recent
جديدنا

وما ملكت أيمانهم الفصل الرابع عشر والأخير

رواية "ومَا مَلَكَت أَيمَانُهُم" 

بقلم أمل محمد الكاشف

 




انهار الحلم قبل أن يبدأ، أصبح عليها أن تكفنه وتودعه إلى مثواه الأخير على أمل اللقاء بالجنة، كما أصبح عليها قراءة الرسالة التي كتبها قبل خمس سنوات حين أجابها على رسالتها الحارقة
"سأدعو الله أن يُعجل بلقائنا. وأن لا يحرمني  لذة العيش بجوارك في الجنة"
تبدلت الأدوار لتعيش ما عاشه هو من ألم ومرارة فقدان روح من روحك، اعتصر قلبها وادمى بنزيف الألم كما شخصت عينيها من هول ما كان يذاع على مسامع كل من في القصر عبر مكبرات الصوت.
هل انتهى الحلم بهذه السرعة دون أن تودعه. أو حتى تستسمحه بحقه. انتهى قبل أن تسمح له ان يقترب منها ليرتوي بحنانها وعشقها النادي.
رحلاتهم. سعادتهم. ضحكهم. احاديثهم المطولة. جبر كل منهم للاخر. أحلامهم. أبنائهم. كل هذا أصبح ماضي بمجرد دخول الحرس الغرفة كي يأخذوها للمجهول.

صرخت منادية على أميرها وأبنائها دون مجيب، فمن الواضح أن السلطانة رفيدة اعتزمت على تنفيذ ما تُرك ناقصًا.
تم إدخالها غرفة لا تسع سوى موطأ اقدامها مغلقين عليها مبتعدين بسرعة أهوال ما يحدث بالمملكة.
صرخت صرخة اهتزت لها سبع سماوات فهذا ما يحدث أمام صرخات المظلوم المقهور•
اسرع مجموعة من الرجال بالتمكن من الأمراء الصغار بعد حرب شرسة مع من كانوا يأمنون باب غرفتهم انتهت بجرحى وقتلى•
اهتز عرش المملكة بقوة كبيرة سُطرت في كتب التاريخ أنها لم تسبق من قبل. بعد تدخل الخونة والعملاء لتصبح حرب متعددة الأطراف بعد أن كانت بين السلطان والسلطانة الأم فقط. تكالب الخونة وتصارع الجميع على الفوز بالمملكة بعد خلاصهم من السلطانة رفيدة وابنها نجم الدين و ولي عهده.

كاد أن ينطفئ نور المملكة بهذا اليوم، لولا لطف الله وقوته بقلب موازين المعركة بقدرة كن فيكون استجابة لصرخة ودعاء مظلوم.

ليمر بعد هذا اليوم العصيب ثمانية عشر عام.
وقف الأميرين عز الدين و جلال الدين بزيهم الملكي أعلى الدرج المزدوج وبايدي كل منهما فتاة أحلامه. ينظرون للورود والزهور المزين بها كل ارجاء القصر احتفالًا بزفافهما الملكي. نزلا الدرج وسط فرحة كبيرة وصفقات المحبين لهم. 
خرجا من باب القصر يلوحون لعامة الشعب الذين أتوا ليشاركوهم فرحتهم.
لم يكن ترحيب من بعيد فقط فمن يرى اندماجهم مع الشعب وبساطتهم بالتعامل معهم بل من يرى حب الشعب لهم يعلم جيدا انهم ليسوا كباقي الأمراء السابقين.
فماذا كان منتظر ممن ولدوا من رحم الجبر والرحمة والمحبة ومعاناة الظلم والحقد والطبقية.
اسرعت السلطانة صوفيا لتنزل الدرج وهي ترفع أطراف فستانها الذي تميز باللون الأزرق الملكي.  جاء من خلفها السلطان سيف الدين مهرولًا حتى وصل بجانبها 
"ما بكِ على مهل ستسقطين "
نظرت له بقوة تحدثت بها
 "لا تقترب مني حتى نهاية الحفل"
أجابها متذمرًا
"منذ متى أصبحتِ ظالمة  لهذه الدرجة، لم تكن سوى رشفة عصير سقطت على فستانك دون قصد مني"
غضبت  عليه بقولها
"هل رشفه! اود ان اخبر سموك أنني كدت استحم من كثرته. وايضا انت محق فعدم اقترابك مني حتى نهاية الحفل ظلم كبير لما حدث بفستاني البنفسجي الذي حلمت به لعدة شهور ولذلك سنرفع سقف العقاب ليكون حتى نهاية الشهر وليس الحفل فقط "
اجابها بوجهه المبتسم وقربه منها 
"ولكني وقعت بحب الأزرق عليكِ"
كادت ان تضعف امام عيونه الباسمة وقربه منها لولا مجيء السلطان نجم الدين من الخلف يتعكز على عصا خشبية مرصعة بالياقوت والالماس يحدث زوجة ابنه من أعلى الدرج
"ألم أامركم بعدم إخراجه من الغرفة حتى نهاية الحفل"
ابتسم وجهها وهي ترى حبيب قلبها يتذمر كالصغار 
"كل ذلك لاني أسقطت ابريق العطور الملكية عليكم، هذا بدل أن تكرموني على هذه الروائح الفواحة التي أصبحت تهب منكم"
نزل السلطان الدرج بحذر وبجانبه ياغيز قائلا لابنه
 "ما دخلك انت بالابريق هل وقع على عاتقك نثر العطر حول الأمراء "
اتسعت عينيها حين تذكرت ابنائها
"الأمراء. الحفل. تأخرنا عليهم"
نزلت عدة درجات مستمعة للسلطان نجم الدين وهو يجيب عليها
"كان عليكِ أن تحتجزيه داخل الغرفة كي نضمن اكتمال الحفل دون حوادث أخرى"
وقفت أسفل الدرج تنتظر نزول السلطان نجم الدين المستند على ابنه حتى وصل بجانبها. امسكت يده الاخرى و وضعتها على ذراعها لتساعده بسيره وهي تحدثه
"لتصفح عنه هذه المرة يا مولاي داعين الله أن لا يفسد حفل الأولاد"
ضحك نجم الدين قائلا 
"ليس لدي مانع بذلك لنصفح عنه ولتتحملي أنتِ هذه المرة نتائج ذلك العفو. فلم يعد القلب قادر على تحمل مزحه واخطائه يكفي ما حدث بيوم زفافه"
ضحك سيف الدين قائلا
"أما زلتم تتذكرون حادث زفافي"
سبق نجم الدين الجميع برده وهو يقول 
"لا وهل لنا ان لا نتذكر كارثة حفل زفافك"
خرجوا من باب القصر ليقفوا على أعتاب المنصة الكبيرة المخصصة لهم وهم يلوحون للعامة فرحين بسعادة الأمراء.
تحدث سيف الدين بفرحة كبيرة 
"كيف مرت كل هذه السنوات بهذه السرعة؟" 

نظرت صوفيا لرفيق وحبيب روحها وسلطان قلبها بوجهها الفرح  متذكرة ذلك اليوم الذي صرخت فيه بكل ما أوتيت من قوة طالبة العون والنصر من رب الكون مالك السموات والأرض وما بينهما، بقلب يشعر بنهاية المطاف لتتفاجأ ببشرى إنقاذ المملكة على يد السيدان ياغيز ومالك حين تحالفوا هم ومجموعة من رجال الجيش الأوفياء. وقاموا بمقاومة الخونة ومطاردتهم.
كادوا أن يفشلوا وينتهي معهم نور السلطنة لولا سماع خبر قتل السلطانة رفيدة من قبل مجموعة من السيدات المقربات لها.

وهنا اختل توازن الخونة  منهم من تحالف مع ياغير ومالك كي لا تسقط السلطنة بيد الأعداء. ومنهم من باع العهد والوعد بحفنة مال. 
اسرع ياغيز نحو صوفيا لإخراجها من الغرفة التي أمر هو *باحتجازها* بها لأجل المحافظة عليها كي لا تُقتل بدم بارد.

لم تصدق صوفيا رؤيتها لياغيز أمامها، فاعتقدت أنها تتوهم او تتخيل بسبب تشوش الرؤية امامها، وبعد دقائق تأكدت من شخص ياغيز شعرت حينها بعودة الزمن للوراء ومجيئ ياغيز لتهريبها من الجديد.

تم إخراجها من الغرفة لتبدأ بحديثها
"الأمراء. الأمير.."
تحدث ياغيز 
"الأمراء بخير لا تقلقي ستلتقي بهم بعد قليل"
وبخوف وعيون عادت لفيضان دموعها الحارقة للقلب والروح 
" مولاي الامير؟"
تحدث ياغيز بحزن كبير
"يحاول الاطباء اسعافه بأقصى ما يملكون من علوم الطب"
اجابته بعيون راجية
"هل يمكنني رؤيته؟"
لم يستطع رد طلبها فهو أكثر من يعلم بألمها وما مرت به من صعوبات تحرك لتتحرك خلفه وهي تجر ارجلها جرًا.
زاد بكائها حين رأته غارق  بدمائه  غائبًا عن وعيه  يصارع الموت, جلست على ركبتيها بجوار فراشه ناظره للأعلى تناجي ربها
"{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}، ربي {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ، 
{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}"
كانت ادعيتها المختلطة ببكائها وألم فؤادها يهز قلوب جميع من حولها.
تم إحضار الأطفال لنفس الغرفة كي يستطيعوا تأمين الجميع في مكان واحد خوفًا من حدوث انقلاب  جديد.
تحسنت حالة السلطان نجم الدين باليوم الثاني على عكس حالة ولي عهده الذي ظل غائبًا عن من حوله أربع أيام بلياليهم، اقترب تسلل اليأس لقلوب وارادة الحكماء كما ازدادت هي تقرب من الله والدعاء من أجل أن يغيثها بعودة خليل الروح، دعت الله بكل سر بينها وبين جلالة قدره، شكت له أقدارها وما تحملته وهي صابرة شاكرة، ناجته أن يغيثها بالجبر والعوض في شفاء أميرها.
من المفرح المبكي فعل أولادها ما تفعله امهم يرفعون كفوفهم الصغيرة يدعون الله ان يشفي الأمير كي تكف امهم عن البكاء.
احتضنهم جدهم بهذه الايام العصيبة واهتم بهم وهو بأشد حاجة لمن يهتم به ويحنو على قلبه الذي كان يعتصر دمًا  كلما نظر لابنه.

روى لهم قصص كثيرة عن طفولة أبيهم الحنون صاحب الوجه المبتسم والقلب المحب للجميع، حكى لهم كم كان محب للربيع والطبيعة، قرأ عليهم ابيات شعر جميلة كتبها ابنه له في مناسبات مختلفة.
وقف الحكماء امام السلطان نجم الدين قائلين له "مع الأسف فعلنا ما بوسعنا دون أي استجابة ولهذا نحن مضطرين.."
لم ينهوا كلماتهم حتى احتضنت صوفيا اميرها وهي تناجي الله بقوة حزنها وهوانها
"فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"
صعد الأمراء بعيونهم الدامعة ليحتضنا  اباهم وامهم بقلوبهم الحزينة.
ليأتي الجواب من رب كون فيكون خالق السموات السبع مالك الكون بقوله سبحانه "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ"
فتح سيف الدين عينيه بنظره الثابت للأعلى دون إدراك منه بما يحدث حوله
"تحدث جلال الدين بصوته الجميل 
"استيقظ أبي، استيقظ الأمير أبي "
ابتهجت الوجوه لهذا الخبر السعيد، ما لبث الأمير عدة دقائق استعاد بعدها وعيه ليجد وجوه ابنائه مقابل وجهه ينظرون إليه بترقب كبير، رآها تحمد الله وتسجد شكرًا وحمدًا على استجابته لهم بشفاء أميرها.
انقشعت الغيوم وانجلى الظلام لتشرق شمس مضيئة بالسعادة والسرور على قلب عائلة ولي العهد.

اهتمت بزوجها دون أن تعفو عنه فلا زال قلبها حزين مما فعله بها، وهذا ما جعله يتحجج بتعبه وجرحه كي يتدلل عليها ويرى بعيونها خوفها عليه، ورغم نجاحه بمراده إلا أنها رفضت النوم بغرفته بعد ان تعافى بشكل كامل.
ضمها لقلبه محدث قلبها الحنون العفوي وهو ينظر لعيونها 
 "ألم يكفيكِ دلالًا عليّ!. أم أنكِ لم تشتاقي إليّ.!
هزت رأسها بالنفي مبتعدة عنه 
"معاذ الله أن اشتاق لرجل غريب"
سحبها ليضمها لقلبه بقوة جنونه 
"من الرجل الغريب! هل اصبحت غريبًا الآن!"
أومأت برأسها وهي تخرج من حضنه مجددًا 
"نعم غريب. لقد حررتني؟. نعم حررتني وهذا يعني أنني لم أعد ملك يمينك. وايضا.."

قبلها بقوة رفضه لما تقول، ولكنها دفعته عنها هاربة لخارج الغرفة بضحكتها التي سلبت عقله قائلة قبل إغلاق الباب خلفها 
"ان كنت ترغب بعودة أيامنا السابقة عليك أن تأتي وتطلبني من أولادي"
ابتسم وجهه الجميل متسائلًا
"هل اطلبك من أولادك!"
حركت رأسها مؤكدة عليه ما سمعه هاربة منه لغرفة أبنائها منتظرة سرعة ركضه خلفها دون ان يحدث ذلك.

انتظرت لساعات حتى خيم الليل وأشرقت الشمس من بعده دون أن يأتي، حدثت نفسها بحزن 
"هل كان زائد عن الحد، أكان عليّ أن أسلمه نفسي فور تقربه مني، ألم يحق لي ان اتدلل قليلًا عليه. أم أنني لم أعد بقلبه كسابق عهدنا"

طُرق الباب لتدخل سندس إحدى الوصيفات المسوولين عن خدمة صوفيا ام الأمراء، وضعت على الفراش فستان ابيض مطعم بلون أشعة الشمس الذهبية والكرستال الحر مما جعله غاية بالجمال، ورغم انبهارها بالفستان الا انها تحدثت لصديقتها قائلة 
"ألم انبه عليكم أن لا تخيطوا ثياب جديدة إلا بعد إعلامي، لقد ملأتم الخزانة بالثياب الجديدة دون ارتدائي لها"

اجابتها سندس بفرح 
 "هذا ما أراده مولاي السلطان سيف الدين. أمرنا ليلًا بسرعة تجهيزه لأجل حضور مناسبة مهمة اليوم. اعتقد ان المملكة تتجهز لاستقبال شخص مهم هذا ما فهمته، لذلك عليكِ أن ترتديه قبل خروجك لأي مكان"

فُتح الباب ودخل الأمراء على امهم وهم فرحين قبلوها ومن ثم القوا السلام والصباح عليها، اسرع جلال الدين بقوله
"يبدو أن قطتي مريضة وتريد رعاية"
نظر له عز الدين قائلا 
"لا تكذب أنها بخير"
ثم نظر لأمه مكملًا بفصاحته
"أريدك أن تأتي معي للاسفل كي اريكِ شيء مهم"
رد جلال الدين على أخيه
 "انت ايضا تكذب لن تريها شيء"
تعاركا بالكلام حتى تدخلت امهم بسرعة قائلة
"حسنًا سأذهب إلى حيث تريدان دون كذب أو شجار، لنطمئن على قطة جلال الدين ومن بعدها نرى ما يريده عز الدين"
تحركت لترتدي فستانها الأبيض وهي منبهرة بجماله عليها، شردت لثواني تذكرت فيهم ملامح وجهه الجميل الباسم كلما رأها مرتدية فستانًا جديدًا، حزنت لتذكرها تركه لها ليلة أمس، وهذا ما جعلها تسرع بالخروج من الغرفة كي تنشغل بأولادها لتنسى همها وحزنها وتفكيرها لماذا لم يأتي خلفها.

تعجبت من الورود والزهور المنثورة على جانبي الممر، ابتسم وجهها ابتهاجًا وفرحة لما تراه وتشتمه من روائح جميلة مفعمة بعبق الطبيعة الساحرة، للحظة وجدت نفسها وكأنها بالكوخ الجميل.
برقت ولمعت عيونها فرحا لرؤية أميرها ينتظرها أسفل الدرج وبجوارة السلطان نجم الدين والمفاجاة الكبرى تفاجئها برؤية الأميرة حفصة.
وهنا اتضح لها سبب الأجواء الجميلة، نزلت بخطوات سريعة مبدية سعادتها بعودة الأميرة حفصة من بلاد الحرمين بعد رحلة طويلة سمعت انها تعدت الثلاث سنوات.
تحدث نجم الدين بفرح 
"لم يعد القصر كافيًا لضم سعادتي الكبيرة بتجمعنا مجددًا"
نظر سيف الدين نحو ابنائه وهم يلعبون مع بنات الأميرة حفصة متذكر ذلك الحلم الذي رآه بالبلد البعيد.
ابتسم وجهه وهو ينظر للسماء داعيًا 
"ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير"

تقدم ممن ملكت قلبه ممسك يديها ليشبكها بذراعه ليسير بها نحو قاعة الاحتفالات وفور فتح الأبواب أمامهم رأت صوفيا المفاجأة الحقيقية امام عينيها، ابتهج وجهها لرؤيتها لوجود الشيخ الجليل نظرت لأميرها لتجده يتقدم بها لينتصف القاعة واقفًا مقابلها بعدها  ليحدثها بصوته العالي 
"هل تقبل من ملكت قلبي الزواج بي"
دمعت عينيها من الفرح لدرجة أذهبت عقلها واطالة ردها عليه،  ليقترب منها مكمل بصوت منخفض
"ما بكِ! أين ذهب صوتك!"
اجابته بخجل 
"لم يذهب لمكان، ولكني لم أستطع الإجابة على طلبك " 
صمتت ناظرة 
 لأبنائها ليضحك وجهه من جديد 
"نعم تذكرت علي ان اطلبكِ من اولادي" وغمز لها مكملًا بصوت عالي 
"ما رأيكم يا أولاد هل تقبلون بزواجي انا وامكم"
فرح جلال الدين مصفقًا بحرارة بينما تحدث عز الدين بقوة وفصاحة كعادته
 "نوافق على أن تسعدها، ولا تحزنها أو تبكيها"
ضحك سيف الدين قائلا 
"ما هذا يا بني هل يقال ما قلته لولي العهد؟"
ضحك نجم الدين فرحًا بحفيده وهو يستمع لتكملة حديث ابنه 
"ولكني سأغفر لك كونك شبيه ابيك"
تدخل السلطان نجم الدين معترضًا
"ماذا تقول أنت بل هو شبيه جده"
تعالت الضحكات المفعمة بالفرح والسعادة والأمل الكبير بأن القادم أجمل 
ليتفاجأ الجميع بما حضره سيف الدين بالاتفاق مع يده الامينة ياغيز، لتشتعل ابواق *النيران* على جانبي القاعة الملكية الكبيرة، ذعر الجميع دون علم منهم أنها لأجل الفرحة، لحق بها أصوات طرق الدفوف بصوت عالي، وضع نجم الدين يده على قلبه قائلا لابنته حفصة 
"كان سيُقضى على قلبي، منذ متى أصبح هذا الفتى ابتلاء علينا"
ضحكت حفصة قائلة لوالدها
 "منذ أن دخل الحب قلبه ليفقده عقله وصوابه"
ضحك نجم الدين مستمتع باتمام عقد قران ولي عهده على من ملكت قلبه من قبل الشيخ الجليل.
صفق الجميع بحرارة كبيرة اعتقدوا أنها من حماسهم وفرحتهم الكبيرة بزواجهم، ما لبث هذا الشعور كثيرًا حتى تعالت أصوات الصراخ لتنبأ على كارثة قد طرقت حين اشتعلت الستائر بلهيب النيران المشتعلة بجوارهم. 

تم السيطرة على النيران  بسرعة كبيرة،
لتجد صوفيا نفسها محملة بعدها على ظهر الحصان الذهبي الملكي منطلق بهم حيث البدايات وما اجملها من بدايات، طار عقلها بفرحة وصولها للكوخ المحبب لقلبها، لمعت عينيها المتنقلة على الورود والزينة التي طوقت مدخل الكوخ.

مد يده نحوها لتضع يديها عليها بعيون غرقت في جمال عيونه الفرحة، تحرك بها ليدخل الكوخ مغلق بابهم عليه وهو يغمز للحصان الذهبي المتراقص على انغام فرحتهم.

خجلت وكأنها عروس بكر لم يسبق لها رؤية عريسها، اقترب منها ممسك يديها ليضعهم على كتفيه كي يبدأ حياته معها باجمل رقصة هادئة رومانسية.
أزداد خجلها مما جعله يتحدث لها قائلا 
"من يرى أول رقصة لنا لا يمكنه تخيل خجلك لهذا الحد، أين ذهب عنادك ولسانك الثرثار"
ابتسمت بخجلها لتزداد جمالا وسحر لقلبه، اكمل حديثه 
"وعدتك أن اعطيكِ حريتك ان فزتي برقصة الأمير، والان بعد ان فزتي بقلبه وعقله ودنيته برأيك بماذا ساجازيكِ "
رفع وجهها كي تنظر لعينيه مكملًا
"أم تقولين لا اريد ان اتحرر ولا أريد أكثر من قلبك وعقلك لاعيش بجوارك طول الحياة"
اجابته بصوتها المنخفض
"برأيك هل سأطلب ما أصبح ملك لي، من المؤكد أن الإجابة لا''
تعجب من جوابها وهذا ما جعله يسأل عن حاجتها لتجييه مجددًا
"اريد ان انقل سعادتي للناس عامة، لا اريد *مظلومًا*او *منكسرًا *او مقهورًا مذلولًا بمملكتنا"
لم يكتفي قلبها الحنون بخطف قلبه وعقله ليأتي بهذه اللحظة ويغرقه ببحوره.
اسرع بخطوات رقصه وهو يرفعها بين يديه يدور بها على أنغام فرحتهم وعوضهم.
انهى رقصته بقبلة قلبه الغارق بالشوق والغرام ليسود الصمت ارجاء الكوخ سامحًا للسعادة والبهجة والسرور أن تتولى المهام لتشبع قلوبهم وتداوي جروحهم وتنسيهم  ألم  وعذاب ما عايشوه.
قضوا عدة أيام غارقين بعالمهم الخاص حتى طلبت اميرة قلبه أن تعود لرؤية أبنائها.
رفض سيف الدين أن يعود للقصر قبل ان يستعيد ذكريات استمتاعه بالتجول في الهضاب والسهول من جديد.

ارسل الحمام الزاجل ليأمر ياغيز أن يؤمن مجيء الأمراء الصغار إليهم.
لتكتمل الصورة العائلية السعيدة، فرح الأمراء الصغار بالترحال من مكان لمكان،  علمهم والدهم ركوب الخيل دون خوف منهم، ليصعدا على ظهور احصنتهم ذات السلالة  القصيرة القامة.
كان عز الدين أجرأ من أخيه جلال الدين وهذا ما جعل أباه يهتم أكثر بتعليمه وتقوية قلبه حتى اعتاد على قيادة حصانه متحرر من خوفه إلا القليل منه.
فكان يبكي صراخًا بندائه على أمه فور ابتعاد أبيه بحصانه الذهبي عنه.
وصلا لقمة هضاب عالية ناظرًا للنهر في الاسفل متذكرًا رؤيته لرجل متسلط سئيل *يظلم* امرأته ويجبرها على ما لا طاقة لها به، نظر لحبيبته بحنين البدايات مستمع لحديثها مع أبنائها 
"اهلًا بكم في عالم الذكريات"
ابتسم وجهه لتكمل هي 
"اريد منكم ان تكونوا أثرياء بأخلاقكم، أغنياء بقناعتكم، كبارًا بتواضعكم وحبكم للضعيف الفقير قبل الغني القوي، اريد ان تتنعم قلوبكم بالجبر والرحمة والرفق بمن جار عليهم زمانهم. هكذا تعيشون ملوكًا على رؤوس الجميع حتى وان ذهبت القصور والألقاب وما حولكم"
نظر لأبنائه ليكمل ما انهته حبيبته بقول
"فلتعلموا أن الله الذي أمآل الزهرة على الزهرة حتى تكون الثمرة، وعطف الحمامة على الحمامة حتى تنشأ البيضة، وأدنى الجبل من الجبل حتى يولد الوادي، وهو الذي ربط بالحب القلب بالقلب حتى يأتي الولد، فلولا الحب ما التف الغصن على الغصن في الغابة النائية، ولا حنا الجبل على الجبل في الوادي المنعزل، ولولا الحب ما ضحكت الأرض بزهر الربيع ولا كانت الحياة. ولهذا عليكم أن تغمروا كل من حولكم بالحب والعطف لتجنوا ثماره واثر بركته وخيره  في حياتكم"
تحدثت أمهم مقاطعة حديث والدهم
"السعادة التي تضعونها في رحال الآخرين ستعود وترد يومًا ما لتختبئ في رحالكم. عليكم أن تكونوا مثل النحل الحامل للعسل حلو المذاق في حياة الآخرين حتى وإن اختفيتم بيوم تركتم طعمًا جميلًا بأفواههم. فكما تدين تُدان ليس فقط في *الظلم *أو *الفتنة*بل ستُدان حين تُجبر بجبرك لخاطر الناس، يُزال همك حين تزيل هم مسكين، تزورك السعادة ولا تحرم منها حين تسعد غيرك دون حسابات بشرية. ان فعلتم ذلك تذكروا انه سيأتيكم اليوم الذي يُدان لكم اعمالكم الخيرة لتضيئ لكم ظلمة الحياة"
تحدث والدهم الأمير بجدية
"الحياة ليست للرومانسية، ولا يدوم الحال دون اختبارات ومقاومة وحرص وجهد كبير لحفظ المملكة وأرواح من بها من *الأعداء *المتربصين دائمًا بها، وكما شهدتم  باعينكما ما حدث وما أكرمنا الله ونجانا به، لذلك عليكم أن تحفظا ما قالته امكما جيدًا وتعلما منه، اجعلا بينكم وبين الله سرًا و وصال قوي يحفظكما الله به ، فكما تُدين تُدان ، وكما تُعين تُعان، وكما تَرحم تُرحم ، وكما تَزرع تحصُد"
تحدث جلال الدين بصوته الجميل 
"أمي أنا جائع "
ضحك الأمير سيف الدين قائلا 
"الان اطمأن قلبي على مستقبلكم يا أولاد"
تعالت ضحكات صوفيا المتتالية وهي تضع يدها على فمها 
"هل جاع قلبك حتى اغلق أذنك وعقلك"
اقتربت من ابنها لتقبله 
"لنشبع بطنك ونعيد عليك درسك كي تحفظه"
نظر عز الدين لأبيه قائلا
"لا تقلق سأتحدث معه فيما اخبرتمونا به"
ضحك سيف الدين مقترب لزوجته  ليداعبها بقوله
"من اين اتيتِ بهذه النسخة الفاخرة، حتى جدي بكل قوته لم يصل لوضعه هذا"
وفي وسط الذكريات وتعالي ضحكاتهم ومزاحهم الجميل سمعت صوفيا صوت أميرها وهو ينادي عليها، نظرت نحو فرحته واقترابه منها وهو ينحني بقامته العلوية قائلا لها
"هل تسمح سلطانة قلبي أن تشاركني الرقص"
وقبل أن تتدلل بجوابها وجدته يسحبها للرقص معها بجانب الأمراء والنبلاء وعامة الشعب.
حدثها أثناء رقصتهم كعادته طالبًا منها ان تأمر ليحقق لها ما تحلم به.
ليأتيه هذه المرة طلبها القوي 
"اريد ان احرر الجواري اغلق هذا القسم بشكل أبدي، لم يعد مولاي نجم الدين بحاجة لهم كسابق عهده، كما انك تعلم وضع ابنائي"
ضحك *باستنكار*
 "وماذا عني هل ستهدرين حقي "
رفض ابتعادها عنه ليضمها لحضنه بقوة تحدث بها 
"هل فكرتي بعاقبة طلبك وما يستوجب عليكِ القيام به أن حققت لكِ ما تريدين"
دعست على حذائه بقوة متحدثه بها 
 "نعم انا جاده بطلبي هذه المرة، تحججت برفضك وتأجيلك له في كل مرة ولكنها الاخيرة ستقبل طلبي دون هروب أو حجج واهية"
اجابها بوجهه المبتسم 
"حسنًا لم أقل شيء هذه المرة، فلنلغي هذا القسم ونحرر جميع ما به إلا من أراد العمل والبقاء معنا"
اهتزت من فرحتها مقبلة وجنته بقوة اخترقت بها القوانين الملكية، ليأتيهم الرد بالصفقات الحارة من محبيهم 
خلدت الأساطير القديمة ذكرى هذه الحقبة الملكية التي تميزت عن غيرها بالحب والعدل والمساواة وجبر الخواطر ومساعدة المظلومين.
لتنتهي قصتنا تاركين أبطالنا يعيشون بثبات ونبات مع أبنائهم وأحفادهم وأحبابهم.
وعلى أمل اللقاء وان طال بقصة جديدة بأمر  المولى عز وجل .
تمت بحمد الله وتوفيقه وفضله.


وما ملكت أيمانهم الفصل الرابع عشر والأخير
Wisso

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف1 ديسمبر 2024 في 12:14 ص

    روعه تسلم ايدك حبيبتي ابدعتي

    حذف التعليق
    • غير معرف1 ديسمبر 2024 في 8:21 م

      رائعه جدا ♥️🥰🥰

      حذف التعليق
      • غير معرف1 ديسمبر 2024 في 8:22 م

        تسلم ايدك 😍

        حذف التعليق
        • Rim kalfaoui photo
          Rim kalfaoui1 ديسمبر 2024 في 9:56 م

          بعد ما تعلقت بها وتفاصيل الأحداث الفرحة والمحزنه انتهت وكل حكاية لها نهايه كانت رائعة جدا جدا حبيبتي خاصة المشاهد بين الاولاد وابوهم وامهم تميزت هذه الرواية بتابع خاصة جدا ومبهجة للقلب كنت أريد لا تنتهي

          حذف التعليق
          google-playkhamsatmostaqltradent