recent
جديدنا

عروس بغداد الفصل التاسع والثلاثون

عروس بغداد

 ليلة سقوط عروس بغداد

بقلم أمل محمد الكاشف 



بدأ يوم جديد دخل تيّم المستشفى وهو يحمل زوجته بين بيده ليضعها على المقعد المتحرك التي كانت ندى تنتظرهم به في الداخل مكمل سيره نحو المصعد وهو يحدث ندى و يؤمنها على روح قلبه. 


ظل بجانبها حتى وصلا لغرفة العمليات بعد ان أصر على ذهابه معها لغرفة المكتب وقسم التعقيم .


تحدثت سلمى بجدية 

"إلى هنا وحسب تعلم أنك مهما فعلت لا يمكنك الدخول وأيضا عليك ان تحافظ على عملك لا داعي لتذكيرك بقرب طردك منه"


أجابها بوجهه الضاحك 

"هذا يعني أنه توجب سرعة هروبي" 


ثم رفع السبابة بوجه ندى وهو يحذرها

" لا ترفعي عيناك عنها"


ابتعد عنهما بوجهه الفرح متجه بسيره جهة المصعد مندمجًا بالنظر في الهاتف، دخل المصعد ملقي السلام على هند ودكتور طارق واضعا زوجته أمانه لديهم قائلا

 "لا تستمعوا لعنادها إما أن تحافظ على نفسها وإما أن  تُحرم من عملها"


راقب طارق ضحكه وحديثه مع هند بقلب يحمل الكثير من الضغوط النفسية بسبب مرض أمه، تحمل سماع صوت ضحكهما بصعوبة حتى أوقف المصعد بالطابق الثاني كي يتحرر من وضعهما تاركهما يكملان للطابق الأول معًا.


توجه نحو غرفة مكتبه وهو يقول لنفسه

" وكأنه صدق نفسه، وكأننا لا نعلم خاصتنا، ان كان عاقل وحكيم وشخصية ذو ثقل اجتماعي وعلمي كنت صدقت حالتهما ولكنه مختلف تمامًا عنها، صدق خليل بعدم تصديقه لزواجهما".


أجاب طارق طبيب اقترب منه ليسأله عن بعض الأشياء في العمل منطلق في طريقه بعدها وهو يكمل حديثه مع نفسه قائلا

"كيف تتحمل ضحكه وكثرة أحاديثه من المؤكد أنها تضغط على نفسها لتسايره أو تصده هاربة منه، ويأتي ليمثل علينا حبهما ليلعب في مكان اخر فأنا اكثر من يعلم ما تحب وما تكره، لم يظهر حتى الان صاحب النصيب ليملأ عينيها ويفوز بقلبها لنترقب لنرى لعل أمريكا تفتح عيونها على جبهة جديدة تليق بوضعها"

…….


ذهب تيّم للعمل بقلب يحمل المحبة والسلام ، بدأ اليوم باستقبال طلبية جديدة من الاقمشة متنقلا بين المصنع ومنافذ البيع والمكتب الرئيسي.


غضب عمه وارتفع صوته عليه لأجل أوراق تأخر بتحضيرهم وسط زحمة العمل، نظر لسندس ثم نظر لعمه بضيق قائلا 

"ساعة على الأكثر وسيكونون امام …"


رفض عمه مناديًا على ابن أخيه الآخر موليه أمر تجميع الأوراق الهامة الخاصة بطلبية اقمشة الهند وترتيب مضمونها مع المحامي الخاص بهم، هز رأسه بضيق تحدث به 

"حسنًا وأنا سأذهب لشركة الورقيات لأرى سير العمل هناك، كنت اود ان اذهب بالأسبوع الماضي لكني انشغلت"


تحدث عمه بنفس نبرته القوية

" وما دخلك انت بالورقيات أليس عبدالحميد مسؤولًا عنها ، اجلس هنا وباشر العمال لا اريد أي تقصير او نقص يكفيك اهمالا لعملك والركض خلفها هنا وهناك دون هدف"


نظر لعمه نظره ثابتة جعلته يتراجع فيما قاله 

"لأجل العمل لا نريد ان نخسر كل ما وصلنا له من أجل تفريطنا بالاهتمام به"


لم يجيب على عمه مبتعدًا عن المكتب صاعدًا للطابق العلوي حيث العمال و ورش القص والخياطة وفرز أثواب الاقمشة.


كان يريد ان يتصل بها ولكنه أجلها لوقت آخر يستطيع مسايرتها دون ضيق.

……..


توالت عدة أيام على سلمى بصعوبة كبيرة فرغم تزويد غرفة العمليات بمقعد عملي مرتفع يناسب قدمها إلا ان كثافة العمل ارهق ليس قدمها فقط بل كل جسدها وهي تسعى لإجراء أكبر عدد من العمليات المهمة قبل سفرها، تعود للمنزل بجسد مرهق تتناول طعامها مع زوجها بشكل سريع هاربة للنوم  بعمق كبير. 


ورغم ضيقه من ضغط عمه عليه لأجل غيرته من اهتمامه الكبير بعروسته، ورغم كثرة حركته وتعبه طوال اليوم إلا انه لم يتنازل عن حقه في مشاركتها صلاة الفجر معه وخاصة بعد انقطاع دام لخمسة أيام كان ينتظر رؤيتها تصلي كي يسرع بطلبه ان تشاركه الصلاة ليرتاح قلبه.


فكم من الجميل على قلبه شعور مقابلته ربه بجانبها ساجدًا معها يدعو خالقه أن يرزقه حبها.


حزنت على وضعه وهي تترقب اتصالاته وانفعالاته على العمال والموظفين لديهم، اختنق مغلق هاتفه ملقي به على الفراش بقوة جعلتها تصمت بترقب.


جلس تيّم على الفراش قائلا بحالته الغاضبة 

"اقترب تركي لكل شيء كي يرتاحوا جميعًا"


جلست بجانبه 

"لا داعي لكل ما تبذله لتحمل كل هذه الأعباء عد للعمل في مجالك الطبي لترتاح من كل هذه المسؤوليات وكأنك الوحيد الذي يعمل هناك"


تحدث دون النظر لها 

" سأنتظر سفره بعد يومين وعند عودته سأتحدث معه عن تركي للعمل، يكفي بهذا القدر كي لا نخسر الود بيننا ، تراوضني فكرة مشروع شركة الأدوية مرة أخرى ، سأعرضها عليه لنرى كيف سنفعلها"


_" الأفضل ان تبحث عن عمل في أحد المستشفيات تريح جسدك وعقلك من عبء مسؤولية الاعمال الحرة ومن بعدها تفكر بأمر الشركات والمشاريع الأخرى، اعلم انك رفضت عرض عودتك للمستشفى الخاصة بنا اعطيك الحق بذلك لا يستحقون عودتك، ولكني على صلة بمدراء مستشفيات أخرى يمكنني …"


قاطعها بقوله 

" لا أريد، أحببت واعتدت على العمل الخاص لا تقلقي أيا كان سيكون بوضع يليق باسمك"


وضعت يدها على ظهره متحدثه بضيق

" أرجوك لا تفكر بهذا المنطق كي لا تحزني منك"


أومأ برأسه وهو لا زال مختنق من مكالمته الأخيرة 

"لا عليكِ هيا صلي سنة الوقاية من مخارج السوء لنخرج بعدها"


 تململت بصلاتها كي تستمتع بخوفه وحرصه عليها بل وتكرار طلبه بأدائها لها محاولة إخراجه من غضبه وضيقه.


حملها وهو ينزل الدرج مقربها لصدره بحب محاولا تهدئة قلبه دون ان يعلم أنه بهذا الفعل يهز جدران قلبها  الذي عاد لينبض بالحياة مجددًا.


افقدته عقله بتعلق ذراعها حول رقبته مغمضة عينيها بهذه الثواني مستمعة لصوت قلبها وقلبه القريب من أذنها.


لم يتحمل طارق رؤية حالتهما الفرحة وانسجامهما بكل صباح،  تعمد الوقوف بالنافذة ليراقب دخولهما اليومي متسائلا داخل نفسه

 " كيف له ان يمثل بهذه البراعة، بل وكيف تسمح له بوجهها الرحب ان تسايره بحمله لها أمام الجميع، أليست نابغة  اقترب فوزها بلقب بروفيسورة! كيف تسمح له ان يحملها بدخولها وخروجها بهذا الشكل".


وقفت سيارة تيّم أمام مدخل المستشفى رفع طارق هاتفه ليصورها فيديو من لحظة نزول زوجها من السيارة وحمله لها بين يديه حتى دخوله للمستشفى مُرِسلّهُ لخليل كاتبًا رسالة ملحقة به 

" لا اريد احزانك ولكني قلت لنفسي ليكن جواب كافي لما حدثتني به، جاء الوقت لان تكمل حياتك بدونها كما أكملت واختارت هي حياتها"


تنهد بضيق مغلق هاتفه وهو يحدث خليل داخله

 "اعتذر منك يا اخي عليّ أن أفعل ذلك كي تتمكن من استكمال حياتها بعد الطلاق براحتها، عليك ان تقتنع بأن رحلتكما انتهت وانت من انهيتها بيدك، ومن الجيد انك انهيتها وحررتها لتنطلق نحو الأحلام دون قيود"


رفع يده ليضعها على رأسه متألما بالضجيج الذي يزاحم عقله من شدة حزنه وخوفه على أمه


دخلت زوجته رانيا عليه غرفة المكتب متسائلة 

" هل تحدثت مع امي عايدة؟"


نظر لها بحزن

"نعم تحدثت مع الأسف تتألم بشكل زائد عن كل مرة"


ردت رانيا بنفس نبرة حزنه 

" لولا ضرورة وجودنا هنا لبحث كيفية استقدامها كنا…."


_" لا يمكننا الذهاب لتركيا إلا بعد ان اقطع الأمل بمجيئها "


ردت رانيا

 "هذا النوع من المرض لا يمكننا الاستهانة به، انتشاره وكبر حجمه …."


_"اعلم ما تقوليه ولكن خروجها بدون جواز سفر معقد للغاية وخصوصًا لدولة كالإمارات"


صمتت رانيا متذكره رفضه طلب المساعدة من سلمى متحجج بوضع قدمها واستحالة قدرتها على إخراجها من تركيا بدون جواز سفر أو ذهابها لهناك لإجراء العملية وسط كل مهامها هنا.


لم تتحمل رانيا سماعها صوت تألم السيدة عايدة كلما اتصلت بنسرين ، حدثت نفسها بلحظة ضعف وتمرد على تنبيهات زوجها

"سأتحدث معها وان غضب وخاصم، لتكن محاولة من المحاولات الفاشلة التي خضناها"


انتظرت حتى موعد انتهاء العملية الأخيرة لسلمى، ذهبت لقسم العمليات ليخبروها أنها أنهت العملية قبل ربع ساعة، اسرعت رانيا نحو غرفة مكتبها مهرولة بسيرها متمنية ان تمسك بها قبل خروجها.


وصلت هناك وهي تلهث بأنفاسها فتحت الباب دون طرق متوقعة ان لا تجدها بالداخل.


تفاجأت سلمى بحالتها متسائلة بخوف

"ما بكِ؟ أين طارق؟"


نظر تيم لزوجته ثم نظر لرانيا التي اقتربت بعيونها الدامعة

 "اريد ان أتحدث معك بأمر مهم مسألة حياة أو موت"


ذعرت سلمى وارتعد قلبها بالخوف

 "تحدثي. ها أنا اسمعك ما بكِ"


_" نعم سأتحدث حتى وان غضب وقاطعني فأنا لا يمكنني الصمت على…"


فرت الدموع من عين رانيا لتزيد من خوف سلمى التي مالت للأمام كي تسحبها و تجلسها بجانبها على الاريكة  مستمعه لحديثها الذي بُدأ

"لا يمكنني سماع صوتها وهي تتألم دون ان أسعى لمساعدتها، فكرة موتها القريب يجعلني افقد عقلي"


_" من! هل أمك مريضة؟ "

 قالتها سلمى وهي تترقب الإجابة من رانيا التي اومأت برأسها 

" أمي عايدة أصيبت بمرض خطير إما أن تقوم بعملية جراحية دقيقة بالمخ بشكل عاجل وإما أن تنتهي حياتها بأسرع ما يتخيله عقل…."


بكت رانيا لتشاركها سلمى البكاء من الصدمة متسائلة

"متى وكيف؟ ولماذا لم يخبرني طارق بذلك؟"


_" يسعى طارق لإخراجها من تركيا ومعالجتها لدى اكبر الأطباء هنا فهو لا يثق ان يؤمن امه عند طبيب لا يعرفه، كما أنه تواصل مع المستشفيات الخاصة في تركيا المواعيد متأخرة بالإضافة لعدم إعطائه أي تفاصيل عن اسم الطبيب الجراح، حاول إخراجها من البلد دون فائدة فكما تعلمين وضع لجوئهم هناك، لدينا محاولة أخيرة واسطة لدى شخص مقرب من احد الامراء لعلهم يسمحون بدخولها دولة الإمارات"


تحدثت سلمى وهي تمسح دموعها

 "ولكنه يعلم صعوبة مساعدة أحد له في هذه الحالة"


مدت يدها جهة زوجها ليساعدها بالوقوف والجلوس على المقعد المتحرك الكهربائي قائلة

 "أين هو؟ هل بمكتبه؟ علي أن أرى الأشعة والفحوصات"


_" اعتذر منك لا اعرف كيف كسرت كلامه وأتيت لأخبارك رغم رفضه ولكني لا استطيع تحمل فكرة رحيلها لقد احببتها حتى أصبحت بقدر كبير بقلبي"


تحركت سلمى بمقعدها الكهربائي للخارج وهي تجيب عليها

"وهذا أيضا سيُعاقب عليه"


تحركت رانيا خلفها وهي تحدثها عن صعوبة الوضع كما سار تيّم بجانبهم بصمت يراقب وضع زوجته وخوفها الكبير على والدة طارق باستغراب.


دخلت سلمى غرفة مكتبه  متحررة من المقعد لتقف على قدميها ماده يدها نحوه

"اريد ان أرى الملف الطبي الخاص بالخالة عايدة"


نظر لعينيها ونبرة صوتها القوية ثم نظر خلفها نحو زوجته رانيا وزوجها تيّم قائلا 

"اجلسي لنتحدث أولا بكل الأحوال كنت سأخبرك"


ردت بقوة أكبر 

"متى؟ عند خروجها من العملية ام عندما يسيطر عليها المرض ولا تجدي الجراحة نفعًا"


أجاب بصوته المحتقن بمرارة خوفه على أمه

"لا تقلقي بكل الأحوال سأذهب لها بعد يوم غد كي اسعى بسرعة إدخالها للعمليات، تواصلت مع أكثر من مستشفى هناك كما توسط لي طبيب كبير لدى طبيب جراح بتركيا موعد الفحص  يوم الثلاثاء المقبل"


ردت بغضبها

 "أعطني الملف الطبي الخاص بها"


تحرك ليأخذه من الجوار بحزن كبير كي يعطيه لها جالسًا بعدها على مقعده بانهيار كبير.


وبحزن نظر تيّم نحو لحظة ضعف طارق وامتلاء عيونه  بالدموع وهو يقول

 "اقترب الوداع يا سلمى"


اقترب منه واضعا يده على كتفه محاولا تهوين الامر عليه 

"تأمل في الله يا اخي لكل داء دواء"


غضبت سلمى على طارق دون ان تشفق على بكائه

 "لماذا لم تخبرني بمرضها وانت تعلم بخطورة الوقت عليها".


حدثها بنبرة دموعه المتجمعة بعينيه

 "وضع لجوئها جعلني عاجزًا عن مساعدتها بجانب .."


وقفت سلمى لتجلس على مقعدها الكهربائي متألمة من قدمها التي ضغطت عليها بالخطأ واضعه الملف على ارجلها وهي بطريق خروجها  من الغرفة قائلة لهم

" من المؤكد ان هناك حل لن نقف صامتين، حتى وان توقفت كل العمليات هنا وذهبت لإجرائها بنفسي"


سألها تيّم وطارق بنفس اللحظة وهما ينظران نحو خروجها  

"إلى أين ستذهبين"


اجابتهم دون الالتفات لهم

"سأحاول لربما نستطيع استقدامها، انتظروني بمكتبي لن أتأخر عليكم"


توجهت لمكتب الإدارة لتتحدث مع المدير العام طالبه منه المساعدة، ابدى اهتمامه مجري اكثر من اتصال  هاتفي أمامها قائلا لها 

"مع الأسف كما اخبرتك من الصعب دخولها الإمارات وهي لاجئة في تركيا"


حركت رأسها بقوة 

"حسنًا وانا أيضا من الصعب الانضمام للفريق الطبي بأمريكا لأجل العملية المهمة"


قالتها وهي تتحرك للخارج وقف المدير قائلا بضيق 

"لا يمكنك التراجع بعد الموافقة انتِ مجبرة على السفر كي لا تخسري مكانك بيننا"


توقفت بمقعدها الكهربائي مجيبة عليه بقوة

" هل تهددني بالإقالة؟"


_" لا لم اقصد ذلك ولكنك مجبرة على الذهاب"


تحدثت بنفس قوتها 

"انا لم اصل لهذه الدرجة كي أجبر من قبل احد، لن أذهب لأمريكا وامي بحاجة لي سأعود لتركيا كي أشارك بالعملية بجانب الأطباء"


_ " هل ستتخلي عن عملية كبيرة ستكون قفزة بمسيرتك الطبية لأجل مشاركتك في عملية بسيطة كهذه"


تحدثت له بقوة غضبها الواضح على وجهها الأحمر 

"ما تصفها بالبسيطة هي بالنسبة لي مسألة حياة أو موت"


خرجت من مكتب المدير العام لتعود إلى غرفة مكتبها قائلة لندى فور دخولها 

"اجمعي لي اغراضي الخاصة من فضلك"


نظر طارق ورانيا وتيّم نحوها وهم لا يفهمون سبب طلبها من ندى، رفعت سلمى نظرها نحو رانيا       "هلا تساعدينا من فضلك"


تحدث تيّم وطارق بنفس اللحظة مجددًا 

"لماذا تجمعينهم؟" 


نظرا لبعضهما صامتين لوهلة تحدثا بعدها مع بعضهم مجددًا 

" هل تركتي العمل؟"


نظر الجميع نحوهم متعجبين من وضعهم وتحدثهم نفس الكلام بنفس اللحظة، أجابت سلمى عليهما لتصدمهم

 "نعم حدث شيء من هذا القبيل"


تحدث طارق بجدية

 "لن اسمح بترك عملك لأجلنا، انا سأتصرف بالأصل لم اخبرك لأجل تخوفي من ذلك، أعلم ضغط العمليات الجراحية بهذا الأسبوع بجانب سفرك لأمريكا…."


قاطعته بقوة 

"بل انا من لن يسمح لك، كيف هانت عليك لهذه الدرجة، كيف وانت تعلم قدرها بقلبي"


شهد تيّم ورانيا على العلاقة الوطيّدْة بينهما كلا منهم يخاف على الآخر بصدق وإخلاص وكأنهما اخوة حقيقيين.


شاع خبر جمع الدكتورة سلمى لأغراضها وخروجها الغريب بين العاملين في المستشفى ، دخل دكتور سالم على المدير العام ليعلمه الخبر متسائلا عن السبب ليتفاجئ بحالته والمسؤولية التي تحملتها الإدارة.


عادت سلمى للمنزل وهي تتعذب باحتمالية فقدانها للخالة عايدة، تحدث تيّم معها بحذر 

 "لم اكن اعلم بقدر حبها لديك"


_" وهل تركوا لي مجال لأعبر عن حبي لأي أحد، ضغطوا علي ولحقوا بي حتى جعلوني انسى نفسي وليس احبابي فقط"


ساد الصمت لدقائق تحدثت سلمى بعدها 

"لا اريد ان اكمل بالمستشفى، اعلم انهم سيتواصلون معي لأجل تنفيذ ما طلبته فهو ليس بالمستحيل يستطيعون فعلها ، ولكني بكل الأحوال لا ارغب باستكمال مسيرتي مع أشخاص كثرت علامات الاستفهام عليهم"


_ " بماذا تفكرين هل ستقبلين احد العروض المقدمة لكِ من للمستشفيات الأخرى، ام لديك مكان محدد ترغبين العمل به؟"


فكرت قليلا مجيبه عليه 

"اريد ان افتح مستشفى خاصة بي"


ابتسم ابتسامة بسيطة مجيبًا بعدها 

"الأمر ليس بهذه السهولة ولكنه غير مستحيل، فكري جيدا قبل اتخاذك للقرار الأخير"


صدمته بقول 

"اريدك شريك معي"


خرجت منه ضحكه ساخرة 

"اعتذر يا مولاتي لان اميرك مضطر ان يخيب أملك هذه المرة ويذكرك بوضعه، كان عليكِ ان تتزوجي بأحد الامراء كي يحقق لكِ حلمك ويخبرك بانه سيفتتح المستشفى ويهاديكِ بها في ليلة عيد زواجكم"


ردت عليه بجدية

 "اعلم وضعنا جيدا سأعطيك المال الذي ستشاركني به…"


قاطعها 

"هل كل ذلك لأجل ما يحدث مع عمي بهذه الأيام، نحن هكذا منذ سنوات، استطيع مسايرته وفعل ما اريد بالأخير.."


_" انا جادة بالفكرة ، ليس لأجل عمك ولكنه حلمه راودني منذ فترة كبيرة ، بالنسبة للوضع المالي استطيع انشاءها بالقدر الذي يناسب حلمي على ان أقوم بالتوسعات شيء فشيء كلما نجحنا كلما كبرنا وتوسعنا"


ابتسم بوجهها 

" مادمتي قادرة على إنشاءها وتحقيق حلمك فتوكلي على الله انا معك بأي مساعدة تحتاجينها"


_" اريدك شريك"


رفض بحركة رأسه

"اعتذر منك لا يمكنني الموافقة على وضع كهذا"


فكرت قليلا 

" شاركني بقدر استطاعتك، بقدر امكانياتك بفتح شركة الادوية"


سألها باستغراب 

"لماذا تريدين مشاركتي في حين يمكنك انشاءها وحدك، لماذا لم تقترحي فكرة إدارتها معك مثلا او…"


_" كي أشعر بالأمان "


قالتها لتتلاعب بإعدادات عقله وقلبه وخاصة حين أكملت

 "اريد ان اشعر بالراحة والسكون وانا اخوض مشروعي الأول بجانب سند حقيقي استطيع الاعتماد عليه"


رد عليها    " ستجديني بجانبك دوما حتى وإن لم …"


وضعت يدها على ذراعه لتقاطعة مكملة

 "لا تجبني الان، فكر بالأمر أنا أرغب بمشاركتك لا مساعدتك، أيا كانت نسبة مشاركتك لي".


جاءها اتصال هاتفيا يؤكد لها حجز الطائرة على متن الخطوط الجوية التركية.


تم إخطار الجهات المعنية باتصال سلمى المرتقب، تواصل الأمير المالك للمستشفى مع الجانب الأمريكي المهتم بمشاركة نابغة الطب في العملية المهمة ليتواصلا لحل وسط وهو استقبال عايدة بدولة أمريكا بموجب طلب لجوء طبي سياسي ليتم بعدها الموافقة عليه والسماح لها بدخول البلد واعطاءها الجنسية الامريكية من بعدها شرط ان تذهب سلمى للمشاركة في العملية ومتابعتها لعدة مرضى آخرين لا يقلون أهمية ومكانة عن هذا الرجل السياسي ، بجانب مشاركتها في أكثر من فعالية علمية ومؤتمرات طبية تقوم هي بإلقائها على الأطباء وهذا ما كانت ترفضه بالماضي وبشدة. 


كانت جميع الطلبات عكس ما اعتادت عليه بعد ان استغل الجانب الأمريكي الأمر باستنزاف خبرتها وتميزها لمدة شهر كامل تشرف فيه على الحالات في عدد من أكبر المستشفيات بجانب المشاركة في افتتاح عدة مشاريع طبية كبيرة هناك


ورغم رفضها التام لهذه البنود وكرهها الشديد للتواجد في الفعاليات والحفلات إلا إنها قبلت لأجل انقاذ الخالة عايدة واشرافها على حالتها طوال فترة بقائها هناك والأكثر من ذلك إمكانية عودتها بها للأمارات بعد حصولها على الجنسية الأمريكية، أيدها تيّم في قرارها متسائلا

"وماذا عن اخت طارق هل ستتركونها وحدها هناك؟"


ردت سلمى 

" نسيت أمر نسرين"


فتحت هاتفها لتبلغهم قرارها واضعه شرط جديد باصطحاب ابنة السيدة عايدة معهم ليسري عليها ما يسري على أمها.


جاءها الرد بالترحيب الكبير، فرحت وابتسم وجهها فاتحه هاتفها من جديد لتتصل بدكتور طارق كي تخبره بمستجدات الأمور، جلس تيّم بجانبها ممسك يدها ليسحبها نحوه محرك يده الأخرى على خاتم الزواج بصمت.



شعرت بغيرته عليها فهذا ما رأته على ملامح وجهه فور سماعه صوت طارق وهو يرد عليها بصوت حزين مهموم لتبادله هي الرد بفرحة نجاحها والوصول للحل.


فرح طارق وكأن الروح دبت بجسده من جديد، فاجأته سلمى بضرورة تسليم الأوراق للسفارة الأمريكية صباح الغد ليتم تجهيز طائرة خاصة لاصطحابهم بعد الغد.


تساءل باندهاش 

"هل بهذه السرعة؟"


اجابته لتأكد عليه ما سمعه 

"سيتم تجهيزها للعملية وإخضاعها لعدة تحاليل وفحوصات حتى اصل لها بعد وصولها بيومين، لا تقلق سنقوم بإجراء العملية في يوم وصولي لأمريكا كي لا ننتظر انتهائي من العملية الأخرى، هذا ما طلبته وتم الموافقة عليه"


بكى طارق مستسلم لمشاعره عاجزًا عن شكرها او استكمال الحديث معها، اخذت رانيا من زوجها الهاتف لتشكر سلمى التي أجابت عليها بصوت دموعها 

"هل يشكر المرء على مساعدة أمه"

……….


ورغم ألم قدمها إلا أنها استمرت بالذهاب للمستشفى لإجراء العمليات للمرضى المسؤولين منها تذهب على الموعد وتعود بعدها مباشرةً، طلب تيّم من أمه أن تذهب لأهلها في الشارقة كي تبقى لديهم فترة سفره خارج البلد ليكون مطمئن عليهم.


تم ترتيب كل شيء من جهة الأعمال والمسؤوليات ليتسنى له السفر بجانبها شاعرًا بفخر كبير جراء استقبالها الفريد من نوعه وتخصيص سيارة فاخرة خاصة بتنقلاتها بجانب حجز جناح خاص بأكبر وارقى فنادق أمريكا لأجل استقبالها بها.


تحدث تيّم بإعجاب

 "ان كنت أعلم بكل ذلك لكنت قررت ان اخرج انا أيضا نابغة"


ابتسمت بوجهه الضاحك قائلة 

"ليست بهذه السهولة، لم يكن سهلًا كما تنظر من الخارج كانوا يقولون اعملي وادرسي وجاهدي وهم لا يعلمون حجم المتاعب والصعوبات والضغوط النفسية  التي واجهتها لأصل لما أنا به الان. كانت تذهب روح من روحي وانا احرم نفسي من النوم والمشاركة بتجمعات العائلة لأجل انهاء ما عليّ من دروس، مر عليّ وقت كنت أرى الكلمة اثنان وثلاثة رأسي تضج من شدة الإرهاق والإنهاك وكأني سيغشى عليّ بعد قليل كل ذلك وانا لا استطيع إعطاء نفسي ولو دقائق قليلة أريح عقلي وجسدي بها، دراسة مستمرة لعدة سنوات مع مجاهدة زوجة اب ومحاولات إرضاء أبي الغاضب، أقوم بالتنظيف في وقت راحتي واعود للدراسة بالوقت الاخر، خسرت من وزني اكثر من نصفه، ساعدني طارق كثيرا بهذه الآونة كنت انام في الجامعة بين المحاضرات واتركه بجانبي يلخص ويجمع لي النقاط المهمة كي استيقظ لدراستها بالوقت المتاح لي، الجميع يشكوا من فراغه وملله وانا كنت اشكي من عدم استطاعتي توفير عدة دقائق لأنام بها، تذهب زوجة أبي لمنزل والدها كي تقضي اجازة نهاية الأسبوع هناك واضعة على عاتقي مسؤولية مسح المنزل وتغيير مفروشات الغرف وببعض الأحيان غسل السجاد، كل ذلك وانا بفترة الامتحانات التي لا تنتهي طوال دراستنا الصعبة، لم تتركني الخالة عايدة بهذه الفترة كانت تأتي هي وابنتها وببعض الأحيان تأتي ببنت اختها معهم كي ينهوا كل ما فرض عليّ دون ان اشاركهم بشيء اما ان انام من شدة اعيائي او أقوم بالدراسة والتحضير للامتحانات"


تأثر تيّم مما سمع متسائلا 

"وأين والدك بوسط كل هذا، كيف ترك زوجته تفرض عليكي كل هذا الظلم؟"


ابتسمت بسخرية

 "أبي! كان موجودا بالطبع وكان له دور كبير أيضا عندما تقف زوجته لتبتلي  وتسقط الأحكام عليّ، حينها يقف هو كالأسد الثائر ليعصف ويغضب ويضرب بالأيد .."


نظرت لتغير حالة وجهه قائلة 

"اياك ان يخيل لك عقلك أنه يفعل ذلك للدفاع عني"


اسرع بقوله

" لنغلق هذا الموضوع الان لا داعي لأحزانك، افرحي بنجاحك وما وصلتي له"


اهتز قلبها وهي تشعر بحنو يده على ظهرها ناظرة لحضنه متمنية ان يسحبها داخله مغلق عليها ذراعيه كي يحميها من الماضي والمستقبل، صمتت لثواني تحدثت بعدها 

" لم أتلقى منه سوى الضرب الغضب والعصف والخذلان، لم أرى منه سوى الأوامر والشدة وكأنه تحول لرجل اخر، او كأني خرجت عدوته فجأة، ذهبت محبته لي منذ وفاة أمي دون عودة، كنت انجح واتفوق متمنية ان استعيد مكانتي بقلبه ولكني لم انجح بذلك حتى وهو يقف وسط عائلته يخبرهم بتفوقي لأنه كان يفعلها لأجله هو فقط…."


سحبها لحضنه من شدة ثبات عينيها عليه ضامم رأسها بصدره وهو يقترب من اذنها ليحدثها بحنان

"لم يعد موجودًا، لن يستطيع أحد احزانك من اليوم وصاعد"


اغمضت عينيها الممتلئة بالدموع قائلة بخبث لطيف

 " حتى وان كنت انت؟"


ضحك بقوله 

 "من المؤكد ان هناك ألف مغزى من سؤالك سترنا الله مما يدور بعقلك"


كانت نبرة أصواتهما تعبر عن مدى تأثرهما بالماضي الأليم ، اجابته بابتسامة حزينة

_" اشتهي المكرونة خاصتك"


ضحك قلبه ضاممها بداخله أكثر مُقبل رأسها 

 "عند عودتنا سأطهي لكِ الأجمل منها"


ردت عليه بدلال

"وماذا عن عائلتك الغيورة وسمراء وابنتها!"


_" هل تعتقدين انني اخجل من اسعاد زوجتي واطعامها بيدي امام الجميع"


رفعت راسها لتنظر لوجهه وهي بداخله مستمعه لحديثه 

"انا فقط احرص على نفسية اختي ومحبتها لكِ أخشى ان تتحول محبتها لي لكره لكِ، اخبرتك من قبل هي ليست ضيفه عابرة لدينا تذهب لمنزل زوجها في يوم من الأيام".


قاطعته بقولها

" اتفهم وضعها جيدًا انت محق بذلك إياك ان تتخلى او تبتعد او تحزنها لأجل أي احد مهما كان ذلك الشخص"


رد عليها ليطمئن قلبها 

"اموت ولا أتركها خلفي لأي شخص حتى وان كانت أمي"


اختنقت بكلماتها وهي تخرجها من فمها بنبرة حزينة

 " ستجعلني احسدها على حبك وتمسكك بها"


قبل راسها بحب كبير

 "لا احد يعلم من منكم يحق له أن يحسد الآخر على حبي له، لنصبر ونرى كان الله بعوني عليكم" 


اقشعر جسده من شعوره بكف يدها وهو يتحرك على ظهره دون مقدمات مستمع لصوتها

 " سأتنازل واجعلها تكسبني بكل مرة"


تنفس الصعداء بمجرد طرق الباب وابتعادها عنه فإن طال الوضع قليلا لكان سقط من انقطاع أنفاسه المحتبسة جراء ما يشعر به.


دخل النادل بطاولة الطعام المتحركة المملؤة بكل ما هو مميز ونادر من المأكولات البحرية بناء على اختيارهم تجنبا اللحوم غير معلومة المصدر كما قلق تيّم، تحدثت سلمى بالإنجليزية مشيرة نحو زجاجة الكحول

 "لتأخذوها معكم، لا اريد رؤية مثل هذه الأمور بغرفتنا".


أكد تيّم على ما قالته زوجته مضيفًا طلبه بعدم دخول عمال خدمة النظافة الجناح طوال مدة بقائهم بها.


خرج النادل حاملا الكحول بيده مغلقا الباب خلفهم، جلسا بجوار بعضهما ليتناولا طعمهما بصمت ارهاقهما من الرحلة .


سألته 

"لماذا لم تسمح لهم بالدخول من سينظف خلفنا"


_" لكل منا خصوصيته وأنا لا أحب لأحد ان يطلع على ذلك، لن نحتاج لهم سنبقى ليلتين على الأكثر "


أعطته الحق فيما قاله مؤكدة على أهمية الخصوصية بالحياة.


لم تكن سفرتهم ترفيهية فهما لم يهنأا بالنوم والراحة والتجول كما توقع، استقلا طائرة أخرى بعد وصولهما الفندق بساعتين ذاهبين للمستشفى المحتجزة بها الخالة عايدة لأجل إجراء العملية بعد وقت قليل من وصولهما ، كان اللقاء مؤثر للغاية حين عم عليه الحب والحنين والخوف من الفقد، تحضرت سلمى لأجل الدخول للعملية بجانب مجموعة من افضل الأطباء بالمستشفى كانت رافعة ذراعيها وهي تتجه نحو غرفة العمليات وصوت طارق بأذنها 

" إنها بأمانتك"


 اغمضت عينيها بحزن متذكره ردها عليه 

"كنت أتمنى بالماضي لو أنني طبيبة ماهرة كي اعالج امي وانقذها من مرضها وها انا اسعى بطريقي للحلم سأدخل للعملية وانا ادعو الله ان يكرمنا بسلامتها كي أحقق ما تمنيته بمهدي"


بنفس الوقت كان تيّم جالسًا بالخارج يتذكر حديثها معه عن خوفها من فشلها في إنقاذ أمها للمرة الثانية، رد عليها بداخله

 "لا تقسي على نفسك، لا ذنب لك في تدهور وخطورة حالتها ، يكفيكِ الألم الذي لا زال بقلبك"


اغمض عينيه بخوف وحزن سامعًا صوتها

 "قلبي يؤلمني، لا زلت أنزف قهر خذلانهم وبيعهم لي، في حين كان جميع الآباء يحافظون ويدافعون عن أبنائهم صمت أبي شاهدًا على كسري وقهري وبيعي وذلي دون أن يتمسك بي"


اخذها تيّم حينذاك في حضنه بعد ان استصعب رؤية دموعها ليسمعها وهي تقول له 

"ذهبت لبابه أكثر من مرة متمنية ان يحتضنني دون أن يفعل".


استقام بجلوسه وهو يشبك ذراعيه ببعضهما وكأنها بداخله قائلا لها داخل نفسه

 "لستِ بحاجة لحضنه انا معك، لن اجعلك تحتاجين لحضن أحد غيري"


استغرقت العملية اثنى عشر ساعة وهذا ما جعله يخرج ليتجول بالمنطقة المجاورة للمستشفى عائدا لمكانه ينتظرها لعدة ساعات نام بعدهم واستيقظ  على الفراش الطبي بالغرفة المجاورة وهي لا زالت تعمل بالداخل.


لم يتوقف طارق عن الاتصال بأخته كي يطمئن على أمه، ولم تتوقف نسرين عن قراءتها للقرآن بنية سلامة أمها.


خرجت سلمى من العملية بإرهاق شديد وألم غير محتمل بقدمها المتعبة، شبكت يدها بذراع زوجها وهي تطمئن نسرين على نجاح العملية.


شكرها طارق بفرحة كبيرة جعلت صوته يصل لجميع من حولهم دون فتح خاصية مكبر الصوت.


كانت تنتظرها طائرة خاصة فوق سطح المستشفى الكبيرة لتصطحبها لولاية أخرى في أمريكا لإتمام عدة عمليات دقيقة باليوم التالي.


وصلا إلى الفندق الفاخر والغرفة التي ولا بالخيال تستطيع الوصول لجمال تفاصيلها.

خرج تيّم من الحمام وهو يحدثها

 "ادخلي انتِ بالأول خذي حمام دافئ وأنا سأدخل من بعدك"


وجدها نائمة على الفراش بعمق ثقل ارهاقها .


خفض الإضاءة وأخذ بعدها حمام سريع ثم وقف ليصلي سنة قيام الليل ولو كانت بوقت مبكر عن كل يوم فهو لا يضمن استيقاظه قبل الفجر. نام بالقرب منها بيديه المستمتعة بملمس شعرها والأخرى باحتضانها من خصرها.


توالت العمليات الجراحية والمؤتمرات الطبية والندوات والانضمام لعدة تنظيمات طبية رفيعة المستوى ، كل ذلك وهي لا تتخلى عن الاهتمام بالخالة عايدة والذهاب لها بآخر كل أسبوع لتتابع الحالة عن قرب.


كان شهر مختلف تمامًا عن  الذي خطط له تيّم من تقارب وكثرة أحاديث وتالف فقد كاد أن لا يراها من كثرة بقائها داخل غرف العمليات و نومها في أوقات تنقلهم وعودتهم للغرف الفندقية المختلفة.


استغلت سلمى وجودها هناك مستمعه لنصيحة عدة أطباء بخضوعها للعلاج الفيزيائي المتطور لديهم .


استجابت لهم بعد ان ارهقها الوضع واثر على حركتها وعملها، لتجد نفسها خاضعة لعملية تسرع من مدة التئام مفصل الكاحل.


لم تستغرق ساعتين بغرفة العمليات خرجت بعدها غارقة بالنوم من اثر المخدر والإرهاق.


توجب بقائهما في فندق المستشفى بدرجة كبار النزلاء أسبوعًا إضافيا تحت رعاية الأطباء المختصين.


جلس بجانبها وهو يحدثها 

"سبحان الله كيف كنت أحلم بالرحلة وكيف مرت علينا، لقد اشتقت للعودة لبلادي كي أراكِ"

ردت عليه بوجهها المبتسم

" أنت أيضا كنت تعمل ليل نهار ولم أراك إلا بأوقات قليلة تأتي بمنتصف اليوم تختطف اللقمة وتسرع بالعودة لعملك"


ابتسم وجهه بالرد 

 " على الأقل كنا نرى بعضنا بمنتصف اليوم"


اومات براسها لتعطيه الحق

" اعتذر منك يبدو أن الشهر كان ممل وثقيل عليك ما كان عليّ ان اطلب منك مصاحبتي برحلتي وانا اعلم مدى قسوتها"


نظر لتمشيطها لشعرها قائلا

"بكل الأحوال ما كنت سأتركك تذهبين بمفردك لشهر كامل بدوني"


ابتسم وجهها بفرحتها الكبيرة التي أدهشته بها ، نظرت لعيونه المعلقة على شعرها قائلة

"مللت من كثرة تمشيطه وجمعه أسفل الحجاب، سأتخلص من طوله فور عودتنا للمنزل"


أجاب عليها بسرعة رفضه

" وما دخله بكثرة عملك وانشغالك عنه، هو بأمانتي إياك أن تقتربي منه"


سرقت قلبه بابتسامتها الجميلة 

 " وما دخلك انت به اريد ان اقصر طوله كي يكون اسهل بجمعه وتمشيطه، وأيضا سيكون جميلًا هكذا كانت تقول امي"


رفض ما يسمعه

 " ولكن طوله جميل، إن كان على تمشيطه سأقوم انا بهذا العمل عوضا عنكِ بشرط أن لا تقتربي منه"


ضحكت بقولها 

"هل ستمشط لي شعري بكل صباح كالأطفال"


بادلها الضحك وهو يقترب منها أخذًا الفرشاة من يدها جالسًا على ركبتيه خلفها كي يبدأ تمشيط شعرها بقلبه قبل يديه التي كانت تجري مجرى الفرشاة من الأعلى للأسفل، قسم شعرها إلى قسمين وضع كلا منها على كتفيها، نظرت في المرآة نحو يديه التي تحنو على شعرها وهو يثبت كل قسم بمكانه. 


رفعت نظرها لعينيه الغارقة بها مبتلعة ريقها المتلعثم بمشاعرها الجديدة.


همَ مستقيمًا بقامته العلوية ليصبح أعلى منها سألته بصوت خفض من خجله

"ماذا ستفعل، هل ستضفره؟"


أومأ براسه وهو مندمج بالتحكم في منبت خصلات القسم الأيمن 

"انتظري لتري النتيجة"


راقبت دقته وتمكنه من نسج خصلات شعرها ببعضها من الأعلى حيث منبت الشعر حتى وصل لطرفه. 


امسكت الطرف الذي أعطاه لها وهي تنظر بالمرآة قائلة بضحك

 "لقد فعلتها حقا،  انها ضفيرة السنبلة كيف تعلمتها"


استدارت بجلستها  كي تنظر إلى المرآة لتراها بشكل أوضح. امسكها من كتفيها رافضًا تحركها خوفًا عليها

" اثبتي حتى انهي الجانب الآخر"


ردت بانبهار لمع بعينيها

"ولكنك .. كيف تمكنت من فعلها ؟.. جربت اكثر من مرة تعلمها انا وامي دون أن ننجح بها"


تحدث بفخر وتباهي

" ماذا تظنين نحن أيضا مميزون"


حركت ضفيرتها بفرح تحدثت به

" كيف قصرت طوله لدرجة أصبح بالكاد يصل لكتفي"


قبل طرف شعرها من شدة تراقص قلبه على نغم فرحتها لتهتز بمشاعرها مجددا وهي تستمع لصوته القريب من اذنها 

"نعم هي كذلك لأنها تبدأ من الأعلى وترفع الشعر معها، ها انا شارفت على النهاية… والآن يمكنك النظر للمرآة"


وكطفلة صغيرة سحرت عيونه بحركتها السريعة الفرحة تتمايل على الجانبين بجلوسها محاولة رؤية شعرها من الخلف.


تحرك على الفراش ملتقط لها صورة من الخلف قائلا

 "اقتربي لتري حالته كما تريدين"


مالت بفرحتها تنظر للصورة

 "ما اجمله "


بدأ حديثه بحب 

" تعلمته لأجل تسنيم، كنت اجلس بجانب جدتي وهي  تضفر شعر حفيدة اختها"


سألته 

"حفيدة اخت جدتك؟"


ضحك بقوله 

"نعم كانت عروستي كلما أرادت جدتي التقارب بيننا نادتني لأجلس بجانبها وهي تضفر شعرها الأسود الناعم الحريري الكثيف"


ضحك اكثر 

"طبعا الأمر لا يتوقف عن وصف لون العين وجمالها وصفاء قلبها الطيب"


غار قلب سلمى قائلة

 "حب الطفولة ام الشباب، يعني بأي عمر كنت؟"


وبضحكة جميلة منه

 " والله بريء مما تقولين، نعم كنت أفرح عند رؤيتها وما يقال عنا كوننا عروسين سيتم زواجنا عندما نكبر، وفي مره أتت لي لتعطيني ورده حمراء"


ضحك اكثر واضعا يده على فمه للحظة أنزلها 

"خجلت يومها ان ارفع عيني بعينها من شدة خجلي، حتى ان تسنيم هي من أخذت الوردة عني"


ابتسم وجهها الغيور متسائلة بخوف من الإجابة

"هل احببتها لهذه الدرجة؟"


_" بهذه السفرية نعم حدث شيء من هذا القبيل اهتز واخجل واختبئ كلما رايتها أو سمعت انها ستأتي"


ردت عليه بصوت جميل 

"أليس من المفترض أن يحدث لها ذلك وليس انت"


ضحك بصوت عالي 

"هكذا انا عندما أخجل تعصف اعداداتي كلها، ومن هنا تعلمت تصفيف الشعر كنت اتدرب بأختي كي أرى سعادتها وهي تتباهى بين أصحابها"


سألته باهتمام 

"ماذا كان اسمها، هل انا رأيتها بيوم الحفل هناك؟"


نظر لها باستغراب 

"هل تقصدين مهرة؟، أنا لم أرها منذ هذا اليوم ، تزوجت وانا بالصف الأول بالجامعة ولكننا لم نحضر الزفاف لظروف خاصة بوفاة ابي وعملي مع عمي"


نظرت لصورة شعرها على هاتفه قائلة 

"سلمت يداك جميلة جدًا، ومع ذلك سأقصه عند عودتي كي يكون اريح لي"


_" ان اردتي ذلك لا أحد يمكنه منعك أو فرض شيء لا تحبيه عليكِ حتى وان كنت أنا"


ردت عليه لتقنعه برأيها

"ولكنه جميل وهو قصير لا تقلق سيكون أجمل مما تراه"


ابتسم دون رضا

 "ولكني احببته بهذا الطول كما ان عيناي لم تشبع منه بعد"


خفضت عينيها بخجل ليكمل هو بطلبه 

"هل يمكنني ان التقط معه صورة للذكرى"


أومأت برأسها استجابة لطلبه معتقدة انه سيرفع هاتفه ليلتقط لها من الخلف صورة أخرى، لتجده يقترب طالبا منها أن تنظر للهاتف بوجه مبتسم ملتقط أول صورة جميلة تجمعهم بهاتفه. 


اغلق هاتفه بسعادة كبيرة قائلا لها

"هيا لتنامي كنتِ متعبة عند قدومنا حتى انني توقعت ان تنامي على الفور ككل يوم"


_" اعتذر منك كانت أيام متعبة لذلك لم اقبل السفر والفعاليات الملحقة به، ولولا امر الخالة عايدة وأهميتها لدي ما كنت بقيت كل هذه المدة ، ما دخلي أنا بكل هذه المهاترات، وبالأخير تقيدنا بأمر العملية"


رد عليها ليلمع عيونها من الفرحة 

"أي مهاترات؟ لقد لمعتي كالنجوم في سماء أمريكا والعالم أجمع، ألم تقرئي ما كُتب عنك، ام نسيتي تدخلك الفريد بالعملية و اتباعك لقواعد علمية لم يتم ممارستها بالطب الحديث لقد انقذتي المريض بطريقة. وسرعة .وتميز اذهل جميع الأطباء من حولك ، أنتِ فعلا رائعة بمجالك "


اهتزت بفرحتها 

"ألم تسألني كيف قمت بتطبيقها دون ان امارسها او اتدرب عليها"


اقترب بجلسته دون أن يشعر فهذا ما حدث حين اندمجا بحديثهم مجيبًا عليها 

" انا اخر شخص ممكن ان يسألك هذا السؤال، فأنا أثق بقوتك وقدرتك العلمية بجانب انا اكثر من يرى كواليس دراستك و تعمقك في الأبحاث والكتب العلمية الطبية التي ينصدم المرء من كبر حجمها وضخامتها"


لمعت عينيها بعينيه ليتهرب هو من جمالها قائلا 

"هيا لننم عليكِ ان تنامي براحة في اليومين المتبقين لنا في رحلتنا فمن المؤكد أن الاستقبال سيكون بثقل ما سبق سنبدأ بمؤتمر صحفي كبير ، بجانب احتفال بالمستشفى .. ماذا نفعل سنتحمله أيا كان ثقله"


ردت عليه لتخبره بجدية

 "لقد رفضت كل هذه الفعاليات، ليس لدي طاقة أو وقت لها، احرص على عودة قدمي لطبيعتها  بجانب ضرورة قيامي بعملية مهمة باليوم التالي من وصولي لدبي بصراحة أنا من رفض تأجيلها فما ذنب المريض"


سحب يدها ليقبلها

 "فليحفظ الله قلبك من شر الفتن والسوء والكبر"


ارتجف قلبها فارتسمت على وجهها ابتسامة خالطتها نبرة الحزن طالبه منه

" ادعو لي كثيرًا كلما تذكرتني فوالله لا اشعر بسعادة بقدر سعادتي عند سماع دعاء أحدهم لي "


_" أي احد ؟"


ابتسمت بقولها 

"لن أعطيك الرد الذي تنتظره"


ابتسم بحبه الكبير 

"ولكني أخذته من عيونك الجميلة فلا يمكن لأحد ان يدعو لكِ مثلما ادعو انا، هيا نامي تأخر الوقت"


سألته بصوت خُفض من تردده 

"هل كنت تدعو لها أيضا"


ضحك بصوت عالي

 "هل سندس لقد فقدتي عقلك على الأخير انها مجرد عميلة لدينا.."


قاطعته لتصدمه 

"زوجتك الأولى.. أتساءل كثيرا كيف لامرأة أن تجد الاهتمام والحب ثم تتخلى عنه بهذه السهولة، ام انك من تركها، فكرت بأكثر من سيناريو ولم اشبع فضولي بالوصول لسبب مقنع "


رد عليها بضيق 

"لنؤجل الحديث بوقت لاحق"


_" ألهذه الدرجة كان قاسيًا عليك أم أنك لا تزال تحبها؟"


رفع عينيه بعينيها ليرى غيرتها بهما ، تعجب من وضعها متسائلا داخله 

"هل تغير علي حقّا ام انا اتوهم"


كررت سؤالها بشكل اخر

"لا زلت تحبها أليس كذلك؟"


كانت عينيها التي تترقب الجواب بخوف وقلق يعبران له عن صدق ما اصبح يشعر به، فلم يعد للحدة والضيق البكاء والهروب مكانًا بينهما يعيشان أيامهم سويًا بانسجام وفرحة تتمنى القلوب ان لا تنتهي حتى وان استمرت بهذا القدر المشبع بالاحترام والاحتواء والاهتمام والتقدير كلا منهما يخاف على الاخر وكأنه بلور زجاجي سهل الكسر.


فهل سيسمح لهما القدر باستكمال حياتهما بهذا الهدوء والحب والانسجام ام سيكون له رأي اخر……

انتظرونا بفصل  جديد  قريب من ليلة سقوط عروس بغداد.


google-playkhamsatmostaqltradent