recent
جديدنا

احكي يا شهرزاد الفصل الأربعون

 احكي يا شهرزاد 

بقلم أمل محمد الكاشف 




خرجت فاطمة من الحمام بوجه حزين على ما حدث، جلست على مقعد مرآتها مغلقة عينيها وهي تتذكر لحظة تركه لها و تحركه ليخرج من الغرفة بعد أخذه حمام ساخن سريع.


 كادت أن تبكي مرة اخرى من ثقل ما تمر به من مشاعر متخبطة بالاضافة لشعورها بالذنب جراء كسرها له، تذكرت حديث أمها عن حق الزوج و حقها عيش حياة جديدة ببداية جديدة قد تكون ثقيلة بأولها ولكنها مع مرور الزمن ستصبح جميلة.


 مسحت دمعتها ولا زال بأذنها صدى حديث أمها عن جبر و عوض الله ورحمته بالعباد والقائه الرضا والسكينة والراحة بقلوب عباده الاتقياء فإن فعلتها لأجل الله فلتنتظر الجبر والفتح بحياتها كلها.


رفعت المنشفة من على رأسها وهي تتذكر حديث شهرزاد لها: 

"لا تظلمي نفسك بتقوقعك داخل حزنك، اعطي لنفسك فرصة جديدة لعيش بداية جديدة يعلوها الاحترام والتفاهم والمحبة، لا يمكن ان يحزن المرء على أحد بقدر أمه وها أنتِ رايتي ما فعلته فهمية حين حكمت عقلها وجنبت مشاعرها وحزنها لأجل سير الحياة والحفاظ على أولادهم.

الحياة ستسير بزواجك من البدري او بدون زواجك ستسير، برضاكِ او دون رضاكِ ستسير وستستمر ايضا بحزنك أو سعادتك، الوقت والحياة لا يتوقفا عند موت أحد منا اب اخ زوج أيا كان، وإلا كان من الأولى أن تقف عند الموت وحبيبنا وشفيعنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام، فكري جيدا فأنتِ الآن أمام مفترق طرق وعليكِ أن تختاري ما تريدينه لأجلك ولأجل أولادك ايضا، ولكن عندما تختارين عليكِ أن تجهادي حتى تنجحي به و لا تنظري يا اختي اسفل قدمك ولا تفرحي بمن حولك فسيأتي يوم تجدين نفسك بمفردك، ولهذا اليوم عليكِ ان تفكري جيدا أمامك شهر او اكثر على الزواج، انا اثق بكِ فلقد رأيت بكِ شخص مختلف تماما عن السابق ولهذا اصبحت لا اخاف عليكِ وسأكون بجانبك دوما أيا كان قرارك".

 

اغمضت فاطمة عينيها من جديد بقلب يدعو ربه 

"اعني يا الله على ما انا به، اللهم اهدني سبل الرشاد وهب لي القوة والثبات، اللهم إني دعوتك وخيرتك بأمري وأنت من يسر لي أقداري فأتم كرمك وأنزل رحمتك بقلبي".


…………..


تحدثت صفاء لسيدها الجالس بالمجلس الكبير قائلة: 

" من بعد اذنك يا بدري بيه عليّ ان أخذ الأولاد للمزرعة الخلفية جميلة هانم تنتظرنا هناك". 


اجابها بوجه خالي الملامح:  

"يتناولون فطورهم أولا ومن بعدها يذهبون إليها".


ردت صفاء:

 "اعتذر منك ولكن أمرتني جميلة هانم أن اُحضر لهم الفطور سأخذهم لهناك وأحضره لهم ليتناولوه بالمزرعة".

 

نظر البدري للأولاد وهو يرد عليها:

 " لا داعي لكل ذلك، اتركيهم يفطرون معنا ويذهبون إليكم بعدها إن أرادوا".


أطاعت كلامه قائلة:

" أمرك يا بدري بيه حضرت الفطور على مائدة الطعام كما أمرتني هل تأمرني بشيء آخر".


ابتسم وجهه ابتسامه بالكاد ظهرت عليه:

 " شكرا لكِ إن أردت شيء اخر سأرسل لكِ".


انتظر ابتعادها عنهم ليبدأ حديثه لفارس ابنه متسائلًا:

 " ماذا كان اسمها انا لا اتذكر".

 

ضحك فارس وهو يرفع كتفيه:

 " ولا انا اتذكره".


بادله أباه الضحك قائلا:

" كله بسبب زوجات اعمامك سامحهم الله كل يوم يأتون بعاملة جديدة".


قالها وهو يمد نظره نحو فاطمة التي طلت عليهم من جهة باب غرفتها قائلا للجميع:

 " وأخيرا جاءت امكم".

 

كان اللقب جديد على مسامع الجميع، اقتربت توته على استحياء قائلة:

" اعتذر ان تأخرت عليكم".


وقف البدري مجيبًا عليها وهو ينظر للاولاد: 

" اقترب اكلهم لبعضهم لهذا عليكِ ان تشفقي علينا بالمرة المقبلة".


ابتسمت بخجل ناظرة للأولاد الذين أقدموا عليها ليحتضنوها ويتحركوا بها نحو مائدة الطعام على الجانب الأيمن للمطبخ الصغير.


 علا صوت البدري قائلا:

" انتظروا لا تجلسوا سنحدد لكل منا مقعده الثابت كي لا نقع في مشاكل لاحقا، الأكبر سنا من جهة الأولاد سيجلس على جهة يدي اليمنى ويليه الأصغر فالأصغر ومن الجهة اليسرى ستجلس أمكم فاطمة ومن بعدها صغيرتنا العنيدة".

 

رد فارس قائلا :

 " ولماذا لا تجلس الخالة فاطمة بالجهة المقابلة لك وباهي وسلمى يجلسون أمامنا".

 

ضحك البدري وهو يرد بصوت لا يسمعه سوى عروسته:  

" يريد إهدار حقي ولكني لن اسمح له".


لم تتغير ملامح وجهها الصامت، رد البدري على ابنه:

 " لا فلتبقى بالقرب منا حتى نهتم بإطعامها هي أيضا، كي لا يحدث ما حدث بالمرة الماضية لا تنسوا وصية جدكم بغدادي".


فرح الأولاد وجلسوا بأماكنهم إلا سلمى أبت أن تجلس بمكان اخر غير قدم والدها، ليبدأ بعدها فطورًا هادئًا محفوف بروح عائلية جميلة.


انهوا الأولاد فطورهم بسرعة من فرحتهم وتشوقهم للعب بالمزرعة الخلفية حيث الأبقار والاحصنة والعديد من الحيوانات الأليفة. 


انتظرت توته بقائهم بمفردهم لتنظر له على استحياء قائلة: 

" أعتذر من أجل ما حدث".


تلعثمت بتوتر وخجل أكملت به:

 "انا لم ارد حدوث هذا ولكني فجأة…".

 

قاطعها ليمتص توترها ويهون عليها الأمر قائلا: 

" لا يوجد شيء تعتذرين عليه، كلانا يعلم أننا بحاجة للوقت كي نعتاد على بعضنا البعض سيأتي ذلك اليوم لا تخافي ولا تحزني، كما لا أريدك أن تفكري وتندمين قائلة ياليت ولو لم أفعل ذلك، اتركي المياه تتدفق كما قُدر لها بالأخير ستجري في مجراها الصحيح، لنكن واقعيين من المؤكد أننا سنواجه عقبات وبعض المعيقات الطبيعية لتصل بنا إلى طريقنا الصحيح وحتى هذا اليوم سنكون بجانب بعضنا البعض لنزيل تلك العقبات متأملين أن ننجح بمجراها بسلاسة وسلام". 


ردت عليه بعيون مخفضة حزينة: 

"وماذا ان لم نستطع إزالة تلك العقبات أو أننا…

 

قاطعها من جديد وهو يوجه قبلته لها ناظرًا لعينيها: 

"ما رأيته أمس يبشر بأنها ستسير وتصبح أفضل مما نريد، ليلة أمس كانت بداية جميلة لحياتنا تذكريها على هذا النحو لنتلاشى آخر دقائق بها وكأنها غير موجودة، فاطمة، فاطمة".

 

 رفعت نظرها ملبية لندائه ليكمل بعدها قائلا:

 "أخبرتك أنني سأحترم حزنك وأبذل قصارى جهدي حتى نعتاد على بعضنا ونحن جنبًا لجنب، لنكمل سيرنا من حيث بدأنا فالطريق لا زال بأوله".



 _" افهم من هذا أنك لم تحزن".


 قالتها على استحياء.


حرك رأسه ليجيبها بالنفي رغم أنها رأت بعينيه عكس ما يتلفظ بهِ لسانه لتتحدث مجددا قائلة بصوت مختنق من ضيقه وحزنه:

 " حقا انا لم ارد حدوث هذا حتى ولم اتوقعه".


ابتسم لها ابتسامة كادت أن تفضح ما بداخله من حزن قائلا:

" أعلم، وأيضا ألم نتفق على اقتطاع هذا الجزء من ليلة البارحة، لا تذكريني بشيء لم اتذكره فعقلي لا زال سابحا باحلامه البيضاء".

 

خفضت عينيها خجلا من كلامه وعيونه التي لمعت بمجرد ذكره للابيض، قائلا:

" حتى انكِ أهدرتِ حقي بشكرك على السعادة التي اضفتيها على حياتي".


قاطع حديثهما وصول ناهدة للساتر الكبير منادية 

" اللهم صلي وسلم على نبينا محمد، فاطمة، البدري ابن عمي، هل أنتم متاحين".

 

وبنبرة أراد اضحاك وجهها بها حدثها قبل رده على ناهدة:

" هل نرد عليها ام نمثل نومنا".


 ابتسمت هامسة بصوتها الجميل: 

" عيب بحقنا، كما أن الساتر قماش ومن الممكن تحركه و رؤيتنا بسهولة وحينها سيكون الوضع سيء".


نظر للستار هامسًا لها:

" هل كان عليً أن أصنعه من الحديد الصلب".

 

رفعت يدها لتضعها على فمها من شدة ابتسامها.


 زادت ناهدة من مناداتها العالية الأشبه بالغاضبة: 

" فاطمة، يا فاطمة".


وقفت توته بمكانها قائلة:

 " نعم متاحين تفضلي".


تحرك البدري ليقف قائلا من بعد زوجته: 

" تفضلي يا ناهدة اهلا وسهلا بكِ".

 

فتحت الساتر بيديها ودخلت بعيون تراقب وضع عروسة العائلة وملابسها التي لم تتوقع ابدا جمالها عليها رغم بساطتها.


 

جلست قبل أن يأذنوا لها قائلة:

 " جئت لأبارك لكما وأرى ان كانت عروستنا بحاجة لنا".

 

تحدثت توته وهي تجلس بالمقعد المقرب لها:

" شكرا لكِ".


نظرت ناهدة حولها متسائلة رغم معرفتها الإجابة :

" واين الأولاد عنكم هل هم بغرفهم؟".

 

تحدث الكبير:

" ذهبوا كي يلعبوا في المزرعة الخلفية، من الجيد انكِ أتيتِ لأخبرك بخروجي أنا وفاطمة لعدة ساعات اريد منك الانتباه على الأولاد أثناء غيابنا". 


 نظرت له توته باستغراب محتفظة باستفسارها عن مكان ذهابهم ليكون السؤال من حظ ضيفتهم قائلة: 

" لا تحمل همهم ولكن انتابني الفضول لأين ستذهبون".


اجابها البدري ضاحكًا: 

" وهل من عادتي الإجابة على الأسئلة الفضولية، اسألي زوجك وهو يؤكد عليكِ ما أقوله".


وقفت ناهدة مجيبة عليه:

" عن أي سؤال تتحدث يا كبير هل لنا أن نكذبك أو حتى نشك بما تقوله. إن كان خرج منك فهو كحد السيف علينا جميعا".

 

رد عليها برضا كبير:

 " لتسلمي يا بنت عمي هذا عشمنا بكم".


 صمت لوهلة ناظرًا بها لفاطمة ليكمل موجها حديثه لها:

" هيا تجهزي كي لا نضيع الوقت وينتبه الأولاد علينا".


وبنفس استغرابها والاسئلة التي تدور بعقلها نظرت لملابسها متسائلة:

" هل علي أن أبدله؟".


طالت نظراته على فستانها الأبيض المطعم بخيوط ذهبية على اساور الكم والصدر والوسط، مخفض نظره ليراقب جمال اتساعه من الأسفل بصمت.

 

تحدثت ناهدة لتقطع صمته ونظراته:

 " أعتقد أنه ملفت ولونه فاتح زيادة إن بدلتيه سيكون أفضل".


نطق أخيرا متحررا من سحرها له: 

" ليس لدينا وقت لتبديله ارتدي حجابك على السريع لنهرب قبل الإمساك بنا".


ارتفعت حرارة صدر ناهدة من ضيقها، تحركت لتقف قائلة:

 " تمام اترككم انا كي تتجهزوا بالأذن منكم".

 

ظلت توته مكانها تنتظر ابتعاد ناهدة وخروجها من الساتر الكبير وسماع خطوات نزولها على الدرج لتتحدث للبدري بصوت خفض قليلا

 " أين سنذهب؟ هل مكان معلوم أم …".


قاطعها بصوته المهزوز

 " تمام لنذهب لذلك المكان المعلوم لا اعتراض لدي".

 

هزت رأسها بالنفي متحدثة بنبرة خالطها الحزن الذي علا بعينيها: 

" رجاءً لا تضغط عليّ لا يمكنني فعلها خاصة بهذا اليوم".


اقترب منها معاتبا عليها: 

" من أين خرج هذا الآن، هل هذا ما فهمتيه من هروبنا".


نظرت لعينيه قائلة:

 " أخشى أن يطول ما نحن به واظلمك معي".


رفع يده ليضعهم على كتفيها وهو ينظر لعينيها المتعلقة بضي عينيه قائلا:

 " لا تحزني ولا تخافي دمنا بجانب بعضنا، انا سعيد بحالتي ولا يمكن لأي شيء أن يحزنني او يؤثر علي، أعلم انكِ تتعرفين علي من جديد لا اريد ان احكي عن نفسي لندع الايام تؤكد لكِ صدق ما وعدتكِ به، والآن هل نهرب ام انكِ لا ترغبين بالخروج ان كنتي متعبة من أثر السفر و تجهيزات الزفاف من قبله فلنبقى بالسرايا فرائس للوحوش البرية".


ابتسم وجهها، ليكمل هو

 " تعالي معي لنرى ما يفعلوه". 


تحركت خلفه متجهين نحو غرفة هادي وفارس ينظرون من خلف النافذة الزجاجية على الأولاد، صادف وصولهم إخراج ناهدة ما في قلبها من غيرة وضيق على سلمى الصغيرة.


 تحدثت توته متسائلة:

" هل نأخذهم معنا". 


ألقى البدري نظره نحو الأولاد قائلا:

 " لا تكترثي لناهدة هي عصبية بعض الشيء ابنتنا اعتادت على حالاتها المتقلبة بعد قليل يتغير المشهد وتجدين شخص مختلف يضحك و يلعب و يدلل".


لم يمر ثواني على كلماته حتى اختنق البدؤ مما تفعله ناهدة التي زادت من عصبيتها على الطفلة كي تبكيها لتسرع بلجوئها لوالدها لتحتمي به وتشكو له.


حدث عكس ما أرادت ناهدة حين هربت سلمى من يدها لتكمل لعبها مع باهي والأولاد. 


تحدثت توته:

" كما تريد سأذهب لارتدي حجابي بسرعة وأتي إليك".


تحرك بضيق كي يسبقها نحو الباب: 

" حسنا وانا سأنادي على صفاء لتجهز الأولاد أنتِ محقة ليأتوا معنا كي لا نضطر بالعودة المبكرة" .


وهنا ابتسم وجهها وهدأ قلبها بقراره.


…….


 في مكان بعيد وسط الأحلام الواقعية الجميلة وقفت شهرزاد لتلتقط صورة تذكارية تجمعها مع اميرها على مدرج كولوسيوم الروماني الأثري حين انبهرا بهيكله الأثري الذي يعود للإمبراطورية الرومانية العريقة.



جلس شهريار زمانه خلفها بقامة مائلة ليأخذ وضعية مختلفة للصور.



لم تصمت هواتفهم عن التقاط الصور في المكان الذي سلب عقولهم، اقترحت عليه أن يذهبا لساحة النافونا التي تعد من أشهر الساحات بمدينة روما بإيطاليا، رد شريف عليها 

" ولكن علينا أن نحسب المسافة كي نصل لها قبل غروب الشمس لنستمتع بها، بصراحة هذا اكثر مكان أريد الاستمتاع به والتقاط صور كثيرة هناك دعينا لا نستعجل بالذهاب إليه".


ابتسمت شهرزاد بحنين قائلة:

 " تتذكر يوم بحثنا عنه وشاهدنا جمال صوره على النت".

 

رفع ذراعه ليحتضنها بسيرهما قائلا:

" نعم أتذكر حتى يومها من شدة انبهارنا كانت المحاضرة ستضيع عليّ ويعود دكتور نديم لغضبه".

 

نظرت لوجهه كي تجيبة بقوة:

" استحقيت كل ما فعله بك وكأننا نجرك للمحاضرات جرًا".


مال بوجهه ليقبل جبهتها القريبة من فمه:

 "ماذا افعل كلما جلست بجانبك انسى نفسي وروحي وليست المحاضرات فقط".

 

ضحك وجهها بجوابها:

 " من الآن وصاعداً لا حجة لنا أمامه بصراحة اصبحت اخجل كثيرا ان تقاعس أحدنا بمهامه، علينا أن نعوضه ونلتزم بمواعيدنا حتى وإن كانت اجازة فأنت تعلم عملنا لا ينتهي على إلقاء المحاضرات داخل قاعات الجامعة". 


رد شريف بجدية:

" أنتِ محقة لنضبط ادراجنا ونفاجئه بعدم ذهابنا بشكل كامل". 


ضحكت هاربة من ذراعه: 

"أقسم أنك فقدت عقلك على الاخير، هل اخبرك احد أنني حاربت كل هذه السنين كي أطرد من الجامعة".


 

 سألها بضحكة عالية:

 " هل الوضع سيء لهذا الحد".


ردت اميرته بجدية:

 " أن حاكمونا لن أفتح فمي".


أخذها تحت ذراعه مجددًا قائلا:

 " لا تقلقي أعدك بهذا، بالاصل كان يحدث رغمًا عنا تجهيزات المنزل واختيار الأثاث والزفاف و رمضان، جميعهم أتوا مع بعضهم ولكن من بعد الآن سنرتب أمورنا ونهتم بعملنا وسعادتنا".

 

تحدثت مرة أخرى لتسأله:

 " وماذا عن طلبي هل فكرت به". 


تغيرت ملامح وجهه قليلا لتكمل شهرزاد ناظرة لوجهه بالأعلى:

 "حتى أنهي الدكتوراه ومن بعدها سأكون ملك يديك افعل ما تحلم به، بصراحة انا لا ارى نفسي مهيأة لثقل الحمل ومن بعده الولادة والاهتمام بالرضيع، سأنتهي وراء كل هذا طبعا إن أراد الله فلا اعتراض لدي ولكني فكرت بما أننا نستطيع الاتفاق وترتيب أولوياتنا فلنفعلها ونجتاز الدكتوراه بتقديرات مميزة، حتى أنت بحاجة لتركيز واجتهاد لتلاشي ما فاتك".

 

نظر فجأة على جهته اليسرى لتقرصه بذراعه الأيمن، علا صوته بألمه: 

" آآه ، لماذا فعلتيها".


ردت شهرزاد بغضب:

" كي لا تنظر على غيري، عيب عليك لم يمضي على زفافنا سوا عدة ساعات". 


ضحك شريف مبررا لها:

" لا والله كنت انظر نحو اللون الأحمر الناصع فقط هو من لفت انتباهي مع ضوء الشمس".

 

نظرت للفستان الأحمر وهي تخرج من تحت ذراعه لاطمة كتفه مبتعدة عنه، قائلة:

 " اذهب له إذا لنرى كم سينفعك لونه الأحمر".

 

ركض خلفها بقهقهة ضحكته العالية:

"تمام لن انظر نحوه مجددًا شرط أن تريني نفس الأداء عند عودتنا للفندق".

 

استدارت وألقت عليه حقيبة ظهرها، قائلة بغضب:

 " حتى بأحلامك لن تراه".

 

اسرع شريف باحتضانها من الخلف سالبًا عقلها بكلامه المعسول وغزله بجمالها الذي أعمى قلبه حتى أصبح لا يرى سواه.


ذهبا للسلالم الاسبانية الاثرية التي كانت الأقرب لهم تاركين ساحة النافونا ليبدأوا بها يوم غد.


خطف المكان عقولهم وقلوبهم كمن سبقوه ليكثروا من الصور التذكارية به أيضا، شكرها شريف على حديثهم السابق عن البلد و بحثها عن آثارها والأماكن الرائعة بها حتى تشوق قلبه للمجيء إليها و رؤية ما حلمت به.


قضيا يومهما في الخارج وهما يتنقلان من مكان لآخر، لم يتركها اميرها لتهنئ بنومها السريع حين تذمر وطلب منها أن يستمع لتكملة قصتها لتكون ذكرى إضافية لهم.


ضحكت شهرزاد من مفاجأتها قائلة:

 "إلى ماذا ستستمع قرأت عليك جميع ما كتبته".

 

أجابها بتذمر: 

" أنتِ وعدتيني أن تقصي عليّ الفصل الجديد بعد زواجنا". 


ضحكت متسائلة بنبرة دهشتها:  

" وما بها عيونك تغيرت هكذا هل تريد إثارة شفقتي أم ماذا".

 

أومأ شريف رأسه ممثل حزنه منها، لتتحدث عروسته قائلة له:

" لا تفعلها اموت من نعاسي وألم قدميّ".


آثار شفقتها بصوته وتكرار طلبه قائلا:

" لا يتطلب منك الامر بذل اي جهد ستبقين على جلستك هذه وأنا سأنام على قدمك".


وتحرك ليضع رأسه على قدمها الممدة اعلى فراشها قائلا:

 " هيا ابدئي الآن، احكي يا شهرزاد". 


ابتسمت بمحبة كبيرة خاضعة لأوامر أميرها الحنون.


مضت ليلة هادئة جميلة على عروسي روما والصعيد بعد أن تعمد البدري ترك عروسته على راحتها هذا اليوم قائلا له قبل إغلاقه لعينه و صعودها الفراش:

 " تصبحين على نعمة ورضا من الرحمن".


نظرت نحوه باستغراب فاخر شيء كانت تتوقعه أن ينام قبل تبديلها ملابسها، ارتاح داخلها مخرجة بيجامة حرير اخذتها لتدخل بها الحمام مغلقة على نفسها.


أدار البدري ظهره لينام على جانبه الأيمن قائلا في نفسه: "صبرنا يا الله على ما وقعنا به".


……..


مضى يوم آخر بجمال ساحة النافونا التي أنهت يومهم دون الشبع من جمال كل شبر بها، كان ضحكهم وركضهم المدلل خلف بعضهم يرسم جمال فرحتهم و سعادتهم.



 اتصلت أمال بابنتها فاطمة كي تطمئن عليها وكالعادة كان من نصيب باهي الرد على هاتفها، سألته جدته عن أمه بعد أن اطمأنت عليهم، ليرد الصغير قائلا:

" دخلت هي وعمي البدري ليناما في الغرفة".


و بتلقائية سألته جدته: 

" وأنت لماذا لم تنام حتى الآن".


_"جدتي هل اقول لكِ على سر".

 

ابتسمت جدته قائلة:

 " قل يا صاحب اللسان الطويل". 


تحدث الصغير بحماس:

" سيعطينا عمي البدري مكافأة ان سيطرنا على سلمى وتركناهم ينامون دون ازعاج، لأنهم متعبون ولم يكتفوا من النوم، وانا مثلت نومي على سلمى نومي حتى نامت هي وهادي وفارس وخرجت لأشاهد التلفاز وحدي".



فكرت أمال قليلا لتتحدث بعدها:

"ولكن عليك أن تنام كي لا ينزعج عمك إن رآك على التلفاز، لا اريد أن اقول امك فيصعب علينا توقع العقاب، هيا ادخل ونام كأخوتك وأغلق الجهاز والإضاءة خلفك".


تدلل باهي على جدته بصوته الصغير:

 " اريد ان انام بجوار أمي لا اريد النوم بمفردي".

 

حدثته جدته لتقنعه بالنوم في غرفته الجديدة وعدم الدخول على أمه غرفتها كي لا يكون عيبا كبيرًا عليه، اجابها بتذمر:

 "حتى وإن أردت لا يمكنني فعلها هم يغلقون الباب بالمفتاح لأجل سلمى".


 

ابتسمت امال سعيدة بوضع ابنتها قائلة: 

" نعم هم محقون وأنت كبرت على النوم بحضنها، هيا اذهب ونام حتى لا اوشي عليك بالصباح وأهدر مكافأتك".


 

_" بالأمس عمي البدري اشتري لأمي نظارة شمسية غالية الثمن".


ردت جدته عليه لتراجعه:

 " عيب يا باهي ماذا قلنا بالسابق، عيب ما تفعله الرجل لا يتحدث بما رآه وسمعه".


حك باهي عينيه الصغيرة قائلا:

 " أمي من قالت له انها باهظة الثمن وخاصتها تكفي ولكنه رآها جميلة عليها، هو قال هذا وكأن الشمس أشرقت بوجهها".

 

ابتسمت أمال وطار قلبها من مكانه ولكنها اخفت فرحتها لتشدد وتؤكد على حفيدها ان لا يعتاد على نقل الكلام واعادته. 


أغلقت الهاتف بعد أن أقنعته بالذهاب للنوم قائلة بصوت مسموع:

 " الف حمد وشكر لك يارب، ليهدي الله سرك يا فاطمة".

 

ابتسم بغدادي قائلا:

 " اعلم ما يدور بعقلك حتى واصبحت انا المخطئ الآن". 


أجابته امال بثقة وحاجب مرفوع: 

" نعم مخطئ بقيت لعدة أيام تعاتبني على تحدثي معها واقناعها بإعطاء زوجها حقه وأن ترتدي وتعيش شبابها، وخرجت انا من على حق بالاخير، انا اعلم بابنتي أكثر من أي شخص آخر فإن لم تفعلها بأول يوم وتكسر الحواجز ما كانت ستفعلها قط".


رد بغدادي بفرح: 

" صحيح إن كيدهن عظيم".


……….


في غرفتهم التي تنير بضوء القمر المنبثق من زاوية ستار النافذة الكبيرة كان البدري ينظر وجها لوجه إلى عروسته بعد ان حارب نومه مستمتعًا بجمال وجهها ونور ملابسها البيضاء المنعكس على عينيه سارقًا منه نومه وعقله.


عكس ما يحدث في منزل أمين تمامًا حين وصلت الشرطة لبابهم بإذن ضبط وإحضار الاستاذ أمين الحلو.


 حاولوا فهم السبب دون تفوه الضباط بأي شيء كل ما كان على لسانه:

" ستعرفون كل شيء بقسم الشرطة".


اتصل أمين بالمحامي كما اتصلت زيزي بأخيها ناجي الذي كان أول من استقبالهم هناك، نزلت زيزي من سيارتها مقتربة من أخيها وعينها على زوجها وهو ينزل من سيارة الشرطة الامامية قائلة:

" تصرف يا ناجي ادخل واستفسر عن الأمر من المؤكد أن هناك خطأ ما قد وقع".



رد اخوها بصوت قلق: 

" تحدثت مع المحامي لاستعجله تبقى على وصوله دقائق معدودة".


تحركا خلف أمين ليمنع شرطي تقدمهم اكثر من المتاح بصالة الانتظار، لم يهدأ قلب زيزي حتى فكرت من خوفها ان تتصل بابنها لولا وصول سيف لمساندتها وتهدئتها وهو يرفض أي تواصل مع شريف على الأقل حتى يعلموا ما المشكلة.


………


أشرقت الشمس بوجهها لتنير الغرفة وتوقظه من أشعتها الذهبية، فتح البدري عينيه ليجدها جالسة بجانبه تحرك شعرها الذهبي القصير لتحسن من وضعه كي تتأهب للنزول من على الفراش.


 أغمض عينيه من جديد قبل إدارتها لقامتها العلوية وهي تنظر نحوه لتتأكد من نومه، طالت نظراتها عليه وبهذه اللحظة فتح البدري عينيه ناظرًا إليها مما جعلها تخجل من نظراته الثابته الصامتة نحوها.


وقفت بجانب الفراش وهي تجمع جانبي شعرها لتضعه خلف أذنيها قائلة:

" صباح الخير اعتذر ان ايقظتك".

 

ابتسم وجهه متحدثًا بنبرة صعيدية أصيلة:

 " صباح شمس يوم جديد جميل ومنير بكل الخيرات''.


خفضت توته عينيها بخجل، تحدثت به:

" كان عليك أن تستيقظ مبكرًا لأجل عملك كما قلت".


نظر لساعة الحائط بوجهه الفرح مفزوعًا مما رآه، ألقى الغطاء من عليه سريعًا وهو يقفز راكضا للحمام:

 "تأخرنا على موعد الرجل".


اسرعت بالخروج من الغرفة لتفتح محضر الشاي الكهربائي وتجهز له سندوتش جبنة و وضعه داخله طماطم معتقده انه سينتظر حتى يأكلهم.


لم تصدق سرعته واستكماله ارتداء ملابسه خارج الغرفة.


 تحركت خلفه وهي تتحدث بسرعة:

" حضرت لك فطور سريع".


فتح الساتر ليخرج منه وهو يحدثها بضيق:

 " لا وقت لدي للفطور".


وقفت بجانب الساتر المفتوح ناظرة لسرعته، مدت نظرها للجهة الأخرى لتجد جميلة وناهدة ينظرون عليها بجلستهم.


اومأت رأسها لهما قائلة:

 " صباح الخير".

 

لم يصلهما صوتها، تحدثت جميلة قائلة: 

" جميعهم عند عملهم لا يستمعون لأحد، احضري فطورك و تعالي تناولي بجانبنا".


شاركت ناهدة حديث سلفتها:

" يا ليتنا انتظرناكِ كي تفطري معنا ولكن من أين لنا أن نعلم بهروب العريس".



ردت توته عليهما: 

"شكرًا لكما، سأنظر للأولاد أولا ومن ثم انزل إليكم".


 

تحدثت جميلة ساخرة مما تقول:

 " وهل سينتظر الأولاد استيقاظكم، تناولوا الفطور معنا وخرجوا ليلعبوا تحت ظلال الأشجار".



اومأت توته رأسها من جديد ثم دخلت بعدها دون رد متوجهة نحو نافذة غرفة الأولاد لتنظر نحوهم بالاسفل.



 ظلت تتنقل بين النوافذ حتى وجدتهم بمكان لا تصله أشعة الشمس اطمأن قلبها وذهبت لغرفتها لتبدل بيجامتها وترتدي فستانا طويلا ذو أكمام واضعة عليه حجابها كي تنزل لأولادها.



 نادتها ناهدة فور رؤيتها لها: " إلى أين؟".



ردت عليهم سأرى الأولاد، تحدثت جميلة لها:

" اتركيهم يلعبون بعيدا عنا وتعالي انضمي لنا".


 

اومأت رأسها واقتربت لتجلس معهم وهي تستمع لجميلة تكمل حديثها عن مكان جديد فتح حديثا يبيع كل المنتجات التركية بسعر مغري.



أخرجت من هاتفها الصور لتريهم ما انبهرت به، ظلت توته تستمع لهم بصمت محاولة التعرف على أفكارهم واهتماماتهم وما يدور بينهم عن قرب.


 أتوا الأولاد وشارك كل منهم حديثه وطلبه وشكوته لتنشغل بهم، شاركتها جميلة بالاهتمام بسلمى لتمر ساعتين على هذه الحالة.



 عاد البدري بعدها ليجد الجميع بالصالون رد السلام و اقترب ليجلس ناظرًا للأولاد بفرح.



تحدثت ناهدة

 " لا زال الوقت مبكر على الغداء هل احضر لك لقمة سريعة ام تناولت بالمكتب على غير العادة".


 

نظر البدري لها قائلا:

" لا والله لم أفطر بعد".



تحدثت توته قائلة:

" إن أردت أحضر لك السندوتشات التي جهزتها قبل خروجك".


ضحكت ناهدة ضحكة يعلوها نبرة السخرية:

" لا زلتي تستسهلين السندوتشات، احب ان اوضح لك تغير الوضع عن الذي كان يسبقه، انه كبير العرابية هل نسيتي؟". 



تحدث البدري عوضًا عن زوجته:

" وما دخل كبير العرابية بالسندوتشات هل حُرم عليّ أكلها وانا لا أعلم".



تحدثت جميلة معقبة على رد ابن عمها:

" كله نعمه من الله ولكن ناهدة محقة انتصف النهار ومضى وقت الفطور لاحمر لك الكبدة البلدي مع اللحم الطازج أتانا صباح اليوم من المزرعة".



نظر البدري لفاطمة قائلا:

" والله انها محقة حتى اقنعتني بهذا سأصبر قليلا حتى تنتهون من تحميره ونأكل جميعا".


ردت ناهدة بضيق تحدثت به:

"لن أشارك معكم اشتهى سيد الحمام المحشي وورق العنب، اقتربوا البنات على انهاء تحضيره و بدأ تسويته".

تدخلت جميلة بالحديث:

 " وانا مثلها محسن طلب ما اشتهى أخاه وزاد عليه طاجن بامية باللحم سأنتظر حتى يعود باكرا لنأكل سويًا".


تحدثت فاطمة بصوتها الجميل قائلة لزوجها: 

" إن أردت يمكنني أن احضره بنفسي في الأعلى من المؤكد انشغال البنات والموقد".



ردت ناهدة بسرعة غيرتها: 

" لا تتعبي نفسك انا من سيقوم بتحميرها له ككل مرة كما يحبها من يدي".



نظر البدري لعروسته وهو يرد على ناهدة:

 " لا عليكِ يا بنت عمي كوني على راحتك لا نريد اتعابك اليوم فلتحضرها فاطمة لنا، نأكل الان وبالمساء نأكل الحمام خاصتكم ام انكم اخرجتونا من حسبتكم".

 

ردت جميلة لتدافع عن نفسها: 

" كيف نخرجكم البنات يحضرون لنا جميعا وصينا على خمسة وعشرون زوج حمام وهذا سيكفينا نحن والبنات".


  

_" فليرضى الله عنكم من المهم أن تطعموا البنات مما نأكل".

 

قالها البدري ثم وقف قائلا لعروسته:

 " ابهرينا ككل مرة ولكن عليكِ ان تسرعي قليلا فأنا جائع".

 

قامت جميلة ذاهبة للمطبخ، قائلة بطريقها: 

" سأجعلهم يقطعون الكبد واللحم ويجلبونه لكِ في الأعلى". 


ردت توتة لتجيبها:

"لا عليكِ يكفي أن يأتوا به وانا سأتولى الباقي بمعرفتي".


………


انشغل شريف باتصالاته ليفهم ما حدث معاتبًا على سيف وأمه بشدة، فكيف لم يخبروه بمبيت أبيه بالقسم ويتركوه ليسمع من الناس الذين اتصلوا ليمدوا يد المساعدة لهم.


اخبرته امه بحزن:

" هذا ما أراده والدك لا يريد أن يقطع متعتك".


رد شريف معاتبًا عليها:

" سامحك الله يا أمي عن أي متعة تتحدثين هل أنا سيء لهذه الدرجة استمتع واضحك وانتم بشدة، ما علينا لنكمل العتاب عند عودتي، نحن بانتظار السيارة التي ستنقلنا للمطار اراكِ على خير".

 


حزنت زيزي على ما وصلوا له من حال، تحدثت مديحة لتهون عليها:

 " الإبن سند إن لم يسرع بعودته ومساندتكم من سيفعلها، وايضا الوضع ازداد سوءً بكل الأحوال كان سيعرف".


تحدث ناجي لأخته:

" كيف لم ينتبه أمين لفخ كهذا".


انتشر الخبر و وصل للجميع اسرع شركاء واحباب أمين بعرض يد المساعدة لهم، وصل شريف بعد ما يزيد عن خمس ساعات ونصف إلى منزل والدته التي استقبلته بالبكاء في حضنه، احتضنها وهو يقبل رأسها ويحنو على ظهرها قائلا:

" لا تخافي سنحل الأمر مسألة وقت لا أكثر".

 

رن هاتفه دخل غرفته على عجل متحدثًا: 

" وصلت للتو ماذا فعلت هل كل شيء رتب كما اتفقنا".

 

دخل سيف عليه الغرفة مغلقًا الباب خلفه منتظرًا انهائه للاتصال قائلا:

 "هل أنت متأكد مما تقول، تمهل يمكننا أن نحلها بشكل اخر، لننتظر عدة أيام ونرى ما سيحدث ومن بعدها اتخذ قرارك، شريف ضع بالاعتبار أنه سيؤثر على وضعك كأستاذ جامعي لا اريد أحزانك ولكن عليك أن تفكر جيدًا".


دخلت شهرزاد هي ايضا عليهم الغرفة مستمعة لجواب شريف: 

" ليست أيام فقط كلانا يعلم أن من الممكن أن يطول الوضع لأشهر، وأيضا إن لم أتدخل قبل عرضه غدًا على النيابة فلا يمكنني التدخل بعدها لإخراجه من هناك".

 

ردت شهرزاد بحزن:

 "ماذا إن طال الوضع هل ستخسر وظيفتك بهذه السهولة وايضا وايضا…. 

 

أكمل سيف: 

" وماذا إن ثبتت القضية وأخذت حكم قضائي بها".


صمت شريف لثواني ناظرًا لعروسته مجيبًا عليها بحزن كبير:

"سامحيني بحقك لا يمكنني ترك والدي بهذا الوضع واقف صامتًا مكبل اليدين لأجل مصلحتي وحياتي".


وبينما كانوا يتحدثون بجدية الوضع وحزن عميق كان البدري يشكر في طعام عروسته قائلا:

"اقترب أكلي لاصابعي من شدة جمال طعمها، ما هذا وكأني لم ااكل كبدة محمر من قبل".


نظر لاطباق الأولاد الفارغة متسائلا:

"هل أنتِ متأكدة من نفاذ الكمية".


ابتسمت بفرحة إعجاب الجميع وتشكيرهم في طعامها قائلة: 

"يمكنني إعداد المزيد وقتما أردت".


_"فليرضى الله عنكِ، سمعت عن مهاراتك بالحلويات ولكني لم أتوقع تفوقك بالطبخ لهذه الدرجة، وكأنك ملاك من عالم الاحلام يعد لنا اطعمة لا نعرف عنها سوى اسمها فقط".



رد باهي بضحك:

"مثل خالتي شهرزاد ستاكل هي وعمي في عالم الأحلام".



ضحك البدري ضحكة عالية شاركته بها فاطمة على استحياء حين سألها:

"هل تم الأمر وانتقلت العدوى وانا لا علم لي".


سمعت ناهدة صوت ضحكهم من الأسفل لتتأجج من غيرتها خاصة سماعها صوت فاطمة وهي تجيب زوجها:

"ولكن بهذه الحالة علينا شراء العصا السحرية كي نشبه من في عالم الاحلام".


طلبت توته من الأولاد مساعدتها في نقل الاطباق، بينما تحركت سلمى وصعدت أعلى الاريكة لتتدلل على قدمي والدها الذي انشغل باتصالاته المهمة.


حضرت للاولاد عصير المانجو، ولهما الشاي كما رغب البدري وعادت مقتربة منه واضعه الطاولة الصغيرة أمامه لتضع عليها كؤوس الشاي.


اغلق هاتفه مبتسمًا بوجهها وهو يتساءل

"هل هو أيضا من عالم الاحلام شكلا شاي ولكن مضمونا شيء اخر".


_" تذوق لتحكم بنفسك".


اخذ كاسه من يدها ناظرًا لجمال شعرها متسائلا:

"هل هو طبيعي ام مصطنع".


تعجبت من السؤال الذي لم تفهم معناه إلا بعد رؤيتها ثبات عينيه على شعرها، ابتلع البدري ريقه متذكر قول باهي له:

"شعري يشبه شعر أمي".


نظر لعينيها قائلا بعد ثواني من الصمت المتبادل:

"لا أقصد مصطنع بالمصطلح الدارج باروكة وما شابه…


قاطعته بضحكة استنكارية:

"باروكا؟!….


أسرع بتوضيح كلامه: 

" لا لم أقصد، من كثرة ما سمعناه عن تغيير وفرد ولصق…


لم يكمل حديثه حتى قفزت الصغير متعلقة بشعر توته بكل قوتها وغيرتها منه.


صرخت توته مائلة للإمام جهة يد الطفلة كي لا يزداد المها ان شدت شعرها في عكس الاتجاه.


أسرع البدري بتخليص شعرها من يده ابنته مخرجًا غضبه على الصغيرة التي بكت خوفًا من صوته العالي.


وبدافع الأمومة حضنتها توته مدافعة عن الصغيرة:

"ما بك رجفت قلبي من حدة صوتك".


تعجب مما قالته بنبرة عصبية، ناظرًا ليدها التي تحنو على ظهر الصغيرة قائلة لها:

"هل اعجبك شعري".


نفت الصغيرة بحركة رأسها ممسكة الرباطات التي بشعرها لتخرج واحدة تلو الاخرى مطلقة العنان لشعرها مقتربة من ابيها، داخله في حضنه من جديد.


تحدث البدري بيده التي لامست شعر صغيرته:

"أعلم أن شعرك جميل، لكنك مخطئة ولن اتحدث معك حتى تعتذري من خالتك فاطمة هيا اذهبي واعتذري وإلا…..


تحركت الطفلة مقبلة فاطمة مسرعة بعودتها لحضن ابيها، ضحكا على غيرتها ومحاولة إظهار شعرها الأحلى.


دنت فاطمة بجلوسها منهم واضعه يدها على ظهر الصغير التي في حضن أبيها مائلة عليها لتحدثها بصوت رقق ونُعم اكثر قائلة:

"ما رأيك في أن نذهب سويًا لقص شعرك ليصبح مثل شعري".


ابتسمت الصغيرة في حضن أبيها الذي قال:

"نعم اذهبا على شرط ان يصبح بهذا الجمال".


خجلت توته من ملامسته لشعرها القريب منه.


صعد باهي الدرج بسرعة كبيرة أخذ كرة القدم واسرع هاربًا من سلمى التي أسرعت خلفه رغم رفضه للعبها معهم.


ضحك البدري على حالة الأولاد ناظرًا لزوجته من جديد قائلا:

"وبهذا الشكل اتضح أنه ليس ببروكة".


ضحكت على ضحكه مجيبة على سؤاله الأول:

"ولا حتى فرد او صبغ هو على طبيعته، فقط رغبت أمي أن تعيد قصه كما قصصته بالماضي أيام الإعدادية، أخرجت بعض الصور لتري أحد الجيران الشبه بيني وبين باهي وهنا تذكرت عبر احد الصور قصة شعري هذه، اصرت بعدها ان اقوم بقصة في أواخر رمضان مع بعض التعديلات الحديثة بالقص،….. 

صمتت لثواني متسائلة:

"لم أعد لقصه ان لم يعجبك".


رد عليها وهو غارق بجمال شعرها القصير المدرج الذي يتهدل على جانبي وجهها بطبقات مختلفة الطول ناعمة بتموجات أطرافها مضيفة على وجهها إطار جميل مفعم بالحيوية والشباب:

"اعذريني فأنا لم أرى جمالًا كجماله من قبل".


أرادت تغيير الحديث من شدة خجلها وعدم استطاعتها الابتعاد عنه بعد ذهاب سلمى كي لا يحزن كأول ليلة، قائلة:

"هل يتاح لي شراء بعض الأغراض".


قاطعها بسرعة:

"وهل سامنعك من شراء ما تريدين، اعلم انتقالك السريع لم يتيح لكِ شراء كل ما تتمنين لهذا….


حدثته على استحياء من قربه وكأنها أصبحت بحضنه دون تلامس قائلة:

"لا ليس كما فهمت، أنا أحب إعداد الحلوى وبعض الأوقات تأتيني رغبة في تحضير البيتزا والمعجنات بأوقات متأخرة".


_"وما المشكلة، اكتبي طلباتك والبنات سياتون لكِ بكل شيء لتحضريه وقتما شئتي".


أكملت حديثها بقلق شعورها برفضه قائلة:

"اشعر بمتعة مختلفة وانا اشتري ما اريد بنفسي، كما أنني ارغب بهم لأجل اعداد الطعام والحلويات هنا بالأعلى".


سألتها بترقب عينيها:

"هل ترغبين في الانفصال عنهم بالطعام".


اسرعت بنفي ما يقول:

"لا. ولكنها ستكون بشكل استثنائي كتحمير الكبدة قبل قليل، أقول ماذا لو اشتهيناها بساعة متأخرة هل يلزم عليّ ارتداء حجابي والنزول للاسفل، وايضا انا أحب تحضير الحلويات وحدي دون ان يكون احد بجانبي هذه عادتي حتى اختار اوقات نوم الاولاد كي لا يزعجني احد منهم".


ابتسم بجوابه قائلا:

"أوافق على ما تقولين ولكن بشرط".


نظرت له بعينيها المتسائلة، ليكمل قائلا:

"أن يكون جميعهم بجمال ما حضرتيه".


فرحت رافعه ارجلها على الاريكة ناسية أمر الشاي الذي لم تشربه متحدثها بطلبها الاخر.


"هل لي أن أطلب بوتجاز كبير عوضًا عن الموقد الصغير والفرن الكهربائي".


 ابتسم بموافقته، لتكمل باقي طلباتها في حاجتها للصواني وطناجر للطبخ.


أراد أن يستمتع بفرحتها أكثر قائلا:

"هيا ارتدي لنذهب لشراء ما تحلمين به، لديك فرصة ذهبية لا اعرف متى يمكننا تكرارها".


أجابته بعيون لامعة:

"هل سنذهب الان لشراءهم".


_"أنتِ محقة بقول لديكِ متعة بشراءها، حتى أنني لمست هذه المتعة من الان".


نظر للساعة قائلا بعدها:

"لنذهب لمعرض الأجهزة الكهربائية أولا ومن ثم نذهب لمتجر للمواد الغذائية اعلم انه صغير ويمكن أن نذهب لأكثر من واحد حتى نجمع كل ما نريد ونطلب منهم إحضار ما لم نجده".


_" هل لديك اعتراض على المتاجر الكبيرة، اعلم بوجود أكثر من متجر كبير يمكنك اختيار أيا منهم لشراء جميع ما نحتاج من مكان واحد".


رد على سؤالها قائلا:

"ليس اعتراض حتى لو لم ترغبي بما قلته يمكننا الذهاب لايًا من متاجرك المعتادة عليها، ولكني أفضل عادةً ان اشتري متطلباتي من المتاجر الصغيرة والمتوسطة كنوع من المساعدة لأصحابها وهكذا سافعل مع الأجهزة الكهربائي لندخل عليهم الفرح بمكاسب كبيرة بالنسبة لهم وبفضل الله صغيرة بالنسبة للخير الذي أنعم الله به علينا".


ظلت تنظر لعينيه بثبات انبهارها واعجابها الشديد بتفكيره داعيه الله ان يبارك له في رزقه.


كان قربها وسعادتها ودعائها كفيلا بسلب عقله وقلبه طوال وقت التسويق وهو يسير خلفها يخرج علب الحلوى والجيلي والكريم كراميل ليضعهم بجانب مشترياتهم.


اشترى دقيق البسبوسة وعجينة الجلاش وغيرها من المنتجات المخصصة للحلويات بسعادة كبيرة لم يشعر مثلها من قبل.


اقترب منها ينظر لقراءتها المكونات خلف علبة قائلا: 

"أشعر وكأني من رغب بشراءهم وليس أنتِ".


ابتسم وجهها وهي تنظر لما جمعه خلفها قائلة:

"نعم لدرجة أنني خفت وفكرت بالتراجع عن الفكرة".


ضحك بسعادته الكبيرة مقتربًا من صندوق مياه غازية بطعم البرتقال كبير مغلف رافعة ليضعه بجانب المشتريات قائلا:

"كي يكتمل….


لم يكمل ما أراد اكتماله حتى صدم برفضها لدخول المواد الغازية الطابق العلوي لضررها الكبير على الصحة.


نظر اليها نظرات أولادها قائلا:

"ولا زجاجة واحدة".


ضحكت رافضة ما يقول بهز رأسها.


انتقلا بعدها لمتجر صغير للاجهزة الكهربائية، أختار لها بوتجاز كبير خمس عيون يعمل بالكهرباء بجانب عجان ومفرمة وكماليات صغيرة ومهمة في كل مطبخ.


اقتربت من طقم صيني خاص بالعشاء اعجبت ببياض لونه والنقاط الحمراء التي تزين بعض الاطباق منه وآخرين سادة بين الأبيض والأحمر.


دنى منها متحدثًا بصوت منخفض:

"نشتريه ان اعجبك".


خجلت من كثرة مشتريتها قائلة:

"شكرا لك يكفي ما اشتريناه اليوم ليكن في المستقبل، وايضا لا يناسب وضع الاطفال اقسم ان قلبي سيكسر قبل أن يكسر قطعة منه".


ابتسم قائلا:

" لا يوجد مستقبلا قلت لكِ انها فرصة ذهبية لا تكرر".


رفع يده لصاحب المتجر الذي فرح ببيعته قائلا:

" ضع لي هذا الطقم مع باقي الأغراض وسارسل لك من ياخذهم باخر اليوم".


رد الرجل:

" لدينا اطقم كبيرة في العدد إن أردت أن تراها، قلت ذلك لانه صغير يكفي لعدد اسرة صغيرة وانتم ماشاءالله يا كبير".


ابتسم البدري قائلا:

"لنشتري اثنان إذا".


اسرعت توته بقول:

"في هذه الحالة نأخذ واحد يزينه النقاط الحمراء والآخر من نفس نوعه ولكنه سيكون المخطط بالاحمر".


أعجب باختيارها مادحًا فيه.


غار قلب ناهدة عندما رات الاكياس الكبيرة تحمل بواسطة البنات للأعلى وزاد على هذا وصول باقي الأغراض في نهاية اليوم.


تجنبتها فاطمة صاعده للاعلى منشغلة بأمر ترتيب الاغراض كلا بمكانه.


لم تهدأ ناهدة حتى اخرجت غيرتها على فاطمة اثناء تناولهم الطعام متحججة بالاولاد وتقصيرها بهم طوال اليوم، حتى جعلت فاطمة تندم على تركهم خلفها.


……….

 

مرت ساعات عصيبة على عائلة الحلو خرج أمين من محبسه بعد أن تحمل شريف المسؤولية الكاملة عوضًا عن أبيه.


انهارت زيزي عندما علمت فجأة بما فعله ابنها كما حزن أمين بشدة، اما شهزاد فكانت الأكثر تماسكًا وصمودًا أمامهم تبشرهم بالفرج وأنها أيام عصيبة ستمر كما مر الكثير من قبلها.


 أخبرتهم بكلام المحامين واستبشارهم الخير في قرب خروجه، ظلت تساندهم وتقويهم حتى اقنعتهم بالنوم المبكر كي لا يمرضوا.

 

تحركوا ليدخلوا غرفهم وهم يمثلون على بعضهم النوم، دخلت من بعدهم غرفة شريف جالسه على مكتبه محاولة استيعاب ما حدث بعدة ساعات قصيرة.



بحثت عن أوراق كعادتها بأوقات الضيق كي تخرج بها ما في قلبها على الورق.


 فتحت الدرج الكبير ومن بعده الصغير الذي بجانبه ممسكة بدفتر ذو غلاف جلد اسود، أخرجته وهي تفتحه من منتصفه تلقائيا باحثة عن أوراق فارغة لتجد صفحة مكتوبة بخط يده.


أخذها الفضول وحب المطالعة قراءة سطورها

" نعم أنا لم أرى قمرا سيئًا من قبل ولكني رأيت ما هو أجمل منه في وجهها المشرق والمنير بحماسها وتميزها وإصرارها الدائم على النجاح، رأيت جمالا مختلفًا يمزج القوة بالضعف، اللين بالشدة، التأني بالحماس، رأيت قمرًا لم أرى مثله من قبل رأيت ولمست به ما لم أرى وألمس في نساء العالمين وكأنه ضالتي التي كنت أبحث عنها من سنين".


أغلقت شهرزاد الدفتر لتمنع نفسها من قراءة المزيد تخوفا من انهيارها الذي اقترب وأصبح واقعا حين هربت منه إليه.


هربت من كلماته مستنجدة بفراشه دون ان تعي النار التي ألقت نفسها به فما أصعب البكاء بعد الفرح، والانهيار بعد التحليق بالسماء، وضعت يدها على فمها محاولة اخماد أفواه النيران الهائجة بداخلها فكيف سيتحمل قلبها بعده وانتهاء حلمهم قبل بدايته بجانب فكرة خسارته عمله.


author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق
  • غير معرف24 نوفمبر 2024 في 10:18 م

    جميل جدا تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Rim kalfaoui photo
      Rim kalfaoui25 نوفمبر 2024 في 1:19 ص

      غيرة ناهدة مش في محلها وعنفها مع سلمي مش مبرر لهيك نتصور هتخسر كثير مستقبلا لأنها ما تحب فاطمة الحقد والغلي عمي قلبها للأسف
      بس ايه البدري ضبط الدنيا بالرغم من صعوبة التعامل مع توته هههههه

      حذف التعليق
      • غير معرف25 نوفمبر 2024 في 1:52 ص

        الحلقة جميلة حبيبتي لولو تسلم ايدك 💖💖💖💖

        حذف التعليق
        • غير معرف26 نوفمبر 2024 في 12:52 م

          روعة تسلم ايدك ياقلبي حزنت على شريف ياعينى شهريار ملحقش يتهنى

          حذف التعليق
          • غير معرف26 نوفمبر 2024 في 10:25 م

            الحزن بعد الفرح والشدة تبين من معك ومن خان عهدك شهريار أصبح كبش الفداء لأبيه هذا الابن البار الرحيم لوالديه بعد العسر يسرا بأذن الله تعالى بالتوفيق والنجاح ان شاء الله حبيبتي
            منال قاسم

            حذف التعليق
            • Amany Ahmed photo
              Amany Ahmed30 نوفمبر 2024 في 12:32 ص

              ماشاء الله يالولو الاضافات عجبتنى قوى قوى ابهرتنى بزيادة جمال الرواية وترابط احداثها للافضل والاجمل

              حذف التعليق
              google-playkhamsatmostaqltradent