفعل الله ما يراه خيرًا لنا جميعا".
وقف سيد ليرد على أخيه ولكن البدري لم يترك لأحد فرصة للتحدث معه تحرك وخرج من المنزل على عجل.
زادت ناهدة ببكائها الحارق على أخيها، كان بكاء حارق نابع من أعماق قلبها المشتعل تعتقد أنها محقة بخوفها وظلمها الماضي من قبل زوجة أخيها.
وبعد وقت ليس بقليل توقفت سيارة البدري أمام مقابر العائلة، شرد ناظرًا للفضاء أمامه يفكر بما سيقول ويبرر له، ضاق صدره اكثر فتح بابه ونزل حاملًا حزنه على كاهليه لتثقل بهِ أقدامه التي يخطو بها نحو قبر ابن عمه.
جلس بجواره يحنو بيده على ترابه متنهدًا بحرارة ضيق صدره قائلا بحزن وصوت منكسر:
" كيف يطلبون مني أن أفعل بك هذا؟، كيف لي أن أتزوجها؟ بالوقت الذي أحاول إقناع نفسي أنك لا زلت على قيد الحياة تعيش بالقاهرة بعيدًا عنا، أتوا هم واجتمعوا عليّ، لا أستطيع يا أخي سيتقطع فؤادي وانتهي في كل ليلة أعلم أنه سلو بلدنا وأنه الواجب عليّ و لكن ولكن …"
صمت البدري دقائق ليأخذ نفسه ويمنع الدموع المتجمعة بعينيه أن تفر منها مكملا بحزنه:
" بربك قل لي كيف سآخذ مكانك؟ كيف سأتزوج من كان يطير قلبك للقائها؟، بالأمس كنا نضحك وتحكي عنها وتهرب إليها واليوم أنا. أنا لا يمكنني فعل هذا، لا تحزن، ولا تطلبها مني، قلبي لا يتحمل عذاب فوق عذابه، ألم تعلم قدرك لدي كيف سمحوا لأنفسهم تحميلي هذا العبئ الكبير كيف سأفعلها يا أخي بربك كيف سأفعلها".
مسح البدري دموعه الحارقة ليفتح هاتفه الذي توالى برنينه قائلا: " تفضل يا عمي أؤمر ".
رد عمه محمد قائلا:
" أريد أن تأتي لنتحدث سويًا، علمت ما قالته فهمية لك أنه عين العقل، انتظرناه منك ونحن نأمل أن تكون بقدر مكانك وتخبرنا أنت بزواجك من زوجة إبن عمك لتحافظ على أولاد العائلة وأملاكهم فإذ بنا نتفاجأ بتهربك ورفضك".
نظر البدري لقبر أخيه قائلا لعمه:
" الأمر مختلف انت تعلم علاقتي بالمرحوم لأجل هذا أنا".
قاطعه عمه بحدة وقوة مجيبًا عليه:
" هل من يتزوج من أرملة أخيه أفضل منك هل ستحب إبن عمك أكثر من حب الأخ للأخ، هل إبن كارم العيسوي أحسن منك، أم تريد أن يعيب الناس علينا وبمن سيعيبونا يا ترى أنسيت أنك كبير العائلة وعليك ان تكون جدير بمكانتك أم تتركها لمن هم أفضل منك، لا تنسى أنني تركتها لأجل وصية أخي للعائلة وأخبرتك يومها أنني سأستعيدها منك بأصغر خطأ تقوم به".
ظل البدري يستمع لعمه دون اهتمام حتى انتهى العم محمد من حديثه ليرد البدري عليه بنفس رده على اخوته قائلا: " ليفعل الله ما يريد".
انهى المكالمة ناظرًا نحو يده التي تحنو على تراب قبر أخيه شاكيًا له ما هو به قائلا:
" ألم أخبرك سابقًا أنك براحة اكثر منا، يكفي أنك علمت ما لك وما عليك، لا أحد برقبتك لا التزامات ولا ضغوط ياليت القدر بدل بيننا حينها كنت سأطمئن على أولادي معك، أعلم إن كنت بمكاني كنت اهتميت بهم أكثر مما قصرت أنا، واخذتهم تحت جناحك لتربيهم زوجتك الحنونة الشديدة كما كنت تصفها".
ابتسم البدري بحزن قائلا:
" ماذا أقول أتيت لاحملك حملي من جديد".
وقف البدري ليكمل حديثه قائلا:
" سلام يا صاحبي سأعود لك ولكني لا استطيع ان اعدك بحالتي التي سأُقدم بها عليك، فأنت تعلم أنني أهرب إليك من همومي لتهون عليّ ما أنا به كما كنت تفعل معي سابقًا فذهابك قبلي لا يعفيك عن ملئ قلبك بحزني".
كان يحدثه بسره متحركًا بعيدًا عن قبره وهو يردد ما قاله له:
" تأخذهم تحت جناحك لتربيهم زوجتك الحنونة الشديدة ، هل هذا ما وجب علي فعله من قبل، هل كان يأتيني بأحلامي يطلبها مني بصمته ونظراته الغريبة، هل جئت لاشكوه تقصيري في أولاده وأخبره إن كان مكاني لفعل أكثر من هذا".
أكثر ما يحزن البدري هو معرفته بوجوب زواجه من فاطمة للمحافظة على أولاد إبن عمه كما تربوا و رأوا هم على مدار السنوات من عاداتهم وحرصهم بالمحافظة على نساء وأولاد العائلة، فلا حجة له أمام كثرة الأمثال التي حوله وزاد على هذا وضعه ككبير العائلة والمسؤوليات والواجبات المطلوبة منه أكثر من غيره فإن رفض وتمنع سيسقط بأعين كبار عائلته بل والعائلات الأخرى كبيرها وصغيرها حتى من الممكن ان لا يستطيع فرض حكمه على غيره، وهذا ما جعله يوافق على الحل الوحيد الذي أُرغم عليه .
وقف البدري وسط بهو السرايا متحدثًا وسط اخوته وعمه محمد قائلا لزوجة عمه فهمية التي استدعاها للسرايا عصر اليوم ليكون الجميع شاهدا على كلامه قائلا:
" سأفعل ما يبرد قلبك يا زوجة عمي وأم الغالي، إذا كان زواجي في مصلحة أولاد أخي فأنا موافق على ما تريدون ولكن بشرط واحد لن أتنازل أو أتراجع عنه فهو شرع الله وكما تعلمون لا يستطيع أحد على وجه الأرض فرض ما حرمه الشرع عليّ".
نظر اخوته وعمه نحوه بترقب منتظرين معرفة شرطه، تحدثت فهمية للبدري قائلة بحزن:
"هل تشترط أن تكون زوجة ثانية بجانب من رأيت واخترت قبل أيام، تمام حقك يا بني ولكني وضعت فاطمة بعد وفاة أبني موضع بناتي وإن جئت بها زوجة ثانية ستكون هي زوجة على الأوراق فقط، تبقى بمنزلنا كما عليك ان تعوضها وتجعلها توافق على هذا فلا اعتقد ان موافقتها هي أو عائلتها ستكون بهذه السهولة".
رد عمهم محمد عرابي على فهمية قائلا:
" عين العقل يتزوج هو أولا بمن حدثنا عنها وبعد شهر أو شهرين سنخبر اهل زوجة المرحوم بطلب ابننا لها، بوقتها سيقدم البدري مهر قيم لا يمكن لأي عائلة رفضه ويتم الأمر بعده اما أن تكون على الأوراق أو زوجة بشكل كامل سأتركه له إن أرادها ورغب بها لا يمكن لأحد الوقوف أمامه وإن زهد بها ستبقى لديكِ تطفئون نار قلوبكم معًا".
و بعد ان صمت عمهم محمد عن الكلام نظر الجميع نحو البدري الذي كان مخفض رأسه ناظرًا لهم بعينيه القوية يراقب حديثهم وما توصلوا إليه بغضب وضيق.
تحدثت ناهده قائلة: " على بركة الله".
تحدث محسن لأخيه بقلق:
" ولكن وجه أخي لا يقول هذا".
نظر سيد و عمه محمد نحو البدري، لتسرع فهميه بسؤالها له قبل الجميع:
" هل لديك اعتراض يا بني أم أنك ستجد ضعفي فرصة وتفرض علينا المزيد من الشروط؟".
ضحك البدري بسخريه وحزن قائلا:
" وهل تنتظرون مني الرد، هل حقا تنتظرونه مني!، تزوجت الأولى وبعدها الثانية و تحتارون بينكم هل ستكون على الورق وبمنزل غير منزلي ام ستكون بمنزلي، أقسم إن جاء شخص وأخبرني أنه سيحدث ما نحن به لكذبته و نعته بالمجنون، من أين خرجت الزوجة الثانية هل سآتي بأولاد الناس لاعذبهم معي، وأولادي كيف تفكرون أنني أفعل ما تقولون بهم، بالوقت الذي أسعى للاستقرار من أجلهم أغرقهم بشتات بين زوجتين واولاد من الطرفين".
رد عمه محمد بقوة:
" أنت لست آخر رجل يتزوج اثنان وثلاث ما دمت مقتدرًا لا مشكلة لديك تستطيع فعلها أنت كبير عائلة عرابي بيه".
رد البدري بغضب شع من عينيه:
" لا أريد إن كان كبير العائلة بهذا السوء فلا أريد أن أكون كبيرًا أو صغيرًا بعائلتكم، أريد فقط أن أعيش بعدل الله بسلام وامان ألا يحق لكبير العائلة العيش براحة وهدوء".
ردت فهمية بضيق:
" ناديتنا لتخبرنا بأنك وافقت على زواجك بابنتنا ومن بعدها تضع الشروط ووافقنا عليها مجبرين مكلومين محروقين، ثم تأتي لتتراجع بكلامك هل كان سيُفعل بي هذا أيضا وانا بآخر عمري".
بكت فهمية و وقفت لتعود لمنزلها وهي تكمل حديثها:
" والله زواجها من رجل غريب أهون عليّ من هذه المهانة لي ولأولاد الغالي وامهم".
أسرع البدري برده عليها
" وحدي الله يا زوجة عمي من يجرأ على اهانتك أمامي وبوسط سرايا عرابي بيه، لقد فهمتم شرطي خطأ ونسجتم من بعدها ما نسجتموه ، أنا لا أرغب بزوجة ثانية عندما أقول وافقت على الزواج من زوجة إبن عمي ستكون هي الأولى والأخيرة، كان شرطي مختلفًا تمامًا، نعم وافقت عليها ولكن هل هي ستوافق عليّ وان لم توافق ماذا ستفعلون؟".
رد عمه محمد بقوة:
" لا يحق لها الرفض ما دامت الأولى والأخيرة حتى وإن تم ارغمها إما أن توافق وإما…
علا صوت البدري ليخيف من حوله بقوله:
" لااااااا، إلى هنا وحسب سايرتكم بالعقل والمنطق ولكن إن أتينا للحقوق والشرع فأنا خصيمكم كالعادة، هذا كان شرطي الذي لم تعطوني الفرصة للتفوه به، سأتزوجها إن وافقت ورضت هي عن طيب خاطر وإن لم يحدث وتم رفضها سنضعها على رؤوسنا ولا يحق لأحد ارغامها على حق أعطاه الله لها".
اومأت فهمية رأسها قائلة:
" ومن قال لك أنني سأرغمها أو أرضى بمخالفة شرع الله بأرضه، إن رفضت لها ما أرادت ليعوض الله علينا ولكني سأحاول إقناعها بموافقتها عليك".
ردت ناهدة:
" أخشى أن تقيم الأفراح والليالي الملاح فهل مثل إبن عمي البدري يرفض رحمك الله يا أخي".
اختنق البدري من أحاديثهم تحرك قائلا:
" سأجري اتصال مهم وأعود إليكم".
ترقب محمد ابتعاده والتهاء حسين وسيد بزوجاتهم ليبدأ حديثه إلى فهمية بصوت منخفض:
" أكثري من مهرها حينها لن تستطيع الرفض".
صمت محمد ناظرًا للبدري الواقف بعيدًا بحقد قائلا في نفسه:
" فليخفف من ماله قليلا أقترب على التقاعد من كثرة ما تحمله اكتافه من ثراء".
كانوا يتحدثون ويخططون وهم لا يعلمون أن ما خشوا وتخوفوا منه أصبح حقيقة حين بدأت العيون تحتاط بفاطمة صاحبة الجمال والعمر الصغير، لم يتوقع بغدادي أنه سيتلقى طلب ابنته الأرملة قبل البكر حين أتى جاره أبو عصام لطلب يد فاطمة لابنه الذي يعيش بالإمارات منذ سنوات ليرد بغدادي على جاره قائلا:
" فاجأتني بطلبك وخاصة أن عصام لم يدخل دنيا بعد يعني أنه لم يتزوج من قبل وابنتي".
رد ابو عصام على جاره قائلا:
" أنت تعلم أنه كان يريدها قبل المرحوم ولإعاقة يده وأنه بوقتها لم يكن بالقدر الكافي".
قاطعه بغدادي قبل أن يكمل حديثه:
" لا تظلمنا أنت تعلم رفضنا حينها لأجل فارق التعليم بينهم هي هندسة وهو تعليم متوسط بجانب أن الفتاة لم ترغب به، صلت واستخارت و اخبرناكم ردها وقتها"
رد ابو عصام على البغدادي :
" وها هي لم تكمل تعليمها، اصبحوا متقاربين وأيضا إن وافقت عليه سيأتي ليستقر بيننا لقد وعدني بهذا كما انه سيلبي لها ما تطلب يكفي أن توافق عليه لنفرح جميعا بجمعهم".
وأمام إصرار الجار لم يجد بغدادي سوى اخباره أنه بعرض الأمر على ابنته وبالأخير هي صاحبة القرار.
عاد بغدادي ليخبرهم بأمر العريس صرخت شهرزاد قائلة بنبرة ضاحكة:
" عصام إبن ام عصام لا وألف لا، مستحيل والله انتحر قبل أن يحدث هذا، لا يمكنني أن أعيش معه بمنزل واحد".
رد بغدادي ضاحكًا على حالة شهرزاد قائلا:
" يريد ان يتزوج من فاطمة ويعود ليستقر ببلده ويعتني بها هي و أولادها".
حكت شهرزاد فروة رأسها بخجل قائلة:
" هل كان لأختي، والله اخجلتموني الآن".
ضحك والدها على تعقيب زوجته:
" لا تقلقي سأخللكِ بجانبي".
انقلب المجلس للضحك بعد أن قالت شهرزاد:
" ما رأيك يا أبي في أن تذهب وتحدثه ليغير رأيه ويطلبني بدل اختي والله سأصبح علكة بفم الحي".
رد بغدادي بضحك:
" والله تخليلكِ أكرم بكثير من أن تتزوجي بشخص دون شيء لا عقل ولا اخلاق ولا كلمة".
ردت أمال على زوجها:
" دعونا منه لا اريد لاحد ان يخبر فاطمة بالموضوع كي لا تتذكر المرحوم".
صمتت العائلة وكأن شيئًا لم يكن عادت توته بصحبة أولادها من الخارج ليحكي كلا من باهي وهادي عن جمال لعبهم بالحديقة مع اصحابهم القدامى.
أما شهرزاد فكانت بالداخل تنظر لمرآتها بعقل شارد بأسئلته:
" لماذا لم يطلبني أحد؟، هل أنا قبيحة أم سيئة يخشوني".
راجعت نفسها لتدافع عن روحها:
" عن أي قبح وسوء أتحدث أعوذ بالله أنا فقط لم يأتي من يستحقني".
ابتسمت بعدها برضا:
" الحمدلله على نعمة الكمال والجمال".
تحركت لتخرج من درج مكتبها كتاب جديد لرواية جديدة بعنوان:
" الوحوش المستذئبة".
استلقت على فراشها مصطحبة هاتفها معها وهي تقول بنبرة ضحك مختلطة بالسخرية:
" على حظي ونصيبي أصيب جميع الرجال بالعمى فهل يترك قمر مثلي هكذا، حسبي الله أصبحت أخجل أمام أهلي فليأتي غير المناسبين كي اتعزز عليهم بالرفض ولكن النتيجة صفر عيب والله عيب بحقي".
شردت من جديد لتتذكر أحاديث اختها عن الاهتمام بالنفس والمظهر الخارجي ضاق صدرها قائلة:
" وما به مظهري كان سابقًا ناقصًا واكملناه، الندم أولى خطوات الاكتئاب والفشل ما دمنا اكملنا النقص فلا داعي للتفكير انا اثق بمن كرمني وعوضني سيكرمني بشخص من روحي يفهم علي ويفكر مثلي جاد، قوي، صادق، ليس له بأمور الشباب الفارغة، قليل المتطلبات كي لا أرهق وراءه".
فكرت شهرزاد قليلا لتفتح هاتفها كاتبة على موقع جوجل:
" ما هي صفات الرجل القوي".
لتجد الاستماع الجيد من أهم صفات الشخصية القوية، حدثت نفسها:
" هذا جيد عليه أن يصغي لي كي لا نتشاجر من اول يوم".
ثم قرأت بعدها أن لا يطلب الاهتمام من احد، ابتسمت قائلة:
" ممتاز انا غير متفرغة لاهتم بأحد يكفيني نفسي كلا منا يهتم بنفسه".
ثم عادت لتقرأ يتعامل بلطف مع الآخرين يقابل القسوة باللين، ابتسم وجهها من جديد قائلا:
" نعم هذا هو فلا داعي أن ارتبط برجل كلما شددت عليه حزن وغضب وخاصم عليه أن يكون لين ويتقبل عصبيتي"
عادت لتقرأ العطاء بسخاء دون انتظار مقابل، رفعت يدها وحكت فروة رأسها بسعادة حدثت نفسها بها:
" الله ما أجملها من صفة، أعود من العمل أجده حضر الطعام ونظف المنزل وجمع الملابس من على حبل الغسيل، الله اتضح أن القوة جميلة".
عادت لتقرأ بشكل سريع نقل السلام لمن حوله، الحرص على التعبير بالامتنان، التميز والقدرة على ضبط النفس، تشجيع الآخرين ومساعدتهم، أنهت القراءة وهي تومئ رأسها برضا وسعادة قائلة:
" لقد قررت اما أن يكون رجلًا قويًا وأما إن ابقى بمنزل أبي دون زواج، ليس لدي روح للتدلل والطلبات والأحلام".
قلبت بهاتفها لتتجول دون اهتمام بين مواقع التواصل كالفيس بوك والانستجرام وصولا للواتس اب ليقودها فضولها لفتح الحالات وخاصة حالة استاذها لترى ما نشره، فاتحة فمها وهي تقرأ بها:
" أنتظر أن يأتي اليوم الذي اصبح به شهريار حياتها أنام على الفراش طوال اليوم وهي تهتم بطعامي وشرابي وملاذي تقرأ الروايات وتحضر المفاجأت وتأتي بآخر اليوم لتخبرني أنها قامت باعمالي نيابة عني بعد أن رأت كم تعبت طوال يومي وانا آكل و أشرب و أستمع للحكايات"
أغلقت الهاتف قائلة لنفسها:
" اللهم لا تبتلينا بما لا نستطيع عليه صبرًا، ماذا سأفعل أن أخذت رجلًا كل حلمه أن يصبح شهريار عصره و زمانه".
صمتت قليلا لتعود بحديثها مع نفسها:
" هل عليّ شكر أمه يا ترى أم أنني أرسل لها هدية خاصة تعبيرًا عن امتناني لما حدث".
ابتسمت مكملة:
" توبة استغفر الله في ماذا كنت سأسقط أنا".
فتحت هاتفها بوجهها السعيد لتقرأ الحالة مجددًا متفاجئة بنشر حالة جديدة لم تتعدى الثواني:
" اقترب اللقاء واقترب معه تحقيق الأحلام لينعم شهريار بنعيم شهـ .. ، جنته".
لم يكمل باقي اسمها و لكن كتابته لأول حرفين منه جعلها ترتبك وتتحرك من مكانها جالسة على ركبتيها وهي تنظر للهاتف قائلة بصوت مفزوع: " هل كان سيكتبه!!".
……
حدث ما لم ينتظره أحد في الصعيد حين توفى شيخ العائلة والمأذون الشرعي بالمنطقة، حزنت عائلة العرابي على فقيدهم ، تحدثت فهمية لابنتها قائلة:
" رحمه الله كان رجلًا طيب وصاحب حق".
ردت ناهدة على أمها قائلة:
" كان انتظر قليلا ليكتب عقد زواجهما ويتوكل على الله بعدها".
وبختها فهمية على مزاحها بأمر كهذا:
" استغفر الله ماذا تقولين أنتِ؟، الإنسان يحزن ويتذكر آخرته ويفكر ماذا ان كان مكانه هل أدى ما عليه من واجبات وفروض أم أننا نسعى ونلهو بدنيا واهية".
ردت ناهدة بضيق:
" مزحنا لم اقصد شيء لا داعي لكل هذه المحاضرة، هل صحيح انهم سيأخرون طلب فاطمة لأجل الوفاة".
تنهدت فهمية قائلة:
" نعم العرف والحياء يقول هذا، كنت افكر كيف سأفتح الموضوع معها الحمدلله انه سيتأخر عدة شهور حتى يتوجب علي قول ما سأقوله".
ردت باستغراب على أمها:
" هل تخافين منها؟".
ردت فهمية على ابنتها:
" استغفر الله العظيم عن أي خوف تتحدثين هل أنا صغيرة لأخاف، ليس خوف يا بنتي ولكنه ألم و وجع لا يعلمه سوى الله، تعتقدون أن قول هذا سهل علي، أسلم زوجته ومن عشق روحها لغيره بيدي، حتى قوله بيني و بين نفسي يشعل النار بصدري ، أعلم أنها ستحزن ومن الممكن أن تقاطعني ولكني والله ما أردت إلا الخير لها ولأولادها تعتقد أن والديها سيدومون لها والحقيقة إن دام والدي لدام غيره عليها، تستتر و تستند بظهر قوي حكيم يعينها على مشوارها الطويل الثقيل منه يكون سند للأولاد وقلب حنون عليهم ان ذهب البدري وتزوج غيرها نحن من سيخسر رجل كالذهب مثله".
اومأت ناهدة رأسها بغير رضى:
" نعم حتى انه خسارة فيها هي لا تستحقه عزائي الوحيد انه سيهتم بأولاد أخي ويأتي بهم أمام أعيننا، هو يرفض الآن معه حق الرجل تخوف من دلالها ولكني أثق به هو من سيهذب ما فشل أخي في تهذيبه".
تحدثت فهمية قائلة:
" أتعلمين كم فرحت برفضه واستنكاره للعرض".
قاطعاتها ناهدة متسائلة:
" هل فرحتي لرفضه! كيف أنا لا أفهم ألستِ أنتِ صاحبة الفكرة؟".
ردت فهمية بنار قلبها على ابنها:
" نعم أنا صاحبة الفكرة وانا من أرغمه عليها ولكنه ان وافق أو أبدى ردة فعل مختلفة عن ما ظهرت عليه كنت خشيت على الأولاد ولكنه اثبت لي حبه لأخيه وأولاده محاولا ان يفعل لهم أي شيء دون زواج".
زفرت ناهدة قائلة:
" تعجبت منكِ هل تريدين زواجهم ام رعايته لهم دون زواج؟".
ردت فهمية لتجيب ابنتها:
" اتركيها على الله وكلته حملي وهمومي هو أعلم بنا منا يكتب لنا كل خير فلا أحد لنا غيره".
أنهت ناهدة مكالمتها الهاتفية مع أمها وتحركت لتخرج من جناحها الخاص، نادتها جميلة فور رؤيتها لها كي تقترب وتجلس بجانبها، وبالفعل جلسا بجانب بعضهما لتبدأ جميلة حديثها قائلة:
" خير ما بكِ كنتي بحال أفضل قبل قليل".
ردت ناهده عليها بحزن:
" وهل تركت لنا خير من يوم دخولها عائلتنا ونحن لم يأتنا من ورائها خير، حتى امي نجحت بسحرها وجرها خلفها".
ردت جميلة بذعر:
" أعوذ بالله انقبض قلبي لما قلتيه، وماذا سنفعل هل ستأتي للسرايا لتنهينا نحن أيضا".
_ " من ستنهي؟، انتظري لتري أقسم لأجعلها تندم على ما فعلته بأخي، ستتذكر أيامها مع أخي نادمة على سيطرتها عليه".
دعت جميلة بخوف:
" اللهم احفظنا، ما بكِ يا ناهدة والله انقبض قلبي اكثر كيف للإنسان أن يصبح بوجهين لهذه الدرجة يعني لولا كلامك في المرة الماضية ما كنت سأصدق أن هذا الوجه الجميل يحمل خلفه أعوذ بالله شيطان رجيم".
نجحت ناهدة بإقناع سلفتها جميلة بسوء فاطمة زوجة اخيها متمنية بنهاية حديثها أن يتزوجها البدري لينقذ أولاد أخيها منها، يربيهم ويكبرهم على الرجولة والقوة ويعلم امهم أن الدلال الزائد يضر المرء.
تبادلوا تخيلهم للبدري وهو يغضب عليها ويسن الأوامر والقوانين ليجبرها على القيام بها دون أن تراجعه مثلها مثل أفراد العائلة، أنهت جميلة حديثهم قائلة:
" لا تخافي البدري سيشفي نار قلبك ويرد لكِ حقك انتظري لتري".
مرت الأيام بسرعة أكبر مما يتوقعوها لتمر سنة وعدة أيام على وفاة مدحت تمكنت توتة من استجماع قوتها كما استمرت خلالها بالاهتمام بأولادها قرة عينيها.
فاجأتهم فهمية بزيارتها الثانية لهم ليفرح الأولاد برؤية جدتهم التي تعمدت الوصول دون موعد كي ترى الوضع دون تجمل أو تكليف كما فعلت بأول مرة قبل أربعة أشهر.
رحب الجميع بها وأكرموا ضيافتها هي وابنتها الصغرى، نامت فهمية ليلتها محتضنة أحفادها محاولة استنشاق ربيع ولدها بهم.
فاجأتهم في اليوم التالي بإصرارها على العودة وأخذهم معها ليكملوا تعليمهم وحياتهم بمنزل أبيهم وسط عائلتهم وأرضهم.
شرحت توته صعوبة الوضع كما شرح بغدادي هو أيضا سبب رفض ابنته ورغبته في بقائها بجانبه، ظل يحكي لها عن مدرسة الأطفال الخاصة و دروسهم القريبة منهم واصدقائهم لتنفجر فهمية من ضيقها قائلة:
" بصراحة وبدون لف ودوران حول الموضوع أتيت هذه المرة لغرض ما أو يمكنكم أن تقولوا أتيتكم كمرسال خير".
استغرب الجميع من حديثها لتستفسر توتة عن أي خير تقصد بحديثها، لتكمل فهمية وهي تنظر لبغدادي وأمال قائلة:
" ما سأقوله ليس بسهل على قلبي وجرحي ولكنه الأفضل لنا جميعا بالمختصر المفيد أراد البدري إبن عم أولادي الزواج ولم يجد أفضل من ابنتكم لهذا ارسلني لطلب يد فاطمة ابنتي له على سنة الله ورسوله وأنا أراه مناسبا لها ولأولاد أبني رحمة الله عليه، انا اعلم به أكثر من غيري لقد كبر هو وابني على يدي لهذا استطيع ان اضمنه لكم، الرجل لا يعيبه شيء وهبه الله ما يقربه من الكمال في أخلاقه ورحمته وكرمه وحكمته وقوته ومكانته".
لم تصدق توته انها ستتلقى عرضا كهذا فبالامس كانت تبحث له عن عروسة والآن أصبحت هي المطلوبة.
ردت على فهمية لتخبرها بعدم رغبتها في الزواج ليتحدث بغدادي مؤكدا على ما قالته ابنته مضيفًا لفهمية قائمة أسماء ووظائف من جاؤوا ليطلبوا منه ابنته للزواج و هي رفضت رفضًا تامًا و منهم أناس ذي دين وخلق.
أعتقد البغدادي انه يريح قلبها بهذا الحديث، ولكنه أشعل نار الخوف بقلبها لتستمر بالشكر في البدري والإيجابيات التي ستعود على الأولاد وهم يكبرون بحضنه وبقوته وحكمته كما ضمنت لهم محافظتها عليها والتصدي لأي أحد يقف أمامها ويحزنها.
استمرت توته بالرفض المختلط بالبكاء لتعطيها فهمية فرصة أخرى للتفكير بعرضهم، اعترضت شهرزاد على ما تفعله فهمية فكانت أكثرهم حدة بالرد عليها والدفاع عن اختها وحريتها بالاختيار.
أضافت شهرزاد قائلة:
" القوة والمال والسرايا الكبيرة ليست هدف أو غرض لدينا، حين تقرر توته الزواج من المؤكد أنها ستتزوج ممن تراه مناسبًا لها وفي نفس مدينتها كي لا تضطر مرة أخرى للذهاب معه لمكان لا ترغب به، نحن لا نقيس أمور حياتنا المصيرية بالأموال والمكاسب، توته قدمت بالجامعة وبالفعل ستبدأ استكمال تعليمها الشهر الجاري ومن ثم ستكمل إعادة بناء حياتها من جديد، وكما قال والدي اتاها ثلاث عرسان اخرهم منذ عدة أسابيع كان موظف كبير بقطاع البترول وامي حاولت إقناعها به ولكنها لم ترغب بأي منهما، جرحها لا زال حي ينبض لنتركها تعيش حزنها حتى تتعافى منه وتنهي دراستها ولهذا الوقت أولادها سيكونون تعافوا هم أيضا من المهم، وحينها إن رغبت بالارتباط يحق لها الموافقة على من تراه مناسبًا لها أولا ثم لأولادها لأنها هي من ستعيش معه ما تبقى من حياتها، وهي أيضا من سيهتم بأولادها ولا تستطيع الاهتمام بهم إلا وهي تشعر بالأمان والاستقرار النفسي والعاطفي".
لم تستمع شهرزاد لكلام أمها و محاولاتها لاصماتها كي لا تكمل حديثها القوي الثقيل الحاد إلا بعد رؤيتها لبكاء فهميه أمام ما سمعته.
سحبت أمال ابنتها نحو المطبخ متحججة بالضيافة لتقول لها فور وصولهم واغلاق الباب عليهم :
" هل ارتحتي الآن، كسرتي قلبها وابكيتيها".
ردت شهرزاد بغضب:
" هل سمعتي ما قلته أنا ونسيتي ما قالته هي؟، أحلال عليها وحرام علينا؟، جاءت لتعرض علينا بيع أختي الابدي دون تفكير بجرحها وما يريحها اهم شيء الأموال والسرايا حتى لا اعتقد الأولاد يهموها هي تريد الأموال فقط ألم تتذكري ما سبق وركضها خلف هذا الرجل لتزويجه ابنتها المريضة".
تحدثت أمال بقوة :
" ضعي لسانك بفمك لا اريد ان اسمع صوتك حتى تذهب ضيفتنا، هل سمعتي ضيفتنا وقبل ان تكون ضيفتنا فهي أم المرحوم الذي كان بمكانة ولدي، هل هذا حقه علينا بعد موته هل سنقلل أدبنا مع أمه!".
ردت شهرزاد مدافعة عن نفسها:
" أنا لم أقلل أدبي وإن كررت حديثها سأكرر حديثي لها".
ردت أمال على ابنتها بغضب:
" لا اريد سماع شيء منك ستخرجين خلفي لتعتذري منها وتقبلين رأسها، أنا لا أقبل ذهابها من منزلنا وهي مكسورة وحزينة".
ردت شهرزاد على أمها:
" سأخرج خلفك ولكني لن أعتذر عن خطأ لم اقترفه انا محقة فيما قلته".
اقتربت أمها منها رافعة يدها لتمسكها من ربطة شعرها بقوة قائلة:
" أقسم بالله إن لم تعتذري سأحرمك من الذهاب لعملك أسبوع كامل حتى شهر لتعلمي كيف تتحدثين مع الضيوف".
حررت شهرزاد شعرها من يد أمها وهي تقول لأمها: " وما دخل عملي بحديثنا".
تحركت أمال وهي ترد على ابنتها:
" تعلمين جيدًا عدم تراجعي عن قسمي هيا حسني شعرك واخرجي خلفي كي لا نتأخر عليهم".
عادت أمال للصالون وبيدها صينية ممتلئة بأنواع مختلفة من الفاكهة ابتسمت بوجه ضيفتهم قائلة:
"بغدادي اشترى الكيوي والكرز مخصوص لأجلك".
ردت توته وهي تحنو على ظهر فهمية:
" نعم اشتراه مخصوص لأجلك كما كان يفعل مدحت رحمه الله عند قدومك إلينا".
فرت دموعها من عينيها مجددًا جففت منبعهم دون رد فهي تعلم ان أي كلمة ستخرج منها سيتبعها بكاء لا أول ولا آخر له.
حاولت فهمية بقدر المستطاع الظهور بتماسكها وقوة تحملها وصبرها، اقتربت شهرزاد منها وقبلت رأسها وهي تحنو على ظهرها متأثرة بحالتها المنكسرة الضعيفة فحتى وإن كانت فهمية تريد إخفاء حزنها إلا أنه كان واضحا عليها وضوح الشمس.
فما أصعب من فقد الأم لوحيدها وسندها وروحها بهذه الحياة، تحدثت شهرزاد قائلة:
" أعتذر منكِ إن كانت طريقة حديثي احزنتك، أردت أن أوضح لكِ عدة أمور هامة ولكن خانني التعبير، كان علي أن أتحدث بشكل أفضل".
نظرت أمها لها بقوة لتقطع شهرزاد حديثها مقبلة رأس فهمية مرة أخرى:
" أنتِ غاليتنا ولا يمكننا أحزانك".
ردت فهمية عليها:
" سلمتي يا إبنتي لا عليكِ لم يحدث شيء".
و بعد مرور اقل من ساعة وصلت سيارة خاصة لتأخذ الحجة فهمية وتعود بها للصعيد بعد أن رفضت ركوب القطارات والطائرات.
لم يكن الوضع هين على قلب أم مكلومة على ولدها، ذهبت متأملة بموافقة توته و رجوع أحفادها لحضنها ولكنها عادت بنار مشتعلة تأكل قلبها حزنًا على ابنها وكأنه اليوم فارقها، كان حديثهم عن من يتقدمون لطلب فاطمة يرن بأذنها ليزيد من لهيب نارها، هذه النار التي ارقدتها بفراشها أسبوعا كاملا عم به الصمت والزهد عن تناول الطعام.
مما جعل ناهدة تخرج عن صمتها وتتصل بزوجة أخيها لتعاتبها على ما فعلوه بأمها محاولة فهم ما حدث بمنزلهم لتعود أمها إليهم بهذا السوء.
اتهمتها بحب النفس وعدم التفكير بأولادها، زادت ناهده من غضبها الذي افقدها صوابها حتى أصبحت تتحدث بلسان عائلتها وكبيرها وهي تبلغها أن هناك عدة قرارات وصلوا إليها وعليها الاختيار بين اثنين إما الموافقة على البدري والقدوم للعيش بينهم، وأما أن تحرم من الميراث هي وأولادها ويقطعون المصروف الشهري عنهم لتضطر حينها لتنزل للعمل كي تستطيع رعايتهم.
غضب البغدادي مما قيل لابنته، تحدثت شهرزاد قائلة:
" ظهر الحق هذا ما كنت أنتظره، لقد رفعوا قناع الطيبة والحنان من على وجوههم".
ردت أمال بحزن:
" مؤسف عليهم هل هذا جزاء الإحسان".
تحدثت توته بقوة غير معهودة عليها قائلة:
" لا أريد شيء منهم فليذهبوا هم و أموالهم، انا اعرف كيف انفق على أولادي لن نموت دون أموالهم سأبحث عن عمل و …
لم يسمح بغدادي لها أن تكمل حديثها قائلا:
" هل ستحتاجون لغيري وأنا على قيد الحياة، ناهيك عني أنتِ تعلمين بما لديكِ في حسابك بالبنك من وديعة مغلقة مناصفةً بينك و بين اختك، ستبقين بمنزلي دون أن تفكري بأي مال أو مصروفات ما دمت حيًا وان أراد الله وأخذ أمانته ستجدون ما يستركم و يعفكم عن الحاجة للغير من بعدي".
مر يوم صعب على توته والعائلة التي لم تتوقع خذلانًا كهذا من عائلة مدحت.
فكيف لكبير العائلة أن يفعل بهم هذا بعد أن رأوه ولمسوا به وفي باقي العائلة بذرة طيبة حسنة، كيف للبدري الخلوق المحب لأخيه المرحوم أن يفعل هذا بأولاده ويأكل حقهم، طعنتهم ناهدة بكرامتهم وكأنهم بحاجة لأموالهم أو أنهم سيبيعون ابنتهم تحت هذا التهديد الرخيص الذي لا يمت للعائلة بصلة.
لم تتحسن فهمية بل زاد مرضها من شدة حزنها وانغلاقها على نفسها وسوء معاملة فاطمة لها دون تبرير واضح لهذا.
توالت عدة أيام أخرى ذهبت شهرزاد لعملها كعادتها اليومية، وقفت تجمع أغراضها مع قرب بدأ المحاضرة، تحركت لتخرج من باب المكتب وهي منشغلة بترتيب الأوراق خاطبها حدسها انه هناك ظل شخص يقترب منها رفعت نظرها قليلا متحركة جهة اليسار لتفادي الاصطدام إذ بها تتفاجأ بذلك الشخص تحرك معها لنفس الجهة و بتلقائية تحركت للجهة الأخرى لتجده يتحرك معها ابتسم وجهها و
هي تقف مكانها مرحبة به:
" حمدا لله على السلامة".
أجابها بوجهه الفرح وعينيه المشتاقة إليها قائلا: " الله يسلمك، كيف حالك هل كل شيء على ما يرام".
اومأت رأسها بردها:
" بخير الحمدلله شكرا لك ، وأنت؟".
_" أصبحت بأفضل حال الآن، جئت قبل يومين ولكني لم أتوقع أنكِ ستكونين أستاذة كسولة بهذا الشكل".
ابتسمت شهرزاد بجوابها:
" نعم هذا ما حدث تغيبنا يومين دون أن نتخطى حد الكسل".
ضحك شريف قائلا:
" لا زلتي كما أنتِ لا يستطيع أحد مغالطتك".
سألته بوجه مبتهج:
" كيف حال زيزي هانم هل هي بخير، اعتقد انها اكثر من فرح بزيارتك".
نظر لعينيها بفرح قائلا:
" لا ليس بزيارتي بل بعودتي فأنا كما أخبرتك اكتفيت بالزمالة البحثية وعدت لأكمل رسالة الدكتوراة بجامعتي".
_ "جميل فرحت لأجلها وفقك الله وكتب لك النجاح بإذن الله".
همت بخطواتها الأولى مستأذنة منه للذهاب لعملها لتجده يقف أمامها من جديد، تغيرت ملامح وجهها متسائلة:
" هل تريد شيئا؟، كان لدي محاضرة مهمة تأخرت عليها ان لم تريد مني شيء فسأذهب إليها".
تنحى جانبا مفسحا لها الطريق وهو يفتح ذراعه لها قائلا:
" امرك يا مولاتي غزو مبارك ان شاء الله".
استغربت مما قاله اختارت الصمت والتحرك السريع للابتعاد عنه كي لا يسوء الوضع وخاصة أن أعين المارة علقت على حالته الغير منضبطة، حدثت نفسها بسيرها:
" كانت حالات الواتس اب أهون بكثير، كيف سنتعامل معه وقد فقد عقله تمامًا".
شاء الله بأقداره أن يستمع البدري للحوار الذي دار بين ناهدة وجميلة دون أن ينتبهوا عليه، فعندما كان بطريقه للصالون ليتحدث معهم طالبًا مساعدتهم سمع اسم زوجة مدحت ملحق بتوعد ناهدة لها، ركز بحديثهم ليتفاجأ بها و هي تقول
" لم تنتهي أموالهم بعد انتظري لم يمر سوى أسبوع واحد على مكالمتي الشديدة معها، سترين بعد شهر على الأكثر ستغير رأيها وتعود لتتودد لنا وليس بغريب أن جاءت متحججة بزيارة أمي كي تعرض نفسها على ابن عمي مجددًا".
ردت جميلة عليها بحزنى
" يا ليتك لم تشاركيني الحديث كيف سأخفي عن محسن ما قلتيه أقسم إن سمع أحدهم ستكون العواقب وخيمة".
ردت ناهدة بغرور:
" أنا لا أخشى أحد سأجعلها تأتي إلينا خاضعة رغما عنها، هل يرضيكِ ما وصلت له امي من حال ستذهب المسكينة من بين يدينا".
بطئ البدري من خطواته ليستمع لناهدة:
" وإن استمرت برفضها سأجعلهم يقطعون عنها المال كما هددتها لترى أن اللعب معنا ليس بسهل".
ردت جميله بحزن:
" حرام مؤسف على الأولاد اتركيها يا ناهدة على راحتها، اتصلي غدا بها واصلحي ما قلتيه لها، يمكنكِ أن تقولي لها بأن رجال العائلة اجتمعوا وقرروا أن يرسلوا لكِ الأموال بشرط عدم زواجك مرة أخرى وبهذه الحالة حميتي نفسك من مشكلة كبيرة أنتِ بغنى عنها وأيضا حميتي أبناء اخيك من زواج امهم".
فكرت ناهدة قليلا قائلا بعدها:
" أنتِ محقة ان علم أحد بما قلته ستكون ليلة سوداء لا نهار لها وانا لا اريد مشاكل من تحت رأسها، سأفكر بحديث قوي يخرجني مما قلته وبنفس الوقت يمنعها من الزواج مجددا".
لم تنهي ناهدة كلامها حتى تفاجأت بالبدري يقف أمامها قائلا:
" هل هددتِ زوجة المرحوم بمصروف أولادها يا ناهدة؟".
فزعت ناهدة من مكانها، ردت جميلة بسرعة:
" أنا لا دخل لي بهذا، علمت به للتو وإلا أنا لا أرغم أحد على الزواج ولا أقبل بهذا".
اقترب البدري خطوات من ناهدة مقطبًا حاجبيه: "هل ساومتي بين زواجها بي وحقهم الشرعي".
تحدثت ناهدة مدافعة عن نفسها:
" فعلتها لأجل أمي وما فعلوه بها جاءت من القاهرة تتمنى الموت على الحياة، لا يحق لها رفضك سنحاول جميعا الضغط عليها لتأتي لتعيش بيننا لأجل الأولاد، نعم لأجل الأولاد سنقطع الأموال وصلتنا أيضا اذا لم تأتي لتعيش هنا".
قاطع حديثها بغضب شديد:
" بشرع من سترغميها على الزواج بي؟، كيف تفكرين أنني سأتزوج بامرأة لا تريدني هل جننتي؟، لا أصدق أنكِ فعلتي هذا بهم، لا أصدق، ماذا أقول لأقول؟، ولكن لنرى ماذا سيفعل سيد بعد معرفته بما فعلتيه ومن ثم نتحدث نحن إن لم يدرك هو قدر ما فعلتي و يحاسبك عليه".
تحرك البدري بغضبه مبتعدا عنهم.
لتبدأ ناهدة حديثها:
" أرأيتي بنفسك، ألم أقل لكِ غمامة سوداء تصيب من يقترب منها".
اختنق البدري بما سمع قرر أن يذهب للقاهرة كي يعتذر من عائلة البغدادي بنفسه فهذه الأمور لا يمكن أن تحل باتصال هاتفي، ذهب لمنزل فهمية ليتحدث معها ويشكوا لها ما فعلته ابنتها ليجدها بصفة غاضبة على ابنتها وهي تقول:
" لهذا غيرت الفتاة معاملتها معي وانا من فسرها على هواي".
طلب البدري من فهمية أن لا تتحدث مع زوجة مدحت حتى يذهب هو غدا للاعتذار منها ومن والدها لأن ما فعلته ناهدة عيب بحق والدها قبل ابنته وكأنهم يقولون له إنك لا تستطيع إطعامهم ورعايتهم.
وافقته فهمية الرأي متأملة أن يحدث أي شيء يعيد فاطمة عن رفضها، وبعد صلاة الفجر توكل البدري على الله استقل سيارته مصطحبا معه سائقه الخاص وأبنائه رافضا تركهم خلفه بعدما سمعه بالأمس.
وقبل خروجه من الصعيد طلب من سائقه أن يأخذه للمقابر أولا ليكون اللقاء على غير العادة حين خجل البدري من رفع عينه أمام قبر أخيه معتذرًا منه على تقصيره بحق أبنائه وأعطاه وعد أمام الله أن لا يتكرر ما حدث مع زوجته أو أولاده.
بهذا الوقت المبكر وعلى مائدة الفطور قبل خروجها لعملها وقفت شهرزاد أمام أبيها تطالبه رفض استقبال البدري بمنزلهم.
عارضها الجميع فحتى وإن كانوا سيئين لا يمكنهم أن يكونوا مثلهم، عادت شهرزاد بالتحدث محاولة اقناع أهلها برفض استقبال هذا الرجل المتغطرس محذرة والديها أنهم لن يخرجوا من هذا اللقاء إلا بالإهانة والتطاول، كما أنهم بغنى عن سماع ما يفور دمهم ويحزنهم.
ورغم إيمانهم بما تقول شهرزاد إلا أن أباها أصر على استقباله قائلا:
" ليأتي لنرى انا لست صغير لأخاف من مواجهته ومواجهة عشر من أمثاله، انا اعلم جيدا كيف اوقفه عند حده واجعله يندم على زيارته لنا، انتظروا لتروا و تتعلموا كيف تقفون بوجه من عاداكم وتخرجوا حقكم منه، أم انكم تعتقدون أنني قطعة لحم سهل التهامها وهضمها بسهولة".
اتصلت شهرزاد بمكتب أستاذ نديم لتقدم اعتذارها عن القدوم للجامعة بهذا اليوم، كان من حظ شريف الرد عليها وسؤالها بصوته المتذمر عن سبب تغيبها.
خجلت من نبرة صوته ناظرة لقرب ابيها منها لترد بتحفظ شديد:
" لدينا ظرف عائلي خاص جدًا، اشكركم لأنكم تفهمتم الأمر".
لم تعطيه الفرصة لإطالة الحديث كانت تتحدث بجدية كبيرة جعلته يغلق وهو يستغرب حالتها.
حضرت أمال واجب الضيافة لأجل مدحت كما قالت لزوجها حين طلب منها تحضير البط وطاجن البامية بالعكاوي و فتة الأرز بالمكسرات لأجل المرحوم، كما خرج بغدادي ليشتري عدة أنواع مختلفة من الحلويات.
غضبت شهرزاد مما يحدث حولها حتى توته تحركت لتحمم الأطفال وتلبسهم أفضل ما لديهم ليظهروا بأحسن حالتهم أمام كبير عائلتهم.
تحدثت أمال لابنتها قائلة:
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، نحن سنعمل بأصلنا ونرفع بقدرنا قبل قدره".
لم تقتنع شهرزاد بكلامهم ليرتسم غضبها وحدتها على وجهها وحاجبيها المقطبين وهي تفتح الباب معتقدة أنه أباها، تفاجأت بوصول ضيفها الذي صُدم من حالتها واستقبالها له بقول:
" أهلا بك لم نتوقع وصولك بهذا الوقت المبكر، استأذنك ستنتظر لدقائق حتى أخبر أبي بوصولك"
اومأ رأسه بعينيه المخفضة:
" اعتذر منكم يمكنني أن أذهب وأعود بالوقت المتاح لكم".
جاءه صوت بغدادي من خلفه مرحبا به:
" اهلا بك يا بني حمدلله على السلامة".
اقترب بغدادي من ابنته واعطاها الأكياس التي بيده ليعود ويقترب من ضيفه ليسلم عليه ويسحبه للداخل: " تفضل، تفضل".
اغلق بغدادي الباب خلفه وهو ينظر لابنته الواقفة بجانبهم قائلا:
" اذهبي وادخلي ما بيدك لأمك".
تحركت شهرزاد وتركت ما بيدها في المطبخ لتعود بسرعة كي تجلس بجانب ابيها لتدافع عنه وكأنها بساحة حرب، تحدث البدري لنفسه قائلا: " كان الله بعونك يا اخي كيف تحملتها كل هذه السنوات، الحمدلله الذي نجاني تبقى القليل على لكمها لي".
تحدث بغدادي ليسأل عن أحوال الحاجة فهمية، طمأنه البدري على الجميع، عاد ليخطف النظر نحو من تجلس بجانب أبيها منتصبة بحدة وقوة قائلا لها:
" كيف حال الأطفال هل هم بخير؟، اشتقت لهم أعلم أنني مقصر بحقهم كان عليّ أن آتي من قبل للاطمئنان عليهم".
لم تفهم شهرزاد لماذا يوجه لها الحديث ليكمل البدري قائلا لها:
" كما تعلمين كنت انا وأخي مدحت روحين بجسد واحد ما يصيبه يصيبني وما يفرحه يفرحني وأيضا ما يحزنه يحزنني".
ردت شهرزاد بنفس غضبها الذي حملته بقلبها قائلة:
" لا داعي للشرح رأينا هذا بأم أعيننا".
جاء بغدادي ليوقف ابنته عن التحدث لولا ان بادر البدري بحديثه قائلا:
" أنتِ محقة بكل ما ستقولينه، حقك على رأسي يا أم أولادنا بل حقك على رؤوسنا جميعًا".
نظرت شهرزاد لأبيها الذي قاطع البدري ليقول: " لا ليست هي".
بهذه اللحظة وصلت توتة للصالون ممسكة بولديها ليكمل حينها بغدادي حديثه وهو يشير بيده نحوها قائلا:
" اعرفك على فاطمة ابنتي و زوجة المرحوم إبن عمك".
رفع البدري عينيه على استحياء ناظرًا لزوجة مدحت ليتفاجأ بها بل لتتفاجأ هي به، تغيرت نظراتهما لبعضهما البعض كلا منهما لا يصدق ما يراه .