احكي يا شهرزاد
بقلم أمل محمد الكاشف
نحتاجُ لمنْ يبعثْ السّلامَ بأرواحنا و نحن بذروة الشدة.
ارتبكت من حديثه زاغت عينيها يمينًا و يسارًا راسمة الابتسامة على وجهها و هي تشكره قائلة:
" شكرا لك أبي ينتظرني لاصطحابي تعلم الوقت متأخر ومن الصعب عودتي وحدي".
فرح شريف وتركها دون رد لينزل قبلها باحثًا عن بغدادي كي يحظى بالسلام والتحدث معه قبل وصولها، وفور رؤيته له ابتسم وجهه وتحرك قبله ليسلم عليه بحرارة ويطمئن على صحته ، فرح البغدادي برؤيته لشريف تبادلا الأحاديث القصيرة عن الصحة والأحوال.
اقتربت شهرزاد مرحبة بوالدها الذي ضمها بذراعه الأيمن ليقبل رأسها قائلا:
" حمدلله على السلامة".
ثم نظر بغدادي للطريق باحثًا عن سيارة أجرة ليرفض شريف ويصر على إيصالهم حتى باب المنزل.
وافق بغدادي كي لا يكسره اصطحبهم لمكان سيارته واسرع ليفتح لبغدادي الباب قائلا: " تفضل".
تحركت شهرزاد من بعد والدها اتجاه المقاعد الخلفية وقبل أن تلمس مقبض الباب أتاها صوته
" انتظري لا تفتحيه".
نظرت نحوه لتجده يقترب بوجهه الذي بدى عليه خداعه قائلا بصوت منخفض:
" لا تضغطي بقوة المقبض حساس، عليكِ أن ترفقي بحالته".
صمتت تخوفا من أن يلاحظ والدها، فتح الباب وأشار لها ان تتفضل بالدخول ومن ثم أغلق الباب خلفها مقتربًا من باب بغدادي ليستأذن منه كي يذهب ويحدث أحد زملائه قبل ذهابه ويعود إليهم.
رد بغدادي بصدر رحب قائلا:
" تفضل يا بني أذنك معك اذهب ولا تستعجل نحن ننتظرك".
……..
وقف البدري أمام بوابة سرايا مرحبًا بابن عمه قائلا:
" يا مرحبًا يا مرحبًا تفضل أدخل يا أخي".
تحركت الطفلة الصغيرة وركضت قبلهم نحو الصالون ليضحك البدري قائلا لضيفه:
" عنادًا بها سنجلس بالمجلس العلوي".
ضحك مدحت وهو يدخل خلف البدري قائلا:
" يا رب يا ستار".
_ " ادخل براحتك لا أحد غريب جميلة عند بيت عمي، محمد أوصلها قبل ذهابه للمزرعة أرادت ان تأخذ سلمى معها ولكن الصغيرة رفضت".
ضحك مدحت قائلا:
" أعانك الله على صغيرتك الواضح أنها صعيدية اصيلة".
نظر البدري نحو سلمى التي كانت تضحك وهي تصعد خلفهم للأعلى قائلا:
" نعم يا أخي حتى أنني اخاف على أخيها منها فهو طيب يرضى بكل ما يُحكم عليه، اما هي حفظنا الله من عنادها".
صعدا للأعلى و جلسا بصالون المجلس العلوي تحدث مدحت وقال:
" ما يعجبني بك أنك لا تغضب عليها رغم فرط عصبيتك وازدحام عملك، تحاول أن تسايرها وترضيها اتعجب من حالك تغضب بحديثك بالهاتف أقول لنفسي إن اقتربت منه الآن سيخرج غضبه عليها وبعدها اتفاجأ بتغير ملامحك وهدوئك بالتحدث معها والاستماع لها ومطاوعتك بدلالها".
ضحك البدري برد على إبن عمه قائلا:
" سنراك بالغد القريب كيف ستتحدث مع ابنتك وتخرج غضبك عليها".
فرح مدحت بما سمعه مجيبًا:
" تحمس من الان أدعو الله أن تكون فتاة وبالنسبة لإفراغ الغضب لا تقلق خاصتنا تحلله لها وتحرمه علينا ، تغضب وتصرخ وإن اقتربت أنا منهما تحزن وتصفني بالقاسي و أحيانا تبكي وهي تقول لا تصرخ على أولادي وكأنهم ليسوا بأولادي أنا أيضا".
ضحك البدري برده:
" بهذه الحالة إن كانت بنت لن تستطيع التحدث معها إلا بعد أخذ موعد مسبق".
رد مدحا بنفس فرحته قائلا:
" فلتأتي حبيبة والديها اولا وأنا راضي بكل شيء، فاطمة طيبة وحنونة أي نعم شديدة ولا تقبل الخطأ من الأولاد ولكنها بالمقابل تعطيهم عينيها إن أرادوها يكفي أن يستمعوا للكلام".
_" ما شاء الله اللهم بارك أولادك دائما مؤدبين ولسانهم محترم ليحفظهم الله لك".
تنهد البدري بحزن أكمل به:
" أرأيت اعتقد أنك رددت على نفسك بنفسك فكيف تريد مني ان اخرج عليهم غضبي وهم بهذه الحالة هل تعلم ما حدث اليوم بالصباح".
وبفضول رد مدحت: " ماذا حدث".
أكمل البدري ليروي له قائلا:
" عدت للسرايا فور معرفتي بخروج جميلة وعدم رغبة سلمى الذهاب معها كانت زوجة عمها سترغمها على الذهاب معها لولا اخباري لها إني متفرغ وسأعود لأخذها معي تلعب حولي بالحاصل، وعند عودتي بحثت عنها لاجدها محتضنة عروستها ونائمة بفراشي وفور دخولي الغرفة وشعورها بوصولي فتحت عينيها وابتسمت فرحة وكأنها وجدت نجدتها".
سأله مدحت بحزن قائلا:
" هل خافت لأنها بقيت وحدها، انتظر وأين ناهده أختي لماذا لم تذهب لها".
ضحك البدري بجوابه:
" ناهدة عروسة جديدة وايضا الظاهر أن أختك لا تهوى الأطفال، العلاقة بينهم غير مستقرة سلمى لا تقبل الذهاب لها ولا استقبال أي مساعدة منها".
رد مدحت عليه بضيق قائلا:
" نعم اختي ناهده غير محبة للأطفال لا اعرف كيف ستتحمل أطفالها ، تأتي بمنزلنا لا تريد للأولاد أن يتحركوا ولا يتنفسوا حتى وعند ذهابها يقفز الأولاد فرحا بحريتهم".
رد البدري ساخرا:
" أشفقت على أولادي الآن يا ترى ماذا يحدث معهم بغيابي".
تحدث مدحت بنبرة صوته الراجيه:
" يكفي يا اخي لأجل خاطر الله يكفي لهذا القدر، عليك ان تختار زوجة بشكل عاجل وتأتي بها لتراعيهم و تخلق لهم جو أسري مترابط و الله حزنت على حالهم أعلم إنك لا تقصر بهم ولكنك وحدك لا تكفي عليهم ان يشعروا بالخصوصية و يتعلموا ان هناك ضوابط ، صح وخطأ، ممنوع ومسموح الدلال الزائد يفسد الأبناء، تزوج وأنجب لهم أخوة يرتبطون بهم و بزوجتك وكأنهم بمثابة حلقة الوصل التي ستخلق وسط أسري هادئ ودافئ ، أفكر ماذا يفعل ابنك عند عودته من المدرسة وجميلة ببيت عمي وناهدة مشغولة كيف ينهي واجباته المدرسية وحده من يهتم به ويطعمه".
رد عليه البدري بحزن كبير:
" والله يا أخي أفعل ما بوسعي لأعود باكرا كي اجلس معه ولكني أجده نائما بمعظم الأوقات ، أما بالنسبة لدروسه فهو يخرج من المدرسة لمنزل استاذه يدرسون ويكتبون الوجبات سويا ومن ثم يعود للمنزل يلعب مع اخته وعلى أذان المغرب تبحث عنه فلا تجده إلا وهو نائم ".
عاد مدحت ليتحدث مكرر كلامه :
" حان الوقت يا إبن عمي ابحث عن عروسة اخرى لا يمكنك انتظار هذه الفتاة لقرابة السنة حتى ينتهي عزائهم وحزنهم".
اومأ البدري رأسه وهو يحك لحيته:
" كانت خريجة نفس الجامعة خاصتي وقريبة من سني وليس لديها أطفال يعني تجربتها الأولى لم تطل كثيرا توفى زوجها بعد زواجهم بستة أشهر وبقيت بعدها دون زواج".
سأله مدحت باستغراب:
" ألم تقل إنها لديها طفل".
_" لا كانت معلومة خاطئة خرجت من زيجتها دون أولاد ، لا تخف أنا أيضا مللت من حالة الروتين المتكرر والصمت المميت.اريد ان أبدأ حياتي من جديد وكما قلت أنت علينا أن نخلق وسط عائلي لأجلنا، أعود لأجد من ينتظرني يسهر معي يتحدث ، يعترض، يتشاجر".
قاطع مدحت حديث البدري بضحكة أراد بها أن يخفف من حدة المجلس قائلا:
" هل اشتقت للشجار ومن يأكل أذنك من كثرة التحدث حتى إنك تنام قبل ان ينتهي، لا أنصحك بهذا الاشتياق عليك أن تتذكر الماضي جيدا".
تنهد البدري من جديد قائلا:
" ما بك يا إبن عمي وكأنك أتيت اليوم لتضغط على جروحي، اشرد بقولك الماضي لاجده فارغا صامتا دون شجار، لا اعتراض فقط طاعة عمياء".
رد مدحت عليه وهو يومئ برأسه:
" اتذكر ان أمي كانت لا ترغب بزوجتي لأنها من خارج العائلة بل والبلد كلها ولكنها فرحت وسعدت حين علمت أن الحاجة فايزة تبحث عن عروسه لابنها البدري".
قاطعة البدري بضحكته العالية قائلا بنبرة أشبهت صوت أمه:
" عروسة لا تقل جمالا عن جمال زوجة مدحت ، وقد كان تم اختيار العروسة و سرعان ما تزوجنا".
_ " ما بك لا تظلم زوجتك فهي صاحبة أصل ونسب".
اومأ البدري رأسه قائلا:
" رحمة الله عليها لا اظلمها المرأة كانت لا ترفض ولا تكسر لى كلمة مطيعة لحد كبير، مكان ما تتركها تعود لتجدها لا اتذكر انها قصرت بواجبها قط رحمة الله عليها".
علا صوت بكاء سلمى بالأسفل هي واخيها تحرك البدري مسرعا متسائلا:
" ما بكما هل تشاجرتما من جديد".
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
فرحت أمال عند سماعها إسم شريف يتكرر بالمنزل حين أوصل لها بغدادي السلام بالنيابة عنه صمتت وكتمت فرحتها بقلبها الذي دعى ان يكون من حظ ابنتها ونصيبها فهي تحبه وترى فيه رجل وزوج مناسب.
بدلت شهرزاد ملابسها بعقلها الشارد وأذنها التي لا زالت تستمع لأخر كلماته ، ليست شهرزاد فقط من كانت بهذه الحالة فهو ايضا لم يستطع نوم ليلته من شدة فرحته فأصبح يتقلب على فراشه بوجهه المبتسم ، يغمض عينيه دون نوم فعقله لا زال يحلم بلحظاتهم التي شاء القدر ان يعيشوها سويا، ظل على حالته حتى أرهق كثيرا تحرك وجلس على فراشه قائلا:
" ماذا فعلتي بي أصبحت لا اعرف نفسي".
وضع يده على قلبه مكملا:
" كف عن حماسك اقترب الفجر ولا زلت مستيقظًا".
تحرك وتوجه لمكبس الإضاءة ليشعل النور من جديد ثم اقترب من مكتبه أخذ من فوقه كتاب بغلاف زهري وعاد لفراشه رافعا الغطاء لمنتصفه وهو يستند بظهره على وسادته قائلا:
" لنرى لماذا أصبح بالحلال عشقا".
ابتسم وجهه اكثر وهو يسأل نفسه :
" هل لاحظت اختفاءه يا ترى أم لا زالت تظنه بحقيبتها".
شرد متذكرا نفسه حين رأى طرف كتابها الظاهر من حقيبتها المفتوحة على الطاولة ليقترب منه، سحبه ببطء خبأه بعدها داخل جاكته ذاهبا به لأحد زملائه كي يضعه امانة لديه حتى عودتهم.
فتح أول أوراقه من جديد مكمل حديثه مع نفسه قائلا:
" أنتِ من اضطرني لهذا إن كنت جلستي و رويتي لي حكايته ما كنت حرمتك منه الآن".
وبدأ قراءته الممتعة بوجهه الفرح وهو يقرأ متنغما بصوتها و كأنها هي من يقرأ له.
مرت الليلة بهذا النحو على شريف الذي استيقظ بعد ساعتين فقط من نومه مسرعا بالوضوء وقضاء الفجر مرتديا ملابسه الرسمية سريعا كي يطير لعمله بحماس كبير، كان عقله يكرر الكلام الذي خطط أن يقوله لها بمجرد رؤيتها وكأن قلبه متحمس لرؤية ردة فعلها حين تستمع للجمل التي حفظها من كتابها المفقود.
اخذ مفاتيح سيارته من اعلى مكتبه و اسرع خارج الغرفة وهو يحاول إحكام غلق ساعة يده ، تفاجأ أمين بحالة ابنه استغرب متسائلا:
" الى أين أنت ذاهب بهذه الساعة ؟".
نظر شريف لساعة يده ثم نظر لملابس ابيه وراحته بالكلام قائلا:
" لم افهم عليك وأين سأذهب لغير عملي تعدت الساعة الثامنة ونصف، بل أنا من عليه سؤال أين ذهب نشاط أمين بيه ".
لم يفهم أمين على ابنه فكر قليلا مراجعا نفسه ليعود بعدها قائلا:
" بسم الله الرحمن الرحيم هل تفتح الجامعة بيوم الجمعة أم أنا …".
وصمت ليفكر من جديد: " أليس اليوم الجمعة !".
ضحك شريف على نفسه ملقي المفاتيح بالهواء ليتلقفها من جديد قائلا:
" لا ليس كذلك وأيضا من قال إن الجمعة اجازة".
رد أمين على ابنه بوجه يسخر منه:
" عليه العوض ومنه العوض".
………
استيقظت شهرزاد على صوت امها وهي توقظها من نومها قائلا:
" تأخر الوقت يا بنتي هيا استيقظي متى سنفطر ونتجهز ونخرج".
ردت على أمها بعينها المغلقة قائلة:
" أين سنذهب".
_ " ألن تأتي معنا لزيارة المقابر".
فتحت عينيها بسرعة متسائلة:
" و من قال أنني سأذهب معكم".
_" أنا من قال لك أم نسيتي قسمي، لن اتراجع ساخذك هذه المرة معي لتري بعينك مثوانا الأخير كي لا تقصري بصلواتك مجددا".
ردت بحزن على أمها قائلة:
" لقد وعدتك أن لا أقصر بها والله صليت الثلاثاء والأربعاء دون تقصير الامس فقط كنت بالرحلة ولم استطع …..".
قاطعتها امها بغضب:
" ولماذا لم تستطيعي لم يخلو مكان من المساجد بكل مكان نذهب إليه به مسجد أو مكان للصلاة طبعا لمن اراد ولكن أنتِ كعادتك آخر شيء تفكرين به صلاتك".
ردت شهرزاد مدافعة عن نفسها:
" لا والله يا أمي فكرت ولكن أين الحمام والمسجد بآخر الطريق".
و بضيق اكثر ردت امها:
" والله ستأتي معنا لأجل ما تحججتي به لنرى بعدها هل ستستبعدين المكان أم ستركضين خوفا من عقاب الله الذي لن يحلك عنه أحد ، تغفر كل الذنوب إلا الصلاة تبقى دين على الإنسان حتى يتمه".
جاء بغدادي على صوتهم قائلا:
" اتركيها هذه المرة وان قصرت انا من سيأخذها الشهر القادم".
ثم نظر لابنته و قال بضيق:
" هل انتِ صغيرة لماذا تقصرين بصلواتك ، اتذكر توته منذ أن كانت في الرابع ابتدائي لا تترك فرض حتى تصليه وكانت هي من يوقظنا لصلاة الفجر".
_" صدقت ولهذا الله معها دائما وحياتها متيسرة لا تطرق باب إلا وفتح أمامها".
تحدثت شهرزاد من جديد:
" والله وأنا أحب الصلاة أعدكم ان لا أتأخر عنها ولا أضيعها هذا وعد حقا هذه المرة اعدكم بهذا".
رد بغدادي قائلا:
" تمام و أنا صدقتك ليهديكِ الله ويهدينا يا بنتي ".
ثم نظر لزوجته يكمل حديثه:
" هيا لنتجهز كي لا نتأخر المكان بعيد و امامنا طريق سفر حتى نصل له".
وبحزم ردت امها قائلة:
" و الله العظيم لتأتي معنا هذه المرة هل أنا صغيرة لاصدق وعدها المليون لنا ، هيا تحركي وتجهزي كي لا أخرج غضبي عليكِ اليوم الجمعة لا أريد أن أضيع ثوابها قبل ان يبدأ".
نظرت شهرزاد لابيها متحدثة بتذمر:
" لا أريد أن أذهب هل ستغصبون علي قلت لكم سأصلي أنا لست صغيرة لكي تعاقبوني بهذا الشكل".
رد والدها برده على زوجته:
" نعم لستِ صغيرة بالأصل أمك تفعل هذا لأنك لستِ صغيرة اخبريني كيف ستتزوجين وتفتحين بيتا وتنجبي أطفالا دون صلاة هل ستخرجي لنا أحفاد لا يعرفون عن الصلاة شيء".
_" ليس لهذه الدرجة هل كل هذا لأني لم أصلي بعض الفروض".
رد بغدادي موجه حديثه لابنته قائلا:
" يا بنتي لماذا لم تفهمي بعض فروض التي تتحدثين عنهم باستهوان عقابهم عند الله كبير، لا تستهوني بعماد الدين كيف يأمرك الله بأن تجتمعي به خمس مرات باليوم وأنتِ تقولين له يكفيك مرتين أو ثلاث أو تقولين لا اريد المرة الخامسة لنؤجلها حين أتفرغ لك ، الله يريد ان يغفر لكِ و يرحمك و يعطيكِ من كرمه و فضله دبر كل صلاة و انتِ تقولين لا اريد كل هذا الخير ".
ردت على ابيها بنفس ضيقها:
" و من قال لا اريد هل أنا قلت هذا؟".
تحرك وجلس بجانبها كي يكمل حديثه بحنان:
" ويل للمصلين، الله خصص وادي بجهنم للمصلين من من المصلين هل الذين لا يصلون لا والله بل للذين هم عن صلاتهم ساهون، اتسمعين يا بنتي للذين يسهون ويؤخرون الصلاة فما بالك بالذين لا يصلونها هل تعرفين هؤلاء ما عقابهم ، عقابهم وادي كبير بجهنم إسمه سقر يرتعب منه الملائكة ويشفقون على الذين يلقى بهم داخله متسائلين ما سلككم بسقر يعني لماذا أتيتم هنا ماذا فعلتم ليلقى بكم في سقر، ليردوا على الملائكة ويقولون لم نكن من المصلين ، هل رأيتي كم هي كبيرة عند الله يغفر لكل شيء ويتقبل منا كل شيء ويجزينا بكل الخيرات لا يعفو عن هفواتنا ولكن بحدوده وشرائعه يكون عقابه كبير فهو عزيز ذو انتقام جبار في جبره وانتقامه وعقابه، ارايتي لماذا تخاف عليكِ أمك".
تنهد البغدادي خاتما حديثه:
" الله يهدينا ويهديكِ ويرضى عنا أجمعين، عودي لنومك وأنا سأتحدث مع أمك، فهذه أمور لا تأتي بالغصب والإرغام ان لم تريدي لقاء ربك والمواظبة عليه لأجل إرضائه وكسب رحمته لا أحد يمكنه أن يرغمك عليها فلابد ان تخرج من قلبك ليتقبلها ربك".
خرج من الغرفة مغلقا خلفه الباب لتنزل هي من على فراشها قائلة:
" استغفر الله العظيم وكأني لا أؤمن بالصلاة والله أصلي لماذا لم يصدقوني".
ذهب بغدادي لامال بالمطبخ واخبرها انهما سيذهبان بمفردهما ككل مرة ، وبعد مشادات وإصرار بغدادي على ترك ابنته دون ضغط عليها اضطرت أمال للموافقة على تركها بالمنزل قائلة:
" ليسهل الله لك يا توته كل عسير كانت تجهز نفسها لهذا اليوم وتقرأ الفاتحة لاجدادها وتترحم عليهم لا أعلم لمن شبهت شهرزاد ما هذا الخوف ".
رد بغدادي عليها قائلا:
" والله اشتقت كثيرا لإبنتي والقرود الصغار سامحك الله ذكرتيني بها وأنا أحاول إخماد شوقي لها ، هل تعلمين وانتِ تتحدثين تذكرت مصروفها الذي كانت تدخر منه القليل وتجمعه لتصرفه ثواب بهذا اليوم".
ردت أمال بشفقة:
" أكثر من يحزنني ان شهرزاد فيها خير كبير واكثر شخص بيننا يحرص على الصدقة و مساعدة الناس وخاصة الفقراء وكبار السن ، الفتاة قلبها طيب وبكل خير تجدها قبلنا إلا الصلاة ".
_ " أعوذ بالله حفظها الله ، لا تقولي هذا سيقودها الخير للصلاة لا علينا سوى الدعاء و كل شيء سيأتي وحده ".
وبعد ان جهزت الأم الفطور وجلسا ليتناولانه سريعا تفاجأا بخروج شهرزاد من غرفتها وهي مرتدية ملابس الخروج.
تحدث بغدادي:
" لا عليكِ سنذهب بمفردنا، ولكن سأعود لأجد المطبخ والغرف والصالون حتى البلكونة الكبيرة جميعهم نظيف و ملمع".
ردت بضحك:
" لا الذهاب للموتى أهون علي من كل هذا ، أعلم مخططكم هذا ولأجله فكرت في التغلب على خوفي و اذهب معكم لأرى هذه الراحة التي تتحدثون عنها كلما عدتم من هذه الزيارة".
……….
في الصعيد اصرت فهمية على ذهاب توتة للطبيبة بعد أن ساءت حالتها وتألمها من ظهرها بل وبدأ نزول سائل بني منها، ولكنها لم تستطع الذهاب في يوم الجمعة طمئنتها امها انه عرض طارئ و وارد حدوثه بالشهور الأولى.
عاد بغدادي وعائلته للمنزل على تمام الساعة الخامسة مساءً ، أرهقت شهرزاد من بعد المسافة وما رأته لأول مرة كانت صامتة لا شهية لها دخلت غرفتها واغلقت عليها لتبدل ملابسها و تنام قليلا كما قالت لوالديها ، عاتب بغدادي زوجته اصرارها على ذهاب ابنتهم معهم تحدثت أمال مدافعة عن نفسها :
" هي من ارتدت و فاجأتنا بذهابها معنا وايضا من أين لي ان أعلم ما سيحدث معها للأسف كان حظها سيء أن رفضت الذهاب مرة أخرى ستكون محقة".
جلس بغدادي على الفراش قائلا:
" معكِ حق ما هذا اليوم شاب شعري من صراخهم".
_ " لا تفكرني انخلع قلبي من مكانه و هم يصرخون والقطط تقفز من فوق رؤوسنا".
أخذ بغدادي نفسا طويلا مجيبا:
" كان الله بعون الموتى، حرام ما يفعلوه الصراخ والنواح يحرق ويعذب ذويهم به ".
_ " ما أحزنني صرخة شهرزاد حين سقطت عليها إحدى القطط بهروبها وتعلقها بيدي طوال الزيارة".
رد بغدادي:
"ألم أقل لكِ إنها محقة بخوفها والله لولا الفضيحة كنت أمسكت أنا أيضا ذراعك".
( عيب يا حج 🤣🤣🤣 ذراع مين إلي تمسكه هههههههه ، بصراحة أنا كمان كنت اخاف من المقابر يمكن لأني لم اعتاد على الذهاب لها ، ياليت الزمن يعود و اذهب لاحبتي و أبقى بجانبهم 😞 )
مرت ساعات اضافية سكن الجميع بغرفه تقلبت شهرزاد على فراشها خائفة من فتح عينيها بالظلام، كلما ذهبت بنومها يأتيها صوت من الخارج يفزعها و يوقظها ، مرة شجار أولاد الجيران والاخر اصوات السيارات المزاحمة بالشارع.
وفي ظل قلقها وخوفها كان شريف جالسا على مكتبه يكتب لها رسالة على تطبيق الواتس اب محتواها:
" كان أمير محق بهذا فيدهُ التي تحنو على رأسها تارة وكتفها تارة خير من ألف كلمة تقال بل كان حضنه الذي سحبها داخله وهو يضمها ويقبل رأسها خير من ألف علاج وطعام. لم يتوقع بكاءها الذي أصبح بصوت مسموع داخل حضنه و كأنها كانت بحاجة له ، دمعت أعينهُ وآلمه قلبه من دوي بكائها الهستيري الذي كان يضج بقلبه ليهزه ويجعله أكثر حنانا وأكثر حزنا وأكثر سعيا لإرضائها واخراجها من حالتها".
وقبل ان يرسل ما كتبه أو بمعنى أدق ما نقله من قصتها فكر قليلا ناظرًا للساعة قائلا:
" لا يمكن كلام كهذا على هاتفها بهذه الساعة وكأننا مراهقين".
ابتسم وهو يبحث بقصتها على جزء آخر يرسله لها ليشغل تفكيرها بكيفية وصول القصة له أو ليعلمها بشكل غير مباشر أن القصة بين يديه ولم تضع كما ستتوقع
فتح هاتفه و بدأ يكتب من جديد:
" لم يصدق أمير ما فعلته امام الجميع حين اقتربت منه بسرعة واحتضنته بقوة وهي تهتز داخله بحماس وفرح ، رفع يده وضمها لصدره لتتحرك داخله مشاعر نبتت وكبرت بصمت ".
رفع شريف يده ليحك جبهته قائلا لنفسه:
" ما الذي أفعله لم ترى عيناي إلا هذه المشاهد ".
ابتسم وجهه وهو يمسح الرسالة ويغلق هاتفه مكملا حديثه مع نفسه:
" لنهدأ من حماسنا كي لا ينقلب السحر علينا فخاصتنا مختلفة عن غيرها".
ضحك اكثر وهو يتذكرها بجواره فكانت سعادته بالرحلة لا توصف وكأنه أول مرة بحياته ينضم لرحلة أو نزهة.
……
انتهى اليوم ليبدأ يوم جديد كانت توته على موعد به مع الطبيبة النسائية للاطمئنان على حملها، كانوا معتقدين أن الطبيبة ستخبرهم بأن الوضع طبيعي وما يحدث من قيء مستمر جعل حالتها تسوء و اجهدت حتى أصبحت تنزف دمًا بني ولكنهم تفاجأوا باستياء وجه الطبيبة واطالتها بإجراء فحص الأشعة التصويرية للجنين ( السونار ).
سألها مدحت قائلا: " هل يوجد مشكلة ؟".
قلقت توته عندما صمتت الطبيبة عن الرد وأكملت فحصها باهتمام أكبر وبعد ان وصلت لما تريده اغلقت الجهاز وتحركت وهي تقول:
" تستطيعين القيام وارتداء ملابسك".
ساعدها مدحت وهو يستمع لها:
" خير يا دكتورة أهناك مشكلة هل الحمل غير مكتمل".
جلست الطبيبة على مكتبها و هي ترد عليه:
" بسيطة إن شاء الله".
اقتربا وجلسا مقابلها بجوار المكتب ليستمعا لها وهي تقول:
" مع الأسف كما توقعت الحمل عنقودي وهذا ما جعلها بحالة سيئة اكثر من المعتاد عليه والان علينا التدخل وإزالته بأسرع وقت ممكن".
سأل مدحت بإهتمام:
" كيف حمل عنقودي أنا أول مرة اسمع بهذا؟".
ردت توته مؤكدة ما قاله زوجها:
" وأنا ايضا أول مرة اسمع عنه".
تحدثت الطبيبة لهم قائلة:
" الحمل العنقودي هو ورم غير سرطاني ينشأ داخل الرحم ، حيث يحدث الحمل العنقودي عندما تتطور المشيمة إلى مجموعة من الحويصلات، قد يتحول الحمل العنقودي إلى نوع نادر من الورم السرطاني ، و لذلك يجب معالجة هذه الحالة بشكل عاجل ، حيث أن المتابعة الحذرة لمسار الحمل العنقودي هامة من أجل تقليل مضاعفات هذه
المشكلة وإتاحة الفرصة لحدوث حمل سليم في المستقبل".
رد مدحت على الطبيبة قائلا:
" لا إله إلا الله ، إنا لله وإنا إليه راجعون رضينا بقدرك يارب ، افعلي ما ترينه صحيح المهم صحتها حتى ان اردتي يمكننا اجراء العملية اليوم".
خافت توتة متسائلة: " هل اليوم!".
لترد الطبيبة قائلة:
" ما بكِ لا تخافي سنحتاج لبعض الفحوصات للتأكد ومعرفة بعض النسب ، لهذا يجب عليكم إجراء ما يلي فحص قوة الدم و فحص مستوى هرمون الغدة الدرقية و فحص تسمم الحمل، وعند ظهور النتائج سنحدد موعد العملية على الفور لا أريدكم ان تخافوا فهي ليست عملية بالمفهوم الكبير ، تدخل بسيط يتم عن طريق المهبل ولا يستدعي شق البطن ، لن نستغرق وقت كبير حتى البنج سيكون موضعي وبعد الانتهاء من العملية عليكم المتابعة بجدية لمستوى هرمون الحمل في الدم للتأكد من أنه تمت إزالة الأنسجة العُدارية بشكل كامل و هذا سيتم بعد عودة مستوى الهرمون إلى المستوى الطبيعي".
بكت توته رغم تكرار الطبيبة حديثها و شرحها ان الامر ليس به خطورة، ذعرت أمال واصرت على مجيء توته للقاهرة للقيام بالعملية بجانبها ورغم خوف مدحت ورفض فهمية سفرها وهي بهذه الحالة تخوفا على ازدياد سوءها إلا أنهم وافقوا بالأخير متمنين تحسن نفسيتها بجانب امها.
احتضنت فهمية زوجة ابنها لتودعها بعد ان جهزت نفسها بشكل سريع:
" لا تخافي يا بنتي ستكونين بخير".
ردت ناهدة اخت مدحت التي أتت لتودعها أيضا:
" ابقي هنا معنا أجري عمليتك وارتاحي، الطريق لن يجلب لكِ إلا التعب واستياء حالتك".
رفض مدحت تدخل اهله و ضغطهم عليها:
" اتركوها على راحتها ولا تقلقوا الطيران أهون بكثير من القطار سنصل بوقت قصير".
ردت فهمية على إبنها قائلة:
" على الأقل اتركوا الأولاد كي لا تنشغلوا بهم".
اقترب الأولاد من امهم و هم يرفضون بقاءهم وحدهم ليتحدث مدحت مجددا:
" لا داعي لتكرار الكلام سنذهب ليومين و نعود ، من حق الحاج و الحاجة بالقاهرة أن يروا الأولاد ويبقوا معهم ولو لعدة أيام مر شهرين على آخر زيارة لنا".
تحدثت توته قائلة:
" سنبقى أسبوع على الأكثر لا اريد للأولاد أن يتغيبوا على مدرستهم أكثر من هذا".
استسلموا لرغبتها و دعو لها بالسلامة التامة.
وصلت توته للقاهرة وسط اهتمام وخوف كبير من عائلتها ، ذهبوا باليوم التالي لطبيبها السابق ليؤكد على ما قالته الطبيبة ويطلب بدخولها للعمليات بنفس اليوم فلا داعي للتأخير.
تم تجهيز توته للعملية و ادخلوها لمدة قصيرة لم تتجاوز الساعة لتخرج بعدها بسلام إتصلوا الأهل بمدحت ليطمئنوا على زوجته كما اتصل عدد من أولاد عمه ليقوموا بالواجب معه.
عادوا للمنزل بعد أن أصبح لا داعي لبقائهم بالمشفى نامت توته على اثر تأثير الأدوية و المسكنات براحة وسكون لأول مرة منذ أن علمت بحملها المتعب والمجهد للمعدة و الظهر.
حزنت أمال على ابنتها قائلة:
" وأنا من كان يعتب على قلة تحملها، كلما اشتكت أقول لها إنه من الطبيعي حدوث هذا".
رد عليها بغدادي:
" مع الأسف تحملت اكثر من قدرتها انظري لحالتها كيف أصبحت لقد خسرت وزنها الذي بالكاد تكتسبه".
وبصوته المجهد الحزين رد مدحت عليهم قائلا:
" أنتم محقون كيف ستكسب وزن وهي كلما أكلت تقيأت لم تبقى لقمة بمعدتها تفيدها و تعينها على ألمها الحمد لله انها انتهت منه بهذا الوقت و إلا كان انهاها على الاخير".
ردت أمال:
" معاذ الله ليحفظها الله من كل شر و يعوضكم خير عن ما فقدتموه ".
……
جلست شهرزاد بالمطبخ كي تطعم أولاد أختها وتهتم بهم كي لا يخرج صوتهم و تستيقظ امهم عليهم.
انشغلت مع اختها وتغيبت عن جامعتها لعدة أيام ظن شريف بهم انها عادت لتختفي عن انظاره متعمدة عدم الظهور أمامه ، وبعد أن لمس والديه تحسنه عادوا ليحزنوا على حزنه وصمته وشروده تحدث أمين لزوجته قائلا:
" لقد اطلتي الأمر دون وجه حق من أخطأ يدفع ثمن خطئه اذهبي واصلحي ما افسدتيه سئمت من حزنه وعدم استجابته لنا ان ارادها لهذه الدرجة فليتزوجها وكأنك أنتِ من سيتزوج بها وليس هو، ان كانت سعادته معها فليتزوج ممن يريد قلبه".
وقفت زيزي بضيق:
" من جديد تدور الحلقة وتعود إلي بكل مرة ، تمام سأصلح ما افسدته كما تقول ولكن لا تنتظر مني المزيد فليتزوجها ويبتعد عني بها إن رأى ان الدنيا كلها تدور حولها وحدها فليذهب و يعيش بكوكبها ومدارها الخاص بها لا احد ينتظر مني ان اكون بهذا المدار".
قالتها وخرجت من الغرفة غاضبة، ناداها شريف من الخلف ليسألها عن قميصه الأبيض ردت عليه بضيقها:
" وما دخلي أنا بقميصك أسال سناء عليه هي المسؤولة عن الألبسة".
استغرب ردها الحاد تحدث بترقب لحالتها قائلا:
" سألتها وأخبرتني انكِ اخذتيه من يدها قبل إرساله للمكوى".
تذكرت أمه ما قاله لترد عليه:
" نعم تذكرت هل تقصد هذا القميص ، لماذا تسأل عنه ألم أخبرك بأخر مرة أنه أصبح قديم و غير مناسب لك".
رد بضيق على أمه:
" ولكني أحب ارتداءه أين وضعتيه لأخذه واقوم بكيه لارتدائه".
ردت زيزي بعصبية:
" ليس كل ما نرغب به صحيح هل تريد ان تذهب لزفاف صديقك بهذا القميص القديم، اذهب وافتح خزانتك وانظر داخلها ستجد موديلات جديدة بألوان جديدة و طراز جديد".
أصر شريف على رأيه قائلا:
" ولكني أحب هذا القميص واريد ارتداءه حتى إني لن أذهب للزفاف بغيره".
ردت زيزي بنفس نبرة صوتها:
" أصبحت كالطفل كلما علقت بشيء تتمسك به وتبكي قائلا لا أريد غيره ".
فهم ما تلمح عليه أمه أومأ رأسه عدة مرات متتالية مليئة بالغضب قائلا:
" هل أتمسك وابكي وأصبح طفلا لأني لا اريد سماع كلامك ، يتوجب عليّ ارتداء كل جديد تختاريه لي دون اعتراض أو إبداء رأي ، كما علي أن أذهب في الأماكن التي تليق بكِ ، أتناول كل ما تأمرين بتحضيره بحب و رضا كبير ، أتزوج ممن تريها مناسبة لكِ وللعائلة وبهذا النحو أصبح رجلا ناضجا عاقلا يفتخر به بالمجالس الراقية".
أتى أمين من الخلف و هو يستمع لهم قائلا:
" مجالس راقية ! وكأننا بقصر الخديوي إسماعيل ما بكما اصبحنا لا نتحدث إلا بالصوت العالي".
ردت زيزي بغضبها:
" كل هذا لأني القيت قميصه القديم بالقمامة".
قاطعها شريف بعصبية:
" بالقمامة ؟ ، ولماذا القيتي به دون اخباري؟، انتِ تعلمين أنني أحبه وله ذكرى كبيرة لدي".
وبإصرار على صحة قرارها ردت زيزي بحدة:
"هذا ما حدث تخلصت منه حتى ترى عينك غيره".
رد أمين على زوجته بضيق:
" وما دخلك يا زيزي بقمصانه هل حُلت كل مشاكلنا وبقيَ قميصه".
تحدث شريف بغضبه:
" ساخرجه من القمامة واغسله كي أرتديه من جديد".
ردت أمه عليه قائلة:
" لا يمكنك فعل هذا لقد انتهى الأمر ألقيته بالقمامة و أتى عامل النظافة و أخذها لا يوجد هذا القميص من بعد الآن ، تعلم ان تعتاد على التغيير والتجديد".
غضب أمين قائلا بنبرة معاتبة على زوجته:
" استغفر الله العظيم وأتوب إليه و تعودي لتقولي ماذا فعلت ولماذا تغضبون مني".
تحرك شريف خطوتين وهو يشهد أبيه على أمه مشيرا بيده عليها:
" هل رأيت بنفسك كيف تتعامل معي لا أقول وكأني طفل صغير لأنها قبل ان تأتي كانت تنعتني بالطفل الباكي".
نظر أمين لزوجته بضيق وغضب، لتتحدث زيزي بقوة:
" من الان وصاعدا لن اتدخل بشأنكم فليفعل كل منكم ما يريده".
و بدون تفكير رد شريف على أمه:
" يا ليتك فعلتيها من قبل وتركتي كل منا يختار طريقه دون أن تجرحي وتكسري خاطر بنات الناس بكلامك".
نظرت أمه له ثم نظرت لزوجها قائلة:
" هل تسمع ما قاله ، تفضل انظر بنفسك لتتأكد أنني على حق ، هي من تعبئ رأسه وتقلبه علينا ، نعم هي من قال له و أخرجني سيئة بنظره لا يتقبل مني حتى أنفاسي وأنا من يحزن على حزنه وحالته، ولكن بالاخير تبين أنني على حق لن أقبل بفتاة تستغل المواقف لصالحها و تفسد ما بيني وبين ابني".
تحرك شريف ليترك لهم المكان ، ناداه والده:
" إلى أين لم ننهي حديثنا، هل الفتاة هي من اخبرك يعني ما قصدته بكلام جارح وبنات الناس اريد تفسيرا منك".
نظر شريف لأمه مجيبًا:
" لن تجد التفسير لدي عليك أن تسأل أمي لتقص لك الحكاية من بدايتها لنهايتها فهي أكثر من يعلم بما حدث بيوم المنتدى".
تحرك أمين خطوات و هو يقول لهم:
" هيا لنجلس بالصالون لنكمل حديثنا ، ما دام الأمر أصبح معلوم عند الجميع فعلينا ان نجلس ونتحدث و نتصافى لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو".
نظر أمين لابنه الغاضب ثم أكمل:
" أمك ليست سيئة كما قيل لك لقد حدث بالخطأ تعلم رأيها وضيقها بهذا اليوم ، ولسوء الحظ ذهبت للحمام لتخرج ما بصدرها دون أن تتوقع وجودها داخل احد غرف الحمامات ، أخبرتني أنها شكت بالأمر وخاصة انها تذكرت رؤية الكتاب الأزرق على جانب أحواض غسيل الأيدي ورأتها بعدها تقترب منهم و هي عائدة من اتجاه الحمامات تحمله بيدها و وجهها يفسر ما توقعته، وبعدها تم رفضك، صمتنا كي لا يكبر الأمر وخاصة أن الفتاة مريضة وأمك لا تتقبل أمر ارتباطكم هذا كل شيء".
تحدثت زيزي لترد على زوجها بنفس قوتها وغضبها:
" لا تدافع عني امامه أتركه يستمع لها ويكره أمه لأجلها بالأصل هو لا يرى سواها فليكتفي بها إن كان هذا سيسعده".
تحدث شريف بحزن خيم على صوته المنخفض المعبئ بألم قلبه:
" لم يجرؤ أحد على أن يخطأ بحقك أمامي حتى وإن كنتِ مخطئة، لم ولن اسمح لاحد بالتحدث عنكِ مهما كان قدره لدي ، نعم حزنت لاشهر وأنا اسأل نفسي لماذا رفضتني بعد أن بدأت تتجاوب معي ، لماذا كل هذا الجفاء والحدة بمعاملتها معي ، حزنت وغضبت وضغطت عليها دون وجه حق فأصبحت اصرخ بوجهها كلما رأيتها أو أتت لتسألني عن أي شيء تخص الجامعة ، تحولت لشخص يريد أن يثأر لكرامته دون أن يفكر بحقها في الرفض أحزن كثيرا كلما تذكرت رفضها لي ، بل عندما اتذكر مقابلتها مع أمي وطريقة تحدثها معها، حاولت أن اتخطى هذه المرحلة و أعود لسابق عهدي ، حاولت كثيرا نسيانها و إخراجها من حياتي، أعترف فشلت ولا زلت أفشل ، لا زلت أحارب قلبي الذي لا استطيع التحكم به أمامها ، لا زالت هي تتهرب مني وتغتنم الفرص لتبتعد عني و تقطع أي صلة تقودها لي، لا تقلقي يا أمي ولا تحزن يا أبي أنا لن اسمح لاحد ان يخطأ
بحقكم أيا كان هذا الشخص، وبالنسبة لمعرفتي ما اخفيتوه عني فأحب أن أخبركم بمشيئة الله وأقداره التي قادتني لاستمع لمكالمة أمي وهي تشتكي همها لزوجة خالي، تبرر لنفسها أنها لم تخطأ بحق الفتاة ، ولكي تتأكدي من صدق كلامي يومها ختمتي المكالمة بقولك اذهبي واطلبيها لسيف، اعتذر لسماعي كل المكالمة فارجلي هي من تسمرت وعجزت عن الابتعاد كنت بحاجة لمعرفة الحقائق كي يبرد قلبي و أعلم اجابة أسئلتي التي تعذبت بها كثيرا، والان وبعد ما حدث وحالتنا التي وصلنا لها أحب أن اطمئنكم أنني لن أقف أمام رغبتكم ولن اصبح بيوم خصيما لكم حتى أنني لن أقبل بزوجة مرفوضة ومكروهة من قبل أهلي لهذه الدرجة الغريبة، احترم رغبتكم طاعة لكم فبالاخير أنتم باب جنتي، بالاذن منكم تأخرت على سيف تبقى القليل على قدومه وذهابنا سويا لزفاف اشرف".
أنهى حديثه وتركهم عائدا لغرفته بوجهه الأحمر المحتقن، تحرك أمين بصمت وحزن وليخرج لشرفة الصالون الكبير ليبرد النار التي اشتعلت بصدره.
●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●
عادت شهرزاد لمتابعة دراستها بالجامعة فرحت كثيرا بخبر عودة استاذ نديم ودون أن تفكر اسرعت لغرفته كي تلقي عليه السلام و تطمئن على صحته ، و بمجرد وصولها تحدث نديم قائلا:
" أين أنتِ توقعت ان اراكِ فور وصولي؟".
دخلت غرفة مكتبه بوجهها المبتسم قائلة:
" ان علمت بقدوم وتواجد حضرتك بالجامعة كنت أتيت لاستقبالك ، فرحت كثيرا بعودتكم".
رد نديم بامتنان:
" شكرا يا بنتي الحمد لله استقرت صحتي وشعرت انه لا داعي لبقائي بالمنزل قلت لنفسي لأتي وأمارس عملي وننهي كتابي".
ردت على استاذها قائلة:
" حمدلله على السلامة خير ما فعلت الحركة والعمل سيحسن منك كثيرا".
نظرت بجانب المكتب الخاص بأستاذها لتلقي السلام على من كان ينظر لها بصمت وحزن كبير، لم يرد عليها ليس متعمدا فعندما غلبه حزنه وغصة قلبه أثر ما أجبر على تركه لم يستطع سوى أن يومئ رأسه تعبيرا على رده عليها.
تحدثت شهرزاد لأستاذ نديم وهي تستأذن منه كي لا تشغلهم عن عملهم، رفض نديم واصر عليها ان تدخل وتجلس أمامه ليتحدثا بأمر الكتاب فهو متحمس كثيرا للعمل عليه وانهائه بأقرب وقت.
اقتربت وجلست مقابل شريف وهي تنظر له متحدثة:
" استاذ شريف يستطيع افادتك اكثر مني".
تحدث نديم قائلا:
" لن اضغط عليكِ كما تشائين حتى يمكنني أن انهيه بدون مساعدة الله يكرمني بالصحة وأنهي أعمالي بنفسي".
اسرعت لتفسر له أنها بسبب دراستها وانشغالها بها و ايضا لأنها واثقه بقدرات استاذ شريف الأدبية وأنه أهل لهذه المساعدة وحده.
نظر نديم لشريف الصامت ثم نظر لشهرزاد قائلا: " شكرا لك كما تريدين ".
لم تستطع تحمل أحزان استاذها منها عادت عن قرارها و اخبرته انها ستفعل ما يريده منها يكفي أن لا يحزن منها.
_" جميل لاذهب إذا لأولى محاضراتي و اعود بعدها لنقتسم الأعمال بيننا".
تحرك ليخرج من المكتب بعد أن دقت ساعة العمل، وقفت شهرزاد خجلة من حالة شريف و نظراته الغريبة لها قائلة:
" وانا أيضا سأذهب لأرى زملائي حتى يعود استاذ نديم ، بالاذن منك".
توقف قبل خروجها قائلا:
" دقيقة من فضلك".
التفتت لتتعقبه عينيها وهو يقترب من مكتبة المكتب رافعا نفسه وهو يرفع يده أعلاها أخذًا كتابا كان قد أخفاه عن الجميع، ثم عاد ليقترب منها وهو يمده لها قائلا: " تفضلي كتابك".
نظرت للكتاب بفرح:
" هل كان معك ، ظننت أنني اضعته يوم الرحلة".
لم يستطع التصريح بأخذه منها رد عليها:
" فرحت لأجلك".
وبتلقائية تحدثت بوجهها الفرح:
" هل قرأته؟".
ابتلع ريقه بجوابه:
" مع الأسف لم اتوفق لهذا قرأت فقط أول خمس فصول".
ردت عليه بحماس:
" سيعجبك إن أردت فليبقى معك حتى تنهيه، بالأصل قرأته قبل شهر من الآن وكنت اقرأه للمرة الثانية من شدة استمتاعي باحداثه، رد عليها و هو ينظر للكتاب:
" شكرا لكِ لدي ما اهتم بقراءته هذه الفترة".
وبفضول سألته قائلة:
" هل يمكنني معرفة ما يستحوذ على اهتمام أستاذي؟".
سعل بصوت منخفض محاولا إخراج صوته قائلا:
" ليس كما فهمتي فهو كتاب غير مهم ، اقصد انه بعيد عن الإطار التعليمي".
ردت بسرعة قائلة:
" وانا لا اقصد الإطار التعليمي فجميعنا يأتي عليه فترة يحب أن يقرأ شيء ترفيهي دون هدف يبدد به أفكاره وطاقته لهذا انتابني الفضول أي كتاب لفت انتباه أستاذي وسيطر عليه لهذه الدرجة".
اخفض رأسه صامتا لتكمل هي سريعا:
" اعتذر ان احزنتك وتدخلت فيما لا يعنيني سأذهب واعود عندما ينهي استاذ نديم عمله".
رفع رأسه لينظر لعيونها بحزن قائلا:
" بئري المظلم".
لم تفهم عليه بأول الأمر ليكمل هو قائلا:
" إسمه غريب بعض الشيء ولكنه مثير للاهتمام يساعدك على كيفية الاعتياد على الحياة المظلمة وإن كانت كبئر عميق لا نهاية له، أكثر ما أعجبني به هو ما كان يخبرنا به الكاتب داخل كل فصل جديد ، هل تصدقين ان كل فصل من فصوله أظلم ممن قبله حتى علق بذهني خاطرة به 'ولكني بخير لا تقلقوا عليّ. أنا أتنفس لا زلت على قيد الحياة لا تقلقوا علي ولا تظنوا أن حزن عيناي وما غرقوا بهِ من ضعفي أو استسلامي لبئري المظلم لا أنا بخير وسأكون بخير ، أصبحت أحب الظلام ، العزلة، الصمت، الضياع هل رأيت ألم أقل لك كم أنا بخير".
صمت شريف بعيونه الشاكية لها بما في قلبه لتتحدث هي بنبرة صوتها التي تأثرت بحالته قائلا:
" لا يمكن أن يكون الخير بهذا الشكل، يقول الكاتب انه بخير ولكنه بأسوأ حالته ترك نفسه للظلام والحزن حتى قضوا عليه لا يمكنك الاستمرار بهذا الكتاب كيف يقرأ الإنسان كل هذه الطاقة السلبية دون أن يتأثر، أعلم أنني لا يحق لي ان أتحدث بهذا ولكن إن سمحت لي ساترجاك أن لا تقرأ هذا الكتاب ، ستتأثر لا محال حتى أنني أقول إنك بالفعل تأثرت العفو منك ولكن هذا ما رأيته وأنت تتحدث عنه ".
رد شريف بصوت حزين:
" شكرا لكِ لا تقلقي".
بدت على وجهه ابتسامة حزينة يسخر بها حاله: " أنا بخير".
كادت عينيها أن تدمع على حالته الحزينة الهزيلة قائلة له من جديد:
" استاذ شريف لا تخفني ما الذي يجبرك على قراءة كتاب لا يجلب لك إلا السوء والضيق و الحزن".
أجابها بصوته الضعيف من حزنه قائلا:
" لأني اريد ان اكون بخير ، لعله يعالج ما أنا به، لعلي اعتاد على الحزن لاستطيع تخطيه، لعلي أرى حزن غيري ليهون علي حزني، احتاج لترتيب اوراقي المبعثرة لإعادة ترتيب اهتماماتي ومفاهيمي وعلاقاتي مع من حولي".
لم تستطع الرد عليه وخاصة عندما انتابها شعور الذنب بأنها سبب بهذا الحزن.
سألها شريف ليقسم فؤادها:
" هل أنا سيء، انتظري لنغير سيء ونضع مكانها سلبي، هل أنا سلبي وضعيف لدرجة أنني لم أعد أستطيع السيطرة على نفسي؟".
ضحك بحزن أكمل به:
" كان لدي قناعات ذاتية مختلفة كنت أشعر أنني قوي، إيجابي، استطيع تخطي أكبر مشاكلي بالحكمة والعقل، رومانسي بالحد الذي يسمح لي ان أعيش حياة سعيدة ، املك حياتي لدرجة تمنحني لقب شهريار وحيد عائلته التي من المفترض انها تحبني وتفعل المستحيل لارضائي ، كنت أعيش بأحلام أكبر من الحقيقة، من الممكن ان اكون بهذه الحالة لأنني اكتشفت أن كل هذه الاعتقادات غير حقيقية كانت فقط شعارات واهية".
تحدثت بصوتها المختنق قائلة:
" لا تقل هذا أنت شخص جيد عائلتك تحبك لاقصى حد، إيجابي، قوي، حكيم، محب للناس، قيادي بالدرجة الاولى جميعنا نرى هذا عمليا، رجاءً لا تترك نفسك للطاقة السلبية التي امتلكتك أنت تستطيع تخطي الصعوبات".
أجابها متسائلا:
" وماذا ان فشلت بهذا؟".
نظرت نحو الباب متعقبة الأساتذة التي كانت تمر من امامه ثم عادت لتنظر له قائلة:
" هل أنا سبب ما أنت به؟".
ضحك بحزن أجابها به:
" أرأيتي كم اصبحت ضعيف ودون إرادة لدرجة أعطتك هذا التفسير على ما أنا به".
لم تعرف بماذا تجيبه فكل الأحاديث تأخذهم لطريق مسدود ، شعرت انه تبقى القليل على تحدثه بصراحة جارحة تحركت خطوات عائدة بها لمكتب استاذ نديم قائلة له:
" هل اقرأ لك القليل من القصة لعله ينال اعجابك و تحب اكمال الكتاب بعده".
رفض شاكرا لها:
" شكرا لكِ لنفعلها بيوم آخر".
لم تستطع تركه بهذه الحالة رغم تخوفها من إظهار وجهه الغاضب بأي لحظة فتحت الكتاب لتقرأ آخر سطوره:
" أنا أمير بطل قلب أميرتي التي لم أكن انتويها حبا ، بأول الحكاية اردت ان أهرب منها لأجد نفسي اهرب إليها فكل الطرق تقودني إليها لتصبح بعدها أمناً ومسكن ومأوى وعشقا لا تسألوني كيف حدث هذا فإن كتبت سنين لن يكفيني للاجابة عليكم ، استسلمت لقلبي ولذلك الضوء الذي ينير بقلبي ليدلني على قبلة السعادة ، عندما اتذكر سابق عهدي و ما كنت به من ضياع وضيق لا شيء يتحقق كل من حولي ضدي حتى أتت هي و معها اكسير الحياة لتحييني و تحيي بي ما كنت ابحث عنه و هو روحي التي امدتني بها من روحها و نبض قلبها".
صمتت شهرزاد لتقول بعدها:
" أعتقد أنني اخترت بشكل سريع هل نبدأ من الأول".
صدمها شريف بجوابه:
" فات الأوان على هذا اتركينا من الكتاب، علي أن أخبرك بأمر مهم فمن الممكن أن لا أجد فرصة كهذه لأخبرك به من بعد الان".
حركت وجهها متسائلة دون صوت ليكمل هو:
" أول شيء عليّ أن اطلب منكِ السماح بحقي أعلم أنني كنت زائد عن الحد بفترة من الفترات، لن أبرر لنفسي فجميعها كانت بدون وجه حق هذا أول شيء و اتمنى ان تسامحيني عليه ليبقى ما دونه ذكرى جميلة تتذكريها كلما تذكرتي أستاذك ، الأمر الثاني هو ما اردت ان تعلميه مني وأنا أودعك فمن الممكن أن يكون هذا لقائنا الاخير، قدمت اجازة مفتوحة اليوم وأنتظر قبولها كي احجز تذاكر الطيران".
تغيرت ملامح وجهها ودمعت عينيها ليكمل هو سريعا:
" لا تفعليها سيكون أفضل لي أنا بحاجة للابتعاد عن حياتي بشكل كامل سأعيد ترتيب أوراقي واهتم بدراستي وعملي لا تقلقي كان لدي عرض عمل من أحد أصدقاء أبي بالخارج وبالأمس فقط وافقت عليه لنجرب حظنا لعلي أجد هناك نصيبي من الحياة ".
انتهى الفصل بهذا الحزن الذي خيم على وجوههم