recent
جديدنا

عروس بغداد الفصل الثامن والثلاثون

عروس بغداد 

بقلم أمل محمد الكاشف



 #زوجتي

سلام على من رأى جدار قلبي ينهار ... 

         فأقامه 

...........


رفع تيّم حاجبة الايسر قائلا بوجه مكتظ  بالغضب

"فاجئني بعد كل ذلك لا يريد ان يتحدث، أتساءل ماذا ان تحدث!"


صمت لوهلة حدثها بعدها 

"اعطني الهاتف كي يرى هذا المحترم هل تجلسين وحدك ام مع زوجك"


قاطعته بنبرة رجاء

 "لا يمكنني فعل ذلك به اتركني لأتحدث معه وأقنعه بحقيقة زواجنا او انني لا اجيب عليه ما رأيك، خليل  ليس بسيء كما تعتقد بالعكس تمام هو ذو قلب كبير وحنون".


تحدث بنبرة معاتبة لا تخلو من غضبه

 "هل تدافعين عنه امامي، أم كنتي تحبينه هو أيضا لذلك لا تستطيعين كسره"


_" افهمني ليس حب ولكنه تقدير لما فعله معي خليل شخص جيد انقذني…."


رفع صوته عليها لأول مرة رافضًا سماع بقية حديثها

" لا تدافعي عنه أمامي ، لا اريد ان اسمع اسمه في منزلي مرة أخرى"


دافعت عن نفسها

 "حسنًا ولكن عليك ان تتذكر حقيقة زواجنا السريع، من المؤكد أنه لم يقتنع كما ….."


لم يستمع باقي حديثها حين خرج من الغرفة مغلق بابها بقوة.


نظرت للرسائل ثم نظرت للباب مغمضة عينيها

"متى سينتهي هذا العذاب يا الله ، متى سأعيش حياتي الطبيعية كباقي البشر"...



جاءت لتجيب عليه ولكنها تراجعت احترامًا لغضب تيّم وخوفها من تمادي خليل وعدم تفهم تيّم للرسائل التي ستتبادل بغيابه، تأخر في عودته للمنزل بهذا اليوم ظلت تنتظره كي تتحدث معه دون جدوى، عاد  بوجه مقتضب وحاد ينظر لساعة الهاتف قائلا بداخله 

"ما الذي أتى بي الى هنا كان عليّ ان ابقى بالمكتب"


غضب على نفسه وعودته بمجرد دخوله من باب منزله تحرك ليدخل غرفته مستلقي على الفراش بدون ان يبدل ملابسه .


كانت المرة الأولى التي لم يرفع نظره عليها، تحرك مصدرًا لها ظهره بنومه مغمض عينيه لينام على الفور.


تحركت بعد نومه متوجه للمجلس الخارجي وهي تتسند على الحائط خشية ضغطها على الجبيرة، وصلت للمقعد الذي خصص لها مؤخرا لتجلس عليه وهي تسحب الطاولة نحوها كي تبدأ دراستها او بمعنى اخر كي تهرب من حالتها للدراسة.


غرقت كعادتها منهمرة بتحصيل كل ما هو جديد بعالم الطب، تهرب بالقراءة كلما تذكرت رسائل خليل وردة فعل تيّم عليها.


حتى أذن المؤذن مناديًا

 "حي على الصلاة حي على الفلاح"


 ترددت بالذهاب للغرفة اكثر من مرة منتظرة خروجه للبحث عنها دون ان يحدث تحركت وذهبت هي  لتجده لا زال نائما، ايقظته بهدوء 

"تيّم صلاة الفجر"


لم يجبها رددت كلماتها مقتربة من الفراش لتجلس عليه اخذة نفس عميق أخرجته وهي تضع يدها على كتفه 

"تيّم صلاة الفجر"


فتح عينيه لينظر نحوها بثبات دون رد، كررت حديثها

 "صلاة الفجر هيا قم للصلاة"


أخفض نظره وتحرك لينزل من الجهة الأخرى ذاهبًا للحمام كي يتوضأ ويصلي بمفرده.


اعمت الغيرة عيناه حتى أصبح لا يلاحظ عينيها التي تراقبه منتظرة ان يطلب منها مشاركتها صلاته، أنهى أداء فرضه عائدا للفراش لينام من جديد دون التحدث معها.


تحركت لتتوضأ  بقلب امتلأ بحزنه أدت فرضها ومن ثم استلقت بجواره وهي تنظر نحوه تتمنى لو استدار وحدثها ..


نهضت من جديد رغم صعوبة حركتها وتألمها من قدمها لتخرج الوزة البيضاء من خزانتها لتضعها بحضنها دافنه وجهها بها محاولة الهروب من واقعها بالنوم.


من الغريب انها رأت نفسها في حضنه يحنو على ظهرها ويضحكها كعادته، دمعت عينيها وهي تتحدث مع خليل

 "وانا أيضا حامل أليس لي حق مثلها، كيف تطلقني وتتخلى عني بعد ان أصبحت ام لأولادك"


حدثها خليل بندم وحزن 

"ليس بيدي اضطررت على فعلها، ان كان بيدي ما كنت فعلتها سامحيني … سامحيني"


بكت سلمى بنومها حين عاتبت خليل الذي فجأة تغيرت ملامح وجهه وظهرت بدلا منها ملامح وجه والدها وهو يفتح ذراعيه

 "عزيزة ابيها عودي إلي كي اعوضك عن كل ما عايشتيه"


انار الظلام خلف والدها ليظهر ابو بكر 

"نعم هيا عودي لتعود احلام الشباب معك"


تحركت تجاه والدها كي تلقي بنفسها في حضنه مستمعه لصوت خليل 

"لا تذهبي له لا تلقي بنفسك في النار مجددًا، تعالي معي وانا سأعوضك عن كل ما عايشتيه"


تقدمت نحو أبيها بعيونها التي تدور بينهم مستمعه لصوت أمها يأتيها من بعيد 

" إياك يا سلمى، إياك ان تعودي إليهم، إياك ان تلقي بنفسك في النار مجددًا"


استدارت لتنظر نحو صوت أمها لتجد زوجها يقف من بعيد ينظر لها بحزن وعتاب.


مسحت دموعها محاولة الاستيقاظ من كابوسها ناظره بجانبها دون ان تجده، تأكدت من خروجه حين رأت ملابس نومه ملقاة على الأريكة. 


جلست مكانها بحزن كبير، اخذت هاتفها لتنظر داخله منتبهه لوصول مزيد من الرسائل فتحت لتقرأ به

 "لماذا لا تجيبيني .. من فضلك اسمحي لي بالاتصال بك كي نتحدث بشكل جاد .. اعلم حدود الله قبل حدودي جيدًا لذلك لا تقلقي من الحديث معي لنتفاهم على كيفية تدبر امرنا بالأيام المقبلة"


اغمضت عينيها متذكرة إنقاذه لها من أيدي النسوة وجبروتهن فتحتها بسرعة هربًا من ذكرياتها، فتحت هاتفها لتتصل بصديقتها هند لتطمئن على وضع العمل طالبه منها ان ترسل الملفات التي طلبتها مساء امس.


طُرق الباب لتجد سمراء تدخل بصينية الفطور انهت حديثها مع صديقتها بسرعة كي تتركها لعملها ناظرة لسمراء متسائلة

"هل تيم لازال موجود؟"


_" خرج بوقت مبكر دون ان يفطر عرضت عليه ولكنه لم يرغب بتناول شيء"


أومأت سلمى رأسها 

"حسنا شكرا لكِ"


تحركت سمراء وهي تتحدث 

"ابنتي تسنيم والسيدة تهاني  سيخرجان بعد قليل"


تذكرت سلمى قائلة 

"لأجل الرحلة أليس كذلك ؟"


أكدت سمراء على ما قالته فطلبت منها أن تساعدها بالخروج كي تراهم قبل ذهابهم.


……….


خرجت رانيا المصري من الحمام بوجه حزين جدا اقترب طارق منها ليحتضنها قائلا

" لا عليكِ سيحدث بيوم من الأيام، أشعر وكأننا متزوجان منذ قرن، ما بكِ لا زلنا بأول الطريق"


_"كنت أتمنى ان احمل بسرعة كي استمتع بأطفالي وانا بعمر الشباب"


تحرك بها ليجلسها على الفراش 

"سيحدث وسنستمتع بأطفالنا علينا فقط ان نصبر كي نحقق جميع احلامنا"


ردت عليه 

"هل تحدثت مع امي عايدة؟"


_" نعم اتصلت بها أصبحت بصحة أفضل الحمد لله"


تحدثت بحزن 

"انت تعلم ان التعافي من هذا المرض ليس بسهل كما تقول…"


اخفض عينيه 

"مع الأسف اعلم ذلك جيدا، تواصلت مع طبيب هناك سيقوم بإجراء التحاليل والاشعة الخاصة بها في معمل خاص كي أقارن النتائج واحدد ما علينا فعله"


_"اتمنى لو نستطيع استقدامها إلينا كي نهتم بها في مشفانا"


رد عليها 

"ها نحن نحاول قدمت الأوراق وانتظر ردهم لعل وعسى نستطيع استقدامهم بأقرب وقت"


اجابته بحزن 

"اعتذر ان ضايقتك بحديثي ولكني اخشى تأخر العلاج "


قاطعها برده

 "اعلم حبك وخوفك عليها، كما اعلم ضرورة إجرائها العملية وليس فقط العلاج، ان ثبتت التقرير الجديدة ما ظهر قبلها فهنا علينا التحرك بسرعة اما ان تأتي لمشفانا واما ان اذهب انا الى هناك كي اتابع الطبيب الذي سيقوم بإجراء العملية بأقرب وقت"


ورغم عدم رغبتها بذكر اسمها في منزلها إلا انها أجبرت على ذلك

 "أتمنى لو الدكتورة سلمى هي من قامت بإجراء العملية لها"


تحدث طارق 

"تعلمين الوضع اكثر مني، تأزمت المستشفى جراء الإجازات التي أخذتها سلمى بهذه الفترة كما ينتظرها جدول عمليات مكتظ بالمرضى المهمين يكفون لشهر كامل للعمل دون توقف، جميعهم مهمين ذو مكانة واهمية اجتماعية وأخرى دولية حيث سيأتون لها من دول أخرى"


_" هل صحيح ما قيل ان زوجة رئيس دولة عربية ستأتي قريبا للقيام بعملية مهمة وسرية في مشفانا؟"


حرك رأسه على جانبي اكتافه 

"لا اعتقد بالمرة السابقة استدعوا الدكتورة سلمى كي تقوم بالعملية في مستشفى أكثر خصوصية واعلى بالإمكانيات"


_" نعم أتذكر ذلك اليوم حين رفضت ان تخرج لأجرائها خارج المستشفى وعادت عن رأيها بعد المبلغ الكبير الذي قدم لها"


تذكر طارق حديثه مع سلمى و وجوب إجرائها العملية لأجل تتويج مسيرتها الطبية بمزيد من النجاح موضح لها ضرورة تغيير نظرتها العملية والاهتمام بالجانب المادي الذي سيرفع ويقوي وضعها الاجتماعي حذرها يومها من الشدة والتعنت الغير منطقي فالكثير من الأطباء و البروفسورات يفعلون ذلك لتزداد شهرتهم قوتهم العلمية والعملية بجانب الاجتماعية.


وقف طارق وهو يتنهد بحزن

"لا اريد ان تعلم بأمر أمي، أنا سأتولى كل شيء، اعلم ان العملية صعبة وخطيرة بهذا السن ولكنها غير مستحيلة الكثير من المرضى يقومون بها وتبدي نجاحات بشتى الدول علينا فقط ان نختار طبيب متمكن بالجراحة"

……….


بهذا الوقت كانت سلمى قد اقنعت الام تهاني الهاشمي بأن تأخذ سمراء وابنتها معها كي يتولوا خدمتهم ورعاية تسنيم هناك.


تحدثت الام

 "بصراحه هذا ما كان يحدث بالسابق ولكن الان وفي ظل وضع قدمك لا يمكنني اخذهم وتركك بهذه الحالة"


_" وما بها حالتي، لا احتاج لشيء مهم خلال الأسبوع ، بالنسبة للملابس لنرسلها للمغسلة والطعام فلنأتي به من الخارج كما يمكنني الاتصال بشركة الخدمات ان وجب امر النظافة، اما بالنسبة لتسنيم فلا يمكن لأحد جديد ان يراوضها ويهتم بها كما تفعل سمراء وسيدرة ابنتها "


ردت الأم باستحياء 

"يعني ألم يصبح عيبًا علينا فأنتِ مريضة"


_" لا تقلقي اذهبي أنتِ وانا سأتدبر امري لعدة أيام سأذهب لفك الجبيرة بعدها، كما انني سأذهب خلال هذه المدة للمستشفى لإجراء عدة عمليات مهمة"


تعجبت الأم قائلة 

" كيف ستعملين وقدمك مجبره!"


رفعت سلمى يدها بوجه مبتسم

 "سأقوم بإجرائها بيدي وليس قدمي"


_" واخيرا تبسمتي كدت ان انسى ملامح وجهك المبتسم"


خجلت منها 

"اعتذر والله ولكني معتادة على التعامل مع المرضى والناس بهذا الشكل، الغربة وبقائي بمفردي لوقت كبير جعل وجهي بهذا الشكل ولكني سأنتبه"


وضعت تهاني يدها على كتف سلمى

"وجه ابني البشوش سيجعلك تعتادين لا تقلقي"


نظرت لسمراء مكملة

 "هيا تجهزا بسرعة كي لا نتأخر على العم أحمد فهو ينتظرنا منذ ساعة بالأسفل" 


اسرعت سمراء وابنتها لتحضير الحقائب ليذهبا مع الام وابنتها في رحلة ترفيهية ورياضية استجماميه مع عدد من الأصدقاء والاحباب.


أغلقت الباب خلفهم عائدة لغرفتها كي تتناول فطورها بشكل جيد، واجهت صعوبة بنقل  صينية الطعام ووضعها بالمطبخ محدثه نفسها

"كيف سأحملها دون ان تسقط مني أنها البداية فقط ، سأتركها ليأتي هو ويساعدني بها"


قالتها وهي تغلق الإضاءة لتخرج من الغرفة متوجهة  للمجلس كي تكمل دراستها الجادة وهي تحدث نفسها 

"لا يحق له ما فعله، هل نسي نفسه! أم صدق زواجنا"


جلست على المقعد بعد ان أغلقت جميع الإضاءة في المنزل تاركة خاصة المجلس بقدر   مصباحين ذو حجم صغير واضاءة خافتة.


انشغلت بالاتصالات ومتابعة العمل والمرضى مع الاتفاق على المواعيد الجديدة، ارسلوا لها عدة فحوصات لتقوم بعمل تقارير تشخيصية لها.


تحركت لتتوضأ مؤدية فرضها ومن ثم حضرت قهوة سادة بن زيادة وضعتها بكوب كبير املأت منتصفه فقط كي لا تتساقط منها أثناء طريقها للمقعد الخاص بها.


عادت للدراسة والعمل من جديدة ، لم يسقط الهاتف من يدها ترسل تقارير وتستلم غيرها ، تسأل الأطباء عن بعض المرضى وتقرر معهم خطة العلاج الجديدة لهم.


كالعادة اختلفت مع مدير ادارة المستشفى رافضة السفر لأمريكا كي تجري عملية هناك بجانب مجموعة من الأطباء متحججة بوضع قدمها.


شرح لها أهمية ذلك على مسيرتها العملية ورفع اسم مشفاهم بجانب أكبر مستشفيات البلد 

ولكنها أصرت على الرفض لأجل العمليات التي تولت مسؤوليتها بالفترة المقبلة 

وضعت يدها على راسها وهي تستمع لكثرة احاديث المدير الذي كان يصر على أهمية الذهاب واضعا مبالغ مالية كبيرة لموافقتها على ذلك، هربت من حديثه بقولها

 "اتركني افكر وارد عليك غدا"


_" لا لن انتظر للغد، سأنتظر ردك خلال اليوم"


أغلقت الهاتف ملقيه به على الطاولة بقلب يضيق مما سمعه متحركة بعدها لتجلس على الأريكة بأريحية بقائها في المنزل وحدها فمن النادر ان يخرج جميع من في المنزل ويتركونها وحدها بل من المستحيل حدوثه قبل ذلك، وضعت طاولة صغيرة وقصيرة خاصة بتوزيع الطعام على الضيوف أمامها لتمد قدميها أعلاها مستندة بظهرها ورأسها على المسند الكبير خلفها.


نظرت للساعة التي تعدت الخامسة مساءً مغمضة عينيها لتصفي ذهنها وتتغلب على ارهاقها، لم يطل وضعها كثيرا دقائق معدودة سمعت بعدها صوت فتح الباب بالمفتاح، تعجبت من عودته بوقت مبكر بعد ان اعتاد على العودة المتأخرة، دخل واضعًا هاتفه ومفاتيحه أعلى رف الزينة والتحف الفنية بجانب الباب، حدثته من مكانها بثبات 

"لم انتظر عودتك المبكرة، يا ليتك اتصلت قبل ان تأتي كي أطلب لك الطعام"


تحرك صوبها وهو يضع يده على رأسه من شدة تألمه، سألته بقلق 

 "هل تشتكي ألما في رأسك؟"


جلس بجانبها ليستدير بعدها رافعًا قدميه أعلى الاريكة لينام على ظهره مستند برأسه على ارجلها وهو يجيبها بعينيه المغلقة

 "حتى الدواء لم يأتي نفعًا معها، أشعر وكأنها ستنفجر من كثرة الطرق داخلها"


سألته عن موضع الألم ليشير بيده نحو جبهته وخلف رأسه.


هزت رأسها 

"بسيطة سيذهب ان ذهبت للفراش كي تنام بهدوء، حدث بسبب عصابيتك و ارهاقك في العمل اذهب ونم ليأتي الدواء بمفعوله"


لم يستجب لها ولم يجيبها ظل على حالته دون أي حركة، نظرت لقدميه ولحذائه قائلة 

"عليك ان تتمدد اخلع نعليك و جواربك،  سيساعدك هذا على الاسترخاء والراحة وكما سيذهب ألمك بسرعة أكبر"


ظل على حاله دون ان يجيبها، عادت لتحدثه 

"تيّم لا يصح ان تنام بنعلك على الأريكة على الأقل اخلعه من قدمك نحن نجلس عليها كيف تريد منا ان نطمئن على انفسنا من الميكروبات والأمراض وانت تفعل ما تفعله"


حرك قدميه ببعضهم كي يخلع حذائه بواسطتهم ملقي به أرضا وهو يستدير لينام على جانبه الأيمن دافن جبهته فى بطنها القريب منه بجلستها.


فاجئها بوضعه وقربه منها بهذا الحد ظلت صامته تراقبه بذهول واستغراب، لم يتعدى من الوقت غير دقائق معدودة غمره بعدهم النوم واسدل الستار على عقله المشتت بهوى الحب والغيرة والخوف من الترك.


رفعت يدها لتلامس شعره بشرود كبير نتج عن حديث الروح وتأنيبها  لنفسها عن ما خرج منها ليلة أمس، تذكرت تغير وجهه وحزنه الذي سيطر عليه حين ذكرته بالاتفاق الذي بينهم، كما تذكرت ارتفاع صوته وغيرته من خليل.


سبحت اناملها بشعره حتى أصبحت تتخلل خصلاته السوداء الناعمة وهي تتذكر كلماتها الثقيلة التي ألقتها بوجهه قبل عدة أيام 

"أنا لا أصلح لك، قلبي المنكسر المحطم لا يصلح لحماسك وتأملك، أغلقت على نفسي ولم ادخل احد حياتي مجددا، الجميع عابر دون بقاء، لا اريد لا حب ولا حياة زوجية، اريد ان اعيش بحرية وراحة ابديه اذهب واختر لنفسك من يليق بحماس البدايات وجنون الحب وسهر الليل وعد النجوم انا لا أصلح لك"


زاد شرودها لتتجرأ يدها على لمس لحيته بحذر كبير من استيقاظه، حركت يدها الاخرى بلحظة انفصالها عن دنياها لتضعها على قلبها متألمة من شدة الرعد بداخله. 


اغمضت عينيها في محاولة منها تحمل ما تشعر به وكأنها تصعق  بهذا الشعور الذي يزداد كلما حركت يدها على لحيته، فهي تعيش حرب الأخذ والترك بجولة واحدة شرسة لا رحمة ولا عدل بها، جميع المعطيات تحاكيها بوجوب تركه لعيش حياة جميلة هادئة تليق بطيبته وقلبه الكبير، وهناك بالجهة المقابلة من يحاكيها عن صعوبة بُعدها عنه بعد أن وجدت ضالتها به، كيف يمكنها أن تظلمه بقربها وبعدها، تراه يتألم مما تقوله ولكنها مجبره على فعلها وليس قولها فقط لأجل حياته .


أعادت رأسها للوراء مستنده بها على ظهر الأريكة لتنام على حالها دون رفع يديها من على لحيته .


ليمر على هذا الصمت الكبير ساعتين لثلاث ساعات فتح تيّم عينيه بعدهم متعجب من احتضان كف يدها لجانب وجهه الأيمن بينما يدها الأخرى متمركزة اعلى شعره، حاول استعادة وعيه وفهمه لما هو به متذكر مجيئه ونومه على أرجلها، رفع نظره للأعلى  ليتأكد من وجودها هي لا غيرها، احقًا ما يشعر به ام انه لا زال بعالم الأحلام، بهذه اللحظة حركت سلمى يدها على شعره كما كانت تفعل قبل نومها.


تراقصت فراشات قلبه لتسرع أنفاسه وهو ثابت يخشى ان يتنفس كي لا يشعرها باستيقاظه و يحرم من العيش بالأحلام الواقعية الجميلة ولو للحظات.


اغمض عينيه مجددًا مبتسم ابتسامه انشرح وتعافى بها صدره الحزين.


حركت يدها لتسحبها من على وجهه ببطء استقامت به في جلستها وهي تنزل قدميها من على الطاولة.


لم تستطع رفع يدها من على شعرها حين عادت لتغرق بوجهه القريب منها، لتتخلل اناملها خصلات شعره بلطف وحنان وكأنها تعتذر له عن ما احزنه منها.


استمرت بمداعبة شعره وهي تحدثه بصوت شبه مسموع

 "لأجلك، نحن لا نصلح لبعضنا، لا تظلم نفسك معي، أنت تستحق الأفضل"


فتح عينيه لترفع يدها بسرعة صدمتها من استيقاظه، تحرك رافعا يده ليلامس موضع يدها على شعره قائلا بنبرة حزنه

"نزعتي تسريحتي كيف سأقنعه من اليوم وصاعد ان يعود بجانب بعضه دون تذمر"


ابتسمت بخجل 

"لم يحدث شيء لكل ذلك، كنت نائمة، أعني حدث وانا نائمة، اعتقد اني تخيلت أنك تسنيم بجانبي او تخيلت انه شعري"


صدمها بقوله

"لا يمكنني تمريرها دون عقاب"


-               "هل عقاب!"


أومأ برأسه 

"نعم فأنا جائع وأريد ان أأكل ولا يوجد أمامي سواكِ لأعاقبه بتحضير الطعام لي"


-       "أنا …. احضر لك الطعام!"


ابتسم على تعابير وجهها المندهش 

"الهذة الدرجة .. ألا يوجد أي خبرة تحفظ ماء الوجه؟"


نظرت لقدمها بعين تمثل  الحزن 

 " اهون عليك وانا بهذه الحالة"


ابتسم لها وهو يمازحها بجوابه 

"حسنًا فهمت عليكِ ولكني سأعاقبك بتحضيره لي بعد شفاء قدمك"


اجابته باستغراب 

"كيف تبتسم وتسايرني وأنت مجروح مني، كيف وعينيك تفضح ما بداخلك، لماذا تفعل كل ذلك؟ كنت أتوقع عودتك بوضع مختلف، تضع القواعد وتذكرني بالاتفاق وتدافع …."


 كانت ستقول حبك  لولا خوفها من الإجابة لذلك صمتت واكتفت بقول 

"عن حقك كوني زوجتك وعلى عصمتك"


ابتلع ريقه بجوفه الجاف من مرارة ما تذكر تحرك ليجلس ناظرًا للأمام

"وعدتك ان لا اضغط عليكِ، كما انني مخطئ برفع صوتي انا لا احب هذا التصرف بل أكرهه، ولكني فعلته دون وعي مني لذلك اضعت حقي حتى وان كنت محقا به"


ردت دون النظر له 

"اذهب وخذ حمام دافئ، وبهذا الوقت قد أكون اتصلت وطلبت لنا سندوتشات برجر كرسبي لن يتأخروا تعلم المكان قريب دقائق ونأكلها سويًا"


ضم حاجبيه متسائلا

 "هل هذا مفهومك عن تحضير الطعام؟"


أومأت برأسها متحدثه بحدة

"نعم بهذا القدر فقط وأيضا انت متعب لا يمكنك تحضيره وانا كيف سأقف واحضر لك بقدمي، كما أنني أحب طبخ اللحم وانت تحب الدجاج، وانا خبرتي بالدجاج قليلة لا اعرف بماذا قصر معك اللحم المشوي"


ضحك من قلبه فهذا هو حين ينظر لوجهها ويستمع لصوتها المفعم ببرائتها و تلقائيتها المحببة لقلبه.


كادت عينيها ان تبكي من حنانه وعطفه عليها هربت من النظر لوجهه وهي تستمع لصوته -"هذا يعني أن العمل وقع على عاتقي"

 

لم تتوقع بهذه اللحظة قيامه وقربه منها ليحملها بوضعية جلوسها بين ذراعيه بهذه السرعة التي أذهلتها وجعلتها دون صوت حتى وضعها بجانب الموقد الكهربائي المسطح اعلى الطاولة الرخامية التي تنتصف المطبخ.


تحدثت بصوت وعيون مخفضة من خجلها 

"لماذا جئت بي إلى هنا؟،  دعني أطلب طعام سريع كي تعود لعملك دون تأخير"


وبخبث ومكر تحرك ليفتح الثلاجة متحدثًا دون النظر لها 

"لا تقلقي هي تعلم أنني متعب، اخبرتها انني سأذهب لأنام كي لا يزيد ألم رأسي وهي لم تقصر اهتمت كثيرًا بي حتى انها اخبرتني بعدم أهمية عودتي وتحملها  عبء الموظفين طوال اليوم ولكني رفضت و وعدتها ان اعود إليها، أعني للعمل"


أرادت ان تسأل هل يقصد سندس ولكنها تراجعت فليس هناك غيرها لتسأل عنها، صمتت بضيق كبير اخرجته بعد دقائق بقول 

" تفعل ما تريد بالخارج متحجج بالعمل وعندما يصل الامر لي تغضب و…"


اقترب منها ناظرًا لوجهها 

"أنا لا اسمح لأحد ان يتخطى حدوده معي، ليس لأجلك بل لأجل رضى الله عليّ، اصبحتي امانة بعنقي عليّ ان احافظ عليكِ بغيابك قبل حضورك كي يحفظك الله لي"


قطع صوتها امام صدق ما يقول، تحرك ليخرج  قطع الدجاج من البراد واضعها جانبا ثم اخرج الفلفل الملون والطماطم ومن بعدهم البصل والثوم والملح والفلفل الأسود.


نظر لصمتها قائلًا

 -"اعتذر منكِ وددت ان تستريحي ولكن عليكِ ان تساعديني بتقطيعهم كي اسرع بعودتي"


حملها مرة أخرى بدون مقدمات ليجلسها على المقعد بجانب الطاولة، أعطاها الخضروات بعد ان غسلها قائلا 

"ليس من الضروري ان يكونوا بحجم صغير"

 

انحنى ليخرج قدر الطعام من الخزانة بالأسفل ليضع به الماء ثم وضعه على النار من أجل سلق المكرونة.


حدثته    "وقدمي؟"


ابتسم  غامزًا بعينيه 

-"لا تتحججي هيا قطعي كي ننهي عملنا بسرعة ونملأ بطوننا قبل ذهابي"


اخفت ابتسامتها وبدأت بتقطيعها

-"ولكن لا تطمع بأكثر من ذلك"


-    "حسنًا فهمنا  قطعي انتِ الخضروات وانا ساتولى امر المكرونه  و تحضير شاورما الدجاج ، ماذا افعل كان الله بعوني"


تسائلت

-"ولما المكرونة ما دمت ستحضر الشاورما! لنضعها بالخبز ومن فوقها صوص الصويا والمايونيز والخردل، لا داعي لكثرة الاواني المتسخة"


اجابها رافعًا حاجبيه 

"الواضح ان الاكل الجاهز افقدك حاسة التذوق كي تضعين كل هذه الأنواع المختلفة المذاق مع بعضها، لا يا سيدتي سنقوم بطهي المكرونه حتى انهي انا تحمير الدجاج مع الخضار ومن ثم احضر الصلصة البيضاء بالجبن ونضع جميعهم على بعضهم"


لمعت عينيها 

-"من الواضح إننا سنستمتع اليوم"


سحرته واوقفته للحظات مبحرًا بجمال عينيها من جديد، ادارت وجهها وهي خجلة من نظراته حين خفق القلب واسرع نبضه من شدة ما يضخ بداخله من مشاعر فياضة يعجز العقل والجسد عن التفكير والحركة كما يراد منهما.


لم يصمت عن شرح الطريقة وكيفية الغسل والتتبيل والتقطيع والطهي بصوته المرح، كما لم تنزل هي عينيها عنه طول جلسوها بجانبه تشرد به ثواني وتعود لتقطع السلطة لثواني أخرى دون رد او مشاركة بالحديث فقط تراقبه وهي تحدث روحها 

"كيف سأتركه بعد ان وجدته، كيف سأتركه لغيري، بل وكيف سأتحمل ان يقترب ويضحك وينظر بهذا الجمال لشخص أخر وخاصة ان كانت ثقيلة الظل سـنـ.."


لم تنهي تلفظ اسمها حتى جرحت اصبع يدها بالسكين، صرخت ملقية ما بيدها بقوة

 -"اااااه"


اسرع بجانبها بقلق ينظر للجرح وهو يضحك، لتضحك هي أيضا قائلة 

 "ظننته كبير"


عاد لمكانه لتكمل حديثها

"ألن تركض لجلب الضماد لي"


ضحك بقوله

 "انتظري لأنهي ما بيدي ثم نعيد تصوير المشهد"


ابتسمت متسائلة 

"وكيف ستصوره؟"


استمر بتقليب الدجاج وهو يفتح عينيه وفمه قائلا 

"ستصرخين ملقية بالسكين ، لأركض انا بقولي هل جرح اصبعك يا للهول، ثم أسرع لأخذ مجموعة مناديل ورقية لأضعهم على يدك وانا اساندك للخارج"


سألته وهي بحالة ضحك هستيري على ملامحه وتمثيل جوارحه المشهد معه قائلة

-"ولماذا تساندني وتخرجني"


رد بتعابير وجهه المضحكة 

"وهل اتركك تنزفين حتى تموتين بين يدي ساسرع طبعا كي نذهب لأقرب مشفى باحثين عن طبيب جراح ماهر يضع لكِ لاصق جروح ونعود بعدها لنتناول الطعام"


وقفت مقتربة منه وعيونها على الدجاج تنظر لما يفعله قائلة

-"اريد عصير مانجو بطريق العودة كي أستعيد عافيتي بعد كل هذا النزف"


مدت يدها والتقطت قطعة دجاج لتضعها في فمها قائلة 

"لنرى هل نضجت أم..."


مال عليها ليأخذها منها ليضعها بالقدر مرة أخرى وهو ينهيها على فعل ذلك، ادخلتها بفمها بسرعة وضحك ليتوعد لها ان ينقصها من نصيبها.


عاد ليقلب بسرعة كي لا تحترق لتعود وتأخذ قطعة أخرى هاربة من خلفه، احتضنها من ظهرها ممسك بيدها قبل ان تضع الدجاج بفمها علا ضحكهما ليملأ قلبيهما بالفرحة والسعادة حين قرب يدها لفمه كي يأكلها هو.


وضع المكرونه في الاطباق ومن ثم وضع عليها قطع الدجاج قائلا 

"لنتركها علينا هذه المرة ولكني بالمرة المقبلة سأنقصها من حقك"


نظرت للصوص الأبيض المغدق بالجبن الذائب الذي وضعه لها كطبقة أخيرة فوق الدجاج والمكرونة قائلة

"هذا يتوقف على الطعم والدرجة التي ستحصل عليها، لا تثق أنني سأقبل ان تحضر لي الطعام بكل مرة ان لم تكن على القدر الذي يستحق ذلك الشرف"


رفع حاجبيه وفتح عينيه مرددًا

-"ذلك الشرف!"

 وبسرعة لم تتوقعها سحب تيّم الطبق من يدها رافعا طبقه هو أيضا بيده الأخرى خارجًا من المطبخ 

-"حسنا ستحرمين منه كي تهدئي من تواضعك وتكاسلك لقد انتفخنا من كثرته"


أسرعت خلفه لينظر هو لقدميها متسائلا بمقلتيه

 -"اصبري حتى اعود إليك ِ"


ضحكت آخذة طبقها منه لتجلس على مائدة  الطعام القريبة من المطبخ

 "الواضح انك خائف من التقييم"


ضحك بفرحة ما يشعر به 

"من أين اتيتِ بكل هذا العناد والجبروت، •ألا تشفقين عليّ أتيت متعب من العمل ومع ذلك وقفت لأحضر لكِ الطعام"


ابتلعت طعامها وهي تستمتع بطعمه قائلة

-"جميل حقًا جميل، رائحته وطعمه حتى طريقة غرفك له و وضعك النعناع الأخضر على الواجهة كله جميل وشهي"


حرك ياقة قميصه بفخر لم يكتمل حين سمعها تكمل 

-" لهذا سأعطيك ستة ونصف من عشرة، لا تحزن سأعطيك  فرصة أخرى للنجاح والتفوق والحصول على درجاتك كاملة"


اجابها بكل جوارحه

"وكيف سأحصل على درجاتي كاملة يا مولاتي الظالمة"


ردت بضحكها 

"عليك ان تكثر من تحضيره لي حتى تصبح ماهرًا بأعداده"


امسك يدها التي كانت تلوح بشوكة الطعام أمام وجهه ليقبلها 

"ابقي فرحة بوجه ضاحك هكذا وانا احضر لكِ كل ما تريدين وأكثر، حتى يمكنني ان اتعلم كيفية تحضير اللحم المشوي و اتناوله معكِ ما رأيك"


كانت تريد ان تلقي بنفسها في حضنه معلنة موافقتها على دخولها عش السعادة دون خروج ولكنها لم تستطع لأنها عاهدت نفسها على ان لا تظلمه معها.


حتى انها ندمت على مشاركتها له اعداد الطعام والضحك كي لا تعذبه وتحترق هي بمشاعره التي أصبحت اكثر ألما عليها من ماضيها.


صمتت بحزن لتعيده لأرض الواقع مجددًا، حتى انه اصبح يأكل بصعوبة كبيرة حين تذكر كل كلمة قالتها له بالأمس القريب.


انهى طعامه واسرع بخروجه دون تبديل ملابسه ودت ان تسأله عن سندس هل ستكون هناك ام لا ولكنها تراجعت لعدم أحقيتها في هذا.


دخلت غرفتها بعد خروجه مغلقه الباب  ملقيه بنفسها على الفراش وهي تبكي بصوت مرتفع من حرقة ونار قلبها التائه الجريح. 


لم يعد تيّم لعمله بل ذهب لشيخه الذي حفظه القرآن وهو بحالة يرثى لها، استمع له ليصدمه بجوابه قائلا

"اتركها تفعل ما تريد ان ارادت الذهاب فلتذهب لا يمكنك حبسها. كما لا يمكنك امتلاك قلبها رغما عنها حسنا تغير وضعها وحالتها معك كونها شعرت بالأمان ولعمل الخير الذي فعلته معها، لا تجبرها على العيش معك كي لا تندم مستقبلًا"


خرج من منزل شيخه الذي لا طالما اعتبره كوالده بحالة أسوأ مما ذهب له بها، عاد للمنزل ليجدها تدرس وضع المفاتيح بجانب الباب مقترب من الاريكة ليجلس عليها مستندا برأسه للخلف.


تحدثت له 

"ظننت أنك ستتأخر لم تكمل ساعتين فقط على ذهابك"


صدمها بجوابه 

"اعتذر ان عدت بوقت مبكر"


كادت ان تعود لبكائها لولا تماسكها 

"لا عليك بكل الأحوال سأنام بعد قليل كي أكون مستعدة لعملية مهمة غدا"


استقام بجلسته

 "كيف غدا ألم تقولي ببداية الأسبوع المقبل"


ردت عليه 

"توجب ذهابي لأمريكا كي انضم لفريق طبي سيقوم بإجراء عملية دقيقة وحرجة لمسؤول سياسي رفيع المستوى، ولذلك سأبدأ بإجراء العمليات من الغد كي لا اقصر بحق مرضاي"


_" كيف ستسافرين بهذا الوضع؟"


خفضت عينيها وهي تجيبه

 "سيتولون هم أمر انتقالي وتوفير مساعدين لي، كنت ارغب، أعني كنت سأطلب منك"


رد عليها 

"وفقك الله بعملك، كنت اريد ان اتحدث معك بخصوص دكتور خليل كي ننهي الموضوع ونغلق المسألة، اعتذر منك لا يمكنني تقبل تحدث زوجتي مع رجل غريب وخاصة ان كان زوجها السابق، بالإضافة ان كان الموضوع يخص اتفاقكما على طلاقنا والعودة له، ان تمسكتي بحقك في التواصل معه علينا أولا…"


قاطعته بسرعة خوفها من سماع باقي حديثه قائلة

"حسنا لن اتواصل معه إلا من خلالك طبعا ان توجب علينا فعل ذلك"


لم ينتظر سماع  جوابها على هذا النحو، ابتلع ريقه مُبعد نظره عنها وهو يحاول ان يهدأ الصراع الذي بقلبه قائلا

"وأيضا، اريد ان أرى ما اجبتي عليه به، يمكنك تفسيره انه فضول او أي شيء اخر ولكنه حقي كونك زوجتي …"


فتحت هاتفها لتمده امام وجهه بعد ان فتحت صفحة التواصل بينها وبين خليل.


اخذه منها بضربات قلب متسارعة ناظرا له متفاجئ بعدم ردها، نظر لها نظرات ثابتة مستمع لحديثها قائلا

"اعلم انه حقك، ولذلك لن اتواصل معه حتى تسمح انت بذلك، وان اردت يمكنك التواصل معه وأخباره بكل ما تريد"


صمت لتكمل متسائلة 

"هل رضيت الان"


نظر لها مجددًا محاولا فهم حالتها، وأمام استمرار صمته عادت لتحدثه بصوت طفلة مدللة 

"هيا لتساعدني كي أذهب لغرفتي، عليّ أن أنام مبكرا كما أخبرتك"


حك أذنه بإصبعه الصغير متحركًا بعدها ليحملها، علا صوتها الضاحك

 "ماذا تفعل كنت اريد مساندتي فقط " 


تعلقت برقبته مكملة

"إياك أن تسقطني كي لا تتحمل ذنب مرضاي"


كان يتأمل وجهها وهو يحدث نفسه عن كيفية تحمل الحياة بدونها، جلس بها على الفراش منتظر تحركها ولكنها ظلت ثابته بجلستها على رجله دون  رفع يديها الملتفة حول رقبته قبل أن تطلب منه 

"هل يمكنك المجيء معي، انا لستُ معتادة على السفر والتنقل وحدي، اعلم انه يتوجب اعتيادي وخاصة بوضعي ولكني أقول ماذا إن أتيت أنت حتى اعتاد"


_" تغيرت من جديد"


سألته باستغراب 

"ما الذي تغير!"


_" لون عينيكِ "


خجلت بحضنه 

"هكذا انا حين افرح او اتدلل تتغير لونها امي كانت تقول لي ذلك"


خطفت قلبه وعقله واقسمت فؤاده بحيرته وتخبطه ظل صامتا أمام حديثها عن أمها وكيف كانتا صديقتان مقربتان من بعضهما يتبادلان الأسرار والأحاديث عن المستقبل المبهر.


اغلق يديه حول ظهرها مستمتع بالنظر لوجهها ويديه التي حررت واحدة كي تشاركها حديثها تاركه الأخرى معلقة حول رقبته كما هي.


كان يتمنى أن يبقى طوال العمر بهذا القرب وهذه الحالة شاركها الحديث متسائلا عن عائلة أمها وكيف كان شكلها لتنطلق سلمى بوصف أمها بأجمل الصفات والملامح قائلة بالأخير "مثلي تماما "

 

ضحك من أعماق قلبه 

"طبعا طبعا كنت اظن انك أجمل ولكن الحمدلله على تواضعك هذه المرة"


رغرغت عينيها بدموعها وهي تسأله بهذه اللحظة 

"هل لا زلت حزين مني؟"


عجز عن إجابتها حين عقد لسانه وأُلجم بما يريد أن يبوح به ظل ينظر لها مكتف بهز رأسه بالنفي كإجابة مختصرة شرح بها مدى حبه وعدم تحمله لا الابتعاد عنها ولا الحزن منها….


نزلت يدها متحركة من على قدمه لتصعد فراشها وهي تقول 

"تم الامر هيا لننام"


_" اشعر وكأنني طفل تم الضحك عليه واهدار حقه"


رفعت الغطاء عليها

"لا تقل ذلك انت دكتور كبير بحجم الباب" قالتها لتضحك بعدها ضحكه ساخرة

استدار لينظر لها

" وماذا عن الضحك هل نمررها ام ناخذها بالمعنى الذي وصلني"


_" لا استغفر الله إياك ان تعتقد انني اقصد قصر قامتك.. أحزن منك"


قصف جبهتها

 "اعتذر منك كان يتوجب علي ان أقبل بهذا القدر من الطول كي اليق بك ، نعم أطول منك ولكن الفرق ليس بسيء لا تقلقي لن يشعر أحد بقصر طولك بجانبي"


اخذت الوسادة ملقيه بها في ظهره ليتحرك بضحك كي يقف مقرر الهروب منها قبل ان يفقد عقله ويذهب ليحتضنها دون تركها.


حدثها قائلا

"احتاج للشاي نامي أنتِ وانا سأشربه واعود لأنام"، خرج هاربا تاركها تنام بوجهها المبتسم المبتهج من فرحته، ذهب للمطبخ متفاجئ من تنظيفها لأواني واطباق الطعام بعدهم ، تذكر وضع تدللها عليه وطلبها منه ان يساندها للغرفة بوجه ابتسم بفرحته 

"ظللتي تنعتيني بمجنون بمجنون حتى اقترب إصابتي به، كيف تكونين الشيء وضده في نفس اليوم بل في نفس اللحظة!"


تذكر طلبها للشاي المميز من يده ابتسم وجهه وهو يسكب الشاي بكوبه

 "وهل يتميز شيء بجانبك، تمحين كل ما هو مميز بمجرد اقترابك منه، ولكنك تستحقين هذا التميز ليس فقط بعلمك بل بقلبك وجمالك"


فكر قليلا متذكرًا وضع جلسوها على قدمه  وتدللها بالحديث معه قائلا لنفسه

"اقسم أنني لن اتركك حتى امتلك قلبك، لن اتخلى عنك حتى اصبح اقرب واحب الناس إليك"

........... 


اقوى الرجال أكثرهم تحكمًا بردود أفعاله وانفعالاته بجانب الحكمة والتأني وكظم الغيظ عند الغضب.


فالصراخ والغضب والمقاطعة وغيرها من الانفعالات الحادة لا تجدي نفعًا ولا تربح صاحبها .


يصبح مخطئ دومًا وان كان محق.


لذلك قم بترويض غضبك كي تتمكن من هزيمة خصومك...


وتذكروا حديث رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام

( ليس الشَّديد بالصُّرعة ، إنما الشَّديد الذي يَملك نفسه عند الغضب)

 رواه البخاري ومسلم

وبحديث اخر  

 رجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: 

( أوصني قال : لا تغضب فردد مرارا، قال : لا تغضب) رواه البخاري.


google-playkhamsatmostaqltradent