recent
جديدنا

احكي يا شهرزاد الفصل الخامس عشر

 احكي يا شهرزاد 

بقلم أمل محمد الكاشف



ساد الهدوء والسكون في مستشفى كليوباترا الخاصة فالساعةُ الآن الحادية عشر مساءً، نامت شهرزاد من ارهاقها وشدة إنهاك وتوتر اعصابها، ليبقى بغدادي وزوجته مستيقظان بجانبها ينظران لها بحزن يغلبه الخوف.

 رن هاتف بغدادي من جديد نظر له متحدثًا بصوت منخفض:  

" لن يتركنا الليلة، ما كان علينا أن نبلغه بأمر كهذا ".

 

نظرت أمال لابنتها ثم عادت لتنظر لزوجها مجيبة بصوت منخفض كي لا توقظها: 

" وما كان يدرينا أنه سيعلق بنا ".

 

لم تنهي حديثها حتى سمعوا طرقة صغيرة على الباب أتبعها فتحه مُصدمين بتسلل شريف للغرفة مغلقا الباب خلفه: 

 " أعتذر لكم لم يسمحوا لي بالدخول ولكني تصرفت الحمد لله،  كيف حالكم ؟".

 

وقفا ينظران نحوه بذهول ، أحكمت أمال إغلاق حجابها وهي تومأ رأسها مرحبة به دون صوت، أما الأب فلا زال بحالة صمت مفعم بالذهول وخاصة عندما نظر شريف نحو شهرزاد متحدثا بتحرر وراحة كبيرة: 

 " دعونا لا نقلق نومها  كي تكون بكامل طاقتها غدا".

 

وأخرج من جيبيه أكياس ورقية منفوخة ليضعها على الطاولة الصغيرة 

" اشتريت لب وسوداني بالمكسرات كي لا تملوا من الانتظار" .


خرج صوت البغدادي المنخفض: 

" هل نسيت عيدان القصب".


 استغرب شريف و خجل من سؤال بغدادي الذي أكمل:

"فعلتها  كي لا نمل".

 

حذرته أمال بعينها وهي ترحب بضيفهم:

 " اهلا بك يا بني، ما الداعي لمجيئك بهذه الساعة" .


وأشارت نحو الأكياس الورقية مكملة: 

" واشتريت التسالي أيضا. حقًا لم يكن له داعي. كنا سنطمئنك فور خروجها من العملية كما وعدك عمك".

 

رد شريف عليها:

 " أعتذر مرة أخرى لأجل المجيء دون إذن، اتصلت مرتين دون إجابة وكنت قد خرجت واقتربت فقلت لنفسي لاتي وأراكم ثم اذهب على الفور فمن الممكن أن تكونوا بحاجة لمساعدة وخجلتم طلبها وخاصة أن أستاذ مدحت غائب عنكم ".

 

رد الاب بابتسامة رضا:

" صاحب واجب يا بني ، بارك الله فيك،  كما أبلغتك نحن بخير ولا ينقصنا سوى رؤيتنا لسلامتها غدا ، وأيضا سننام بعد قليل وهي ستدخل للعمليات على الساعة التاسعة  فأي شيء سنحتاج إليه بهذا الوقت القصير".

 


خجل شريف أكثر تحرك لينظر لمن أسرت قلبه وأوقفت عقله عن التفكير بحكمة وتأني قائلا :

 " و مع هذا أردت أن أطمئن بنفسي أعتذر أن اقلقت راحتكم بهذه الساعة".

 

تدخلت أمال للحد من التوتر والاحراج الذي خيم على المكان قائلة: 

 " سلمت يا بني هي بخير بعد قليل سيأتون ليضعوا لها كيس بلازما لتنشيط عمل الصفائح الدموية  وبعدها سينتظرون للساعة السادسة كي يضعوا واحد آخر حتى لا يحدث مشاكل اثناء العملية بسبب خلل أو ضعف وظائف الصفائح".

 

 سألهم بقلق:

" و كيف سيدخلونها العملية وهم قلقون بشأن الصفائح ، هذا يعد جنونا مستحيل أن تقبلوا وهناك احتمال توقف أو خلل بوظائف الصفائح  ، أنا لا أقبل بهذا  ولا انتم تقبلون ماذا ان توقفت الصفائح عن عملها وازداد النزف دون تجلط؟ ماذا ان فشلوا بإغلاق الجرح من شدة النزف؟ ماذا إن لم يتحمل قلبها النزف وخاصة مع نسبها الغير منتظمة؟".

 


دمعت عين أمال كما جلس بغدادي على المقعد الجانبي بوجهه الأحمر المنتفخ وعيونه الثابتة على ابنته ، ليتحرك هو ويجلس بجانبه قائلا: 

" هيا لنذهب لإدارة المشفى ونرفض قيامنا بالعملية قبل أن تستقر وتنشط  بل ويأمنوا على حالة عمل الصفائح بشكل كامل ، لا يمكننا التهاون لا تقبل بإجراء العملية ".

 

ردت أمال والدموع تنهمر من عينها: 

" اصمت يا بني لا تزيدها علينا، بكل الأحوال ستدخل للعملية غدا صباحا لا يوجد أمامنا حل آخر ، بكل الأحوال النزف مستمر والحالة تزداد سوءً و الطحال يزداد خطر بتواجده، فأن لم تتم العملية بسبب الصفائح ستموت بنقص وانخفاض الدم وعدم وصوله للأعضاء بشكل كافي  بجانب الأخطار التي من الممكن وقوعنا بها عند تأثر أعضاء الجسم وتوقفها واحدة تلو الأخرى " .


بكي البغدادي لأول مرة متأثرًا بهذا الوضع الحساس، يشعر شريف بثقل ما قاله لهم بل وشعر بحساسية ما هم به  منصدمًا بالواقع الذي لم يصرحوا له به .


طرقت الممرضة الباب دخلت وبيدها كيس البلازما لتركيبه للمريضة ، اقتربت من شهرزاد لتتفاجأ بارتفاع حرارتها اتسعت عينها متسائلة: 

" منذ متى و هي مرتفعة بهذا الشكل، لماذا لم تخبرونا ".

  

وعادت تقيس درجة الحرارة من جديد ، تحدثت الأم بصوتها الباكي الخائف:  

" أرادت النوم ونامت ،  لم ألاحظ ارتفاع حرارتها".

 

أسرعت الممرضة للخارج مناديه على الطبيب الذي أتى مسرعا يفحص نبض قلبها وحركة عينيها  قائلا: 

" لا شيء خطير نبض القلب منتظم وإلا كانت الأجهزة أعطت صفير إنذار، الان تأخذونها للحمام كي تغسل رأسها وجسدها بالماء البارد حتى نضمن نزول الحرارة بسرعة وبعدها سأحقنها بخافض للحرارة  فلا يمكنني اعطاءها الخافض قبل نزول الحرارة وخاصة بحالتها المرضية".


اقتربت الممرضة منها و دهي تناديها باسمها كي تتحرك معها لتجلسها على المقعد المتحرك ولكنها لم تجيبهم فلقد تبين سبب نومها العميق دون أن تشعر بمن حولها .


اقترب شريف بصوت قوي أجش:

" شهرزاد هيا تحركي مع الممرضة، شهرزاد هيا عليكِ أن تتحركي ". 


اقترب بغدادي ليقول بصوته المهتز من خوفه: 

" أنا سأحملها و أضعها على المقعد " .


بدموعها ردت أمال: 

" لم تسمعنا ، ليست بوعيها  ، نعم  لم تسمعنا ، ابنتي  ، شهرزاد".

 

تحرك شريف مقتربا من شهرزاد قبل أبيها ليرفعها من على الفراش بعد أن أزالوا الأجهزة عنها و وضعها على المقعد المتحرك  بحذر ، رفعت الممرضة كيس المحلول الطبي لأعلى و وضعته على حامل متحرك بعد ان حذرهم الطبيب من اغلاقه.


امسك شريف الكرسي المتحرك ليقوده للخارج و بجانبه الممرضة التي كانت تشير لتوجهه للطريق، دخلت ممرضة أخرى للأم و هي تسألها عن ملابسها  تخوفا من تبلل ملابسها الحالية، مسحت الأم دموعها و اخذت حقيبة ابنتها واسرعت خلفهم تاركة زوجها بحالة سيئة.


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


 بكت توته بشكل زائد معاتبة زوجها على إهماله لها والاهتمام بالجميع إلا هي ، حاول تهدئتها وإرضائها دون فائدة ، أقسمت توته بغضبها وصوتها الذي ارتفع عاليا أن تعود عصر غد للقاهرة  مهما كانت الظروف ، ليرد عليها  بأعين متسعة: 

" هل تقسمين عليّ، هل تهاوني معكِ جعلكِ لا تصغين ولا تحترمين كلامي، أكل هذا لأنكِ ذهبتي للحفل بقدمك المُجبسة، وأيضا ما ذنبي انها ألمتك ألم انبه عليكِ واحذركِ من حدوث هذا بعد أن تمنعتي عن أخذ السنادات الحديدية". 


وبصوتها الذي لا زال عاليا ردت على زوجها: 

" هل كنت تريد مني أن أخذهم معي كي اصبح مسخرة البلد الكل يهزئ ويسخر مني". 


رد مدحت بتعجب: 

 " لا أفهم عليكِ وكأن اهلي وبلدتي كلهم سيؤون ينتظرك ليسخر منكِ و يظلمك و يضغط عليكِ وكأن العالم يدور حولك ، من وقت وصولنا ولا يوجد على لسانك سوى اهلك وامك واخوتك والناس من حولنا  ، لا إله إلا الله.  أهذا قدري عندك ، هل صعب عليكِ تحمل أسبوعين مقابل تحملي لكِ كل تلك السنوات دون ضغط او طلب او أي شيء ، تعال يا مدحت ، اذهب يا مدحت ، أشتري يا مدحت ، لا أريد ، حتى التنظيف والطبخ لم اضغط عليكِ. تركتكِ على راحتك طوال هذه السنوات مانعا أحدا أن يقترب منك أو يضغط عليكِ بشيء لا تريدينه ، وبالنهاية أسبوعين بالبلد لم تتحمليهم.  أسبوعين لأجلي لم تتحمليهم ،  وما بها قدمك هل انتِ  اخر واحدة بالكون جزعت قدمها ، ألم تحكي لكِ أمي حين كسرت قدمها وهي حامل في ميادة ولم يرحمها حملها من التنظيف والغسيل والطبخ والاعتناء بنا وكان كسرًا أتسمعين! كسرًا وليس جذع ، أنا لا أطلب منكِ أن تفعلي ما فعلته أمي ولم أحملك عبئي وعبئ أولادي بالفترة السابقة حتى كل الأعمال التي أخبرتني أن أمي كلفتك بها أثناء غيابي كنتي تقومين بها وأنتِ جالسة ، أالمتك روحك وأنتِ تتحملين البسيط لأجلي!، اهنت عليكِ لهذه الدرجة حين علا صوتك عليّ أمام اهلي!، هل هذا قدري لديكِ"

 نظر لبكائها باستياء مكملا: 

 " لا تبكي عودي للقاهرة غدًا، ولا تكسري قسمك حتى سأحجز لكِ وأوصلك لمحطة القطار بيدي، ولكن لا تنتظري أن أعود معك سأبقى انا حتى تنتهي إجازتي في الأسبوع القادم وأعود إليكِ ،  أن أردتي اخذ الأولاد أو تركهم لن أمانع". 


تحرك ليخرج من الغرفة، اسرعت  توته بسؤالها:

" إلى أين أنت ذاهب". 


رد بغضب: 

" إلى مكان لا يتثاقل مني احد ".

 

زاد بكاءها فور خروجه من الغرفة.

 

اسرعت فهميه نحو ابنها لتسأله نفس السؤال:

" إلى أين أنت ذاهب يا ولدي ".


رد مدحت على أمه: 

" سأقف بالخارج قليلا وأعود من الواضح أن الصيف جاء إليكم قبل معاده ".


اومأت رأسها بغير رضا  متنهدة بضيق: 

 " نعم بدأ الصيف ولكنه بدأ بموعده أنسيت أننا ببداية مايو ".


تحرك مدحت ليكمل خروجه وهو يستمع لصوت أمه:

  " ابقى بمحيطنا ولا تبتعد ".

 

رد على أمه بضيق صدره:

" لا تقلقي سأتصل بالبدري ونجلس سويا في المزرعة ".


خرج و أغلق الباب خلفه لتنظر أمه نحو غرفة زوجته بحزن ،  أرادت أن تذهب لها لتهدئ بكاءها الذي علا بعد خروج زوجها ولكنها لم تذهب، تحركت نحو غرفتها بالجهة الأخيرة من المنزل  دخلت مغلقة الباب خلفها قائلة لنفسها:

 " لعل إبن عمك يهديك لصوابك ، لترفع غشاوة عينك هذه. يكفي دلع ماسخ ونساء مدللات، كيف ستربي أولادها ليصبحوا رجال يحملون المسؤولية ويكونوا سند لأبيهم وهي بهذا الحال الضعيفة ".

 

تقلب والد مدحت على فراشه: 

  " يكفيكِ هلوسة و ضعي لسانك بفمك ، وإلا أخرج وأطلقها منه كي يرتاح قلبك ".


ردت فهمية بضيق: 

" حسبي الله هل يرتاح قلبي بخراب حياة ابني، هل لأني أريدها قوية تتحمل ابنك وأولادها تقول لي هذا ".


 اجابها زوجها بغضب: 

" نامي وإلا سأقوم وانيمك نومتك الأخيرة ان شاء الله".

 

  ردت عليه بضيق: 

 " استغفر الله العظيم،  هل هذه كلمة مبروك والعاقبة لأختها".

 

وبصوته المرتفع الاهوج تحدث والد مدحت مهددا:

  " هل ستنامين وإلا ".

 

_" سأبدل ثيابي وأنام على الفور لا تضغط على دمك ".

 

 تحركت فهمي  وهي تردد بسرها: 

 " حسبي الله من دون الرجال رزقت بك، لتأتي من تبكي لترى النسخ الأصلية من عذاب الرجال". 


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


أشار البدري مرحبا لابن عمه وهو جالس في تكعيبة محاطة بسياج خشبي يعلوها قبة هرمية: " يا اهلا و سهلا، تفضل أنضم لسهرتنا ". 


ابتسم مدحت وهو ينظر للطفلة الصغيرة: 

" ماذا تفعلين هنا". 


ثم أكمل حديثه ناظرا لابن عمه:  

" لماذا لم تنم حتى الآن! أم أنك تدللها بهذه الطريقة ".

 


رد بدري بضحك:

 " ألقط نفسك أولا وأجلس لترى من سينام قبل من ".

 

ضحكا وهم ينظرون للطفلة التي كانت تطعم عروستها وتنومها بحضنها.


 نظر مدحت لبدري متسائلا بحزن:

" ألم يأن موعد استقرارك".

 

ضحك البدري ضحكة خرجت من أعماق قلبه:

" ماذا؟ هل استقراري؟ انا راضي بقدري من يسمع صوتك وأنت تخبرني بقدومك ويرى وجهك هذا لا يفكر باستقرار ، جبرت لا اريد استقرار  يكفيني تجربتي الأولى وما أنعم الله علي من ورائها".

 

نظر مدحت لابنته و هو يسألها عن أخيها ليرد البدري: 

" هل سليم ؟". 


ضحك من جديد مجيبًا: 

" هرب منا  فهو لا يتحمل السهر سبقنا للفراش، تاركني خلفه أتحايل نعاسها حتى نذهب لننام ".

 

_"وهل يترك الأطفال على هواهم ، كما انك تضرها بسهرها هذا ، كيف ستفرض عليها ما تريد و ما لا تريد و أنت لا تستطيع التحكم بنومها ". 


تنهد البدري ليرد على ابن عمه قائلا بحزن:

" اعلم ما تقوله ، وأنت محق لا غبار على هذا ولكني أحاول تعويضها عن ما فقدته المسكينة لم تراها و لم تشعر بحنانها ، لا شيء يعوض حنان ومشاعر الأم التي لها تأثيرها الإيجابي على طفلها بأول سنواته،  لهذا أحاول ان اتي مبكرا بقدر المستطاع لأخذها من زوجة عمها واهتم بها و اسهر معها لأعوضها هذا النقص ".



_ " انا معك تريد ان تعوضها فقدها لامها ولكني أخشى أن تضرها أكثر مما تنفعها ، عليك ان تتزوج وتجمع اولادك باطار عائلي، ابحث عن أم أكثر من زوجة تكون حنونة بنت أصول تخاف الله بهم وتحافظ عليهم حتى ترتاح أنت ".


رد البدري  بضحكة عالية :

 " تركت حالك وامسكت بي و لكني لن اسمح لك هيا افضي ما بقلبك لماذا تركت زوجتك بليلة كهذه وأتيت إلي، ألم تقل لي كان عليك أن تتزوج لتصبح عريس مع اخيك وكل عريس بعائلتنا، هل ذهب هذا الحماس،  و لا تقل لي اشتقت إليك لأنني لن أصدقك ". 


رد مدحت بفتور: 

" نعم ذهب حماسي حتى أقول لك ابقى كما أنت كي لا تجبر على التدليل و الطاعة ".


أمسك البدري من يد ابنته  العصير المعلب الفارغ و وضعه بجانبه لتعطيه الطفلة حلوى الكيك المغلف ليفتحه لها و يعطيه إليها و هو يقول لها: 

" لا تسقطي منه بالأرض كي لا يجتمع النمل علينا وتصرخي بعدها باكية".



هزت سلمى  التي لم تكمل عامها الثاني رأسها وجلست بجانب ابيها و هي تضع كفها الصغير أسفل فمها معتقدة انها ستمنع تساقط فتات الكيك بهذا الشكل.


ضحك مدحت على حالتها وهو يستمع لابن عمه الذي عاد ليتحدث معه من جديد: 

 " لا تصغي لما يقال وقت الغضب هم كذلك حين يغضبون لا يعرفون ما يقولوه و لكن اصبر ستهدئ وتذهب لتكمل ليلتك ". 


رد بضيق املأ صدره: 

" لا اريد ليلة ولا اريد ان اصبر امتلأ داخلي ". 


_ " لمن استمع أنا ماذا جرى بالدنيا ابن عمي الذي كان يصمت دائما ويغض البصر ويحثني على ترك المشاجرات الصغيرة هو من يجلس أمامي الان أم جاء أحد غيره ".


رد مدحت بضيق:

" الدلال الزائد يسئم الروح تمام فهمنا تعبها وعدم تحملها و لكن الانسان يتحمل لأجل من يحب يقول لنفسه لأمررها لأجله لأتحمل، و لكن هي لم تفعل هذا  ضاقت صدرها بيومين بل بأول ساعتين وكأن لا أحد يمرض او يتعب بهذه الحياة سواها".


رد بدري ليهون عليه غضبه:

" لسنا جميعًا لدينا نفس الطاقة التحملية ما استطيع ان تحمله لا يمكنني فرضه على محمد أخي، وما تحملته أمي بالقدم لا يمكن لأي فتاة من هذا الجيل تحمله ، لا تكن قاسي القلب ، ممن سنتعلم الطيبة والتهاون ان تغيرت أنت! من سيهون علي حمل أخوتي وعمومتي!".

 

وضحك ليكمل: 

  " أقول لك تذكرت أمي من الواضح أن غيرة النساء اثرت عليكم .. فكانت تقول لأبي لن ترتاح الحجة  فهميه حتى تفسد بين مدحت وزوجته بعد الشر عليكم طبعا ، كانت تقول هذا وأنا أقول بقرارة نفسي أخي  مدحت سيتدبر أمره ويحتوي أمه ويحافظ على زوجته".



وبسخرية رد مدحت: 

 " لا تثق كثيرا تحملت حتى طفح الكيل، لا اريد ان اظلمها الفتاة طيبة وحنونة ولو طلبت عيونها تعطيهم لي بدون تفكير ولكنها…".


 صمت مدحت ليكمل بدري :

 " استهدي بالله  واسمع مني لا يوجد بالحياة ما يستحق الحزن والغضب عليه، كلنا راحلون ولن تبقى منا سوى الذكرى الطيبة استعيذ بالله واذهب لمنزلك وأصلح ما بينك وبين زوجتك بالعقل لا تترك حبال الشراع وحدها فتغرق أنت وسفينتك ولا تتركها مشرعة بوجه العواصف لتعصف بكم ، تعقل وكن حكيما الرجل بقوته  وحكمته و كلمته التي حتما ولابد أن تطاع بوقت اللزوم". 


نظر مدحت للطفلة التي نامت بحضن ابن عمه :

" و أنت أذهب لتنام يكفيك بهذا القدر اليوم ".

 

تحرك البدري و وقف وهو يقبل رأس ابنته في حضنه قائلا:

" صعيدية بحق ".

 

ضحك مدحت: 

" لا ليست صعيدية بل مدللة".

 

_ " هيا اذهب لتكمل ما ترك ناقصا".

 

 رد مدحت بضحك:

" يمكنني أن اقسم الآن إنك لك يد بما حدث، او انتظر لنقل لك عين به لهذا لم يكتمل".

 


تحدث البدري ليبرئ نفسه:

 " لا يد و لا عين أنا هربت الله يبارك لك يا سيدي ويكون بعونك على ما ابتلاك فالزواج بهذا الزمن ابتلاء كبير ". 


رد مدحت عليه من الخلف:

 " وكأن بجلوسك وحدك شاخ عقلك ، ولكن انتظر سأسقطك بهذه الشباك من جديد لترى كيف تسخر منا " .


تحدث بدري وهو يكمل هروبه دون أن ينظر خلفه: 

 " كفانا الله شرك اذهب ولا تتأخر عن ما ينتظرك ".

 

ضحك بصوت عالي ليتحرك مدحت وليسير بالجهة المعاكسة وهو يحدث نفسه: 

 " و كأنك تعلم ما أنا به ".

 

‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


تحسنت حالة شهرزاد لتعود لنومها فور وضعها على الفراش ، وقف شريف لينظر لها بحزن كبير فهي بحالة لم تسمح لها بأن تعي محيطها فكثرة نقل الدم والبلازما وارتفاع حرارتها ومحاولات الجميع على خفضها جعلها بحالة محزنة تنظر لهم دون طاقة حتى عادت لنومها.


اقترب بغدادي من شريف قائلا:

 " اقترب الفجر على الإفصاح. اذهب يا بني لترتاح وأنا سأطمئنك عليها عند خروجها من العملية ". 


رد عليه مستأذنه أن يسمح له بالبقاء بجانبهم و خاصة ان مدحت غير موجود صمت بغدادي ليكون صمته المحزن دليل على موافقته .


 عاد مدحت للمنزل ليجد زوجته على عكس ما تركها ، توقعها نائمة غاضبة واضعة حقائبها المجهزة جانبا  للرحيل ليتفاجأ بانتظارها له واعتذارها منه فور دخوله الغرفة فهي لم ترد اغضابه و رفع صوتها بوجهه .


حاول أن يرسم غضبه على وجهه والابتعاد عنها لتبديل ملابسه والنوم دون الالتفات لها ولكن هيهات هيهات فحتى وإن أراد عقله فقلبه لن يسمح له أن يراها بهذه الحالة وهذا الاعتذار و لا يلين لها قائلا:  

" انتِ من افقدني صوابي ، اشعرتيني أنني سيء بشكل كبير". 


اقتربت منه أكثر مجيبة بصوت ناعم: 

 " نعم أنا المخطئة أعتذر منك فعندما تألمت و لم تكن بجانبي فقدت عقلي وأصبحت افعل ما لا يرضي قلبي فهل لي أن أحزن قلبي وروحي مني ". 


رد مدحت باستسلام 

" ان كيدهن عظيم، هل اقسمتي هذه المرة على افقادي لعقلي ". 


اومأت رأسها مجيبة: 

" هل لديك اعتراض ؟".

 

_" لا لم اعترض بالسابق ولا الآن ولكني يا بنت الحلال محق يعني ما فعلتيه وذهابك بمفردك وعلو صوتك بمنزل أهلي لتختميها بقسمك هذا كله لا يعقل ولا يتحمله رجل أم ظننتي انني لعبة تفعلين كل هذا و أتي لأطيعك، أخبرتك أنها عدة أيام ستنتهي ونعود لمنزلنا وحينها سأتركك لترتاحي دون أن أطلب منكِ شيء فقط طلبت أن تتحملي عدة أيام ،  ماذا إن كنا نعيش معهم بنفس البلد ، ماذا إن جاءوا ليعيشوا معنا او العكس هل ستفعلين ما فعلتيه  ، هل أنا بلا ثمن لديكِ لدرجة جعلتك تبيعيني بهذه السرعة و الرخص " 

 دخلت بحضنه واضعة رأسها على صدره طالبة رضاه ، ليكمل مدحت 

" حتى وإن ضغطوا عليكي فنحن نعلم أنهم ليسوا بسيئين". 


ردت بسرعة :

" لا لم أقل عن أهلك سيئين، أخبرتك أنا فقط تألمت من قدمي  ولم اتحمل البقاء أكثر".

 


رد عليها بضيق: 

" حدث هذا لأنك رفضتي أن تتعكزي على السندات الحديدية كي لا يضيع شكلك وضغطتي على قدمك من الطبيعي أن تألمك يكفي خروجك من المنزل ومسافة دخولك القاعة لتبدأ ألمها ، وأيضا هل كان عيب على أمي أن تأخذك لتتباهى بزوجة ابنها وهي ترحب بالضيوف وتهتم بهم وتعرفهم عليكِ ، أليس واجبك الاهتمام انتِ بهم  ، ألستِ من العائلة  ، هل بزفاف شهرزاد ستجلسين بالجوار وتنتظرين من الضيوف أن يبحثوا عنك ويرحبوا بكِ ، اتركينا من شهرزاد ألم تتذكري زواج ابن عمك وكيف يومها شددتي علي ان لا اترك عمي بغدادي و أن أقف بجانبه وهو يرحب بالعائلة والضيوف ليروا انه ليس وحده وانني بمثابة ابنه كما يقول بعائلتكم أم أنه حلال لكِ أن تتباهي بي وحرام علي ".

 


و بخجل حركت رأسها على صدره: 

" أنت محق أعتذر منك حتى أني سأبقى معك ما تبقى من اجازتك دون اعتراض وسترى هذا فقط ليضحك وجهك و ترضى عني ". 


رفع ذراعه و احتضنها بداخله:

 " ما كان من الأول يا بنت الحلال قطعتي نفسي وحيلي واضعتي ليلتنا ومشاركتنا سيد ليلته ، هل يرضيكِ أن يسعد سيد أكثر مني". 


_" و من قال إنها ضاعت، هي فقط بدأت لتوها ".

 

رد بامتعاض:

" لا ، لا زلت غاضبا منك لا يوجد ليلة ولا شيء ".

 


و بثقة أسقطت توته روب ثوبها الجميل من أعلى اكتافها متسائلة:

" هل أنت متأكد مما قلته يعني هل ستتركني اذهب للنوم وأنا حزينة ".



ابتسم فمه و هو يغمض عينه: 

  " انتِ تعرفين جيدا كيف تضحكين علي ولكني لن اسمح لكِ هذه الليلة ".

 


قال لن يسمح ولكن على قوله هيهات هيهات فهل يستطيع القمر أن يتخلى عن ضوئه.


نجحت توته بكسب رضا زوجها من جديد ، كما نجحت شهرزاد بخوضها لعملية كانت بمثابة الفصل بين الحياة والموت فبرغم أن استئصال الطحال شيء ليس بكبير إلا أن حيثيات مرضها ونسبها وحالتها المضطربة قبل العملية جعلت الخطورة و وقت العملية يزداد عن الطبيعي،  حين حدث ما يخشاه الأطباء ولم يستطيعوا إغلاق الجرح من شدة النزف وفقدانهم السيطرة عليه بسرعة وسهولة ، ليضطروا بطلب المزيد من أكياس الدم.


أسرع شريف للتبرع والاتصال بسيف وكريم وأحمد كي يأتوا هم أيضا للتبرع بالمقابل  عمها وابويها وابن خالها الوحيد لم يستطيعوا التبرع بهذا الوقت لما يحملون من أمراض كالسكر والكلى. 


 لم تتحمل الأم بوقتها الاخفاء عن بنتها الكبيرة فحين سمعت صوتها صرخت باكية:

" أختك ستذهب من بين يدينا يا فاطمة، شهرزاد ستذهب وتتركنا نحترق بنارها".


انتهى الفصل.


يتبع .. إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. منها "رواية حياتي" رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..


google-playkhamsatmostaqltradent