رواية حياتي
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات
الكاتبة أمل محمد الكاشف ..
وقت النشر الثلاثاء الساعة العاشرة مساءً
حل المساء حاملًا في طياته نسمات الهواء البارد المختلط برذاذ المطر. خرجت أوزجي لحديقة منزلها بعيون تستمتع بجمال الورود والأزهار والأشجار النادرة ، جلست على أرجوحة فولاذية على شكل أريكة مريحة يعلوها سقف يحميها من المطر والثلوج . ابتسم وجهها فور تأرجحها عليها وهي تتذكر اقترابه منها وهمسه بأذنها كي تثبت وتظهر قوتها أمام ثريا.
ابتسمت ابتسامة خجلة محركة قدميها في الهواء منطلقة بأرجوحتها للخلف حين تذكرت غمزة عيونه الضاحكة لها.
أغمضت عينيها من شدة خجلها لاسترجاعها لحظة اقترابها منه و دخولها في حضنه.
خرج عارف للحديقة ناظرًا لحالتها وانسجامها بالتأرجح بوجهها المبتسم ورأسها المرفوعة جهة السماء ، ابتهج فرحًا مقتربا منها معلنًا عن وجوده بصوته المرح
"هل تسمحين لي ان اكون ضيف خفيف على ارجوحتك؟".
فتحت عينيها بوجهها المبتسم هامسة بصوت هيمان من سعادته "بالطبع تفضل"
جلس بجانبها تاركًا بينهما مسافة قليلة مندهشًا بنبرة صوتها وهي تتحدث عن جلسة التصوير بحماس كبير أول مرة يراه ويسمعه بل ويلمسه بها .
راقب فرحتها التي ظهرت بوجهها الباسم وعيونها اللامعة متذكرًا حديث ثريا زوجة عمه سامر متسائلا داخله
" كيف تحملتي ثقل لسانها طوال سنوات زواجك! من المؤكد أن ما رأيناه من سخرية على ملابسك و هدوئك مختلف تمامًا عن ما يحدث خلف الأبواب المغلقة "
شاء الله ان يجعل عارف شاهد على نقد ثريا لزوجة ابنها في التجمعات العائلية دون مراعاة لوجود غرباء بينهم متعجبًا حينها كيف لفاتح ان يصمت على ما يحدث أمامه بحجة خشيته من كسر امه او مراجعتها.
وهذا ما جعل عارف يخطط ويدبر لتكون ثريا شاهدة على أولى نجاحات أوزجي بحياتها الجديدة .
صمم أزياء خاصة تناسب شخصية اوزجي متنوعة وجديدة من حيث طرازها المحتشم .
أراد ان يفجر قنبلة سطوع نجمها وتحررها من خجلها على صفحات المجلات الإلكترونية منها والورقية ، تحقق نصف ما تمنى حين رفع
من قدرها وقيمتها باشتراكه معها بتجربة فريدة وجديدة نوعيًا عليه.
وبينما كان شاردًا بها يسايرها بالأحاديث ، كانت دفنة تتمايل على مقعدها بدلال وهيام تنظر لزوجها وهو يعد الطعام ويقدمه لها منتظر تذوقها طعمه كي تخبره رأيها.
سبحان مغير الأحوال فهو من كان لا يقترب من مطبخ المنزل بحجة تعبه بعمل المطاعم ورغبته ان يأكل من يد زوجته، يجلس على الطاولة كالأمراء و يقوم منها كالملوك ، كان يكفي أن يحلم كي يتحقق له حلمه وان كانت مرهقة او مريضه عكس ما يحدث الان .
انشغلت دفنة بهاتفها مجرية اتصالا جماعي بأصدقائهم صوت وصورة تشارك لحظاتهم مع الجميع بضحك ومرح .
سايرها لكسب رضاها والقرب من جمالها المضيء بشدة بياض بشرتها و جسمها الممتلئ على نحو مقبول ومتناسق .
زاد تحرر دفنة في اختياراتها لملابسها لتصبح ترتدي فساتين أكثر جرأة مفتوحة وقصيرة هذا ما يحدث في الخارج اما المنزل فحدث ولا حرج وهذا ما جعل زوجها يفقد عقله أمام جمالها المزين بالألوان المبهجة على شفتيها وخدودها وفوق عيونها.
رغم أن أوزجي اجمل منها من حيث الجسم الممشوق والقوام المرسوم فهي حقًا تستحق اختيار عارف لها كموديل بجدارة.
إلا أن عين فاتح التي لا تشبع وكل جديد بعيد عن اليد مرغوب للعيون الفارغة والتي لا تملأ بسهولة.
انتهت الليلة في منزل فاتح على أصواتهم العالية بالضحك والرقص على الموسيقى بعقول زال تركيزها وثباتها من وراء الكؤوس التي بأيديهم.
كما انتهت في منزل عارف على نحو جميل وهادئ ، شعور جديد ينبت بقلب أوزجي يزيد من تخبطها وحيرتها فبدون أن تشعر وجدت نفسها تتعلق بعارف و ضحكاته و اهتمامه و نظراته لها.
وهذا ما جعلها حزينة متخبطه وخاصه انها تعلم وترى حقيقة مشاعره تجاهها .
مرت الأيام والليالي الباردة على قلب أوزجي وهي تجاهد مشاعرها التي كبرت بداخلها حتى اصبحت تغضب كلما تلقت من عارف غير الذي تتمناه وتحلم به .
يذهبا سويًا للشركة كل صباح ينشغلا بأعمالهم حتى يعودان اما ان يجتمعا على مائدة العشاء وإما ان ينعزل عارف بغرفة التصميمات الخاصة به ولا يخرج منها حتى ينتهي من عمله وإن ظل للصباح بها.
وبليلة من الليالي تفاجئ عارف بسرعة اقتراب أوزجي منه قائلة " تتصل. أمي تتصل "
نظر لحالة عيونها ووجهها طالبًا منها الرد على أمها قبل انتهاء الاتصال ، ولكنها رفضت بخوف وتردد من عدم معرفتها ما سيدور بالمكالمة من عتاب ولوم .
وضع يديه على اكتافها ليهدأ من روعها ناظرا لعيونها " أجيبي عليها. لا تجعليها تنتظر أكثر من ذلك . اشتاقت إليكِ واتصلت لسماع صوتك هذا كل شيء "
امسك يدها المرتجفة قائلا " أنا بجانبك. ستتقبلين كل ما يأتي منها . حسنا كل ما سيأتي منها . هيا اجيبي ولا تجعليها تنتظر "
انتهت المدة المحددة للاتصال نظرت لهاتفها ثم نظرت له بعيون مهزوزة من توترها ، حثها على الإتصال بها ولكنها رفضت بشدة كي لا يجيب والدها عليها .
عاودت أمها الاتصال بها لتسرع أوزجي بفتح هاتفها قبل انتهاء أول رنه ، أجابت دموع عينيها عوضًا عن لسانها فور سماعها صوت أمها وهي تقول لها "روحي حياتي عمري كله "
قبل عارف كتف زوجته تاركها مغلق باب الغرفة عليها كي تأخذ راحتها بالحديث مع أمها.
تغيرت ملامح عينيه فور إغلاقه الباب متذكرًا صوت أمه " أنا مشغولة الان سأتصل بك في وقت لاحق "
تحرك بصعوبة كي يدخل غرفة عزلته مغلق الباب خلفه متذكرًا سماعه لصوت أمه وهي تتحدث بطريقة مبتذلة غير لائقة مع رجل غريب .
أختنق بذكرياته الأليمة مع أمه سيطرت عليه عدة مشاهد قاسية على قلب أي رجل أو شاب أو طفل .
لم يتحمل رؤية كابوسه وهو يهاجمه أمام عينيه ، أسرع هاربًا من المنزل صاعدًا بسيارته محاولا الهروب مما امتلكه حتى وجد نفسه يقف أمام باب منزل قديم الهيئة .
صدم جبهته بالمقود عدة صدمات متتالية متمنيًا موته عن ما يشعر به ، أظلمت الرؤية أمام عينيه مما جعله يغلق امان السيارة تحسبًا لفقدان وعيه الذي حدث بعدها بدقائق .
( يا حسرة على قلب جميل حطم وعصف بذنب لا يد به دفع ثمنه غاليًا في صغره ولا زال يدفعه بشبابه بشكل أكبر جعله يتحمل ما لا يتحمله رجل على وجه الأرض رافضًا الانكسار والخسارة والهزيمة )
كانت توصل له سلام أمها بوجهها الفرح تخبره عن فرحتها بتواصلهم من جديد ، شعرت أوزجي بتغييره لعدة أيام ذهبت ضحكته بهم ، اهتمت به متحسسه ضعفه وحزنه الذي اعتلى عينيه بشكل لم تراه عليه من قبل.
نجحت أوزجي في تحسين وضع عارف وعودته لطبيعته المتعارف عليها أمامها.
تم دعوة عارف الشهير بـ جوتشي من قبل ثريا التي أرادت أن تلقن أوزجي درسا جديدا تعيدها به لسابق عهدها عازمة على إشعال نار الغيرة بقلبها برفع شأن دفنه أمامها. كما تم دعوته من قبل غافر الذي لم يصغي لمخاوف زوجته ورفضها الضغط على عارف ومجيئه في مكان لا يرغب التواجد به.
رفضت اوزجي ان تذهب مع عارف للقصر كونها غير مستعدة لخطوة كهذه ، بالإضافة إلى شعورها بالاختناق كلما تذكرت هذا المنزل وما عاشته نادمة على كل يوم عاشته وهي تفكر براحته و كيفية إرضاءه هو وأمه على حساب نفسها حتى عصفت بألم الخيانة في الأخير.
حاول عارف اقناعها محدثها عن الثقة بالنفس والقوة وعدم تقبل الهزيمة وضرورة ذهابهم. فهو يعلم ما يخفون وراء هذه الدعوة في نفوسهم ورغبتهم في كسرهم وعدم ذهابهم يعني انتصارهم عليهم.
خرجت أوزجي عن صمتها حين ضغط عليها متسائلة بقوة وحدة " كيف تتحمل رؤية من تركتك وتزوجت بغيرك أمامك بكل لحظة ؟ كيف تتعامل باريحية مع كل من ايد ورحب بهذا الزواج الذي بنيَ على أنقاض حياتك واسمك؟ كيف تتظاهر بالمثالية لهذه الدرجة المميتة ؟"
صمتت وهي تتأجج بغضبها مكملة بقسوة أكبر بعدها قائلة " ولكني ساقولها لك هذه ليست مثالية ولا قوة. بل سلبية واستهانة بقدرك عندهم "
عادت اوزجي لصمتها بعدما ألقت ما اختزنته شهور في وجهه .
التزم الصمت مكتفيًا بوقوفه وخروجه من المنزل بخطوات بطيئة و وجه غريب .
من الغريب انها تحركت خلفه مستمرة بتجريحه معتقدة أنها ستعيده عن أفعاله قائلة
" لماذا تصر على الذهاب لهذه الدرجة؟ تحدث لماذا لا تجيبني"
اشتعلت بغضبها أكثر أمام صمته واقترابه من باب المنزل قائلة بسرعة قبل خروجه
" ام انك اشتقت لرؤيتها ؟ ألا يكفيك عملها معك بالشركة طوال اليوم واردت ان تتواجد معها بالأوقات المتبقية من اليوم"
لم تكمل اخر كلماتها حتى خرج عارف واغلق الباب خلفه تاركها بمفردها تكمل حديثها لنفسها.
ركضت جهة الصالون ملقية بنفسها على مقعده باكية بصوت عالي ، الغير منتظر هو عدم ذهاب جوتشي لأي مكان. استدار بسيرة نحو الطريق المجاور للمنزل داخلًا لحديقة منزله من الجهة الخلفية ناظرًا إلى دموعها وانهيارها من خلف الزجاج بعيون حزينة.
ظلت أوزجي صامتة على مدار سنة كاملة منفجرة بالاخير أمامه بشكل سيء ، هل حدث من غيرتها العائدة لمشاعرها الجديدة اتجاهه وخوفها من تلقي نفس الصفعة مجددًا، أم اختنقت من التمثيل في كل تجمع تجبر عليه.
نسيت ما يحققه و يسجل من أهداف قوية في مرماهم رافعا بقدرها أمامهم .
توقفت عن البكاء قائلة لنفسها
" لن اضعف و لن أبكي ولن احزن من أجلهم"
تحركت لتخرج إلى الحديقة وهي ما زالت تقوي نفسها. كان من المفترض وجوده ولكنه غير موجود . وقفت ملتقطة انفاسها بهدوء وهي لا زالت تقوي نفسها " لن أبكي. لن أبكي"
عاد إليها بكائها فور سقوط نظرها على أزهاره متذكره اهتمامه بهم وتنقله بينهم وهو يضحك بحديثه معها. كم فرح باول وردة بيضاء فتحت بحديقته مسرعا في اقتطافها وهو يقترب منها مرجع شعرها للخلف كي يضعها بجانب اذنها قائلا " كم هي جميلة كقلبك الجميل"
عاتبت على نفسها كيف جرحته لهذا الحد ، كيف تحدثت معه بهذا الشكل.
……
في مكان غريب يشبه الأكواخ الخشبية ولكنه غير ذلك ، تمدد عارف على مقعد يشبه مقاعد الجلسات النفسية يحدث من جالس بجانبه قائلا
" لم استطع . صدقني لم استطع"
نزلت الدموع من عيني هذا الجبل الصخري وهو يكمل " لم استطع الاجابة عليها. لا استطيع مواجهتها "
" لماذا ؟ "
رفع عارف صوته وهو يجيب بدموع عينيه
" لأنها محقة هذا ما يظهر لها من الخارج. ولكني وإن أردت الإبتعاد عنهم لا أستطيع فعلها. انت تعلم انني مجبر ليس بيدي خيار اخر "
رد الطبيب متأثرًا ببكائه النادر حدوثه إلا في الأوقات الصعبة قائلا
" ابكي ابكي يا أبني واخرج ما بداخلك كي ترتاح "
مد يده ساحبا عدة مناديل ورقية موجههم تجاه جوتشي الرجل الذي يراه الجميع كجبل صخري ،القوي الذي لا يكسر ولا يهزم قائلا
"نعم هي محقة. أنت ترهق نفسك وروحك خلف صلابتك وقوتك . انظر لحالتك في حين أردت الانتقام منهم وجدت نفسك تنتقم من روحك وقلبك، انظر يا بني لحالتك انظر الي اين وصلت. حتى المهدئات اصبحت لا تجدي نفعا معك "
رد جوتشي بغضب ملغم بالبكاء
" لن يتركوني. وإن أردت هذا هم لن يتركوني انت تعلم وضع والداي. أنت تعلم ما مررت به على مرأى ومسمع منهم جميعا. لا استطيع ان اعيش فضيحة خروج هذا السر للعلن بعد كل هذه السنوات من الجد والنجاح "
اصبح يشهق ببكائه وهو يكمل "لقد نحت بالصخر كي اثبت نفسي. ولم ولن أسمح لهم لا هم ولا الماضي أن يحطما ما بنيته"
رد الطبيب بصوت يشفق على حالته
" لا ذنب لك في الماضي "
زفر بغضبه في وجه الطبيب
" ولكنه ملتصق بي . شئت ام أبيت هو ملتصق بي . أسعى واجاهد دوما ليبقى بالماضي ولكني انهكت اصبحت غير قادر على المزيد من الضغوط والمؤامرات ، لم اعد اتحمل نظرات الغل والحقد وانتظار لحظات سقوطي بعيونهم"
تنهد الطبيب ملتزم الصمت مستمعا لجراح جوتشي دون أن يقاطعه متأملا ان يجد هذا الشاب الذي هرم قبل موعده ببكائه ما يريح قلبه.
…….
في هذه الآونة حضرت ثريا سفرة كبيرة طويلة بحديقة المنزل العائلي الكبير، أشرفت بنفسها على الاطعمة التي حضرت بعناية كبيرة من أجل استقبال غافر العائد من رحلة علاجية دامت لأربع شهور . من يراها يعتقد أنها فرحة بعودتهم ولكنها بحقيقة الأمر حزينة لقرب سحب البساط من تحت أقدامها مجددًا .
فبمجرد وصول أسماء لقلعتها يتلاشى زهو الجميع من حولها ، يعود ذلك لما يفرضه غافر عليهم فهو رغم صلابته وحدته وجفائه إلا أنه شديد الحرص على رفع قدر زوجته وإعطائها قيمة عالية شاؤوا أم أبوا ذلك .
كان المنزل كبيرًا ضخما اشبه بالقصور الفاخرة، يعود ملكيته لوالد غافر وسامر وساهر جميعهم شركاء بارثهم به ، مات سامر وظلت زوجته ثريا وابنه فاتح يعيشون به ، أما ساهر والد عارف رغم بقائه هو وزوجته على قيد الحياة إلا إنهما غير متواجدين بين الاخوة لا في العمل أو المنزل.
…..
عاد عارف الى منزله صعد الدرج متوجهًا نحو غرفته ليجدها تنتظره على مقاعد الطابق العلوي بجانب غرفتهم.
نظر نحو تجهزها للخروج بكامل اناقتها باستغراب، اكمل سيره نحو قبلته قائلا
" ليلة سعيدة لكِ" .
اسرعت بوقوفها وتحركها خلفه قائله
" ألا يزال الوقت مبكر على قول ليلة سعيدة؟ "
رد عليها دون ان ينظر لها قائلا
" رأسي يؤلمني ان سمحتي لي أريد أن أرتاح في فراشي "
اعاقت دخوله غرفة تبديل الملابس واقفه بوجهة ، نظر ليدها الممتدة امامه قائلا دون النظر لعيونها
" هل تريدين شيئًا مني ؟ "
نظرت لعيونه التي تهربت منها مجيبة عليه
" تأخرنا على الموعد. تجهزت وانتظرتك ولكنك تأخرت بالعودة وايضا لماذا لم تجيب على اتصالاتي"
حاول تخطيها وهو يقول
" لا عليكِ لا يمكنكِ الذهاب لأي مكان دون رغبتكِ. اخبرتكِ من قبل لا يمكن لأحد ان يضغط عليكِ حتى وان كنت انا هذا الشخص "
تحركت ببطء كي تقترب منه اكثر ممسكة بذراعه على استحياء قائلة
" انظر الي "
أبى أن ينظر بها مثبتا عينيه على ملابسها المعلقة في الداخل ، لتعيد اوزجي طلبها اكثر من مره حتى نظر لها قائلا بصوت منهك
" رجاءً لنكمل حديثنا بالغد "
رفضت طلبه مسرعة في ردها
" ولكني تجهزت برغبتي. لم يضغط علي أحد. وأيضا… وأيضا توجب عليّ الاعتذار منك على ما خرج مني بوقت غضب "
نظر بعينيها مجيبا بصوته الملغم بالإجهاد
" انا لم احزن منكِ لأنكِ محقه ببعضها لذلك لا استطيع لومكِ أو الحزن منك "
ردت عليه وهي تضع يدها على ذراعه الاخر " إذا لا داعي لغضبك ومحاولتك النوم الان. وايضا سنتأخر على موعدنا. علينا ان نذهب سريعاً كي نثبت حضورنا بل قوتنا "
ظل يرفض ذهابه ناظرا لقربها ويديها محاولا فهم تغييرها الغريب عليه
........
رحبت العائلة بوصول غافر الذي ظهر عليه مرضه ، حزنت دفنة على ما آل إليه والدها من حال داخلة في حضنه " اشتقت إليكم".
إصطحبتهم ثريا للحديقة كي يجتمعوا على مائدة العشاء وهي تغرد بفرحتها بعودتها واشتياقها الكبير لهم.
ابتسم فاتح دون ان يظهر ابتسامته التي نبعت من معرفته حقيقة حديث أمه وما تكنه لعمه وزوجته في قلبها .
تحدثت ثريا متسائلة " هل ننتظر عارف ام انه اعتذر عن المجيء "
تساءلت دفنة باستغراب ودهشة
" هل سينضم عارف إلينا "
جلست أسماء في مكانها وهي تجيب ابنتها
" دعاه والدك لينضم إلينا"
ردت ثريا " وانا ايضا اتصلت واكدت عليه الحضور كي نستمتع كالسابق بالاخير نحن عائلة واحدة ولكن ان كان لديك مشكلة "
نظرت دفنة لفاتح الذي كان يحذر امه بعينيه قائلة بضيق " حسنا فليأتي ليس لدي مشكلة"
تحدث غافر لينهي حديثهم قائلا
" لا طاقة لدي كي انتظر أي أحد ، هيا لنبدأ طعامنا كي نصعد ونرتاح من عبء السفر بعده"
لم يكمل حديثه حتى لاحظ الجميع دخول عارف وزوجته للمنزل من جهة الحديقة بوجوه مبتسمة ، علقت الأنظار على ملابس اوزجي التي لا تكرر ما تلبسه. استغرب الجميع من دخولهم القوي وابتسامتهم فهذا يعد دخولهم الأول للقصر بعد ما حدث من خيانات وزيجات جديدة.
تحدث عارف بنبرة علاها الضحك فور الاقتراب منهم قائلا
" هل كنتم ستبدأون بدوننا "
اقترب عارف من مقعد سحبه لاوزجي ليجلسها عليه أولا مقبل رأسها وهو يحرك يديه على كتفيها بحنان.
ثم تحرك وجلس بجانبها مستمع لاعتذار أسماء منهم فهم متعبون يرغبون بانهاء وجبة العشاء والصعود لغرفتهم للراحة.
ابتسم عارف لها مجيبًا بحب صادق
" لا داعي للاعتذار اعلم أننا تأخرنا ولكن ما عساي ان افعل تدللت زوجتي علينا قليلا "
خرجت ضحكة عالية منه وهو ينظر لعيون أوزجي التي اتسعت مما سمعت قائلا بسرعة
" ما بكِ أمزح معهم ".
ثم نظر للجميع ليكمل
" انشغلت قليلاً بالعمل فكان هناك بعض التصميمات الجديدة خاصة بيونجا هانم كان علي إرسالها بشكل عاجل بناء على رجاءها منا "
تحركت ثريا على مقعدها مهتمة بحديثه فور سماعها اسم يونجا متسائلة
" وما المناسبة. هل هي تصميمات لحفل مهم ام لديها مناسبة خاصة لهذا طلبت تصميم فريد بشكل سريع "
أصاب عارف هدفه حين أثار غيرة ثريا الشديدة من امرأة تعتبر صفوة صفوة الطبقة المخملية راغبًا في تعكير صفوها وتشتيت تفكيرها كي لا تعلق بهم وقد نجح بهذا حين سايرها بحديثها دون ان يخرج أسرار عمله شارحا لها
" من الواضح انها مفاجأة كبيرة ستهز الوسط . فلقد اهتمت كثيرًا بطلبها هذه المرة "
هزت أسماء رأسها بحزن دون ان يلاحظ احد حالتها فهي تعلم حالته وتخفيه وراء نجاحه بعمله كي لا يفضح ما في قلبه الطيب.
مر طعام العشاء دون مشاكل حين قاد عارف المشهد متحدثًا مع عمه ليطمئن على وضعه الصحي ومع فاتح متسائلا عن عمله .
اهتم بإطعام زوجته واضعًا الطعام بطبقها قائلا
" طعمه لذيذ سيعجبكِ "
مكمل بعدها حديثه مرة اخرى مع الاخرين ، حتى وصل به ان يطعمها بيده عدة مرات، لم تعارضه على ما يفعله كانت تفتح فمها لتأكل من يده وهي تنظر لعينيه بخجل.
لم يخلو المجلس من نظرات فاتح المتقطعة مراقب حالتهم باستغراب ، بينما جاهدت دفنه كي تظهر تجاهلها لهم مندمجة بتناولها الطعام .
غارت ثريا من اهتمام عارف بأوزجي وإطعامه لها بيده ، بدأت حديثها بالإطراء و المديح المليء بالإعجاب والثناء على اللون الجديد لشعر زوجة ابنها .
ناظرة للجميع قائلة
" أنا لم أرى جمال هذا اللون على أحد قبلك "
ثم عادت لتنظر لدفنه ملقيه لها قبله من بعيد قائلة " جميلتي "
انتهى العشاء وقام الجميع متفرقين بقبلتهم، ذهبت أسماء لغسل يدها برفقة زوجها، بينما وقفت ثريا بجانب دفنة تاركين فاتح يجري اتصالا مهما بجانبهم .
اصطحب عارف زوجته كي يريها شجرته المفضلة بالطرف الاخر، سار بجانبها وهو يحتضنها من خصرها يحدثها بنبرته الضاحكة المرحة رغم ابتعادهم عن الأنظار.
استمتعت بحالته وسيرها بجانبه ناظرة بعينيه شارده بهما تاركه نفسها بين يديه، اندمجت مع صوته حتى أصبحت تميل عليه بسيرها دون إدراك كامل منها. مما جعلهما صورة جميلة رومانسية لزوجين سعيدين لكل من ينظر لهم من بعيد .
كان عارف بحالة مختلطة لا يُفهم بشكل واضح يمثل فقط كي ينتقم ممن خانوهم كما اتفقا ام انه يستغل تواجدهم بين الناس كي يفعل ما لا يستطيع فعله وحدهم. هل حقًا ينسى نفسه بحديثه معها والتقرب منها امام الناس وكأنها حبه الكبير فهذا ما بدى عليه من اهتمامه بها اثناء طعام العشاء والمناسبات التي سبقته حين تتعلق نظراته الحنونة المحبة بعيونها مما يجعلها تتحير هل هو صادق بنظراته ومشاعره.
انتهت الدعوة بعودة فاتح و دفنة لمنزلهم واصرار عارف على ان يكون اخر المنصرفين كي يثبت نفسه حتى اخر لحظة.
استطاع ونجح كالعادة لدرجة أثارت دهشة غافر وتعجبه من انسجامه مع زوجته الجديدة.
استلقى على فراشه وهو يتحدث لزوجته أسماء قائلا " اخر شيء كنت انتظره رؤيتي لعارف بهذا الوضع الاريحي. كيف أتى برفقتها وتحدث أمامنا باسترخاء بجانب أصوات ضحكاته التي لم تقطع طوال العشاء و كأن شيء لم يكن"
ردت أسماء براس مرفوع و وجه متكدر قائلة
" نعم رأيت واستغربت مثلك تمامًا. يعني بعد ظلمك وكلامك الجارح له بيوم انفصاله عن ابنتنا بالإضافة للتهديد والوعيد . لم أتوقع نهائيا قدومه بكل هذه الاريحية وتمنيه السلامة لك ".
غضب غافر على زوجته من جديد
" انتِ هكذا دائما تصمتين تصمتين وعندما تتحدثين تنسفين كل شيء "
ردت عليه بعيون قوية حادة قائلة
" الستُ محقه بهذا! ألم تظلمه بإجباره على سرعة الطلاق كي تتزوج دفنة من فاتح! ألم تظلمه عندما هددتهُ بفسخ الشراكة وتخليك عن دعمك حين ينكشف الماضي! ألم تظلمه كما ظلمتم أمه من قبل "
غضب غافر من حديث زوجته وصوتها الذي ارتفع حدته شيءً فشيء حتى شاركتها كل جوارحها بالدفاع عن جوتشي .
اتكأ على الوسائد الخلفية وهو يرفع من نبرة صوته رافضًا ما يسمعه
" ماذا كنتِ تريدين مني ان افعل؟ هل انتظر حتى تفعل ابنتي ما فعلته أمه ؟ انتظر هروبها والقاء نفسها بأحضان عشيقها. لا انا لم اظلمه كان عليه أن يكون رجلًا اولًا ومن ثم يأتي ليقف أمامنا ويطالب بحقه "
صمتت أسماء دون رضا أمام نبرة صوته المرتفعة خوفًا من استياء وضعه الصحي، تحركت لتصعد فراشها كي تنام بجانب زوجها على مضض بقلبها الكبير الذي احتواه بعد ان فارقته امه لا يقبل الظلم الكبير الذي سقط عليه مجددًا، حاولت تعويضه ما فقده من حنان الأمومة التي انتزعتها منه العائلة .
تبنته روحانيًا منذ ولادته لتصبح درعًا حاميًا داعمًا له في طفولته وشبابه وكأنها تكفر عن ذنوب و جرائم العائلة بحق هذا الطفل البريء.
اغمض غافر عينيه وهو يزفر باخر كلماته
" كنت اخاف ان يكون خليفة أبيه. ولكنه جعلني أتمنى أن يأخذ ولو جزء بسيط منه "
ابتسم غافر بسكون استعداده للنوم هامسًا
" ولكن اخي لا يتكرر. طراز خاص لا يمكن لأحد فعل ما كان يستطيع فعله بليلة واحدة؟"
لم يعد ساهر عن سهراته ولو لليلة واحدة فرغم كبر سنه إلا أنه لا زال يلهو في ظلال الانحطاط والضياع ، كما لا زالت طليقته تتنقل من حضن لحضن باحثه عن متعتها الوقتية عازمة في كل مرة على ان تكون الأخيرة.
كانت ثريا أقل سوءًا من بينهم فرغم حدتها ولسانها السليط إلا أنها لم تصل لما يفعلوه من فجر. وجرم . اخلاقي .
نام غافر بعد ان أشعل النيران في قلب أسماء التي تذكرت مغامرات ساهر .وظلمه .للنساء . تحركت من الغرفة بعد ان ضاق صدرها من كلامه حتى وصلت لحد الاشمئزاز رغم وجوب اعتيادها عليه بل عليهم جميعًا فهم بلا عقل ولا عدل ولا قلب.
الأهم لديهم انفسهم و اسم العائلة وما دون ذلك أغراب مهما طال الزمان تظل الزوجة غريبة ومنتقده ومخطئة وإن كانت على حق.
وقفت في الشرفة العلوية تستنشق الهواء لتستطيع التنفس بعد ان اختنقت بالذكريات. لم تستطع ان ترى الظلم وتصمت كما صمتت بالماضي و دفعت ثمن صمتها خروج ابنتها عن سيطرتها لتصبح نسخة طبق الأصل من والدها وأعمامها.
ظلت تتذكر بكاء زوجة ساهر وهي تدافع عن نفسها "انتم السبب. انتم من نصب لي هذا الفخ كي أظل صامتة. انتم من غدر بي" .
تذكرت أسماء مشهد خروجها من القصر داعية على العائلة تاركة عارف الصغير يبكي خلفها وهو لم يكمل الثانية عشر من عمره.
بكت أسماء وهي تتذكر نداء عارف وبكائه في ذلك اليوم وما تلاها من أيام بعدها.
اغمضت عينيها وهي تشهق بانفاسها المحترقة بلهيب الماضي قائلة
" ستدفعون ثمن كل دمعه منه ومن أمه غاليًا. ستدفعون ثمن ما فعلتوه بأمه وبصغيرها من بعدها . ستدفعونه جميعًا. قسمًا برب العالمين العدل الفرد الصمد الذي لا يقبل الظلم ستدفعون ثمنه غاليًا "
تحركت لتجلس على أقرب مقعد بعد أن عجزت قدمها على حملها . متذكره دخولها المستشفى خلف امرأة محملة على السرير الطبي يحاول المسعفون الإسراع كي ينقذوها .
تذكرت صراخ أناس وسقوط آخرين أرضا أثر خبر وفاة المرأة متأثره بظلمها …
ظلت أسماء تبكي وهي متأكدة من قصاص الله وإعادته الحقوق لأصحابها ، كانت متخوفة على ابنتها التي أصبحت ثمنًا لفاتورة لا ذنب لها فيها.
يا ترى ما السر الكبير الذي تحمله أسماء بقلبها ..
انتظرونا يوم الجمعة الساعة العاشرة مساءً مع فصل جديد وأحداث جديدة متصاعدة.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد من رواية حياتي يوم الجمعة الساعة العاشرة مساءً ، لا تنسى قراءة الروايات والقصص المنشورة في المدونة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصري لمدونتنا .