رواية "ومَا مَلَكَت أَيمَانُهُم"
بقلم أمل محمد الكاشف
لم تصدق عيناه ما تراه امامه ترك الطفل و وقف ينظر إليها صامتًا بأول الأمر، اقترب الأولاد من امهم نظرت إليهما وضمتهما بين ارجلها ليأتي لمسامعها ما أقسم فؤادها
حين سألها "هل تعرفينني!"
ابتلعت ريقها واستدارت لتعطيه ظهرها عائدة لمنزلها دون رد.
ناداها "يا أمرأة. يا أم الصبيان ،سألتك ولم تجيبيني؟"
أكملت سيرها بغصة كبيرة دخلت بها منزلها لتجلس خلف بابه بعدما عجزت اقدامها ان تحملها للداخل.
بكت وكأنها اول مرة تبكي ليس من خمس سنوات فقط بل اول مرة تبكي بعمرها. اشتعل الصدر نارًا وقهرًا واجتمع ظلمها وظلمات حياتها عليها ليعصفوا بها.
كان عدم تعرفه عليها كالسيف المسموم الذي وخز القلب وأنهى الحياة به.
شعرت بهذه اللحظة انها اصبحت هباءً منثورًا بقلبه، اشتد بكائها وهي تتذكر رسالتها الاخيرة واحلامها التي تراه فيها بجانب عروسته الجديدة وأبنائه ورثة المملكة كما يحلم الجميع.
احتضن الأطفال أمهما وهما يشاركانها البكاء. طرق الباب وعلا صوت الأولاد الذين جاءوا لدروس حفظ القرآن، وكالعادة لم تحن على روحها بأخذ إجازة من الدروس حتى ولو ليوم واحد تعود لحالتها الطبيعية به.
اخفت حزنها داخلها وبدأت بعملها دون رحمة لقلبها الدامي، خرج الولدين امام منزلهما يلعبان كالعادة شهر عز الدين سيفه الخشبي وهو يقول
"سأقتله ان اقترب لمنزلنا مرة أخرى"
بينما امسك جلال الدين قوسه بيده والرماح الخشبية بيده الأخرى رادًا على أخيه
"سأقتله قبل أن يقترب. لن اجعله يؤذي أمي مجددًا"
أكد عز الدين على كلام أخيه
"نعم علينا ان لا نسمح لأحد من الاقتراب منها"
اقترب منهم رجل بعقده الأربعيني ليحدثهم
"ما بكم يا أولاد هل تحتاجون للمساعدة"
اجابه عز الدين بقوة
"سلمت أيها العم الطيب نحن كبرنا واصبحنا نستطيع مساعدة انفسنا "
ابتسم الرجل الغير واضح المعالم قائلا بحزن
"نعم أرى ذلك جيدًا فليرضى الله عنكما "
تركهما وأكمل سيره مبتعد عنهما منصدمًا برؤيته الأمير سيف الدين جالسًا على شاطئ البحر بمسافة لا تبعد عن منزل الأولاد بثلاثمائة متر .
وقف متأثرًا لرؤيته عدة دقائق ابتعد بعدهم بسرعة غريبة. ما لبث حتى دخل منزله رافعًا من على رأسه الشعر المستعار ووجهه الشنب المستعار ملقي بعبائته ارضًا وهو يقول لنفسه
"لقد أتى. أنه بالقرب منهم. ماذا سأفعل. حفظنا أنفسنا من شر السلطانة لسنوات ولكن الان بعد ان اقترب كل هذا القرب من سيحفظنا من عقاب تسترنا على الأمراء الصغار، اللهم احفظنا من جهنم. اللهم احفظنا من شر السلطانة. هل أصبح لديه زوجة و أبناء يا ترى. هل سيعاقبني على عدم العودة واخباره الحقيقة"
جلس ياغيز على فراشه الخشبي وهو يقول بخوف
"علينا ان نهرب. نعم نهرب فعلناها بالسابق و سنفعلها مجددًا"
وضع يده على رأسه قائلا
"كيف سأطلب منها هذا. وهل ستقبل الهروب والبدء من جديد. لا. لا يمكنني قول هذا يكفي ما رأته المسكينة العفيفة من الألم والصعوبات"
علا صوته وهو يردد
"يكفي ما رأته المسكينة العفيفة من ألم ومشاق"
لم يعد الأمير سيف الدين مع أبناء عمومته متحجج بقوله
"اسرني هواء البلدة وأريد أن أبقى بها لعدة أيام اضافيه"
اجابه اولاد عمومته
"عد معنا الان. ومن ثم سنعود بعد اسبوعين لنتم مراسم الزفاف ونصطحب العروس معنا"
رفض سيف الدين أن يذهب معهم او حتى عرضهم بترك حراس معه.
ليفرح نجم الدين بهذا الخبر وشعر بقرب عودة ابنه للحياة من جديد، شدد على والدته عدم التقرب من الأمير ولو من بعيد.
لم يكن مجرد حديث عابر بل كان قويًا وثقيل.
شاع بالبلدة خبر رحيل الأمراء على أمل عودتهم بعد أسبوعين لحضور حفل زفاف كبير، هم الجميع ليجهزوا البضائع المميزه املين بالبيع الوفير الثمين جراء الحفل وما ينتج عنه من دعوات لكبار الشخصيات بالبلاد المجاورة.
قرر ياغيز أن يواجه صوفيا و يطلب منها الاختباء بوقت الحفل الملكي كي لا يعلم أحد بهم ويمسهم بالضر.
حزن سيف الدين من نفسه ظل ينظر للبحر أمامه محدثًا روحه
"ما الذي ابقاك يا سيف! ما الذي ابقاك!. هل نسيت قلبك وروحك!. ام تعبت من الحزن!. أنسيت لقائكم بالجنة! أنسيت أحلامك معها!. دعك من كل ذلك كيف سمحت لك نفسك بأن تنظر إلى زوجة رجل آخر!. هل انتهت النساء على وجه الأرض حتى تحرك قلبك لامرأة متزوجة وأم لطفلين!. ما دهاك يا سيف!. باي شيء وثقت!. أنسيت أن للكون رب ينظر ويرى خطايانا!. أم نسيت الجنة واردت ان تعرض عن طريقها!"
تحرك بعد ساعات طويلة حامل على كاهله همه وحزنه عائدًا لغرفة الضيافة المخصصة له كي يخبر كبار البلد برغبته في العودة بأقرب وقت.
رآه عز الدين من بعيد ركض بسرعة ينادي أخيه جلال الدين وهو يقول بصوت لا تسمعه امهم
"عاد الرجل ليحزن أمنا "
اسرعا للخارج كلًا منهما يحمل سلاحه الخشبي راكضين به نحو الأمير سيف الدين
وهما يصرخان بقوة حجمهما
رمقهم بنظراته الحزينة محاول فهم حالتهم وركضهم نحوه وهم شاهرين سيوفهم.
ابتسم وجهه رغم حزنه شهر ذراعيه ليدافع عن نفسه وكأنه اصبح بحرب حقيقة
غير نبرة صوته
"لا تقتلوني. اتوسل إليكم لا تقتلوني. سأفعل ما تريدون دون أن تأذوني"
اجابوه ليصدموه من حديثهم
"لا تقترب من امي مرة اخرى ولا تبكيها"
وضع عز الدين السيف الخشبي بصدر الأمير قائلا بقوته الصغيرة
"لا تحزن أمي. لا تبكي امي مجددًا والا قتلتك"
أجابهم بدهشة و وجه مبتسم
"ولماذا ابكيها!"
اقترب جلال الدين وحاوط رقبة الأمير بذراعه الصغير قائلا
"لا تكذب علينا انت ابكيتها"
كاد أن يقبلهما من شدة انبهاره بهما. حدثهما وهو رافع يديه معلنًا استسلامه
"حسنًا لن اقترب من أمكما مجددًا"
تركاه مبتعدين عنه. نظر جلال الدين لأخيه وقال
"انتهت مهمتنا أيها الأمير المقداد هيا لنعود لقصرنا"
وضع عز السيف الخشبي بحزام وسطه قائلا
"هيا بنا أيها الأمير الشجاع"
وقف ضاحكًا من حالتهما. ناداهما قبل ابتعادهما قائلا
"هل تحبان الأمراء لهذه الدرجة التي جعلتكما تتقمصان شخصياتهم"
استدار جلال الدين ليحدثه بكلماته الصغيره
"نحن أمراء"
أكد عز الدين بفصاحة اكبر من حجمه
"نعم نحن أمراء"
ابتسم سيف الدين مجيب عليهم بعد ان نسى معهم حزنه
"ولأي مملكة انتما تابعان؟"
اقترب جلال الدين من أخيه قائلا
"لن نخبرك بشيء" وهما بإكمال سيرهم السريع.
ليسرع ورائهم بعدة خطوات كي يلحق بهما وهو يحدثهما
"اريد ان اتعرف عليكما "
أجابه عز الدين بقوة
"نحن لا نريد أن نتعرف على من احزن أمنا وابكاها. ابتعد عنا وإلا قتلناك"
وببراءته وكلماته الصغيرة تحدث جلال الدين "هذا قصرنا ومملكتنا نموت لاجل دفاعنا عن أمنا السلطانة "
دخلا المنزل واغلقا الباب خلفهما.
اكمل سيف الدين سيره وهو بحالة مبهجة لأول مرة يشعر بحياته انه سعيد لهذه الدرجة فهناك شعور غريب يطرأ على قلبه كلما رأى التوأم.
وقف بجانب بائع متجول بيده منسوجات صوفية اشترى منه واحدة لأجل حفصة وهو يشير لمنزل الطفلين قائلا
"ما قصة هؤلاء الأمراء يا ترى؟"
فرح الرجل ببيعه للأمير قائلا
"لا تأخذ على كلامهم انهم أطفال يلعبون. يكثرون من قول نحن أمراء شجعان. يحبون اللعب بالسيوف والرماح دون ان يؤذوا أحدا، مساكين ولدتهم امهم بهذا المنزل البسيط قبل الأربع سنوات أو يزيد "
سأل سيف الدين بفضول
"واين أباهم "
تحدث الرجل مجيب بحد علمه
"لا اعرف اعتقد انه منفصل عنهم او متوفي، لم يتدخل احد بحياتهم، لديهم أم حادة وقوية لا تسمح لأحد أن يحدثها او يقترب منهم فكيف تريد أن نعرف قصتهم، تذكرت هناك رجل كبير يساعدها بجانب أهالي المنطقة لم يتركوها ابدا، حتى انا كنت ارسل لها الصدقات ولكنها رفضت اخذها بعد ولادتها لأبنائها متخذة تحفيظ القرآن مصدر رزق لها"
ابتعد البائع عنه ليتركه مكبلًا بمكانه لا يستطيع الابتعاد ولا الاقتراب منهم.
لكنه بالأخير عاد لغرفته لينام دون أن يطلب ترتيب موعد قريب لسفره.
نام ليلته براحة كبيرة لم يشعر بها منذ اليوم المهيب ذلك اليوم العاصف الذي قامت القيامة بأرجاء القصر ليتم محاسبة كل من ساعد السلطانة بسوءها في حادثة لم تسبق بتاريخ السلاطين. ورغم محاولات السلطان الكبيرة في إرضاء ابنه وإعادة الروح لجسده إلا انه ظل على حالته حتى صباح اليوم الغريب.
من الجميل أن يحلم الأمير بالأطفال الصغار وهما يبارزوه في باحة القصر مدافعين عن أميرات القصر الصغيرات.
لم يطل حلمه كثيرًا استيقظ قبل طلوع الشمس توضأ ونزل قاصدًا أقرب مسجد ليصلي خلف الإمام.
صلى فريضته وتلاها بالأذكار ليخرج بعدها مستمتعًا بجمال الطقس ببداية الصبحِ، لفت انتباهه وجود بائع الحليب الطازج والألبان المنوعة اقترب منه ليشتري منه.
ضرب أذنه كلماتها "مولاي السلطان"
اسرع بالنظر خلفه فلم يجد احد، ابتلع ريقه وهدأ من تسارع قلبه ساخطًا على حالته الجديدة معاتب نفسه
"هل هوى قلبك بهذه السهولة"
اعطى البائع المال مشيرًا نحو الحليب
"اسكب لي كاس ليس بكبير"
سمع صوتها مجددًا
"انتظرا لا تركضا ستقع يا جلال الدين"
خاف أن يستدير فلا يجد احد وبنفس الوقت خاف ان يستدير فيجدها امامه.
ظل ثابتًا يشرب الحليب ببطء كبير حتى تأكد من أصوات ركض الأولاد تقترب منه .
ابتلع ريقه محاولًا تهدئة انفاسه وهو ساخط على حالته كيف هوى لهذه الدرجة كيف انساق وسقط لشبيهة حبيبته دون…..
توقف عن عتابه على نفسه بمجرد سماع صوتها وهي تطلب من البائع ان يعطيها لتر حليب ونص كيلو من الجبن المحبب لاولادها.
ورغم أنه تنحى بظهره مبتعد عنهم دون أن يرفع نظره بهم إلا أن الأولاد تعرفوا عليه.
تسلل جلال الدين بخطواته البطيئة كي يقترب من الرجل بقامته المحنية من شدة وطأ المهمة السرية التي أصبح بها رفع نظره نحو وجه الرجل ليسرع بعدها بالعودة قائلا لأخيه
"أنه هو. هو من احزن امي"
ألتفت الأمير بوجهه المبتسم كي يملأ عينيه ببراءة الأطفال ليجدها أمامه مجددًا تشتري من البائع بأعين مخفضة.
تسارعت ضربات قلبه فكيف لها أن تشبه فتاته ملكة قلبه لهذه الدرجة.
لم يستطع عقله التحكم بقراراته وحركته التي أتت مسرعة وهو يلقي السلام عليها
"هل يمكنني مساعدتكم بشيء؟"
فزعت من صوته وقربه. من أين ظهر وخرج أمامها بهذه السرعة، ثبتت عينيها عليه دون كلام وقف أبنائها أمامها يصرخون بوجه الأمير "ابتعد عن أمي ابتعد عنا"
اعتقدت أنه يسمعهما ولكنه انفصل عن عالمه مبحر بفلك آخر لا يسمع داخله سوى صوت محبوبته ولا يرى سوى إشراقة شمس وجهها الجميل.
بدأ الأولاد يسحبان امهم للوراء خوفًا على ثبات عيونها على الرجل وعدم ردها عليهم.
ابتلعت ريقها لتتحرك معهم، ناداها الرجل
بصوت مهزوز "صوفيا"
توقفت عن السير رغم استمرار أولادها بسحبها للأمام كرر ندائه عليها وهو يقترب بخطواته المثقلة لا يصدق ما يراه
"هي. نعم هي. لا يمكن أن تكون غيرها"
وقف امامها مكرر بصوته المهزوز "صوفيا!"
اخفضت عينيها لتخفي دموعها المتساقطة منها لينظر هو لأبنائها قائلا
"هل أنتِ على قيد الحياة!"
رفع نظره لها "أتزوجتي يا صوفيا!"
راقب البائع ومن توافدوا على الشراء منهم اللقاء والحوار الغريب الذي يدور أمامهم.
تحركت لتكمل طريقها دون الرد عليه، أسرع خلفها متسائلا "كيف تزوجتي! ألم تكوني..!"
اجتمع الأولاد عليه ليمسكاه من ارجله
"اترك أمي. لا تحزن أمي. لا تحزن امي"
اهتز من عظمة اللقاء والصدمة اسرع بسيره ليكون أمامها مجددًا "كيف تزوجتي؟"
"لماذا هربتي مني؟ لماذا لم تعودي إلي؟"
هرولت ببكائها نحو منزلها محاولة الاختباء به ولكنه لم يتركها وقف على بابها ليمنع دخولها.
صرخ الأطفال به وهما يبكيان اقترب الرجال ليبعدوه عن المرأة قائلين
"لا يحق لك فعل ذلك حتى وان كنت من سادة الأمراء"
وقبل أن يسوء الوضع مسحت عينيها محاولة إخراج صوتها المختنق وهي تسحب أبنائها بجانبها قائلة للرجال
"لا عليكم اتركوه انه مالكِي"
قالتها وهي مخفضة الأعين التي لا تزال الدموع الصامته الحارقة تتساقط منها.
تفاجأ الناس وظلوا باماكنهم غير مصدقين لما سمعوه.
وضعت يدها على ذراعه لتبعده قليلا عن باب المنزل كي تدخل وبيدها ابنائها ممسكة الباب بعدها منتظرة دخوله دون رفع اعينها عليه.
تحرك بخطواته المثقلة وعقله الغير مستوعب لما يجري حوله ليدخل ببطئ اشبه بمن يترقب طرده كونه ترجم حديثها بشكل خاطئ هذا ما تهيأ له من الصدمة التي لا زالت تسيطر عليه.
اغلقت الباب بوجه الرجال وهي تستمع لقولهم
"توبة استغفر الله، اين ذهبت الاخلاق والدين والقرآن، هل تم بيعهم لأجل امير "
فتحت الباب بكل ما أوتيت من قوة صارخة بوجوههم
"معاذ الله ان اكون كما تقولون. أنه مالكِ ووالد ابنائي"
ارتعد قلب سيف الدين وهو يسقط على ركبتيه أمام الأولاد قائلا بصوت خافت مهزوز "أولادي!"
لم ينتظر احد مجيء ياغيز و وقوفه امام الباب وهو يرفع شعره وشنبه المستعار قائلا
"لم تكذب عليكم انهم أبناء الأمير سيف الدين"
وهنا كانت الصدمة كبيرة للجميع . انقسم الناس لقسمين قسم صدق ما سمع وقسم نعتها بأبشع التهم.
تحدثت لأبنائها الغاضبين على هذا الرجل قائلة
"ماذا تفعلان! أنه والدكما! ألم أخبركما أنه في عمل وطني وسيعود إليكما أو ستعودان انتما إليه بيوم من الايام "
اغلق ياغيز الباب عليهم وبقي في الخارج أمامه كدرع حماية دون ان يعلم مصيره.
علقت عين سيف الدين على محبوبته بنظرات عتاب ولوم. تحركت لتجلس جانبًا متحدثة بصوتها المتأثر بهول المشهد
"لم يكن أمامي خيار آخر. هربت لبلدة قريبة من المملكة ثم ساعدني ياغيز بالهروب لبلدة اخرى. اخبرني انني استطيع العيش هناك براحة أكبر مع فرصة كبيرة لإيجاد عمل بها"
كنت متعبة من كثرة القيء وما سقطت به من أجواء مخيفة جعلتني أوافق على السفر دون ان افكر، دفع لي أجرة السفينة وكان رقيب وراعي لي حتى وصلنا للبلدة.
سقطت مغشيًا علي فور نزولي من السفينة لأعود لوعيي بها في منزل لإحدى الممرضات اخبرتها بحملي لترعاني لمدة شهر كامل.
لم يتركني ياغيز هذا الرجل الطيب حتى انه اشترى لي هذا المنزل الصغير واخبرني بأنه سيأخذ مقابله حين اتحسن واجد عمل لي ومن هنا بدأت رحلتي .
اجابها بعيونه المملؤة بالدموع
"من هنا بدأت رحلتي! هل ترين انها بهذه السهولة! وأنا! ألم تفكري بي! ألم يأتي لخاطرك ان تسألي عن اخباري! وكيف يأتي وأنتِ منعمة وسط أولادك! كيف تفكرين بمن انتهى ورحل بخبر وفاتك وأنتِ تبدأين رحلتك، سامحك الله، سامحك الله"
تحرك بخطوات مثقلة ليخرج من المنزل بعد أن اجتمع عليه حزن سنوات وسنوات زهد بهما الغالي والثمين وقف بوجه عالمه منتظر لحظة موته للقائه بها.
فتح الباب وجاء ليخرج منصدمًا بصوت جلال الدين
"هل سترحل يا أبي…"
قاطعه عز الدين
"لا تخف انا معك ان اراد ان يتركنا فأنا لن اترككم"
اختل توازنه تحرك الباب لينبأ بقرب سقوطه، اقتربت منه لتمسك ذراعه، مد ياغيز يده له "دعني أساعدك يا مولاي"
نظر لياغيز نظرة مطولة ثم نظر لعيونها
سحبًا يده من يدها وخرج مبتعد عنهم متجه نحو البحر ساقطًا على ركبتيه وكأنه جبل خر وانهار من ثقل ما حمل.
لم يستوعب رؤيته لها. لم يستوعب إخفاءها أبناءه عنه. لم يستوعب ما مر به من حزن ومرار ورفض لحقيقة العيش بدونها. لم يستوعب انها تخلت وبدأت حياتها بدونه. لم يستوعب انها نسيت أمره وأكملت وحدها دون التفكير به.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.