recent
جديدنا

احكي يا شهرزاد الفصل السادس عشر

 احكي يا شهرزاد

بقلم أمل محمد الكاشف




نحمد الله إنه لم يحدث ما قالته وبكت به أمها فلقد نجاها الله شهرزاد بعد وقت ليس بقصير بفضل الدعاء ، تم وضعها بغرفة العناية المركزة تحت رعاية خاصة بأول ساعات  ومنع عائلتها من رؤيتها فلا زالت فتحة البطن الخارجية لم تغلق بشكل كامل لخروج الاسترة منها كي تنزح الدم الذي لا زال ينضح تخوفا من تكتله على الجرح الداخلي . 


توالت الزيارات من جهة عائلة أمال وبغدادي بالمشفى للاطمئنان والمباركة على نجاح العملية داعين الله أن يكمل شفاءها على خير .


كما أتى أمين والد شريف للمشفى متمنيا كمال الشفاء للمريضة وبصدفة مرتبة كان والد سيف هو أيضا هناك ، لم يلبثوا دقائق معدودة رحلوا بعدها كبقية من أتى لاحترام قواعد المشفى و المرضى.


و بعد مرور اكثر من أربعة وعشرون ساعة تم السماح لوالديها واختها فقط للدخول ورؤيتها عن قرب للاطمئنان عليها. 


لم يكن الأمر سهلا كما توقعوا فكان أسبوعا مليئا بالآلام والإجهاد والترقب لتعود شهرزاد بعده لمنزلها مع تحذير كبير من الطبيب المختص بتوخي الحذر والترقب كما أوصاهم على أهمية تتبع النسب والقيام بتحليل دوري كل يومين وإرساله له عبر الاميل للاطمئنان عليها حتى يراها بنفسه بعد خمسة عشر يوما .


توقع شريف انه سيساعدها بدراستها ويتحجج بها لتتوالى زيارته ولكنه حدث عكس هذا عندما أعتذر له بغدادي أكثر من مرة فحالتها حقا غير مستقرة ولا جهد لديها للدراسة .


مرت الأيام بصعوبتها وجرحها الذي لم يرد أن يجف ويلتئم بسهولة بعد أن التهب أكثر من مرة و تم إعادة قطبة مرتين .


أتى موعد الامتحانات بأقرب مما كانت تتوقعه حاولت أن تعوض ما فاتها داعية أن تكون الامتحانات أكثر رحمة من مرضها ، انشغل اصدقاءها بدراستهم واختباراتهم كما حاول هو الاقتراب وعرض مساعدته لها من جديد و لكن هذه المرة هي من رفضت متحججة انه ما عليها سوى الحفظ فقط ، كان كل اختبار بمثابة صدمة كبيرة لها الجميع يخرج فرحا ضاحكا إلا هي تنظر للأسئلة وهي حزينة فهناك نقص بأول سؤال ولم تعطي السؤال الرابع حقه أما الخامس فكانت قد أتمته .


خفف والدها عنها حزنها و وعدها أن يقيم لها مشروعها وحلمها بفتح دار نشر كبيرة تضم كبار المبدعين والأدباء فلا تقتصر الأحلام على الجامعة فقط .


 أضافت أمها أنها فخورة بها وبأي تقديرات ستحوز عليها بكل الظروف التي مرت بها، أما توته فكانت تهون على اختها تارة و تهتم بزوجها تارة أخرى فمرض والد مدحت وعدم استطاعته اخذ إجازة جديدة ليبقى بجانبه جعل منه شخص حزين وصامت .


و باخر امتحان لها كانت الصدمة القاضية لأستاذها حين أراد أن يجرب حظه من جديد دون أي اعتبارات لتهربها وابتعادها عنه بل ولعدم ردها على مكالماته الهاتفية، اوقفها قبل ذهابها:

 " آنسة  شهرزاد هل يمكننا التحدث قليلا". 


نظرت حولها قائلة:

" طبعا تفضل اسمعك كيف أستطيع مساعدة حضرتك  ، كما تعلم اننا مدينون لك بشكل كبير ". 


رد بسرعة :

" استغفر الله و هل هذا شيء يتحدث به ، بدون ان أطيل عليكِ أنتِ تعلمين جيدا ما اريد قوله وخاصة بعد تحسن صحتك وانتهاء الامتحانات".

 

نظر شريف حوله ليكمل: 

" من الممكن أن تكون الجامعة مكان غير لائق لفتح الحديث عن ارتباطنا و لكني لم أجد فرصة أخرى لأحدثك به". 


وبحزن و حكمة كبيرة ردت عليه:

 " نعم حضرتك محق لم نتلقى فرصة أفضل من هذا المكان و لكني أجبت على هذا من قبل ، ولا زالت إجابتي كما هي أنا لا أرى علاقتنا خارج الأستاذ و تلميذته أو آخوين من عائلة واحدة  ، اعلم ما قدمته من مساعدة و مساندة كنت بأشد الحاجة إليها  ، لا اريد ان أجرحك لأنك ذو قيمة عالية لدي و لدى عائلتي أتمنى حقا أن تجد فتاة جيدة تصلح وتستحق العيش بجانب أخي، وكما قال لك ابي سابقا أنت أصبحت فردًا من عائلتنا ونتشرف بك وبمساعدتك بكل وقت".


 تحركت شهرزاد أمام صمته مكملة: 

" أأمل ألا أكون قد احزنتك،  كما يحق لك أن نطلب منك السماح على اجهادك معنا". 


ظلت تنظر له منتظرة جوابا على كل ما قالته لتسمع صوته المنخفض الذي خرج منه بصعوبة : " استغفر الله ، تحت أمرك بأي وقت". 


شكرته لتتركه بعدها كي تخرج من الجامعة مودعة اعتابها وحلمها بالتدريس بها .


حزنت أمال وتوته على أستاذ شريف محاولين إقناع شهرزاد بإعادة التفكير بأمره وكالعادة ردت عليهم: 

" أنا لم أراه سوى أخ وأستاذ لا أتقبله كزوج ورفيق ، هذه الأمور لا يمكننا ان نجامل بها سيحزن قليلا ويعود لحياته أفضل من ضرر متوقع بالمستقبل" .



حدثتها توته 

" عن أي ضرر تتحدثين  لم تنقص التجربة منكِ شيء".


ردت أمها قائلة: 

 " نعم يا ابنتي برضاي عليكِ لا تكسري بخاطره و الله وكأنكِ كسرتي بخاطري أنا ، كم أحببته وتمنيته لكِ هل هذا شاب يرفض، اتقي الله يا بنتي. ارسل الله لكِ نعمة لم يرسلها لغيرك شاب به كل المميزات وأنتِ ماذا فعلتي لا يخرج منك سوى أخوات وأستاذ لتلميذته". 


تحركت شهرزاد و هي ترد عليهم :

 " هذا ما شعرت به هل الزواج بالإكراه".


سألتها أختها:  " إلى أين".


 اجابتها وهي تكمل سيرها:  

" سأنام لأعوض سنوات سهري ودراستي دون فائدة ". 


 حزنت الأم على ابنتها، وفور ان أغلقت على نفسها غرفتها بدأت بالبكاء على وضع دراستها وألم جرحها الذي ما زال يراودها ، صعدت على فراشها رافعة الغطاء ليكسوها وهي تتذكر ما قالته زيزي الحلو عنها قائلة لنفسها :

" إن سمعتم ما سمعت أنا ستفعلون مثلي المرأة لم تعجب بي و بوضعي ، لا أريده ، وكأنه اخر عريس مناسب سيأتيني ،  وإن كان كذلك وإن كان آخر رجل على الكرة الأرضية لا يمكن ان ارتبط بشخص أمه تنظر لي ولأهلي هذه النظرة، من كانت هي  لتتكبر علينا استغفر الله، فليذهب ويرضيها بمن ستختارها له ويتركوني بخيبتي وذهاب أحلامي "

 

كانت تحدث نفسها وكأنها تتعارك من شدة ضيقها وبكائها على سوء أدائها بالامتحانات.

 

ساءت حالة والد مدحت أكثر وأكثر وبعد محاولات متتالية رضي عنه مديره أخيرًا وأعطاه إجازة قصيرة غير مدفوعة الأجر بل وتخصم من راتبه وافق سريعا واتصل بزوجته كي تجهز حقائبهم: 

" ليس لدينا وقت سأحجز ونخرج فور وصولي".


 تساءلت توته قائلة:

" هل نترك الأولاد عند أمي  أقول هذا لقصر مدة بقائنا والمسافة الطويلة أشفق عليهما من الطريق وأيضا الوضع هناك غير مستقر ".

 

رد عليها مدحت قائلا:

" لا من قال إن المدة قصيرة انتم ستبقون هناك وأنا من سيعود للعمل وحدي لمدة أسبوع ليقترب موعد إجازة عيد العمال مع إجازة نهاية الأسبوع سأستغلها وأعود إليكم".


و بقلق ردت:  " هل سأبقى هناك وحدي ".

 

لتأتيه إجابته بغضب كبير:

"  ان اردتي ان تأتي فلتأتي وإن لم تريدي فلتبقي ولا تتحججي بالأولاد ". 


أغلق هاتفه ليزداد ضيق صدرها فإن كان الأمر بيدها ما ذهبت للصعيد قط .


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


سمعت شهرزاد حوار أمها وأختها على الهاتف لتتحدث لأبيها قائلة: 

 " لقد دللتموها زيادة عن المفترض حتى أصبحت تشكو كل خطوة بحياتها وكأن أحدًا اعطاها وعدا بعيش الحياة الوردية ومع أول وأقل صدمة تركت وركضت لتشتكي ، ألم ترى حال من حولنا فلتحمد الله على تفاهتها وتذهب مع زوجها بدون ان تألم رأسنا". 


أغلقت الأم الهاتف و هي ترد:

" سمعت أختك ما تحدثتي به وحزنت منكِ".

 

ردت شهرزاد بغضب:

" فلتحزن. هو كذلك دائما كلمة الحق تحزن، عليها أن تعيش الواقع الرجل والده يموت وهي تقاضه في ترك الأولاد وتركها هناك أم لا، هذا بدل من ان تقف بجانبه وتشعره بحزنها على حزنه وتكون أول من يريد أن يأخذ الأولاد ليراهم جدهم فما يدرينا لعلها المرة الأخيرة".


رد بغدادي على ابنته :

" معاذ الله يا بنتي  سيتعافى ان شاء الله".

 

ردت شهرزاد على أبيها بقوة: 

" لا أنا أقول شيء يا أبي حتى أنت عندما ذهبت لزيارته قلت لنا الظاهر أنها الواقعة الأخيرة ".

 

_  " اصمتي يا شهرزاد سامحك الله لماذا ذكرتيني بحالته ،  حتى فهمية كانت حزينة ومكسورة على مرضه فمهما كان صعب وشديد إلا أنه سندها وعزوتها". 


تحدث بغدادي:

" الإنسان منا ضعيف ، الرجل سقط لتسقط معه عافيته وتتكالب عليه الامراض".

 


ردت شهرزاد على ابيها: 

 " ليس سقوطه كأي سقوط  يا أبي يقولون لكم تكور على الدرج الكبير ومع الأخذ بالاعتبار عمره الكبير فما يحدث معه كان متوقعا، توقف القلب ونقص الاكسجين من المخ كما تأثر العمود الفقري و الحوض".


 صرخت بها أمها:

 " اصمتي يكفي بهذا القدر جسدي كله اهتز ارحمينا".

 

أجابت شهرزاد أمها قائلة: 

" أعتذر ولكن كان علي أن أذكرك كم هو الوضع سيء كي لا يحنو قلبك على مدللتك وتشددي عليها أن تذهب وتقف بجانب زوجها وعائلته وتبقى هناك عون ورحمة لأمه بحالتها المحزنة". 


و بتفكير عميق رد بغدادي:

  " هل يتوجب علي الذهاب معهم ، أقول لأذهب لأطمئن وأكون بجانب مدحت الرجل لم يقصر معنا أبدا وان حدث شيء نكون قد أدينا واجبنا دون تقصير فزيارة واحدة لا تكفي". 


وافقته أمال الرأي :

" نعم اذهب أنت معه وأنا سأذهب بالمرة المقبلة حين يأتي مدحت ويعود لهم من جديد".


اتصل بغدادي بمدحت كي يبلغه قراره بالذهاب معه لبلده استغرب صوته الذي أتاه بصعوبة دون أن يفسره، عاد ليكرر كلامه ليرد عليه زوج ابنته بصوته الباكي: 

 " رحل ابي، ذهب لمن سيرحمه من ألمه، رحل الغالي".

 

_" لا إله إلا الله وحد الله يا ابني  ما باقي إلا وجه الكريم ،  كما قلت رحمه الله من عذاب ألمه ، أين أنت مدحت ، بني أين أنت ". 


أخذت توته الهاتف من زوجها لترد على أبيها وهي تبكي: " نحن بالمنزل ". 


رد بغدادي قائلا:

" أنا قادم إليكم جهزي حقائبكم وانتظروني أنا وأمك سنأتي معكم لأداء واجب العزاء". 


علا البكاء والرثاء ليخيم اللون الأسود والحزن على العائلة بأول ثلاث أيام العزاء ، جلس البدري مع ابن عمه ليشدد من أزره ويقويه ويحثه على البقاء في الصعيد فيكفيه غربة إلى هذا الحد.


استغرب مدحت مما قاله ابن عمه :

  " ماذا تقول كيف سأترك عملي وأتي لهنا، رأيت كم صعب علي اخذ إجازة لرؤية أبي". 


رد البدري بقوة حكيمة:  

"  عن أي عمل تتحدث  أصبحت وريث ابيك والمسؤول عن ناهدة وميادة وامك لمن ستتركهم بعد ذهابك ، جميعنا يعلم ان  المرحوم كان يحجب ماله عنك كي ترفع رأسك وتبني نفسك بنفسك ولكن من بعد الآن أصبحت أنت المسؤول عن هذا أمامي وأمام اخوتك وامك  كيف ستتركهم وتعود لأجل وظيفتك التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، أنا لم أقصد شيئا أعلم إنك كافي أهلك وأولادك ولكن ما أصبح بأمانتك أكبر وأكبر، حتى أقول لك لتأتي وتحمل الدفة معي فلقد ثقل العبئ يا اخي و لم استطع ملاحقة أخواتي واولاد عمومتنا الجميع ينهش بي وكأني سعيد بوضعي اقسم أنني احلم بترك كل شيء والتنازل عنه لك لارتاح وأعيش حياتي كما يعيش من بسني ". 


رد مدحت قائلا:

" لديك حق تركنا الحمل عليك وحدك ، نصيبك ان تصبح كبير العائلة ويسقط العبئ عليك من بعد عمي عرابي رحمة الله عليه".

 


ابتسم البدري بحزن تحدث به:

 " هل تتذكر كيف غضب وثار ابوك وعمك حين صدموا بوصية أبي عرابي رحمة الله عليه وكتابة أملاك العائلة باسمي عوضا عن ابيك ". 


رد مدحت عليه:

" أهذا يوم ينسى!، دعونا يومها ان لا يسيل الدم وتتشتت العائلة . أصارحك بشيء حتى أنا غضبت يومها ليس لأن مالنا واراضينا اصبحت ملكك. لا بل لتصغير ابي وسط البلد و وضعك والي على اعمامك ، ولكني بعد ان جلست وحدي علمت حكمة عمي عرابي بهذا فإن كان وضع المال بيد أبي لكان أغلق الصنابير عن البلدة كلها وليست العائلة فقط وان كان بيد عمي جمال لكان ذهب المال خلف قراراته الغاضبة المتسرعة".


تنهد البدري بضيق :

 " و أنا من شرب وأكل الحمى وحدي ، ولكن من بعد الآن أنت شريكي بهذا ستأتي للاستقرار هنا، اردت العيش مع والدتك كان بها ان لم ترد فلنبني لك منزلا  يليق بك وليكن بجوار منزل والدك كي لا تبتعد عنهم". 


رد عليه مدحت  بحزن:

 " و الله ليس لدي اعتراض سئمت من قوانين العمل والالتزام بها وازدحام القاهرة، و لكن هي لن ترضى بهذا لا تحب البلد ولا الابتعاد عن أهلها لا أعرف إن كانت ستوافقني بهذا أم لا " .


  رد البدري بضيق وقوة:

  " هل ستترك زوجتك تتحكم بمصيرك ، هل ستترك امك ومالك وحياة مريحة أفضل مما أنت بها لأجل رأي زوجتك ، والله هذا لا يرضي الله تترك امك هنا دون وصي لأجل حجج غير مقنعة، أقول لك ابني لك منزل كبير يليق بك وحياة جديدة تتنعم بها بمالك وأنت تقول رأي زوجتي وهل يعلو صوتها على صوت العقل". 


رد مدحت قائلا:

" هذا أمر لا يمكن البت به دون الرجوع لها فهي بالأخير من ستعيش هنا وأيضا نحن لم نتفق على الانتقال للعيش ببلدنا منذ البداية ".

 

وبضيق اكبر رد البدري: 

" كما تريد افعل ما تراه مناسبا".

 

وقف مدحت قائلا:

" علي ان اذهب سيعودون أهل فاطمة اليوم للقاهرة وعلي ايصالهم لمحطة القطار".

 

سأله ابن عمه قائلا:

 " و هل ستعود زوجتك معهم".

 

نظر مدحت له بضيق مكملا سيره بعده قائلا:

" لا دخل لك، ان كنت تنتظر الجواب كان عليك ان تكون منصفا بسؤالك ".

 

_" وماذا قلنا نحن ، سألت لأنك بكل مرة تخبرني كم هي مولعة ببلدنا".

 

اجابه مدحت بنبرة محذرة: 

 " بدري لا طاقة لي بك الآن".

 


رفع بدري يده: 

 " صمت لن أتحدث اذهب وأرسل للحج المحترم السلام ".

 

رد مجيبًا:

" الله يسلمك من كل شر".

 

وقف البدري وهو يتحرك خلف مدحت قائلا:

" اسمع ما سأقوله انتظر لنحضر لهم ما يليق بهم  الناس أتوا من بعيد و وقفوا بجانبنا بصراحة هنيئا لك بهم رجل محترم صاحب أصول بحق".

 


اومأ مدحت رأسه :

" سلمت يا اخي أمي جهزت لهم واجبهم لا تقلق".

 

………


انتظر مدحت عودة أهل توته للقاهرة واستقرار الوضع ليتحدث في الموضوع مع زوجته قائلا بعين العقل والحكمة ما بقلبه، أخبرها أنه يفكر بالأمر لعدة أيام و وجد أنه الأنسب لهم. 


رفضت توته بشدة ليتحدث من جديد شارحًا لها وضع امه و أراضي ابيه التي عليه أن يهتم بها ، حتى انه اخبرها بأمر المنزل الجديد ومدارس الأولاد الخاصة والبحث عن من يساعدها بتنظيف المنزل ، وعلى عكس المنتظر زاد رفضها لكل عروضه وما حاول اغراءها به، ليخبرها أنه لا يستطيع ترك أمه وأخواته بعد عدة أيام من وفاة أبيه حفاظًا على وظيفته.


فكيف سيسافر دون أن يطمئن على سير العمل بالمزرعة؟  من سيقف فوق رأس العاملين؟ كيف سيترك أمه حزينة وحدها خلفه دون الاعتناء بها وأخذ رضاها بأضعف أيامها؟.



اتفقت معه على البقاء لفترة دون استقرار فهي أهون عليها أن تعيش بحياة بسيطة بالقاهرة عن أن تعيش بالصعيد متنعمة بكل ما وعدها به.



أغلق مدحت حديثه معها طالبًا منها ان تعيد التفكير بالأمر فهو ليس بعجلة من أمره  .


و بعد مرور ثلاث شهور كانت شهرزاد على موعد مع قدر جديد حين ظهرت نتيجة الامتحانات وتفاجأت بحصولها على تقديرات عالية عكس ما كانت تنتظر تأملت كثيرا بحلمها من جديد ، ليأتيها أكثر ما أقسم فؤادها حين تبين أن الفرق بينها وبين حلمها  خمسة عشر درجة باعدت عنها وعن حلمها حين حصلت أسماء محمود على المركز الأول على جميع الأقسام.

….


تحدث معها أستاذ نديم بباحة الجامعة:  

 " مبارك لكِ يا ابنتي ، كنت متخوفا على نتيجتك خاصة بعد حالتك التي كنت تخرجين بها من الامتحانات ، ولكنك ادهشتيني من جديد بالنسبة لي أنتِ من حصل على المركز الأول فبعد كل ما مررتِ به تحصلين على هذا التقدير حقا إنكِ معجزة".

 

ردت على استاذها بحزن:

" أعتذر لم أحقق وعدي لك ولأبي". 


رد نديم قائلا:

" لا بل حققتي أكبر منه فما فعلتيه حقا معجزة وسأسعى جاهدا بكل الطرق لتأتي وتأخذي مكانك وما تستحقيه بجواري". 


و بنفس حزنها ردت :

 " لا اريد ان اخذ حق احد ان اجتهدت ونجحت وتفوقت فهي الأحق بهذا مني". 


رد استاذها: 

" لا تقاس بهذه الطريقة يا ابنتي تأملي خير و ستجدينه بإذن الله ".


ودعت استاذها وهي تنظر نحو من اقترب كثيرا بسيره اتجاهها، وقفت صامتة بمكانها منتظرة قربه لتبدأ حديثها والتظاهر بعدم تأثرها بالنتيجة.


تفاجأت بفتحه هاتفه ليجيب على المتصل: 

" ها انا قادم لن اتأخر ، هل تريدين أن احضر لكِ شيء خاص اثناء قدومي"


ضحك وأكمل: 

" ان اردتي سأشتري الورد والشيكولاتة واحضر القهوة بنفسي أيضا".


خفق قلبها وهي تستدير لتنظر نحوه بعد أن عبرها دون سلام أو اهتمام ، بدأت سيرها البطيء خلفه وهو يتحدث بمرح و ضحك حتى صعد سيارته، انهى مكالمته بسعادة بدأ قيادته بعدها دون الاهتمام بمن رأها تنظر له من على بعد.


ابتلعت ريقها وحسنت حجابها وهي تأخذ نفس عميق زفرته بقوة حزنها: 

 " ما بكِ هل تألمت روحك لهذا، من الطبيعي انه سيرتبط ويبني حياة جديدة  له ، وأنتِ أيضا سترتبطين و تكوني حياة جديدة نعم سيكون لي حياة جديدة أنا من سيجدها، لم تقتصر الحياة على التدريس بالجامعة ". 


مسحت دموعها وهي تسير بضعف مناقض لصوتها القوي: 

 " نعم سأرسم لي حلم جديد بعيد عن الجميع حلم لأجلي أنا  وليس لأجل أستاذي والتفوق على أصحابي ".

 

مسحت دموعها من جديد وهي تحاول أن تهون على نفسها و ترضيها بما قسمه الله لها حتى قالت لنفسها: 

" ماذا لو حققت حلمي وفزت بالمركز الأول وأنا مريضة أودع عالمي بكل لحظة، هل كنت سأفرح بهذا النجاح ، وهبني الله النجاح والشفاء وهذا يكفيني الحمدلله". 


جلست على مقعد جانبي تمسح دموعها التي رفضت التوقف رغم كل ما حدثتها به لترفع عيونها الحمراء الحزينة ناظرة للسماء:

 " ربي ارضني بقضائك، أنا راضية والله أنا راضية ولكن قلبي ليس بملكي، هو ملك لك فيا الله أدخل به الرضا هون علي ما غص به داخلي". 


وضعت يدها على صدرها محاولة إزالة ضيقها وهي تحدث ربها بعيونها الغارقة بالدموع الثابتة:

  " هونها عليّ يارب، ارضني بقضائك يارب، عوضني بكرمك يارب، الحمدلله، الحمدلله، الحمدلله، اللهم لك الحمد والشكر على كل أقدارك ". 


………..


و وسط المعازف والغناء بسعادة بالغة غمرت جموع العائلة صفق الجميع فور رؤيتهم للعروسة التي طلت بفستانها القرمزي ، نظرت  زيزي الحلو لابنها الذي كان يصفق بحرارة ناظرا للعروس بسعادة وفرحة كبيرة .


لا زال يصفق بفرح و ذهن شارد سابح بجمالها وهي تنزل من السيارة على أنغام أسطورة شهرزاد، كم كانت جميلة وهو تخيلها بالفستان النيلي المتطاير والتاج الكريستال اللامع، ابتسم وجهه أكثر متذكرًا  نظراتها له بهذا اليوم،  اقتربت أمه منه كي تحثه على إيقاف التصفيق فأصبح الوحيد الذي يصفق بحرارة وسط الجموع.


 انتبه شريف لنفسه بل انتبهت أمه لشروده  الذي أحزنها، تحدث والد سيف: 

 " والله أن ابن عمتك فرح أكتر منا كلنا". 


حاول شريف أن يفسر شروده واستمرار علو صفقات كفيه حتى بعد انتهاء الجميع قائلا:

  " نعم وأخيرًا سنتخلص منه ". 


ضحك سيف: 

" وكأنه يحملني فوق رأسه". 


فُتحت عبر المكبرات الصوتية اغنية يا دبلة الخطوبة ليميل سيف على عروسته: 

"  ياااه ، لم أتوقع أني سأستمع لشادية بخطوبتي".

 

ضحكت خطيبته لتميل عليه قائلة:

 " أنت لم ترى شيء حتى الآن، عبدالحليم آت بالطريق". 


ضحك سيف واجابها بصوت مسموع:

" اكتمل الآن". 


كانت الأجواء جميلة ومرحة  خاصة ان العروسين كانا على مستوى عالي من الفكاهة والنضج ، استأذن الضيوف للانصراف تحرك سيف قائلا لعروسته: 

" هل تأمريني بشيء تأخر الوقت ". 


 ردت عليه بضحكه هادئة:

"خير يا سندريلا لم تدق الساعة حتى الآن". 


ضحك سيف ضحكة خرجت من قلبه بقوة: 

" من المؤكد أنكِ تقصدين  يا أميري واختلطت التعابير عليكي". 


ردت لتجيبه بثقة:

" لا لم تختلط الأمور بل في مكانها تماما  فالأمراء لا يهربون بهذا الوقت المبكر ويتركون اميرتهم خلفهم، فهل بقيت تحت رحمة خبراء التجميل لأجل هذه الساعة فقط". 


مال عليها ليكمل حديثهم الغير مسموع للجميع: 

" كان يوم ممتع شكرا لكِ ، انصحك أن ترضي بهذا القدر ونكمل بيوم لاحق وأيضا هل نسيتي موعدنا الصباحي أعتقد أنني سأصلي الفجر بسيارتي". 


ردت ريم بسعادة قائلة:

" سندريلا وقلبها مرهف أيضا!".

 

ضحك سيف من جديد قائلا: 

" لا ستضيعين سمعتي من اول ساعة وأيضا لو سمعت أم سيف مناداتك على ابنها بسندريلا ستندمين و تقولين ياليتني نعته بأميري".

 

ردت عليه بنفس نبرة سعادتهم:

 " بهدوء أصعد الدرج خطوة خطوة وكأنني ارتبطت بعنترة بن شداد".

 


وقف الجميع يراقب انسجام وضحك العروسين وهم يهمسون بأذني بعضهم ، ليقول شريف:

 " طار عقل ابن خالي من اول يوم أين ذهب ذلك البطل القوي الواقعي الحكيم ".

 


ردت ام سيف بسعادة كبيرة: 

" العاقبة لطيران عقلك أنت أيضا كي تصبح الفرحة فرحتين". 


رد شريف على زوجة خاله بسرعة: 

" أنا لا أفكر بالارتباط الآن، وبصراحة بعد أن رأيت سيف بهذا الوضع تراجعت وخفت على نفسي ".

 

تحدثت زيزي لابنها:

" لا تخف من المقدر والمكتوب  ستسقط ويطير عقلك بالأصل أنا لن ارتاح حتى أجعل عقلك يطير من السعادة".


عادو ينظروا نحو العروسين الذي علا صوت ضحكهم  حين سيف يهمس لعروسته :

" أشعر كأنني أُمثل في فيلم ابيض واسود ، حتى إن دخل علينا رشدي اباظة وحسن حسني لن اتفاجأ ".


 ردت خطيبته بخجل:

" ابقى قليلا لا زال الوقت باكرا". 


_" ما هذه النظرات؟، لا لم نتفق على هذا، انتظري ام تم تبديل الطلب عند الاستلام". 


خجلت أكثر لتخفض نظرها  ليسرع باستكمال حديثه: 

 " والله كدت أشك ان الطلبية تغيرت وتم تسليمي شخص آخر ، أين ذهبت القوة وليس لدي روح للمماطلة  والحب والرومانسية  ".


غمز لها :

 " أم أنكِ سقطتي دون أن يسمي عليكِ أحد". 


ردت لتجيبه:

 " هيا اذهب تأخرت على موعد أحلامك حتى أصبحت تحلم وأنت مستيقظ ، انتظر تذكرت انا لم انهي بنود العرض الأخير من الملف  تسلى عليهم قبل نومك او بأحلامك لا امانع". 


اومأ برأسه بضحك:

  " اهاااا، من البداية حجج الآن فهمت الغرض من وراء شكواكِ، جلست ساعات تحت يد خبراء التجميل وبالأصل لم تخرجي من غرفتك طول اليوم ". 


ردت باستغراب:

 " اوووه من أين لك هذا، هل وشت أمي علي ". 


اجابها ضاحكا:  

 " قلب عنترة يرى ويسمع عبلته من على بعد مئات الأميال".


ناداه والده  كي يودعه قبل ذهابه، تحرك سيف مقتربا من عائلته بوجهه المبتسم: 

 " لا زال الوقت باكرا". 


غمز شريف له: 

" لنتركك على راحتك. تستمتع بعروستك دون عوازل". 


رد سيف بوجهه الضاحك: 

" هل غرت مني ، اذهب إذا وأفعل مثلي". 


_ " لا والله لم اغار بل خاف قلبي فهذا ما حدث لك وأنت الحكيم الرزين الرشيد". 


هز سيف رأسه متوعدا: 

" هل تتمسخر علي تمام ، انتظر سيأتي يومك لنرى ماذا ستفعل. أقسم أنك ستفضح عالم الرجال وليس العائلة فقط ". 


رد شريف بفرحته

" اتركنا مني واذهب لعروستك لا تتركها وحدها".

 

ألتفت والد سيف لابنه متسائلا: 

" هل ستأتي معنا كما أخبرتني".

 


نظر سيف خلفه نحو عروسته التي كانت مندمجة بالاحاديث والضحك مع أقاربها ثم عاد لينظر لأبيه:

"  لا اذهبوا انتم بسلام وانا سآتي خلفكم لن أتأخر".

  

و بخفية ابتسم شريف هامسًا :

" لن أتأخر ست، سبع، ثمن ساعات فقط وسأعود بعدهم سريعا ". 


ضحك الجميع مودعين العريس والعروسة داعين لهم أن ينالوا قسطا وفيرا من السعادة و المودة و الرحمة .


لم ينم شريف بهذه الليلة ظل يتقلب على فراشه بوجهه المبتسم وعينه التي لا ترى غيرها بأحلامه وأذنه التي لا تستمع إلا لصوتها: 

" بلغني أيها الملك السعيد ذو العقل الحكيم والرأي الرشيد أن مولاتي الاميرة لم تستطع الخلود بنومها حتى تأتي لتنام بجوارها".


تحدث شهريار متسائلًا :

" هل تريد شهرزاد من أميرها أن يترك أعماله ويأتي لينام بجوارها مستمتعا بأساطيرها".

 

_" نعم يا مولاي تريد وتحلم وتتمنى أن يمن مولاها عليها  ويمنحها شرف مآنسته طوال الليل ". 


اقترب منها بصوته الذي اقترب أن يختفي من سعادته: 

" مآنسته ؟، هل اعتبر هذا وعد منكِ أم أنكِ ستتركيني بمنتصف الليل متحججة بتعبك وفقدانك لشغفك".


 ردت شهرزاد بحزن:

" ماذا أفعل؟، أنا لم أشعر بك سوى أخ وأستاذ لتلميذته  ، اشكرك على كل شيء ، انتهى كل شيء ، نحن فقط أخ واخته ، لا أريدك أن تحزن مني، سامحني بحقك، اعتذر منك ".

 

تداخل صوتها مع صوت أبيها الذي علا :

" أنت ابني ومن الآن و صاعدا أصبحت فرد من العائلة لهذا لا يمكن للأخ أن يتزوج اخته".

 

عاد صوت شهرزاد ليعلو على صوت والدها: 

"  أنا لا أفكر بالارتباط الآن سأهتم بحلمي ودراستي ".

 

 فتح عينيه وهو يتحرك على فراشه ليجلس محاولا زفر أنفاسه التي ضاق بها صدره .


استيقظ من حلمه الذي بدء بابتسامة وانهاه بإيقاظه على الواقع المرير فلم يعد هناك لا أساطير ولا أحلام ولا حكايات تحكى له لأنها وببساطة ظلت بالماضي القريب .


لا يختلف الأمر كثيرا لديها فهي أيضا حزينة قاطعها نومها من كثرة شرودها  وفضولها حول عروسته هل هي جميلة ، طويلة  أم قصيرة ، هل  شابهت عارضات الأزياء بعودها الممشوق وضحكتها الساحرة أم ان نبرة صوتها الرقيقة هي من لفتت عيناه لها، تحركت لتخرج من غرفتها لتتأكد من تأخر الوقت و نوم الجميع وسط سكون الليل المظلم ، توجهت للمطبخ و هي تدندن : 

" كان بينا وعد، كان بينا عهد تبقى يا طير جانبي ، كان بينا عمر عشناه على أنغام أحلامنا بكان يا مكان بين النجوم فوق السحاب  كان للسلام لقاء وآمال تنبض بقلوبنا ما سميناه حياة ، طرق القلب طبوله ،  أسر العقل بحروفه ، صاحت الروح بعشقها،  كان بينا وعد وعهد كبير".


 ووسط  أنغامها و انسجامها بشرودها طافت ونضحت رغوة القهوة بما حوت لتنسكب على الموقد ، اسرعت مغلقة الموقد بحزن خيم على وجهها عزفت بعده عن شربها عائدة لصومعتها مغلقة على نفسها جالسة على مقعد مكتبها ناظرة للساعة عدة دقائق يغمرها الصمت والشرود ، ثم مدت يدها جانبا لتفتح احدى أدراج مكتبها مخرجة منه  قالب شيكولاته توبليرون الهرمي مغلفا بورق الكرتون الأصفر نظرت له هو أيضا بلا شهية او اهتمام .


تركته اعلى المكتب وتحركت لتنام على فراشها رافعة الغطاء الخفيف سمكا عليها مغمضة عيونها بحزن متذكرة يوم النتيجة و وقوفها بالجامعة أمام لوحة الدرجات.

 كادت أن تدمع عينها وهي تتذكر أول يوم لها داخل الجامعة كيف ركضت وفرحت وتأملت واهتمت بل كيف وكم جاهدت واجتهدت لتحقيق الامتيازات والفوز  بالمركز الأول لثلاث سنوات على التوالي ،  تقلبت بنومها ويدها تمسح أولى دمعاتها الحارقة وهي تتذكر مرضها وسقوطها المتكرر وحالتها التي كانت شبه منعدمة بهذه الأيام ، جاء لمسامعها حديث الطبيب وهو يحثها على الحمد ويهنيها على ما لم يُنعم بهِ غيرها من الصحة، تحرك قلبها مهمهما دون صوت: 

" الحمدلله ، الحمد والشكر لله ، يارب اشفي كل مريض، يارب ابعد عني وعن أهلي وأحبائي شر الامراض، يارب اشفي كل مريض يتألم ".

 


نامت وهي تناجي ربها بوقت دوى صوت مؤذن الجوامع بفجر يوم جديد: 

 " الله اكبر ، الله اكبر " 

" الله اكبر ، الله اكبر " 


مضت ساعات الصباح الأولى وهم نائمون كل منهم بعالمه وغرفته، لم يرد احد من عائلتها وعائلته ازعاجهما  وايقاظهما متأملين في النوم أن يخرجهما من حالتهما التي أصبحوا عليها .


وصلت توته و زوجها لمنزل أبيها بوجه فرح ويد تحمل الفلافل والخبز الساخن والمخبوزات المقرمشة المزخرفة بالكمون والزعتر وحبة البركة.


فرحت آمال بقدوم ابنتها بهذا الوجه الجميل، استيقظت شهرزاد على صوت باهي وهادي وهم يتقاسمون قالب الشيكولاتة بجانبها ، تحركت وجلست على فراشها مستندة بظهرها على رأسه الاسفنجي تفرك عينيها محاولة الايفاق والتركيز بما يحدث حولها، جاءت اختها على صوت أولادها قائلة:

 " ماذا تفعلون؟، أروني ما بيدكم".


  أخذت من يدهم قالب الشوكولاتة مكملة:

 "هل استأذنتم قبل أخذها والمشاجرة عليها".

 


ردت شهرزاد وهي تنزل اقدامها اسفل فراشها: 

" اتركيهم براحتهم منذ متى وهم يستأذنون ، اقسميها بينهم عافية لهم".

 


استغربت توته من حالة اختها وملابسها التي شابهت اسفلها اعلاها فليس من عادتها  تنسيق وارتداء البيجامة كاملة وكأنها غاية لديها أن تلبس بنطلون ليس له علاقة بالسترة و العكس، نظرت أيضا للشيكولاتة الهرمية قائلة باستغراب اكبر: 

" أانتِ متأكدة من قرارك ، انظري انها المميزة لديكِ لا تعودي لتحزني وتقولي لم أجدها بالأسواق بسهولة ". 


ردت شهرزاد بلا مبالاة: 

" صحة وعافية لهم بالأصل أصبحت تباع لدى أولاد رجب و خير زمان ، و أيضا لم اشتهيها اخرجتها لأكلها وتركتها". 


نظرت توته لأولادها: 

 " تمام إذا ساقسمها بينكم على شرط نتناول فطورنا أولا ومن ثم كل واحد يأخذ القسم الخاص به ". 


نظرت شهرزاد للساعة قائلة:

 " و لماذا لم تفطروا حتى الآن ". 


ردت توتة على أختها:

 " نعم كان الوقت مبكر عندما اتصلت بماما كي تنتظرنا نأتي لنفطر سويا، ولكننا تأخرنا بالطريق لأجل شرائي بعض الأغراض التي تلزمني قبل سفري". 


وقفت شهرزاد متسائلة: 

" غريبة هل حددتم موعد السفر، ماذا عن وظيفة مدحت وسحبه لأوراقه وتسوية معاشه هناك ". 


وبوجه غير راضي تحدثت توته لتجيب اختها:

  " حسبي الله ونعم الوكيل المدير عاند معه وتحجج كثيرا بأدق الإجراءات وبالأخير افتعل المشاكل وطلب من مدحت تقديم بيان وأوراق تحتاج وقت اكبر لاستخراجها وإثباتها".

 

و بفضول كبير تساءلت شهرزاد: 

 " وماذا سيفعل هل سيترك حقه وجهده طوال هذه السنوات والله يحاسبكم الله ".

 

اجابتها توتة قائلة:

" لا لم يترك شيء بالأصل بدأ بالإجراءات ولكنها تستغرق أشهر حتى تخرج لنعود للبلد وبعدها نأتي لننهيها وأيضا ستكون فرصة لأراكم أكثر من مرة ".


وباستغراب كبير وضعت يدها على رأس باهي قائلة: 

  " من يرى تحمسك للسفر لا يصدق أنك أختي، أين ذهبت الباكية الشاكية ". 


تحدثت توتة بحزن: 

" لا تبدئي بالكاد احاول اقناع نفسي واجعلها تعتاد ، وأيضا كما ترين هو محق هل يمكنني الرفض بهذه الحالة وخاصة وضع امه وانكسارها بعد زوجها ، والله أن رأيتها لن تعرفيها". 


 ردت شهرزاد بحزن: 

" ليكن خير، رغم حزني لبعدك عنا إلا انني اتمنى ان تكوني بقدر المسؤولية وتتحملي نتائج قرارك ". 


تساءلت توتة لتقول: 

" خير يا شوشو ، ادخلتي الخوف لقلبي من جديد ألستِ أنتِ من جلس وسهر معي لعدة أيام كي تقنعيني بالذهاب مع زوجي وعدم تركه في هذه الظروف". 


ردت شهرزاد بقوة: 

" نعم اقنعتك و لكني لم افرضه عليكِ شرحت لك و وضحت الأمر بأكثر من جهة وأخبرتك أن قرارك لازم و لابد أن يكون صادر من قناعتك ورغبتك لأن ما ستقرريه اليوم هو قرار مصيري لا يمكنك الرجوع به الرجل سيذهب ليؤسس منزل جديد وحياة جديدة لا يمكن تركها بسهولة ". 


ردت توتة بصوت مهزوز

" ولكنه وعدني بقائنا هناك مسألة  وقت حتى وإن طال  سنعود لندخل أولادنا جامعتهم بالقاهرة ونزوجهم و نؤسس لهم حياتهم هنا " 

 

_" خير ، خير إن شاء الله ، لا أحد يعلم ما يحمله الغد، انظري انتِ لحياتك الجديدة وكوني بقدر المسؤولية ، واهتمي بأولادك وتعليمهم هذا العام سيدخل هادي صفه الأول وهذا ما سيفرض عليكِ واجبات تجاه دراسته ما ينقش بأول سنوات يظل كحجر الأساس للبنيان القوي عليكِ أن تهتمي بتأسيس وترسيخ البدايات ليثبت البناء ". 


قاطعهم صوت امهم أمال:

" تفضلوا يا هوانم الفطور جاهز".

 

نادى مدحت على زوجته: 

" توته  أين انتِ لماذا تركتي أمي أمال وحدها".

 

تحركت توته لتخرج من الغرفة لتغلق شوشو الباب كي تبدل ملابسها وترتدي حجابها لتخرج لهم صادمة الجميع بشهيتها المفتوحة وتناولها قدر كبير لم يسبق  لها تناوله وخاصة بآخر فترة  ، تحدثت أمال: 

"صغري قطعة الفطير يا بنتي ستقف بحلقك".

 

ليرد بغدادي قائلا:

 " علقتي بحجم اللقمة و تركتي ما يوضع فوقها". 


ضحك مدحت و هو يتدخل بحديثهم:  

" يأتي على الشخص أيام يأكل دون أن يشبع حتى انه يشعر بالجوع بشكل كبير، و لكن ما لم يحدث هو أكل الفول مع الحلاوة الطحينية كيف فعلتيها انظر لكِ ولا أصدق انكِ ابتلعتيها  الواحدة تلو الأخرى افكر هل أثر مرضك على مذاق حلقك ".

 

ضحك الجميع على ما قاله مدحت ، صمتت دون رد أو مشاركة للضحك استمرت بتناول طعامها دون النظر إليهم ليشعروا هم بضيقها، تحدث مدحت من جديد: 

 " الحمد لله سلمت يداكِ يا أمي كنت جائع بشكل كبير". 


ثم نظر لشهرزاد التي وقفت لتجمع الأطباق الفارغة ليكمل:

 " كنت أمزح معكِ لا داعي لكل هذا الحزن الذي لا يليق بكِ وأيضا منذ متى وأنتِ تتأثرين بالكلام والمزاح ". 


رفعت نظرها وهي ترسم الابتسامة على وجهها :

" لا لم أحزن هل أنا صغيرة لدرجة أن أحزن من المزاح ".

 

أدارت  نظرها نحو أبيها متسائلة :

" هل أضع الشاي لكم ". 


أتت توته من خلفها و بيدها صينية القهوة:

  " حضرت لهم القهوة، ألم تنتبهي وأنا اسألهم قبل قليل ، أم انكِ اجبتيني لا اريد بحلمك ألهذا الحد كنتِ جائعة".


تحركت شهرزاد نحو المطبخ وهي ممسكة بالأطباق متحدثة بوجه لا زال محتفظ بابتسامتها المصطنعة: 

" نعم هذا ما حدث سلمت يداك على الفلافل و الفطير الساخن".

 

أجابت توته اختها و هي تقترب من والدها:  " عافية لكِ يا روحي ".  


وقفت الأم و جمعت باقي الاطباق لتذهب للمطبخ قائلة:  " هيا يا أولاد اغسلوا أيديكم ".


 وأكملت سيرها للمطبخ لترى ما كانت تتوقعه  حين اسرعت ابنتها واعطتها ظهرها لتمسح دموعها.


حزنت الأم عليها اقتربت لتضع يدها على ظهرها: 

 " لا تفعلي هذا والله جميعنا نضحك ونمزح لا أحد منا تعمد احزانك".

 

ردت شهرزاد: 

 " لا أنا لم أحزن طرفت عيني فقط  ".


  نظرت الأم لإبنتها التي تجمع الطعام وتعيد نصفه بالعلب و النصف الاخر بفمها وهي أكثر اندهاشا، ما هذا كيف لها أن تأكل كل هذه الكمية راقبت وجهها وشرودها لتندهش من عدم إدراكها لما تفعله فهي تأكل دون أن تشعر بهذا .


ازدادت شهرزاد سوءً بعد سفر اختها فأصبحت تقضي وقتها امام التلفاز وبيدها الفشار والقشور والحلوى الجاهزة المغلفة  أو بفراشها تنام كثيرا لتسهر ليلا لكتابة خواطرها القصيرة و الغير مكتملة، سعدت أمال بتفرغ ابنتها واستمتاعهم سويا بالتلفاز و المحادثات التي لم تنتهي .


وبعد مرور شهر تقريبا على سفر توته قررت شهرزاد أن تبهر والديها بتحضيرها البسبوسة والعوامة انتظرت خروجهم للسوق لتبدأ خطتها .


اتصلت توته بهذه الاثناء اسرعت وفتحت هاتفها:   " أتيتي بوقتك تماما ".

 

و بفرح ردت توته:

  " روحي أنتِ ، هل اشتقتي لأختك و تتحدثين مع أمي عن هذا الشوق ".

 

ضحكت شهرزاد: 

" لا ليس لهذه الدرجة لم يمر الثلاث أسابيع".

 

ردت توتة قائلة:

" بل مروا أربعة أسابيع ونصف أسبوع ".

 

أسرعت شهرزاد وامسكت زجاجة الزيت قبل انزلاقها و اوقفتها مكانها قائلة: 

" ليس لدي وقت لأضيعه معك علي ان احضر البسبوسة والعوامة قبل رجوع والديكِ". 


فتحت توته فمها قائلة: 

" أنتِ ستحضرين بسبوسة وعوامة".

 

ردت شهرزاد بغضب: 

" اغلقي يا توته سأتصل بكِ بعد انتهائي، وأنا من كان يريد مساعدتك ".

 

اسرعت لتجيب اختها 

" انتظري أنا لا أقصد هذا ولكنك اخترتي أصعب وصفتين لتحضريهم سويا وبأول تجربة".

 

ردت شهرزاد بثقة: 

" سأنجح وسترين، الآن اغلقي لأعيد مشاهدة الفيديو الشربات كالماء لا يريد التماسك ".

 

سألتها أختها : " هل وضعتي عليه عصير ليمون، وكم كوب ماء مقابل السكر ".

 


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


أوقف شريف سيارته أسفل بناية مكتب سيف ابن خاله و نزل منها وهو يتحدث بالهاتف: 

" وصلت للتو ان اردتي آتي إليكِ سأتي على الفور يعني لا شيء مهم جئت لأراه كما تعلمين انشغل مهندسنا بخطيبته حتى أصبحنا لا نراه".


_" عروسة ؟، ضحكتني يا شريف  لو سمعت ما تقوله زوجة خالك كنت أشفقت على عروسته، المشروع الجديد أكل عقله وأصبح لا يفكر إلا به ".

 

رد شريف على أمه:

 " هل ضحك عليكم بحجة العمل وانساكم انها تعمل معه بنفس البناية  لا يفصلهم سوى طابق واحد ".

 

_ " وهل يكفي هذا، كان عليه أن يفرغ نفسه ليتجولا سويا ، يذهبان لتناول العشاء بمكان جميل، او حتى يذهب ليجلس معها وسط عائلتها ".

 

لم يأتيها رد ابنها الذي انتظرته لثواني نادته بعدها: " شريف، ماذا حدث، أين ذهبت ".

 

وبحزن وعيون ناظرة لمطعم حلوى الأرز بالحليب رد على أمه:

 " سأصعد لأرى كيف سنحل الأمر كي لا يتفاقم و ويأخذ حجم لا يستحقه لا داعي أن يُشعر عروسته بإهمالها وتبدأ المشاكل بينهم". 


وافقته زيزي فقالت: 

 " نعم ولأجل هذا حدثتك ما دمت ذاهب إليه عليك أن تحثه على الاهتمام بعروسته وإشعارها بأهميتها لديه كما قلت أنت نخشى أن تشعر هي بهذا و تترجمه بأشياء سيئة". 


_ " تمام لا تقلقي والآن سأتركك لاصعد له".

 

أغلق هاتفه وصعد الدرج بحزن كبير حين تذكر آخر صعود له بهذا الدرج حين وجدها بوجهها الذي قاطع الحياة بذلك اليوم ..


أخذ نفس عميق دفع به الباب بقوة ليدخل المكتب متفاجأ أنه مغلق نظر لساعة هاتفه ثم فتحه ليتصل بسيف الذي ضحك فور معرفته بوجوه مسرعًا بفتح باب المكتب قائلا: 

" أمك تحبك لا تصدق ما ينتظرك ". 


نظر شريف لريم ملقيًا السلام عليها: 

" السلام عليكم ما الاخبار اتمنى ان يكون كل شيء على ما يرام ".

 

ابتلعت ما بفمها و هي تجيبه:

 " للأن على ما يرام ولكني لا أضمن بالأيام المقبلة ما سيحدث " 

  نظر شريف لابن خاله الذي تحدث مبررا " كل ما في الأمر ناديناكِ لتتناولي معنا قطعتين بيتزا، لا تقلقي أن تم تسريحك من عملك سأخذك لتعملي معي عوض الله علينا بالخير وقتها". 

ردت ريم عليه:

" قهوة ستار باكس بالصباح، أرز بلبن الظهر، شكولاتة العصر، وانهاها  بقطعتين بيتزا  والله إن لم يدخل بي فستاني لا أحد يلومني ".

 

ضحك شريف على حالتهم و هروب عروسته بعد ان اخذت قطعة إضافية من البيتزا قائلة لضيفهم: 

 " انصحك بالتجربة طعمها رائع".

 


خرجت من المكتب ليجلس شريف قائلا:

" هي محقة لا يمكنكم ضمان ما سيحدث بالأيام المقبلة".

 

رد سيف بسرعة:

" هل صدقت هي تمزح معك بالأصل مديرها صديقي ويعلم الوضع جيدا وأيضا أنا احترم عملها اتصل بها ونحدد الوقت الفارغ لنا ".

 

ابتسم شريف قائلا:

" أنا لا أقصد هذا فكما قلت انت بالأخير ستأخذها لتعمل معك ، ولكني قصدت إغلاقكم  لباب المكتب يعني أنا لا أستسيغ هذا الوضع  ستلفتون الأنظار وأيضا لا يصح انتم بفترة الخطوبة اعلم انك لم تفعل ما لا يرضي الله ولكن بالأخير لم يعجبني الوضع " .


_" بصراحة أنت محق، بالأصل أول مرة نغلقه حتى هي لم تعجب بالوضع، أنا من أغلقه بعد مضايقتنا لعدة مرات من دخول الناس أثناء تناولنا طعامنا ". 


رفع شريف كفيه: 

" قلت ما لدي وانت حر، لم أستطع أن أراك بوضع غير لائق واصمت".

 

" تمام ، تمام،  الأمر عندي من بعد الآن  ، سأخذها واصعد على سطح البناية هاربا من الجميع ". 


ضحك شريف:

 " او وووو ، اصبحنا نريد الهروب كان الله بعون زوجة خالي تحزن على وضعكم وابتعادكم وعدم اهتمامك بعروستك وانت هنا غارق بالعسل تريد أن تهرب لبعيد " 

_" من يغار منا يفعل مثلنا، أذهب وجد عروسة لتهربا سويا علما أن هروبك سيكون أكثر رومانسية من البيتزا والقهوة وهذه الأشياء ، و لكن عدني هذه المرة أن تطير وعقلك برأسك ". 


هز شريف رأسه: 

" لا اريد الطيران انا سعيد بحالتي لا دخل لك بي ". 


ضحك سيف وأجابه: 

" لا يمكنك فعلها ستطير قريبا جدا تحتاج فقط وقت إضافي للتعافي فكما لا يستطيع الطير التخلي عن طيره لا تستطيع أنت التخلي عن حلم الحياة الرومانسية أليس كذلك يا شهريار عائلتنا ".


………


 تحمس مدحت لزيارة ابن عمه بدري له كان يتحدث مع أمه ويخبرها بهذا..


 لترحب فهمية: 

 " أهلا وسهلا به يا بني ، هل سيستأذن البدري ليأتي إلينا ".

 

رد مدحت على أمه: 

" لا لم يستأذن انا من أصر عليه ليأتي كي نسهر بتكعيبة مزرعتنا ، تعلمين أنه يسهر مع أولاده وحده وأردت أن يأتي لنأكل طعام العشاء سويا ونتسلى والأولاد يلعبون مع بعضهم  كنوع من التغيير ".

 

تنهدت فهمية: 

" جيد ما فعلته استمتعوا بوقتكم ".

 

تدخلت توتة بالحديث: 

" أنا لا أعلم ما الذي جعله ينتظره حتى الآن، يعتقد انه يقدم معروفا لأبنائه وهو بالأصل يظلمهم معه لا يمكنه القيام بكل واجباتهم وحده ".

 

ردت فهمية :

" اتركيه يا بنتي تحدثوا كبار العائلة معه حتى انقطعت ألسنتهم،  لا يريد الآن اعتقد انه يضع الأولاد حجة له لا أحد يعلم ما بداخله ".

 

رد توته بصوتها الحنون: 

 " كلما استمعت لما يحكيه مدحت على ابنته الصغيرة وتعلقها به احزن كثيرا حتى ببعض الوقت أعطيه الحق برفضه للزواج فكيف لهذه الصغيرة أن تتحمل من سيأتي ليأخذه منها". 


ردت فهمية: 

 " اتركوه على راحته البدري لا يقوم بعمل إلا وهو يريده ومقتنع به ".

 

رد مدحت بإصرار كبير: 

" و انا سأظل خلفه لأقنعه  بالفكرة، حتى سأختار له من يناسب وضعه".

 


رفعت فهمية رأسها بالنهي: 

" لا تتعب روحك وإن استطعت تغيير رأيه من المستحيل أن تختار له عروسته، ان لم تستطع فايزة وعرابي باختيارها هل ستختارها انت !؟ ".

 

وبحماس رد مدحت و هو ينظر لأمه وزوجته :

" بصراحة أنا أفكر بشهرزاد أخت توته ، البدري لا يعيبه شيء شهادة ومركز وأخلاق ودين أيضا  لم يترك فرض دون أن يؤديه ببيت الله حاضرًا  قبل الجميع، عند الحق لا يستطيع أحد أن يحكم افضل منه وأما الظلم فمهما يظهر من قوة و صلابة وحدة إلا أنه يمتلك قلب أبيض أجمل منا كلنا ". 


ابتسمت أمه ساخرة من حديثه: 

" اذهب ونم قليلا يا بني كي تهدئ أعصابك قبل أن يأتي ضيفك من الواضح أن حماسك افقدك عقلك ". 


نظرت توتة لفهميه وهي تومأ برأسها: 

 " نعم أنتِ محقة حتى أنني لن اجيبه سأتركه لينام ويعود عقله له". 


و بصوت تشويقي تحدث مدحت لتوتة: 

 " يا بنت الحلال هذا بدل من ان تشكريني  سآتي لكِ بأختك كي تعيش جانبك بعز لم تحلم به مع رجل كامل من غير عيوب وأولاد مثل الألماس لن تتحمل مسؤوليتهم الكاملة ".

 

ثم نظر لأمه مكملا: 

" حتى أنها هدية لكِ ولناهدة شهرزاد عاقلة و واعية وعندما تتحدث تُحترم من حكمتها،  مصلحتنا كلنا ان يتزوج البدري من امرأة  عاقلة، راكزه، قوية، حكيمة، لا تحب الظلم، ولا الخراب ، الكيد وافتعال المكائد والتفاهات التي تخرب الدنيا رغم تفاهتها ". 


لمعت عين فهمية وهي تنظر لتوتة التي شردت هي أيضا بتفكيرها، نظر إليهم بوجه سعيد قائلا: 

" على بركة الله  ، الخيرة فيما اختاره الله ، و إذا كان على البدري والعم بغدادي فأنا اكفلهم واضمنهم  حتى يمكنني قراءة الفاتحة الآن لتكون فاتحة خير على الجميع ". 

 

تحدثت فهمية بحماس: 

"هل تصدق يا مدحت يا ابني اقترب اقتناعي بكلامك على بركة الله، توفيق اثنين بالحلال ثوابه عظيم و كبير ". 


نظرت توته لهم وهي تقول:

 " توقف عقلي من الصدمة لم أعد أستطيع التفكير هل  أفرح أم  اعترض أم  أحزن   حقا فقدت القدرة على التفكير يعني شهرزاد والصعيد وأيضا البدري واولاد صغار كثير على عقلي استيعاب كل هذا ". 

 

_ " نام و ارتاح يا مدحت واستمع لما تقوله أمك كي لا تتحدث بالأحلام كثيرا أختي وأبن عمك شخصان مختلفان كلاهما يدور بعالمه الخاص، كحال أقطاب المغناطيس التي تتنافر و إن تشابهت ، علمنا انه جيد ولديه مميزات كثيرة كما تحمل اختي مميزات مشابهة له و لكن كل منهم له فكره وطموحه ومستقبله الذي يريد رسمه وعيشه ".

 

رد مدحت عليها وهو يضغط بيده  على وجنتيها: 

 " لا تسقطي الأحكام دون تفكير دعيهم يفكرون و يقررون بمفردهم فمن الممكن أن يروا ما لا ترون أنتم ".

 

تحدث امه:

" اترك حديثك هذا وأخبرني ماذا تريد على العشاء دعوت الرجل دون أن تخبرنا بتجهيز طعام يليق به ".

 

 رد مدحت على أمه: 

 " لسنا بحاجة لتحضير طعام خاص إبن عمي البدري ليس بغريب عنا ، وأيضا لديه علم بطنجرة محشي ورق الكرنب وطاجن البامية باللحمة الضاني وتحمس لهم بل ووافق لأجلهم".


ردت زوجته عليه: 

 " من جديد ألم أحذرك من تناول هذه الأطعمة بوقت متأخر".

 

_ " لا عليكِ بالأصل داخلي شبعان يكفي ما تناولته على الغداء  سأمثل عليه مشاركتي له دون أن أزيد لا تقلقي".



أغلقت فهمية كتاب المصحف الكريم و ضمته إليها، قائلة:  

" نعم افعل ما تقوله برضاي عليكِ يا بني لا تكثر يكفي ما حدث لك الأسبوع الماضي ارتجاع المريء ليس بشيء يستهان به، انهي علاجك وتناول ما تشتهيه بعده".


و بحماس ردت توته:

 " ما رأيك بأن أحضر لك سلطة الكول سلو بالمايونيز، وحلوى الفواكه بالكيك والكريمة، اعتقد أن الأولاد سيحبوها ". 


قاطعتها فهميه :

 " لا تجهدي نفسك يكفي تجهيز المحشي والاكل طوال النهار  ، الخير موجود وهناك رول الكيك بالايس كريم لا زال بالبراد ضعي لهم منه ، لننهيه كي لا يحاسبنا الله على كثرة النعم وإهدارها  ". 


رد مدحت على أمه:

 " نعم الأطفال يحبون الايس كريم وخاصة داخله فراولة  ".

 

ضحكت توته وهي تبلغهم بانتهائه من قبل أولادها وانها ستحضر لهم الحلوى بسرعة وتضيف عليها الايس كريم حتى ترطب على قلوبهم .


و بنبرة تحذيرية مغلفة بالنصح تحدثت فهمية:

" كما تريدين ولكن لا تعودي لتشتكي من ألم ظهرك ، كبرنا وأصبحنا لا نستطيع تحمل إعداد الطعام وحدنا أقول هذا كي لا تجهدي نفسك، يمكن له أن يذهب ليشتري ما يريد من الحلوى لابن عمه ، ولكنه لن يذهب غدا لشراء المأكولات الجاهزة جميعنا لا يحبها وسيقع الحمل علينا بالأخير".


اومأت توته رأسها :

" أنتِ محقة يا أمي وأنا أيضا لا أحب المأكولات الجاهزة جميعها شكل بدون طعم أو فائدة ، تمام لن أجهد نفسي فليذهب ويشتري ما يريد من الحلوى ".

 

رد مدحت:

" سامحكم الله هل المشويات بلا طعم ورائحة، يا قلبي على الرائحة أوقف سيارتي بجانب موقد الشواء لأشبع برائحتها وأنتم تقولون دون طعم ". 


و بضيق ردت فهميه :

" ولهذا مرضت الله عليم معدتك ألمتك وتلوثت من أي شواء ،  أخبرتك لن ادخل طعام جاهز بعد آخر مرة مرض الجميع منه وإن اشتقت  للشواء لنفعل كالمرة السابقة ".

 

ابتلعت توته ريقها قائلة:  

" نعم لنكرره والله كان أحلى بكثير، يكفي فرحة الأولاد باللحم وهو يشوى على الفحم أمامهم ".

 

تحدث مدحت باقتناع:

" صدقتوا حتى أن الواحد منا ظل يأكل حتى انتفخ داخله وعاد بالمساء ليكمل دون قلق ". 


ابتسمت توته: 

" نعم لهذا علينا ان نشوي عجل كامل بالمرة المقبلة ".

 

ردت فهمية عليها بخوف: 

 " ماشاءالله لا يحسد المال سوى صاحبه ، صحة وعافية على قلبه ".

 

_ "  صح نسيت أخباركم غدا بالصباح سيأتي المهندس عبدالرزاق  ليعاين الأرض ويرفع المقاسات ".

 

فرحت توته قائلة:

  " وأخيرا عاد من القاهرة ".

 

_" نعم عاد بإجازة قصيرة سيقوم برسم المخطط الأولي كما شرحت له ويعطيه لنا لنرى ان كان هناك زيادة أو نقص و بعدها نبدأ بالحفر و وضع المقاسات ". 


و برضا ردت فهميه:

" على خير يا بني جعل الله لك كل خير به ". 


_" سلمتي يا أمي، بالمناسبة أنا قللت مساحة البناء وسأرفع عمدان أول طابق فقط لأنهيه وانتقل به، و فيما بعد إما أن أرفع طابق آخر وافتحه على الأول بدرج داخلي،  أو أني ارفعه لأولادي كما قالت توته بصراحة يكفينا طابق واحد كبير يشمل كل أحلامنا ". 


أكدت توته على ما قاله زوجها: 

" نعم الاتساع الزائد سيكلفنا اثاث و نظافة زيادة  ". 


_ " الله يبارك لكما رغم أني أرى أنه ليس له داعي بهذا الوقت منزلنا كبير ويسعنا كلنا، وأيضا أنا أرغب بأن تهتم بمزرعتك وتكبيرها وتتمهل على البناء سيأتي وقته لا داعي لاقتسام جزء من مزرعتك لتبني عليها وتكتفي بالقسم المتبقي فقط ، ازرع واهتم ومن ريع ربحها اشتري أراضي اخواتك وابني عليها ما شأنهم هم  بالأراضي سيذهبون بالأخير لأزواجهم ". 


و بصوت غير راضي رد مدحت:

" لا يا أمي أراضيهم حق لهم لتبقى كما هي وأنا سأقلل من مساحة البناء كما اخبرتك والله سيطرح البركة ". 


ردت فهميه عليه:

 " وكأني سأسمح بظلمهم ، افهم علي تعطيهم حقهم وزيادة ، انظر اتركنا من ميادة  وركز بأرض ناهدة اشتريها منها وأعطيها مقابلها مال أو مزرعة بمكان اخر ". 


 رد بتساؤل:

" ومن أين سأتي بالمال الذي اشتري به أرضها واشتري لها مثلها بمكان آخر ، إن أعطيتها فمن أين سأبني وازرع أنا ".


ردت على ابنها من جديد لتوعيه قائلة: 

" ألم أقل لك اتركنا من البناء الآن و ركز على شراء مزرعة ناهدة و زراعتها هي وارضك ويمكنك اعطاءها جزء كبير من ثمنها الآن وفيما بعد حين تحصد وتكسب تعطيها باقي المبلغ لن نأكل حقها أصبح لديها ما يكفيها ". 


و بفضول سألت توته: 

" جميعهم أولاد عم و سمعت أن الجد الكبير قسم ماله بشرع الله عليهم جميعا ، ولكني أرى اختلاف بينهم يعني بالمرتبة الأولى يظهر عمي عرابي وأولاده ومن بعده عمي أبو مدحت وبصورة غريبة واقل بكثير يأتي عمي سالم ". 


ردت فهمية لتجيب على تساؤلات توتة:

" نعم بشرع الله شهادة لوجه الله حتى عرابي من بعد أبيه اعطى كل فرد حقه وفعلها من بعده ابنه البدري ولكن هناك من عمل واجتهد و وسع نطاق عمله كعمك عرابي رحمه الله ، وهناك من جعل مصروفاته اكثر من دخله مثل عمك سالم الله يعطيه الصحة للأن يحب المظاهر والصرف في الفارغ هو و أولاده لهذا تجديهم يركبون أحدث السيارات و يلبسون ويأكلون أفضل شيء وبالأخير عند موسم الزراعة لم يجدوا المال ليشتروا به أجود البذور وأفضلها ظل الحال بهذا الشكل حتى قلت حالتهم و لم يصبح لا  مظاهر ولا مداخل، أما أبو مدحت رحمة الله عليه كان رجل واعي ومدبر نعم كان لا يخرج المال إلا بمكانه وكان يضيق صدري لحرصه الزائد ولكنه نجح بتكبير أرضه وماله  وترك خلفه ما يكفي ويستر أولاده من بعده ". 


وبعدم اقتناع تحدثت توته: 

 " أمممممم لا زلت أرى فارق كبير، وسع الله عليهم ولكن لماذا لم يفعل عمي كأخيه عرابي ويصعد معه ما شاء الله عندما يحكي لي مدحت عن أراضيهم والسرايا ازداد تعجبا". 


رد مدحت هذه المرة على زوجته: 

 " كنت قد سألت أبي رحمة الله عليه نفس السؤال و أجابني وقتها إنه لا يحب العمل بالقاهرة لان أبوابه كثيرة و خطره، حتى  التجار غير مضمونين ويريدون لمن يعمل معهم أن يكون على علم وترقب عكسه هو يحب البقاء في الأرض يعمل بيده ويراقب من يساعده من الاخر لا يريد ان يشتت أو يجهد نفسه ". 


عادت فهميه لمقاطعتهم و التحدث قائلة: 

" نعم اهتم عرابي بالسفر للقاهرة ومشاركة التجار و لكنها ليست شطارته ومهاراته وحده كان خلفه والد زوجته فايزة هو من يساعده وينصحه ويدير معه أعماله ولا تنسوا ما ورثته فايزة عن أبيها وأمها سمعنا بوقتها انها ورثت من أمها ارض كبيرة على أطراف القاهرة ومن أبيها حدث ولا حرج، فالحج فارس بيه العزايزي كان ثري جدا والخير جميعه ذهب لولديه فايز و فايزة فقط".

 

ردت توته: 

 " ما شاء الله بارك الله لهم و يبارك لنا فيما رزقنا ، أهم من المال الصحة و ستر الله ". 


وبنبرة ساخرة مضحكه رد مدحت:

" و نعم بالله  ، أكلتم فروة العائلة و بالأخير تدعون بالصحة و الستر ".

 


ردت توته بضحك على نبرة صوته:

 " سامحك الله أردت فقط فهم ما حولي ، هل تريد لي أن أعيش وسط عائلتك وأصبح جزء منهم و لا أعرف عنهم شيء ". 


وقف و هو ينظر لساعة الحائط:

 " سأذهب أنا لشراء النواقص قبل أن يسرقنا الوقت واجد البدري أمامي سأخذ الأولاد معي لا تقلقي عليهم إن لم تجديهم ". 


_ " تذكرت يا بني علاجي اقترب على الانتهاء مر على الصيدلية بعودتك واشتريه لي ". 


أومأ رأسه: 

" هذا أفضل نشتريه قبل انتهائه ، أعطيني إسمه أو علبة فارغة اشتري مثلها ". 


_" لا عليك سأتصل لأخبرهم بقدومك اذهب أنت لأبن رفعت السوالمي وهو  يعطيه لك كاملا  ".


تحرك ليخرج من الغرفة وهو ينادي على أبنائه :

" يا باهي ،  يا هادي ، أين انتم يا أولاد " اسرعت توته خلفه و هي ترد لتخبره انهما يلعبان أمام باب المنزل بجانب قططهم الصغيرة .


‏ ●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●



 فرح بغدادي وامال  من رائحة الحلويات مما جعل شهرزاد  تتحمس وتحضر لهم نسكافيه وفير الرغوة بجانب البسبوسة والعوامة التي اخفتهم عنهم لتفاجئهم عند تقديمها لهم .


و بالفعل رصصتهم بالأطباق ومن ثم وضعتهم بالصينية بعد أن اهتمت بالشكل العام  وتحركت لغرفة التلفاز قائلة : " مفاجأة ". 

ابتسم وجه أمها وهي تسمي فرحا:  

" بسم الله ما شاء الله  فليكرمك الله  يا بنتي ".

 

تحدث أباها على ما قالته زوجته: 

" ليكرمك يا بنتي كنت أشتهي البسبوسة " .



_ " سبحان الله كنت تريد أن  تشتري بطريق عودتك، أنساك الله ذلك لتستمتع ببسبوسة شوشو ": 


و بحماس أخذ بغدادي الشوكة وغرزها بحلوى البسبوسه ليزيل شوقه ، عاد ليضغط بقوة مراعيا وضع الطبق الزجاجي دون فائدة ، نظرت شهرزاد لطبق أبيها مبرره: 

 " متمسكة قليلا و لكنها جميلة طعم الفانيليا واضح بها بشكل كبير ".

 

نظرت الأم لزوجها ثم نظرت لطبقها قائلة :

  " لا عليكِ واضح طعمها من شكلها المغري حتى أنني أشتم رائحة الفانيليا من على بعد سيبدأ مفعول الدواء وأتناولها مباشرةً ".

 

امسك بغدادي البسبوسة بيده وقربها من فمه ليقضم منها ، عادت شهرزاد لتتحدث: 

" ستعجبك انا اثق بهذا ".

 

و بصعوبة مضغ بغدادي ما بفمه و شرب من النسكافية أكثر من مرة متتالية كي يساعده على المضغ و الهضم .


أخذت الأم طبقها وامسكت البسبوسة لتعاين وضعها مراجعة مع شهرزاد مقاديرها لتقول لها :

" لا أعرف يا بنتي من الممكن أن يكون السميد هو السبب طرد الزبد ولم يلين أو الشربات ثقل سمكه و معكِ مما جعلها صلبة".


أمسكت الأم العوامة و اخذت منها قضمة صغيرة على حذر لتبتلعها وهي تستمع لابنتها التي بدأت حديثها بحماس :

" ليس لديك حجة  لقد خرجت العوامه كما يقول الكتاب " .


اومأت الأم رأسها و هي ترد على إبنتها: 

" نعم سلمت يداكِ ولكني سأكتفي بالنسكافية أخشى أن يرتفع سكري بهذا الوقت المتأخر".

 

رد بغدادي بجدية أخفى ضحكه خلفها: 

 " لا لن يتأثر تناولي ولا تكسري خاطرها". 


فهمت شهرزاد عليهم ولكنها لم توضح فهمها لهم أخذت تأكل من صنع يدها وهي تشكر بطعمهم و ما وضعته داخلهم.


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


عاد شريف لمنزله ناداه اباه فور دخوله: 

  " هيا انضم لنا نحن لم نبدأ تناول طعامنا بعد ،  تأخرت كثيرا اليوم بعودتي حتى توقعت انكم تناولتوه بدوني". 


_ " صحة وعافية لكم، لا اشتهي الان أكلت مع سيف بالمكتب". 


و بفضول سألته أمه: 

" و ماذا أكلتم بالمكتب".

 

ابتسم بجوبه: 

" أيا كان ما أكلناه  شبع بطني الحمد لله ". 


تحدث والده بصوت حنون: 

" اشتقت لجلوسنا سويا على المائدة حتى وإن كنت شبعان اجلس لنتحدث ". 


و باهتمام رد شريف على والده: 

 " هل حدث أمر ما ، مشكلة بالعمل أو ما شابه ". 


_" لا يا بني العمل يسير بشكل جيد الحمد لله بعد ان عادت موضة ارتداء الجلود أصبح البيع أفضل كثيرا مما سبق ".


ردت زيزي متسائلة: 

" من الجيد انك ذكرتني،  هل انهيت طلبية الملابس التي أعطيتها لك". 


جلس شريف ليشاركهم الحديث قائلا لأبيه: 

" من الواضح فعلا ان سوق الجلود انتعش كثيرا حتى تفضلت زيزي هانم علينا وتنازلت سامحة لجلودنا دخول متجرها الفاخر".

 

ردت زيزي قائلة:

 " نعم اجتمعتم علي من جديد ، تمام سأصمت و لكن إن اخرتم الطلبية وانتم تقولون سنعلمها كيف كانت ترفضنا بالماضي، سأذهب واطلب من مصانع أخرى انبه عليكم كي لا تندموا لاحقا". 


رد أمين و هو ينظر لابنه:

 " و الله إن فعلتها لن أندهش".


و بصوت يعلوه المزاح رد شريف على أبيه:

" إذا عليك البدأ بإنهاء طلبيتها بأقرب وقت".

 


ضحكت زيزي بانتصار:

  " نعم هذا هو ".

 

تحدث أمين لابنه باهتمام كبير:

 " أخبرني أنت متى ستبدأ الدراسة بالجامعة".

 

رد شريف قائلا:

" تبقى أسبوع أو عشر أيام على الأكثر نجهز انفسنا من الآن لاستقبال الطلبة ".



ردت أمه دون تفكير أو مراعاة لشعوره: 

 " هذا جيد فليبتسم وجهك من جديد اهتم بعملك وطلابك بالإطار الرسمي لا أريد لك أن تحزن من جديد فالجامعة ليست ساحة للتجارب والهوى ،  أخشى أن يخرج عليك كلام غير لائق فعلى الأستاذ أن يكون بقدر كبير وعالي وأن يكون بعيدًا عن طلابه ". 


تفاجأ مما قالته أمه ليرد بانفعال: 

 " كيف غير لائق ، هل سيقولون أنني زير بنات ، هل توقعتي ان ابنك يتغزل ويراقب طلابه ليختار من بينهم ". 


تدخل والده بالحديث بسرعة: 

" لا يا أبني لقد فهمت خطأ من المؤكد أن أمك لا تقصد هذا".

 

و نظر  امين لزوجته: " أليس كذلك !". 


ردت زيزي هي أيضا مدافعة عن ما قالته: 


" طبعا لا أقصد هذا ، أنا متأكدة أنك لم تفعلها عمدا ولكني اعلم جيدا انك مرهف المشاعر وسهل وقوعك مرة أخرى دون أن تنتبه، قلتها كي لا يخرج عليك ما يزعجك ". 


رد بحزن وأسف: 

" أهذه هي نظرتك عني يا أمي".

 

وقف و هو يمد نظره نحو أبيه مكملا: 

 " هل انا بعينكم تافه وبلا عقل لهذه الدرجة". 


تحرك أمين و وقف مدافعا :

" لا يا بني من قال لك إنك بلا عقل أنا أثق بك ". 


عادت لتدافع عن ما قالته :

 " أنا لم أقل بلا عقل ، فقط قلت رهيف المشاعر تتأثر بسرعة بمن حولك انت هكذا منذ الصغر ولهذا السبب تأثرت بسرعة بنجاح تلك الفتاة وشخصيتها المسيطرة التي أظهرتها بقوة أمامك فسقطت بها دون تفكير، جميعنا كنا محقين ونرى عدم تناسبكم حتى هي أخبرتك أنكم لا يمكنكم الخروج من إطار الطالب والتلميذ، نعم أنت من كبر الموضوع وحلم وتأمل ولم يشأ عقله أن يستمع لنا وبالأخير اتضح ان الفتاة تفهم اكثر منك واستطاعت تقييم الموقف وصارحتك بالأمر لهذا أقول لك انتبه ولا تنقاد خلف قلبك مرة أخرى فيغشى بصرك وتسقط من جديد وهذه المرة الله عليم كيف ستختارها".


قاطع امين زوجته بضيق وصوت ملأه الغضب :

" يكفي لا تكملي وتضغطي أكثر عليه".


 ثم نظر لابنه قائلا:

" هيا لنجلس بالبلكون ونشرب القهوة سويا على أنغام العندليب، اشتريت أسطوانة جديدة لن اخبرك عنها حتى تستمع لها بنفسك ". 


رد على ابيه و هو يتحرك متجها لغرفته: 

 " شكرا سأذهب لأنام أرهقت اليوم بين الجامعة وزيارتي لسيف بالأذن منكم". 


تحركت خلف ابنها خطوتين لتكمل حديثها لولا ان أمسكها أمين من ذراعها ناظرا لها بعينيه الغاضبتين كي تصمت ، و بصوت ضعيف تحدثت مع زوجها: 

 " علي أن أُفهمه ما قصدت قوله لا أريده ان يحزن مني قد أكون خانني التعبير وخالطت الأوراق ولكني لم أقصد هذا أردت فقط توعيته". 


وبنفس ضيقه و صوته المنخفض رد أمين:

  " نحن بصعوبة نحاول إخراجه من حالته وعدم تذكيره بها وأنتِ أتيتي لتلقيها بوجهه،  والله إن عاد حزنه وصمته لن اسامحك ".

 

 ردت على زوجها بحزن:

" معاذ الله  كانت فترة ومرت سيتحسن حتى أقول لك من الجيد اعتياده على سماع اسمها ليعتاد ويصبح الأمر أكثر بساطة".

 

‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


  ضحكت أمال وهي تتحدث مع  ابنتها على الهاتف:

  " ما بك يا مدحت ما هذا التفكير ". 


ضحكت توته على ضحك أمها:

" والله كما احكي لكِ صمت وفتحت فمي وعيناي للحظة ظننت أنني وافقت على الأمر و بعدها أفقت من غيبوبتي". 


ردت أمال قائلة:

"هداه الله الواضح أن هواء الصعيد الجاف أثر على عقله".

 

ضحكت توته : " نعم و كثيرا أيضا ".

 

_ " هل تعرفين يا توته أن البدري أثر بي  من الواضح انه رجل حقيقي ابحثي له عن عروسة من صديقاتك اللواتي فاتهن قطار الزواج لعلهن يقبلن به ".

 


ردت على أمها قائلة:

" فاتهم القطار ؟ إن أراد الزواج بأصغر من ابنتك فسيجد كثيرون يعرضون ويزينون بناتهم امامه، أنتِ لا تعلمين محبته وقدره بالعائلة والمكان المجاور لنا". 


و بأعجاب قالت أمال:

" صدقتي ألم تقولي انكِ سمعتي ناهدة وهي تتحدث عن حلمهم بزواجه من أختها". 


ردت بصوت منخفض: 

" نعم كانت تقول لها كبري عقلك بهذه الحالة لن نجد لك عريس حتى ابن عمك لم تستطيعي  لفت نظره لكِ ". 


_" من حسن حظها ، ميادة عقلها صغير على الارتباط بشخص ناضج ولديه مسؤوليات و أطفال ". 


اومأت توته برأسها: 

" اه و الله لا يناسبان بعضهما على الإطلاق".

 

تساءلت امال: 

" إلا بالحق يا بنتي هل رايتيه  من قبل ، يعني هو قريب من زوجك و تردد على منزلكم أكثر من مرة هل يعقل إنكِ لم تريه من قبل ".

 

_ " لا  لم أراه من قبل ، بالأصل لديهم عادات قوية بهذا الشأن لا زالوا يحافظون عليها رغم تمدنهم بكل شيء ،  ومن أهم هذه العادات انفصال مجالس استقبال  النساء عن الرجال  حتى أنهم يخصصون غرفة منعزلة بها كامل واجبات الضيافة لاستقبال الرجال بها  ". 


و بأعجاب و اطراء قالت أمال: 

" جميل ولما لا  ما داموا لا يؤذون أحد فليفعلوا ما يريدون لا داعي للاختلاط الزائد، تعلمين حتى بعائلتنا لا نحب الاختلاط الزائد نرد السلام و نرحب فقط اما الاحاديث و ما طال منها او نقص تبقى بين الرجال  بعيدا عنا ، ونحن نجلس  وحدنا بمكان اخر نضحك أو نأكل أو حتى نرتدي دون قيود ".


سمعت توته صوت زوجها يناديها أغلقت مع أمها سريعا لتخرج من غرفتها وبيدها كيس مزدحم بالحلويات قائلة: 

 " أعلم إنك عدت لأجله، لا تترك الأولاد يأكلون الكثير منه ".

 

رد مدحت قائلة:

" لا تقلقي حتى وإن سمحت هم اعتادوا على عدم الإكثار منها وخاصة بالليل ، اشتريتهم لأجل أولاد بدري يكادون أن لا يأكلوا سواهم ".

 

_ " انصحه يا مدحت حرام بهذا الشكل يضر أجسامهم و أسنانهم ".

 

رد و هو يراجعها قائلا:

" وهل يقال هذا للضيف، اتركينا منهم اذهبي ونامي لا تنتظري عودتنا بعد أن يذهب البدري سأضع الأطفال بجانب ميادة وأتي إليكِ ".

 


ابتسم وجهها وهي تتحرك بدلال ليحذرها من سلب عقله وتركه لضيفه، ضحكت واخرجته منبهة ومشددة عليه ان ينتبه على الأولاد وأن يضعهم نصب اعينه ثم دخلت غرفتها ليخرج هو لابن عمه.

………..


مرت عدة ليالي على هذا المنوال الهادئ كانت توته تحث نسمة وتطلب منها ان تذهب لتجلس مع شهرزاد كي تخرجها من وحدتها حتى انها اقترحت عليها أن تأخذها ويخرجا ليتجولا بين متاجر الملابس والعطور، فرحت نسمة و رحبت بالفكرة دون فعل فكان لديها ما يلهيها مع بنات خالتها،  تحججت أكثر من مرة بضيق الوقت وانشغالها مع والدها المريض واختها التي عادت من الامارات حديثا بزيارة قصيرة.


 صدقتها توته عكس اختها التي لم تعد تطلب من نسمة القدوم إليها من كثرة حججها وخاصة انها رأت منشورات بنات خالتها بمحض الصدفة حين اقترح موقع الفيس بوك الصداقات المقربة من أصدقاء صفحاتها لتدخل وترى صورهم وتجولهم وسهراتهم بأماكن مختلفة، يومها صدمت توته وأقسمت ان تعاتبها على هذا دون أن تفعل أيضا بعد ان شددت شهرزاد على اختها ان تتركها دون معاتبة مفسرة عدم معاتبتهم لها:  

" لا تلومي عليها وكأنها أول مرة تفعلها هي هكذا بالإجازات ستنهي متعتها وتعود لتبحث عنا عند سفر الجميع وانشغالهم بأعمالهم لا تقلقي ".

 

ردت توته: 

 " انتهت الدراسة ولا يوجد أعمال ، ولكني لن أنتظر عودتها لا أحب هذا النوع من الأصدقاء إن أرادت أن تذهب فلتذهب". 


فكرت شهرزاد لتقول لأختها: 

" اتعلمين بالأمس تابعت برنامج رضوى الشربيني واعجبني كلامها كثيرا وكأنها تتحدث عن نسمة تماما" .


_" أنا أحب رضوى و برنامجها جدا ولكنه لم يعرض أمس أين شاهدتيه ".

 

ردت شهرزاد قائلة:

 " ما بكِ رأيته على هاتفي انتظري لأقول لكِ الكلمات فلقد دونتها بدفتري من شدة إعجابي بها ".


 فتحت شهرزاد الدفتر لتقرأ منه: 

  " ليس لدي مانع أن تختلف معي ولكن لدي مانع أن لا تحترمني، أنت حر بعدم حبك لي كما أنك حر باختلافك معي لولا اختلاف الاذواق لبارت السلع ، ولكن المشكلة الحقيقة عند عدم احترامك لي ، لا يوجد شيء اسمه صداقة العمر لأن الصداقات لا تقاس بعدد السنوات بل تقاس بالمواقف  فمن الممكن أن ننصدم بعد مرور عشرة وعشرين عام بصداقة زائفة كانت بجانبك تتجولون و تدرسون وتضحكون وتلعبون وبالأخير ذهب كله مع أول اختبار حقيقي يُظهر لكم طبيعة هذه الصداقة هل هي عابرة أم قوية وصامدة بجانبك مهما تغيرت الظروف ". 


و بتخوف أجابت توته أختها: 

 " شهرزاد حبيبتي هل يمكنني أن أطلب منكِ شيء ".

 

و بقلق من نبرة صوتها ردت شهرزاد عليها:

" نعم يا توته ماذا تريدين ؟ لماذا تغير صوتك؟".

  


_" لا لم يحدث شيء خاف وقلق قلبي عليكِ، انظري أنتِ الشخص الوحيد بمصر كلها الذي لا يمكنه مشاهدة رضوى الشربيني ، يكفي ما أنتِ عليه من قوة وشدة   لا حاجة لكِ بهذه النصائح اتركيها لنا وانتبهي أنتِ للبرامج الترفيهية ستحسن منك بشكل كبير، بصراحة يا شهرزاد أفكارك تخيفني انتِ لم تري وجهك وجوارحك وهم يشاركونك وأنت تتحدثين بهذه الأمور أشعر و كأنكِ ستفترسين خصمك وخاصة إن كان من جنس الرجال ".


ضحكت شهرزاد بردها:

" هل عليّ أن أخاف من نفسي، شعرت وكأنني هولاكو أو ماري وولستونكرافت ".



ردت توته عليها:

" اتركينا من نسمة من يريدنا يبحث عنا ، وكأنك ليس لكِ سواها ". 


_" نسيت أن أخبرك بشيء مهم ستستغربين عند سماعك له و لكن بالأول عليكِ ان تشغلي عقلك  احزري مع من تحدثت اليوم".


و بفضول سألتها: 

"  مع من قولي أنتِ فرغت طاقتي وسأنام منك بعد قليل " .



_" تمام سأقول لكِ تحدثت اليوم مع نرمين أحمد ". 


و بصوت المفاجأة ردت توته: 

 " اوهاااااا ، كيف حدث هذا ، تمزحين ام تسخرين مني هل حقا تحدثتي مع نرمين أحمد ".


غضبت على أختها قائلة :

" الحق على من يتحدث معك سأغلق وإذهبي لنومك ولا تتصلي بي ". 


ردت توتة قائلة:

" بهدوء ما بكِ هل أغضبت اختي الجميلة لهذه الدرجة! وأيضا من أين أعرف نرمين احمد من هذه ومن أين تعرفتي عليها".

 


_ " زميلة لي من الثانوية العامة كنا نلتقي بالدروس الخاصة والمدرسة و نفترق بعدها، ولكنها حفرت اسمها بذاكرتنا جميعا ما شاء الله لديها موهبة لحفظ المعلومات وما يقال بشكل سريع و كأنها تسجل صوت وصورة، فعندما تجيب على الأساتذة تذكر رقم الصفحة و موقع الإجابة ". 


ردت توتة قائلة:

" سبحان الله هل سيصبح هادي سيصبح مثلها ". 


ردت شهرزاد عليها:

" اتركينا الان من هادي وانتظري لاكمل لكِ ما أريده قبل أن تنامي مني، المهم  وجدتها بإحدى  مجموعات الصحة النفسية و دخلت لاتحدث معها بالدردشة الخاصة فرحت كثيرا بتذكري لها وانا ايضا لم أصدق أنها لا زالت تتذكر إلقائي بالإذاعة المدرسية الصباحية حتى انها قالت شهرزاد شرف الدين شاعرتنا الموهوبة ". 


ردت توتة قائلة:

" حسنًا والله الفتاة سكر أعجبني اداءها وتثبيتها لكِ ".


و بضيق ردت على اختها:

 " و الله أغلق بوجهك الخط ولن اكلمك مرة أخرى، خرجت روحي وانا اريد ان اخبرك بقراري ".

 

تحدثت توتة بسرعة:

" تمام صمت و لله صمت احكي انا استمع لكِ ماذا قررتي؟ هل قررتي ان تستمعي لنصائحنا و تبحثين عن عمل يسليكِ؟". 


تنهدت شهرزاد بضيق: 

 " لا اريد ان اعمل قراري نهائي، ولكني  قررت أن أكمل دراستي وأقدم رسالة الماجستير  هذا العام والدكتوراه من بعده كي اثبت نفسي ومن بعدها أكون مؤهلة لطبع كتبي وفتح دار النشر الخاصة بي ستكون رسالتي عن الأدب العربي و تأثيره الإيجابي و السلبي على المجتمع ، قررت ان اجتهد واتفوق بدراستي من جديد لا يعني فشلي بمحطة من محطاتي العلمية ان اترك حلمي و بناء و تغذية فكري ".

 

_ " إلا بالحق يا شهرزاد بأي جامعة التحقت نرمين احمد ".

 

و باستغراب اجابتها شهرزاد:

 " حصلت على طب بشري بعين شمس ولكنها رفضت وارادت ان تحقق حلمها بالالتحاق بطب النفس والاجتماع  ، و لكن لماذا سألتي الآن هل كنت أحدث نفسي  قبل قليل ".

 

_" لا استمعت لكِ و لكني شككت  بالأمر  فبعد محاولاتي أنا وأمي معكِ بأن تكملي هذه السنة الماجستير ومقابلتك لنا بالرفض ، كان عليّ أن أتوقع تخصص نرمين دون أن أسألك". 


و بضيق ردت شهرزاد على اختها قائلة: 

 " استغفر الله العظيم ، اسفه يا توته أنا المخطئة ما كان علي أن اتصل واحكي معك كنت تركتك لتسمعيها من امي". 


ردت توتة بسرعة:

" فهمتي خطأ على الأغلب،  فرح قلبي بقرارك أيا كان من اقنعك نحن ام نرمين فما اتخذته من قرار هو الصائب لا تتخلي عن حلمك حتى لا تضيعي بدنياكِ فانتِ كالسمك ان خرجت من الماء تموت". 


ابتسمت شهرزاد متسائلة: 

 " استمري بهذا النحو أيا كان ما تتابعيه بهذه الأيام فمن الواضح انه جيد لكِ ". 

 

_" انا أيضا اريد ان أكمل دراستي، لا اريد ان أظهر امام أولادي أنني فاشلة وتهربت من الدراسة للزواج ، بعد ان التحق هادي بالمدرسة وباهي بالروضة أصبح لدي وقت فراغ كبير ". 


و بصوت يعلوه المزاح قالت: 

" أدهشتيني هل ارتفعت حرارتك ام انكِ نمتي مني ". 


ردت توتة قائلة:

" أنا جادة بقراري سأكمل انا أيضا  دراستي و اخذ شهادتي ".

 

و بحب ردت شهرزاد  عليها: 

 " حمدلله على السلامة يا اختي تأخرتي كثيرا بالوصول ولكن أن تصلي أفضل من أن لا تصلي مبارك عليك قرارك ".


……


 فرح بغدادي بقرار ابنته التي اخبرتهم به وهم يتناولون فطورهم،  متسائلا :

"هل لا زال باب التقديم مفتوح حتى الآن؟".


أجابت شهرزاد بحماس: 

 " ما أعلمه انه لا زال مفتوحا ولكني سأذهب غدا للجامعة لأتأكد بنفسي وأستفسر عن كل شيء ". 


ردت أمها بفرح و ارتياح كبير:

 " فتح الله أمامكِ أبواب الخير كله ، اذهبي واسألي انا متفائلة حتى أقول لكِ تحركي واذهبي اليوم ما زلنا بأول الصباح توكلي على الله ولا تؤجليها للغد".

 

اتفق بغدادي مع زوجته وشجع ابنته بأن تتجهز وتذهب لجامعتها اليوم قبل الغد.


تحمست شهرزاد كثيرا وقامت مسرعة نحو غرفتها لترتدي بلمح البصر كعادتها القديمة  لتخرج بعدها ممسكة بالدفتر بيدها والحقيبة على ظهرها قائلة لوالديها:  

"  دعواتكم لي بالتوفيق تخوف قلبي من الآن أخشى أن انصدم بعد ان تحمست ".


 دعوا لها بالتوفيق  والفلاح، لفت الدفتر انتباه أمال لتسأل ابنتها: 

" و لماذا ستأخذيه معكِ وكأنكِ بدأتي بالمحاضرات ". 


نظرت شهرزاد لدفترها ثم نظرت لأمها مجيبة:  " كي اسجل الطلبات ". 


ردت أمال قائلة:

" لستِ بحاجة لدفتر بهذا الحجم ، ضعي واحد صغير بحقيبتك كي لا تتعذبي بحمله ".

 

 نظرت شهرزاد من جديد للدفتر قائلة:

" أنتِ محقة ولكني سأخذه معي لأمر آخر ،  اشتقت ان اكتب بباحة الجامعة والمدرج  إن أتيحت لي الفرصة سأدخل قاعة فارغة واكتب بها تكملة قصة قصيرة بدأتها منذ فترة طويلة ولم يأتني الشغف لأكمالها ".

 

تحدث البغدادي بحنانه وطيبته المعتادة  قائلا:

" اذهبي يا إبنتي وافعلي ما تريدين حتى وإن أردتي ان تقضي يومك كله بالجامعة ابقي واكتبي ما تريدين بشرط أن تقرئي لي ما ستكتبيه عند عودتك ".

 

مالت على والدها وقبلته بقوة فرحها وانطلقت بعدها نحو حلمها الجديد .


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


بداخل جامعة آداب القاهرة كان الجميع منشغلا ما بين المحاضرات و الأعمال الإدارية، توقعت شهرزاد أن تجد أمامها اساتذتها يستقبلونها ويرحبون بها ولكنها لم تحظى بهذا وكأن الجامعة فرغت تماما بل وكأنها غريبة عليها.


 دارت عينيها بالإرجاء تدقق بها لربما اخطأت بالعنوان، ابتلعت ريقها الذي تحجر بمرارة نتيجة امتحاناتها واحداث مرضها الأخير، حلقت عينيها على مبنى الإدارة متذكرة استاذها الذي كان يظهر أمامها كلما ذهبت وتخفت.


 تنهدت بضيق كاد أن يخنقها وهي تتقدم أكثر عابرة مدخل المبنى متوجهة لغرفة استاذ نديم بأعين لا زالت تبحث عن آثارها القديمة حولها . 


طرقت باب الغرفة و فتحته لتدخل كالعادة دون أن تجده اعتذرت من أستاذ نجيب الذي تفاجأ من دخولها دون السماح لها قائلة: 

 "أعتذر للازعاج و لكني اردت أستاذ نديم ".

 

و بجفاء شديد رد عليها: 

 " أستاذ نديم ليس موجود، بماذا كنتي تريدينه ".


_ " لا شيء مهم شكرا لك ".

 

خرجت مغلقة الباب خلفها وهي تحدث نفسها.

  " تغير كل شيء إلا أنت بقيت على حالتك ".

 


اتجهت لغرفة الإدارة كي تسأل عن ما أفرح وجهها وابهج قلبها من جديد حين علمت أنها أخر من أتيح له الفرصة بالتقديم، حمدت وشكرت ربها على فضله وفوزها بالتقديم وحجز مقعدها لتُكمل ما تبقى من حلمها.


 خرجت من الجامعة لطبع بعض الأوراق الرسمية وعادت لتملأ استمارة الالتحاق برضا كبير .


باركت و تمنت الإدارية لها التوفيق بدراستها لتخرج من غرفة الإدارة بسعادة وفرحة كبيرة تلك الفرحة التي زادت بمجرد رؤيتها لأستاذها نديم الذي صدمها من عدم انتباهه لها وإكمال سيره دون الالتفات لها .


تحركت خلفه مسرعة منادية :

" دكتور نديم ". 


ألتفت خلفه ناظرا للحظات محاولا بها التعرف على من عرف صوتها  قائلا بنبرة مفاجأته:   " شهرزاد ". 


أومأت رأسها بالإيجاب :

" نعم هي أتيت لأسجل اسمي برسالة الماجستير وأردت أن ألقي على حضرتك السلام من حسن حظي أني رأيتك قبل خروجي ". 


رد استاذها بنبرة تعلوها الدهشة :

" انتظري لا زلت متفاجئ حتى الان ماذا حدث لكِ هل نزلت عليكِ تخفيضات آخر العام أم أنكِ ارتبطتي وتجهزين لفرحك، أعتقد أنه ليس هناك مبرر آخر فلم يحدث هذا التخفيض إلا بالحب والتجهيزات ودلع البنات ليكتب الله لكِ السعادة ، والله لم اتعرف عليكِ بالأول حتى لولا صوتك المميز لدي كنت كذبتك الآن ". 


خرج شريف من الغرفة المجاورة متوجها لباب مبنى الإدارة دون أن يلتفت نحوهم وكأنهم غير موجودين ، صمتت شهرزاد للحظات وعيونها على من لم يهتم بوجودها لتبدأ حديثها من جديد و هي تجيب استاذها بخجل:  

"  نعم هذا ما حدث ليس لأجل الارتباط لا يوجد شيء من هذا القبيل  كما تعلم العملية والامتحانات مرورا بالنتيجة وما صعقتني به  أفكر ببعض الأحيان وأحدث نفسي انه من الجيد وصولي لما أنا به  فالصحة كنز لا يقدر بثمن نشكر الله عليها دائما و لكننا لا نعلم بقيمة هذه النعمة، و قدر شكرها إلا من شعر بخطر ذهابها و تركها لنا".



تحرك أستاذ نديم قائلا:

"تعالي معي لأضيفك بمكتبي نكمل حديثنا به".


جاءت لتعترض كي لا تشغله عن عمله و لكنه لم يستمع لها تحرك قبلها ودخل الغرفة لتضطر هي للتحرك خلفه والجلوس بجانب مكتبه كما أشار لها .


أقترب من براد المكتب الصغير وأخرج منه زجاجة عصير برتقال واقترب هو يفتحها ويقدمها لها و بجانبها قطعة كيك: 

 " لنقل انه احتفال بسلامتك نعم ما قلتيه صحيحا فلا شيء بهذه الدنيا يضاهي نعمة  الصحة و العافية، لا تحزني العلم يعوض والنجاح يأتي ولكن الصحة إذا ذهبت لا يمكن استرجاعها ولا بكنوز العالم ، نعم كنت أود وبشدة ان تحققي  حلمك وحاولت و الله أن اتدخل وأساعدك ولكن فرق خمسة عشر درجة وضعفهم بالعملي جعل الأمر صعب عليّ، صُدمت بالعملي كيف لم يتحدث أحد منكم مع الأساتذة لتخبروهم بسبب تغيبك أين أصدقائك لماذا لم تخبريني لأتحدث أنا معهم قبل أن يقع الفأس بالرأس " .


و بحزن ردت على استاذها:

 " مع الأسف كانت الامتحانات العملية بأسبوع العملية وهذا الأسبوع على الأخص كان أصعب ما مر علي وعلى عائلتي بقيت أسبوعا كاملا تحت أثر المسكنات والآلام وتعقيم الغرز بجانب إعادة التقطيب لمرتين بسبب الحركة وذهابي للامتحانات  ، لم يكن بيدي حتى لم أتوقع هذه النتيجة بل توقعت ان ارسب ببعض المواد لما كان يحدث لي داخل اللجنة من إظلام الرؤية وازدياد ألم الجرح وهيكلي المنهك ، الشكر لله أنا لست معترضة على حكمه بل وأحمده وأشكره لما أنا به من نعمة يكفي أنني أتحرك دون ألم أو دوران رأس أو غصة بقلبي وأنا أودع  كل من أراه ".

 

_ " أعوذ بالله لا تذكريني بحالتك والله كان قلبي يحزن عليكِ دون أن أعرف السبب وبعد نجاتك من العملية حكى لي شريف عن وضعك وكيف تأثرتي وصمتي بداخلك لعدة شهور وتذكرت وقتها نبرة التوديع التي كنتي تتحدثين معنا بها والله ألمني قلبي كيف تحملتي كل هذا العبء وحدك ". 


ردت بصوتها الذي خيم عليه أنين الذكريات:

" كنت مخطئة صمتي كان أكبر قرار خطأ اتخذته بحياتي ، ألوم نفسي كثيرا لما عايشته جراء هذا القرار حتى أقول لنفسي لو لم اصمت كان من الممكن ان أتدارك مرضي بوقت مبكر واجري العملية واستعد لامتحاناتي بوضع أفضل ". 


قاطعها نديم قائلا: 

" كلمة  لو من الشيطان ، إياكِ ان تكرريها فهي من مفاتيح مداخل الشيطان لو لم أقل ،  لو أنني فعلت كذا و كذا، لو أنني اشتريت،  تدخلي بمتاهات تصل بكِ بعدم إيمانك بالقدر وما كتبه الله لنا فربما آخر معرفتك بحقيقة مرضك حتى يتم تشخيصك بشكل جيد ، إن ذهبتي لطبيب بأول الأمر كان سيكتب لكِ ما يتعارض مع صحتك ، ثقي ان الله اختار لكِ الأفضل، نعم تعلمي من خطأك حتى لا تكرريه فلا يلدغ المؤمن من جحره مرتين ولكن اياكِ و اللوم و تكرار لو فهي من الشيطان ". 


ابتسمت شاكرة اهتمامه وترحيبه بها،  كان اللقاء جميل وهادئ أظهر أستاذ نديم كم هو مثال راقي للأساتذة .


و بعد السير بأكثر من مكان دون هدف دخل شريف مكتبة الجامعة وجلس على إحدى طاولاتها الدائرية ليشرد بحزنه وضيقه فهو لم يتوقع رؤيتها من جديد ، تكرر صوت نديم بأذنه ليهز رأسه قائلا لنفسه :

" من الجيد حدوث هذا اذهبي وارتبطي بمن تشائين المهم انكِ لا تشعرين معه بالأخوة ".

 

تنهد بضيق صدره مكملا: 

 " هل كان لأجله تم رفضي، كانوا على صلة وأتيت أنا بكل سذاجة أتقرب وأطلب ما ليس بحقي ".

 

تحرك بضيق أكبر على مقعده يكمل حديثه لنفسه:  

" إن كان كذلك لماذا سمحت لي ان اقترب منها ، لماذا لم تخبرني عائلتها بوجود شخص يريد خطبتها، كان عليهم أن يجيبوا بالرفض ".



وقف وتحرك لشرفة المكتبة التي لم تتسع مساحتها إلا لشخص واحد، دخل بها ليرفع رأسه مستنشقا الرياح الباردة مكملا لنفسه:

" لا أستاذ بغدادي ليس بشخص يخدع ويراوغ من المؤكد انه أتى بعد رفضي وتم رؤيته أنه لائق بها وتم الأمر، نعم تم الأمر وهل ترفض الفتاة تحقيق حلمها بالأبيض".


تغير صفاء عيونه ولون وجهه وهو يزفر أنفاسه المحترقة: 

" ما دخلك أنت، ما دخلك، ألم تقسم على نسيانها، ألم تعد نفسك أن لا تجعل شيء يحزنك من جديد، فلتسعد وتهنئ مع من يناسبها، لا تستحق أي فتاة على وجه الارض ان احزن عليها يكفيني ما مررت به، لن اسمح لاحد ان يحزنني لا هي ولا غيرها ، اليوم أتت بزيارة عابرة أو ليست عابرة لا دخل لي وكأنها ليست موجودة وكأني لم أراها ولم أتعرف عليها من قبل كأنها غريبة عني كأي طالبة نسيت إسمها بعد انتهاء الفصل الدراسي ".

 

 من يراه و هو يحدث نفسه يعلم انه ليس حديثا عابرا بل انه تحذيرًا من الضعف أمامها، يذكرها بما مروا بهِ من صعاب وما عايشه بعد رفضها واغلاق الباب بوجهه دون رحمة، كانت حالته المحزنة وكلماته لنفسه أكبر دليل على تخوفه من قلبه وضعفه امامها.


استمر حديثه الروحي المحزن مع نفسه لما يقرب عن نصف الساعة، استقام بوقفته وهو يحسن جاكيته ويقوي نفسه ناظرا لساعة يده بحدة  مقررا الخروج والعودة للمكتب فمن المؤكد ذهابها الان .


وبالفعل تحرك وخرج من الشرفة مغلقا بابها الخشبي متخذا الباب قبلته ، وبمنتصف طريقه آتاه صوت ليس بغريب على قلبه ومسامعه:

" استاذ شريف " .


وقف وداخله يأمره بإكمال سيره، وقف وقلبه يحذره من الالتفات نحو هذا الصوت الذي تألم من ملاحقته له بلياليه وأحلامه، وقف وداخله يقول له يا ليتك لم تقف، ألتفت نحوها بدون اهتمام قائلا: 

 " افندم هل ناديتي عليّ".

 

صُدمت من حدته ورده عليها وكأنهم لم يتعارفوا من قبل، استجمعت نفسها بسرعة لترد بخجل: 

" نعم أردت فقط أن ألقي عليك السلام ".

 


اومأ رأسه بنفس حدته وعدم اهتمامه قائلا:

   " وعليكم السلام ، بالأذن منك" .


وتحرك ليكمل سيره خارج المكتبة متخوفًا من ضعفه إن طالت وقفته لثواني أخرى، هرب بأنفاسه المتسارعة وطبول قلبه التي قرعت من جديد لمجرد وقوفه أمامها وشعوره بها بل وسماعه لصوتها .


دخل بأول ممر قابله مختبئ بجانب جدرانه وضع يده على قلبه بضيق وسخط  وغضب على نفسه: 

"لماذا حتى الان ؟ لماذا لم اتخلص من حبها ؟، لماذا لم اثبت وأتحدث بقوة واسألها عن والدها وعائلتها كأنها شيء لم يكن وكأن الأمر طبيعي، لماذا ضعفت أمامها".


..............


انتهى الفصل


يتبع ..

إلى حين نشر فصل جديد لا تنسى قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا .

منها رواية حياتي 

رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..


author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • غير معرف28 أكتوبر 2024 في 12:30 ص

    روعه تسلم ايدك حبيبتي

    حذف التعليق
    • Rim kalfaoui photo
      Rim kalfaoui28 أكتوبر 2024 في 4:00 ص

      حلقة دسمة المرة دي يا لولو الأحداث كثيرة منها توته وما أصابها ومدحت ورجوعهم للبلد وزن البدري كنت اتمني انه يشوفها توته واشوف ردت فعله ههههههه
      اما بالنسبة لشريف وشهرزاد من سوء كلام الام بعثرت الدنيا كلها ومازالت زيزي مستمره في جرح ابنها مع العلم كان لقاء العشاق كارثي ضربناهم بعين هههههههه

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent