احكي يا شهرزاد
بقلم أمل ممد الكاشف
جاءت البدايات على عكس النهايات ، بدأ المنتدى بفرحة وأمل وتواصل وحرص كبير على النجاح وانتهى بخيبة أمل صادمة لقلبه وروحه، لم يتوقع شريف للحظة انها ستصدمه هذه الصدمة المدوية دون رحمة بيوم كاد أن يحلق به من سعادته واقتراب عائلاتهم من بعضهم، من يراه وهو ينظر لها من بعيد يستطيع قراءة ما تنضح به عيناه من تباهي بها هذه حياتي ، قلبي ، سعادتي ، عشقي الذي اختاره لي قدري .
أقترب سيف منه ليودعه طالبًا الإذن منه لوجوب موعد عودته لمكتبه لإنهاء عدة أمور مرتبطة بأعمال هامة.
أومأ شريف رأسه بابتسامة خفيفة لم تصل لعينيه:
" إذنك معك يا غالي، اشكرك على قدومك ودعمك، ونعم الرفيق أنت ".
تساءل سيف :
" هل حدث شيء معك أم اختلط علي الأمر، ما الداعي لهذه الكلمات الآن نحن أهل، اليوم لك وغدا سيكون واجب عليك".
ابتسم شريف داعيا له ان يجد فتاة أحلامه التي تناسبه وتسعده، همَ ليسأله مرة أخرى عن حالته لولا اقتراب والده منهم وهو يسلم على شريف متمنيًا له السعادة بحياته .
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
لا زالت توته تبكي على نفسها فكلما تذكرت البقرة وهي تركض نحوها كلما أشفقت على ركضها وسقوطها بهذا الشكل، غضب مدحت على أخوته البنات فكيف لهم أن دلوها على هذا الطريق وهم يعلمون جيدا عدم استطاعتها التصدي للبقرة المجنونة كباقي أهل البلد .
حزنت توته أكثر حينما ربطت حديث الرجل القوي بحديث زوجها ليتضح لها أن الجميع يعلم بأمر هذه البقرة ولا يقتربون منها إلا وبيدهم ما يصدها عنهم .
تحجج الأختين بنسيانهم أمر البقرة وإلا ما كانوا دلوها عليه أو حتى كانوا أعطوها بيدها ما ترفعه بوجهها لتخاف وتبتعد عنها فبرغم انها هائجة لا صواب لها عند رؤية الناس إلا أنها تخاف من أقلها شيء حتى وإن وقفت بوجهها وصرخت كان من الممكن ابتعادها عنها .
غضب مدحت على إخوته أكثر فكيف سترجع البقرة بصراخها، تدخلت أمه معتذرة بالنيابة عن بناتها:
" حقك على رأسي يا ولدي".
و نظرت لزوجته قائلة:
" حقك على رأسي يا بنيتي ، لا تؤاخذينا انا سأعاقبهم لما فعلوه ولن امررها لهم ".
ردت توتة بصوتها المتألم من ركبتها وكاحلها :
" العفو منك لا داعي للعقاب من المؤكد انهما لم يريدا حدوث هذا، كان خطأ وسهو مر بسلام الحمد لله ".
ردت حماتها عليها:
" سلمتي يا بنيتي ومع هذا سيكون لي معهم حديث آخر ".
ثم نظرت لبنتيها الصامتين مشيرة لهما بعينها كي يخرجا خلفها .
وبعد خروجهم تحرك مدحت وصعد على الفراش بجانب زوجته ليهون عليها تألمها :
" تبقى القليل والمسكن يبدأ مفعوله وبعدها ستنامين وتستيقظين بأفضل حال ".
تنهد بحزن على حالتها :
" كان علينا أن نذهب للمشفى ".
ردت عليه بألمها:
" ستتحسن مع الزيت الدافئ كما دلكتها ماما فهمية بشكل جيد ستصبح بخير لا تقلق ".
سألها بفضول:
" ألم تري هذا الرجل من قبل قط ، أيعقل أن ينقذك دون أن نشكره ، من المؤكد أننا نعرفه جميع من في المنطقة أولاد عمومتنا ولكن من منهم " .
تنهدت توته بحزن وألم:
" رأسي تؤلمني من كثرة بكائي وألمي وأنت علقت على هذا الرجل، قلت لك لا أعرف عنه شيء حتى وإن كان عرفني على نفسه فلن اتذكره أقسم إن رأيته مرة أخرى لم أستطيع التعرف عليه ، كنت أرى كل من حولي بدموعي. عقلي لم يستوعب ما حدث لي كيف ركضت نحوي إن رأيت وجهها كم كانت غاضبة وكأنها ستقتلني".
عادت لبكائها من جديد أخذها بحضنه ليربت على ظهرها كأب حنون عطوف يهون على ابنته ما أصابها.
غضبت فهمية على بناتها وهي تنعتهم بالأغبياء ليس لهم عقل يفكرون به فضحوا أنفسهم و ما بداخلهم بلحظة سفه ، أكملت توبيخها لهم :
" مكرتوا لها بفرح و الان سننتظر لنرى كم سيطول نتيجة هذا المكر السفيه ، أين كان عقلكما وأنتما ترشداها لهذا الطريق، ماذا إن هاجمتها البقرة وكسرت لها يد أو ظهر أو حتى رأس ، أليس اخاكم هو من سيدور خلفها بالمشافي وأولادها ألم تشفقوا عليهم بأي عقل فعلتما ذلك ".
ردت ناهدة :
" عندك حق ندمت على فعلت. أقسم أنني حزنت على بكائها وتألمها، ولكنها استحقت ألم تري كيف تكيد في وهي تتمايع بالضحك أمام سيد ".
اصمتتها أمها بغضب :
" اخرسي يا عديمة التربية كيف تتحدثين عن عرض أخيكِ بهذه الطريقة ، هل ستترك زوجها وتضع عينها على سيد هذا، البنت جميلة وتضحك بحدود مثلنا بالضبط هل ذنبها أنها حلوة بزيادة ، أم أنكِ لا تثقين بزوجك ".
حزنت ناهدة لدرجة أسقطت دموعها من عينيها ، لم تتحمل ميادة ما فعلته أمها بهما تحدثت بغضب و عيون قوية:
" إن كانت كما تقولين فلماذا نبهتي عليّ ان امنعها من النزول للأولاد بحديقة السرايا الداخلية، ونبهتي على ناهدة أن لا تخرجها من محيط جناحها ".
ردت ناهدة بقوة أيضا قائلة:
" نعم أنتِ نبهتي علينا أن لا نسمح لها بالابتعاد عنا وأن لا تتجول بالسريا وحدها كي لا يراها البدري إبن عمي ويغير رأيه فيما خططتي له ".
و بضيق ردت عليهم أمهم:
" حسبي الله هل فهمتما من حديثي أنني أخاف على رجالنا منها ، أعوذ بالله بأي عقل رزقكم الله ، أقول لكم أنها عرض اخيكم الفتاة خلوقة وبنت أصول لم يخرج منها العيب ، تمام نبهت عليكم ولكن إن فتحتما عقولكما واستخدمتموها قليلا كنتما ستعلمان أنه لأجلكم البنت حلوة ومنورة وملونة تفتح عيون كل رجل تخرج أمامه وتعلي سقف أحلامهم ، يعني ان رآها ابن عمك بدري مستحيل أن تختار عيونه ابنتنا افهمتما ما قصدته ستفشل خططنا بجعلكما بجانب بعضكما بسرايا واحدة مستمتعين بعز ومال واحد وسط أولاد عمكم عرابي ".
ردت ميادة بضيق:
" هل أنا سيئة لهذه الدرجة ".
نظرت فهميه للأعلى قائلة بغضب:
" ارحمني يالله من عقولهم قبل أن يخلصوا علي " .
ثم نظرت لابنتها مكملة:
" جمالك جمال من حولك ولكنها مختلفة ألم تروا كيف أكلت عقل وقلب مدحت أخوكم ".
علا صوت والد مدحت مناديا على ميادة، لتسرع ملبية لندائه خشية غضبه، استغلت ناهدة الوضع متحدثة مع أمها لتكيد بها وتقتص من كلامها الثقيل لهم قائلة:
" لم يراها ، نعم ومع ذلك كله لم يرى ابنتك، تبخرت كل احلامك بلحظة واحدة، الرجل لا زال يراها طفلة صغيرة سمعتي بأذنك ماذا قال لها ، لا زلتي كما أنتِ تكبرين وحدك دون عقلك أتركي الأولاد ولا تنازعيهم بلعبهم عليكِ أن تكبري قليلا كي نجد لكِ عريسًا يليق بكِ من بعد اختك فلا يوجد رجل من بلدنا يتحمل عروسة بعقل طفلة ".
ردت فهمية بغضب وضيق صوتها الذي اعتلا عليه الاستفهام واللوم :
" سعيدة يا ناهدة؟ ، هل أنتِ راضية الآن؟، حسنًا يا بنتي بالغد القريب سترين أن أمك كانت تفكر بمصلحتك، تمنيت أن تكونا سند وعزوة لبعضكما البعض ".
ثم تنهدت بضيق أكملت به:
"ومع ذلك معك حق قصف جبهتنا ابن عرابي وفايزة ".
حزنت ناهدة على حزن أمها تحركت مقتربة منها لتراجعها:
" أنا لم أرضى عن الفكرة من أولها، كنا سنظلم أختي معه أول شيء يكبرها سنا وعقلا حتى أنه يكبر مدحت بثلاث سنين مرة واحدة، كما لديه أولاد من زوجته رحمها الله يعني ليست أول حظه، سيكون حرامًا وظلمًا كبيرًا لميادة كما أننا نعلم حالاته الغاضبة حتى أبي لم يجرأ على مراجعته والتحدث معه بهذه الحالة ".
خرج غضبها من عيونها :
" هل فقدتي عقلك، أتعتقدين أن اباكِ يخاف من البدري ".
_ " و كأنك تتحدثين مع شخص غريب ، ابي وابن عمي كالنار والزيت المغلي لا يجتمعان ولا يتوافقان ، وأبي بالأخير يصمت لتسير المراكب المعطلة مثلما يقول ويتحجج دائما " .
اخذت فهمية نفس عميق زفرته بقوة :
" صبرني يالله على الأيام المتبقية لها عندنا ، فصبري وصدري لم يعد يتحملها لا هي ولا ابوها ".
……
عاد شريف لمنزله حاملًا صمته وحزنه على كاهليه ، ناداه أمين لينضم لهم بالصالون نظر متحدثًا بصوت يصف ما بقلبه:
" سأذهب لارتاح بغرفتي كان طويل طويل ومتعب ".
لم تراجعه أمه لاعتقادها أن حالته بسبب ما فعلته بالمنتدى من عدم اهتمام وترحيب بل و تهنئة لمن اختارها قلبه، رد أباه عليه : " تمام يا ابني كن على راحتك اذهب واستجم بغرفتك ".
أومأ شريف رأسه دون رد مكملًا سيره باتجاه غرفته، تحدثت زيزي بصوت منخفض:
" بدأنا. أرأيت حالته ، من الان وصاعدًا سيغير وجهه بوجهنا كلما أراد أن يرغمنا على شيء ولكني أنبه عليك من الان انا لا استطيع تحمل هذا الوضع ".
هز امين رأسه بحزن:
" استغفر الله العظيم. ألم تشفقي عليه؟، لا أصدق كيف رأيتي فرحته وسعادته التي لم نرها بهذا القدر من قبل وطاوعك قلبك بكسره واحزانه، كانت عيناه تنير وتضيء وحدها من الفرحة حتى تصفيقه لها كان نابع من قلبه وليس يده ".
ردت زيزي بغيظ وذهول:
" و هذا ما جعلني افقد عقلي. متى تعلق بها لهذه الدرجة كيف كيف تغير وأصبح لا يفكر بعقله، أين ذهب أبني العاقل الحكيم الرزين، وبعد كل هذا لا تريدني أن افقد عقلي، وأيضا هل رأيت خطواته السريعة وأحاديثه الكثيرة وضحكه العالي واقترابه منها بعينه أو بشخصه كأن الكون يدور حولها وحدها ".
_" نعم تغير ولكني فرحت كثيرا لهذا التغير يكفي أن أراه سعيدا " .
نادته وهو بجوارها بضيق و نبرة تحذيرية:
" أمين " .
تحرك ليتركها بالصالون وحدها:
" اختنقت أقسم أنني اختنقت".
…….
استلقى شريف على فراشه شارد داخل غرفته المظلمة يتذكر سعادته الكبيرة وهو يتجهز لذهابه إليهم ليلة أمس ، تذكر تناولها الحلوى معه بخجل وعيون تعمدت الهرب منه ، كان يتذكر ضحكها مع أبيها وهي تحذره من حضور المنتدى كي لا يخجل منها ، كم كان سعيدا بينهم حين لمس ترحيب والديها و سعادتهما به ، كم كان الوقت سريعا جميلا وهي بجواره ، تذكر مراسلته لها فور استيقاظه وردها السريع عليه كم تحمس واتصل بها ليدعمها و ينبئها بنجاحها.
لم يكن وحده من يتذكر فهي أيضا على نفس حالته ممده على فراشها مبحرة بذكريات المنتدى وتفاجئها بانتظاره هناك ليكون أول المستقبلين لها ، تذكرت اهتمامه بعائلتها وحفظه لاماكن جلوسهم، كادت أن تدمع عينها حين تذكرته أسفل المنصة قبل صعودها وهو ينظر داخل عيونها بقوة يحمسها ويبث بها الطاقة الإيجابية والإصرار على النجاح :
" ستفعلينها أنا أثق بكِ ستتفوقين على نفسك وعلى كل الحضور إن لم يكن لأجلك فسيكون لأجلي و لأجل عائلتكِ ".
ابتلعت ريقها وهي ترى المشهد وكأنه يحدث للتو نزلت دمعة من عينيها حين شعرت بحرارة أنفاسه التي كانت بالقرب منها وهو يسحب هاتفها من يدها وينزع حقيبتها التي نسيت أمرها خلف ظهرها قائلا:
" هكذا أفضل تحرري من كل شيء ولا تتذكري سوى حلمك ونجاحك و وعدك لأبيكِ ، ستجعلينه يفخر بكِ بل جميعا سنفتخر بكِ ".
حدثت نفسها بصوتها الباكي:
" لقد فعلت ما يجب أن يفعل، يكفي بهذا القدر ليذهب كلا منا بطريقه ، علي أن أهتم بدراستي وحلمي ومرضي ".
زاد بكاءها حين عاتبت نفسها :
" أنا من أعطاه الأمل، ما كان عليّ أن اترك نفسي وأعطيه كل هذه المساحة ، كيف فعلتها كيف؟" .
أغلقت أمال هاتفها بحزن قائلة:
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ما هذا اليوم ضاق صدري " .
_ " هذه ضريبة النجاح الحمد لله أنها جاءت بهذا القدر فقط ".
ردت أمال على زوجها :
" نعم الحمد لله قدر ولطف مع توته ، كلما تذكرت احترق قلبي وأردت أن أذهب إليها لولا موعد كشف أختها غدا ".
أومأ بغدادي رأسه:
" أين ستذهبين الطريق طويل وحرارة الطقس هناك تشوي الجلود الحمد لله تحدثت مع مدحت وهو قبل اعتذاري عن الحضور".
_ " بصراحة يا بغدادي انا حزينة على شريف ، الرجل كان شهم وصاحب واجب ما كان عليها أن تصدمه بهذا الشكل على الأقل كانت تركتك انت من يجيبه بصورة ألطف وأقل حدة مما قالته هي ".
تنهد بغدادي بحزنه قائلا:
" صدقتي والله يا أمال ، أنا لم يحزنني اليوم سوى حالته و وجهه الذي تركناه عليه بالقاعة وكأننا أخذنا حاجتنا منه وتركناه بعدها ، هل يذبح الطير أثناء طيرانه ؟ ".
_ " لا أعرف ما الذي جعلها تستعجل بردها هذا ، على كل لنذهب غدا للطبيب ونطمئن عليها فمن الممكن أن تغير رأيها إن اطمأنت على صحتها ".
تثاءب بغدادي من نعاسه وتعبه قائلا:
" كما قلت لكِ الأمر يخص أمه ألم تري غضبها ونظراتها لنا وكأنها مغصوبة على القدوم ، حتى انها لم تتحدث معنا تهنئنا كالباقين تحركت وذهبت متحججة بعملها دون النظر إلينا عكس خاله وزوجة خاله".
قاطعته أمال:
" زوجة خاله شهد مكرر دخلت قلبي وتربعت به حتى ابنها ذوق بالكلام و رزين وكلامه كله حكم رجل كامل صحيح ".
رد بغدادي بدهشة:
" حرام عليكِ يا أمال فجأة قلبتي على شريف، بصراحة انا حزين عليه لم يرفض أو يتردد للحظة حين طلبت مساعدته بل جاء وافنى وقته بمساعدتها ، جميعنا رأينا جديته بالشرح والتوجيه بجانب إدخاله الضحك عليها من الحين للأخر ليهدئ من توترها " .
ردت على زوجها باستنكار :
" ما بك وكأني ناكرة المعروف ، أنا لم أقل تتزوج من ابن خاله انا فقط أعجبت به وبعائلته اللطيفة هذا كل شيء ، كما أنني أخبرتك بحزني على أستاذ شريف الرجل دخل قلبي اهتم بي في المنتدى وبين الحين والاخر يأتي ليرى هل نحن بحاجة لشيء أم لا ".
_" اتركيها على الله فكل شيء مقدر ومكتوب ما نراه خير قد يكون شر لنا وابعده الله عنا والعكس فاتركي أقدار الله لتسير بما قدره و أراده و هيا لننام لدينا غدا جولة جديدة يرتعب قلبي كلما تذكرتها وكأني ذاهب لحساب الملكين ".
ردت أمال بحزن:
" اتركها على الله انا اثق بكرمه وعدله نحن لم نظلم احد ولا نأكل حقوق أحد سيكرمنا و يجبر بخاطرنا انا اثق به ".
مرت ساعات الليل العصيبة المحزنة بصعوبة كبيرة على من كان له نصيب الأسد بسهرها ، أشرق فجر يوم جديد مليء بالتوتر والقلق حيال مواجهتها للطبيب وشرح حالتها أمام والديها وككل أزمة وصعاب مرت تلك الساعات وجاء دورهم للدخول عند الطبيب الذي رحب بهم بوجهه الملائكي وقلبه الكبير الذي استمع لتاريخ مرض شهرزاد من بداية نزفها المتكرر منذ سنتين إلى أن وصلت لنهاية ما هي به .
كشف الطبيب عليها وهو يسألها عن تاريخ البقع وهل هي ثابتة أم متحركة تظهر وتختفي لتظهر بمكان آخر ، كان يسألها عدة أسئلة وهو يكشف على بطنها.
صرخت متألمة بمجرد وضع يده أسفل القفص الصدري جهة اليسار نظر لها ثم عاد بالضغط على نفس المنطقة لتتأكد شكوكه تابع كشفه بشكل أدق وأشمل ليقول لها:
" تمام انتهى الكشف تستطيعين ارتداء سترتك ".
تحرك ليخرج من خلف الساتر العازل ليجلس على مكتبه .
تحدث الحاج بغدادي بلهفة وسرعة قلقه:
" خير يا دكتور طمئني الله يطمن قلبك وروحك".
_" آمين ، إن شاء الله خير، وكيف لا يكون خير واقدارنا بيد أرحم الراحمين ".
تقدمت شهرزاد ومن خلفها أمها ليجلسا جانبا وهما يستمعان لحديث الطبيب الذي بدأ حديثه قائلا:
" بداية الأمر أود أن أهنئكم بنجاح ابنتكم فقد فرحت حين اخبرتموني سبب تأخير قدومكم لأجل دورها القيم بتمثيل جامعتها، كما أنها كانت تعارض البدأ بالعلاج لأجل أن لا تهدر وقتها وخاصة لم يتبقى إلا القليل على خوضها امتحانات آخر العام ".
رد بغدادي:
" شكرا لحضرتك، نعم ابنتنا مرتبطة بدراستها واحلامها بشكل كبير حتى وإن تحدثت للصباح لن استطيع أن أوفي حقها بهذا ".
نظر الطبيب لعيونها المخفضة و وجهها الحزين موجها لها حديثه:
" و لماذا لا أرى ما تقوله ".
رفعت شهرزاد نظرها صوب طبيبها الذي أكمل :
" فأنا لم أرى سوى شخص حزين هزيل ضعيف، عكس ما نعرفه عن أصحاب الأحلام والأهداف القوية وأيضا النجاح".
وجه الطبيب سؤاله لها بنظرات استفهامية :
" ما هذه النظرات الضعيفة الهزيلة، ألم تحققي أولى نجاحاتك بالأمس القريب ".
ردت أمها بالنيابة عنها :
" في الحقيقة نحن قلقين عليها، بصراحة مرضها سلب فرحتنا بنجاحها، أتينا اليك ونحن نجر أقدامنا جرا من جهة مضطرون لمعرفة سبب ما هي به ومن جهة متخوفون مما ستقوله ".
رد الطبيب:
" لا اريد ان أطيل عليكم أنا مقدر لقلقكم وليس لدي ما استطيع ان اطمئنكم به فلا تنتظروا مني تشخيص دون القيام بعدة تحاليل واشعة خاصة كي تتضح الصورة أمامي واستطيع ان اخبركم عن الوضع بشكل كامل " .
وبدأ بكتابة المطلوب منهم القيام به مشددا على اجراءه اليوم قبل الغد فيكفي ما أهدر من وقت وأيضا خروج جميع النتائج سيستغرق أسبوع على الأقل .
رد بغدادي:
" ان شاء الله سنجريهم اليوم قبل عودتنا للمنزل ".
رد الطبيب على الحاج بغدادي:
" معمل التحاليل الخاص بنا بالطابق العلوي سيتم إجراء بعض التحاليل وغدا ستعودون لإجراء باقي التحاليل والأشعة التي تتطلب أن تجرى على بطن فارغ تماما ".
ردت شهرزاد بصوتها الحزين :
" أنا لم أتناول فطوري حتى الآن يمكنني إجراؤها ".
أومأ رأسه بحزن :
"حسنا أجري الأشعة وسأنتظركم يوم الأحد القادم للاطلاع على النتائج " .
وقفت العائلة شاكرة الطبيب على سعة صدره متحركين خلف بعضهم للخروج من العيادة ليدخل من بعدهم عائلة أخرى بأقدار أخرى لا يعلم خباياها واحزانها سوى الله .
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
مرت عدة أيام و ليالي خيم عليها ظلمة الاحزان المختلفة بواقعها ، شريف يشعر بالخذلان وخيبة الأمل ، وفاطمة تتألم من أثر سقوطها وتجبيس قدمها ، عوضًا عن الأم والأب اللذان يتألمان على بناتهما واحدة تنتظر مصير مجهول والأخرى تتألم شاكية من قدمها و الأجواء من حولها.
………
أتى اليوم الموعود لاستلام الفحوصات الطبية تجهزت العائلة للخروج من المنزل بخطوات تسير للخلف من خوفهم ، علا صوت هاتف الأم أمال ليذكرها بعدم وضعه في حقيبتها، عاد بغدادي ليفتح باب المنزل:
" سننتظرك بالأسفل لا تتأخري يا أمال من غير شيء تأخرنا عن موعدنا ".
أسرعت الأم لتجلب هاتفها وهي تجيب عليه:
" نحن بخير الحمد لله ، وأنتِ كيف أصبحتي اليوم هل لا زالت قدمك تؤلمك ".
خرجت الأم من المنزل مغلقة الباب خلفها وهي تستمع لشكوى ابنتها :
" سأموت من ألمي وحينها سيرتاحون مني وارتاح أنا منهم ".
تحدثت آمال لابنتها بصوت علاه أنفاسها المرتفعة من سرعة حركتها ونزولها الدرج:
" اهدئي يا فاطمة تبقى القليل اليوم العرس وغدا صباحية العروس وبعدها لن يجبرك أحد على البقاء هناك حتى مدحت سأتحدث معه وطالبه بسرعة العودة ".
تركت توته كل ما أتى بحديث أمها متفوهة:
" فاطمة ؟ ، خير يا ماما ؟ شهرزاد، أين هي هل مرضت من جديد ؟ ".
_ " معاذ الله ، ما بها شهرزاد ها هي تجاهد نفسها لأجل إنهاء المواد الدراسية قبل موعد الامتحانات، سأغلق معكِ الان كي ألحق بابيكِ سنذهب للجزار وبعدها لسوق الخضار لا تتصلي بي حتى أعود و اتصل أنا بكِ ".
ردت على أمها بضيق:
"سأنفجر أقسم أنني لم أعد اتحمل يوم آخر هنا " .
ردت آمال بسرعة كي تنهي المكالمة:
" اتركيني يا بنتي الان ابوكِ سيغضب عليّ".
سمعت توته صوت والدة مدحت تناديها من الخارج، أنهت مكالمتها مع أمها وهي تجيب: " أتيت ، أتيت ".
أمسكت أرجلها الحديدية لتتحرك كي تتعكز عليهم حتى وصلت للصالون بوجه يحاول أن يبتسم ليمرر ما تبقى من مدة زيارتهم بالبلد على خير.
لوحت لها فهميه أن تأتي لتجلس بجانبها وهي تحدث للبنات:
" أتت من سيساعدكم بهذا الأمر".
ثم نظرت لزوجة ابنها مكملة:
" سامحينا يا بنتي يريدون أن يضعوا طلاء الأظافر واختيار الورود المتناسقة مع ملابسهم كما تعلمين انا ليس لدي روح لهذه الأمور ".
نظرت توته نحو غرفة ناهدة متسائلة:
" هل ذهبت العروس لصالون التجميل ".
ردت فهمية بضحكة استهزائيه:
" تبقى القليل لينتهي عملهم هناك وأنتِ لا زلتي تسألين هل ذهبوا أم لا ".
_" لا تؤاخذيني انشغلت بكي اطقم الأولاد، وانهيت كي شراشف ناهدة البيضاء وملابسها رغم إنها ليست بحاجة لكيهم جميعهم بحالة جيدة وجديدة ".
ردت فهمية عليها :
" هذه العادة يا بنيتي ، نكويهم بإيدنا لنرفع عنهم أي عين دخلت و لا سلمت على رسول الله عليه أفضل الصلاة و السلام".
وبتلقائية وعدم اقتناع بما سمعته ردت توته :
" عليه افضل الصلاة و السلام ، و لكن هل تعتقدين انه سيذهب الحسد بالكي ، على حد علمي انه يزول بالقرآن والرقية الشرعية بجانب البخور اما الكي جديد علي فأنا لم اسمع عنه من قبل ".
_ " ها أنتِ سمعتي، أم أنكِ تشتكين؟، لا تؤاخذينا إن أثقلنا عليكِ بيوم فرحتنا فأنا أراكِ بمثابة أبنتي ".
تراجعت توتة بحديثها:
" لا لا أنا لم أقصد ما فهمتيه أزال الله عن طريقهم شر الناس".
………
لم يمنعه الأسى والخذلان من ان يتواصل مع أبيها للاطمئنان على صحتها ، اصبح يدور بشرفة منزله قلقًا وخوفا عليها مما سيخرج من التحاليل والأشعة أملًا أن يزول تعبها ومرضها كي تعود لقوتها وسابق عهدها.
رفع رأسه للسماء الصافية بقلب يدعو:
" يارب أخلف ظنها وشكها، لتكن بخير يارب وأنا لن أريد شيء آخر منها، يارب أزل هذه الغمامة من عليها ".
صمت قليلا بعيون مغلقة محدثًا ربه داخله:
" أعلم رفضها لأجل مرضها ، أرادت ان تبعدني عنها ، أرادت أن لا أحزن أو اتأثر حين اراها تذوب من مرضها " .
فتح عينه ناظرا للسماء نظرات راجية قائلا بقلبه:
" اتوسل إليك يا الله أن تخيب ظنها يارب اشفها لي، يارب عفني بها ، احفظها وأفرحني بشفائها واجعلها من نصيبي يارب إن كانت خير لي ".
من جديد صمت وهو يفكر بما قاله معيدًا صياغة دعائه:
" اجعلها خير لي يارب ، اجعلها من نصيبي يارب ".
دخلت زيزي الشرفة وهي تراقب حالة ابنها وصمته الحزين الذي تحلى به من بعد المنتدى، وقفت بجانبه لتحدثه:
" شريف ".
نظر ليستمع لها وهي تقول:
" بني ما بك ، لا تقل لا شيء وكأنك قاطعتنا ، إن كنت حزنت مني فأنا بأتم الاستعداد أن….
قاطعها شريف ليجيب عليها :
" لا يوجد شيء لماذا تصرون على أنني حزين".
تحرك ليتركها وحدها بالشرفة جالسًا على فراشه دون كلام.
….
حدث ما لم ينتظرونه عندما إخبارهم الطبيب ان الامر ليس متعلق بأي أورام خبيثة ، دمعت اعينهم من شدة فرحتهم لم تتوقف ألسنتهم عن الحمد و الشكر وهم غير مصغين لحديث الطبيب الذي حاول أن يسيطر على فرحتهم ليستطيع شرح حالتها المرضية التي تستوجب دخولها للعمليات العاجلة لأجل استئصال الطحال.
صنت الجميع وهم يستمعون:
" وضعه سيء متكيس وبحالة سيئة ولأجل السيطرة على النزف وثبات حالة الصفائح الدموية التي تأثرت بشكل كبير بناء على أثار جانبية متراكمة ناتجة عن الإهمال و التشخيص الخاطئ ، يتوجب عليها الخضوع للمراقبة الدورية لمتابعة حالة الدم ونسب الصفائح بالدم لمعرفة سبب الخلل وهذا من الصعب معرفته والتأكد منه قبل استئصال الطحال بشكل عاجل قبل أن يؤثر بالسلب أكثر من هذا ".
مسحت عيونها و هي تتحدث للطبيب قائلة :
" سأفعل ما تريد بعد انتهاء الامتحانات ".
و بضيق رد الطبيب عليها :
" ماذا إن كان كما كنتم تظنون، هل كنتِ ستفكرين بعلم و دراسة أم انكِ ستموتين كل ليلة وأنتِ تتوسلين إلى الله أن يشفيكي ويرفع هذا المرض عنك، وها قد رفعه وعليكِ الان ان تحمدي الله على نعمته وتحافظين عليها بكل ما أوتيتي من قوة ، سأقول لكِ نصيحة ان ذهبت الصحة ذهب كل شيء معها ، فلا تفرطي بالثمين لأجل ما تستطيعي تعويضه، هل تتذكرين حديثي معكم عن القدر و ان كل ما يأتينا من عند الله خير لنا وها انتم قد كتب الله لكم الخير بالنجاة من هذا المرض الذي لا يقدر عليه سوى الله فاحمدوا الله و لا تفكروا بالفرعيات لا أحد يعلم خطورة استمرار الوضع بهذا الشكل فمن الممكن أن تصابي بمشاكل أكبر بالقلب والمخ ناتجة عن قلة تدفق الدم وضعفه الذي وصل لنسبة ستة فاصل خمسة، فبالغة مثلك تعيش وتجاهد بيننا بهذه النسبة الضعيفة لا نقول عنها إلا أنها تخطوا خطوات ثابتة وسريعة نحو النهاية ، و هذا ما نقول عنه قتل النفس فالمرض بأوقات كثيرة لا يقتل كما يقتل الشخص نفسه بإهماله ".
تدخل بغدادي بحزم:
" لا تستمع لها نحن جاهزون لخوض العملية بالوقت الذي تحدده حضرتك ، ليس العملية فقط بل وكل ما تراه مناسبا لأجل سلامتها ".
اجابهم الطبيب :
" لقد اصبت عين العقل ولكن الأمر ليس عندي من بعد الان، سأعطيك بطاقة طبيب جراحة ستذهبون إليه وهو من سيحدد كل ما تحتاجون إليه ".
خرج الأب من عيادة الطبيب متوجها للعنوان الجديد كي يعرض حالة ابنته على طبيب جراحة طالبا منه أن يقوم بإجراء العملية بأسرع وقت حفاظا على سلامة ابنته.
لم يرد بغدادي على هاتفه الصامت طول فترة انشغاله بين عيادات الأطباء و مركز التحليل لإجراء المزيد من التحاليل المطلوبة قبل إجراء العملية التي أكد الطبيب على خطورة تأخرها .
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
بدأت مراسم الفرح في الصعيد عادت ناهدة لمنزل أبيها وهي بكامل زينتها وجمالها تجهز الجميع لاستقبال أهل العريس الذين سيقدمون لأخذ عروستهم من منزل أبيها حسب العادات والتقاليد .
علا صوت المزامير والطبول وطلقات الأسلحة النارية ليعلو صوت فهمية:
" اكيد العريس وصل".
تحرك الجميع لإكمال ما ينقصه دخل مدحت منزلهم وهو يقول للنساء:
" أتى العريس ".
فُتح باب المنزل على مصراعيه ليدخل العريس وأخويه وأولاد عمومتهم الأقرباء من خلفه ، علا صوت كبيرهم البدري عرابي وهو يقول:
" السلام عليكم جميعا ، فتح الله بابكم بالأفراح والسعد دائما يا زوجة عمي ".
ردت زوجة عمه:
" فلتسلم يا كبير ، العاقبة عندك ان شاء الله".
ابتسم لها ابتسامة منقوصة تابع بعدها:
" لا نريد أن نطيل عليكم ، كالعادات والأصول جئنا لأخذ ابنتنا ناهدة عروسة لابن عمها سيد على سنة الله و رسوله و على أن يكرمها و يعززها و يسعدها ".
رد عمه عليه:
" ونحن أعطيناك ابنتنا فلن نجد أفضل من سيد ابن عمها عرابي ليحافظ عليها ، على بركة الله أعطينا وعلى الصون والعفة بايعنا" علت أصوات الزغاريد والتصفيق .
تحرك العريس واخذ يد عروسته المغطى وجهها بالتول الأبيض من يد أبيها ليشبكها بذراعه متجه بها نحو باب المنزل ليذهبا لقاعة الحفل ، افسح الجميع لهم الطريق وقف مدحت بجانب البدري يتحدثان بفرح وهم ينظرون للجمع الذي يخرج خلف العروسين .
التفتت فهمية لتنظر لهم وتناديهم أن يهموا هم أيضا بالخروج خلفهم فلم يعد أحد غيرهم بالمكان، و بالفعل تحركا خلفهم ليعلو بهذا الوقت صوت توته مناديه على ابنها: " باهي ، يا باهي ".
ألتفت البدري خلفه نحو الصوت الذي تخالط عليه ولم يذهب نغمة رنينه من اذنه لعدة أيام، ترقب أن يرى أحد يخرج من مكان مصدر هذا الصوت الذي رعد بقلبه.
نظر له مدحت: " هل تبحث عن أحد ".
ابتلع ريقه:
" لا ، لا أحد أنا فقط ، يعني كنت أظن أننا آخر من سيخرج من المنزل و لكن عند سماعي ، يعني عند سماعي ".
نادت فهمية من الخارج على البدري عرابي قائلة: " يا كبير ، يا كبير ".
أتت ميادة : " أبي يسأل عنك بالخارج يريدون أن يذهبوا خلف العروس ".
تحرك البدري وخرج مسرعًا إليهم دخل مدحت للداخل كي ينادي على زوجته التي كانت قد بدأت خروجها وإطلالتها الجميلة هي وابنها الصغير صاحب الطقم الأسود ، ولمجرد رؤيتها لزوجها سألته :
" هل ذهب هادي مع جده ".
ابتسم مدحت:
" نعم لم يترك يده طوال تسليم العريس عروسته، هيا بنا نحن أيضا تحركت سيارات الزفة ".
اقترب ليساندها وهي تتحرك بصعوبة بعد أن رفضت الذهاب بعكازها كي لا تصبح أضحوكة العائلة، لم تكن تعلم بوضع أختها واحتجازها بالمشفى كي يتم تهيئتها واعطاءها أكياس دم لرفع نسبها قبل دخول العملية .
ساءت نفسية شريف أكثر بسبب عدم رد والد شهرزاد عليه معتقدا أن عدم رده من سوء حالته وانهياره على حالة ابنته .
كما ساءت حالة قدم توته التي لم ترحمها أم مدحت من السير بجوارها وهي ترحب بالضيوف، لم تستطع الاستمرار بالتحمل اتصلت بزوجها وهي تبكي ألم قدمها طالبة منه ان يعيدها للمنزل و يعود هو للحفل وحده ، و لكنه رفض فكيف سيترك الحفل والضيوف وأباه وحده ويذهب لإيصالها ، وبصوت حنون أراد أن يهدئها به طلب منها أن تتحمل قليلا فهو لن يزوج اخته كل يوم وانهى مكالمته وهو يتغزل بها وينعتها بعروسته وحبيبته وكل دنيته .
أغلقت الهاتف وهي تنظر حولها بغير رضا فرغم أنها هوائية تحب الرومانسية والكلام المعسول إلا أنها لم تعد تستطيع التحمل نفذت طاقتها الاحتمالية من ألم قدمها و عدم شعور أحد بما تشعر به .
تحركت لتخرج من قاعة الحفل الخاصة بالنساء بعد أن قررت أن تعود وحدها للمنزل، وبحركتها البطيئة المتألمة ابتعدت قليلا عن القاعة .
رآها البدري من جديد أنهى حديثه عبر هاتفه بسرعة كي يقترب منها وهو ينظر خلفه نحو قاعة الرجال.
لم تمر بضعة ثواني نظر بهم خلفه يتفقد الوضع ثم عاد لينظر نحوها متفاجئ باختفائها دون أثر وكأنها ملاك أصبح يراه ويسمع صوته بخياله.
أومأ رأسه وهو يهز بها على غير رضا، رآها من جديد وهي داخل سيارة تاكسي كانت تغير مسارها مسرعة بانطلاقها بعدها، تحرك البدري ليستقل سيارته وينطلق خلفهم بلهفة وفضول معرفة هوية ذلك الملاك دون أن يحالفه حظه من جديد حين لجمه صوت نداء عمه عليه ، استدار ناظرًا نحو عمه وكبار عائلات البلد من حوله متحركا بخطوات اضطرارية اجبارية قادته لهم ليرحب ويهتم بوجودهم .
عاتبت الأم ابنتها على ترك المكان دون أن تخبر احد ، حاولت اقناعها بالعودة قبل أن ينتبه أحد على غيابها و لكن توته رفضت بقوة .
اخذت شهرزاد من أمها الهاتف بعد ان طلبت التحدث مع اختها، لتتفاجأ الأم بشهرزاد وهي تقول:
" كيف أصبحت قدمك ؟، و لماذا تألمك كل هذا الألم ؟، هل أنتِ واثقة من الطبيب الذي قام بتجبيرها ".
ردت توته بصوتها الحزين والغاضب:
" لا لم اثق بأحد هنا. اريد ان اعود لمنزلي اقسم أنني أفكر بالعودة بمفردي حتى أنهم يعودون من الزفاف ولم يجدوني ".
ردت شهرزاد قائلة:
" والله الشيطان يقول لي شجعيها على هذا و لكن عليكِ أن تصبري وغدا بعد انتهاء اخر مراسم تتويج كليوباترا احجزي وعودي دون أن تنتظري حتى زوجك تخطاكِ العيب ولا أحد له الحق بلومك هل ستنتظرين لكسر قدمك وتعيشي دونها لأجل إرضائهم ".
سحبت امها منها الهاتف و هي تصمتها:
" ماذا تقولين ستخربين بيتها ؟ ، أين ذهب عقلك ".
ردت توتة :
" مدحت يتصل سأغلق لأرد عليه "
و بسرعة و قلق قالت أمها:
" استهدي يا توته و اعتذري من زوجك اتركي شيطانك جانبا الرجل يزوج اخته اليوم لا تنكدي عليه ".
_ " لا تقلقي سأعود لاتصل بكِ ".
أغلقت الأم الهاتف لتعود لتغضب على شهرزاد ومعاتبتها لقول ما قالته لأختها فهي تعلم كم تتأثر أختها بالكلام .
رد بغدادي :
" لتتأثر، يارب تتأثر لأني اختنقت من مدحت وعائلته ، يشكر ربه أنني لم أتحدث حتى الآن فهمنا انه يزوج أخته وأنه كبيرهم، و لكن الفتاة مريضة قدمها تألمها حتى كدت أن اشك في الطبيب الذي قام بتجبيرها كما قالت شهرزاد ".
_" معاذ الله ، لا هي بخير ستعود و ترتاح بجانبي شهرزاد حتى تسترد عافيتها ".
ضحك بغدادي و نظر لشهرزاد :
" سقط الذنب علينا ".
ردت شهرزاد متذمرة:
" أنا لدي امتحانات لا وقت لإهداره يكفي العملية و ما ستسلبه من وقتي ".
ردت أمال على ابنتها:
" ألمني قلبي ، أقسم أنه ألمني الشكر لله أنهما أثنان فقط كان الله بعون من لديهم أربعة و خمس أولاد كيف يدبرون حالهم".
تحدثت شهرزاد:
" اثنان ، أربعة ، أنا لا دخل لي ان اردتي اذهبي أنتِ وأبي لتقيمي معها بمنزلها ".
رفض بغدادي ساخرًا:
" و ما دخل ابيك الآن هل هنت عليكِ لهذه الدرجة " .
ردت امال بغضب:
" اضحكا انتم وهي يا قلب أمها حزينة لا تعرف كيف تهرب منهم ".
رن هاتف شهرزاد التفتت أنظارهم نحو حقيبتها ، ابتسمت بقولها :
" أكيد نسمة اتصلت من جديد لتعاتبني على عدم اتصالي ".
تحركت الأم لأخذه من الحقيبة كي تعطيه لها وهي تحذرها:
" اياكِ أن تخبريها بأمرك كي لا تسقط بلسانها مع اختك ولن نخلص بليلتنا ".
ردت شهرزاد قائلة:
" حسنا لا تقلقي ، لم افقد عقلي لدرجة أني أُسَرِرُ نسمة على ما نحن به ".
استغربت شهرزاد من ملامح وجه أمها التي تغيرت ، تساءل بغدادي بعينه عن المتصل الذي شك بهويته قبل أن تصرح الأم وتقول: " أستاذ شريف ".
رد بغدادي وهو يخرج هاتفه من جيبه:
" أكيد سيتصل، وعدته أن اطمئنه فور خروجي من عند الطبيب و لم أتصل به ".
فتح هاتفه ليجد عشرة اتصالات لم يرد عليها أحد خجل من نفسه قائلا :
" و الله عيب هل هذا مقابل المعروف ".
اقتربت الأم من ابنتها واعطتها الهاتف:
" أجيبي عليه اعتذري له و طمئنيه على حالتك " .
تحدثت شهرزاد باستغراب:
" على ماذا اطمئنه، ولماذا وعدته يا أبي بالاتصال ألم ننهي الأمر ماذا إن فهم العكس وكأننا نتراجع ونفتح أبواب جديدة أمامه ".
رد والدها بضيق ملأ صدره:
" ما نكران المعروف هذا والله عيب علينا بالأخير هو أستاذك وقلق لأجلك ، هل نسيتي ما فعله لأجل نجاحك، والله لم انسى كيف لبى طلبي وجاء بسرعة ليساعدك ، جميعنا شهدنا مجهوده بهذا عيب والله عيب" .
وبقوة تأثرها من حديث زوجها تحدثت أمال بغضب:
" أمسكي هاتفك واتصلي به واحكي له ما حدث معنا بكل ذوق واحترام واهتمام واشكريه بالأخير فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان " .
عاد صوت رنين هاتفها ليعلو من جديد اعطته لها أمها:
" سأذهب للحمام تحدثي بشكل جيد، إياكِ أن تكذبي عليّ عند عودتي ".
ثم نظرت نحو زوجها لتكمل:
" لا تنشغل بشيء آخر استمع للمحادثة كي تحكي لي ما تنقصه عليه، لن اتحمل البقاء في الغرفة أكثر من ذلك ستضيع هيبتي وسط الممرضين " .
و اسرعت لخارج الغرفة .
وقف بغدادي من بعد خروج زوجته قائلا:
" حسبي الله و لماذا تذكريني بأمره الآن "
و تحرك ليخرج خلف زوجته وهو يقول لابنته:
" سأذهب للحمام وأعود قبل عودتها كي لا تفضحنا".
فتحت شهرزاد الهاتف بعد خروجهم:
" السلام عليكم ".
صمت بحزن ألم قلبه بمجرد سماعه نبرة صوتها وكأنها ترفضه لتوها استجمع نفسه ليجيبها:
" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اعتذر للاتصال أردت أن أتحدث مع الأستاذ بغدادي هل ممكن ان تعطيه الهاتف".
ردت شهرزاد بخجل :
" أنا بخير ذهبنا اليوم للطبيب وطمأنا على صحتي، لا شيء مما كنا نتوقعه لا تقلق ".
وبنبرة صوت غير معتادة عليه اجابها شريف:
" أهنئكم على هذا الخبر اتمنى لكِ دوام العافية، سأتصل غدا بأستاذ بغدادي لا داعي لإزعاجه الآن ، السلام عليكم ".
تحدثت شهرزاد بلحظة ضعف لا يُفهم تفسيرها هل تشكو له أم أرادت أن لا تنهي المحادثة بهذه السرعة ، أم أنها ارادت ان تهون على صوته الحزين:
" تم حجزي بالمشفى كي أتلقى جرعات مكثفة من أكياس الدم قبل دخولي العملية ظهر الغد ، لا أعرف لماذا يتملكني الخوف. لا ليس خوف يعني ان قلت رهبة الأمر سيكون أدق بالوصف ".
نسي حزنه وما كان به متسائلا:
" عن أي عملية تتحدثين ! ألم تقولي أنكِ بخير؟، انتظري هل أنتم بالمشفى الآن يعني أنتِ و عائلتكِ ".
دمعت أعين شهرزاد وهي تومأ رأسها مجيبة عليه بعيون ضعفت من ثقل ما حملت وصوت خيم عليه بكائه:
" نعم هو كذلك اتضح أنني مخطئة بشكوكي الأولية وعلى الرغم من هذا يجب عليّ أن أخوض أكثر من مرحلة علاجية كي لا يزيد الوضع خطورة ".
رد بتساؤل:
" الوضع خطورة ؟!، هل أردتي أن تفقديني عقلي؟، قضيت يومي كله وأنا قلق ومتخوف أدعو الله أن يرفع عنكِ ويزيل مرضك وأنتِ أتيتي بعد كل هذه الساعات لتقولي الكلام وعكسه " .
وبسرعة لم تتوقعها وجدت أباها يدخل الغرفة و هو يقول " الشكر لله عدت قبلها " سحب منها الهاتف ليستمع لشريف وهو يكمل كلامه:
" كيف أنتِ بخير وبنفس الوقت يزداد الوضع خطورة، هل وضعك خطير لهذه الدرجة ، أين أنتِ لماذا لا تجيبينني ما بكِ أقسم انكِ ستجعليني أمامك بعد عدة دقائق ".
( لا يا بطل اثبت تجديني امامك ايه ؟ احنا في مشفى 🤣 و لا في بسبوسة ولا موز بلبن 🏃♂️🏃♂️🏃♂️ يعيني عليك وعلى شبابك يا اخويا كنت شاب زي الورد كان مالك انت ومال الأساطير 🤣 )
انتهى الفصل بهذا القدر .
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.
منها "رواية حياتي"
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..