احكي يا شهرزاد
بقلم أمل محمد الكاشف
نظر شريف لأمه بثبات و صمت اضفى عليه من مفاجأته، تحركت أمه و أعادت جهاز التحكم بشاشة التلفزيون لمكانه دون أن تعطي اهتمام لمن تسمر بمكانه للحظات وقتية تحدث بعدها بصوت أُخفض من مفاجأته متسائلا:
" هل شهرزاد من انقذتك ؟".
اومأت أمه رأسها متحدثة بصوت سُرع قليلا:
" نعم ذهبت إليك بعد أن أخبرني والدك بانضمامه لطعام عمل مهم وقلت لنفسي فلنخرج سويا لنزيل المشاحنات السلبية التي أصبحت تتفاقم كلما تقابلنا، وبصدفة كبيرة بعد أن أغلقت أمان السيارة رأيتها تشتري زجاجة ماء فتحتها لتشرب بجوار ماركت صغير، بدون مقدمات لا تسألني عنها ذهبت واعتذرت منها عن ما صدر مني بيوم المنتدى، وأثناء حديثنا حدث ما حدث تفاجأت و تسمرت بمكاني لتسحبني هي كما أخبرتك حتى انتهى الامر و تدخلت الشرطة".
تقدم من أمه خطوتين ليتحدث بقلق:
" كيف اعتذرتي منها وماذا كان ردها على اعتذارك، هل وضعت عليكِ الحق أم أنها بعثرت الوسط ".
تحرك مبتعدا عن أمه بضيق وغضب :
" ولماذا فعلتي هذا لقد أُغلق الموضوع منذ فترة طويلة ما كان عليكِ أن تفتحيه وتخجليها من جديد، وطبعا كان ردها قويا أو كاد أن يكون غاضبا لولا حدوث الفوضى".
ردت امه بهدوء:
" بالعكس تماما وجدتها تفاجئني بمبادرتها بالاعتذار مني على ما صدر منها بآخر مقابلة دون وجه حق، زادت على هذا بأن تشكرني عليك لأنني سبب بوجود شخص جيد مثلك، طبعا وهذا صحيح فمن أين سترى مثلك أدب وأخلاق واحترام ".
رفع شريف حاجبه باستغراب لتكمل أمه:
" والآن سأترك عليك أمر الاطمئنان وإيصال سلامي وشكري لها".
رد شريف على أمه:
" من الجيد حدوث هذا كي لا نترك لأحد حق لدينا، لا داعي لاتصالي وتدخلي أو حتى إعلامها بمعرفتي للحادث ليبقى ما بينكم خاص بكم، لا يمكنني أن أظهر لها معرفتي ما حدث بيوم المنتدى سيكون غير لائق وجارح بالنسبة لها لهذا لن أتحدث معها".
سألته أمه: " ألم تفرح؟".
رد بسرعة:
" أكيد طبعا فرحت ولكن فرحتي الأكبر كانت بعودة أمي لأحقاق الحق، هذا الاعتذار جيد لكِ أكثر من أي أحد اخر كان يتوجب الاعتذار وحدث ، حتى انني أجد حديثنا الهادئ فرصة جيدة لأعلامك بقراري أتمنى ان تجلسي وتسمعيني دون أن تحزني فأنتِ من سيساعدني بأقناع أبي به ".
_" لا يوجد قرارات ولا شيء اتركنا من هذه المصطلحات وبالنسبة لأبيك فهو ليس لديه مانع
أنا من كان يعارض فكرة زواجكم ولكن من بعد الآن تستطيع الذهاب إليها وطلبها من جديد "
فاجأها بإجابته عليها:
" لا الموضوع ليس له علاقة بشهرزاد هذه الصفحة أُغلقت تماما بالنسبة لي فليكرمها الله بأفضل مني ".
و بنبرة اعتراضية ردت أمه:
" لا يوجد أفضل من ابني ".
ابتسم بحزن ملأه الحب:
" طبعا فأنا إبن السلطانة زيزي الحلو ".
سحبها من يدها وأجلسها بجانبه ، قائلا:
" أعلم رأيكم بهذا الموضوع وتعلمين كم تمنيته وتنازلت عنه بالسابق لأجلكم، ولكن الآن أريد أن أخوض التجربة وأامل بأن توافقوني ولا تقفوا أمام قراري ".
ردت زيزي باستغراب:
" أي قرار عن ماذا تتحدث أنا لا أفهم عليك ؟".
رد بعد صمت:
" سأقبل عرض أستاذ عاطف نبهان لأسافر وأدرس بالجامعة التي يُدرس هو بها كي احصل على الدكتوراه من هناك وبعدها أخضع لعدة تدريبات تؤهلني للعمل بالجامعة التي يعمل بها".
تحدثت بنبرة رجت فؤادها:
" هل اتصل عاطف بك مجددًا، وأيضا، أنت لديك عملك الذي تحبه وجامعتك وأصبح لك أصدقاء وطلاب يحبوك وتحبهم ".
_" جميعنا يعلم قدر هذا العرض وأنه فرصة ذهبية لم تعرض على غيري بسهولة ، العمل هناك لا يساوي أي عمل من حيث المركز والمقابل المادي ".
أجابته بسرعة قاطعة حديثه:
" المال ليس كل شيء، لدينا ما يكفينا لتحقيق أحلامنا ومرادنا".
تحدث شريف ليقنعها:
" نعم أنتِ محقة ولكن ما تقوليه عكس ما سمعته منك سابقا من تأمين مستقبلي وحياة جيدة آمنة لأبنائي ومع ذلك كله أنا لست بصدد أن أدخل بخلاف معكِ لأن المال ليس مسعاي الوحيد ولكني فكرت بالارتقاء العلمي والعملي والفرق بين ما أنا به وما يمكنني أن أصل له، وجدت أنه لا منطق برفضي فرصة كهذه ".
سألته بعيونها الحزينة:
" ونحن ألم تفكر بنا، لمن ستتركنا وترحل عنا لتؤسس لنفسك حياة بعيدة كل البعد عنا ، أبناءك، زوجتك، مسكنك هل ستحرمنا منهم جميعا ".
اجابها بإصرار:
" هذا أفضل لنا جميعا ولكني أريد منكِ إلا تحزني وتساعديني بفتح الموضوع مع ابي وإقناعه به ".
ردت زيزي و هي تقف محاولة إغلاق الموضوع:
" تأخر الوقت ادخل لتنام الآن وغدا نتحدث من جديد ".
تركته هذه المرة فعليًا ذاهبة لغرفتها وكلمات زوجها تتردد بأذنها:
" أقول لكِ أنتِ على حافة خسرانك لابنك فكثرة الضغوط ستخرج ما يفاجئك وتندمين عليه".
ذهب شريف هو أيضا لغرفته حاملا احزانه بقلبه مؤكدا لنفسه أن قراره هو الأفضل وهذا ما كان عليه فعله منذ لحظة تخرجه.
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
تجهزت شهرزاد كي تذهب لجامعتها بعد ان ودعت توته قبل سفرها للصعيد مجددًا، دخلت من البوابة الكبيرة لتراه أمامها قد سبقها بعدة دقائق قليلة، نظرت نحوه من الخلف وهي تتذكر حديثه المحزن بالأمس.
مدت بخطواتها لتلحق به وقد حدث ما ارادته حين أصبحت بموازاته ، تحدثت لتعلمه بوجودها:
" صباح الخير ".
ورغم حزنه الذي أقسم فؤاده أدار شريف رأسه ليجيبها بوجه ابتسم وابتهج فور سماعه صوتها:
" صباح النشاط ".
ردت شهرزاد بابتسامتها:
" وأين النشاط بتأخري عن المحاضرة الأولى".
نظر امامه قائلا:
" هل سرقت الرواية الجديدة النوم من عينيك؟".
أجابته بسرعة:
" يا ليته بهذا الهدوء، لا لن اظلمها بصراحة كانت توته بزيارة لدينا وتأخرنا بنومنا ولم أستطع أن أخرج بالصباح قبل أن تذهب هي كما نعلم جميعا السفر وتجهيز الحقائب يحتاج لوقت وجهد وإن كان ذلك قليل".
وباستغراب نظر لها متسائلا:
" حقائب و سفر إلى أين؟".
ابتسمت لتخبره بوجهها وصوتها الذي سحره:
" ألم تعلم أنها انتقلت للعيش في الصعيد بعد أن توفى والد مدحت وأصبح لا عائل لأمه وأخته سواه ".
رد باندهاش:
" ومن أين لي ان أعلم إذا لم تخبريني أنتِ، كان يتوجب عليّ الاتصال به لأداء واجب العزاء ولكني لم افعلها لعدم علمي بذلك".
دافعت عن نفسها:
" مر على وفاته عدة شهور تقريبا بعد العملية، لا كان هذا زفاف ناهدة. نعم لم يكن بعد العملية لأني أنهيت الامتحانات وبعدها بوقت قصير مرض وتوفى ، لا اكذب عليك كان صيفا غريب الأطوار لم يترك شيء إلا واغتنم نصيبه منه".
سألها باهتمام قائلا:
" بمناسبة العملية هل كل شيء على ما يرام، صحتك وألم الجرح الذي كان يضغط عليكي بالبداية".
_ " الحمدلله يعود من الحين للأخر ولكني أفضل بكثير الحمدلله ".
وصلا لمبنى الإدارة نظر لها متحدثًا:
" الحمدلله حفظك الله وأتم شفاكِ على اكمل وجه، و الآن سأترككِ كي لا تضيع عليكِ المحاضرة الثانية ".
_ " هل سنجتمع بعد انتهاء محاضراتي لأجل كتاب أستاذ نديم كي لا يحزن ويشعر انه عبئ علينا ".
اومأ رأسه
" أنتِ محقة تمام أنهي محاضراتك وأنا سأنهي بعض الأوراق ونرى بعدها ما نستطيع فعله عليّ أن أعمل معكم بشكل مكثف كي تكون ذكرى صغيرة مني قبل ذهابي".
طالت نظراته لها حين طال انتظاره لردها الذي خرج من كلاهما على هيئة نظرات وداع.
وبعد مرور الوقت اجتمعا بجانب استاذهم ليبدأوا بنشاط بحثهم وتدوينهم لكل مهم، استمتعت واستفادت من خبرة اساتذتها لينهي نديم جمعتهم بهذا الوقت طالبًا منهم أن يعيدوها بشكل يومي قبل سفر أستاذ شريف.
نظر نديم لشهرزاد مكملا:
" أرأيتي كم هان عليه جامعتنا ويريد تركنا بعد أن ارتبطنا بوجوده، كان بودي معارضته لولا إني رأيت قراره صائبا فعرض كهذا يستحق السفر والغربة لبناء مستقبل علمي كبير يستطيع بعده العودة والجلوس على مقعدي من بعدي".
رد شريف على أستاذه:
" لا أحد يمكنه ملأ مكانك، شكرا على دعمك وتحفيزك لي وكما قلت لك لن تتخلص مني بسهولة سنبقى على اتصال دائما وفور زيارتي لبلدي سآتي إليك على الفور".
_ " قالها الكثيرين من قبلك وفور سفرهم نسوا كل شيء ومع ذلك سأتذكرك دومًا بكل خير".
ظلت شهرزاد تتابع حديثهم بصمت دون أن تؤيد أو تعارض فما قاله استاذها عن قيمة عرض سفره لجمها وجعلها تقتنع بفائدة سفره واغتنام فرصة ستفيده في حياته العملية كثيرا لتسقط بعدها بين قلبها وعقلها.
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
تحدثت أم سيف لزيزي بعد معرفتها بقرار شريف قائلة:
" أنتِ تعلمين جيدًا رأيي بهذا الموضوع فإن كان الامر بيدي كنت سأجعله يسافر بعد انتهائه من جامعته مباشرةً ".
ردت زيزي بضيق:
" أصبحت أنا السيئة من جديد، أنا من يقف امام حبه ومستقبله ، إن كان كذلك سأصمت و أتركه ليفعل ما يريده حتى يمكنه الذهاب والاستقرار دون رجعة فلينسانا كي ترتاحوا جميعا ".
جاءت مديحة أم سيف لترد عليها وتهدئها لتبادرها زيزي بحديثها السريع:
" سأغلق الان ونكمل بوقت آخر".
وأغلقت الهاتف لتبدأ بكائها الحارق لقلبها المحب لوحيدها.
صادف بكائها عودة أمين من عمله قائلا لها ما احرق فؤادها أكثر:
" لا تبدئي من الآن اتركي القليل لنتشارك فيه بعد ذهابه ".
قالها تاركًا الغرفة مانعًا نفسه من أن يتأثر بحالتها، فلقد قرر أمين ترك ابنه هذه المرة دون أن يتدخل بقراره المصيري، فإن كان نجاحه ومستقبله بمكان اخر لن يمانع ولن يقف أمامه وهذا ما نبه وشدد على زيزي القيام به كي لا يعود مستقبلا بعتابهم وتحميلهم ذنبه .
توالت عدة أيام كان شريف يستبق الوقت ليسرع بذهابه للجامعة كي يستمتع بآخر لقاءاتهم لتفاجئه هي بإخراج دفترها قائلة:
" أتيت بقصتي الجديدة معي لأجل أن أسطر بها المزيد من الأحداث مر وقت كبير على آخر مرة كتبت به ".
أراد أن يستمع لها وهي تقصها عليه طالبًا منها طلبه الأخير ولكنه خاف من نفسه على نفسه فهرب متحججا بانشغاله قائلا:
" جميل سررت لأجل هذا بالتوفيق لكِ، اترككِ لقصتك وأذهب أنا لأعمالي".
……….
سخرت شهرزاد من أحوال القدر وخاصة عندما اتصلت زيزي الحلو لتطمئن عليها لثاني مرة بنفس الأسبوع لتضحك هي قائلة:
" نصلح البنطلون ينقطع الجاكيت، نذهب لإصلاح الجاكيت يعود البنطلون ليغار من الجاكيت فيُقطع، بأي شيء سقطت أنا هل زيزي الحلو هي من كانت تتحدث وتضحك معي منذ قليل أم أصبحت أتوهم وعليّ أن أعرض نفسي على دكتور نفسي ".
رن هاتفها لتنظر له من بعيد قائلة بضحك:
" والله عليٌَ أن أخاف، هل تخطط لخطفي وذبحي".
تحركت لتأخذ هاتفها من أعلى مكتبها لتنظر للمتصل قائلة: " أميرة أختها".
فتحت الهاتف لتعبر لأختها عن مدى اشتياقها لها لتتفاجأ بصوت توته يصل لها قبل أن تنطق بحرف قائلة:
" هل اتصلت أم شريف بكِ، كيف حدث ومتى وبماذا تحدثتم ، انتظري لماذا أنا آخر من يعلم بهذا ؟".
ظلت شهرزاد تستمع لأختها حتى صمتت توته مناديه عليها لترد هي:
" اتعلمين لولا كلامك هذا كنت صدقت انه كان حلم ".
ردت توتة:
" هل تريدين أن تتهربي مني ، أخبرتني أمي أنها اتصلت بكِ احكي لي ما دار بينكم ".
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
جلست زيزي في الصالون وهي تتحدث بهاتفها قائلة:
" نعم تحدثت معها أخبرتني أنها بخير وكل شيء على ما يرام سعدت لأجلها ".
ردت أم سيف لتقول لها بنبرة مبطنة بالسخرية: " ليهدي الله سرك ".
كانت تريد أن تغضب عليها ولكن الأمر ليس بيدها فهناك من يجلس بعيدا يمثل عدم انتباهه ولكنه يستمع لها بتركيز عالي.
أكملت زيزي حديثها:
" نعم كما قلتي أنتِ سابقًا الفتاة جيدة وتمتلك أم ذات روح جميلة احببتها كثيرا اعتقد انها تشبه شهرزاد بجمالها ".
و باستغراب ردت أم سيف:
" تشبه شهرزاد بجمالها ؟! ".
اجابتها زيزي:
" من ينادي عليكِ هل عاد أخي ، تمام اذهبي له بالأصل لا شيء مهم كنت أريد أن أخبرك عن ما دار بيننا ".
ضحكت مديحة قائلة:
" لا تقلقي سأحجز لكِ جناح فاخر بالعباسية سيعجبك كثيرا حتى أنني سأوصيهم عليكِ اذهبي انتِ ولا تحملي هم ".
ابتسمت زيزي بغيظ كاد أن يخرج على وجهها:
" في امان الله ارسلي سلامي لأخي ، تصبحون على خير".
نظر شريف داخل كتابه وهو يحاول منع فضوله الذي أكل داخله من معرفة ما حدث بالمكالمة الأولى بينهم .
تحركت زيزي لتذهب للمطبخ مبتعدة عن عين ابنها و هي تقول لنفسها :
" هل وصلت للعباسية، ساريكم من منا سيذهب إلى هناك".
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
ذهبت شهرزاد للجامعة صباح يوم جديد مهتمة بمحاضراتها ومن ثم مساعدة أستاذ نديم وحدها بعد ان تغيب أستاذ شريف عن مجلسهم لأجل إنهائه بعض الأوراق، توقعت عدم رؤيته تحدثت مع نفسها قائلة:
" من الجيد حدوث هذا، مرة أخرى القدر يلعب لعبته ويفرض علينا ما لا نتوقعه لعله خير لا يقدر الله لنا سوى الخير ".
وفي نهاية اليوم الدراسي تجهزت كي تخرج من الجامعة لتجده يدخل من البوابة الكبيرة وهو مشغول بهاتفه دون أن يلاحظ مرورها البعيد عنه .
عادت لمنزلها جالسة بجانب والديها لتشرب الشاي بعد تناولهم طعامهم بشكل عائلي مستمتعة لحديث أمها عن ابنة عمها الكبيرة، وبوسط حديثهم تفاجأت شهرزاد باتصال والدة شريف بها استغربت كثيرا فلقد حدثتها صباح الأمس القريب واطمأنت عليها ماذا حدث لتتصل من جديد.
تحدثت أمال بفرح:
" ردي عليها بسرعة كي لا يكون عيبًا علينا ".
فتحت شهرزاد هاتفها لتجد زيزي تتحدث بصوت فرح قائلة:
" مساء الخير، ما الأخبار هل كانت أمورك جيدة اليوم ؟".
ردت عليها بنفس دهشتها واستغرابها قائلة:
" مساء النور بخير شكرا لكِ".
تحدثت زيزي من جديد :
" لن أطيل عليكِ أعلم أن الوقت متأخر ولكني اردت مساعدتك بفكرة غريبة طرأت على عقلي وتحمست لها ".
استغرب شريف من صوت أمه العالي وهي تسير في ممر الغرف تحرك ليخرج من غرفته ليرى ما سر هذا الصوت؟.
بهذا الوقت ردت شهرزاد:
" لا لم يتأخر تستطيعين الاتصال بأي وقت".
ردت زيزي بفرح:
" جميل استمعي لي جيدا وفكري بما سأقوله وأعطيني رأيك بالفكرة سواء ستساعديني بها أم لا ".
تحدثت شهرزاد وهي تحاول ان تبعد رأسها عن رأس أمها التي حشرت اذنها بسماعة الهاتف:
" على الرحب والسعة تفضلي اسمعك جيدًا".
ردت زيزي بحماس شرحها لها:
" فكرت ان اصنع ترند خاص بمتجري يكون مواكبًا لهوى الشباب ملابس راقية بنكهة شبابية مطرزة عليها عبارات وكلمات لها معنى وعمق كبير ، ان اعجبتك الفكرة أريد منكِ أن تكتبي لي هذه العبارات والجمل العميقة والخاصة لمتجرنا".
دخل شريف غرفته من جديد تاركًا الباب مفتوحًا كي يتمكن من سماع المكالمة دون أن تكتشف أمه وجوده.
ردت شهرزاد بوجه فرح على زيزي:
" جميل جدا فكرة رائعة رأيت البعض يفعلها بأعياد الميلاد والتخرج ولكنها ستكون مميزة لو تم إنتاجها بشكل مدروس على قطع مميزة، وأكثر ما أعجبني انها ستكون مطرزه لأن الطباعة أصبحت سهلة وتقليدية أما الطرز اعتقد انه سيكون خاص إلى حد كبير".
ردت زيزي بحماس و فرحة أنستها خطتها وما جعلها تتحدث بهذا المكان خصيصا:
" فرحت انها اعجبتك، هل ستساعدينني بها؟".
اجابتها شهرزاد بحماس:
" بكل سرور يمكنني كتابة ما تريدين حتى فكرت ان اكتب عدة أشياء مختلفة وأنتِ تختارين منها ".
و بنفس فرحتها و صوتها العالي ردت عليها:
" تحمست كثيرا الآن ما رأيك أن تزوريني بعد الغد بالمتجر الخاص بي لنختار سويًا الموديلات وما يناسبها من عبارات ".
ردت شهرزاد بفرحة مشابهة: " اتفقنا".
لكمتها أمها بكتفها لتنتبه على وعدها قائلة:
" ولكن عليّ أن أرتب ذلك مع أمي وأراجع جدول محاضراتي ومن ثمَ أؤكد عليكي الموعد".
_" تمام سأتصل بكِ غدا لنرى متى سنتقابل".
أغلقت الهاتف بفرحة غمرت قلبها،
استدارت لتنظر نحو باب غرفة ابنها المفتوح قائلة لنفسها: " انتظر لترى ما سأفعله ".
و تحركت نحو الصالون ليستغرب شريف من حالتها فكر قليلا مع نفسه قائلا:
" بماذا تفكرين يا أمي هل تعتقدين أنني طفل سأتعلق بهذا التقارب والود، مع الأسف لا زلتي تعتقدين انها السبب بسفري".
أتصل سيف به في هذه اللحظة فتح هاتفه قائلا:
" أتيت بوقتك تعال لترى ما وقع به أخاك".
ضحك سيف معقبًا:
" أعتقد أنني سمعت بعضه منذ لحظات هناك مشاريع جديدة تظهر بالوسط ".
رد شريف بقوة ضيقه:
" أنا لم أقرر السفر لأجل شهرزاد ولن الغيه لنفس السبب، أن كان يحق لأحد أن ألغي سفري لأجله سيكون الأولى أن يكون لأجلهم هم وليس غيرهم ".
_ " شريف أعتذر منك معي اتصال مهم جدا سأرد عليه وأعود إليك ".
……….
حزنت توته حزينة لوجوب سفر مدحت للقاهرة مرة أخرى لأجل أن ينهي أوراقه بوظيفته السابقة ويستلم مستحقاته التي خرجت من حقه أخيرًا.
تحدثت بحزن:
" إن كنت أعلم أنك ستعود كنت بقيت هذا الأسبوع بجانب أمي لقد حزنت كثيرا عند ذهابي".
_ " ومن أين لي ان أعلم بهذا رايتي بنفسك أخبروني اليوم فقط بضرورة الذهاب لهم قبل نهاية الأسبوع ".
تحدثت فهمية:
" ليكن طريقك مفتوح يا ولدي ، زوجتك محقة بحزنها الطريق طويل والذهاب والعودة ليست بسهلة لو كنا نعلم بهذا ما كنت قبلت عودتكم قبل إنهاء عملك كله".
ضحك مدحت بجوابه عليهم:
" وكأني لأول مرة سأسافر، هل نسيتم أن دراستي كانت بالقاهرة وكل أسبوع أو عشر أيام اعود للصعيد بناء على شرط أبي، كانت طاقتي تنفذ وحين تحزن أم مدحت وتدافع عنه ينزل العقاب على المنزل كله".
ردت فهمية على ابنها:
" سامحه يا بني كان يشد عليك لأجل أن يخرجك رجل تتحمل المسؤولية، وبجانب أنه كان شديد عليك يخاف أن يتركك فتذهب دون رجعة، ورغم خوفه وشدته إلا أنه سقط القدر واستقريت بعيدا عنا بعد ان جاءك تعيينك هناك".
رد مدحت:
" رحمة الله عليه ، طبعا اسامحه فرغم شدته التي تحكي عنها إلا أنه كان يخاف عليّ ويفكر بمستقبلي وما سيبقى لي بعد رحيله، أتمنى ان أؤمن مستقبل أولادي كما أمن هو لنا حياتنا وجعلنا مستورين خلفه".
ردت توتة :
" كان يحب الأولاد يغضب ويخرج عصبيته على الجميع إلا هم ".
ابتسمت فهمية:
" كيف يغضب عليهم وهم روح من روحه الدنيا كلها بكفة وباهي وهادي بكفة أخرى، كان يضحك فور ذكر اساميهم ويقول لي اتصلى بهم ليستمع لهم و يتكلم معهم ".
_" نعم وهم أيضا كانوا يحبونه ويتصلون به".
تنهد مدحت بحزن:
" رحمك الله يا أبي ويرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه ".
ردت فهمية وتوته قائلين: " آمين ".
تحدث مدحت بغير رضا:
" إلى متى سنترك هنادي على ما هي عليه، علينا أن نمنعها من اللعب مع الأولاد أصبح خطر عليها كلما رأيتها حزنت كيف ستتزوج وهي بهذا العقل ".
ردت فهمية بحزن أكبر:
" أنت تعلم مشكلتها وما تأخرت عن جيلها به، أفكر كثيرا كيف ستدخل بعائلة غير عائلتها وتتحمل مسؤولية الزواج ، ماذا سيحدث بها بعد رحيلي".
_" حفظك الله يا أمي جعل الله يومي قبل يومك، لا تقلقي أنا خلفها ولكني اريد ان افصلها عن الأولاد وبنات عمي محمد الصغار، حتى علينا أن نختار لها صحبة أكبر منها لتنضج وتتعلم معهم ".
رن هاتفه أخرجه من جيبه ناظرًا للاسم قائلا:
" إبن حلال كنت سأتصل به ".
وفتح هاتفه ليستمع للبدري:
" أنا بالخارج انتظرك أمام الباب ".
تحرك ليذهب للخارج قائلا:
" ولماذا تنتظرني بالخارج تفضل يا أخي".
_ " لا سأعطيك العسل الجبلي واذهب بعدها على الفور تأخرت على الأولاد اليوم ".
خرج مدحت من منزله مقتربًا من سيارة البدري ليفتح الباب الامامي بجواره جلسًا عليه مغلقة خلفه، ضحك البدري قائلا:
" ما بك أقول لك تأخرت على الأولاد ، ما رأيك بأن تأتي معي نسهر ونتحدث براحتنا من الواضح أنك تحمل الكثير بجعبتك".
تحدث مدحت بوجه غريب:
" لا لن اطيل عليك بالحديث سأسافر غدا للقاهرة لإنهاء أوراق مستحقاتي".
رد بدري بجدية:
" وأخيرا ستحصل عليهم مبارك عليك ، أريدك أن تبدأ بالبناء فور عودتك تأخرت كثيرًا به أم أعجبك بقائك بمنزل والدك!".
_ " والله لم اشتكي من الوضع حتى توته تأقلمت وتعايشت معهم بشكل لم اتوقعه على الإطلاق وكأنها تزوجت بينهم ".
رد بدري برضى:
" ليهدي الله سركم و يديم سعادتكم ، ولكن عليك ان تطلق سراحي الآن وأعدك أن نكمل حديثنا على الهاتف ".
تحرك مدحت لينزل أقدامه من السيارة، توقف واستدار ناظرًا لابن عمه:
" انتبه لنفسك ولأولادك حفظك الله لهم ".
نزل من السيارة مترددًا في ترك بابها قبل إغلاقه منحنيا بعدها لينظر للبدري داخل السيارة قائلا:
" أولادي وأولادك أخوة سنكبرهم كما حلمنا وكما كبرنا نحن على المحبة والخير".
ضحك البدري على حديثه:
"من الواضح أنني سأنام لديكم اليوم ، هيا يا أخي الجميع ينتظرني لنأكل سويًا تأخرت عليهم".
اغلق مدحت الباب ملوحًا له:
" تمام سأطلق سراحك لتكن بأمان الله ".
أدار البدري سيارته من جديد وتحرك مبتعدًا عن ابن عمه وهو ينظر بالمرآة الامامية عليه، رفع هاتفه واتصل من جديد به قائلا:
" ما بك هل ضايقك أحد ؟".
رد مدحت :
" لا يوجد شيء بالعكس فرحت كثيرا لأجل استعادتي لحقوقي بالشركة ".
أومأ البدري رأسه:
" يمكنني تناول الطعام معهم وأعود إليك لنتحدث وأودعك قبل سفرك".
ضحك مدحت بجوابه:
" ما دخلي بك اذهب وتحدث مع أولادك واتركني أنا لأودع زوجتي".
اجابه بدري:
" من أعطاك يعطينا، أذهب و ودعها كما يحلو لك واتركني لاستقبل أولادي ها أنا وصلت لباب السريا ".
رد مدحت عليه:
" بأمان الله وحفظه مع السلامة ".
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
خرج شريف من غرفته كي يتحدث مع أمه ويرجعها عن ما تقوم به، لمحت زيزي خيال ابنها يقترب من الصالون لتغير حديثها مع زوجة أخيها قائلة:
" اتفقنا إذا متجري مكان مناسب ليروا بعضهم، حتى أنني سأطلب منه البقاء قليلا وآخذ رأيه بما ستكتبه ليكون فرصة أكبر لتحدثهم مع بعضهم".
ردت مديحة عليها:
"هل عدنا للجنون من جديد".
استكملت زيزي حديثها وكأنها لم تستمع لما قالته مديحة، قائلة:
" سأكون مرتاحة وراضية إن تم الأمر سامر شخص راقي ولا يتخير عن شريف مال وجاه وتعليم عالي، لا اعتقد انها سترفض عريس بهذه المواصفات وعندما تعرف أنني من رشحها له ستتأكد من حسن نيتي اتجاهها".
سألتها مديحة باستغراب:
" عن من تتحدثين أنا أول مرة اسمع عن سامر هذا ".
ردت زيزي بثقة كبيرة:
" اتفقنا سأتواصل معكِ غدا لأخبرك بموعد قدومها والباقي عليكِ".
تقدم شريف خطوات نحو أمه وهو يستمع لأنهائها لمحادثتها، نظرت زيزي بوجهها المبتسم لابنها قائلة:
" لا يمكنني وصف فرحتي، ان نجحت بتنفيذ ما أحلم به في الموديلات الجديدة سيكون نجاح وإضافة للمتجر غير مسبوق".
سألها شريف بفضول:
" و هل شهرزاد وافقت على مساعدتك بها ".
ردت زيزي على سؤال ابنها بسؤال آخر
" هل كنت تستمع لمحادثتي معها أم هي من أخبرك بهذا".
رد شريف باستغراب
" كيف ستخبرني ونحن لا نتواصل على الهاتف وخاصة بهذه الفترة، أمي كان صوتك مسموع بالقدر الكافي، أعلم أنكِ تفعلين هذا كي أغير رأيي بالسفر رغم معرفتك أنكِ عندي أغلى من أي شخص اخر يكفي أن تقولي لا تسافر وأبقى معنا وأنا سأتخلى عن حلمي مرة أخرى لأجلكم، لا أريد إدخالها بهذه الأمور".
ردت عليه مدافعة عن نفسها:
" أنا لا ادخلها بأي شيء اردت مساعدتها و هي وافقت، لا تقلق سأجعلها تسامحني من أعماق قلبها البنت جيدة كما كنت تقول وأنا سأقدم لها ما تتمناه وترضاه، انتظر لترى أن ما سأفعله لا علاقة له بك، سأعتبره اعتذارًا قويًا عن ما صدر في الماضي وشكر كبير عن المستقبل، أما بالنسبة للسفر فأنا لا أريد الوقوف أمام نجاحك أهم شيء بالدنيا هي سعادتك".
امتلأت عينيها بالدموع الحزينة تحركت لتهرب من أمامه قبل بدأ بكائها وقهرها على سفره.
حزن شريف على حالتها وبكائها تحرك وعاد لغرفته مشفقا على حالتها وحزنها، لم يستطع نوم ليلته من التفكير بها وبالعريس الغامض ظل على هذه الحالة حتى صلاة الفجر ليقوم ليؤدي فرضه.
تفاجأ بأمه تبكي في الصالون بصوت حاولت كثيرا اخفاضه كي لا يسمعها أحد، ارتعد قلبه من رؤيته لها بهذه الحالة و وضعها يدها على فمها بجسدها الحزين الذي كان يشاركها حزنها وبكائها.
اقترب منها ومال عليها ليقبل رأسها مخفض يدها من على فمها وهو يحتضنها ويحنو على ظهرها، ليزداد صوت بكاءها واحتضانها له.
ادمعت عينيه من شدة حزنها فهو الذي لا يتحمل كسرها واحزانها فكيف سيتحمل انهيارها خلفه.
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
توكل مدحت على الله وشد الرحال ليبدأ رحلته الطويلة بالقطار، اتصلت زوجته به أكثر من مرة لتطمئن عليه.
استقبلت أمال زوج ابنتها فرحة بقدومه و وصوله للقاهرة بالسلامة.
وضعت أمامه طاولة مملؤة بالأطعمة الشهية ليأكل مدحت حتى أشبع بطنه ثم استأذن لينام كي يستيقظ باكرًا لينهي الإجراءات بأول اليوم ويعود للبلد.
دخل غرفة التلفزيون لينام فور وضعه رأسه على وسادته.
مكثت شهرزاد في غرفتها بعد مساعدة أمها في المطبخ لتدرس ما تراكم عليها من محاضرات محاولة التميز في حصولها على أعلى التقديرات برسالة الماجستير الخاصة بها.
رن هاتفها لتجد زيزي تتحدث معها لتتفق على موعد لقائهم متعمدة في رفع صوتها كي يسمعها ابنها ككل مرة.
أغلقت هاتفها ممسكة قلمها لتكتب في دفترها عدة عبارات صغيرة ذات عمق و جمال.
أراد شريف أن يراجع أمه بما تفعله ولكنه صمت وعاد لشرفة الصالون الداخلي ليجلس بها وحده شارد بعمق.
تجهز مدحت في الصباح ليذهب لإنهاء الأوراق سريعًا ويعود بنفس اليوم للصعيد، عكس شهرزاد التي بدأت يومها بسعادة كبيرة متحمسة باللحظة التي ستنهي محاضراتها المهمة ذاهبة بعدها إلى متجر زيزي الحلو لتشاركها ما كتبت متمنية إعجابها بهم.
أمتنع شريف هذا اليوم عن الذهاب للجامعة واشغل وقته بالذهاب لعدة متاجر ليشتري ما ينقصه في سفره.
مر الوقت لتأتي اللحظة المرتقبة، قامت زيزي مرحبة بشهرزاد بشكل مختلف تمامًا عن أول لقاء لهم في نفس المكان منذ قرابة العام.
ترقبت زيزي وصول ابنها لرؤية العريس المنتظر لتثبت لمديحة أنها على حق ولا يوجد أحد يفهم على ابنها بقدرها.
مر الوقت وانتهى دون وصول شريف، استأذنت شهرزاد لتعود إلى منزلها قبل تأخر الوقت أكثر، أصرت زيزي على إيصال شهرزاد إلى منزلها تعبيرًا على شكرها لمجهودها بالكتابة واختيارها الموديلات المناسبة دون أن تتقاضى مقابل مادي لهذا معتبرة أنه شكر بسيط لما فعله استاذها معها.
عادت شهرزاد لمنزلها لتجد الأجواء غير مرضية والجميع حزين على تعنت مدير مدحت السابق معه وعدم تيسيره الإجراءات طالبًا منه عدة أوراق إضافية ستتوجب بقائه ليوم أو يومين آخرين.
تمنت توتة لو أنها بقيت بالقاهرة واستمتعت مع زوجها.
و بحزنها الذي ظهر على ملامح وجهها تابعت زيزي ما اشتراه ابنها للسفر، فآخر ما كانت تتوقعه أن يذهب ليُحضر لسفره في الوقت الذي انتظرت مجيئه للمتجر.
تحركت لتذهب إلى غرفتها متحججة بتبديل ملابسها أوقفها ابنها صدامها هي وأمين بقوله:
" حجزت اليوم تذاكر الطيران تعلمون وضع تأخري في التقديم هناك، اوصاني دكتور عاطف بأن احجز بأقرب"
أخذ أمين نفسًا عميقًا قائلا بعده:
" ليكن خير يا بني اليوم او غدًا لا فرق بينهم بالنهاية ستسافر وعليك فعلًا أن تسرع كي لا تضيع عليك فرصة الالتحاق هناك".
ظلت زيزي صامتة دون أن تشاركهم كلامهم ولا طعامهم حتى تفاجأت سناء بها غائبة عن وعيها على مقعد الصالون.
ناداتها بصوت عالي:
" زيزي هانم افتحي عينيكِ ، زيزي هانم ، أمين بيه، أمين بيه، شريف بيه".
ركضا مهرولين من غرفتهم نحو مصدر الصوت ليتفاجأوا بزيزي مغشي عليها بين يدي سناء ، أتصل شريف بالإسعاف بعد بعد أن ارتفعت نسب السكر والضغط بالدم مما نتج عنه ازدياد سرعة ضربات قلبها.
انكرت زيزي تأثرها بسفر ابنها و وضعت الخطأ عليها لأنها استهانت بمواعيد العلاج في آخر فترة وهذا ما أكده الطبيب المعالج، اخبرها أمين انه سيتحدث مع ابنه ويراجعه في سفره، رفضت زيزي هذه المرة فلا يمكنها أن تكون عائقا لنجاحه ومستقبله.
عرض شريف عليهم فكرة بقائه إن كان سيرضيهم بهذا، رفضا أبويه الوقوف أمام مستقبله ليعدهم بإنهائه الدكتوراه هناك وعودته ليعمل بها في جامعته.
بهذا الوعد بعيد المنال ودعا الابوين وحيدهم بقلوب تقطعت من حزنها، رفض شريف أن يذهبا معه للمطار وسمح لسيف فقط بإيصاله.
وصل سيف على تمام الساعة التاسعة صباحا ليصطحب شريف ليس للمطار مباشرةً بل للجامعة أولًا ليودع أحبابه قبل سفره.
نزل من السيارة قائلا لسيف:
" انتظرني لن أتأخر عليك ".
دخل بخطواته السريعة نحو مكتب أستاذ نديم داعيا الله أن لا يراها هناك.
اوصاه نديم على صحته ونفسه وتعليمه، فرح الأساتذة برؤية شريف متمنين له النجاح والتوفيق بحياته الجديدة.
خرج من مبنى الإدارة متمنيًا أن لا يراها، ليخدمه قدره بهذا حين خرج من الجامعة بسرعة هاربًا من توديعها منصدمًا بها أمامه في الخارج.
رُج قلبه وحزن لرؤيتها وهي بهذه الحالة الحزينة، لم تستطع شهرزاد التحكم بدموعها التي جعلته يقترب منها قائلا:
" لا تجعليني أندم على قدومي لتوديعكم".
مسحت دموعها التي اغرقت وجهها ليكمل هو حديثه قائلا:
" أتمنى لكِ حياة سعيدة، أتمنى ان تتذكريني دوما بكل خير".
استأذن أمام صمتها وحزنها الذي قطع فؤاده واقسمه لوجوب ذهابه للمطار قبل موعد إقلاع الطائرة بساعتين.
اومأت رأسها قائلة بصوتها الحزين:
" لا إله إلا الله، لتكن بحفظ الله".
عادت لصمتها ومحاربتها لما أراد الخروج من لسانها حين حدثها قلبها وضغط عليها كي تطلب منه البقاء لأجل طلابه و والديه ولكنها لم تتحدث وظلت على حالتها تنظر نحوه بحزن حتى ابتعدت السيارة كثيرًا.
تحدث سيف لابن عمته:
" رغم أني لا أحب الوداع إلا أنه فرض عليّ، أعلم أنه قرارك الأخير ولكني إن وجدت من ينظر لي تلك النظرات الممزوجة بين الحب والحنين والحزن اقسم أنني سأبيع الدنيا كلها لأحافظ على هذه العيون وما بداخلها من مشاعر".
_ " هذا أفضل لنا جميعا".
رد سيف وهو ينظر للطريق:
" نعم أعلم أنك اخترت الصواب وأنك لأول مرة حكمت عقلك دون أن تسمح لقلبك أن يراجعك ، اؤيدك واساندك حتى أنني أقول لك ستجدني قريبا أمامك هناك فأصبح لدينا حجة لنرى عالم جديد عنا".
ضحك شريف وخاصة عندما اتاه سؤال سيف له:
" إلا بالحق يا ابن عمتي هل بناتهم مختلفين عن بناتنا".
_ " كيف مختلفين؟".
اجابه سيف بضحكة عالية:
" لآلئ مضيئة قشطة على زبدة وعسل".
رد شريف باستهزاء:
" لا أنت بهذا الشكل تصف الشرقية في كفر عسكر".
_ " نعم أنت محق الفتيات هناك مختلفون حتى بالوصف يعني مثلا نقول عليهم نوتيلا على مولتن كيك على".
قاطعه شريف قائلًا:
" بهذا الشكل ضمنت مجيئك معي".
_ " هل لديك حقيبة فارغة لأختبئ بها ".
ظلا يضحكان حتى وصلا للمطار وجاءت لحظة الوداع التي رغم كل هذا الضحك الذي خرج من وراء قلبيهما إلا إن وداعهما كان صعبا وخاصة حين أوصاه شريف على والديه، وبنكهة حزنهم رد سيف:
" هل اهتم أيضا بشهرزاد الفتاة مكلومة وتحتاج لمن يساندها ويقف بجانبها".
أشار شريف نحو مبنى المطار قائلا بصوت جاد:
" من لحظة دخولي سينتهي ارتباطي بها فليكن طريقها مفتوح، حلال عليك أنت أحق بها من سامر".
أصبح حديثهم دون ضحك وإن أرادوا تمثيله فالقلوب حزينة بشكل كبير.
اسرع شريف بدخوله لمبنى المطار ملوحا لابن خاله لآخر مرة قبل البدء بإجراءات ما قبل صعوده للطائرة.
فرح مدحت بإنهاء إجراءاته و استلامه لمستحقاته التي سارع لإيداعها بالبنك وهو يودع أهل زوجته على الهاتف كي يلحق بالعودة.
طلبت منه أمال البقاء للغد ولكنه اخبرها بضيق وقته و وجوب وجوده غدًا صباحًا في أرضه لإنهاء اعمال مهمة وأمام ما قاله لم يتبقى على أمال سوى أن تدعو له بكل خير.
اتصل مدحت بزوجته ليطمئنها انه اقترب من المحطة وسيلحق بالقطار، طلب منها أن تعطيه الأولاد كي يتحدث معهم فلقد أشتاق إليهم نسيًا أمر وجودهم في المدارس.
اخذت أمه الهاتف بعد ان تدخلت بالحديث:
" سألت عن الجميع واشتقت لهم إلا أنا".
ضحك مدحت يقوله:
" كيف هذا اقسم انني اشتقت لمحشي ورق الكرنب المحشي بحب قلبك الكبير".
فرحت فهمية على ما قاله ابنها، قائلة:
" والله اشتقنا لكلامك واضحاكك لنا هيا تعال بسرعة وأنا سأحضر لك الكرنب حتى وصولك".
طال حديثهم الذي تنقل بين أمه وزوجته وأخته الصغيرة.
اتصل البدري واسرع مدحت بإنهاء المحادثة معهم ليرد على ابن عمه ويعود ليكمل معهم.
تحدث البدري فور رد مدحت عليه قائلا بصوت عالي:
" وصلت الشاحنة لأرضك استلمها سليمان بنفسه هو من أخبرني لا تقلق بعد ان انهي عملي هنا سأذهب لأرى سير العمل بنفسي أرتاح أنت".
جلس مدحت على مقعده في القطار مجيبًا على البدري: " سلمت يا أخي".
_" هل ركبت القطار أم لا زال أمامك وقت لهذا"
رد مدحت بسرعة:
" ركبته الآن الحمد لله لحقت به على آخر لحظة ها هو يتحرك بنا الآن ".
تمنى له بدري رحلة موفقة قائلا:
" على بركة الله تصل لنا بالسلامة إن شاء الله ، هيا سأتركك الآن لأعود لعملي كي الحق بعملك بعده ".
و بقلب ضاق من خوفه تحدث مدحت:
" بدري أولادي أمانة لديك".
استغرب البدري نبرة صوته التي لم تريحه منذ عدة أيام ليرد عليه بضحك دون إعطاء الأمر اهتمام ظاهري:
" ألا يكفيني أرضك وأيضا ستحملني أولادك، على راسي سأذهب لأخذهم من المدرسة وأوصلهم لمنزلكم كي يرتاح قلبك".
رد مدحت بجدية أكثر:
" زوجتي وأولادي وأهلي أمانة لديك إن حدث لي شيء….
قاطعه البدري هاربًا من حديثه:
" اشبهت النساء بدلالك اتركني لعملي وإلا سأترك عملك حتى تعود لترى ما لا يرضيك".
ودعه مدحت بحزن وأغلق المكالمة بآخر كلماته:
" سلام يا أخي ".
وقف البدري عدة دقائق ناظرًا لهاتفه دون حركه بعد أن شعر بضيق واختناق ضرب صدره فور إنهائه الاتصال.
فكر اكثر من مرة معاودته لولا انشغاله الحقيقي.
انتهت الإجراءات بالمطار ليصعد شريف الطائرة دون قلبه الذي تقطع وبقي نصفه بمنزله و الآخر أمام بوابة الجامعة، كادت عينه أن تدمع وهو يتذكر ودعهم، أقلعت الطائرة نحو قبلتها مسطرة بداية رحلة جديدة بعالم جديد.
صادف إقلاع الطائرة خبر إعلان القنوات المصرية والاخبارية خبر عاجل الآن:
" انقلاب قطارين أثر اصطدامهم ببعضهم ، سنوفيكم بالتفاصيل فور إعلامنا بها"
بسم الله الرحمن الرحيم
{ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ }.
نعم لكل انسان أجل و قدر، مدون بكتابه وقته المعلوم الذي يرحل فيه وحين يأتي هذا الوقت لا يستطيع بشر على وجه الأرض أن يتقدَّمُ عليه ولا يتأخَّرُ ، فلا يقع قدر إلا بأجلٍ قد قضاه الله تعالى في كتابٍ سطر منذ أن نفخ بك الروح وأنت برحم أمك.
توقف البث وخرجت القنوات ببث عاجل على الهواء مباشرةً من موقع الحدث لينقلوا للشعب المصري مأساة جديدة انضمت إلى سابقيها، تعلقت العيون الحزينة الفزعة على الشاشات بقلوب داعية ربها بالسلامة للجميع، وما أشبه اليوم بالبارحة وما أكثر من حوادث القطارات بجمهورية مصر العربية يعاقب بها القائم عليها ويتركون منظومة كاملة قديمة من الأولى تجديدها وإعادة تأهيلها من الصفر لتصبح بالقدر الآمن على أرواحنا واحبابنا.
لا ننتظر عقاب السائق أو إقالة وزير فما يخلف هذه الحوادث من جروح وآلام يستحق أن نقف ونعيد حساباتنا بالبحث عن السبب الأساسي الواضح وهو إعادة تحديث وتطوير المنظومة بشكل كامل من قضبان، وعربات، نحتاج أن نأمن على حياتنا كي نشعر بقيمتنا في بلادنا، نحتاج أن نعيش بكرامة إنسانية.
توالت الاتصالات على هاتف مدحت للاطمئنان عليه من الأهل والأحباب، أتتهم رسالة صوتية مسجلة:
" الرقم المطلوب مغلق أو غير متاح حاليا الرجاء إعادة الاتصال بوقت لاحق".
كانت لحظات حُبست الأنفاس بها وخفقت القلوب من هولها، تدافعت مشاعر الخوف والحزن والتكذيب بقلوب عائلته، الجميع يهلع راكضًا متمنيًا سماع صوته وهو يطمئنهم قائلا:
" أنا بخير لا تقلقوا عليّ" وما نيل المطالبِ بالتمني .
علقت العيون على شاشات التلفاز باحثة عنه بإحدى زوايا الحادث جالسًا دون هاتفه يحاول التوصل لطريقة يطمئنهم بها.
هرع البدري واخوته لمكان الحادث الذي وقع بالقرب من محافظة أسيوط باحثًا عن وجه ابن عمه متمنيًا رؤيته بين المصابين أو المعافين، عقله يفكر بأكثر من سيناريو جميعهم أبعد ما يكون عن حقيقة الموت
•هل نزل من القطار قبل الحادث؟
•هل فقد هاتفه ولم يستطع التواصل معهم؟
•هل فقد وعيه بين المصابين ويتم اسعافه الآن؟
•أم أنه داخل القطار حي يرزق ينتظر إنقاذه؟
و بين التمني والرجاء بدأت زوجته انهيارها وبكائها الحارق لقلبها المعتصر يا ليتني منعته من السفر، يا ليتني لم أتركه وحيدا ، يا ليتني و يا ليتني….
شاخت قلوبهم وشحبت وجوههم وانطفأ بريق عيونهم بليلة وضحاها ليكتسي منزلهم لباس الحزن والحداد بعدما وجدوا جثمان فقيدهم بين الحطام.
لم يخلو منزل متوفى من بكاء وحزن وانهيار وصرخات صامتة تكوي القلوب المكلومة، لم يخلو من دموع الأبناء، حسرة الآباء، قهر الاخوات، انقسام فؤاد الأزواج، فمهما كُتب وسُطر لا يوفي حق وصف هذا الشعور وهذه اللحظات الأولى بالليلة الأولى.
العالم أجمع ينكس اشرعته بعينك، تظلم دنياك، تسقط بوحدة عتيقة لا يوجد بها سوى جسد ينازع الحياة لأجل البقاء بجانب من كسرتهم مصيبتهم وفاجعتهم.
اغمضت توته عينيها محتضنة أبنائها داخلها خوفا عليهم مما تحمله الأيام لهم، دمعت عينيها وهي تحلم برفيق القلب يضحك وسط أبنائه، ضمتهم بحضنها اكثر لتشتعل نار قلبها بلهيب الذكريات، دوى صوته بأذنها، العين تفيض بما حملت، الجسد يرتجف بهول ما يشعر، اقتربت أمها بعيونها الغارقة بحزنهم لتميل على ابنتها تحدثها بصوتها الحنون مناجية قلبها الرحيم:
" بسم الله الرحمن الرحيم، بهدوء لا تكتمي داخلك إن أردتي البكاء فلتبكي ولتصرخي لا تحبسيها بقلبك".
اقتربت شهرزاد هي قائلة لأمها بصوت غلبه حزنها وكثرة بكائها طوال اليوم حالها حال جميع من بالمنزل يتحدثون بصوت باكي رغم جفاف أعينهم:
" سآخذ باهي وهادي ليناما بحضن جدتهم، طلبتهم منذ قليل".
وبجانب وردتها الذابلة حركت أمال يدها لتحنو على رأس توتة وهي تجيب شهرزاد:
" هل تحدثت فهمية ؟".
اومأت شهرزاد رأسها قائلة:
" نعم قبل قليل دخلت غرفتها و وجدتها تطلب الأولاد، ولكنها لم تفتح عينيها كانت تطلبهم فقط".
وقبل أن تنهي شهرزاد حديثها دخل أخوات مدحت مقتربين من الفراش ليأخذوا الأولاد لجدتهم بصمت وحزن كبير.
عيونهم من تتحدث لتجيبهم توته بعينيها سامحة لهم أخذ أولادها من حضنها متحركة بعدها على الجانب الأيمن ساحبة وسادته من جانب رأسها لتضمها داخلها بقوة أرادت بها ملأ الفراغ والنار الحارقة بقلبها، زاد بكائها حين فشلت بملئه وإخماد النار بفؤادها.
اقتربت أمها واختها منها لاحتضانها ومواساتها على ما لا تستطع عليه صبرًا، و بعد مرور عدة ساعات بطيئة ثقيلة تأبى أن تمر من مرارها، أغلقت العيون من شدة ارهاقها ونزلت السكينة والرحمة بقلوبهم لينعم الله عليهم بنعمة نوم العقول واستسلام أعضاء الجسد لهذا الفرمان الإلهي ليسكن منزل المرحوم بعدها.
تم استضافة بغدادي في سرايا عرابي بيه ليقضي ليلته براحة بعد يوم لا يعلم إلا الله بصعوبته، صعد البدري الدرج بأقدامه التي أشبهت أقدام طفل صغير يتعلم المشي من جديد، يغلق عينيه ويفتحها محاولًا الهروب من حقيقة رؤيته لجثمان خليله في المستشفى.
جلس مكان مجلسهم الأخير ليتذكر أحاديثهم وضحكهم وسهراتهم ليجد صعوبة بالغة في تحمل تلك الذكريات بهذا الجرح النازف.
تحجرت دموعه في عينيه ليتوقف عن العودة للذكريات كي لا ينهار ويسقط مثل من سقط حوله طول النهار، فهو كبير العائلة ومن عليه أن يقف بقوة وشموخ غدا ليتلقى عزاءهم بخليل دربه، منع نفسه رافعًا يده ليمسح عبئ اليوم من على وجهه.
بهذه اللحظة سقطت عينه على وسادة المجلس لتضربه الذكريات فارضة نفسها ليرى أخاه يلقي بها عليه قائلا بضحك:
" انصرف عني امتلئ قلبي بحزنك سأذهب لزوجتي واتركك وحيدا لتعلم قيمة الزواج".
وفي أضعف لحظات حياته استسلم البدري لدموعه التي أصبحت تهتز لها منكبيه منكسًا رأسه بينهما وصوت نحيبه يعلو من شدة بكائه، اجتمعت عليه ذكريات جميع من ذهبوا عن دنياه قبل سنوات واحداً تلو الآخر حتى ختمت بابن عمه وأقرب ما لديه بعائلته.
لم يذهب لغرفته ظل على هذه الحالة حتى طالته رحمة الله بأسقاطه بنومه وهو جالس مكانه ليقتات ليوم عصيب بدأ بتجهزهم للخروج للجنازة.
تجهز ونزل الدرج بزيه الصعيدي الأسود ليجد عمه محمد يدخل من باب السرايا غاضبًا:
" لا يوجد لدينا نساء يذهبن إلى المستشفيات لرؤية موتانا، هل سنفضح بعد هذا العمر".
رد البدري بصوته الذي أشبه بمريض اثكله مرضه:
" هل ذهبت زوجة عمي للمشفى؟".
رد عمه بنفس غضبه:
" نعم ذهبت هي وبناتها وزوجة المرحوم وكأنهم ذاهبون لنزهة، سيفضحونا بصراخهم ونحيبهم ونصبح مضغة بفم العالم والناس".
نظر البدري لأخيه سيد بعين منتفخة من حزنها متسائلا:
" كيف تركتهم وحدهم لماذا أنت هنا بينما هم بالمشفى أهذا ما أمنتك عليه".
رد سيد زوج ناهدة مدافعًا عن نفسه:
" لم أعرف بذهابهم أتيت لتبديل ملابسي لأجل مراسم الجنازة وعلمت من عمي مثلي مثلك".
رد عمه على حديثهم بغضب قائلا:
" هل هذا كل همكم".
اغمض البدري عينه المتعبة قائلا:
" عمي حبًا في الله لا تبدأ من غير شيء قلوبنا منهكة، لا اعرف لماذا استعجلوا كنت قد أعطيت زوجة عمي وعد ان لا ندفنه قبل ان تبرد نارها برؤيته".
تلكك عمه بالرد قائلا:
" انا اخبرتهم بصعوبة هذا لا وقت لدينا سنأخذ الجثمان ونذهب إلى المقابر مباشرةً، وإن كان هناك وقت كيف لنا أن نوجه السيارات الكثيرة التي تنتظرنا بالخارج".
رد البدري على عمه بضيق:
" جميعهم أتوا لأداء الواجب فقط وسيرحلون ونحن من نبقى بآلام أرواحنا".
جاءهم محسن زوج جميلة بوجهه المذعور تحدث به:
" سقطت الحاجة فهيمة بالمستشفى والأطباء يحاولون اعادتها لوعيها"
لحف البدري عباءته على كتفيه مسرعا هو واخوته و عمه وأولاد عمومته لخارج السريا، بكت طفلته عليه من خلفه لينظر نحو سما قائلا:
" افتحي عيناكِ عليهم واغلقي الأبواب ولا تجعليهم يغيبوا عن عينك لأي سبب كان".
خرج مسرعًا يدمج إدراج المدخل الكبير ليصل لسيارته كي يستقلها ويقودها خلف سيارات العائلة التي سبقته.
ذهبوا للمشفى ليجدوا فهمية ومن معها عادوا لمنزلهم بواسطة الأقرباء، نظر الأهل لفقيدهم ليودعوه لم يجد البدري وقتا للبكاء فإن كان أطال نظرته ما كان أستطاع التحرك من جانبه ولا دفنه بعيدًا عنه.
تحرك ليبتعد منشغلا بتجهيزات الدفن وصوان العزاء، ولأن الله يهب الصبر لعباده ما كان استطاع التماسك وهو يرى أخاه يوارى الثرى.
طالت نظراته الأخيرة قبل أن يهيل التراب عليه، لم يتحمل البدري رؤية التراب يهيل على جثمان إبن عمه وأخيه ورفيق طفولته وشبابه اهتز عرش قوته خر جاثيًا على ركبتيه بلحظة انكسار وضعف، تمردت دموع البدري عليه لتفيض من جديد تاركة لوعة لا توصف، وحرقة تعتصر القلوب لها قائلا له بصوت مسموع:
" لماذا يا اخي؟، لماذا تركتني وحيدًا يا اخي؟، ألا لا زال مبكرًا على ذهابك وتركك لي".
يتبع .. إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. منها "رواية حياتي" رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..