رواية حياتي.
بقلم أمل محمد الكاشف.
أثر العائلة في حياة عارف.
الطفل الكبير.
بعد نشر الفصل الجديد بالأمس شعرت باختناق كبير، فرغم جمال المشاهد والضحك والمحبة الصادقة بين أفراد عائلة أوزجي وعارف إلا أنني كنت أشعر بعلقم حلق هذا الطفل الكبير.
قرأت المشاهد وكأني أرى في عيونه دموع الحسرة كبيرة، كأمواج بحر مضطرب يخفي في أعماقه أحزانًا دفينة، تلألأت الدموع وطفت على شواطئها كلما شعر ذلك الطفل الكبير بصدق محبة صالح واهتمامه بتفاصيل كل ما يحب ليشتريه ويأخذه له.
مشاهدهُ مع الأم نعمة الله تعكس فرحة رجل الكبير في هيئة طفل صغير اشتعلت داخله طفولة ناعمة كان قد حرم منها، هذا ما رأيته في عيناه البراقة واقترابه منها ليحتضنها ويقبل يدها من الحين والآخر كصغير وجد حضن أمه بعد طول انتظار.
فبمجرد رؤيته لهم ملأ وجهه ابتسامة تفيض دفئًا وعذوبة جديدة على مشاعره، تحولت تعابيره الحزينة المضطربة إلى براءة تلقائية فور رؤيته لهم.
شعرت بمرارة في حلقي مع كل حركة منه تبدو وكأنها محاولة للاقتراب واكتساب قلوب صادقة بمحبتها دون زيغ او مؤامرات او حتى تخفي، تحمّل حدتهم وضحكهم عليه بل وعقاب صالح بالفصل القادم له فقط ليجد ظهر وحضن يتكئ له وعليه في وقت الشدة، تحول من رجل يخشى ترك زوجته له إلى طفل مسكين شعر بالسكينة والمودة والرحمة التي أشعرتهُ أنه مُحتضن أخيرًا من عائلة لا يمكنها التخلي عنه بسهولة، ليعيش بهذه المشاعر لحظات من الصفاء والسلام النفسي لم يشعر به من قبل.
فهذا هو المعنى والمغزى الحقيقي من ضرورة نشأة الأطفال في وسط عائلي مترابط يحفه المحبة التي تعتبر دعامة وركيزة أساسية لصحة أفرادها النفسية والاجتماعية.
فكيف سنُخرج جيل قوي لديه أهداف وطموح ينصر دينه ويحافظ على أوطانه وهم لا يشعرون بالأمان والاطمئنان داخل العائلة، في عيونهم رهاب وخوف من الاشخاص القريبون منهم.
يشعرون بالخذلان وانعدام الأمان الذي يؤدي إلى انعكاسات سلبية على نفسيتهم وحياتهم الدراسية والمهنية، حيث يصعب عليهم تحقيق النجاح بسبب تراكم القلق وتراجع تقدير الذات.
للأسف عارف ابتلى بعائلة كانت المصدر الرئيسي في ابتلاءاته والمؤامرات التي مارست عليه منذ كان طفلا صغيرًا لا حول له ولا قوة، تحول منزله لساحة توتر وضغوط نفسية، حالة من الخوف وعدم الأمان أثرت سلبيًا على نفسيته حتى أصيب بمرض نفسي مزمن صعب تخطيه بسهولة يكسره ويسقطه أرضًا كلما ضرب الماضي في وجهه.
لطف الله في اقداره.
سبحان الخالق الذي يكتب القدر وينزل معه اللطف فيه، فلولا وجود أسماء في حياته تدعمه وتحافظ عليه منذ الصغر ما أصبح جوتشي الأسطورة.
تُعتبر أسماء أكبر نعمة عظيمة أنعمها الله على عارف، من يرى دموعها وخوفها ودفاعها عنه وحزنها الشديد عليه لدرجة سهرها الليالي تبكي حاله يعلم جيدًا أنها ليست مجرد زوجة عم فقط بل لغز كبير، وأساسًا قويًا بنى عارف عليه ثقته في نفسه وإيمانه بقدراته الفنية والإدارية والعملية حيث زرعت بقلبه روح الإبداع وسهولة النجاح به، دعمته بقوة حين تعمدت ارتداء الإكسسوار البسيط وهي تفيض عليه بالإعجاب والانبهار ليس كلاما فقط بل فعلا حين تزينت به واحد تلو الاخر وهي ذاهبة للحفلات والمناسبات دون خجل من بساطتهم فقط لتمني وتبرز بقلبه ثقته في نفسه والسعي نحو المزيد من الابداع، وهذا ما ساعده على تجاوز تحديات الحياة.
وفرت أسماء لهذا الطفل الصغير الأمان العاطفي والدعم النفسي ولو كان بسيط غير كافي أمام أخبار والده وخذلان أمه ومؤامرات عمه، اشعرته دومًا بأن هناك من يؤمن به وبقوته على مواجهة العالم دون خوف، سعت هذه المرأة الحنونة باحتوائه ولكنها لم تنجح بشكل كامل.
حين زرعت فيه القوة والثبات وهي من كانت تحتاج إليهم لتتحمل زوجها وما تعيش وسطه، جاهدت وتحملت إفناء حياتها في مكان غير ملائم لها ولابنتها فقط كي تحافظ عليه.
أنتِ قوية، أنتِ سند ومصدر القوة لأبنائك.
عزيزتي الأم الحنونة الناضجة القوية أعلم أن الحياة ليست وردية لدى الجميع، وأن ظروف كلا منا ليست متشابه لا شكل ولا مضمون، قد تكوني مبتلاه بشبيه غافر بدرجات سوئه المتفاوتة وقد تكوني على أبواب الطلاق او منفصلة فعليًا جميعهم صعب على الروح والنفس، لكن اعلمي أن دورك في حياة أبنائك لا يُعوض أبدا، فإذا لم يجدوا الدعم من الأب وعائلة متفاهمة مرتبطة، فلا تجعلي المشاكل و ضغوطك النفسية تؤثر على حبك واحتوائك لأبنائك.
كوني أنتِ السند والحضن الذي سيلجأون إليه في أوقات حزنهم وضيقهم وضعفهم، اسعي بغرس الثقة في النفس والإحساس بالأمان في قلوبهم، اهتمي بهم واعطيهم من المحبة والتسامح ما يشعرهم أنهم أغلى ما لديكِ.
كوني لهم مثال يقتدوا به، ازرعي فيهم القيم التي تحلمين أن تريها فيهم، أخلقي لهم بيئة مليئة بدفئ المحبة والتسامح والسلام، واعلمي أنهم سيكونون بحاجة لكِ في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى، أمضي في كل خطوة تساعدك وتعينك على بناء حياتهم ومستقبلهم، ولا تستسلمي للظروف والعقبات مهما كانت التحديات.
وتذكري أن وجود شخص واحد في عائلة عارف سعى لتعزيز إحساسه بالثقة في النفس، شخص واحد كان بمثابة درع يحمي أحلامه وطموحاته من الخذلان كفيلا أن يُخرج أسطورة جوتشي الكبير، وأنتِ بالمحبة والاهتمام تستطيعين فعلها والنجاح بأبنائك.
لذلك أعود وأكرر أولادنا أمانة بأعناقنا علينا ان نوفر لهم بيئة سوية ينشأون فيها تؤثر بالإيجاب على شخصيتهم وشعورهم بقيمتهم في المجتمع.
هذه المشاعر لا تقاس ولا تشترى بالمال والمستوى التعليمي للآباء، يكفي أن تكون العائلة مترابطة ومبنية على الحب والتفاهم، ليشعر الأبناء بالانتماء والدعم العاطفي.
كما يكفي أيضا ان يكون أحد الآباء يهتم بأبنائه يرعاهم ويحافظ عليهم وسط المشاكل والتفكك العائلي.
تتوالى المشكلة وراء المشكلة والابتلاء وراء الابتلاء والصعوبات في الحياة على الوالدين ليتعلم الأبناء منهم كيفية التعامل مع كلا منها بطريقة بناءة وهادئة.
مع الاسف كان من نصيب عارف ان يحظى بعائلة مثلت مصدر قلق واضطراب وتآمر بالنسبة له وهذا ما جعله يشعر بعدم الأمان والخوف الدائم.
ثقل كبير على عاتقه، يترقب من أين ستأتيه الضربة القاضية بالمرة القادمة.
في النهاية حبيت ان أوضح لكم ان العائلة ليست فقط مكانًا للإقامة، بل هي مدرسة الحياة الأولى التي يكتسب فيها الأبناء أدواتهم النفسية والاجتماعية، أسرة متماسكة تبني أفرادًا مستقرين عاطفيًا، عكس ما تسببه عائلة متفككة معادية للأبناء من آثار معاكسة تظل مستمرة في حياتهم و قراراتهم المستقبلية.
وهذا ما رأيناه في مشهد الأرجوحة الأخير، حيث كان شاردًا مهمومًا باهت في نظراته الثابتة للفراغ حوله، حرارة عالية في صدره رغم برودة الطقس من حوله، جلوسه وحده بينما الجميع يتنعم بالدفء بجانب احبابه أيقظَ بقلبه مشاعر دفينة، نقص عميقة يعكس ضعفًا وانكسارًا بثقل المعاناة التي يعيشها، عينان تحكي وتشتكي ما لم تستطع اللسان النطق به، فراغ موحش يرمز إلى وحدته في عالم كبير لم يرى في ظلاله سوى خيبات أمل.
نصيحة للآباء:
عن "أنس بن مالك" رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته". (رواه البخاري ومسلم).
احرصوا على الإحسان في كل شيء حولكم لأجل أن تتركوا في ابنائكم أثر جيد. أحسنوا في علاقاتكم، أعمالكم، أي مسؤولية تقع على عاتقكم ابذلوا قصارى جهدكم مع ابنائكم بصدق وإخلاص، وسترون نتائج هذا الإحسان يرتد عليكم ليزهر حياتكم ويفتح لكم أبواب النجاح والسعادة والرزق، ولا تستهينوا باللحظات الصغيرة التي تقضونها بوسط ابنائكم فهي كنز لا يمكن اقتنائه بأموال الدنيا كلها.
......
انتظرونا غدًا في اعلان الفصل السابع عشر