recent
جديدنا

عروس بغداد الفصل السادس والاربعون والأخير

 عروس بغداد

بقلم أمل محمد الكاشف







مرت الأيام بسرعة فرحتهم واهتمام تيّم بزوجته وطفلته ، وبعد مرور خمسة أشهر على الاحتفال الذي تناقلته وسائل الإعلام  دخل خليل منزله بوجه فرح و سعيد بعروسته صاحبة  الفستان الأبيض الجميل ، شابة في منتصف عقدها الثالث شديدة الجمال ناصعة البيضاء ذو قامة طويلة وعريضة دون زيادة بالوزن. تناسب طوله وعرضه تمامًا.


أغلقت رشيدة غرفتها على نفسها وهي تحترق بكلماته:

 "اعتذر منك ولكني مضطر ان اتي بها لمنزلك حتى يكتمل بناء منزلها بعد عدة أشهر ومن ثم سننتقل إلى هناك".


كانت بمنتصف أبنائها تطعمهم الفواكه وتردد خلف أغاني قنوات الأطفال هاربة مما يدور بعقلها ويحرق فؤادها.


هذه المرة رفضت تركه لأجل أبنائها حتى وان ضحت بسعادتها فلم يعد بالعمر أكثر مما مضى.


 أراد خليل ان ينهي حزنه ويستعيد هيبته كونه رجل قوي لا زال بإمكانه الزواج من واحدة واثنان وثلاث كما يمكنه الحصول على المزيد من الأبناء بفترة قصيرة وهذا ما اتفق عليه مع العروس وهذا أيضا سبب رئيسي حين اختارها من عائلة تنجب التوأم بشكل ملحوظ.


……….


فرح تيّم بمعرفته جنس الجنين، طار من سعادته وهو يقول:

 " سمع ابني كلامي وخشي ان يُحرم من الميراث".


اقترب منها ليقيس دوران بطنها كل شهر وتدوينه بدفتر زهري كاتبا اسفله تبقى القليل يا روح روحي، سألته:

 "ألم تمل من خروجه نفس المقاس بكل مرة ".


ضحك وجهه قائلا:

 "ولكنه زاد هذه المرة انظري لقد كبرت ابنتي أربعة سنتيمترات، لا اعرف اين تذهبين ما اطعمه لكِ ، كلما اكلتي نحفتي".


ردت عليه:

 "لا تنسى الأربعة سنتيميترات أليس  إنجازا بعد خمسة أشهر".


ضحك وقال اريد ان اراها منتفخة كبيرة أتصور معها ، تخيلي شكلها وحجمها ، ضحكت قائلة:

 "لا تستعجل الاحداث بكل الأحوال ستراها بالشهور المقبلة".


حضنتها تسنيم من الخلف لتفاجئهم بوجودها، نظر تيّم لزوجته قائلا بصوت مسموع:

 "هل كان علينا ان نغلق الباب بالمفتاح".


ضحكت سلمى:

 "لعلها طرقت الباب ونحن لم نسمعها".


_" امممم هل طرقت الباب حقا".


ردت تسنيم مدافعه عن نفسها:

"اقسم انني طرقته ثلاث مرات".


احتضنها اخيها:

 "سمعت سمعت".


كانوا يرون دخولها متجاهلين امرها بوجوه مبتسمه تترقب ما ستفعله حين تسمع عن كبر حجم الطفلة لتفاجئهم هي باحتضانها لسلمى التي لا زالت بوسط حضن تسنيم من الخلف وزوجها من الامام، كانت بالماضي تسير بين الناس باحثه عن حضن أمها الدافئ بعيونهم دون ان تجده، لياتيها عوضها بزوج وعائلة حنونه اقصى امانيهم ان يحتضنون بعضهم بحب وسعادة.

……….


تم تكريم سلمى بنجاحها في الأبحاث العلمية الجديدة ، كما تم منحها لقب بروفيسورة رسميًا نظرا لجهودها وقامتها العلمية .


لم تتوقع للحظة أن يأتي أبيها بصحبة اخويها لمنزلها كي يباركوا لها.


رن جرس الباب لتنظر سمراء للشاشة الصغيرة الموضوع بجانبه قائلة لتيّم:

 "رجال لا نعرفهم سأنزل لأى حاجتهم".


اقترب تيّم لينظر للرجال  ثم نظر نحو زوجته القريبة منه بعدها:

"عائلتك .. جاءت عائلتك هل ترغبين بلقائهم أم انزل بنفسي كي اعتذر منهم بشكل لائق".


اخذت نفسا عميقا قائلة:

 " من المؤكد أنهم جاؤوا بعد تداول الخبر لا داعي للتأجيل لنرى ما بجعبتهم هذه المرة".


نظر لسمراء:

 " افتحي لهم واستضفيهم في المجلس حتى نأتي لهم".


 سألته زوجته:

"وما الداعي لدخولنا وخروجنا لا طاقة لي بذلك لنقف حتى يصعدوا لنرى ما يريدون".


تفاجأت بوجود ولدين بجانب والدها واحد بعمر التاسعة والأخر بعمر السابعة او الثامنة تقريبًا، تسمرت بمكانها حين اقترب والدها لاحتضانها، لم تتجاوب معه ولم تشعر بأي مشاعر مما توقعتها وتخيلتها وحلمت بها لسنوات …


وكأنه شخص غريب لا تعرفه ، اختنقت بحضنه مبتعدة خطوات للوراء مستمعه له وهو يحدثها  بوجهه الفرح:

 "كيف حالك يا ابنتي، مبارك عليكِ المشفى الجديد والرتبة العالية التي وصلتي لها ، انت فعلا فخر العشيرة كلها".


اقترب الولد الكبير منها ليمد يده نحوها:

 "اهلا بكِ يا اختي انا فهد الاكرم ".


 اقترب الاخر ليمد يده للسلام بعد أخيه الكبير قائلا الكلام الذي تلقنه وحفظه: 

"أهلا بكِ يا أختي أنا أوس الاكرم".


رغرغت عينيها متأثرة برؤيتهم وضعت يدها على رأس أوس:

 "أهلا بكم ".


تحدث فهد:

 " جئنا لنبارك لكِ وأيضا لنتعرف على بعضنا البعض كما قال والدي".


اومات براسها مبتلعة ريقها: 

" بأي صف أصبحت يا فهد ".


_" الصف الرابع ".

 

نظرت لأوس:    "وانت بأي صف".


_" الثاني".


تحدث والدها من الجوار:

 "فهد يسير على خطاكِ في العلم ".


رفعت نظرها نحو أبيها متسائلة: 

" هل حصل على إجازة بحفظ كتاب الله".


هز حسين راسه بالنفي لتسأله:

 "هل حاز على شهادات تقدير وتميز بفنون الرسم والرياضة والمسابقات الثقافية ".


لم تعطي أبيها الفرصة ليجيبها:

" ان لم يكن كل ذلك فمن المؤكد أنه الأول على مدرسته ومدينته والجمهورية طوال الأربع سنوات ، رافعًا راسك واسمك بالأعلى لم تذكر عشيرة آل فارس حتى يذكر ابنك المميز".


رد ابيها بوجه غريب الملامح:

 "لا لم يحصل على ما حصلتي عليه ولكنه متفوق يشيد أساتذته بذكائه".


رد فهد قائلا:

 "يشبهونني بك وينعتوني باخ النابغة".

 

نظرت لوالدها نظرة انتصار بتحقيق حلم أمها فحتى ولو أنجب عشرات الذكور لن يستطيع انجاب من اهتمت واعتنت أمها بها حالمة بان تصبح عدل رقاب ذكور العشيرة:

"اتتذكر حديث أمي لك؟".


سألها أي حديث لتجيبه:

 "أقسمت أمي بيوم من الأيام ان تجعلني بعدل رقاب ذكور العشيرة ، كانت هذه أقصى أحلامها لأجل ارضاءك"؟


ابتسم بحذر من حالة وجهها:

"وها أنت حققتي حلمها ورفعتي راس أبيك".


ردت بقوة ما تجرعته من حزن وخذلان:

"لا لم افعلها لأجل رفع راسك".


اقترب زوجها منها ممسكها من ظهرها وهو يتحدث بصوت خافت:

 "بهدوء إنهم ضيوفك ، لا يمكنك كسره بمنزلك".


نظرت لزوجها بعيونها التي كانت كفيلة بحكي ما يدور بداخلها قائلة بصوت مسموع:

 "اكسره بمنزلي ! هل تخشى على كسره! اطمئنك لا تقلق ليست ابنة فوزية من تكسر والدها أمام أولاده وفي منزلها أيضا ، ولكني كنت سأجيبه بأنني لم أجاهد واحارب لأجل ان ارفع راسه كما يقول بل فعلتها لأجل امي ، امي فقط ، حرمت نفسي من الحياة وانا اجاهد واحارب حتى يومنا هذا دون توقف كي اصبح عالمة لا يصل أحد من جيلي لما وصلت له ، كانت امنيتها ان يتحدث العالم عني وها انا اسعى واجتهد بتحقيق حلمها حتى اخر يوم بعمري ، فان أصبحت بعدل ذكور العشيرة ورجالها فانا لم أصل لهذه المكانة الصعبة إلا لارضائها وبرها".


رد حسين متأثرا بذكرى فوزية: 

"اعطيك الحق يا بنتي وهل هناك مثل امك، هي تستحق هذا الجهاد، اعلم قدر امك بقلبك حتى انني فرحت بتسمية القسم الخيري في المستشفى باسمها تخليدا لذكراها".


تحدث أخيها متسائلا:

 "أمي ترسل لك السلام وتسالك متى ستأتي لزيارتنا فهي أيضا متشوقة لزيارتك".


نظرت سلمى لأبيها مجيبة على فهد:

 " قريبا جدا بأذن الله ، لأضع مولودتي بسلام واطمئن على سلامتها ومن ثم ارتب مع زوجي الوقت المناسب لاصطحابه لي كي أزور قبر أمي واعرفها على حفيدتها".


نظرت لزوجها الذي اقترب ليحتضنها بذراعه من الخلف وهو يشعر بحالتها وإظهارها عكس قوتها مستمع لباقية حديثها :

 "رأيت نفسي بالأحلام  احمل طفلتي بجانب قبر امي وانا اعرفها على زوجي و حفيدتها".


ابتسم حسين: 

"لننتظر زيارتكم إذا كي نرى حفيدتي بعقر ديارنا".


صمتت سلمى دون ان تجيبه او تعرض عليهم الجلوس، تحدث تيّم:

 "لماذا انتم واقفون تفضلوا بالجلوس".


ردت سلمى محتنقة بجحود والدها واظهاره للقوة والكبر الذي لم يستغنى عنهما وهو يسأل زوجها:

 "وانت ماذا تعمل و..".


قاطعت حديث ابيها قائلة لزوجها: 

"اعتذر منك لا يمكنني استقبالهم والجلوس معهم الان".


 اتسعت عيناي تيم وهو يحذرها لتكمل:

 "لأجل العمل، لدي عمل مهم لا يمكنني تأجيله، أيضا جاءوا بدون ترتيب او اخطار سابق".


تحدث حسين:

 "انت محقة بالأصل خططنا  للقائك بالمستشفى على السريع ولكننا لم نجدك هناك، لقد جئنا لأعرفك على اخوتك لا احد منا يعلم ما تحمله الأيام لنا لعلهم يكبرون ويأتون للعمل بالمستشفى معك أليس كذلك".


نظرت سلمى لأوس الذي تحدث قائلا:

 "سأخرج طبيب كي اعمل بمستشفى اختي واخذ الكثير من المال ".

 

ضحك حسين:      " لسانه أطول منه".


رد فهد:

 "انا أيضا سأعمل بالمستشفى طبيب جراح وسأكون مميز اكثر منك".


رت سلمى على أبيها: 

"ألم تتحدث الأبناء بلسان والديهم وما يسمعونه ممن حولهم".


رد حسين وهو يجمع أولاده بجانبه يحنو على رؤسهم وظهورهم:

 " نعم نحن نبث بهم الاحلام كي يسعون لتحقيقها".


نظرت ليده التي تمنت دوما ان تحنو عليها بهذه الطريقة التي ذكرتها بمهدها وطفولتها، ابتلعت ريقها متمسكة بقوتها كي لا تبكي وهي تحدث أخوتها:

"من الجميل ان تأخذوني قدوة لكم، والاجمل ان تسعوا لتصبحوا الأفضل أيضا، ولكن عليكم ان تفعلوه من أجل مساعدة المرضى وان تكونوا سببا في شفائهم لتأخذوا الثواب العظيم جراء ذلك، المال يأتي من التجارة والصناعة والزراعة ولكن ان أردتم التميز بالطب فعليكم ان تضعوا المال اخر اهتمامكم وانتم تتعاملون مع أشخاص ينازعون الحياة وعيونهم تتأمل الشفاء بأيدكم".


وبعدم اهتمام لحديثها القيم الذي استمر ليعطيهم درسا في أهمية العلم واثره على الانسان وفكره ونظرته للحياة قاطع والدها حديثها قائلا:

" لنكمل حديثنا بوقت لاحق لقد وعدتهم  بزيارة عدة مناطق سياحية و شراء ما يرغبون به كل ذلك قبل فجر يوم غد لذلك علينا ان استأذنكم وان لا نعطلك ونتأخر أكثر من ذلك لننتظركم ببلدنا إذا ".


نظر لتيم مكملا:

 "لم يبدا حديثنا بعد".


تحرك أوس بجانب أخيه يحدثه: 

" وأخيرا انتهينا لنذهب لنتجول كما وعدنا ابي".


رغبت بسؤال والدها:

 " هل اتيت لأجلي ام لأجل مكانتي التي أجبرتك على ذلك ولكنها لم تتحدث مكتفية بالنظر نحوه بحزن  وحسرة كبيرة".


تحدثت قبل خروج ابيها من الباب:

"تم منع أبو بكر من دخول البلد ، ثبتت بصمة العين في سجلات الدولة ولم يعد بإمكانه دخول الإمارات بهويته المختلفة".


استدار حسين نظر لبطنها: 

"لا تقلقي منه الأمر لدي من بعد الان".


ردت بقوة :

" لا اريد من احد شيء يمكنني حماية نفسي بنفسي رجاءً اتركني أعيش فرحتي باستقبال ابنتي دون إرهاق للمشاعر".


اخفض الأب رأسه وتحرك خارجا من المنزل دون كلام .


عاتبها زوجها على حدتها مع ابيها لتدمع عيونها قائلة:

 "هل صدقت انه اتى لأجلي".


رد تيّم:

 "حسنا كان كل شيء واضحا ولكني كنت أتمنى ان تنهي ما بينكم لأجلك ، ولأجل ابنتي لا اريد ان تولد وسط هذه المشاحنات".


ردت عليه وهي تدخل بحضنه:

 "لا تقلق ستختفي المشاحنات من قبلهم لأجل تحقيقهم حلمهم في اخوتي وأبناء العشيرة من بعدهم ، اما عن قلبي فلا تجبرني على ما لا استطيع عليه ".


اغلق جناحيه الرحيمة عليها وهو يقول :

"الأيام كفيلة بمداوات جرحك ، اخوتك لا ذنب لهم فيما حدث ، لنترك مشيئة الله تسري علينا لنرى ما يرضيه ونقوم به ".


ردت بحزن:

 "هل تطلب مني السعي بإرضاء والدي".


نفى ما تقول:

 "لا لم اطلب منك ارضائه بل سأطلب منك إرضاء الله به كي نرزق بأبناء يرضون ربهم بنا ، سنفعلها لأجل اخرتنا ".


_" ولكني لا زلت متألمة مكسورة مما فعلوه بي".


حن بيديه على ظهرها قائلا بصوته الحنون:

"لذلك قلت لكِ لنتركها على الله ونحن نضع النية في ارضاءه ".


اغمضت عينيها وهي تتأمل ان يشفى جرح قلبها ، مرت الشهور لترتفع بطنها شيء فشيء لتزداد فرحة العائلة بقرب استقبال حفيدهم الأول.


ركضت تسنيم نحو زوجة أخيها بسرعة كبيرة وهي تحمل ألعابها بيديها وقف تيم أمام ركضها فاتحا ذراعيه بخوف:

 "انتبهي ".


ابتسمت سلمى وهي تحرك يدها على بطنها:

"هل جئتي لتلعبي معها ".


فرحت تسنيم مجيبة بنعم

 

امسكتها وهي بحضن اخيها لتقربها من بطنها:

 "هيا ضعي يدك بالقرب منها وألقي عليها السلام".


قبل تيّم كتف زوجته كما اقتربت تهاني لتشاركهم مجلسهم وسعادتهم ، اقتربت سمراء لتضع أمامهم المكسرات والحلوى والفواكه .


شكرتها تهاني قائلة:

"هل حضرتم الطلبات من أجل استقبال صغيرتنا".


ردت سمراء:

 "كل شيء سيكون جاهزا على الموعد المحدد".


نظرت تهاني سلمى قائلة

" لم يتبقى سوى فرحتنا بقدومها غدا".


دمعت عينيها وهي تنظر نحوهم تجيبهم وتسايرهم بحب وفرحة ، ذهب الجميع لغرفهم ولم يتبقى سواهما تحركا هما أيضا لغرفتهما كي ينامان اخر ليلة قبل استقبالهم طفلتهم الأولى نظرت لزوجها قائلة:

"ألم تشتاق لاحتضاني".


فتح ذراعيه بوجهه الفرح لتتحرك مقتربة منه بضحكة جميلة علت حين صدمته ببطنها المرتفعة ، شاركها ضحكها منحني للأمام كي يدخلها بحضنه .


لم يكن حضن عابر بل كان خياليا محفوفا بفرحتهم الكبيرة ، من يرى سعادتهم لم يتوقع قيامهم من نومهم بعد ان غرقا بالأحلام ولكنه قام ليصلي فرضه كي يحقق تلك الأحلام وهو يكبر مع المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح .


أيقظها لتصلي بجانبه بشوق ولهفه في الدعاء مع بعضهما كي يكرمها الله بالسلامة التامة ، نام على قدمها بعد ان انهى الدعاء ليتدلل عليها كعادته . 


تساقطت دموع الفرح من عينيها على وجهه وهي تحنو على شعره براحة وسعادة كبيرة: 

"انت حقا عوض وجبر الله لي ، من كان يصدق انني سأعيش هذه السعادة بعد…".


قبل تيّم روح الروح ببطن امها محتضنها بكف يده معبرا عن حبه لهما:

 "اششش لا تتذكري ، افرحي بقرب قدوم ابنتك".


صمت مكمل بقلبه: 

"اللهم لا تحرمني مما أكرمتني به فأنت الكريم الرحيم".


عادت لتنام بحضنه مغمضة عينيها وهي راضيه سعيدة بعوض الله ، ولدت سلمى ابنتها بعملية قيصرية سهلة وميسرة بناء على طلبها تعلم ان الألم الملحق بالعملية اصعب بكثير من الولادة الطبيعية ولكنها لم تعد بحال يتحمل قلبها او روحها ألم المخاض والولادة  ، تأثرت كثيرا بحزنها وخوفها  مما مرت به في مهدها بجانب كثرة عملها ودراستها التي جعلتها منهكة لا طاقة لها بالولادة الطبيعية.


أتت رحمة الصغيرة حبيبة والديها وروح من روحهم إلى الدنيا لتكون جبرا وكرما لهما .


سماها والدها بهذا الاسم لشعوره الكبير برحمة الله عليهم وحفظه لها هي و والدتها فلولا رحمته التي وسعت كل شيء ما كان الان يعيش هذه السعادة.

…….


بهذه الاثناء كان خليل يفرح بخبر حمل زوجته بثلاث توائم وهذا ما جعله سعيد سعادة لا مثيل لها ، يشكر الله على كرمه وفضله وتيسيره الزواج من فتون بطلة أحلامه الجديدة ، من الغريب أنه شكر الله على ما حدث بأمر زواجه من سلمى وعدم إرادة الله بعودتها له فإن كانت عادت لكان الوضع مختلف ولكان ارتضى بإنجاب الفتاة والاكتفاء بها وسط المشاغل الكثيرة لنابغة مثلها.


تباهى بخبر قرب رزقه بأطفاله الثلاث لينضموا للاثنان الآخرين ليتحقق حلمه بالعزوة والعائلة.


بكت رشيدة بصمت اعتادت عليه ، تذكرت وجه الأم فاطمة رحمة الله عليها قائلة:

 "يا ترى هل كنتي ستحزنين عليّ كما حزنتي منه كلما احزنني واهمل بي بسبب ركضه خلف هوسه بسلمى، ام كنتي ستفرحين بقرب استقبالك لأحفادك الثلاث".

 

شردت رشيدة متذكره آخر مكالمة بينها وبين سلمى ورؤيتها لها وهي بحضن زوجها قائلة:

"  أنتِ من ربح مجددًا ، عليكِ ان تشكريني على ما فعلته لكِ فلولا غبائي ما كنتِ ستعيشين هذا النجاح والتألق والحب الذي رآه العالم بعيون زوجك".


……….


كبرت رحمة الصغيرة شهر يتبعه الآخر حتى أصبحت بعمر الحادية عشرة شهرًا ، تخطو اول خطواتها نحو ابيها الذي فتح ذراعيه لها كي يحملها رافعها للأعلى بصوت ضحكات العائلة .


تجهزا ليذهبا سويًا كي يشهدا حفل افتتاح المستشفى التي تم بنائها وتجهيزها بسرعة تتناسب مع سرعة التعمير المعماري بمدينة دبي العالمية.


خبئ تيّم طفلته عن عدسات المصورين خوفا عليها من شدة جمال عينيها الملونة المتسعة وشعرها الكنستنائي الذي جمع بين لوني شعر والديها. لم تكن طفلته فقط من عزلها عن التصوير بل اموره وحياته العائلية رافضا الخوض بهم في أي لقاء صحفي او حدث إعلامي لم تخلوا حياتهم منه فهذه هي ضريبة التميز .


ووسط جموع الأطباء وتحدث تيّم بقوة واندماج شارحا الخطة التي وضعها لأجل الادوية والمعدات الطبية والصحية والأجهزة الحديثة كونه مسؤول رئيسي عنهم ، كما تحدث طارق عن قراراته ومخططاته للأجل قسم العاجل والعناية المركزة وإمكانية تقديم اسرع وافضل خدمة بهم فور وصول المريض.


تحدث كل طبيب ليشرح خطته وما يتطلع له بحدود مهامه ومسؤولياته.


وأثناء حديث تيّم الحاد بمناقشته أحد الأطباء اخذت سلمى زجاجة الماء من أمامها  وفتحتها ، حرك تيّم يده واضعا الكأس أمامها دون النظر لها مكمل حديثه الهام وهي  لا زالت تشاركة ما يقوله باندماج كبير.


شربت القليل من الماء ليعلوا صوتها بعدها على احد الأطباء  قائلة: 

" اعتذر منك لن نعمل وفق ما تقول".


أخذ منديلا ورقيا ومده نحوها لتمسح قطرات الماء التي سقطت من انفعالها وهو يؤكد على قولها ، ورغم شدة وقوة الاجتماع وكيفية الوصول لخطة قوية تعينهم على البدء بنجاح كانت عيون  طارق تراقب اهتمام تيّم  بزوجته .


انتهى الاجتماع المثمر متفقين جميعا على البدء بالعمل واستقبال المرضى في المستشفى من مطلع الشهر القادم .


تحرك طارق ليعطي طبيب بعض الملفات المهمة ، بينما غادر باقي الأطباء والمسؤولين على ان يلتقوا بالترتيبات الأخيرة.


وعند عودته لغرفة الاجتماع كي يودعهم قبل ذهابه رآها بحضن زوجها تتمسك بظهره بقوة ، أراد ان يتراجع غاضا البصر عن خصوصيتهم ولكنه لم يستطع حين رأى خروجها من حضنه لتنظر له بسعادة كبيرة:

 "وأخيرا سيتحقق حلمنا".


رفع تيّم يديه ليداعب انفها وهو يميل عليها مقبل وجنتها بحب كبير:

 " أخيرا وليس اخرا ".


تراجع  للخلف متجه لبوابة  الخروج حيث مكان انتظار زوجته وهو يحدث الخالة فوزية: 

 " الان تحقق كل شيء ، ها هي سعيدة آمنة مستمتعة بحياتها وتفوقها ، جاء الوقت لترقدي بسلام وأمان وراحة ، أديت أمانتك وحافظت عليها حتى سلمتها لبر الأمان".


أقدمت رانيا عليه ببطنها المرتفعة:

"اين اختفيت بحثت عنك ولم اجدك حتى هاتفك تركته معي؟".


قبل راسها وهو يحتضن كتفيها أثناء سيرهم لخارج المشفى قائلا:

"ها انا جئت هيا لنذهب كي نختار غرفة صغيرنا".


ردت بفرح:

 "اريدها باللون الأصفر والازرق والاحمر حتى يمكننا ان ندخل بها الزهري لا اريد ان اتقيد بلون واحد".


اوما طارق برأسه: 

"كما تحلمين ".


فتح لها باب سيارته لتدخل بسعادة كبيرة، تحرك وهو ينظر نحو المستشفى قائلا لنفسه:

 " لتكن بداية جديدة وفاتحة خير علينا وعلى المرضى".


…………


حان الوقت ليحقق تيّم حلم زوجته بالذهاب لموطنها كي تزور قبر أمها الحبيبة قبل انشغالها بالمشفى ، حملت طفلتها مقتربة من قبر أمها و وجهها مملوء بالدموع "السلام عليك ورحمه الله ومغفرته يا امي، ها انا عدت إليكِ لأعرفك على زوجي وابنتي ، يقولون انها شبيهتك واباها يريدها شبيهتي بالغصب ولكنها حقا شبيهتك ليس بالملامح فقط بل بيدها الحنونة التي أصبحت تلامس قلبي قبل جسدي كما كانت يدك من قبل ، ألقوا بي في النار يا امي دون ان ينقذني إلا دعائك لي.


 عدت من الموت على يد زوجي الذي ارسله الله لي كجبر بصورة انسان، نجحت يا امي وأصبحت كما تريدين وتحلمين  ، حققت لك ما كنتي تجاهدين لأجل الوصول له ، لقد أصبحت بعدل الكثيرين بعلمي وعملي ، نسيت ان اخبرك تم افتتاح المستشفى الخاصة بي انا وزوجي وسنستقبل اول المرضى في مطلع الشهر القادم.

 لقد خصصت بها قسم كامل لعلاج المرضى المحتاجين دون مقابل لأجل إرضاء الله عنا وعنكِ لتكن صدقة جارية على روحك يا أمي واعدك ان اخصص لكِ هذا القسم بكل مستشفى افتتحها بالدول الأخرى ، علما انني اخصصه منذ راتبي الأول كي يكون رحمة ونور ومغفره لكِ ، لن انساكِ ما دمت حيه سأزرع حبك بقلوب ابنائي وسأسعى جاهدة ان ازرع بهم ما زرعتيه انت بي فان وصلت اليوم لهذه المكانة فهذا من فضل الله ثم رعايتك وتعليمك لي".


تأثر تيّم ببكاء زوجته الصامت دون ان يستمع لحديثها الروحاني مع أمها ، اصطحبها لزيارة عدة أصدقاء ومعارف وهو يحترم قرارها برفض مقابلتها لعائلة والدها.


كانت سلمى تبكي على قبر أمها بنفس الوقت الذي كان  خليل يحتفل بختان أبنائه الذكور الثلاث بذبح العجول وإطعام العشيرة معلنًا عن حمل زوجته التي لم يمر على ولادتها أربعة شهور فقط شاكرا لله فضله ونعمه.


عادت لدبي بنفس اليوم هاربة من ضيق الصدر الذي أصابها عندما استعادت ذاكرتها تفاصيل مأساتها الحقيقية فكل الأماكن أصبحت تحدثها عن الأسى والخذلان.


لم تنم ليلتها انتظرت سكون المنزل ونوم الجميع لتتحرك نحو الغرفة المجاورة لغرفتها والتي خصصت  لأجل عملها فاتحه الإضاءة وهي تدخل لتجلس على المكتب اخذت هاتفها كاتبة  ..


" بأي ذنب قتلت … 

تقتل الفتاة حين تجبر على الزواج وتقتل ألف مرة حين تباع لأجل صفقة مال او سلام، كم من المهانة ولا إنسانية بهذا العمل المعادي للدين والمجتمع ، أي حق هذا الذي يجعلهم يلقون أبنائهم وأبناء عشيرتهم في النار متحججين بالأعراف والأحكام والغاية النبيلة بوقف شلال الدم والصلح بين الطرفين، هل تنتظرون من فتاة ان توقف ذلك ما لم يستطيع رجال بشواربهم الكبيرة ان يوقفوها!، تُأسر و تذل وتعذب بكل ألوان العذاب النفسي أمام نظر الجميع ويقال لها لا بأس ستعتاد ، لا بأس سيعوضها أبنائها ، لا بأس واحدة تموت قهرا وظلما لأجل ان يعيش البقية، المحزن ان هناك من يضحي بها اباها لأجل حفنة مال ،او تسديد ديون ،او اشباع حاجته من الكيف، وكأننا خلقنا عبيد لديهم يفعلون بنا ما يشاؤون بحكم الابوة والأعراف والاحكام، لا لن نقبل بالعبودية بعد ان خلقنا الله و حررتنا الديانات السماوية، لا لن نقبل المهانة والذل بعد ان كرمنا رسولنا بخطبة الوداع ، فإن لم يستطيعوا صون وصية رسول الله لهم فلنصونها نحن نعم نحن جميعا، جاء الوقت ليقف المجتمع ونظمه وقوانينه علاقاته وأبنائه وما أوتي من حداثة وقوة امام هذه الأعراف المسيئة •للمرأة والدين والدولة فلنقف جميعا ضد استعباد وقهر وذل المرأة لنقاضي دوليا من يسول له نفسه المساس بالمرأة  و بحريتها وإنسانيتها".


نشرت سلمى ما كتبته على صفحتها الرسمية على موقع تويتر كرد على انتشار قصة زواجها من خليل وما حدث لها في العراق بجانب أنه طلب ونداء لكل من بداخله ضمير نابض في الأمة كي ينقذوا مستقبل الفتيات بالوطن العربي.


( لم تكن الحادثة خاصة بالعراق وقد لا تكون كررت به في آخر فترة ولكنها موجودة بكل مكان في بلادنا العربية ، يستخدمون المرأة وكأنها أداة وليست بشر لها حقوق وقيم ،يستضعفونها ويحزنون عندما يبشرون بها كونها انثى رغم انها ان تلقت الدعم والاهتمام ستبهرهم أكثر من الرجال).


عادت سلمى لتنام بحضن زوجها وهي تضع يدها على ظهر ابنتها النائمة على صدر أبيها مغمضة عينيها و قرارة قلبها يهمس:

"الحمدلله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، الحمدلله على كل نعمك علينا يا الله ، اللهم بارك لي في عوضك وكرمك وأدم السعادة والسرور على حياتنا".

……..


وبمفاجأة خطفت قلبها وعقلها حجز زوجها تذاكر طيران للعائلة أكمل كي يؤدوا مناسك العمرة بشهر شعبان الفضيل.


تجدد اللقاء الإيماني الجميل فها هم مرة أخرى ينزلون الدرج المؤدي لصحن الكعبة المشرفة وهم يكبرون ويهللون تحمل سلمى ابنتها على صدرها بواسطة حمالات خاصة بذلك… بينما تيّم كان ينتبه على اخته وامه وهو يمد ذراعه ليحاوطهم ويضمهم بجانبه .


تأثرا غرغرت الأعين بالدموع حين تذكر  كلا منهما الزيارة الأولى وما كانوا يدعو الله بها ، لم تصمت ألسنتهم عن الحمد والشكر لله على استجابة الدعوات .


سجدوا لله سجدة طويلة شكرًا وتقديسًا وتمني بدوام النعم فما أجمل عطاء الله حين يستجيب لك و يبهرك بأكثر ما تحلم وتتمنى .


وبهذه الكلمات وبهذا المشهد الجميل يمكنني أن أخبركم بنهاية قصتنا ، سنودع نابغة العراق وكل أبطالنا اليوم متأملين ان نلقاهم مجددا في مقتطفات صغيرة جميلة تطمئنا عليهم ان شاء الله. 


اشكر الله على إتمام القصة كما احب وارغب دومًا بأن تنال اعجابكم ورضاكم ، اشكره على دوام النعم والقدرة على استمرارية الكتابة والنشر المنتظم بحيث لم نتوقف عن نشر حلقتين أسبوعيا طوال مدة النشر رغم الظروف والمسؤوليات والامتحانات اليومية التي تصيبنا ولا انسى وضع يدي واحتمالية التوقف التي كانت تلاحقني كلما زاد ألمها…


استمتعت كثيرا بصحبتكم وتعليقاتكم وتفاعلكم.


تمت الحمد لله 


يتبع ..

إلى حين نشر رواية جديدة ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. 


منها "رواية حياتي" 

رواية جديدة من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..

رابط فصول عروس بغداد بالكامل

رابط جميع روابط الروايات

author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  • غير معرف7 أكتوبر 2024 في 12:23 ص

    النهاية جميلة جداً جداً وحقيقي آخر الصبر جبر
    تسلم ايدك يا لولو دومتي موفقه ومبدعة حبيبتي 🥰

    حذف التعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent