رواية "ومَا مَلَكَت أَيمَانُهُم"
بقلم أمل محمد الكاشف
حدث أمر غريب حين سُمع صوت ضخم وكأن الحرب دقت طبولها. حدثت حالة من الهلع والفزع دون أن يُعلم السبب.
تبعثرت الأنظار يمينًا ويسارًا متسائلين
"ماذا يحدث؟"
اسرع مسؤول الأمن ليطمئن السلطان والرعايا من بعده أن الصوت ناتج عن كسر زجاج أحد النوافذ الكبيرة لا أكثر.
تمالك الجميع نفسه ليتفاجؤوا باختفاء الفتاة البنفسجية دون ان تترك خلفها إحدى نعليها كالمعتاد بنهاية الأساطير.
عاد الأمير بجانب أبيه ليجده يحدثه بفرح كبير
"هل اقترب لقائي بحفيدي "
أومأ الأمير برأسه في لحظة انسياب وانسجام بهيام رقصته التي أنعشت قلبه العاشق. راقب بعينيه نجاح خطتهم وحالة ياغيز الفرح بنجاح المهمة السرية التي أصبحت أمن قومي لديه.
دخلت لغرفتها واغلقت عليها ملتقطة أنفاسها بصعوبة سرعة ضربات قلبها وهي تردد
"الأمير سيف الدين. هل قضيت كل هذه الشهور مع ولي عهد المملكة"
تذكرت حالة الكوخ والحمام الزاجل والحصان الذهبي والحرس الملكي الذي كان يأتيهم ليزودهم باحتياجاتهم واصراره على قول "أنا الأمير سيف الدين "
تذكرت دخوله عليها عشية أول ليلة بالقصر وهي تبكي مؤكدًا عدم مجيء أحد لغرفته غيره. احمرت وجنتيها وهي تتذكر قربه واصراره على نزع الرابطات بيده.
تحركت لتشرب الماء بيدها المرتجفة من شدة خجلها وكأنها لا زالت بحضنه يتملكها بقوة رافعها عن الأرض كي لا تسقط من سرعته.
بل تذكرت رقصتهما الأولى بالكوخ
حدثت نفسها
"كيف لم الاحظ هذا. لم يكذب عليٌ أخبرني بشخصه من اول يوم"
نظرت للشرفة متسائلة
"ماذا سأفعل كيف سأنظر لعينيه بعد ما قلته عن العائلة الملكية"
…….
عادت السلطانة رفيدة للحفل هي وابنها الأصغر عمرًا بين أبنائها مقتربين من السلطان الذي تحدث بمجرد رؤية والدته
"كان عليكِ أن تري رقصة ولي العهد "
تحدثت امه بحدة
"لقد اتخذت قرارًا مهم. سأعود مع أخيك المنتصر بالله كي اتابع امر مملكته بنفسي. الوضع حساس كما تعلم من الصعب الجلوس هنا وانتظر الاخبار تغدو وتعود، كما يجب عليك ان تحضر نفسك إن لزم الأمر.. "
رد السلطان بقوة "لا عليكِ راسلوني لتجدوا الجيش الملكي بجانبكم في أسرع وقت"
اقتربت أمه منه كي تحدثه بصوت منخفض
"اشرف انت على تنفيذ قرارنا الأخير. سيترك أميرنا حياة الوحدانية والعزوبية من الليلة"
أومأ نجم الدين برأسه ليؤكد "نعم اعطيكِ الحق الليلة سيقضى الأمر"
تحركت لتنظر لابنها المنتصر بالله وهو يتحدث مع كبار المملكة مكملة
"سأصعد لارتب واجهز نفسي ليس أمامنا وقت كبير. بالمناسبة سأصطحب الأميرة حفصة معي كي تستمتع مع أبناء عمومتها اللواتي بعمرها"
تحدث نجم الدين "ولما العجلة! انتظروا للصباح"
رفضت السلطانة لأهمية سرية الأمر تجنبا لأي هجوم مدبر بالطريق بجانب محبتها السفر تحت ضوء القمر.
انشغل الجميع بتوديع الضيوف والتحدث مع من بقى دون إظهار او اشعار احد بخروج السلطانة الأم لطريق السفر.
ليتفاجأ سيف الدين بهذا الخبر حين بحث عنها ولم يجدها. فرح وجهه وهو يحدث أبيه
"هذا يعني أننا تحررنا"
حرك السلطان رأسه بالنفي
"ليس كذلك. سأباشر بنفسي تنفيذ قرارها الأخير. اريد حفيد بأقرب وقت"
تحدث سيف الدين باستغراب
"هل ستنتظر أحفاد من وراء هذه الليالي!"
نفى نجم الدين بسرعة وقوة
"هذا الأمر مفروغ منه. السيدة حافظة تعلم كيف تدير عملها دون خطأ أو تقصير "
رد سيف الدين
"وما ذنبهم! ألم يحق الله لهم الأمومة!"
رد السلطان بغضب
"لا تتحدث كثيرًا. قوانين عائلتنا معروفة منذ القدم. اعطي امي الحق بتمسكها بها. علينا أن نحافظ على عرقنا و نسلنا من الاختلاط والتلوث بعروق وانسال لا نعلم أصلها"
فار الدم و غلى بعروق الأمير مجيبًا على والده "ألم تشفق عليهم! ألم يأمرنا الله بالمعروف معهم"
زفر والده بجوابه
"وماذا نفعل ألم نمنٌ عليهم بالاستمتاع بقربنا"
نظر الأمير لعيون أبيه بقوة
"انت اكثر من يعلم أنه ليس بكافي وان هناك أقوال كثيرة تحرم سلبنا لحقوقهم واتخذهم…"
اصمته السلطان بصوته الذي علا بقوة
"كبار رجال الدين بالمملكة شاهدون على ما يحدث ولا أحد منهم تحدث معي بما تحدثت انت. كونك لا تحب هذه الحياة وتريد ان تحتفظ بقلبك لعروستك المستقبلية فقط لا يعطيك الحق بالتدخل بي وتحريم ما حلله الله"
نظر لأبيه نظرات طالت بحزنها،
استكمل السلطان قائلا
"تحدث. أجبني ما بك لماذا تنظر بهذه الطريقة"
ابتلع سيف الدين ريقه ناظرا لأبيه قائلا
"لا لم أتدخل بشأنك لك ما تريد"
اوقفه أبيه قبل أن يبتعد عنه
"ماذا تقول أنت!. مابك!. هل كل ذلك لأجل قرار جدتك. ان اردت اذهب لكوخك وسارسل لك رسالة كي تعود قبل عودتها"
تنهد بحزن على على نبرة صوته
"اعتذر عن حديثي يبدوا انني احزنت مولاي السلطان حتى أصبح يريد التخلص مني كي يفعل ما يريد. لا عليك يا ابتي افعل ما تشاء لن أتحدث بهذا الموضوع مجددًا. ولكني سأقول لك كلمة أخيرة"
حرك السلطان رأسه باهتمام واستفسار ليكمل ولي العهد حديثة
" {استفتي قلبك} لتعلم هل انت على الطريق الصحيح ام لا. دعك مني ومما قلته لك وقف بشرفة غرفتك وانظر للسماء وأنت تعيد التفكير بالأمر إن وجدت انك راضي عن نفسك امام الله تدعوه ان يعطيك الصحة لاستكمال ما أنت به استمر دون أن تخشى احد، ولكن ان وجدت نفسك غير راضِ عما تفعله و تشعر بظلمك لغيرك عندما تسلب أغلى ما لديهم لأجل سعادتك بليلة واحدة ثم تكمل انت بعدها وتتوقف هي عندها. إن وجدت نفسك تفعلها وأنت تتهرب من السلطانة وغيرها. حينها راجع نفسك قبل فوات الأوان ومراجعة رب السماوات والأرض لك"
انحنى تقديرًا واحترامًا لأبيه متمنيًا ليلة سعيدة له ومن ثم تحرك ليصعد للأعلى.
اختنق نجم الدين بحديث ابنه اقترب من النافذة الخلفية ليقف شامخًا امامها وهو يشبك كفيه آخر ظهره ناظرًا للسماء ليس لأجل فعل ما قاله له ولي عهده بل لأجل ما طرق باذنية بصوت السلطانة صوفيا تلك التي ملكت قلبه.
لقد كرر الولد كلمات أمه التي ألقتها بوجه حبيبها السلطان قبل أربعة وعشرون عامًا.
اغمض نجم الدين عينيه بحزن كبير متذكر قولها
"إن أردت السعادة عليك أن تهبها لجميع من حولك حتى لا تُحرم من طبعها على قلبك و وجهك. لنعطي الجميع حقوقهم في بناء حياة كريمة مستقلة. نهب لهم حياة مليئة بالابناء والأعمال والمسؤوليات. نساعد الفقير ونساند المحتاج ونعطف على المساكين. نعيش بجانب بعضنا البعض بمحبة و تكافل وكرامة. ما ذنب الفقير بفقره ألم يشرع الله الزكاة كي لا يبقى فقيرًا بيننا. ما ذنب هؤلاء الفتيات ان أصبحوا أسرى حرب او سبايا دون عائلة. أليسوا بشر لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. تحرمونهم مما حلله الله لهم وهو أن يصبحوا امهات واباء. تحرمون الزواج على الرجال منهم كي تحافظوا على قوتهم و ولائهم وكثرة عملهم. تأتون الفتيات مما حلل الله لكم وتحرموا عليهم الأمومة والحياة الكريمة. الفتاة تعيش عمرها حالمة بليلة بجانب السلطان والأمراء أو حتى كبار النبلاء. هل تعتقد انه من العدل. هل انت راضي عن نفسك امام الله "
تذكر سؤاله لزوجته
"وماذا علينا أن نفعل"
تألم رافعًا يده ليضعها أعلى قلبه النازف بحزنه على زوجته محاول لمس موضع كف يدها الذي وضع هنا قبل سنوات عديدة وهو يستمع "استفتي قلبك وهو سيخبرك "
أقترب ياغير من السلطان قائلا بصوت مبتهج
"تم الأمر يا مولاي السلطان. اخترت لك اجملهم لتقضي معك الليلة. لا تقلق كل شيء تحت السيطرة لا أحد يعلم أنهم من الوفد الروسي غيري"
تحرك السلطان قائلا
"لا. ليس اليوم أعدها لمكانها. لن اذهب لمكان الليلة أريد أن أنام مبكرًا"
اقترب ياغيز بقلق وصوت منخفض
"لا تقلق حضراتكم كل شيء تحت السيطرة. إن أردت احضرها لغرفتك كي تنام وهي بجانبك…"
قاطعه برفع كف يده ناظرا بقوة
"لا تكثر من كلامك. هيا اذهب واعدها لمكانها"
تحرك السلطان عدة خطوات قائلا بعدها
"ماذا حدث بأمر ولي العهد هل بدأت تحضير الغرفة وتهيأت الفتيات .."
اسرع ياغيز بقوله "لا تقلق يا مولاي كل شيء تحت السيطرة "
اوما براسه وأكمل سيره ومن خلفه ياغيز المتعجب من حالته. وصل السلطان لغرفته لتفتح أبوابها أمام وقف لثواني معدودة اقترب منه ياغيز "مولاي هل أنت بخير "
أكمل سيره و دخوله للغرفة
"بخير لا تكثر من كلامك. هيا اذهب وأشرف على تجهيزات فتاة ولي العهد بنفسك"
أغلق الباب بوجه ياغيز فور دخول السلطان لينظر هو للحراس قائلا بوجه مبتسم مبتهج
"ألم أقل لك يا مولاي كل شيء تحت السيطرة. دخلت القطة عرين الاسد واغلق عليها منذ زمن"
انتبه على نفسه وما خرج من فمه نظر للحراس بوجه حاد
"انظروا لعملكم لا اريد تقصير"
وتحرك مبتعدًا عنهم ممثل قوتة وشموخ خطواته.
……
بهذه الأوان دخل ولي العهد غرفته بعد حديث طويل مع شيخ المملكة الجليل عن اهمية إتمامه حفظ كتاب الله وخاصة انه لم يتبقى له سوى عدة أجزاء ويجتاز هذه المكانة الرفيعة وسط حفظة القران. اثمر اللقاء عن وعد الأمير أن يتم حفظ ما تبقى عليه بموسم الشتاء هذا العام.
كان بحالة مختلطة بين المسؤولية والضيق من والده وفرحة الرقصة التي أبهجت قلبه، تحرك نحو شرفته مقتربًا من العازل الخشبي ببطئ كي لا تشعر به.
تفاجئ بنومها على الفراش وخفض كل الإضاءة عكس العادة. عاد الى غرفته ليبدل ملابسه الثقيلة من كثرة المعلقات عليها. أغلق أزرار قميصه الطويل وهو يتخطى فراشه الذي من المفترض أن ينام عليه. ولكن من الواضح أن خطواته قادته نحو مكتبه ليكتب ما يجول بنفسه.
لم يحدث الأخير حين تخطى مكتبه ايضا متوجهًا للشرفة من جديد عابرًا العازل الخشبي مقتربًا من فراشها من الجهة الاخرى لينام بصمته الغريب.
كان مستلقي على ظهره مغمض عينيه دون غطاء خشية ايقاظها.
فتحت عينيها خفيه لتتأكد مما شعرت به لتجده نائم بجانبها حقا، ظلت تنظر بغرابة و حالة من الصدمة لا زالت مصاحبة لها من بعد معرفتها حقيقة نسبه.
لم تتحرك رغم رغبتها برفع الغطاء عليه ظلت صامته ثابتة حتى نامت هي ايضا.
ما لبثوا ساعتين على الأكثر حتى تحرك الأمير ورفع الغطاء كي يدخل اسفله محتضن فتاته غارقًا باحلامه مجددًا. استيقظت على صوت اذان الفجر لتجد نفسها أسيرة قضبان حضنه. خجلت وارتفعت حرارتها مما هي به. تسمرت لما يقرب من نصف ساعة دون حركة تتنفس ببطئ كي لا يفضح أمرها.
نظرت نحو الشرفة لتجد الظلام قد بدأ بالرحيل شيء فشيء ليحل مكانه نور الشمس.
استجمعت قوتها لتؤكد على نفسها ضرورة واهمية الصلاة اغمضت عينيها لوهلة قائلة بداخلها "بسم الله بسم الله ساعدني يا الله على القيام من بين يده"
فتحت عينيها وبدأت بقفزها من على الفراش صارخة بوجهه "صلاة الفجر، صلاة الفجر"
فزع وانتفض للوراء ناظرا حولها محاول فهم ما يحدث. هل هاجمها وحش بري. أم تم اقتحام الكوخ عليهم من قبل قطاع الطرق. لم يستوعب عقله أنهم في القصر بل لم تسمع اذانه بقية أحاديثها التي كانت بنبرة صراخها وهي بطريقها للحمام.
التقط أنفاسه وعاد لنومه
"هل أُصيبت بالجنون"
سرعان ما خرجت من الحمام وهي تعيد عليه "صلاة الفجر. قم لصلاة الفجر"
ذُهل وثبت نظره المتسع عليها حين اسقطته أرضا من على الفراش
"هيا لن اتركك حتى تصلي فرضك"
وقف ماسحا وجهه متقدم نحوها بخطوات بطيئة
"أما زلتي تفعلينها بعد معرفتك بأمري. ألم تخشي من عقابي. ألم يحدثك أحد عن مجلس التأديب لكل من يخالف او يمس العائلة الملكية بسوء"
ردت وهي تتراجع للخلف بنفس خطواته
"أنا لم أسيء لك اردت ان تصلي كي لا تعاقب بمجالس رب العباد حين لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى ربه بقلب سليم"
صُدم ظهرها بحائط الغرفة وهي تنظر له بعيون تهتز من توترها وخجلها وارتباكها. لا زال يقترب بهدوئه وبطئه
"هل تتهمين الأمير بقلبه. ألم يمتلك ولي العهد قلب سليم"
ابتلعت ريقها متحدثه بصوت كاد أن لا يسمع من شدة ارتجافها وتوترها من قربه
"أعني أن يعلم القلب أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ليحاسبوا على تقصيرهم"
تحمست و تمالكت نفسها ليعلو صوتها قليلا
"نعم الجميع سيبعث ويحاسب والصلاة أول ما يحاسب عليه المرء بعد التوحيد "
اجابها وهو ينحني برأسه عليها
"هل أصبحتي تغيرين المعاني والتفسير لصالحك"
اجابته بحركة رأسها النافية لما يقول. ابتلعت ريقها كما زادت أنفاسها وهي تستمع له "اجيبيني لماذا صمتي"
كاد وجهه أن يلامس وجهها لولا اختناقها بانفاسها المحتبسة وزفرها باجابتها التي خرجت منها وهي تدفعه لتبعده عنها
" ألم يقل رسولنا الكريم
(إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر). هيا توضأ كي لا تخسر اخرتك يكفي ما اهدرته من دنياك"
ابتسم بحركته قبلتها من جديد
"كيف خسرت دنياي. هل ترين أنني خسرت دنياي"
اسرعت بغلق حجابها على رأسها رافعه يدها وهي متوجهه نحو القبلة "الله أكبر"
تبسم وجهه فرحًا بحالتها تحرك ليتوضأ ويصلي فرضه وينهيه قبل ان تنتهي هي لتكون أول كلماتها بعد التسليم من الصلاة.
"ما بك هل كنت بسباق مع الزمن. وايضا لما لم تصلي سنة الفجر ألم أخبرك أن رسولنا الكريم قال عنها {ركعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها}".
ابتسم قائلا "نعم وها أنا صليت ركعتين الفجر"
حركت رأسها بالنفي
"لا السنة تسمى ركعتا الفجر. والفريضة تسمى ركعتا الصبح"
أومأ برأسه باسمًا "اعلم ذلك"
نظرت باستغراب
"لماذا تسأل ما دمت تعلم"، ابتسم لها لينصدم بما خرج منه
"كي لا تكفي عن الثرثرة بجانبي. ما عساني أفعل لقد أدمنت ذلك"
خجلت مما سمعت ورأت بعينيه المبتهجة تحركت لتقف نازعة حجابها من على رأسها، ليقف هو ايضا مقتربًا منها رافعا يده ليحرر شعرها من الخلف ممسك بخصلاته الذهبية الناعمة قائلا بشرود
"الوحيد الذي اصدقني بحالته من أول لقاء"
ابتلعت ريقها وهي تستدير ناظره لطرف شعرها بيده متسائلة بعينها كيف صدقه بحالته.
ليكمل حديثه "ثبتت عيناي عليه بأول الأمر. أقول لنفسي ما هذا. سرعان ما عاد الي عقلي وتذكرت انني لم أعد وحيدًا بالكوخ. اخذت اجمعه من أرضية الحمام. نفس الملمس واللون اما الجمال"
نظر أعلى رأسها وهو يحركه على اكتافها
"أصبح أجمل مما توقعته "
تهربت منه بقول
"هيا اقضي الفجر"
محيت تعابير الفرح من على وجهه. حدثها باندهاش
"وما الذي صليته قبل قليل"
ابتعدت قليلا
"عليك أن تقضي السنة"
اجابها "ما رأيك بالهروب"
قفزت فرحة "هل سنعود للكوخ"
طار من شدة ابتهاجه مجيبًا
"هل احببتي الكوخ لهذه الدرجة"
أومأت برأسها
"وأكثر من هذا، حتى لا زلت لا اصدق انك امير"
ضحك مكرر "أنك أمير! ألم يليق بي هذا "
خفضت عينيها لتزداد جمال
"العفو منك يا مولاي"
سحبها ليدخلها بحضنه بتلقائية كبيرة مقبل رأسها بعدها وهو يقول
"لا عليكِ أنا كما أنا. لا أريد سماع كلمة مولاي. انسي أمر المملكة والعائلة الملكية وتصرفي بطبيعتك"
حبست أنفاسها وهي بحضنه كما ازداد القلب حركة بعد أن أصبحت ترتبك وتخجل أكثر من قبل.
سألها من جديد "ما رأيك؟ هل نهرب؟"
أومأت برأسها استجابة لطلبه لتجده يخرجها من حضنه قائلا
"هيا ارتدي ملابسك بسرعة وانا ايضا سابدل ملابسي وأتي إليكِ"
نظرت نحو خزانتها متسائلة
"هل سارتدي فستان الحفل! ليس لدي سواه"
فكر قليلا
"انتظريني سأتي لكِ بما يناسب هروبنا "
واسرع ليخرج من الغرفة ليحقق لها ما لا يخطر باحلامها حين عاد إليها بالكثير من الفساتين والاحذية والإكسسوارات السارقة للقلب قبل العين.
اختارت واحد باللون الأبيض ولكنه رفض واختار لها آخر باللون الزهري أخذته منه وشكرته بعيونها الفرحة بجماله.
وقف ينتظرها لتبدل ملابسها "هيا اسرعي". نظرت له بتعجب لينتبه على نفسه قائلا
"عفوا من الواضح أنني تحمست اكثر من اللازم"
ابتسمت بخجلها "أرى ذلك بوضوح "
خرج من الغرفة وصورة وجهها المبتسم الفرح لا تفارقه. انتظر بفارغ الصبر حتى نادته من وراء العازل الخشبي لتسحره بجمالها وكأنه أول لقاء بينهم دارت عينيه عليها وكأنه يراها لأول مرة بحياته.
سحبها لغرفته كي تتناول فطورها الملكي بجانبه حتى اشبعوا بطونهم.
خطفها بعدها برحلة ممتعة بين حقول الورود الزهرية المتواجدة داخل المحيط البعيد للقصر، أوقف حصانه ونزل من عليه ليمد ذراعيه نحوها كي يحملها وينزلها.
خجلت ورفضت مساعدته دون أن تتوقع سقوطها بين يديه فلم يعد ثوبها بسيط كسابق عهده.
نظرت نحو الحقول حولها متسائلة
"أين نحن "
اجابها "لا زلنا في محيط القصر الذي لا تريه من هذا البعد"
اجابته بانبهار
"ماشاءالله أهو كبير لهذه الدرجة"
رفع يده ليبدا الشرح لها عن المساحات الكبيرة الشاسعة التي تحيط قصرهم. منها حقول وورود وخضروات وفاكهة ومساحات خاصة بالمواشي والحيوانات. خلاف الاسطبل الملكي الكبير. ومساحات للنزهة وغيرها وغيرها ان تجولتي على قدمك بها لن تستطيعي حصرها ولو بعد عام كامل.
رأت عدد كبير من الفراشات تتراقص على الزهور لتفرح بشدة
"وكأن روحي عادت الي"
انطلقت بذراعيها المفتوحة لتتراقص بجانب الفراشات المحيطة بها. تحرك من خلفها ليبدأوا نزهتهم دون قيود تنقلوا من مكان لمكان يركضون ويمرحون ويتحاورون ويتمايلون بضحكهم على بعضهم.
انفصلا عن عالمهم مستسلمين للأحلام. لم تكن النزهة الأخيرة حين كرروا هروبهم بكل صباح لمدة ثلاث ساعات يعودون بعدها للقصر دون ان يشعر أحد بهم.
مر خمسة عشر يوما او يزيد كانوا من اجمل ايام حياتهم. من يراهم يعتقد انهم اخوة اعتادوا على الفرح والاستمتاع سويا وخاصة عند نومهم بجانب بعضهم دون ان يتعدى أحد منهم على حرمة الآخر.
وفي بعض الأحيان لا يمكن إنكار حقيقة حبهما وعشقهما لبعضهما فتلك العيون الفرحة والوجوه المبتهجة والاحضان العميقة الحابسة للأنفاس لا تفسر إلا باندماج الارواح وحبها القوي لبعضها.
اعتزل السلطان السمر في الليالي المعززة بالجميلات لعدة ايام عاد بعدها إليها وهو يبرر لنفسه انهم ملكه ولا يوجد نص صريح تحرم حقه بهم.
اشتاقت للكوخ وزاد طلبها بالذهاب إليه لقضاء بعض الوقت والعودة من جديد. اصبح لا يستطيع رد طلبها بعد أن امتلكت قلبه بصفائها وطيبة قلبها. فرحت ليتورد وجهها وتزداد جمالا بعيونه فوق جمالها.
لم ينتظر منها ان تطلب الاستحمام والاستمتاع بالعطور الملكية.
اجابها "أمرت أن يحضروا الأفضل والأنسب
لكِ. ألم تأتيكِ؟"
أومأت برأسها قائلة بعفوية
"نعم احضروا ولكن هؤلاء لهم مكانة خاصة بقلبي. المكان والرائحة والنوم براحة كبيرة"، تحركت بالكوخ
"أشعر وكأنني ولدت هنا. انا لم اشعر بالراحة و السكون سوى هنا. لم اشعر بنفسي بل وبالحياة كلها سوى هنا. هذا الفراش يمثل لي متعة وفرحة لا أحد يمكنه توقعها. اودعه بالصباح بخوف عدم اللقاء مجددًا. وحين نعود أركض إليه احتضنه بقوة فرحي. دعوت ربي كثيرا ان يديم علي نعمه وان لا أعود للماضي بعد ان مُنَّ علي بهذا النعيم"
ابتسم بقوله
"الكوخ نعيم! إذا كان كذلك فماذا يعني لك القصر "
جلست على فراشها وهي تحرك يدها عليه
"هنا شعرت بالأمان لأول مرة في حياتي. هنا أغمضت عيني لأنام بدون ألم يضرب جسدي من شدة انهاكي. هنا استمتعت بالاحلام وابحرت بالهناء. كنت أستيقظ في منتصف الليل و انظر حولي لأتأكد من أنني داخل حلم ام حقيقة. هل تحررت من صمدي حقا أم أنني أحلم بذلك"
جلس بجانبها يستمع لحديثها
"لا يوجد شكر يوفي لك حقك. ان عشت عمري كله لأجل خدمتك لن اوفي لك فضلك علي. أنت. أنت. لا اعرف كيف اعبر عن ما بداخلي لقد عدت للحياة بفضلك. أنت جعلتني أرى الكون بعيون جديدة انت وهبتني الدنيا وما فيها. انت ….."
لم يتحمل الأمير سحر اميرته وهي تروي له سعادتها بجانبه. بل لم يتحمل سحر عيونها المتلألأة وهي تفصح له عن حبها وقدره بقلبها بطريقة اختلفت تماما عن الطرق المعروفة في الاعتراف بالحب فيها.
كان حديثها واعترفها مختلفًا كاختلاف بداياتهم وعلاقتهم وتشابك أرواحهم أفصحت عن حبها لأميرها الذي أصبح دنيتها وملاذها وفرحتها وضيف احلامها.
في هذه اللحظة التاريخية قرر أميرنا ان يودع حياة العزوبية ملقي بقلبه في يد من أسرته بعفويتها وبراءتها وخوفها عليه. من جمع خيوط شعرها الذهبي واحد وراء الآخر يحاول فك لغز جمالها المخفي.
سحبها بحضنه ليفاجأها بقبلته الأولى لها متوقع صدها له وهروبها منه ومع ذلك فعلها بسرعة وقوة جعلتها تستسلم لدنيا جديدة لا ترى بها سوى الألوان الزاهية البهية. دنيا أقصى أحلامها بها أن تعيش سعيدة بجانبه في هذا الكوخ الصغير.
أبحر أميرنا بدنياه الجديدة ملبي نداء قلبه طائعًا للأوامر الملكية بطريقته الخاصة. أنار الكوخ بحبهم وسعادتهم. أزهرت الأرض بالورود والزهور العطرة لتفوح الروائح وتُقبل فراشات السعادة لتتراقص بسمائهم. انسحبت الشمس تاركة الساحة للقمر كي يظلل على ملوك الحب.
يتبع .. إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.