recent
جديدنا

عروس بغداد الفصل الواحد والاربعون

 ليلة سقوط عروس بغداد
عروس بغداد

بقلم أمل محمد الكاشف 




صمتت سلمى حين رأت صدمة وتفاجئ زوجها من حالته، همَ لينهض مفزوعًا دون أن يفعل حين صرخت به كي يثبت مكانه.

نظر لملابسه بجانب الفراش وهو لا يستوعب ما حدث.

كانت ثواني معدودة اغمضت سلمى عينيها بعدها متمسكة بالغطاء اثناء هروبها للحمام وهي تتحدث بصوت عالي غاضب معاتب عليه بشدة كبيرة، اتسعت عيونه اكثر حين سُحب الغطاء عنه ليسرع بارتداء ملابسه بعقل لا يصدق ما يحدث معهم. 


جمع ملابسها ليضعها فوق بعضها على الأريكة قائلا لنفسه:

 "يا مثبت العقل والدين، وكأنني بحلم ، ماذا يحدث معنا يا ربي". 


صدم يده على رأسه عدة مرات:

 "كيف لا أتذكر ما حدث، متى .. وكيف؟".


خرجت من الحمام وهي مرتدية روب الاستحمام الذي قارب طوله للأرض والمنشفة فوق رأسها.


تحدث لها بصوت متقطع:

 "انا لا أتذكر شيء مما حدث، اقسم لكِ انني لم افعلها او…".


قاطعته باعترافها الذي أتاه على استحياء: 

"وانا أيضا لا أتذكر شيء مما حدث وكأني فصلت عن العالم فور دخولي الغرفة، اخر ما اتذكره نومي على الفراش وانا اكرر قم وبدل ملابسك لا يمكنك النوم بحذائك، كنت اريد ان أقوم بتبديل ملابسي بعدك ولكني لم أتذكر غير ذلك".


جلس على الفراش ناظرا لحذائه الملقى أرضا بشكل غير مرتب وهو يحاول عصر ذاكرته كي يتذكر أي شيء دون الوصول لنتيجة.


ساد الصمت المكان لثواني تحدث بعدها: 

"العصير نعم العصير، تم وضع مواد مخدرة داخله  لا تفسير اخر لما حدث معنا، لقد دار رأسي بعد شربي له".


أكدت سلمى على حديثه 

"نعم وانا أيضا ساءت حالتي بعد شربي له حتى بالكاد وصلنا للمنزل ، ولكن من فعلها ولأجل ماذا!".


سألها بقلق:

" هل نحن بشكل خاص ام حدث ذلك مع الجميع".


وقف ليدخل الحمام وهو يكمل حديثه الجاد: 

" سأذهب لقسم الشرطة كي افتح تحقيق في الحادثة".


شعرت سلمى بجدية ما يقول فلا يمكنها الشك به واتهامه بهذا العمل فإن أراد ان يفعلها فكان سيفعلها بشكل اخر كما انها كانت شاهدة على تدهور حالتهم بعد شربهم العصير.


طلب منها ان تتصل بالفندق كي تعلم موعد وصول سيارتهم لهم.


أجابته دون النظر له:

 " من المفترض ان يأتوا بها على الساعة التاسعة كما طلبنا تبقى نصف ساعة على وصولها".


اغلق باب الحمام لتفتح هي  هاتفها كي تتصفح مواقع الشركات المتبنية للحفل ومواقع الشركات الداعمة له دون أن تجد أي خبر غريب.


لفت انتباهها وصول رسالة نصية من قبل رقم خاص مختلف عن الأرقام المعتاد عليها ، فتحتها لتقرأ داخلها: 

" نعتذر عن الخطأ الذي اُقترف بحق المدعوين الكرام، يتم الان التحقيق بالحادثة من قبل الشرطة بشكل سري كي نحافظ على سمعة الحضور واسمائهم المهمة في المجتمع".


وجدت عنوان مخفر شرطة ملحق برقم متسلسل  يبدأ به رسالة أخرى محتواها:  

" رقم ملف التحقيق بالحادثة يمكنكم الذهاب للعنوان الموضح أعلى الرسالة لكي تحصلوا على معلومات إضافية، مرة أخرى نحثكم على السرية التامة بناء على قرار النائب العام لأهمية الحفاظ على الشخصيات الهامة بالحفل".


أغلقت الهاتف ناظرة نحو ملابسها بوجه يرتجف بخجله، أسرعت لأخذهم واخفائهم بالخزانة قبل خروج تيّم مرتدية ملابسها وحجابها بسرعة كبيرة.


طرق الباب عدة طرقات خرج بعدهم من الحمام وهو يحمل غضبه على وجهه مقترب من خزانته ليخرج ملابسه بعصبية: 

"كيف يفعلون هذا بنا؟، اقسم انني سأجعلهم يندمون على دناءتهم".


تحدثت سلمى بتوتر وضيق يخيم عليه الخجل:

"انت محق هم من فعلوها".


فتحت الهاتف وهي تمده نحوه كي يقرأ محتوى الرسالة التي زادت من غضبه وتمسكه بتقديم بلاغ خاص يطالبون به أشد العقوبة على من فعل بهم ذلك.


لم تستطع مراجعته وخاصة حين رأت وجهه بهذه الملامح •الحادة•.

تحركت خلفه وهي تطلب منه أي يذهبا لعنوان المخفر المذكور كي لا ينفضح امرهم بالصحف.


وافق على ما تقول:

 "وهل لي ان أذهب لغيره، ابقي هنا لأرى ما في جعبتهم أولا ومن ثم نقرر ما علينا فعله".


نظرت له بخجل 

"وانا أيضا سآتي معك".


رفض وهو يتهرب من بريق عيونها لتضغط على قلبه:

"رجاءً اريد ان اذهب معك".


علقت عينيه عليها عدة ثواني وافق بعدها مسرعًا بهروبه لخارج الغرفة لتتحرك خلفه وهي اكثر خجلا فكانت نظراتهما تتحدث بما لا تتحدث به ألسنتهم.


رن هاتف تيّم اذ به احد مسؤولين خدمات الفندق الخاص بالحفل يخبرهم بوصول السيارة امام المنزل، تقدم عنها بخطوات كي يستلم سيارته ويصعد بها وهو شاردا، جلست بجواره وعيونها على سيارة خدمات الفندق التي ابتعدت عنهم متسائلة:

" ماذا لو غاب وعيك أثناء قيادتك؟".


نظر نحوها بثبات تحدث به:

 "احفظنا يارب من ذهاب العقل".


ظلوا شاردين طوال الطريق كلا منهم يحاول استرجاع ما حدث معه بالحفل وبعد الحفل دون الوصول لأمر مختلف مؤكد كلا منهما داخل نفسه ان العصير هو السبب بذهاب عقولهم ، قدما شكوى خاصة متفاجئين بالوضع المزري جراء الحوادث الغير أخلاقية التي حدثت بعد غياب عقل و وعي الحضور.


خرجا من المخفر وهما يحمدان الله على خروجهما من الحفل بالوقت المناسب ، تحدث تيّم وهو مخفض عينيه:

 "لا اعرف هل عليّ الغضب ام الحمد على ستر الله لنا، اقسم انه بفضل صلاة الوقاية من مخارج السوء".


أومأت رأسها معقبة على حديثه:

"أصبحت أخاف من نسيانها قبل الخروج، فلنحمد الله على الستر بكل الأحوال كلانا لا يتذكر شيء لنغلق الصفحة ولا نعود لها مرة أخرى".


رد عليها وهو ينظر للأمام: 

"كيف لا أتذكر ليلة كهذه!، أين كان عقلي؟".


اخفضت عينيها بخجل:

 "على ماذا اتفقنا، حدثت ونحن خارج وعينا وادراكنا لذلك علينا ان نغلق الموضوع بشكل نهائي رجاءً لا تحرجني بالتحدث عنه مجددًا".


وصلا للمنزل لتتحرك متجهة لغرفتها لتبدل ملابسها وهي تقول بصوت منخفض:

"اريد ان ااكل سأبدل ملابسي واعود لأحضر المكرونة المحمرة بالصوص الأحمر".

 

أومأ برأسه دون النظر لها ظل يعصر بعقله وذاكرته متمنيًا تذكر ولو صورة ضبابية مما حدث بينهما.


ورغم حالته المضطربة إلا أنه ابتسم بوجهه الجميل قائلا لنفسه: 

"طلبتها من ربي دون ان أتوقع حدوثها بهذا الشكل الغريب".


خرجت من الغرفة بعد تبديلها لملابسها لتجده يضحك سألته بنبرة استجوابية حادة:

"ما بك لماذا تضحك".


_" هل حُرم علينا الضحك يا سيادة الضابط، وأيضا لا شيء تذكرت كيف تعرفنا على بعضنا البعض وكيف جمعنا القدر بأكثر من حادث مرورًا بزواجنا المفاجئ حتى أتت ليلة أمس لتكتمل الصورة أن أتى الطفل فجأة دون ان نعلم لن استغرب او استنكر".


اخفت ابتسامتها من شدة خجلها مسرعة بدخولها لإعداد الطعام دون ان تجيبه.


استدن بظهر على الأريكة الخلفية رافع ذراعيه على الوسائد الجانبية قائلا بصوت ضحكته الساخرة من حالتهم:

 "قدر الله وما شاء فعل بكل الأحوال أصبحت زوجتي".


سقط كيس المكرونة منها حين خفق قلبها بسماع حديثه بلحظة استعادتها لما حدث بينهم ليلة أمس بشكل جزئي، أغلقت عينيها مستنكرة ما جاء أمام عينيها قائلة داخلها: 

" لا لم تصل لهذه الدرجة".


ابتلعت ريقها حين جاء امامها مشهد اخر جعلها تضع يدها على عينيها: 

"لا مستحيل ان افعلها، هل جننت".


انتفض جسدها حين سمعت صوته بجوارها وهو يسألها: 

 "هل تريدين مساعدة؟".


تفاجئ بوضعها متسائلا: 

"ما بكِ هل اخفتك".


وضعت يدها على صدرها وهي تتهرب بعينيها منه:

"لا شيء، دخلت فجأة ولم انتبه عليك، يعني فزعت حين سمعت صوتك فجأة دون مقدمات".


ابتسم وجهه وهو يعتذر منها ليزيد خجلها حين تذكرت وجهه ليلة أمس، أشارت له نحو الجزر قائلة بصوت خجلها: 

 "يمكنك بشر الجزر ان أردت".


_" على الرحب و السعه ، جيئتي بملعبي ولكن لماذا تريدين مبشور الجزر الا تحضرينها بالصوص الأحمر؟".


ردت عليه بتوترها:

 "لأجل السلطة اريده للسلطة".


امسك المبشرة  وبدأ ببشره بسرعة متتالية شاردا بمحاولة تذكره ليلة أمس حتى صرخ متألمًا ببشره لأصبعه.

حرك يده بقوه في الهواء:     "ااااه".


ردت عليه ساخرة من ثقته بنفسه:

" من الواضح أنه ملعبك".


تحركت لتجلب له لاصق طبي مقتربة منه بعدها لتضعه على طرف اصبعه، ارتعش قلبها فور اقترابها منه مما جعل يديها ترتجف انهت وضعه بسرعة مبتعدة عنه وهي تقول:

" لأضع المكرونة في الاطباق".


اسرعت بوضع الطعام بالأطباق ووضعهم على الرخامة  التي تنتصف المطبخ جالسه بجانبها لتأكل دون النظر له او التحدث معه.


سألها عن الجزر نظرت نحو الطبق ثم نظرت الى طبقها:

 "ولكني جائعة لنؤجله بوقت اخر".

 

عادت لتتناول طعامها بحالتها الغريبة عليه.


جلس بجوارها يأكل وهو يراقب هروب عيونها منه حتى صدمها بسؤاله:      "هل تذكرتي شيء من ليلة أمس؟".


اسرعت بجوابها النافي القاطع المدافع عن نفسها: 

"لا ابدا لم أتذكر شيء على الإطلاق، لا يمكننا ان نتذكر أصلا".


أومأ براسه دون ان يضغط عليها معطيها الحق بخجلها، جاءها اتصال هاتفي من رانيا فتحت لتجيب على وضع المكبر متسائلة عن حالة الأم عايدة الصحية طمأنتها رانيا طالبة منها أن ينضموا لهم برحلة قصيرة على متن يخت مرسى بلازو فيرساتشي لمدة ساعتين.


وافق تيّم بسرعة كبيرة قبل أن ترفض زوجته ، نظرت له بعيون قوية تحضه على التراجع ولكنه لم يفعل حين تدخل طارق أيضا بالاتصال مكملين الاتفاق وكيفية التلاقي.


كان يريد أن يهون عليها خجلها وهروبها منه، وقد نجح بذلك عندما استمتعا بجانب بعضهما هناك.

 

اصطحب تيّم زوجته ليتجولا على سطح اليخت وحدهما كما تحرك طارق ورانيا عكس الاتجاه وهم يطمعان بقضاء وقت خاص بهما فهما لا زالا عروسين أيضا..


أشار تيّم نحو السماء:

 "انظري للنجمة الساطعة هناك".


ابتسمت بنظرها للنجمة:

 "جميلة جدا وكأنها نافذة منزل بعيد".


نظر لوجهها ثم عاد ينظر للنجمة قائلا:

 "هكذا أنتِ بالنسبة لي، نجمة جميلة نورها يسطع بكل مكان توطئ قدمها به".


فرحت متسائلة:

 " نجمة ساطعة، شمس مشرقة، روحي، حياتي، كثرت المسميات يا سيدي الشاعر فلتترك لمن يخلفني القليل منهم".


اخفض عينيه لثواني رفعهما عليها متحدثًا بخبث:

" حسنا لا تقلقي لدي الكثير، مثلا يمكننا نعتهم بجميلة القمر وفراشة القلوب ، و….".


قاطعته بقول:

 "قرة عين حبيبها".


_" اممممم هل أقول لها قرة عيني؟".


اسرعت بإجابتها:

 "لمن؟ وأيضا انه لقبي منذ طفولتي لن اسمح لك باستخدامه مع غيري".


ابتسم بخبث:

 " ألم تساعديني قبل قليل بإيجاد مسميات لهن!".


ابتعدت بغيرتها:

"هيا لنعود إليهم…".


امسكها من ذراعها ليعيدها بجانبه ناظرا لعينيها:

 " هل استحق منك هذا، كلما حلمت أيقظتني على الواقع دون رحمة، جعلتيني أشعر وكأني رجل كذوب ابدل بالنساء كما أبدل بأطقمي".


تجمعت الدموع بعيونها:

 "اعتذر لك فعلتها لأجلي هذه المرة كي أعيد عقلي لأرض الواقع".

 

ابتلعت ريقها متمسكة بثباتها: 

"أصبح  قلبي يخاف من تصديق ما انا به".


وقف امامها وهو ينظر لعيونها:

 " اتركي نفسك تختار ما تريد، لا تغصبي قلبك على الحرمان خوفًا من المجهول، فلنستمتع بهذه الأيام الجميلة و ان كتب بأقدارنا الفراق و الكسر".


ارتعد قلبها بخوفه حتى سقطت دمعة من عينيها:

 "إياك ان تتركني وحدي، انا لا اريد …".


زاحمت دموعها كلماتها ليسرع هو بمسك ذراعيها داخل بعينيه في عينيها:

"لا يمكنني تركك وان طلبتي لا يمكنك التخلص مني بهذه السهولة".


اهتزت بكلماتها التي خرجت منها بصوت بكائها:

 "لا تخذلني .. رجاءً لا تكسرني كما فعل غيرك، سأسامحك على كل شيء واي شيء ما عدا الخذلان والكسر والترك".


رفع يده ليمسح دموعها: 

" أنتِ روحي كيف يمكن للإنسان ان يعيش بدون روحه، اصبحتي النفس الذي لا يمكنني العيش بدونه انتِ..".


قاطعته بقولها:     "ممكن تخبيني بحضنك؟".


حرك عينيه متعجبًا من طلبها دون صوت، لتقترب هي داخله بحضنه معلقه يديها على اكتافه من الخلف مستندة برأسها على صدره:

 "خبئني من العالم كله، لا تتركهم يؤذوني او يكسروني".


ضمها حتى كاد ان يدخلها بقلبه مغلق عليها جناحيه:

 "اموت ولا اتركك لأي احد كان".


ابتسمت بدموعها حين أرادت ان تضغط عليه:

 "وماذا ستفعل مع سندس؟".


ضحك مقبل رأسها وهو يسايرها ليفوز عليها:

 "لنتركها كما هي كي لا نحرم من الشاي المميز".


تذمرت راغبة بتركه والخروج من حضنه ولكنه رفض:

 "حسنا حسنا ولكن بهذه الحالة سيتوجب عليكٍ تحضيره لي".


ردت بقوة انثى شرسة: 

" انت من سيحضره لي هو والقهوة والنسكافية ذو الرغوة الكثيفة".


صمتت لثواني خرجت من حضنه بعدها لتنظر له بعيون لامعة:

 "ألم تتذوق النسكافية خاصتي!، خسارة كيف لم احضره لك من قبل!، لا احد في العشيرة يمكنه تحضيري مثلي… هكذا كانت تقول عمتي عنه".


ضحك بقوله: 

"لن أنام الليلة قبل تذوقه".


أراد ان ينقذها من ذكرياتها وقد فعل حين تحمست و وعدته بتحضيره له.


سحبت رانيا زوجها ليكملا تجوالهما دون ان يقطعا صفو العروسين، ابتسم طارق ابتسامه منقوصة محاولًا مسايرة زوجته كي لا تشعر بالضيق والتخبط الذي شعر به وهو يشهد على حب قرة عين أمها لزوجها، فإن لم يراها وهي تدخل بحضنه وتخرج لتحدثه وتعود لتتعلق برقبته بحماس واهتزاز فرحتها ما كان صدق ولو اقسموا له مئات السنين عن أنها فعلت ذلك.


عادا من رحلتهما القصيرة بعيون لامعه فرحه وكأنهما عروسين حقا، حضرت سلمى لزوجها النسكافية فور تبديلها لملابسها ناظره له بترقب متسائلة: 

" هل اعجبك ام بالغت بوصفه؟".


فتح عينيه الغارقة بعسل حبه الصادق:

" هل اعجبني فقط .. لقد وضعته في قائمة مفضلاتي لن أكل او شرب غيره من الان وصاعد".


فرحت كطفلة صغيرة تسمع لأول مرة اطراء من احد، لم يشفع تقاربهما وفرحتهما برحلتهما لدى سلمى التي عادت لارتباكها فور صعودها للفراش، راقب احتضانها الغطاء بنومها وابتعادها عنه بشكل زائد وكأنها ستسقط من عليه باستغراب. 


تسلل لقلبه الشك وخاصة انها لم تشرب نفس الكم الذي شربه هو.


تحدث قبل نومه متذمرًا: 

"دعوت ربي كل ليلة ولكني لم أتوقع ان يستجيب لي بهذا الشكل".


استدارت غاضبه عليه:

 "نعم انت السبب ظللت تدعو الله حتى حدث ما حدث".


عادت لوجهتها المعاكسة له هاربة منه ليغمض عينيه بوجه مبتهج متمنيًا ان يحلم بليلته المنسية، وبعد ما يقرب من ربع ساعة فتح عينيه وهو يخشى ان ينظر نحوها خوفًا من ان ينصدم بحالتهما مجددًا.

 

عاد واغمض عينيه ليرى بعض الصور التي تجمعت لديه بشكل ضبابي امامه ثم أعاد فتح عينيه بثبات ادار به رأسه ببطء وخوف زال فور اطمئنانه على طبيعة وضعهما.

 

ابتسم وجهه وهو يكذب نفسه بصوت منخفض: 

 "بماذا اهلوس انا .. بأحلامي لم أرى هذا اليوم .. حتى عيب عليّ".


اغمض عينيه بوجهه المبتسم قائلا بصوت مسموع:

 "هل تم استبدالها بأخرى".


كادت أنفاسها المرتفعة من توترها وخجلها ان تكشف استيقاظها، تمنت لو انها تستطيع محو هذا اليوم من خياله دون عودة ولكنها تعلم حقيقة عودة ذاكرته ولو بقدر قليل غير متكامل مثلما عادت لها شبه كاملة و واضحة.


تسمرت بمكانها وهي تتذكر ما فعلته متسائلة: 

"ماذا فعلت!، أنا كيف … كيف تجرأت…؟".


اغمضت عينيها بقوة متمنية لو نسيا هذه الليلة كي لا تفضح امامه.


استيقظا بعد ساعات ليصليا الفجر في جماعة، أنهى صلاته رافعا يديه للسماء:

"الحمدلله على كل حال".

 

تحركت هاربة لفراشها مجددًا، ابتسم وجهه وهو يصعد الفراش خلفها قائلا:

" وكأني بحلم كيف أحببت وتزوجت و…".


صدمت ظهره بالوسادة متحدثة بغضب: 

" انت السبب بما حدث لنا".


نظر لها باستغراب: 

 "كيف؟".


_"ألم تدعو ربك ليل نهار اللهم ألف قلوبنا واصلح ذات بيننا استيقظ ليلا لأجدك رافع يديك تدعو وتدعو حتى اخذت حق البشرية كلها".


ضحك وجهه قائلا:

 "ولكني اخبرتك  لم اطلبه على هذا النحو، لم أتذكر أي شيء من احلامي وامنياتي، أحاول ولكني أرى أشياء مستحيل حدوثها ولا بالأحلام".


_" نعم ولا بالأحلام، لا يمكن حدوث ما تراه ولا بأحلامك لهذا عليك ان تنسى ولا تحلم، وأيضا لماذا تحلم بي هل أعطيتك الحق بذلك من فضلك اخرجني من أحلامك لا يمكنك…".

 

ابتسمت عينيه لوجهها المنير بوجهه، لم يجد نفسه إلا وهو مقترب منها ليصدمها بإصماته لها بحكم قلبه العاشق لها أيا كانت النتائج وردة الفعل القوية الحادة المنتظرة منها، قرر الاقتراب وفعل ما لا يخطر على بالها ان تصمت به وهو لا يحسب ما يترتب على ذلك.


تملكه حبها له لدرجة اعمته فلم يستطع السيطرة لا على قلبه ولا على ما يأتي بأحلامه و يضغط عليه بقوة.


أدهشته هي الأخرى بتركها نفسها له بخفض عينيها وخجلها الزائد عن حد فتاة صغيرة لم تتزوج ولم تعرف شيء عن هذا اليوم.


استجاب الله تعالى لدعائه ليذهله  بعطائه وفضله وكرمه، ليعيش ليلة باركتها صلاة الفجر والقرب من الله الذي منحهما سعادة وراحة لا يمكن لأحد امتلاكها وان فعل اضعاف مضاعفة من تجهيزات وهدايا واشعار وانغام وغيرها من الشكليات التي تملأ القلب وتشعره بالسعادة الوقتية فقط، عكس البركة الإلهية المفعمة بالسعادة وراحة القلب والبال.


لم تنم عروس بغداد من بعد صلاة الفجر انتظرت نوم زوجها لتدخل الحمام بهدوء وخطوات متباطئة، جلست بمنتصف البانيو تحت الماء وهي تتذكره كيف كان يحنو عليها ويحدثها عن مشاعره برفق وخوف من الضغط عليها، دمعت عينيها وهي تشعر بعطفه على شعرها وتعامله معها كطفلة صغيرة بين يدي والدها يخشى عليها من الانكسار والحزن.


اغمضت عينيها متذكرة كيف توقف وابتعد عنها منتظر موافقتها بقوله:

"وعدتك ان لا اضغط عليكِ يكفي ان تحركي رأسك بالرفض او تبدي أي علامة تدل على ذلك كي ابتعد عنكِ، حتى وان احترقت وتعذبت بنار حبي الكبير لكِ".


ابتسم وجهها بخجلها الكبير متذكرة فرحته الكبيرة بخجلها وصمتها، كان الإحساس جديد وغريب على امرأة قهرت وحكم عليها ان تعيش لحظات ذعر وخوف في اول دقائق من بعد زواجها القسري لوجوب إرضاء الاشبـ.ـاح الذين كانوا ينتظرون خارج غرفتها، جديد وغريب على امرأة أجبرت على الاستسلام عدة مرات بموجب القدر و الواجب والحقوق، لم تتوقع ان تلمس الفرق بهذه القوة من اول تقارب حقيقي بينهما.


أنهت حمامها وخرجت على استحياء وخوف من استيقاظه لتجده نائم على حالته.


فتحت خزانتها لتختار ملابس تليق بوضعهما كعروسين حقيقيين ولكنها لم تجد ما تمنته.


تقلب بنومه على الفراش مما جعلها تأخذ بنطلون جينز وسترة بيضاء متجه نحو الحمام لترتدي به هاربة بعدها لخارج الغرفة جالسة أمام اللاب توب الخاص بها بعقل شارد لا يتذكر حتى مهامه العملية.


 استيقظ بعد عدة ساعات ليست بقليلة بعد ان غرق بسعادته و بفرحة الكبيرة.


بحث عنها في الغرفة ولم يجدها، ابتسم وجهه بسعادة ما يشعر به تحرك ليدخل الحمام بسرعة جعلته يخرج منه بعد دقائق معدودة مرتدي ثوب أبيض ناصع البياض متعطرًا بالعود الأصلي الذي اقتناه من رحلته في مكة ممسك بفرشاتها ليمشط شعره وهو يتمنى ان تدخل عليه لتراه ممسك بها .


خرج من غرفته باحثًا عنها دون ان يجدها، تعجب من الوضع حتى بدأ الخوف يدب بقلبه فتح هاتفه ليتصل بها منتبه لرسالة جديدة منها 

فتحها على الفور قارئا به:

 "تأخرت بنومك ولم ارد ايقاظك لذلك كتبت لك هذه الرسالة قبل ان أغلق هاتفي كي لا تقلق عليّ، سأدخل بعد قليل لإجراء عملية جراحية دقيقة".


ابتسم وجهه أكثر فرحا بعد ان ارتاح قلبه الذي خاف من الترك وهروبها منه.


اخرج قميص أبيض أنيق وبنطلون جينز اسود ليرتديهم واضعا في يده ساعة كلاسيكية باللون الفضي مغدق على نفسه بمزيد من عطر العود المميز اخذ النظارة الشمسية السوداء بجانب هاتفه والمفتاح ليخرج من منزله ذاهب لعمله بعيون ترى كل ما يأتي امامها بوجه ضاحك فرح.


……..


وصل خليل لدبي بعد عدة أيام  بحجة زيارة الأم عايدة والاطمئنان عليها، كان واضح نيته في زيارة سلمى ورغبته بإعادتها، لم يستطع الذهاب للمنزل مباشرة لأجل وجود طارق في المستشفى وهذا ما جعله يفكر بالذهاب للمستشفى أولا لعله يجلس مع سلمى ويتحدثا ومن ثم يرى طارق الذي ابلغه انه سينهي عمله على منتصف النهار.


بحث عنها دون ان يجدها هربت هند منه فور رؤيته والتعرف عليه من صوته وهو يتحدث لاحد العاملين بالاستقبال، اسرعت في البحث عن سلمى كي تخبرها قبل ان تنصدم به، ولكنها رأت عروس بغداد وهي تخبئ وجهها المبستم بيديها بخجل و دلال كبير.


اقتربت منها متسائلة: 

"ما بكِ ما الذي رأيته على هاتفك جعلك بهذه السعادة".


نظرت لهند قائلة:

 "لا شيء انا في عجلة من امري تيّم بالأسفل سأنزل سريعا قبل ان يجعلني على قائمة النشرة اليومية".


انطلقت بسيرها تاركه صديقتها خلفها مندهشة من حالتها، تحركت هند لتنظر من أحد نوافذ المستشفى البعيدة عنها كي ترى تيم بالأسفل بفضول كبير.


 ذهب خليل لغرفة مكتبها مجددًا لعلها عادت إليه مستمع للممرضة وهي تقول:

 " رأيتها بطريق الخروج من المشفى الان".


اسرع بالنزول خلفها ليلحق بها منصدمًا من حالتها وتمايلها وضحكها وقربها وهي تأخذ من زوجها باقة الورد غامسه انفها بها بفرحة كبيرة.


تسمر بمكانه منصدمًا من حالتها وفتحه الباب لها كي يجلسها أولا مغلق عليها وهو يطير بفرح ليقود سيارته وهما منسمجمين  بحديثهم.


تعجب من خجلها وعيونها المخفضة امام عيونه وحديثه معها، هز راسه برفض ما يراه ليس كما يظهران لا يمكن ان يكون حبا، ليس زوجها، تعتبره اخ او صديق ساعدها ولكنه ليس بحب او زواج كما يجب ان يكون.


انتظر طارق ليذهب معه لمنزله كي يزور الخالة عايدة وهو بوجه منصدم، اخذ وقته وتناول معهم طعام الغداء طالبا بعده ان يتحدث مع سلمى ليخبرها برغبته في زيارتها.


رفض طارق ما يطلبه مدافعا عن حق سلمى بعيش حياتها دون ضغط منه ، أصر خليل على رغبته في زيارتها قائلا: 

"لتكن الأخيرة كي يرتاح قلبي واطمئن عليها دون ان احمل ذنبها، ان كانت سعيدة بحياتها سأتركها وإن وجدتها كما اشعر واتيقن لن اتركها كي تنهي حياتها بهذا الظلم".


ارسل طارق رسالة نصية إلى هاتف سلمى يبلغها برغبة خليل في لقائه بها والتحدث معه لمرة أخيرة.


قرأ تيّم الرسالة متصلا من هاتف سلمى على طارق ليفاجئه بصوته قائلا: 

"أخبره اننا في انتظاره".


تحدث طارق:

 "لا تؤاخذني لم ارغب بالاتصال كي لا اضغط عليكم ان لم …".


قاطعه تيّم:

 " اهلا وسهلا به وبك، سأنتظركم في تمام الساعة السادسة مساء الغد".


نظرت سلمى لزوجها وهو يغلق الهاتف ويضعه  أمامها عائدا لشرب العصير بصمت قائلة:

 "ما كان عليك ان تقبل زيارته".


_" ليأتي قبل عودة أمي تعلمين تبقى عدة أيام على عودتها، لنرى ما يريد ونغلق الموضوع بشكل ودي ان أراد هو ذلك، وأيضا هيا لنعود للمنزل".


نظرت للناس الجالسين  حولهم بالمطعم قائلة: 

"كما تريد".


وقف تيّم بوجهه الذي تغيرت ملامحه واضعا الحساب على الطاولة متقدم بسيره دون ان ينتظرها، خطى عدة خطوات انتبه لنفسه بعدها وقف لينتظرها واضعا يدها على ذراعه ليكمل سيره وهو ممسك بها.


تحدث طارق لخليل:

"اعتذر منك لا استطيع الذهاب معك سأعطيك العنوان وانت اذهب بمفردك، بصراحة لا اريد ان اخسر علاقتي بزوجها وخاصة بعد ما فعله معي اثناء متابعتنا لحالة امي بالخارج، الرجل ذو معدن اصيل وخلوق بجانب انه قريب من الله يتحدث بثقل واتزان لا يمكن ايجاده بالكثير ممن حولك".


حرك خليل يده مشيرا بجانبه:

 "هذا الضحوك".


_" لعلمك ملامح وجهه بشوشة توحي لك انه يضحك بجميع حالاته ولكنه ليس كذلك، كنت اظنه كما تقول ولكني غيرت نظرتي به بمجرد اقترابي منه والتعامل معه".


سخر خليل:

 "ما بكم هل سحر هذا التافه عقولكم انا لا اصدق انكم تعطوه كل هذه القيمة ام لأنه ساعدها …". 


غضب طارق:

 "لماذا لا تريد تصديق زواجهم هل صعب عليك ابتعادها عنك لهذه الدرجة".


تحدث خليل ليكسر الود بينهم:

"هل تظنني مثلك اتنازل واستسلم بسهولة مبتعدا عن طريقها فور تحدثها وطلبها مني ذلك".


تذكر طارق اليوم الذي وقف امام خليل ليأخذ سلمى من منزله قبل زواجهم حينها صرخت سلمى بوجهه كي تبعده عن طريقها خوفا عليه من القتل وضياع مستقبله.


تحدث طارق بصوت مختنق:

 "انت محق استسلمت بسرعة يومها وانت أيضا استسلمت من بعدي ولكن يا ترى هل زوجها سيستسلم كما فعلنا نحن".


…….. .


توجب على سلمى ان تذهب لمنزل طارق بهذا اليوم كي تطمئن على الخالة عايدة بعد اصابتها بزكام اثر عليها كونها لم تسترد عافيتها بشكل كامل.


دخلت سلمى للغرفة بينما انتظرها زوجها بالصالون اعتذر طارق منه  مؤكد له عدم رغبته بحدوث تلك المواجهة، أخفض صوته:  

"لقد تمادى، فقد عقله على الأخير افترضنا ان زواجكم غير حقيقي ما دخله هو عليه ان يفهم طبيعة الدكتورة سلمى وعدم رغبتها في العودة له مجددا".


سبق صوت جرس الباب رد تيّم نظرا للباب وهم يستمعون لنسرين وهي تقول بعد ان فتحت  الباب:

  "تفضل . أهلا وسهلا بك".


وبضيق كبير نظر تيّم لطارق ثم نظر لخليل الذي  دخل بوجهه المبتسم من معرفته بوجودهم   قائلا:

 "زاد الله فضلك يا اختي".


خرجت سلمى من الغرفة بجانب رانيا بهذه اللحظة لتجده ينظر نحوها بوجهه الذي ابتهج فور اقترابه من مجلسهم:

 "يا اهلا وسهلا أخيرا استطعنا رؤيتك كيف حالك يا سلمى".


ابتسمت ابتسامه متصنعة:

  "بخير الحمدلله".


غار قلب تيّم  من اول ثواني مما جعله ينظر لهاتفه قائلا:

 "تأخرنا بالوقت هيا لنعود للمنزل".


تحدث خليل معه:

 "انتظر من فضلك اريد ان اتحدث مع سلمى في وجودك، وأيضا ألم يكن بيننا موعد ، وبما اننا جميعا موجودين فلا داعي للذهاب والعودة".


اسرع تيّم بقوله الغاضب:

 "أولا اسمها دكتورة سلمى، ثانيا ليس لدينا الكثير من الوقت تفضل ماذا تريد".


نظر طارق لحالة تيّم ناظرا بعدها نحو خليل الذي بدأ حديثه:

 "أهدأ يا اخي انا لم اتي لأجل شر، من الممكن سماعك عن والدها وأبو بكر جعلك تعتقد انني مثلهما … اخبريه يا سلمى من أكون".


تحدثت سلمى وهي تقف بمكانها:

 " لنخفض أصواتنا لا يصح ارهاق الخالة عايدة بأمور كهذه".


دافع خليل عن حقه في الحديث معها: 

"الخالة عايدة نائمة بالداخل، لن اتركك حتى نتحدث". 


تحركت لتقف بجانب زوجها لتجده يجلسها على الأريكة الخلفية: 

"انتبهي لنفسك، اجلسي كي نرى ما يريد قوله".

 

خجلت من قرب تيّم لها أمام خليل الذي لم يرفع عينه عنهما ابدا.


تحدث خليل لها:

 "هل ما زالت قدمك تؤلمك؟".


أجاب تيم بالنيابة عنها: 

"لا. ولكننا نحرص على المحافظة عليها …".

ابتسم خليل بوجهها:

 "وما المنتظر من طبيبة ماهرة مثلك!، من المؤكد محافظتك عليها كي تتعافي وتعودين لكمال صحتك بسرعه".


وجه حديثه ونظره لتيّم مكملًا: 

"انت لا تعلم قدر العمل لدى دكتورتنا لا يمكنها التخلي عنه حتى وان كانت تزحف".


غار قلبه على زوجته لتخرج إجابته بشكل صُدمت به سلمى وهو يسألها:

"ولماذا لم أرى هذا حين أوقظك  بالصباح وتتذمرين تريدين القليل من الوقت الإضافي لتكملي به نومك".


نظرت بثبات ووجه خالي التعابير من المفاجأة وخاصه حين أكمل زوجها.

"ماذا افعل يا اخي اضطر للتأخر عن عملي في كل صباح من وراء حبها للنوم".


اصبح الوضع اكثر توترا نظرت نحو طارق كي يتدخل بسرعة، وبالفعل تحرك على مقعده ليبدأ حديثه لولا مبادرة خليل بقوله:

"هذا يعني أنكِ اعتدتي على الكسل والتراخي لا تقلقي علاجك بين يدي، نحن أطباء مثل بعض ونعلم ان ما يقوله دكتور تيّم يؤكد دخولك بحالة اكتئاب وهروب من الواقع. لا تقلقي سنتخطى سويا كل هذا".


تحدث طارق بنبرة تحذيرية: 

"دكتور خليل يكفي بهذا القدر".


لم يهتم خليل لما قيل له مكملا لتيّم:

"هذا ما اردت توضيحه لك. اعلم انك فعلت الكثير والكثير لأجل سلمى ولا يمكن لأحد ان ينكر ذلك، كما انه لا يسعنا الا شكرك والدعاء لك وقلوبنا تتمنى ان نرد لك هذا المعروف يوما ما، ولكن الى هنا وحسب".


نظر تيّم لسلمى ثم نظر لخليل وهو عاقد حاجبيه بتعابير التعجب:

"إلى هنا وحسب".


 نظر لطارق ومن ثم زوجته:

 "ماذا يعني هذا الرجل بحديثه؟".


وقف طارق بوجهه القوي قائلا لخليل:

 "الزيارة انتهت رجاءً لا تضغط علينا أكثر من ذلك".


ابتسم خليل مكملا بثباته و هدوئه المعتاد:

"ان تركتني لأكمل حديثي ستعلم مقصدي، انظر يا تيّم مع الاحتفاظ بالألقاب انا اعلم جيدا الظروف الصعبة التي مررتم بها، وكذلك كنا من قبل بدايتي انا وسلمى عشنا شيء من هذا القبيل، تم عقد زواجكم باليوم الذي تلى قرار العشيرة بعودتها لعصمتي والأكثر لبلدنا. لجأت سلمى لك ام انك انت من قدم لها المساعدة لا فرق لدي في هذا ولكني متأكد من زواجكم المعقد جراء اتفاق قوي، مع الأسف تسرعت سلمى ولم تعد لي وان كانت فعلتها لعلمت أنني سأحرق السفن من جديد لإنقاذها دون ان اظلمها،  وهذا ما اتفقت مع عشيرتي عليه كانت ستأتي للعيش والعمل بجانبي".


صدمت سلمى تيّم حين قاطعت خليل بسؤالها:

 "وماذا عن رشيدة هل كانت ستقبل بهذا الوضع. ام انك ..".


لم يصدق طارق سؤالها، كانت رانيا تترقب وضعهم المحتقن بقلق،

تحدث خليل بسرعه:

"ترضى أم لا ترضى هي صاحبة القرار بالبقاء والرحيل قراري لن اعود عنه اتخذت يومها عهد على نفسي ان اعيدك لعصمتي وان اعوضك عن كل ألم وحزن مررتي به".


اخفض تيّم عينيه أرضا وهو يستمع لخليل:

"عودي إلي لتعود السعادة لحياتي، سلمى منذ ان افترقنا وانا اشعر بغصة كبيرة في قلبي اندم كل يوم على تركك للسفر بعيدا عني، حتى أنني اندم على خروجنا من بلادنا. أقول لنفسي ماذا ان بقينا كأول عهدنا ماذا ان اهتممت بأطفالنا، تخيلي معي كنا الان نركض خلفهم فرحين بما انعم الله علينا".


تحرك تيّم موجها قبلته جهة الباب: 

"لم اعد اتحمل صوته أكثر من ذلك، كما أنني لست مضطر ان ابرر وادافع عن زواجنا أمامه".


 شعر خليل بالانتصار وقرب وصوله لمراده قائلا:

 "هيا تحدثي اخرجي ما بقلبك وانا سأجيبك وارضيكِ".


امسكت سلمى يد زوجها ناظره لعيونه:

 "هل يمكن البقاء لبضعة دقائق فقط؟".


طالت نظراته المعاتبة عليها لتهز رأسها بصوتها الراجي: 

"هل ممكن؟".


جلس تيّم دون ان يترك يديها التي سحبها بحضن يديه وهو يستمع لتكملة حديث خليل:

"هل خفتي ان تضعفي امامي".


غضب تيّم من جديد: 

"من فضلك راعي انك  تتحدث مع زوجتي اقسم بالله انسى كل شيء واعطيك درس لن تنساه طوال حياتك".


نظرت سلمى نحو تعابير غيرة زوجها عليها ثم نظرت لخليل الذي كان يكمل بوجهه المبتسم قائلا:

"اعطيك الحق بغيرتك عليها فهي لا تشبه غيرها من النساء، كما اعطيك الحق اكثر فعلاقتنا لا تشبه علاقة الأزواج انها اكبر من ذلك".


نظر تيّم لزوجته ليجدها تقول له:

"نعم هو محق بذلك نحن نختلف قليلا عن غيرنا".


 لم يصدق الجميع ما قالته سلمى بحق خليل الذي ابتهج وجهه.


خفق قلبه وحُرق بما يسمع شعر للحظة ان كل شيء انتهى، لتكمل سلمى قاصفة جبهة خليل:

 "المعروف الذي بيننا جعل علاقتنا مختلفة، انقذني وأواني وحافظ عليٌ بأوقاتي العصيبة، بدون خليل ما كنت سأكمل عملي ودراستي، كنت أرى به عائلتي التي فقدتها وابي الذي حرمني من حنانه، نعم كان مختلف وكبير لدرجة لم تجعلني يوما اشعر بأنه زوج او حبيب".


اسرع خليل بدفاعه عن نفسه وهو يتقدم نحو سلمى:

" لا تظلميني حديثك يدل على محبتك لي ولكنك لا تستطيعين معرفة ما بقلبك مما عايشناه من ظروف صعبة، بينما لم استطع جعلك زوجة لي إلا بعد خمس سنوات من زواجنا وقفتي أمامنا لتخبرينا أنك تزوجتي من رجل غريب وبشكل حقيقي، اعتذر عقلي لا يصدق ذلك".


صدم  تيّم بهذه الحقيقة التي لم يسمع عنها من قبل، كان يعتقد ان العلاقة بينهما كانت اكبر من ذلك.


 تفاجأ بعدها  بما سمعه من زوجته التي اجابت خليل:

 "نعم اعترف لك اني لم اتقبلك كزوج طوال هذه السنوات، وحين ارغمتني على ذلك تركتني وذهبت لزوجتك بعدها بساعات ملقي بورقة طلاقنا الغيابي بوجهي دون مواجهة او جبر لخاطر السنين".


تحدث خليل:

 "أنا لم انسى أي لحظة عشتها  بهذا اليوم حتى الان".


اقترب تيّم من خليل ليدفعه بقوة جسده الرياضي ليسرع طارق بمسك خليل خوفا من سقوطه، مستمع لغضب تيّم: 

"إلى هنا وحسب لقد تماديت كثيرا، أحذرك من الاقتراب  مرة أخرى كي لا تندم او تسيء للمعروف الكبير الذي قدمته لها".


نظر خليل لسلمى متخطي ما حدث رغم ذعر الجميع وخوفهم من تفاقم الوضع، قائلا:

" سأعطيكِ وقتك كي تجمعي أغراضك من منزله وتعودين لمنزلك ومن ثم للعراق سأبقى بدبي عدة أيام كي تتمكني من ترتيب امورك".


نظر تيّم لسلمى قائلا بصوت تحذيري:

"تبقى القليل على فقدي لصوابي".


اقترب طارق من خليل كي يخرجه من منزله مؤكد على حرصه بالحفاظ على الود الذي بينهم.


رفض خليل الخروج، لتقف سلمى مرة أخرى خارجه عن صمتها: 

" ما بك ماذا تريد؟، اصعب عليك ترك ذكرى جميلة بيننا؟، اصعب عليك رؤيتي سعيدة مع زوجي؟، لن اعود لك او للعراق، لن اعود لزمن العبودية والاستبداد، كرهت الأحكام والأعراف من ورائكم، يكفي بهذا القدر، كما انك وصلت متأخرا هذه المرة لأنني حامل…  نعم أنا حامل من زوجي يا دكتور خليل". 

.........

انتهى الفصل..

 هل قالتها سلمى لتبعد خليل عنها، أم لأجل رغبة دفينة تمنت ان ترى بها الحسرة بعينيه كونها امرأة لا تكسر بسهولة، أم أنها أرادت ان تخبره باستطاعتها الحمل وبناء عائلة ومستقبلها مثلها مثل أي امرأة أخرى.


بالأخير كذبت سلمى وخالفت طباعها لتتخلص من المهزلة التي سقطت بها.

يتبع ..


إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. 


منها "رواية حياتي" 


رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..

author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  • غير معرف2 أكتوبر 2024 في 8:41 م

    روعه ماشاءالله تسلم ايديك يا لولو

    حذف التعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent