رواية حياتي
بقلم أمل محمد الكاشف
أسير الحب رغم جراح الماضي
ظهر ألب من بعيد حاملاً بيده شيءً ازرق اللون. ركض عارف بعيون وقلب وصلا إليها قبل وصول جسده.
التقطها من يد ألب بسرعة فائقة جالسًا بها أرضًا يحاول إفاقتها دون جدوى .
تحرك نحو سيارته وضعها بالمقعد الخلفي رافضًا أن يصعد أحدًا معهم منطلقًا بسرعة نحو المشفى القريبة من المكان. وهذا ما جعل وصولهم ودخولهم أسرع مما يتوقعه أحد.
حملها بين يديه مناديًا عليها وهو يركض بها للداخل استقبله المسعفون بالحامل الطبي ليضعها عليه مسرع خلفهم.
استعادت وعيها بعد وضعها على الاكسجين وتركيب محلول طبي يرفع من نسب ضغط الدم لديها، تحدث الطبيب لجوتشي وهو ينظر لقربه من زوجته وعدم تركه ليدها قائلا
"أصبحت بخير. النسب ارتفعت وكل شيء عاد لطبيعته، من الواضح أنها تعرضت لضغط نفسي كبير أثر عليها بالسلب ناتجًا عنه انخفاض في ضغط الدم ، عليكم الحرص من تكرار ذلك كي لا تتعرض لمشاكل أكبر "
تحرك الطبيب ليخرج من الغرفة وهو يكمل آخر كلماته
" يمكنها الخروج بعد انتهاء المحلول الطبي"
شكره جوتشي منتظر خروجه حتى دنى من زوجته واضعا يده الاخرى على راسها كي يتحدث لعينيها " ماذا حدث كنتِ بخير"
أدارت وجهها للجهة الاخرى طالبة منه عدم التحدث فهي لا تشعر نفسها بخير.
صمت بحزن أمام عودة دموعها وحالتها. معاتبًا على نفسه كونه سبب في حزنها ومرضها.
عادا للمنزل بهذا الصمت الكبير، أراد أن يسندها بصعودها الدرج ولكنها رفضت أي مساعدة منه تحركت صاعدة بمفردها.
وكعادتها الجديدة أغلقت على نفسها بالمفتاح حتى انتهاء ارتدائها وخروجها من الغرفة لتتركها له .
لم تستطع هذه المرة النزول للأسفل وتمثيل مشاهدتها للتلفاز أكتفيت بالخروج من الغرفة والنوم على الاريكة الجانبية بالصالة العلوية.
صعد جوتشي الدرج ليس من اجل دخول غرفته بل ليطعمها ، اقترب منها وهو حامل صنينة الطعام قائلا " عليكِ أن تأكلي كي تتحسني".
تحركت على الأريكة لتدير نفسها مصدرة له ظهرها قائلة
" اتعبت نفسك شكرا لك لا أريد".
حاول عارف معها كي تتناول الطعام او حتى تنظر له وتحدثه ولكنها رفضت لاجئة للنوم هربًا من انهيارها وضعفها أمامه.
ظل يهتم بها عدة أيام خوفًا من تكرار ما حدث معها بجانب شعوره بالذنب تجاهها، كان يجاهد نفسه كي يبقى بجانبها ولكنه دون أن يشعر يجد نفسه يبتعد ويهرب.
تضغط عليه الذكريات المؤلمة فتجعله يفعل عكس ما يريد قلبه، حتى أصبح شخص حزين هزيل يرهقه ماضية بكل خطوة يخطوها.
لم يتعرض عارف لهذا الانهيار النفسي منذ سنوات، يقف بقوة وثقة باسمًا بوجه الجميع مهما حدث.
سيطر عليه حبه فأصبح يحارب قلبه ليخرج خاسرًا من هذه الحرب حين يتمرد قلبه عليه هاربًا إليها محاولًا أن يجد بحضنها ما يحتوي ضياعه وشتاته، يريدها ويأبى أن يبتعد عنها يقف خاويًا من طاقته جسد فقط دون حس.
استمرا بالعمل في الشركة بهذا الجفاء والحدة بالتعامل ، يمثلون أمام الجميع ويفترقون بالمنزل بشكل لم يسبق ، عادوا من عملهم صعدت أوزجي كي تبدل ملابسها كما توجه هو لغرفة العمل كي ينتظر انتهائها وخروجها .
ابدلت ملابسها ونزلت لتتناول طعامها تاركة الغرفة له ليدخلها بعدها.
كان هذا الصمت وهذا التباعد كافي لهدم وانهيار أوزجي نفسيًا، هذا ما يظهر عليها وهي تشرب الشوربة من يراها يعتقد انها جائعه من شدة انهمارها بتناولها ولكن هذه السرعة وهذا الشرود المكتظ بل وهذه الأرجل المهتزة والعيون الثابتة من كثرة حزنها يدلون على مدى غضبها وحزنها واغتياظها.
نتج عن سرعتها وشرودها سقوط الشوربة على بجامتها غضبت على نفسها، حاولت تنظيفها بمنديل ورقي ولأن الوضع زائد لا يمكن التعامل معه بمنديل وقفت صاعدة للأعلى كي تبدل ملابسها .
نظرت نحو غرفة العمل لتجد بابها مغلق اطمأنت أنه بداخلها، تحررت من خجلها حين سيطر غضبها عليها واقفه بجانب الفراش نازعه بيجامتها ملقي بها أرضا بسابقة لم تصدر عنها من قبل.
دخلت غرفة الملابس لتخرج بيجامة غيرها وبهذه اللحظة دخل عارف غرفته وهو يخلع سترته عنه ناظرًا للألوان المائية التي سقطت عليها مُحدثًا مسؤولة التنظيف داخله
" ساحاسبك على تغيير مكانه ، نبهت عليكي أكثر من مرة أن تتركِ كل شيء مكانه"
تحرك بتحرر وثقة كبيرة في وجود زوجته بالاسفل ، تصادموا ببعضهم حين خرجت لتكمل ارتداءها بجانب فراشها .
مد يديه ممسكها بين يديه ناظرًا لدوران رأسها الذي ظهر على زيغ عينيها بصمت أيقظ قلبه الغارق بحبها، تجمدت وصمتت أوزجي من مفاجأة وجودها بين يديه وهما بهذه الحالة لأول مرة منذ زواجهم، لم تبتعد لاشتياقها لهذه النظرات التي لم تعد تراها.
ضمها عارف إليه حين سيطر قلبه على عقله مستمتعًا بشذى عطرها الذي املئ صدره به, اقترب وجهه منها بجاذبية عيونها الساحرة و وجهها المضيء راغبًا في تقبيلها بحب وشغف حتى كادت الوجوه تلتصق.
استسلمت أوزجي لقلبها وحبها واشتياقها له مغلقة عينيها تاركة نفسها بين يديه ، كانت مجرد لحظات وثواني قليلة تراجع عارف عن اقترابه ورغبته مبتعدًا عنها وهو يستمع لهمس يخطب بأذنيها:
"توقف. لا تستسلم لغريزتك. إياك أن تصبح نسخة جديدة منهما "
عاد للخلف ناظرًا لعيونها المنغلقة أمامه تاركها من بين يديه وهو يتحرك أخذًا أقرب ستره وصلت إليها يده خارجًا بعدها وهو يحدثها دون النظر لها
" اعتذر منكِ اعتقدتُ أنكِ بالأسفل. اترككِ لراحتكِ"
خرج من الغرفة متوجه نحو غرفة العمل ليأتي إلى مسامعها إغلاقها للباب بقوة كبيرة جالسه خلفه وهي تصدم يدها على أرجلها قائله
" لماذا تغلقين عينيك؟. لماذا تتركين نفسك له وكأنكِ ذليلة تنتظري منه الشفقة. لماذا؟ لماذا فعلت هذا؟ "
بدأت ببكائها المرير جراء شعورها انهُ خدش كرامتها وأهانها بهذا الترك.
الآلام ومرارة أنين القلوب.
لم تختلف حالته عنها فها هو خلف باب الغرفة جلسًا أرضًا يتجرع الآلام ومرارة تركه لها، يتعذب بصعوبة تركها وصعوبة الاقتراب منها يريدها ولم يستطع امتلاكها فهناك مانع قوي يخرج من داخله يمنعه بقوة.
ما زالت أوزجي جالسة أرضًا ولكنها توقفت عن ضرب نفسها ومعاتبتها لروحها وقلبها اللذان استسلموا بلحظة ضعف المشاعر.
تحركت تحاول الوقوف بصعوبة داخلها المهزوز وخاطرها المكسور، نظرت نحو فراشها بعيون قوية تحدثت بها
" لن اسمح له ان يلمسني من بعد الان. لن اسمح له ان يقترب مني. لن اسمح لنفسي ان تستسلم له من بعد اليوم "
وقد حدث ما قالته فلقد تجنبت وتعمدت عدم النظر إليه إلا في وقت تمثيلها أمام الناس تنظر نحوه نظرات فارغة من أي مشاعر.
زادت صلابتها يوم بعد يوم ليغرق هو بضياعه وغضبه, لم يتبقى سوى عدة أيام على حفل الأزياء الذي سيقام بأكبر فنادق اسطنبول خاص بدعوة المهمين من صفوة الصفوة ، سيعرض به كل ما هو مميز وجديد فقط، كما سيشارك أكثر من مصمم مشهور في العرض كلًا منهم سيقدم موديل واحد فقط.
قلوب مزقت بين الحب والخيانة.
عمل جوتشي جاهدًا على إخراج أفضل ما عنده في التصميم الجديد . اصبح يراجع أدق التفاصيل حتى لا يحدث أي خطأ مما جعله يقضي معظم وقته في الشركة بغرفة العرض مع الموديل الجديد 'سيما'.
دون إدراك منه أن ما يفعله جعل أوزجي تعيش ألم الخيانة بمشاعر أصعب هذه المرة، بعد أن أصبحت عاشقة لزوجها بجنون جعلها تُيقن بأن مشاعرها تجاه فاتح لم تكن حبًا بمعناه الصحيح.
وهذا ما زاد غضبها واحتقانها وتعاملها البارد له والمبالغة بتمثيل السعادة أمام الاخرين.
لم يقصر عارف باهتمامه بها وأخذ رأيها بكل قرار جديد وبرغم حرصه على وجودها بجانبه وهو يعمل إلا ان غيرتها وصلت الأفق حتى اعمت اعينها لتدخل بنفق مظلم مؤلم.
لاحظ عارف ذبول وحزن زوجتها وتعمدها البعد عنه، لا يعرف ما عليه فعله حاول كثيرا معها دون اعتذار واضح منه.
فهو يعلم أن اعتذاره يتوجب عليه فعل اشياء لم يرغب بها او بمعنى أدق يخاف أن يصل لمرحلة لا يستطيع العودة بعدها. يتهرب منها كشبح يراوده من الماضي.
ليصل بهم المطاف إلى قمة البرود في العلاقة حتى صباح الخير لم تعد تلقيها عليه كأن هناك باباً قد اغلق داخلها، كان صمتها بمثابة العذاب لقلبه فالصمت هو اكبر عقاب لقلب الانسان خصوصا صمت العيون.
لم يتعدَ على خروج أوزجي من المشفى سوى أربعة أسابيع أتى بعدهم يوم الحفل الخاص وتواجد الجميع بالفندق الكبير.
اُبهر جوتشي بالفندق من الداخل حتى أخبر أوزجي انهم سيقضون ليلتهم به وإن اعجبها سيمكثون به لعدة أيام حتى تخرج من حالتها الحزينة قالها وهو يبتسم بوجهها متمنيًا رضاها.
قرر جوتشي بعد صراع كبير بين القلب والعقل أن يقع أسيرًا في حضنها عوضًا على أن يفقدها بهذا الشكل .
رفضت بحدتها التي أصبحت معتادة عليها قائلة "سأنام بمنزلي وأنت أفعل ما تريد".
اقترب منها بصوته الراجي
" كيف افعل ما اريد هل يستطيع قلبي الابتعاد عنكِ. سأذهب معك لأي مكان بجواركِ"
قالها قلبه دون تفكير أو حساب للنتائج المترتبة عليه فقلبه لم يتحمل هذا البرود بينهما.
ضحكت أوزجي ضحكة ساخرة ردت عليه بها
" لقد تأخرت على موديلك الاسطوري عليك أن لا تضيع الوقت بعيدًا عنها".
استغرب مما قالته ونبرة صوتها التي فضحت ما في قلبها، ضم حاجبيه بحزن
" هل تلمحين على شيء ".
بهذه اللحظة اقتربت سيما من عارف لتخبره بخفة ولطف
" وجدت مشكلة بالتصميم عند ارتدائي له هل ممكن ان تساعدني".
اهتم عارف بما قالته وخاصة لم يتبقى وقت كبير على البدأ، تحرك معها وهو يتساءل باهتمام وقلق
" كيف حدث. هذه ليست أول تجربة بارتدائه".
استدار بسيره ليشير لاوزجي كي تأتي معهم ولكنها رفضت قائلا
" سأذهب لشرفة الفندق الكبيرة أريد الجلوس بها قبل بدء الحفل ".
أكمل جوتشي سيره بجانب سيما ومساعده ليذهبوا لغرفة التحضيرات..
وجدوا مشكلة في جهة السحاب غضب جوتشي وطلب من مساعده بعض المستلزمات من غرفتهم بالأعلى.
تحرك المساعد لجلبهم له، بهذا الوقت وجدت سيما اللحظة المناسبة لتتقرب منه وبحركة مدبرة غير مفهومة سقطت سيما بحضن جوتشي، تحركت بلطف مستنده على صدره بيديها وهي تستقيم بوقوفها، من ينظر لهم من بعيد يعتقد أنهم متعانقين.
ومع الأسف كانت أوزجي شاهدة على وجود سيما بحضنه. أبتعد مبتسم لحوريته فور رؤيته لها قائلا للموديل بحدة
"عليكِ الانتباه أكثر لا يمكن حدوث أمر معاكس قبل العرض أنتِ مطالبة بالمحافظة على نفسكِ".
قالها ثم تحرك نحو زوجته متسائلا
" هل أنهت حوريتي تجولها الجميل".
لم ترد عليه ولم تبتسم حتى ولو بالتمثيل اغلقت الباب عليهم باحثة لنفسها مأوى تصرخ وتبكي وحدها.
أنتصار بطعم الانكسار.
أقيم العرض وكالعادة نجح جوتشي نجاحًا باهرًا عائدًا لمحبة الناس لشخصه أكثر من جمال أعماله فهو ودود لطيف ذو وجه بشوش يعرف جيدًا كيف يكتسب محبة من حوله بالكلمة الطيبة والاهتمام الزائد.
وقف جوتشي في نهاية العرض على المنصة رافعًا يد سيما المتألقة بالتصميم المميز الجديد وهو يشيد بأن جمال سيما هو ما جعل التصميم ينجح.
وبالرغم أن هذا الكلام سائد بدُنيا عروض الأزياء كما أنه تكرر من جوتشي لأكثر من موديل بالسابقة ، إلا أن كلماته نزلت كالسهام بقلب أوزجي التي تذكرت كيف وقف قبل شهور رفعًا يدها وهو يشيد بجمالها ونجاحه بفضل مساعدتها.
ظهر هذا على وجهها بابتسامتها الحزينة على الذكريات الجميلة ، نظر جوتشي نحوها وهو فرح يتفقد حالتها وشرودها.
أسرع بترك يد الموديل وهو يعتذر من الجميع على ما سيقوم به، لم يفهموا عليه حتى رأوا
اقترابه من حافة منصة العرض وقفز للأسفل متجهًا نحو زوجته ليسحبها بقوة داخله مغلق يديه عليها كي يدور بها ثم توقف مقبلا وجنتها بشغف واضعا كل ما في قلبه بتلك القبلة.
تمنى ان تذوب بين يديه كالسابق ولكنه وجدها كالتمثال الصنم بين يديه، زاد الوضع سوءً حين أغلقت عينيها لتتساقط دموعها دون السيطرة عليها، من حسن الحظ أن جوتشي وقوفه بزاوية صعب على من حولهم رؤية دموع أوزجي ، لم يتحمل دموعها قرب رأسه منها راجيًا قلبها
" لا تبكي. لا يمكنكِ فعل هذا بي. لا استطيع تحمل دموعك ".
ظهر للناس من بعيد وكأنهم يتغازلان تحت أضواء الكاميرات ولكن ليس كل ما يُرى صحيح.
ردت أوزجي عليه قائلة بحزنها الكبير
" اعتذر منك لسنا جميعا ممثلين بارعين مثلك".
حزن على دموعها اما حديثها فلم يصغي له، تحرك وهو يحتضنها نحو الشرفة الجانبية لقاعة العرض، من حسن حظهم أيضا أنها كانت شبة فارغة من الناس.
وقف جوتشي جاعلا ظهرها مستندًا على الحائط وهو امامها يحرك يده على وجهها ليمسح دموعها قائلا لها
" اعتذر منكِ أرجوكِ توقفي عن البكاء، لا تحزني لا يمكنني رؤية دموعكِ خاصة أن كنت أنا السبب في نزولهم ".
انحنى عليها ليقبلها بشغف أكبر وعاطفة أكثر وقوة,
قائلا لعينيها " جميعهم من قلبي فأنا لا استطيع تقبيلكِ دون حس حتى وإن أردت فداخلي لم يحتمل. ألم تعلمي قدركِ بقلبي. ألم تعلمي أن هذا القلب لا يستطيع النبض بدون رؤية ابتسامتكِ. هل هان عليكِ قلبي حتى اصبحتي تستكثرين عليه الابتسامة لينبض".
لمحت أوزجي وجود فاتح يقف متخفي في إحدى الزوايا لتسرع بالسيطرة على نفسها.
لم يشعر جوتشي بوجود أحد سواها ينظر لها فقط يريد انهاء حزنها، ما لازل يتحدث ويتحدث حتى قال لها
" اعتذر منكِ عن أي شيء سيء قد بدر مني وازعجكِ أعتذر لأني احزنتكِ، أنا لم استطع تحمل أن أكون سببًا بدموعكِ ارجوكِ سامحيني".
ارتسمت على وجه أوزجي ابتسامة جميلة تحركت بها كي تدنو منه رافعه يدها لترجع شعره خلف اذنه وهي تنحني بالقرب من أذنه قائلة " انتهى كل شيء. أريد الانفصال بهدوء".
صُدم جوتشي ناظرًا حوله ليكتشف هو أيضا وجود فاتح نظر لاوزجي قائلا
" لا يليق بكِ التمثيل. وأيضا ماذا تقصدين بالانفصال".
أقتربت اوزجي منه أكثر لتصدمه بتقبيلها لوجنته بوجه مبتسم تحدثت به
" سنتطلق وبأقرب وقت".
ابتعدت أوزجي عنه لتسقط يديه في هذه اللحظة من الصدمة كمن فقد القدرة على الحركة.
ابتعدت وهي تتحرك بقوة وخطوات ثابتة لتدخل مرة اخرى للقاعة متوجهة نحو مخرجها ومن ثم مخرج الفندق كله.
رحلت فعليًا تاركة عارف مصدومًا خلفها، يعيش أزمة الترك مرة اخرى ولكن هذه المرة بشكل مختلف.
لم تعرف أوزجي ماذا يعني الترك بالنسبة لعارف، لا تعرف بأي خنجر طعنته، لا زال في مكانه ثابتاً بنظرات حزينة .
صراع بين الوفاء والسقوط بالفخ.
اقترب منه فاتح متسائلا بصوت يظهر عكس ما يبطن
" ما بك ماذا حدث؟، عارف هل انت بخير؟ ".
اقتربت سيما وبيدها كأس عصير مدته نحوه قائلة " احضرته لأجلك".
أخذه فاتح منها وأعطاه ناظرًا لعيونه لثواني ، مد يده بعدها ليعطيه لعارف وهو يمثل خوفه عليه قائلا
" سيهدأ منك اشربه كي تستطيع اللحاق بها"
من الغريب قبول عارف لحديثهم وأخذه للكاس كي يشرب منه متمنيًا ان يريح قلبه أو يذهب عقله لأول مرة في حياته.
من يرى حالته يعلم جيدًا انه ليس بوعيه وأن عقله ذهب فعليًا منذ ابتعادها عنه، حارب ماضيه ومرضه النفسي الذي كان يسيطر عليه بشكل مزمن ليعمي عينيه ويظلم الرؤية أمامه وهو يستمع لصوت بكاء الطفل المحتبس داخله
" أمي لا تتركيني. أمي لا تتركيني".
كان يتوجب عليه أن يأخذ الدواء الخاص به ولكنه لم يتبقى به عقل سابحًا في الظلام.
امسكت سيما بذراعه قائلة
" أنت ليس بخير. ما بك عليك ان تستمتع بنجاحك انهم يبحثون عنك بالداخل يجب ان تدخل أنت نجم الحفل اليوم".
سحبته معها إلى داخل الحفل ليجلس صامتًا ينظر إلى الاخرين بدون تركيز .
لا زال صوتها بتردد بأذنيه مرة بعد مرة يتذكر شكلها وهي تقول
"أريد الانفصال. سنتطلق ".
كان بحالة غير متزنة يرى الجميع يدورون امامه، نظر لسيما قائلا
" أنا متعب أريد أن أذهب إلى منزلي".
تحرك ليخرج من القاعة، ازداد سوءً حين كادت ان تنعدم الرؤية امامه ضباب وسواد و وجهها الحزين فقط ما يراه.
وبينما كان هو في هذه الحالة كانت أسماء بجانب ابنتها التي أنهكها القيء المتواصل، مدت يدها لتعطيها شاي الاعشاب ليهدئ معدتها.
رفضت دفنة شربها من كثرة ألمها وحزنها ليس من معدتها فقط فبعد فاتح وتغيره واهماله لها قد زاد من سوء حالتها طوال شهور الحمل.
راقبهم غافر ذاهبًا بعدها لغرفة مكتبه منتظرًا مكالمة مهمة، ينظر لهاتفه بترقب وقلق، يظهر على وجهه الخوف وعدم الارتياح.
وبسبب مرضه وحالته الصحية نام غافر على مقعد مكتبه مستسلمًا لانهاكة الجسدي .
حلم بها وهي تصرخ بوجهه تعاتبه على ما يفعله، تبكي وهي تبتعد عنه قائلة
" لا تفعل. لا تكن ظالمًا".
بكى غافر أمام صراخها وبكائها قائلا
" سيدفعون ثمن فراقك عني. سيدفعون ثمن خسارتي لكِ ".
استمرت بالابتعاد عنه والهرب منه قائلة
" هذا فرقنا. هذا فرقنا الحقيقي".
مسح دموعه المتساقطة من عيونه التي لا ترى سوى ابتعادها عنه وهو يبحث عن هاتفه مجريًا اتصالاً هاتفيًا.
رد فاتح عليه
" أعتذر منك يا عمي ولكنها نسيت هاتفها معي، ان كنت تريد الاطمئنان عليهما فأحب ان أعطيك البشارة، لقد دخل الفأر المصيدة".
خفق قلب غافر طلبًا ان يتحدث مع سيما بسرعة، نظر فاتح نحو عارف الذي كان يخرج من قاعة الحفل مجيبًا على عمه بانتصار
" ولكني تركت الحفل منذ زمن، أنا بطريقي إليكم الان سآتي لأطمئن على زوجتي حبيبتي وابني حتى أثبت لك أنني لم أتغير ".
اغلق غافر الهاتف بدون أن يرد على فاتح، لا يعرف ما عليه فعله كيف سيمنع سقوط عارف في ما لم يستطع قلبه تخطيه والخروخ من اسفله , عادت دموعه تتساقط من عينيه لمعرفته حقيقة قضاءه عليه بشكل كامل هذه المرة قائلا
" لا تذهبي. انا لم اقصد احزانكِ. لا تتركيني".
نظر فاتح نحو سيما غامزًا بعينه , أومأت راسها بوجهها المتسم بالثقة , تحرك بعدها ليخرج من قاعة الحفل براس مرفوع قائلا لنفسه
"كنت أعلم أنك ستتراجع وتضعف باخر لحظة ، ولكني لم أتركه حتى انهيه تمامًا، لتسقط أسطورة جوتشي الكبير الليلة".
ابتسم وجهه وهو ينظر لسرعة خروج سيما خلف عارف متذكرًا ما تم وضعه في العصير، أكمل حديثه مع نفسه
" لا يمكنك التراجع وأن أردت، ذهب عقلك ونجاحك من بعد الليلة".
سار عارف ببطء من ازدياد سوء حالته. أسرعت سيما بسيرها مقتربة منه بخبث وحذر ممسكة بذراعه قائلة
" دعني أساعدك كي تتمكن من الوصول لمنزلك بسلام ".
تحركت به ليس لمنزله بل لغرفة الفندق خاصتها، لاحظ عارف عطر أوزجي يفوح حوله أعتقد أنها لم تستطع تركه خلفها وعادت كي تصطحبه لمنزلهما، فرح قلبه لعدم استطاعتها تركه وحيدًا.
همهم بكلماته التي خرجت من عمق بئره المظلم
" اعتذر منكِ لأجل أي شيء وكل شيء صدر وسيصدر مني، لا ترحلي و تتركيني".
سمع صوت ضحكة غريبة بجانبه، نظر نحوها وهو يترنح متعجبًا من غرابة زوجته وتغير صوتها ، لم يرى وجهها وملابسها بسبب الرؤية مشوشة والعقل الذي كاد أن يكون مغيبًا ليس بسبب شربه فقط بل ومرضه النفسي.
هز رأسه طاردًا الشعور الغريب الذي ينتابه وكأنه في بعد ثاني لا يستطيع الرؤية بوضوح، سمعها تتحدث مرة أخرى
" أوشكنا على الوصول أعدك بأنك ستنسى كل شيء هذه الليلة. سنقضي وقتا ممتعا معا".
وصلا إلى باب الغرفة فتحته محاولة إدخاله وهو مترنح مستندًا عليها وقد وصل لحد اللاوعي.
اقتربا إلى الفراش ليسقطا معًا عليه، قهقهة سيما بضحكتها العالية ليضم جوتشي حاجبيه متعجبًا من تغير صوت ضحكة زوجته. فهذه التي بجانبه مختلفة بصوتها وضحكها حتى كلامها عن زوجته التي امتلكت قلبه.
رفض قلبه خيانتها حتى وهو بهذه الحالة، لم يصدق عقله أن من بجانبه هي نفسها زوجته، بحث عن حوريته ولكن مع الأسف كان وحيدًا ساقطًا بشباك فخ عائلته مجددًا.
الصدمة الفاجعة.
وصلت أوزجي إلى منزلها متعبة منهكة ليس جسديًا فقط بل روحانيًا بعد أن قضت طريق العودة كله وهي تبكي وكأنها قد فقدت شخصًا عزيزًا عليها .
والأكثر انهاكًا تمثيلها وتصنعها بأخر فترة لتخبئ غيرتها وغضبها المشتعل. تنزلق إلى الأسوأ كلما مرت الأيام، قررت ان تبتعد عن عارف لان بقائها بجانبه سيحولها لإنسانة ضعيفة ترى حب حياتها وهو يتنقل بين النساء والعارضات.
اعمت غيرتها بصيرتها فأصبحت شخص غاضب يريد الهروب خوفًا من حدوث الأسوأ.
جاء الى مسامعها صوت رنين هاتفها نظرت نحو حقيبتها الصغيرة معتقدة أنه المتصل.
وبعد صراع مع نفسها أخرجت الهاتف من حقيبتها لتجد أنه اتصالاً من رقم غريب، انتهى الاتصال قبل ردها.
فكرت ان تعاود الاتصال ليسبق هذا استلامها عدة رسائل من هذا الرقم الغريب.
جلست جانبًا بجانب حقيبة السفر التي كانت تحضرها كي تخرج من المنزل قبل عودته.
فتحت الرسائل لتتسع أعينها مسرعة بعدها لتخرج من المنزل وهي تبكي بصوت عالي .
فخ العائلة وصحوة الضمير.
تكالبت عليه الضباع الضالة حين أصبحت المصلحة الشخصية هي المحرك الأساسي لتصرفاتها، تلاشت مشاعر الحب والود، كل فرد يسعى لتحقيق مكاسبه الخاصة على حساب الآخرين. تحول التضامن العائلي إلى تنافس، والتعاطف إلى تملّك، نعلم أن العائلة هي السند والملاذ، ولكن حين تتفشى روح الانانية والانتقام يتحول هذا الملاذ إلى ساحة صراع تنهك النفوس وترهق القلوب وتكسر بريق الحياة.
اضغط هنا لقراءة جميع فصول الرواية 👇👇👇👇المنشورة