recent
جديدنا

احكي يا شهرزاد الفصل الثامن والعشرون

احكي يا شهرزاد

بقلم أمل محمد الكاشف


وسط ظلمته وسكونه دخل البدري المقابر بخطواته التي تباطأت كعادتها فإن كان الأمر بيد قلبه ما كان سيسمح له أن يصل به إلى هنا، أتى مرغمًا مقتربًا من قبره ليجلس بجواره  وهو يحدثه بسره قائلا:

 " حاولت أن لا آتي لكني فشلت لم اتحمل البعد عنك أكثر من ذلك، جاهدت روحي التي كانت تتهرب من مواجهتك وأتيت إليك،  أخي أنت تعلم قدرك بقلبي أنت أخي ولا يمكن للأخ أن ينظر لزوجة أخيه كما فعلت أنا، اقسم لك لو كنت اعلم حينها انها زوجتك ما كنت سمحت لخيالي أن يقترب من حدها".

صمت صوت البدري الداخلي ساخرًا من نفسه لعدة ثواني أكمل بعدها:

 "وأنا من كان يبحث عنها لأعرف من هي". 


رفع رأسه ناظرا للسماء زافرًا أنفاسه الحارة الحزينة قائلا بعدها بصوت أصبح شبه مسموع: " زوجتك تحبك لا زالت عينيها غارقة بحزنها عليك وكيف لا  تحزن وأنت الغالي بقلوبنا جميعًا، كلما اتصلت شعرت بذلك لدرجة أكدت لي زهدها بالعالم كله من بعدك، كيف يطالبونها بالزواج وهي بهذه الحالة". 


تنفس من جديد ليزفر تلك الأنفاس الحارة محاولا إخراج ضيقه وحزنه معهم دون جدوى قائلا:

 " لا زال قلبها يحترق عليك، لقد لمست بحديثها ما أشعر أنا به ولم أستطع وصف إحساسه لأحد، تركتنا مكلومين محزونين بقلوب محترقة نتحدث ونضحك ونتحرك بمشاعر جافة لم تصل حتى لحلقنا، آه يا أخي ماذا أقول لك لأقول ذهبت إليهم وتحدثت معها وأعطيتها حقها الذي زهدت به وتركته لأبنائها، ارتاح بتربتك ولا تخف عليهم هم بخير، وأنا بجانبهم لن اتركهم ولكني انتظر ارتباطي وزواجي لاستطيع أن أذهب إليهم براحة أكبر". 


تحرك ليذهب متذكرًا استقبال اخت فاطمة له استدار لينظر للقبر بوجه المبتسم قائلا:

" سامحك الله هل كنت تريد أن تريحني ام ترتاح مني".

ابتسم وجهه اكثر وهو يكمل سيره بحديثه الروحاني مع أبن عمه:

" ولكنهم يستحقون محبتك واحترامك الكبير لهم و لابنتهم، لا أنكر صعوبة المقابلة بأول دقائق اعطيتهم الحق بحالتهم وما وصلهم عنا، ولكنهم حقًا جيدون هناك روح محبة قوية بينهم يشعر بها الشخص بمجرد جلوسه معهم ورؤية نظراتهم لبعضهم وتحركهم لاكرام ضيفهم وحسن استقباله، حتى اختها لانت بالأخير وأصبحت تضحك مع الأولاد حتى انها اهدت سلمى مزينات للشعر وفارس أقلام وما شابه  كما اعطتهم الحلوى قبل ذهابهم، رأيت التفاف الأولاد حولها هي وأجدادهم لأعلم  مدى ترابطهم الأسري والمحبة التي بينهم فهناك أمور تلمس لا يمكن للشخص أن ينجح بتمثيلها".


صمت البدري من جديد وهو يستمع لصوت توته الحزين بأذنه، استقل سيارته أخذًا نفسًا عميقًا من بركان صدره وشعوره المتخبط.


  رن هاتفه ليفتح قائلا بصوته الملغم بحزنه:

" إن لم تصدقني سأعطيك الحق، انشغلت كعادتي ونسيت الاتصال بك لا تحزن مني".


_" أعلم حملك كان الله بعونك، اتصلت لاخبرك أنني ذاهب غدا لمنزل حسنين إن رغبت انضم لي لنذهب سويًا وهناك أدبر لك جلسة تعارفية مع مها اخت زوجته".

رد البدري عليه قائلا:

" غدًا يوم ثقيل لا أعتقد أنني أستطيع الانضمام لكم بسبب الأوضاع الغير مهيأة وكثرة العمل"

رد المتكلم بجدية وحب:

" انظر يا بدري يا أخي إن لم تتزوج وسط مشغولياتك فلن تتزوج ابدا، اسمعها مني عملك لن ينتهي بسهولة وأصبح يتوجب عليك الزواج".


أجاب بنبرة حزينة قائلا:

 "اتركني هذه الفترة وانا سأتواصل معك إذا جد جديد".


حاول صديقه من جديد متسائلا:

 " وماذا إن جاءها نصيبها؟".


_ " فليكتب الله لها السعادة".


كانت ليلة غريبة الأطوار مختلطة بين الفرح الشديد بجانب شريف وعائلته، والحزن القوي بجانب توته التي استرجعت يوم زفافها وليلتها الأولى التي ربطتها برفيق دربها، بجانب ايضا الخجل الذي أمتلك شهرزاد وسرق النوم من عينيها مستمتعة بحالاته الكثيرة على موقع الواتس اب التي امتلأت بصور الأهل في حفل عريس العائلة، توالت منشورات الحالات  لتتوالى تعابير الفرح على وجهها طوال الليل.


لم يختلف البدري كثيرًا عن حالة توته الخزينة تلك التي سلبت عقله و تركته يتخبط بين شعوره بالذنب تجاه أخيه ينكر نبض قلبه لها وتعلق صدى صوتها بأذنيه يحاول إقناع نفسه أنها زوجة أخيه فقط ، وبين رغبته في الزواج بها لأجل الاولاد وعائلته ومشاعر جديد لم يشعر بها من قبل بل وكذبها استحياءً من اخيه، وهذا ما خلق داخله شعور يصعب تحمله.


حدث باليوم التالي لحفل الزفاف ما لم يكن بالحسبان حين تفاجأت فهميه بدخول أولاد ابنها عليها الغرفة على تمام الساعة السابعة مساءً.

طار عقلها بهذه الفرحة اهتمت توته بإدخال حقائبها وسلامها على أخت مدحت الصغيرة لتدخل بعدها غرفة فهمية قائلة بوجه مبتسم:

 " ما رأيك بـمفاجأتنا".

اقتربت لتحتضنها على فراشها وهي تكمل:

 " علمت أنكِ تتدللين كثيرا بآخر فترة، فقررت أن انضم لكِ لاشاركك دلالك".

لا زالت فهميه تحتضن أحفادها وتقبلهم بحضنها قائلة لأمهم:

"لقد عادت روحي لي الآن".


أغلق بغدادي هاتفه وهو يحدث زوجته قائلا:

" وصلت الحمدلله كم كنت خائفا عليها".

دعت أمال بعد ان اطمئن قلبها على ابنتها:

 " هداها الله لا أعلم من أين خرج قرار السفر السريع هذا هل يستيقظ المرء على قول سأحضر نفسي لزيارة أهل مدحت بالصعيد".

رد بغدادي عليها مدافعًا عن فاطمة:

" الفتاة محقة فما سمعته عن حالة الحاجة فهيمة وما وصل بها من حال يجعلها تسرع بزيارتها التي تأخرت كثيرًا". 


ابتسم وجه أمال قائلة:

" فليكن خير لتسافر وتعتاد على طقس الصعيد ليكتب الله لها السعادة من جديد".


ضحك بغدادي معقبًا على حديث زوجته:

" أحلم باليوم الذي تتخلصين منهما كي أرى فرحتك الكبيرة حينها، وكأنهم يجلسون فوق رأسك اتركيهم يا امرأة كي نتسلى بوجودهم حولنا"


_"معاذ الله لا اريد ونس منهم فلتسعد كل منهما مع شريك حياتها".

 

تحدث بغدادي بفرح قائلا:

 " أرأيتي الأخرى كم كانت خجلة يوم أمس، كلما أقترب منا توترت وتحركت مبتعدة عنه بعينها المنخفضة".


_" والله ياحاج قاربت على الشك فيها وكأنها ليست ابنتي التي انجبتها واعرفها  جيدا".


فكر بغدادي قائلا بسعادة حبه لشريف:

 "ورغم هذا عليها أن تخبرنا بقبولها كي نرد على الشاب قبل أن يعتقد صمتنا من رفضنا".


شردت أمال لتتذكر شريف وهو يقترب من ابنتها ليعطيها طبق به قطعة خاصة من كعكة العروس غارقًا بعيونها المنخفضة خجلًا منه حينها اقترب اكثر ليحدثها بما لم تستطع سماعه، وبهذه اللحظة سألها بغدادي قائلا:

" يا ترى ماذا كان يقول لها عندما اعطاها طبق الحلوى". 


نظرت أمال له مندهشة، متسائلة باستغراب: "كيف؟، هل تحدثت أثناء شرودي"

ضحك بغدادي معقبًا على حالتها قائلا:

 "منذ أمس وانتِ تبتسمين وتتمنين معرفة ما قاله واخجل بنتك لهذه الدرجة".


" اه والله يا حاج ادفع نصف عمري واعرف ما الذي اخجل رجل عائلتنا لهذه الدرجة، إن كانت شخص اخر ما كنت تدخلت ولكن شوشو والخجل لم تصدق عيني حتى الآن، فأنا اكثر من يعلم أن وصولها لهذه الحالة أمر ليس بسهل بل كنت اعتقد انه مستحيل".

تحدث البغدادي بنفس نبرة ضحكه قائلا:

" كنت أشبهها دائما بمن مثلت دور فوزية في مسرحية 'سك على بناتك' ولكنها فاجأتني أنا أيضا إذا كانت ترغب بهِ لهذه الدرجة فلماذا رفضته في البداية".


وبينما كان يتحدثون بسعادة كبيرة كانت أميرتهم جالسة على مكتبها شاردة بقربه منها حين اعطاها قطعة الحلوى المزينة بوردة حمراء هامسا بقوله:

"ستكون من خاصتنا في المرة المقبلة".


فتحت هاتفها وهي تحاول ان تخرج نفسها من حالتها التي غرقت بها، اتصلت باختها لتطمئن عليها لتجدها تتحدث بصوت يمثل انه بخير تضحك وتحكي عن فرحة الأطفال و أم مدحت كي تخفي ما خيم على نبرة صوتها من حزن.

 أنهت المكالمة  بعد أن طال حديثهم وتخلله محادثة قصيرة بينها وبين فهمية لتغلق شهرزاد الهاتف قائلة لنفسها:

 " وتقولين بخير وسأتحمل وأنتِ لا تعلمين أن الواقع مختلف تمامًا بل وكبير على نفسك وطاقتك، فعلتيها بالسابق لأجل زوجك الغالي والآن ما الذي يجبرك على عيش الذكريات وفتح الجروح النازفة مجددًا، ما الذي يجبرك على تحمل حياة مختلفة عنك وبعيدة عن والديكِ".


فتحت هاتفها لتقلب بالمواقع متجنبة الواتس اب كي تقنع نفسها انها لم تفتحه لأجل تتبع اخباره ولكنها لم تستطع الاستمرار بهذه الخدعة حين رجف قلبها وتوترت برؤية حالة جديدة على رقمه الخاص السري ناشرًا به صورة كعكة العرس مكتوب أعلاها  "العاقبة لنا".


ابتسم وجهها وتحركت بهاتفها لتنام على فراشها وهي تنظر للكعكة المزينة بالورود الحمراء، وعندما لاحظ شهريار رؤيتها لحالته أسرع بنشر حالة أخرى محتواها:

" أحلم بذلك اليوم الذي سيرتبه لنا إحدى ليالي الشتاء القاسية لا قهوة ولا بشر سوى أنا وأنتِ والمطر المتساقط من حولنا اخبئكِ بحضني لاحميكِ من قطراته المداعبة لخصلات شعرك الحريري المنسدل على ظهرك لتنامي ليلتك الأولى بين أسوار حصني المحب لقلاع قلبك النادي".


اتسعت عينيها مسرعة بإغلاق هاتفها بشكل تام خوفا من تهوره  واتصاله عليها في هذا الوقت وبهذه الحالة التي هو عليها، ابتسمت ساخرة من كلماته قائلة:

" تحت الأمطار وتدفئني بحضنك".


وضحكت مكملة:

 " اشفقت عليه من الآن فهو لا يعلم بارتدائي الخزانة كلها دون أن تنجح في تدفئتي والله إن أتى لي بمدفأة الكترونية وجلست فوقها لن اتدفئ بهذا الطقس الذي وصفه".


رفعت يدها لتضعها على شعرها المجمع بكعكة علوية قائلة:

" ويعتقد أن تحت العمه شيخ".


تحركت لتقف أمام مرآتها ساحبة ربطة شعرها لتحرر شعرها المموج كي تتركه خلف ظهرها ناظرة له:

 " ها هو منسدل وحريري سامحني يارب على الكذب".


اخذت الفرشاة وبدأت تمشيط شعرها بشرود وعيون سبحت من جديد لتتذكر نظراته لها وهي تلقي عليهم قصتها الأولى.


 كانت تمشط شعرها بيد والأخرى تداعب أطراف خصلاته بشرود متذكرة حالته وهو يتعمد الوقوف أمامها والتحرك باتجاه حركتها ليعيق سيرها، تذكرت ملاحقته لها باهتمام وحرص مُمدّها بفروض المساعدة والمساندة بأصعب أوقات حياتها، تحدثت بصوت شبه مسموع قائلة:

 "ألم يجد سواي ليشاركها أحلامه الكبيرة، أمطار وأسوار وقلاع حسبي الله على حظي لم أجد من رجال العالم سوى شهريار عصره وزمانه". 


نامت توته ليلتها على الأريكة الخارجية بوسط المنزل عندما نام الأولاد بحضن جدتهم واضطرت هي مجابهة ذكرياتها بغرفتها السابقة وحدها لتتحرك بنارها المشتعلة في صدرها متوجهة للحمام كي تغسل يديها و وجهها وناصية شعرها لتبرد ما بها مانعة نفسها من الغرق بالاحزان.


ولجت المطبخ لتشرب الماء وهي تتعمد سقوط قطراته على صدرها عائدة بعدها لتتمدد على الأريكة بعيونها المتورمة من شدة احتباسها لدموعها التي ما لبثت كثيرًا حتى تساقطت فور ان أغلقت عينيها هاربة من خيال مدحت الذي أصبح يحاوطها بكل مكان حولها، هنا أكل وهنا ركض وهنا لعب مع الأولاد وهنا واقتنص منها قبلة سريعة قبل رؤية أحد لهما.


 نزل الدمع الحارق من عينيها لنحت خديها بألم ونار ذكرياتها التي حاولت كثيرًا الهرب منها.


استيقظت فهمية ليلا لتتفاجأ بحالتها وتقوقعها أعلى الأريكة، حزن على حالتها فكرت ان لا توقظها  وأتت بغطاء سميك كي تدفئها به حتى تكمل نومها قائلة داخلها:

 "لمن تركتنا يا بني ألم تشفق على قلوبنا".

هربت فهمية سريعًا كي لا تبكي أمامها، اختارت المطبخ ليكون منفسًا لبكائها الذي لا يعلم بناره سوى الله فها هي تقف خلف بابه تضع يدها وسط فكيها تكذ عليها محاولة أن تشعر بألم  آخر ينسيها ألم قلبها وروحها.

طرقت برأسها الجدار عدة طرقات لا يسمعها غيرها قائلة:

 "يا ليتني مت قبلك ولم أعيش بنارك".


 أرسل الله حفيدها لينهي بكائها حين أراد ان يدخل الحمام، اسرعت بخروجها ومساعدته في دخول الحمام ثم انتظرت خروجه لتعيده لفراشه وتدفئه بحضنها هو واخيه.


أشرقت شمس يوم جديد أراد الأطفال اللعب أمام المنزل بكرة القدم خاصتهم قبل الفطور، اجلست فهيمه فاطمة بالصالون رافضة أن تساعدها  في تحضير الفطور، ودخلت هي بجانب ابنتها لتحضيره بطاقة ونشاط تجددت بمجرد رؤيتها لهم.


تحدثت ناهدة وهي على مائدة الفطور بالسرايا  معلنة عن وصول زوجة المرحوم مدحت قائلة:

 " وأخيرًا أزالت السلطانة فاطمة حنة قدميها وتكرمت علينا بزيارتها لأمي أمس".


ردت جميلة قائلة:

 "هل وصلت فاطمة للصعيد؟".


توقفت اللقمة في حلق البدري بمجرد سماعه لاسمها أخذ الماء وشربه مسميًا الله قبله، أكملت ناهدة حديثها قائلة:

" نعم جاءت وسأذهب بعد الفطور لرؤية الأولاد لا أحد يعلم كم اشتقت لهم".

تدخل البدري بحديثها دون النظر لها قائلا:

" اصطحبي سلمى معك كي تسعد باللعب معهم وفارس يأتيكم بعد انتهائه من دوام مدرسته سيفرح كثيرا بوجودهم".


ردت جميلة عليه باستغراب:

 "عن أي دراسة تتحدث يا أبن عمي؟ هل نسيت أننا بيوم الجمعة".


نظر البدري لجميلة وهو يتذكر نوم ابنه بالأعلى قائلا:

 " نعم، نعم أنتِ محقة حتى انهم ناموا قرب طلوع الشمس".


تحدثت ناهدة:

 " وكيف سأوقظ هذه العنيدة واخذها معي؟". 


اومأ البدري رأسه قائلا لها:

 " لن تستيقظ وإن أتيتِ فرقة مزمار بلدي، أنا سأخذهما بنفسي حين يستيقظان لتكون فرصة جيدة لأرى أنا أيضا الأولاد قبل عودتهم السريعة لأجل المدراس".


صمت ناظرًا لاخواته متحدثًا من جديد:

" لا تطيلوا الأمر اشرفوا على التحميل والوزن واتركوا الباقي على صفوان والعمال".

تحرك محسن وهو يجيبه

 " هل أرسل المحاسب باقي الأوراق لك".

_" سأنظر الآن للبريد الالكتروني وارسله لك إن وصل".

تحرك سيد ليخرج بجانب محسن وهو مشغول في الرد على أحد العملاء، فتح البدري هاتفه وهو واقف مكانه مستمع لحديث ناهدة الذي وصل له من الخلف حين قالت:

" جاءت لتضع على أمي أحزان فوق أحزانها،  استيقظت في منتصف الليل لتجدها نائمة على الاريكة الكبيرة وسط المنزل دون غطاء".

سألتها جميلة باستنكار: "هل غلبها نومها عليها".

_" فتحي مخك واعملي به قليلا، فعلتها لتثير شفقة أمي عليها ونجحت بهذا قالت لي أمي المرأة لم تتحمل نومها بغرفة اخيكِ وحدها احرقت ذكرياتها روحها وانها محقة بعدم زيارتها لهم".

ردت جميلة بصوتها المرتفع المتفاجئ:

" ااااااه والله انها لعبتها صح كيف فكرت بهذا".

 نغزتها ناهدة وهي تشير لها نحو البدري الذي استدار بوقفته لينظر نحوهم بصمت تحرك به مبتعدًا عنهم صاعدًا للأعلى من جديد وهو يحدث نفسه في سره:

 "حسبي الله كفانا الله شر فضوة النساء".


عاد البدري لينام بجانب أولاده فإن كان يتذكر أنه يوم الجمعة ما كان استيقظ بهذا الوقت.

 

وبعد الفطور واهتمام فهميه باطعام أحفادها بيدها استأذنت توته منها أن تخرج لتحرك قدميها بالخضار قليلا ثم تعود، سمحت لها وهي تنبهها أن لا تبتعد كي لا يحدث مكروه لها. 

اومأت توته رأسها قائلة:

 " لا تخافي لن يحدث لي شيء".

 ثم نظرت للأولاد متسائلة:

 " من سيأتي معي؟". 

رد باهي قائلا بلسانه الصغير:

" أنا وهادي سنذهب للعب مع فارس جدتي وعدتنا أن نذهب بعد إتمام فطورنا".


نظرت لها فهميه قائلة:

" اتركيهما ليذهبا المكان ليس ببعيد".

تحركت توته وهي ترد عليهم 

" تمام بالأصل ليس بشيء لم يفعلوه من قبل، سأخرج أنا وهم يذهبان فور انهائهم للحليب".


خرجت توته على عجل تفاديًا وصول ناهدة قبلها، فحين اعتذرت فهميه منها عن ما اقترفته ابنتها بحقها أبلغتها بقرب وصولها لتعتذر منها بنفسها، ولذلك اسرعت فاطمة بالخروج كي لا تثقل قلبها بالمواجهة.


تفاجأ البدري بصوت سماح وهي تنادي من الخارجى  " البدري بيه، البدري بيه". 


فتح عينه ناظرًا لأولاده الذين تحركوا بنومتهم جانبه قائلا بضيق:

 " خير يا سماح ماذا تريدين؟". 


تحدثت من خلف الباب:

" جاء أولاد المرحوم مدحت بيه يطلبون اللعب مع فارس ماذا أقول لهم هل أخبرهم بنومهم، أم اجعلهم يذهبوا..".


قاطعها  بسرعة وهو يتحرك ليجلس على فراشه قائلا: 

"لا تخبريهم بشيء ناديهم ليصعدوا إلينا".


تحرك فارس قائلا لأخته بفرح:

" هيا لنغسل وجوهنا كي لا يروننا هكذا".


تمردت الكسولة على فتح عينيها تحرك البدري ليخرج من غرفته كي يستقبل الأولاد بحضنه مهللا ومرحبا بهم:

"وأنا أقول لنفسي من أين أتى كل هذا النور، يا أهلا ويا سهلا بالحبايب".


فرح الأولاد ببعضهم أراد البدري أن يفطروا مع اولاده ليرد باهي حاكيا له رفض جدتهم السماح لهم بالذهاب قبل تناول فطورهم، وأضاف هادي بقوله:

" حتى أمي لم تخرج قبل ان تنهي فطورها، ونبهت على جدتي ان لا نخرج قبل إكمال شرب الحليب".


تساءل البدري بفضول قائلا لهادي:

 " وأين خرجت أمك بهذا الوقت طبعا أسال لانكم لستم معها".


رد باهي بسرعته التلقائية:

 " هربت قبل وصول عمتي".


ضرب هادي أخاه على كتفه قائلا بقوة:

"عيب لا تقل كذبًا".


أعاد باهي إليه الضربة بقوة أكبر قائلا:

 " لا تضرب أنا لا أكذب سمعتها تقول هذا لشوشو".


رد هادي على أخيه قائلا:

"والله سأقول لأمي إنك تعيد ما تسمعه وسترى ما ستفعله بك".

 اقترب البدري ليفصل بينهم ويبعدهم عن بعضهم وهو يستمع لحديث هادي:

 " والله ستعلقك من ارجلك ورموشك".


أخذه جهة اليمين عكس أخيه وهو يتحدث بصوت يمثل الخوف:

"هل تعلقكم امكم من رموشكم؟".


 ضحك الجميع على حالة عيون البدري الخائفة وصوته الذي أراد به أن يضحكهم ويهدئهم.


اصلح بينهما وتوسط لباهي عند هادي كي لا يفضح سره كي لا تغضب أمه منه، مر الوقت واندمج الأولاد باللعب مع بعضهما.


 تحمم البدري لظهر الجمعة وأخذ الأولاد ليذهب بهم لأداء صلاة الجمعة، ذهب أولا ليترك سلمى أمانه لدى ناهدة زوجة عمها وأبلغها أنه والأولاد سيتأخرون قليلا بعد الصلاة.


 سألته ناهدة عن السبب مجيبًا بضيق رفضه لتدخلها وفضولها الزائد قائلا:

"سآخذ الأولاد لزيارة أبيهم".


خرجت فهمية فور سماعها حديثه وهي تعارضه خوفًا على نفسية الأطفال، ولكنه أقنعها بوجوب اعتيادهم للذهاب إليه وايمانهم بقدر الله، دعته ليعود كي يتناول طعام الغداء معهم عارض البدري معتذرًا منها ولكنها لم تقبل حججه وتهربه مصرة على عودته وانضمامه لهم.


انتظرت ناهدة صعوده لسيارته وقيادتها بعيدًا عنهم لتبدأ حديثها مع أمها قائلة:

 "على ماذا تنوين هل لا زلتي تحلمين بجمعهم سويًا".

تحدثت فهمية بغضب قائلة:

 "اقسم بعزة جلال الله سأقطع كلامي معك للأبد إن فتحتي فمك بوجهها واحدثتي ما يضيق صدرها ويسرع عودتها لأهلها".


ردت ناهدة لتدافع عن نفسها قائلة:

" وماذا قلت أنا لكل هذا، أقولها لكِ كي لا تحزني وتعودي لتستلقي بفراشك".


عادت فهمية للمطبخ دون أن ترد على ابنتها التي رفعت ضغطها بردودها ونقمها على فاطمة من لحظة مجيئها.


جلس البدري بسيارته بعد أن أدى فريضة الجمعة هو والأولاد قائلا لهم:

" هل تعلمون إلى أين نحن ذاهبون".


اجابوه إجابات جميعها خاطئة ليرد عليهم قائلا: " سنذهب يا اولاد لزيارة أبيكم".

 لاحظ صمتهم ونظراتهم التائهة حتى كاد أن يتراجع أمام حالتهم لولا رغبته بكسر هذا الحجز داخلهم، قاد سيارته متوقفًا أمام منفذ مخبوزات صغير قائلا لهم بعد أن استدار قبلتهم:

 " من منكم  يريد إطعام والده اليوم؟، هل أعلمكم شيء جميل علمه لنا رسول الله، ما بكم صامتون صلوا على الحبيب".


رد الأولاد: " عليه أفضل الصلاة والسلام". 


أكمل البدري بعد ان صلى على الحبيب عليه افضل الصلاة والسلام، قائلا: 

" أخبرنا نبينا أن من يموت ينقطع عن عالمنا إلا بثلاث أشياء يمكنكم من خلالها التواصل معه، أولهم علمه ثانيهم الصدقة وثالثهم الولد الصالح الذي يدعو له".


رد باهي قائلا:

" كيف يمكننا التواصل مع أبي وهو بعيد بالجنة".

_" يمكنك هذا عن طريق دعائكم له فعندما تدعون له يذهب ملك له يخبره ان ابنك فلان دعى لك فيفرح قلبه أن ابنه لم ينساه وطبعا كما نعلم أن الله يقبل كل الأدعية فأنت تدعو الله ليستجيب وينعمه بجنته أكثر وأكثر يعطيه قصر أكبر ونعم أكثر، وغير الدعاء الصدقة حين تخرجون صدقة بنية الرحمة والمغفرة له تعود إليه، فإن اطعمتم المحتاجين أطعمه الله بالجنة، وإن كسيت فقير يكسوه الله بمغفرته ورحمته، وإن جبرتم خاطر الناس جبر الله خاطره، كل عمل صالح ستقومون به سيجزى هو عليه لإنه من علمكم ورباكم كما أننا علينا الابتعاد عن الأعمال السيئة".

سأله هادي بصوته المهتم:

" عمي هل يعاقبه الله على اخطائنا؟".

مد يده ليمسح على ناصيته قائلا:

 "لا،  الله يحاسب كل إنسان على أفعاله فقط ولكنه يحزن حين يراكم عكس ما كان يتمنى ويرضى فإن أردتم اسعاده عليكم أن تحرصوا على أن تكونوا أفضل الناس أدبًا، أخلاقًا، دينًا، علمًا حينها سيتباهى والدكم ويفرح بكم ويُكبر جنته ليستقبلكم بها بعد عمر مديد طويل".


صمت وهو ينظر لانامله التي تداعب ناصية هادي قائلا:

 "من أين أتيت بجمال شعرك هذا".

 وضحك طامعًا باضحاكهم وتغيير حالتهم، أتاه اجابته القاصفة من الصغير حين أجابه:

" من أمي أنا وباهي نشبه أمنا هكذا قال لنا أبي".


نظر البدري لشعر الولد ثم انزل يده بسرعة  قائلا لهم:

 " هيا لنشتري المخبوزات ونوزعها على الناس ليطعم الله بها والدكم بالجنة".


فرح الأولاد ونزلوا خلف عمهم ليختاروا من أجمل الاشكال واحبها لابيهم كي يطعمه الله مثلهم، دمي قلبه المكلوم وهو يستمع للأولاد وخياراتهم المدعمة بالزبدة والسكر كما يحب أبيهم، ليتذكر نفسه عندما كان يذهب مع مدحت ليختار هو ما يختارونه أولاده الآن.


ابتلع ريقه المحتقن بحزنه ناظرًا حوله ليجد رجل يبيع الحلوى السكرية بألوانها الزاهية بجانبها بلالين مختلفة الالوان والأشكال، ناداه بيده ليأتي الرجل مسرعًا متمنيًا بيعًا ثمينًا.

اشترى البدري منه البلالين والحلوى دفعًا مقابلهم ثمن يومين بيع، فرح الرجل ودعا له براحة البال والسعادة.

اقترب باهي من عمه قائلا: 

"هل هذا ايضا سيصل لأبي؟".


اومأ له رأسه وقال جميع أعمالنا الخيرة ستذهب له ولكن علينا أن نسرع لنذهب بانفسنا ليفرح بنا ونريه سعادتنا وضحكنا والبلالين الملونه، نجح أخيرًا بعد وقت عصيب أن يغير من حالتهم ويصطحبهم لقبر أبيهم وهم فرحين يركضون خلفه، كل هذا وفارس صامت مطيع يسير ويأخذ ويأكل دون معارضة، عكس حالته حين يكون مع أبيه، وقبل ان يعلو صوته معلن لأخيه وصول أبنائه تفاجأ البدري بامرأة تجلس بجوار القبر، تقدم قليلا ليتحدث بصوت مسموع:

 " افرح يا أباهم لقد أتى أولادك لزيارتك وهم فرحين".


اسرع الأولاد ليحتضنوا امهم وهم يحكون لها عن توزيعهم للحلوى صدقة على روح أبيهم، حضنتهم فاطمة محاولة التماسك أمامهم.

تحدث البدري بعد دقائق قليلة:

"هيا اقرأوا الفاتحة ليصل ثوابها لوالدكم ثم اذهبوا واجلسوا بالسيارة ونحن سنأتي إليكم"


 تحرك فارس ليذهب للسيارة قبلهم دون أن يقرأ شيء وكأنه يهرب من المكان ليذهب الأولاد خلفه. 


وقفت توته بصعوبة ثقل حزنها قائلة:

" ما كان عليك أن تأتي بهم إلى هنا، أخشى أن يعذبوا برؤيته هكذا".


رفع عينه بعينها لوهلة ثم اخفضهما ناظرًا لقبر أخيه قائلا:

 "كنت أريد أن يقتربوا منه ويشعروا به حتى يسعد هو بهم، كم أتيت إليه مهموم وحزين وخرجت من عنده براحة كبيرة، إن كانوا سيحزنوا فليحزنوا قليلا الآن ومن بعدها يعتادون ويأتون لزيارته ويتصدقون ويترحمون عليه الدلال الزائد يفسد بنية الأولاد".


رفعت رأسها لتنظر لقبره نظرة مودع تحركت بعدها وهي تقول للبدري:

" أنت محق بهذا أنا لم أفكر بما قلته شكرا لك، والآن سأعود للمنزل لقد تأخرت كثيرًا على أمي فهمية واخشى أن تقلق عليّ".


تنحى جانبًا ليفتح لها الطريق دون رد ناظرًا لأخيه ليحدثه بسره:

" سأعود إليك مجددًا".


تحرك خلف فاطمة محاولًا اللحاق بها، وفور الوصل بجانبها في السير تحدث قائلا:

 " أصرت الحاجة فهمية على أن انضم إليكم بطعام الغداء، لم أرغب ولكني لا اريد احزانها وخاصة بعد رؤيتها واقفة على قدميها من جديد"


_"خيرا فعلت هي تعتبرك بمكانة مدحت ومن المؤكد أن وجودك سيفرحها".


نظر لسيارته قائلا لها:

  "هيا لنذهب سويًا".


جاءت لتعترض ولكنه لم يعطيها فرصة لهذا، تحرك لسيارته وهو يكرر طلبه، اقتربت لتصعد في الخلف بجانب أولادها الذين حكوا لها ما قاله عمهم فور صعودها بجانبهم.


فرحت فهمية بفرحة الأولاد بزيارة والدهم حتى انها بكت لعدم زيارتها له حتى الآن، حدثها البدري ليكرر كلامه السابق لها قائلا:

 " إن ذهبتي له سيرتاح قلبك وتعودي أفضل مما إنتِ به". 


تنهدت فهمية ووعدتهم أن تتشجع وتذهب غدًا مع زوجة ابنها، من جديد رأت توته أولادها وهم يلتفون حول عمهم بفرح وسعادة يأكلون من يده كما يأكل أولاده ينتظرون الاهتمام منه وتحدثه معه يفعل مع أبنائه.


برد قلب فهمية برؤية أولاد ابنها سعداء مع عمهم، مر الطعام بسلام وهدوء رغم قلوبهم المحترقة بحزنها


استيقظت فهمية بجوف الليل داعية ربها أن يُقرب بين قلب فاطمة والبدري ويجعل بينهم المودة والرحمة لأجل أن يعيش أحفادها بجانبها، من يرى نار بكائها وحرقة قلبها التي تظهر بدعائها يعتقد أنها تدعو عليهم لا تدعو لهم فحتى وإن تمنتها ودعت فهي لا زالت متألمة موجوعة.


حاولت شهرزاد التهرب من شريف وعدم الظهور أمامه مع بداية يوم عمل جديد بالجامعة.

اقتربت على المبيت بالمكتبة وقاعة المحاضرات ليتم الإمساك بها على الدرج الموصل بينهم،  مستقبلها بقوله:

 "والله إن كنا نلعب لعبة الاختباء كنت وجدتك منذ زمن طويل أين كنتِ كل هذا الوقت وأنا أبحث عنك".


تحدثت قائلة بقوة أظهرت عكس ما بداخلها:

" أنا هنا لا اختبئ فقط كنت أعمل على قصتي الجديدة".

ابتسم وجهه قائلا:

 " أعشق البدايات، النظرة الأولى، والكلمة الأولى، والابتسامة الأولى".

رسمت ابتسامتها على شفتيها رغمًا عنها وهي تجيبه:

 " نعم وخاصة هذه البدايات من المؤكد أنك ستحبها وبقوة فهي امتداد للدولة السلجوقية"


تحمس شريف قائلا:

 " ومتى يمكنني الإستماع لها". 


ردت لتجيبه بحماس:

" بأي وقت يكفي ان تطلب هذا حتى يمكنني اعطائك الدفتر لتقرأ منه على راحتك".

 مدت دفترها نحوه وهي تكمل:

 "هذا آخر ما كتبته اليوم".

 

أخذه منها قائلا بحماس:

 " ولكني أحب أن أسمعه عوضا عن قراءته".

 

نظر لآخر سطر محدقًا بقوة، رافعًا اعينه بعدها قائلا لها:

" ما هذا الذي أراه".


اومأت شهرزاد رأسها بانتصار تحدثت به:

" إنه لون جديد ستعجب به على الاخير".


همهم بصوت غير واضح:

" يالها من رومانسية طاحنة".


_" أفندم أنا لم اسمع "


 ابتسم شريف لها متحدثًا:

 " اتركينا من هذا الآن لدينا ما هو أهم، بحثت عنكِ منذ الصباح ولم أجدك رغم صعودي المكتبة أكثر من مرة، المهم الآن اريد ان تحددي موعد لنذهب لإختيار الخواتم أعرف مكانًا سيعجبك لنذهب وتختاري منه ولكن إن لم تجدي ما تحلمين به سنذهب لمكان آخر".

ثم نظر لساعته مكملًا:

" لنسرع كي نكسب المزيد من الوقت" .


تحدثت بعقلها الذي توقف عن فهم ما يصل له قائلة:

 "عفوًا هل يمكنني أن استفسر عن شيء".


أجابها بجدية:

" بالطبع تفضلي".


_" بقولك خواتم أفهم من هذا أنك خطبت فتاة وتريد مني اختيار خاتمها معك!".


حاول ان يتماسك دون ضحك ليكمل حديثه الجاد قائلا:  "نعم إذا لم يكن لديكِ مانع". 


ردت لتجيبه بلؤم:

 " عليّ أن اتعرف على الفتاة كي انصحها نصيحة عمرها قبل أن …".

قاطعها متسائلا:

" قبل ماذا هل أنا خطأ يجب الابتعاد عنه؟، غيرت رأيي سأشتريه لها بنفسي فهي تعشق ذوقي الراقي".


صمتت وهي لا تعرف بماذا تجيب خجلًا منه، سئم مما وصل له حديثهم قائلا:

" دعكِ من كل ما سبق، لنتحدث بشكل جاد قليلا أريد أن أعرف متى سآتي لخطبتك وقراءة الفاتحة ومن ثم حفل الخطوبة يليه حفل الزفاف".


ابتسمت بخجل، ليكمل شريف قائلا:

 " أعلم إنني تحمست من جديد تمام فلنتفق على زيارتي أنا و والدي أولا ومن ثم جميعهم سيأتون وراء بعضهم ولكن عليّ أن أخبرك من الآن أنا لا أريد الاطالة بأمر الخطبة إن كان بيدي سأجعلها أيامها معدودة فقط ".


تحدث من جديد حين طال صمتها متسائلا:

" ما بكِ اجيبيني متى سآتي؟".


ردت عليه بصوتها الذي غلبه فضولها وخجلها قائلة:

"هل أعطاك أبي رده على طلبك منه؟".


أجابها بثقة ليصدمها قائلا:

  " لا أعرف أن حدث أم لا ولكني اصبحت واثق من رده".


 نزلت الدرج خطوة ابتعدت بها عنه قائلة:  "حين يعطيك الرد سيبلغك بموعد استقبالكم". 


وبحركة مجنونة فتح هاتفه ليتصل ببغداي متسائلا عن رده مرة أخرى ليجيبه بغدادي قائلا: " إن كنت تريد إجابة معاكسة لما اخذتها بالصباح فلنفعل هذا". 


تراجع بسعادة وفرح طالبًا منه ان يأتي هو وأهله مساء اليوم لزيارتهم بشكل عائلي، رحب بغدادي بطلبه قائلا:

" تفضل يا بني أهلا وسهلا بكم في أي وقت". 


شكره شريف واغلق هاتفه وهو ينظر لمن تسمرت مكانها مذهولة مما حدث، رن هاتفها لتفتحه وتضعه على أذنها مستمعة لصوت لأمها وهي تقول:

" بنت ياشهرزاد اتركي ما بيدك واركضي إلينا بسرعة شريف وعائلته سيأتون الليلة لطلبك رسميا اركبي سيارة مخصوص كي لا تتأخري".


ردت على امها بصوت منخفض:

" حسنا انتهى دوامي ها أنا قادمة إليكم".

 

أغلقت الهاتف وهي على حالتها، تحرك ليحررها من وجوده كي تعود لطبيعتها وتلتقط انفاسها متصلة بامها لتقوم بعملها الذي نقص قبل قليل قائلة:

 " من الذي سيأتي، لماذا قبلتم باستقبالهم كما أن توته غير موجودة لننتظر وجودها".


وبختها امها على عدم خروجها من الجامعة حتى الآن لتضطر إلى الخروج والذهاب لأمها لترتب المنزل وتجهز نفسها لاستقبال من ظل ينظر للساعة وهو يعد الدقائق والثواني حتى آن الأوان وطار فرحًا إليهم، لم تستطع شهرزاد الخروج لاستقبالهم من شدة خجلها، بقيت بالغرفة حتى دخلت امها تبحث عن سبب تأخرها.


 سحبتها من يدها لتخرج بها وهي تنبهها بصوت لا يسمعه غيرهم:

" كما قلت لكِ تظاهري باللطافة والأنوثة والخجل إياكِ أن تظهري وجهك الخشبي اليوم أقسم أن ظهر سأنفذ ما قلته لكِ وامامهم ايضا".


ابتسمت شهرزاد بوجه زيزي مقتربة منها لتسلم عليها ومن ثم سلمت على والده متفاجئة بوجود والديّ سيف لترحب بهم وتسلم عليهم متمنية أن لا يأتي الدور على من اقترب وهو يمد يده نحوها بباقة ورد مختارة بعناية وذوق عالي،  مدت يدها لتأخذها منه دون أن ترفع عينيها بعينه الغارقة ببحور جمال ما يشعر به. 


تحدث أمين في هذه اللحظة قائلا:

 " يشرفنا رؤيتكم من جديد وخاصة في ظل ما اتينا لأجله، لا أحب أن اطيل بالحديث فكما نعلم الأولاد هذه الايام يتفقون على كل شيء ونحن فقط نأتي لنتم الأمر،   تعلق ابني بكريمتكم من أول يوم كما قال لنا، نشأت بينهم علاقة جميلة متبادلة دامت لاشهر اتفقوا بها على كل شيء، فرحنا بحبهم وتقاربهم وتفاهمهم وآتينا إليكم لنكمل ما بقي ناقصا".


نظرت شهرزاد لأمها التي كانت تنظر لها متفاجئة، بقي بغدادي صامتًا أمام ما قيل، لتتحدث مديحة قائلة:

 " تبقى القليل على قول اتينا لخطبتها لأجل أولادهم".


ضحك الجميع على ما قالته مديحة ليتحدث شريف ليزيد الأمر خطورة:

 " لقد لمست بها اخلاقها وادبها وتميزها من أول يوم حدثتني روحي لن اتزوج من غيرها، اسرعت بخطواتي لافوز بهذا اليوم الذي أتي إليكم فيه لاختطفها على حصاني الابيض وأطير بها لعالم لا يوجد به سوى السعادة والسرور".


تحدث والد سيف بنبرة مضحكة موجها حديثه للبغدادي قائلا:

" إن كنت مكانك سأرفض حفاظًا على ابنتي من تلك الأحلام الخيالية".


ردت زيزي بثقة قائلة:

" لا تقلقوا أنا موجودة استطيع التصدي لهذه الحالة واعادتهم لضبط المصنع بشكل جيد". 


ضحك الجميع على حديثهم المريح السعيد الغير مكلف، طلب أمين أن يقرأوا الفاتحة لتحزن أمال على عدم وجود ابنتها توته معهم.


وعدها والد سيف بأن يعيدوا قراءتها مرة أخرى بيوم الخطوبة، وهنا تمت الموافقة برضا كبير، رفعت الكفوف لتبدأ بقراءة فاتحة حياتهم الجميلة، علقت عينيه على عروسته طوال قراءته تحمس شريف وطلب من البغدادي ما فاجأ به الجميع:

 " أريد أن نحدد موعد الزفاف بأقرب وقت ان قلنا شهرين من الآن فسيكون مخيب لمرادي، سأحاول جاهدا أن لا يتخطى الشهر على الأكثر"


رد بغدادي قائلا:

 " ولماذا تكرمت واعطيتنا شهرًا كاملا،  مبارك عليك فلتأخذها معك من الآن".


وبضحك رد أمين على بغدادي قائلا:

 " والله صدق أخي ناجي فلو كنت مكانك لرفضت خوفًا على ابنتي".


رد بغدادي بضحك تخلله الجدية قائلا:

" اترك الوقت لتساهيل الله، ابدأ أنت بتجهيز المنزل وما عليك ونحن ايضا سنفعل معها كما فعلنا مع اختها لن نقصر بشيء بل وسنزيد حسب المطلوب".


رد أمين بصوت جاد قائلا:

 " ونحن ايضا لن نقصر معه هو محق بسرعته فمنزله جاهز وينتظر الموعد منذ عدة سنوات، يحتاج لطلاء الجدران واختيار الأثاث وما شابه، طلباتكم واختيارتكم  مجابة يكفي أن تقولوا عليها"


تحدث بغدادي من جديد قائلا:

" ليس لدينا أي مطالب يكفيني شهامته واخلاقه وحفاظه على صلاته إن لم يأتي بغيرهم فأنا راضي به، ما ينقص عليه سأكمله أنا وازيد عليه".


رد شريف على البغدادي:

" شكرا لك وأنا أعدك بأن أحافظ عليها وإن لا اظلمها وأهدر حقها مادمت حيًا".


اجابته أمال بعيونها المملؤة بدموع الفرح قائلة:

 " يكفي أن تتقي الله فيها".


نظر شريف لعروسته قائلا ردًا على امها:

" لا تقلقي من بعد الآن سأضعها بعيني".


خرجت من مديحة زغرودة عالية أدمعت عين زيزي ورجفت قلب أمال فرحًا بهذه السعادة التي طرقت بابهم مجددًا.


انتهينا...

يتبع .. إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. منها "رواية حياتي" رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..


author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • غير معرف11 نوفمبر 2024 في 2:50 م

    روعه تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • غير معرف12 نوفمبر 2024 في 2:26 ص

      الحلقة رائعة حبيبتي لولو تسلم ايدك ❤️❤️

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent