recent
جديدنا

وما ملكت أيمانهم الفصل العاشر

رواية "ومَا مَلَكَت أَيمَانُهُم" 

بقلم أمل محمد الكاشف



كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان كان هناك أمير لا يشبه الأمراء بتواضعه وكم رحمته وحب جبر الخواطر، لم يشبه الأمراء بحبه للبساطة والترحال، من يرى تلقائيته وضحكه وتواضعه لا يخطر بعقله للحظة إنه ليس أمير فقط بل و ولي عهد المملكة كلها.

أحب هذا الشاب حياة العزوبية والحرية المطلقة حيث الطبيعة الساحرة التي اسلبته عقله وقلبه، وهب نفسه للاستمتاع بحريته عازمًا على الاستمتاع بشبابه وهاربًا من ارغام عائلته له بتورطه في زواج وأبناء ومسؤوليات لا يحبها.

وبيوم من الأيام الجميلة المخضرة بربيع الورود والزهور العطرة، رأى الأمير أمرأة مسنة أنهكها عمرها واعباء عملها وقهر زوجها لها، أراد بقلبه الحنون الرحيم ان يساعد ذات الظهر المنحني، ليجد نفسه مسؤول عن فتاة شابة تحت مسمى "وما ملكت أيمانهم" انتوى حسن مرافقتها وجبرها ليجد نفسه أسير احاديثها وعفويتها وقلبها الكبير، اختلط شعور الحب والتعلق والاعتياد والجبر والمسؤولية على قلبه ليتحدا بلحظة قدرية جعلته أسيرًا مكبل في بستان خضار قلبها الحنون العفوي

نسي كل شعارات العزوبية التي لا سيما دافع عنها وتمنى عدم الخروج من تحت عبائتها ملقي بنفسه في دنيا جديدة عنوانها

"والقلب وما يهوى" بل عنوانها 

"وتشاء انت من الأماني قطرةً ويشاء ربُك أن يُمدّكَ بالمطر"

كان الغيث لقلبها الذي عاش مرارة وألوان المعاناة منذ صغرها. عوضها الله وجبر بخاطرها ليس بأمير فقط بل بقلب كبير مليء بالرحمة والحنان والجبر وطيب الأصل 

لم يصدقا انفسهما كيف مر اسبوع كامل على مكوثهما بالكوخ دون ملل أو رغبة بالتغيير.

بل لم يصدقا تلك السعادة والفرح والسرور الذي عم الكوخ وأغدق على قلبيهما لتسحرها بنسائم الجنة ونعيمها.

طلب منها ان تتجهز لأجل العودة للقصر حدثته بخجل اصبح سائد على نبرة صوتها وعينيها المخفضة  قائلة 

''لا اريد ترك الكوخ. اشتاق إليه كثيرًا. اذهب انت وعد من جديد انتظر عودتك كل ليلة.."

قاطعها بقربه منها 

"كيف تطلبين مني ان اترككِ خلفي بعد ان وجدتك"

انحنى بقامته العلوية قليلًا وهو يميل برأسه كي ينظر لعينيها 

 "أم أنكِ تخشين المُسائلة والمحاسبة القانونية من جهة السلطان! "

رفعت عينيها بعينيه القريبة منه 

"هل سيحاسبنا السلطان حقًا!"

رد بوجهه المبتسم

"نعم. سيتم محاسبتي وحدي كوني اخليت بوعودي وهربت من جديد. لذلك لا مهرب لكِ"

تحدثت بصوت قلق

"هل وحدك! وإن كان وحدك ما الداعي لقدومي"

ضمها بيده التي حاوطتها ليهمس بأذنها 

"كي يجد سمو الأمير من يحنو عليه أثناء تأديته فترة العقوبة"

تحركت من بين يديه 

"لا تنتظر مني فعل ما تقوله. عليك ان تتحمل ذلك وحدك"

تركها مبتعد خطوات عنها ناظرًا لعينيها 

"وبأي عرف يحق لكِ فعل هذا؟ . ألم تحزني علي!"

اجابته بقوة لا وجود لها أمام تعابير وجهها المبتهج

"نعم لم أحزن. طلبت منك ان تعود للقصر من أول ليلة كي لا تعصي قرار والدك السلطان ولكنك أبيت العودة. ولهذا فعليك ان تتحمل العقوبة في الدنيا لأنها أهون بكثير من العقوبة بالاخرة"

قطب حاجبيه ومد فمه بتذمر أشبه صغار السن به رغبة بالتمتع بحضنها وربت يديها الناعمة على كتفيه وهي تقول له

"امزح معك كيف لي أن لا احزن عليك او اتركك دون ان احنو عليك بحضني"

استيقظ من حلمه وما تمناه وهو يتفاجئ بحديثها "اتعلم! " حرك رأسه مستفهمًا لتجيبه

"يستحق أباك ان تعصى أوامره. فمن المؤكد أنه كان يتراجع فور رؤية هذه الملامح المتذمره الحزينة. ولكني لا أفعل مثلما فعل هو عليك ان تتعلم تحمل المسؤولية والوقوف خلف قراراتك كي لا تقطع انفاسي وانا ادور حولك احاول مراضاتك دون فائدة لن ترضى ولن تقلع عن الذنب ما دمت تتدلل"

تغيرت ملامح وجهه 

"هل يقال هذا للحبيب بأول أيام. اعلم أن حياة المتزوجين ليست بسهلة، ولكني سمعت انها تتغير بعد وقت كبير من المعاشرة. اعترض انتِ لستِ عادلة. كيف أضعتِ حقي بهذه السرعة في التغيير. لم نكمل عدة أيام فقط"

رغرغت عيونها بالدموع التي علت نبرة صوتها وهي تعيد حديثه "متزوجين!"

ابتلعت ريقها المتحجر بالدموع

"كيف متزوجين ألستُ ملك يمينك! يعني أنني…"

قاطعها بسحبه ليدها طابعًا قبلة طويلة عليها مقتربًا بعدها منها ليقبلها على رأسها التي ضمت لصدره بواسطة يده الاخرى قائلا

 "نعم زوجتي وما ملكت قلبي وروحي. من أعلنت انتهاء رحلة العزوبية والحرية المطلقة منذ اليوم الأول بلقائنا"

ابتسم وجهه وهو ينحني برأسه كي يرى وجهها بحضنه 

"لقد اقحمتيني بحبك رغم عني! منذ اليوم الاول وانا استيقظ من نومي لانتفض من حالتي! كيف أتيت لفراشك واحتضنتك! الأكثر من ذلك كيف نمت بجوارك طوال الليل دون هروب او تفكير بأي شيء! ، يعني بالوقت الذي كنت ادندن بجمال عيش حياة العزوبية، كنتِ أنتِ تأسرينني بحضنك متخذة من كوابيسك مدرج لقلبي"

مسحت دموعها "ولكني لم أشعر بذلك"

مازحها ليضحك وجهها

"لا تمسحي دموعك بالزي الملكي خاصتي"

صدمت كف يدها على صدره بلطف خجلها وابتسامتها ليكمل هو

"هل كانت الكوابيس من احدى خططك لإسقاط ولي العهد بشباك حبك"

اجابته بخجلها الذي قارب على سلبه لما تبقى من عقله 

"انت من كان يتسلل لفراشي ويحتضني وينام بجواري ثم يلوذ هاربًا لفراشه قبل استيقاظي "

أخرجها بسرعة من حضنه متسائلا

"هل كنتِ تشعرين بوجودك داخل حضني"

ابتسمت دون رد، كرر عليها سؤاله لتخجل اكثر واكثر مجيبة بأخر مرة

"كنت ضعيفة لا حيلة لي. مكسورة الخاطر. مسلوبة الإرادة. مجبورة لما يُفرض عليّ"

عادت دموعها لعينيها وهي تنظر له

"كنت تائهة بدنيا كاحلة السواد قبل ان ألقاك .  لم أشعر بالراحة والطمأنينة إلا بعد أن رأيتك. رغم خوفي من مصيري معك إلا أن قلبي تعلق بك بشكل لم يعهد عليّ. لطفك ورحمتك وجبرك وشفقتك حتى خوفك عليّ انا لم اتلقى أيًا من هذه المشاعر من أحد قبلك. اتذكر جدي الكفيف الحنون واتذكر امي وكأنها خيال لا اعرف هل هي أم عقلي الباطن صور لي صورتها. علمت من جدي كم كانت حنونة عليّ ولكني لم اتمتع بهذا الشعور لوفاتها بعد سنتين من ولادتي. تولى جدي رعايتي وهو بحاجة لمن يرعاه حتى توفى وانا بعمر العشر سنوات. من بعد هذا اليوم لم أجد يد تحنو على ظهري ولم استمع لصوت يجبر بخاطري الممزق سوى يد ورعاية الله عز وجل لي"

مسحت دموعها التي زادت كلما شعرت بحنو يده على ظهرها وتقبيله رأسها وهي تحدثه، رفعت نظرها له مكملة

"كنت أخجل. تأبى عيناي أن تُفتح لتراني بحضنك. تتشبث جوارحي عن الحركة وكأنني شللت و تنقطع أنفاسي من شدة ما أشعر به. كل ذلك يضرب بي فور اقترابك واحتضانك لي. يهدأ قلبي ويزول كابوسي بشعور الأمان داخل حضنك لأجد يدي تتمسك بك رغبة بالاختباء داخلك من أقداري المخيفة. رغم معرفتي قدر نفسي إلا أنني كنت انام وكأني امتلكت الدنيا وما فيها. أصبح حضنك ملجئي بل اصبح البقاء بجوارك اقصى أحلامي"

ضمها لحضنه بقوة مشاعره المتدفقة من قلبه بسرعة العواصف الشتوية طابعًا على وجنتها القريبة من وجه قبلة طالت قليلًا هذه المرة 

متحدث بعدها

"هل أخذت جوابي الذي انتظرته منذ عدة أيام"

رفعت كتفها ليصل بالقرب من وجهها خاطفة قلبه بصوتها المدلل

"أي جواب! "

رفعها ليدور بها في الكوخ

"تصريحك بوقوعكِ في حبي. الحب الذي جمعنا دون سابق موعد. السعادة التي اقتحمت حياتنا دون أن نطرق  أبوابها. الراحة السكن الاستمتاع ال….."

كانت هذه الكلمات الاخيرة التي سمعتها جدران الكوخ قبل أن يرتطم الأمير بفراشة ملبي نداء السعادة.

سبحان من جمع قلبيهما بمحبة مفعمة بأسمى المشاعر النبيلة. لم يشبه حبهم الحب المتعارف عليه بعد أن تعديا مرحلة المودة والرحمة ليزيدا عليها الألفة والجبر والحنان واتحاد الأرواح الطيبة.

وصلا للقصر من الجهة الخلفية، نزل هو اولا ليمد ذراعيه نحوها كي تلقي بقلبها بينهما. قبلها بحضنه ليعلو صوت الحصان الذهبي وكأنه يعلن قدوم الفرح والسعد للقصر.

اقترب ياغيز "دستور"

استقام سيف الدين بسرعة لتبتعد صوفيا عن حضنه وهي بقمة خجلها فمن أين خرج لهم هذا.

ضحك ياغيز بسعادة رؤيتهما قائلا بجوارحه المهتزة من شدة حماسه

"من الجيد انني رأيتكم. كنت استجم بعيد عن أعباء القصر لأجد نفسي داخل عملي. لا تقلق يا مولاي اذهب انت لمولانا السلطان كي تهدأ من غضبه وانا سأتولى امر وصولها لغرفتها المجاورة لغرفة حضراتكم دون ان يعلم احد بذلك" وغمز بعينه.

اقترب الأمير منه متسائلا

"هل غضب كثيرًا"

ضحك ياغيز بثقه "لا تقلق كل شيء تحت السيطرة . تدخلت وحللت الأمر"

ابتسم وهو يقول لصوفيا بصوت منخفض

"كلما رأيت حماسه تجدد بنفسي شعور قرب انتهاء الحقب الملكية كلها وليست مملكتنا فقط" ابتسمت له خفية ليتحرك سيف الدين تاركًا ما ملكت قلبه امانة لدى ياغيز متوجهًا لغرفة السلطان، الذي علم بقرب وصولهما من العيون الخفية وأرسل لهم ياغيز كي يستقبلهما. 

حاول إخفاء بسمته و فرحته بابنه ولكنه لم يستطع إيجاد مبرر لحالته باشتياقه الكبير له.

انصدم سيف الدين وظل يراقب ملامح وجه السلطان فما كان ينتظر مخالف لما يراه.

تعجب اكثر بقول السلطان

"أنت حر تمامًا من الآن حتى عودة جدتك اذهب أينما شئت وقتما شئت وعد حين تشتاق لنا"

لم يصدق سيف الدين ما سمعه من والده، احتضنه بقوة السعادة التي تغمره واسرع خارج الغرفة دون مقدمات.

التقى ياغيز بالأمير عند باب الغرفة الملكية جاء ليطمئنه على تنفيذ مهامه ولكنه لم يراه اكمل سيره نحو عروسته بفرح. زادت فرحة السلطان بحالة ابنه دخل ياغيز عليه الغرفة وهو يسأله "ارأيت يا مولاي السلطان"

اخرج نفسه براحة كبيرة تحدث بعدها 

"الحمدلله الذي أمد بعمرنا كي نرى هذا اليوم"

تذكر السلطان دخول ياغيز عليه الغرفة ليخبره بأمر الفتاة التي أمر سيف الدين إخراجها من الحرملك واستضافتها بغرفة الضيافة الخاصة بسموه.

تحدث السلطان لياغيز 

"لا تقصر معهما بأي شيء، سيجد لديه ما يحلم به قبل طلبه. كما لا اريد توافد احد على غرفهم اتركوهما وشأنهما"

تحدث ياغيز 

"اتساءل ماذا فعلتم حضراتكم في أمر التدقيق بالنسب والحسب، تعلم سيادتكم القوانين المتبعة مع من يرافقون الأمراء والسلاطين…. أقول هذا كي اخبر حافظة باتخاذ اللازم كي لا ننصدم بحدوث حمل و مجيء.."

قاطعه السلطان "ألم آمرك بأن لا تتدخل بهذا الشأن" 

تغيرت ملامح السلطان لتصبح حازمة مخيفه "احذرك من معرفة أحد غيري بشأنهم"

ارتبك ياغيز وابتلع ريقه 

"أمرك مولاي. لن يعلم أحد بوجودهم"

وبهذا الفرمان لم يستطع أحد التدخل بهم. 

............ 

في احدى الليالي اسرع ياغيز بناء على تعليمات خفية من السلطان كي يتحدث مع الأمير سيف الدين قائلا

" السلطان نجم الدين بطريقه إليكم، يريد ان يقضي الليلة بالسهر بجانب حضرة سموك"

تحدث سيف الدين بسرعة

"هل علم بشيء؟"

صمت ياغير قليلا مجيبًا بعد ذلك

"لا شيء جديد يقول اشتاق للسهر بجانبك"

اسرع سيف الدين بالخروج من غرفته ليسبق مجيء أبيه، ولكنه صدم حين وجده بأول الممر مقبل عليه.

تحرك نحوه مرحب به متسائل عن سبب تشريفه له ليجيبه السلطان بشوقه للجلوس مع ابنه.

ابتلع الأمير سيف الدين ريقه وقال 

"وانا ايضا اشتقت لك كثيرا هيا لنذهب لغرفتك لنسهر سويًا حتى نزيل الشوق"

رفض السلطان وأكمل سيره ليعود سيف الدين قائلا

"اشتقت لمقعدي المريح بغرفة السلطان، ما رأيك بأن نذهب لغرفتكم"

رفض السلطان نجم الدين و وقف امام باب غرفة الضيافة الخاصة بابنه قائلًا

"لا غرفتي ولا غرفتك هيا لنغير الأماكن هذه المرة ونسهر سويًا بغرفة الضيافة"

وضع يده على مقبض الباب قبل أن يمسكه والده وهو يقول "لا لا اقبل ان يجلس ابي السلطان بمجالس لا تليق به"

وضع أباه يده على يد ابنه محاول فتح الباب وهما يتزاحمان بالكلام.

هم السلطان بالدخول بينما كان يهم الأمير بمنعه وإصراره على السهر بغرفته. لم تعرف صوفيا ما عليها فعله اسرعت وتخبئت بجانب الخزانة، ليفتح الباب بالأخير ويدخل السلطان بعيونه قبل قدميه.

اغمض سيف الدين عينيه فور رؤيته لفستان من ملكت قلبه متدلي بجانب الخزانة، وهنا ايقن بقرب كشف أمرهم.

غض السلطان نظرة عن طرف الفستان الزهري وجلس على المقعد بعد ان اغلق الحراس الباب قائلا

"ما عقوبة مخالفة الأوامر الملكية"

شعر الأمير بمعرفة والده أمره، جلس على المقعد المجاور له مجيبًا عليه وهو يحك طرف لحيته القصيرة 

"يجب معاقبته"

رد السلطان وقال "جميل"

ليسرع الأمير بقول 

"ولكن يختلف العقاب لاختلاف التفاصيل"

ابتسم أباه 

"تعني أننا ننفذ القوانين بالمحسوبية"

أجاب الأمير بضحكة أثلجت قلب السلطان

"وما أجملها من محسوبية حين يكون ولي عهدك المتهم "

اوما والده برأسه قائلا وهو يشير له كي يدنو منه

"اقترب" 

سأله الأمير بحركة رأسه عن سبب طلبه هذا.

اغمض السلطان عينه واوما برأسه  مشيرا له كي ينفذ أمره ويقترب منه.

ابتسم الأمير وتحرك ليحتضن أبيه بدلا من انحنائه عليه بجلسته. متفاجئ بتعلق أبيه في ياقته قائلا 

"ماذا فكرت نفسك، بماذا وثقت كي تخفي علي أمر صاحبة الفستان…"

رمق بعينه تجاه الخزانة مكمل حديثه

"هل نقول زهري ام بنفسج"

رد الأمير "كيف علمت أمرها"

سحبه أباه من ياقته اكثر مقربه له

"كان عليك ان تسأل منذ متى علمت بأمرها"

صمت الأمير ليكمل أباه من جديد

"كي أخبرك عن الرجل الذي تم القبض عليه لأنه يعذب اخته الجميلة. أو أخبرك عن الفتاة التي أصبحت رفيقتك طيلة الشهور الماضية. أم أخبرك عن دخولها الحرملك وطلبك بإخراجها واستضافتها بهذه الغرفة"

سحب الأمير ياقته من يد أبيه وهو يبتسم له

"كما تدين يا عبد تدان، فعلتها معك بالأمس البعيد وانت تردها لي.."

لم يكمل كلامه حتى سحبه أبيه من ياقته مرة أخرى غامزًا له بصوت منخفض

"هل مختلفة عن جميع ما قدم لك حتى تختصها لنفسك دون أن تؤثر أبيك عليك"

حذره سيف بعينه مشيرًا لمكان فتاته.

عدل من حالة ياقة ابنه مقبل وجهه قائلا له بصوت عالي 

"ألن تعرفني عليها"

وقف سيف الدين وهو يمسح وجهه ويحسن من حالة ملابسه متحدث بثقة"كم ستدفع لأجل ذلك "

نظر السلطان بقوة تسللها المزاح، مما جعل الأمير يسرع نحو من كانت تخبئ وجهها بيديها 

"اعرفك على زوجتي ومن ملكت قلبي صوفيا"

صُدم السلطان مما قاله ابنه نظر نحو تلك الفتاة الجميلة المزينة بالخجل والحياء ثم نظر لفرحة ابنه التي كانت تنير وجهه وهو يحكي له عن كيفية اختبائهما منه. أظهر السلطان موقف غريبًا عن المنتظر منه وتبين أنه كان يعلم عنهما كل شيء صمت لأجل سعادة ابنه، تذكر زوجته السلطانة صوفيا وكم الصعوبات التي واجهته حتى تزوج بها، اعاده ابنه لفرحته بعروسته قبل ما يزيد عن عشرين عام.

لم يتوقع سيف الدين مكوث أبيه السلطان بغرفته كل هذه الساعات وهو مندمج مع فتاته طالبًا منها أن تقص عليه الحكايات.

كاد أن يهج هاربًا من كثرة وشدة الود الذي ألقي بقلبي صوفيا والسلطان الذي لم يعد يتركها وحدها كثيرًا.

أراد السلطان ان يجعلها تعتاد على الأصول والعادات والقوانين الملكية قبل ان تعود أمه السلطانة روفيدة، علمها بطرق مختلفة وتعليقاته على الحكايات التي ترويها له موضح الأصح والأفضل وما كان يجب اتخاذ من قوانين. وببعض الأوقات يقص هو عليها قصص من التاريخ ليريها كيف يتصرف النبلاء والحكماء والصالحين والأمراء كل ذلك لتأخذ دروس مستفادة تقاوم بها ما ينتظرها.

ارتبطت صوفيا بالسلطان وجدانيًا بشكل جعلها تهتم بطعامه ومواعيد علاجه حتى أحاديثه الطويلة دون ملل

استمتع سيف الدين بهذا الانسجام الذي لم ينتظره من والده ابدا. 

مرت الأيام بسعادة كبيرة متوجة بحب وفرح جميع من بالقصر الملكي. كما حظيت صوفيا بالمحبة بطيبة قلبها ورحمتها وجبرها للخواطر، أصبحت سندس الأقرب لصوفيا اهتمت بها وباختيار ملابسها كما كانت تحكي لها عن سلبيات القصر وتحذرها منها اول بأول،  استمر الوضع بسلام وهناء حتى وصلت رسالة الاستنجاد للقصر. 

فز السلطان نجم الدين ملبي نداء السلطانة الأم بحماية مملكة اخيه المنتصر بالله، تجهز الجيش واستعد الجميع تأهبًا للخروج بجيش يهتز منه الأعداء خوفًا

ساءت حالتها وهي تشهد على استعدادات أميرها للخروج مع الجيش. طلبت منه أن يبقى هو بالقصر ولكنه رفض موضح لها اهمية هذه المعركة

"كيف اترك نداء الواجب الوطني.. أم تظنين أنني جبان. السلطان بقرارة قدره رفض البقاء ليعلمهم درسًا لا ينسى… ان تخلينا اليوم سنجدهم فوق رؤوسنا غدًا.. لا تقلقي هم أضعف من مواجهتنا.. حتى أنهم سيفروا هاربين بمجرد سماعهم عن قوة جيش خرج به السلطان نجم الدين "

دمعت عينيها "سأذهب معكم إذا "

قبل وجنتها مجيبًا عليها بعد ان ضمها في حضنه "اين تذهبين بحالتك! عليكِ ان تسترخي وترتاحي كي تتحسن حالتك. أنتِ وعدتني بذلك. دعي خوفك هذا جانبًا. سنذهب ونعود منتصرين. اعدكِ أنني سأحافظ على نفسي لأجل هذا اللقاء مجددًا. وايضا ان زاد مرضك أخبري حافظة او سندس وهما سيتصرفا"

اجابته لتطمئنه "لا تقلق كان وضع عارض اعتقد لاني تناولت طعامي بوقت متأخر"

فكر بشيء جعله يبتعد عنها مقترب من درج مكتبه وأخرج دفتر ورق وقلم حبر وعاد ليعطيهم لها قائلا 

"أريد أن أرى وأقيم بنفسي تقدمك بتعلم اللغة العربية "

نظرت له باستغراب ليكمل 

"ستكتبين لي كل ما يخطر بعقلك منذ اللحظة الأولى لاستيقاظك حتى نومك، ان اردتي ان تتحدثي معي اخبري الورقة بهذا،  وان اردتي ان تعلني عن الاعتراف الذي طال كثيرًا اكتبيه بالورق وعند عودتي ساتمتع بقراءة شوق زوجتي لي"

تحمست بقوة ليخبرها الخبر السعيد

"وعدني أبي أن يتحدث مع جدتي وعمي بأمر حفل زفافنا الملكي"

هزت رأسها بالنفي

"لا اريد حفل يكفي ان اكون زوجتك على كتاب الله وسنة رسولنا الكريم"

ضمها بقوة حبه مقبلها قبلة جاءت أعلى رأسها حين تحركت مبتعدة عنه فور دخول السلطان عليهم.

كان وداعا ثقيلًا على قلب صوفيا التي شعرت وكأنها لن تراه مجددًا دمعت عيونها وضاق صدرها بما رحب.

حل الليل واظلمت السماء لتشاركها حزنها على كل ما تملكه بهذه الحياة. وبينما كانت تبكي على فراشها بحزن كبير، كانت السلطانة رفيدة تدخل من باب المملكة لتفاجأ الجميع بوصولها.

لم تكن عادة جديدة عليها فهي لا تخبر احد بموعد ذهابها او ايابها.

صُدمت سندس من رؤيتها للسلطانة رفيدة اسرعت نحو غرفة الأمير سيف الدين لتخبر صوفيا بهذا الحدث الجلل.

وجدتها تخرج من الحمام وهي تضع يدها اسفل صدرها. اقتربت منها متسائلة

"هل من جديد!"

وبخوف نظرت نحو الباب وعادت لتنظر لها قائلة "تعالي معي "

رفضت صوفيا وهي تتجه نحو فراشها 

"سأكون بخير احتاج للنوم "

قاطعتها سندس وهي تتحدث بخوف

"السلطانة رفيدة وصلت اعتاب القصر قبل قليل، عليكِ ان تتخفي عن الأنظار حتى عودة الأمير والسلطان"

سألتها صوفيا 

"لنخبرها أنني هنا بأمر من الأمير والسلطان"

رفضت سندس بخوف

"لا تختبري حظك معها، أخشى أن تؤذيكِ او ترسلك بلا عودة. فعلتها مع من سبقوكِ وليس من المستبعد عليها تكرارها دون أن يرف لها جفن. هل ستكونين أقوى من السلطان حين وقف امامها كي لا تؤذي سلاف ولكنها لم تستمع له واستيقظنا جميعا على وضع اختفائها دون ان يعلم احد ما حدث لها حتى الآن"

سألت صوفيا "وماذا فعل السلطان!"

اسرعت سندس بجوابها

"سأخبرك بالطريق هيا لنخرج بسرعة"

دار رأسها وكادت ان تسقط عندما حركتها سندس بقوة.

تمالكت نفسها اسرعت لأخذ الورق وقلم الحبر ثم ارتدت حجابها واضعة على اكتافها وشاح كبير تدفأ قلبها البارد.

سمعت سندس صوت الحرس وهم يقولون "دستور"

اسرعت بصوفيا نحو غرفة الاميرة حفصة القريبة منهم وادخلتها بها قائلة 

"ابقي هنا ولا تخرجي ابدا. تخبئي في الشرفة أو خلف الخزانة الكبيرة هناك مكان صغير تتخبئ به الأميرة رافضة ما يفرض عليها"

تأملت سندس حالتها قائلة

"ما بكِ! هل زاد مرضك لهذه الدرجة"

همت صوفيا للإجابة منصدمة من تكملة سندس كلامها

"أم انكِ حامل! نعم حامل! كيف لم أفكر بهذا"

اتسعت اعين صوفيا مندهشة مما القي بوجهها سألتها سندس عن السؤال الدارج بهذه الأوقات لتجيبها صوفيا

"لا لستُ حامل. ستأتي تأخرت بضعة أيام لا اكثر"

ذعرت سندس قائلة لها 

"إياكِ إن تراكِ حافظة بهذه الحالة، تخبئي ولا تظهري أمام أحد حتى أعود "

خرجت سندس لتجد السلطانة تخطتها مقتربة من غرفتها لتدخل بها.

عادت مغلقة الباب خلفها 

"لا لن اتركك خلفي وانتِ بهذه الحالة، هيا اسرعي كي لا نعجز عن تهريبك في حالة معرفتها بأمر او بمعنى أدق بأمر حملك "

ردت صوفيا 

"أما زلتي تقولين حامل"

سحبتها معها وهي تجيبها

"لا تقلقي سنتاكد من هذا أيضا ولكن علينا النزول للاسفل دون ان يراكِ احد بجانبي"

فتحت الباب ونظرت على مداخل ومخارج الممر قائلة 

"هيا اخرجي بسرعة وتوجهي للاسفل ، ساتي إليكِ بعد عدة دقائق، اخفضي رأسك لا تتحدثي مع احد"

 جاءت لترفض من جديد ولكن سندس سبقتها "لنتأكد من حملك اولا ومن ثم نفكر بأمر بقائك واختفاءك"

اتفقا سويا ليخرجا من الغرفة واحدة تتبع الأخرى بعد فاصل دقائق معدودة 

اختلطت مشاعرها عليها حين سمعت السيدة تتحدث مع سندس

"إنها حامل" ضحكت وبكت في نفس اللحظة.

تساءلت المرأة عن الفتاة من تكون ومع اي رجل تورطت. نظرت لملابس صوفيا وتحدثت بخوف

"اياك ان تقولي….."

أسرعت سندس بتحدثها للسيدة بصوت ضعيف

"مسكينة. لعب بعقلها وتركها بعدها. عليها ان تسقطه قبل ان يفضح امرها"

ردت المرأة بتخفي 

"نعم عليها فعل ذلك بأقرب وقت. سأجري لها العملية خارج القصر وايضا سأخذ حقي مسبقًا"

اومات سندس برأسها 

"لا دخل لي بها. اردت ان اساعدها فقط. فلتفعل ما تريد"

حذرتها المرأة أن تذهب لغيرها كي لا تضيع الاموال عليها . اعطتها سندس وعد كبير توليها هذا الأمر.

وبطريق عودتهم تفاجأت سندس باقتراب السلطانة من الممر الذي هم به، أسرعت بفتح أقرب غرفة ودخلت بها مسرعة بالتخفي خلف أحد الأعمدة الخشبية الكبيرة.

تذمرت صوفيا رافضة ما تفعله صديقتها

 قائلة "لا اعرف لما تفعلين كل ذلك. مولاي السلطان يعلم بأمرنا. لاقف امامها بثبات و اواجهها. التحدث بالحقيقة ليس صعب وان تعنتت سأطلب منها أن ننتظر عودة الأمير والسلطان"

هزت سندس رأسها بخوف ممسكة بها لينغمسا بزاوية العمود الخشبي وهي تقول لها 

"تنتظري! هل تعتقدين أنكِ بعد ان تقفي امامها وتعلم بأمرك ستتركك تخرجين من غرفتها بسلام!"

غضبت صوفيا قائلة

"نعم لا يمكنها فعل شيء بي. انا احمل طفل الأمير داخلي وهو سيشفع لي عندها"

وضعت سندس يدها على فم صوفيا فور فتح الباب، لم يتوقعا للحظة سمعهم صوت السلطانة وهي تقول

"كيف لم تجدها! هل انشق القصر وابتلعها! عد لغرفة ولي العهد والسلطان والضيافة والحرملك والحمامات وقسم إعداد الطعام والمخازن لا اريد ان تترك شبرا في القصر 

دون البحث عنها به"

رد الرجل

 "أمرك يا مولاتي سينتهي الأمر الليلة. سأبحث عنها بكل القصر وأأتي  بها إليكِ"

اجابته بقوة "لا اريد رؤيتها افعل اللازم"

أجابها بعزم على تنفيذ الأوامر

 "سينتهي الأمر الليلة، ساجدها واسلمها للسيدة حافظة كي…"

قاطعته السلطانة بعيونها التي تشع الشر 

"لا لم ترسلها لحافظة هذه المرة. هل تعتقد انني تركت الحرب وعدت سريعًا كي نحافظ على نسلنا…."

اخفض رأسه لتكمل السلطانة بقوة مخيفة

"لم انتظر حتى أقف خصم امام حفيدي. لم ولن اسمح لهؤلاء بتلويث السلالة الملكية. ستمحي أثرها من الوجود لا اريد ان اراها او اسمع اسمها مجددًا. احذرك من ان تضيء السماء بصباح يوم جديد وهي على قيد الحياة. وإن حدث ستكون رقبتك ثمنًا لهذا. ليعلم الجميع قوة وسيطرة ونفوذ السلطانة رفيدة بالمملكة"

ابتلع الرجل ريقه وهو يستمع لقوتها 

"ساحاسب كل من سمع ورأى وصمت دون اخباري بذلك. سأحرق أرواحكم التي سولت لكم اخفاء أمر كهذا علي"

رد الرجل "ياغيز بيه هو من…."

قاطعته "لا اريد سماع اسم من هم بين يدي الله "

ارتجف صوت الرجل وهو يسأل

 "هل مات ياغيز"

انتفض من قوة نبرة صوتها وهي تقول له

"وستلحق به أن لم تأتيني بخبرها الليلة قبل طلوع الشمس "


يتبع .. ‎إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.


وما ملكت أيمانهم الفصل العاشر
Wisso

تعليقات

3 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف27 نوفمبر 2024 في 12:58 ص

    روعه تسلم ايدك حبيبتي
    اشتقنا لشهرزاد وتوته والبدري

    حذف التعليق
    • غير معرف27 نوفمبر 2024 في 1:55 ص

      يا لها من قسوة القلب التي تمتلكها روفيدة

      حذف التعليق
      • Rim kalfaoui photo
        Rim kalfaoui27 نوفمبر 2024 في 11:49 م

        حلقة في قمة الروعة والجمال خاصة المشاهد بينهم العشاق وكمان بين صوفيا والسلطان بس القفلة كانت رهيبه ليه الحقدة والظلم من قبل السلطانه الام

        حذف التعليق
        google-playkhamsatmostaqltradent