recent
جديدنا

عروس بغداد الفصل الثاني والاربعون

 عروس بغداد

ليلة سقوط عروس بغداد

بقلم أمل محمد الكاشف 




استدار تيّم ناظرًا نحوها بقوة استنكاره ما سمعه ورآه بعينيها القوية و وجهها المحتقن بالألم.


هز خليل راسه باستنكار:

 " لا تقوليها، كيف حامل؟".


تدخل  طارق لينقذ الموقف المحتقن قائلا بضيق:

" اعتقد من العيب ان تكمل حديثك بعد ما سمعت".


ردت سلمى بقوة:

 "هل صعب عليك سماع هذا، هل حرام علينا وحلال عليك، نعم حامل من زوجي كأي امرأة متزوجة، هل لديك اعتراض؟".


هز رأسه بغضب قائلا:

" نعم لدي أنتِ تكذبين تعتقدين أنك تبعدينني عنك بهذه الطريقة  سلمى استمعي لي أنا….".


وبحركة سريعة سحب تيم زوجته ليخرج من المنزل دون ان يكمل خليل حديثه قائلا بقوة: 

"لست مجبر على سماع هذا الهزل والاجابة عليه".


توعد خليل أن يجعل تيّم يندم على اقترابه من زوجته مؤكد تهجمه عليها وجعلها زوجته دون رضاها مستغلا بذلك ضعفها ووحدتها كي يرغمها على تقبله كزوج.


رد طارق بقوة ضيقه:

 "تعتقد بأن الجميع مثلك؟، وأيضا كيف تريد لامرأة لم تقبلك كزوج لمدة خمس سنوات ان تعود إليك؟".


_" وأنت أيضا سأحاسبك على ذلك. انتظر، من الواضح ان المعروف والخير لا ينفع معكم".

 

جن جنون خليل حتى خرج من منزل طارق فاتحًا هاتفه بغضب كي يتصل  بأبو بكر ليتحدث معه عن وضع زواج سلمى الغير حقيقي وضغط زوجها عليها كي تتقبله زوجًا رغمًا عنها، كما حدثه عن رغبته بإعادتها للعراق كي يحافظ عليها أيًا كانت الضريبة فهل يتركون عرضهم وشرفهم  بالخدع والأكاذيب.


لمعت عينا أبو بكر متحدثًا بخبث: 

" لا تقلق أنا سأتصرف انتظر فقط الوقت المناسب لإعادتها، لدي ضغط بالعمل في هذا الشهر ومن بعده سترى كي سأعيدها للعراق".

 

فقد خليل عقله تمامًا حتى اصبح لا يرى ولا يسمع ولا يتحدث إلا بالوعيد وتنفيذ ما يريد مكذبًا خبر حملها بشكل قطعي، من يراه بهذا الوقت لا يستطيع أن يفرقه عن حيدر أو أبناء عمومته بعد أن غلب الطبع الود ليطغى عليه ويسود بشكل مخيف فلم يتوقع أحد تغير خليل ورغبته بإعادتها لعصمته ولو بالإرغام.

…………


وصلا لمنزلهما بصمت طال طوال الطريق، اقتربت سلمى من تيّم جالسة بجواره على الأريكة ممسكه بيده وهي تنظر لعيونه الغاضبة، قائلة:

 "اعتذر منك، ولكنها حياتي وانت من ارتضيت بها".


رفع نظره نحوها متحدثا بنار غليان قلبه:

"عديم المروءة، لا يعلم عن الاخلاق والاحترام بقدر ذرة رمل".


_" اعتذر لما صدر عني كنت اريد ….".


أخرج غضبه برده القوي:

 "نعم تذكرت هذا أيضا، كيف تخبريه بأمر كهذا وكأني عاجز وضعيف لأثبت زواجي بحملك، ما كان عليك ان تسقطي من نفسك لأجله".


ردت مدافعة عن نفسها:

 "لم اقصد التقليل منك، انا فقط اردت ان انهي الجدل ..".


نظر بقوة صوته:   "وهل انتهى؟".


………


على الجانب الاخر كانت رانيا تدخل غرفة الام عايدة وهي تحمل بيدها صينية عصير الليمون مستمعه لزوجها وهو يحدث امه:

"لم أتوقع منه ذلك، رأيت زوجته أثناء حملها في تركيا المرأة حقا جميلة اتعجب كيف حتى الأن….".


 اجابته رانيا: 

"انت محق زوجته جميلة جدا تشبه عارضات الأزياء و ملكات الجمال".


تحدث طارق متعجبًا:

 "وكأني أرى شخص غريب لم اعاشره لسنوات، عميت عينه على الأخير".


تحدثت عايدة:

 "العناد يولد الكفر يا بني، ادعو له ليصلح الله حاله ويعيد عقله له لأجل زوجته وابنه".


…………


عاد تيّم لصمته وعدم مشاركتها الحديث كي لا يخرج عن طوره ويتسبب في كسرها فلم يكن اللقاء سهلا على قلبه، جاءه اتصال من سندس اعتدل بجلسته مجيبًا عليها باهتمام واحترام شاكرا لها مجهودها الكبير في العمل.


تفاجئ بصوت زوجته فور إغلاقه للهاتف وهي تقول لهك

" علي أن أدعو لها".


نظر لها باستغراب لتكمل سلمى بعصبية:

"جعلتنا نسمع صوتك لأجل ذلك نحن مدينون لها".


لم يضحك بوجهها ولم يجب عليها تحرك ليخرج من المنزل: 

 "سأخرج لأمر مهم".


سألته بفضول وغيرة: "هل  يخص العمل؟".


رفع نظره عليها مستمع لتكملة حديثها:

 "هل ستذهب لها، اقصد لأجل عمل يخصها".


لجم لسانه عن الرد لتكمل سلمى من جديد: 

"غضبت لأجل حديثي معه والان تفعل نفس الشيء،  لا وذاهب إليها ملبيًا النداء، حسنا اذهب ولكن عليك أن تنتبه.. ".


اقترب منها بسرعة غضبه قائلا:

"انتبه على ماذا؟ هيا قولي ؟، هل تعتقدين انني سأفعل ما يغضب الله عليّ؟".ز


_" وانا لم افعل ما يغضب الله عليّ".


أخرج غضبه بصوت مرتفع:

"وقف الرجل ليتغزل بزوجتي امامي طالبًا منها أن تعود لحضنه ليسترجعا  حبهما".


رغرغت عينيها:

 "لا تكمل رجاءً ..".


لم يستمع لها حين عمت الغيرة عينيه، قائلا:

"هل صعب عليكِ سماع هذا؟، ألم تشعري بي وانا أرى بعينه ذكرى هذه الأيام؟، أم حلال عليك ان تشعري بالغيرة من امرأة غريبة وحرام عليّ أن أغار على حلالي".


علا صوته أكثر: 

"لا يحق له ان يفكر بزوجتي ولو بأحلامه اسمعتي!، لا يحق له حتى ولو كان يجمعكما..".

 

لم يستطع استكمال حديثه تحرك ليخرج من المنزل دون قلبه.


ورغم حزنها وملامح وجهها التي أصبحت كطفل يستعد للبكاء دون ان يفعل إلا انها تماسكت رافضة ترك نفسها للانهيار والعودة للوراء قائلة:

"لا احد يستحق احزاني ، يكفيني حزنا بهذا القدر، لن اعود للوراء مجددًا، لن اسمح لهم بتدمير قلبي وروحي".


بدلت ملابسها مرتدية الجينز المحبب لها مخرجه سترة سوداء اللون أدخلتها بشكل كامل داخل البنطال، توضأت وصلت فرضها ومن ثم انشغلت قليلا بإرسال عدة تقارير مهمة استغرقت وقتًا بكتابتها جالسة بعدها على المرآة تبحث عن علبة مستحضرات تجميلية اهدتها إياها تهاني الهاشمي لها.


وجدتها في منظم الادراج المجاور لفراشها أخرجتها وعادت بها لتجلس أمام المرآة بجسد انهك من أحزانه واقداره.

 

بدأت تتزين لأول مرة منذ زمن طويل وضعت ألوان ناصعة بطريقة بدائية قديمة خاليه من الخبرة وتتبع الموضة ذاهبه للحمام بعدها كي تغسل وجهها، قائلة:

"ما هذا السخف أصبحت كالعروس اللعبة".


عاد تيّم للغرف بعد ان تجول حول المنزل ليفرغ غضبه عازما على التزام الصمت و النوم فور تبديله ملابسه.


رآها تخرج من الحمام منشغلة بمسح وجهها بكومة مناديل ورقية غاضبة على نفسها:

 "كيف لم انتبه انه ضد الماء، كيف سأزيله الان". 


تحرك ليفتح أدراج المرآة مخرج منها مناديل مخصصة لمسح هذا النوع من مستحضرات التجميل ووضعها أمامها دون النظر إليها.


اخذتها لتمسح وجهها وهي تقول:

"من الواضح أنني أخطأت مرة أخرى، فلا يمكن للمرء ان يتميز بكل شيء، اخذنا نصيبنا من العلم بهذا القدر فقط لا داعي للمحاولات الفاشلة".


بدل ملابسه بسرعة كبيرة كعادته مقتربا من الفراش لينام  وهو يستمع لها: 

" كنت مختلفة، فتاة طبيعية تهتم بالموضة والألوان وكل جديد بمستحضرات التجميل وكيفية وضعها، احلم بـ…..".


صمتت مكملة داخلها: 

"احلم بالفستان الأبيض كباقي البنات في عمري، بيت صغير يملئه الحب والهدوء والسلام، زوج محب انتظر عودته باشتياق كي نتناول طعامنا وانا استمع لإطرائه على ما طبخته له".


استلقت على الفراش مغمضة عينيها المملوءة بالدموع لتنام وهي تحتضن الذكريات بقلبها الحزين.


توتر الوضع بينهما لعدة أيام، اتصلت تهاني الهاشمي بابنها كي تخبره انها ستبقى أيام إضافية رفض تيّم هذه المرة مكثر من اسئلته حول سبب بقائها كل هذه المدة ورفضه لتغيب تسنيم عن المدرسة خوفا من اعتيادها على ذلك.


تحججت تهاني بمرض خالها وخوفها عليه كما تحججت براحة ابنتها وفرحتها وسط من يقاربونها بالعمر هناك و وعدته ان يكون اخر أسبوع تعود بعده لهم.


غرقت سلمى بالعمل في المستشفى بجانب دراستها وتجميع معلومات عن مشروعها التي عزمت بكل جد ان تبدأ به باحثة عن قطعة أرض بموقع مميز.


لا زال تيّم على موقفه تتعقد الأمور بينهما كلما اجتمعا او تحدثا، تعارضت أفكارهم وقراراتهم وخاصة انه رفض ان يشاركها بمشروعها كونه غير مهيئ لعمل كبير كهذا.


ضغطت عليه أكثر من مرة رافعه صوتها بغضب ليزيد هذا من ضيقه وتغير حاله معها، كانت تفعل الشيء وضده تغضب وترفع صوتها وبعد قليل تعود لتتحدث وكأن شيء لم يكن وهذا ما لم يرتضي به زوجها فهناك فرق كبير بين الطيبة الحنان الاحتواء، والرجولة والكرامة فمن الظلم ان نطلب من الحنون الخلوق المتمالك لنفسه وقت الغضب أن يتحمل ما لا يتحمله رجل على نفسه بحجة انه انسان جيد، الكرامة والرجولة والحدود المتعارف عليها أخلاقيا واجتماعيا شيء والطيبة والإنسانية شيء آخر. 


يسامحها ويضغط على نفسه كي لا يتأثر الود بينهما ينصلح حالهما لعدة ساعات تنسف كل شيء بعصابيتها بعدها.


هي تعلم انها مخطئه وتعلم انها تضغط عليه ولكنها لا تعرف ما بها لماذا يصل الحوار بينهما لهذه النقطة بكل مرة، اثرت مشاكلها العائلية وزيارة خليل الأخيرة عليها ليجعلها متخبطة مضغوطة لا تتحمل معارضة أحد لها كما زاد ضغط العمل من إثارة اعصابها وانفعالاتها الغير محسوبة.


استيقظ تيم بمنتصف الليل مستمع لصوتها، نظر نحوها معتقدا أنها تحدثه ولكنه تفاجئ بنومها.


حركها ليوقظها:

 "سلمى استيقظي. سلمى…".


مسحت عينيها دون ان تفتحهما مجيبه بصوتها المختنق:

 " اتركني لأكمل نومي".


_" لا لن اتركك هيا انهضي".


تحركت لتجلس على الفراش متحدثه بوجه مقتضب:

 "ماذا تريد اريد ان انام".


_" هيا لنصلي مع بعضنا".


رفعت نظرها على ساعة الحائط مجيبة عليه:

" لا زال الوقت مبكر على الصلاة".


اقترب ليحتضنها ولكنها رفضت مبتعدة عنه لتعود لنومها وهي تشعر بدوار كاد ان يفقدها وعيها،  كان عليه ان يتوضأ ويصلي ولكنه عاد لنومه من شدة تخبطه وحزنه.


ضغط كل شيء عليها  ليجعلها تعيش أيام حزينة ذكرتها بما مرت به قبل عدة أشهر وسنوات.


كانت تسير بممر المستشفى وهي ترى الشيء اثنان، ترفع يدها على راسها قائلة:

"هذا ما يحدث حين ننهك اعصابنا في أشياء لا تستحق".


ذهبت لمطعم المستشفى لتتناول فطورها دون ان تشتهي أي شيء بحثت عن شطيرة الجبن المحببة لها ولكنها لم تجدها، اكتفت بشرب القهوة وعادت لتنهي عملها مستلقيه على الأريكة بغرفة مكتبها منغمسة بنومها العميق.


انصدمت هند بنومها الذي طال عن الطبيعي، اقتربت بالمرة الثالثة لتوقظها من نومها متسائلة:

 "سلمى هل انت بخير؟".


فتحت عينيها وهي تتحرك لتجلس على الاريكة منزله قدميها ارضا، قائلة:  "نعم بخير".


نظرت للساعة مكملة:

"سأذهب لأكمل نومي في المنزل".


تحركت خارجة من مكتبها بعد ان جمعت اغراضها بحقيبتها تاركة المستشفى متوجهة لمنزلها الصغير السابق.


اسرع احد افراد الامن بالاقتراب من السيارة وهم يرحبون بها، ابتسم وجهها شاكره لهم.


صعدت للأعلى وهي تستمع لحديثهم:

"كل شيء يجري كما طلبتي تأتي خدمة التنظيف لتقوم بعملها كل اول شهر بشكل كامل وأمين لا تقلقي".


شكرته وهي تدخل المصعد وحدها، كادت ان تسقط حين دار راسها اكثر مع حركة المصعد فتحت الباب لتقف على أعتابه بصدر ضاق كثيرا بالذكريات، خطت خطواتها الأولى بصعوبة وصدر أصبح يرتفع ويخفق باضطراب مشاعره.


من الغريب انها نامت على الفراش فور تغيير غطاءه النظيف حضنت حقيبة يدها رافضة التفكير بأي شيء يضغط عليها.


استيقظت قرابة المغرب على صوت رنين هاتفها، فتحته لتجيب بصوت نومها، سألها تيّم:  "هل كنتي نائمة!".


ردت عليه: " شعرت بإرهاق واردت ان انام".


_" ارتاح قلبي الان، اتصلت لأخبرك بعدم استطاعتي المجيء لاصطحابك، خرج لي عمل مهم خارج الإمارة لا تقلقي لن أتأخر عليكِ سأعود قبل الفجر،  مضطر ان أذهب مع عمي واجهنا مشكلة كبيرة بتسليم بضاعة بشكل خطأ وإن لم نستردها الليلة سنخسر تسليمها بالموعد المحدد مع التجار، لا اريد اشغال عقلك معنا لا تقلقي سنعيد البضاعة ونسلمهم خاصتهم ونعود بوقت مبكر".


ردت عليه بصوتها النائم:

 " بأمان الله انتبه على نفسك".


ابتسم وجهه:

" لا تقلقي فلترضي عني لتصطحبني السلامة بكل شيء، انظري ماذا حدث بنا حين …".


قاطعته بقولها:

 "اعتذر منك عليّ ان اغلق بسرعة".


لم تعطيه الفرصة بالرد حين أغلقت ذاهبه بعدها  الى  الحمام كي تتقيء،  تألمت كونها لم تتناول شيء تتقيئه، اعتقدت انه برد أو ناتج عن تناولها طعام ملوث عادت لتنام وهي متعبة، اختنق تيّم من كثرة تخبطه يعاتب على نفسه احزانها وعدم تحمله رفع صوتها عليه تارة ويعطي نفسه الحق بالغيرة والدفاع عن زوجته تارة أخرى. 


تم تحميل البضاعة بالسيارة الكبيرة كما صعد تيّم وعمه السيارة الأخرى كي يتبعا سيارة البضاعة حتى يسلمونها بأنفسهم معتذرين عن الخطأ بشكل شخصي فهذا هو عمه يهتم بالناس لدرجة جعلتهم يكبرونه بالسوق.


أراد ان يتصل بها أكثر من مرة دون ان يستطيع لتأخر الوقت وخوفه من ايقاظها.


ليأتي موعد أذان الفجر بعد انهائه للمهمة، ابتعد عن عمه  متصلا بها مشتاق لصوتها ليجدها مستيقظة.


فرح قلبه بمجرد سماعه لصوتها حدثها بنبرة جميلة:

 "صباح الخير يا روح قلبي، ما الذي أيقظك وحدك بهذا الوقت، أم أنك لم تنامي، صعب عليك وجودك على فراشنا بدون حضني أليس كذلك".


تجمعت الدموع بعيونها:

"نمت كثيرًا بالأمس، كان عليّ ان انهي بعض الأبحاث المهمة وها قد شارفت على الانتهاء".


_" صلِ أولا وادعي لنا بالسلامة، اشتقت لحضن زوجتي رغم أنها حرمتني منه لعدة أيام".


ردت بصوتها الغريب عليها: 

"كتب الله لكم السلامة في طريقكم".


_" سانهي تسليم البضاعة عند الساعة التاسعة واعود لمنزلنا كي ارتاح، هل لديك عمل مهم ام يمكنك البقاء بجانبي".


ابتلعت ريقها بحزن قائلة:

" لا اعرف عليّ ان اتواصل مع الزملاء أولا، وأيضا هناك امر كنت اريد ان اخبرك عنه بالأمس…".


_" خير ما بك هل حدث…".


اسرعت بإكمال حديثها قائلة:

"أنا في منزلي الخاص لم اعود لمنزلك للمنزل الكبير".


اختنق بما سمع حتى تغيرت ملامح ولون وجهه متسائلا:

 "ولماذا لم تعودين ؟".


 وقبل أن تجيب تهرب مما توقع سماعه، قائلة:

 " اعتذر منك أقام المؤذن الصلاة علي ان اغلق بسرعه".


التقط نفسًا كبيرا أخرجه بضيق أكبر دون كلام.


عاتبت وحزنت من نفسها ارادت ان تتصل به ولكنها لم تفعل قائلة لنفسها:

  "اخبرتك ان تبتعد عن دنياي كي لا تحزن، وأيضا ألست أنت من غضب وتعصب عليّ ألست محق بدفاعك عن حبك لزوجتك لماذا تصالحني لماذا تتصل وتهتم وتسعى لإرضائي".


أعادت ظهرها لتستند على وسادتها متذكره وجهه البشوش الجميل بكل صباح عادت الدموع لتغرق وجهها وهي تتذكر رحمته ومحبته بل وضحكه معها.


قامت لتصلي فرضها داعيه له ان يعود لها سالمًا غانمًا من سفره، اقتربت من الخزانة لتفتحها كي تبدل ملابسها، بحثت عن شيء خفيف لا يضغط على اختناقها وشعورها بارتفاع حرارتها، أخرجت فستان أحمر مزركش بالورود البيضاء حركت يدها على ملمسه البارد قائلة:  "من الجيد شرائي له".


تذكرت حين رأته وهي تشتري لها ملابس جديدة بعد ان تخلصت من الأثاث والملابس بوقت انتكاستها وخذلانها من خليل.


حدثت نفسها قائلة:

" كيف تغيرت لهذه الدرجة، تتحدث بدون خجل او عتاب على نفسك وكأني انا من تركك بهذه الطريقة، تيّم محق ما كان عليّ ان ابرر زوجنا بأكذوبة الحمل، حتى ما كان عليّ ان أعطيه فرصة التحدث معي".


نظرت للخزانة قائلة لنفسها: 

"ما هذا وكأنها خزانة طفله صغيرة او عجوز زاهده بالحياة،  كيف لا يوجد أي قطعة من الحرير او الستان او…".


ابتسم وجهها حين استمعت لصوت زوجها بأذنها:

 "تزينين كل ما ترتديه حتى افكر ان اجعلك ترتدين ملابسي قبل ان ارتديها لتزداد جمالا بهذا الشرف يا مولاتي".


بدأت بتبديل ملابسها بجانب الفراش وهي حزينة تفكر ان تذهب لمنزله كي تنام بحضنه فور وصوله.


ظلت الفكرة تراودها طوال تبديلها لملابسها، نظرت للفستان في المرآة معجبة بلونه وجماله عليها للحظة تمنت ولو يراها به.


شردت لثواني تغيرت نظرات عينيها بعدها وكأنها وجدت ما تصالحه به.


امسكت هاتفها لتتصل به عبر برنامج الواتس اب كما اعتادا التواصل عليه بالفترة الأخيرة.


كانت تريد ان تحدثه مكالمة فيديو ولكنها خجلت، ابتسم وجه تيّم فور رؤيته اسمها على الهاتف استأذن من سندس وأستاذ فاروق  وتحرك مبتعدا عنهم ليجيب عليها:    "السلام عليكم".


أجابته بنبرة صوتها الفرح:

"وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته، اتصلت لأطمئن عليك كنت أتوقع انك بالمنزل نائم".


خرجت ضحكه عالية متعمدة من سندس وهي تحدث فاروق:

 "لنأكل حلوى الاحتفال أولا ومن ثم نكمل، تيّم هل تطلب لنا كيك الشكولاتة المحببة لدي كي نحتفل معًا".


رفع يده مشيرًا لهاتفه، قائلا:

 "سأنهي مكالمتي واعود إليكم يمكنكم طلبها حتى لا نتأخر عن موعدنا التالي".


تحدثت سلمى بضيق: 

"اعتذر للاتصال بوقت العمل كنت اعتقد انك نائم".


ابتعد عنهم أكثر وهو يخفض صوته:

"من الجيد إنك اتصلتِ كي اهرب منهم ومن احتفالهم، أتيت من السفر على المكتب تبقى القليل على مشاركتنا اجتماع الهيئة العمومية للخردوات أدعي لي ان يكون لي نصيب من هذه المناقصات، هذا النوع من العمل يمنحنا الحفاظ على اسم الشركة واستمرارها وسط الحيتان الكبرى التي لا تشبع من أكل الأسماك الصغيرة والقضاء عليها".


_"سينصرك الله ويجبر بخاطرك لأجل نيتك الصالحة وحبك للخير دومًا، لا تخف نصرك الله وجعلها من نصيبك".


فرح لسماعه دعائها الجميل مؤمن عليها:

"اللهم امين يارب العالمين".


قطع حديثه معها كي يجيب على فاروق:

"لا تطلب لي سأتناول فطوري بعد انتهائنا من الاجتماع".


ردت سندس بصوت مسموع:

"حسنا وانا أيضا سأاجله لنتناول جميعا بعده، حتى يمكننا طلب اطباق المكرونة بالبشاميل والجبن بجانب الدجاج المشوي المحببة لتيّم".


تدخلت سلمى بحديثهم:

"ان اردت يمكنك المجيء لقضاء اليوم بمنزلي أنت لم تجلس به من قبل".

 

اخفضت صوتها وهي تكمل بخجل:

"لنأكل الدجاج المشوي ان كنت ترغب بها لهذه الدرجة".


سقطت عليه المفاجئة لتفصله عن عالمه فأصبح لا يسمع كلام من حوله، ابتعد اكثر وهو يجيبها:

"لا يمكنني ان أرفض عرض كهذا وخاصة ان كان الشواء من صنع يديك".


ابتسمت سلمى بردها قائلة:

"اشعر وكأنني اغرقت نفسي بما لا استطيع الوفاء به، ولكن ان اردت تجربة هذا فلتتحمل النتيجة أيا كانت العواقب".


لمعت عينيه وقلت أنفاسه وهو يشعر بتدفق الدم في شرايين قلبه مندفع نحو جوارحه لتضربها بمس قوي رجف حواسه بها.


تحدثت حين طال جوابه:

 "وكأنك تراجعت ممتاز يناسبني بصراحة، فلدي من الأعباء العملية ما يكفي للعمل يومين دون توقف".


رد بفرحته الكبيرة 

"حسنا اتفقنا ليكن على الساعة الثانية ظهرًا انهي الاجتماع واتي إليكِ على الفور ولكن لا تنسي الدعاء لي بصلاتك وخاصة صلاة الضحى فالدعاء مستجاب بها".


_"هل انت جاد، اقصد هل ستأتي الساعة الثانية".


ابتسم وجهه مجيبًا:

"لا يوجد تراجع اريد ان اتذوق الشواء من يد زوجتي".


اومات براسها:

 " حسنا سأنتظرك".


نادت سندس عليه: 

"متى ستنهي مكلمتك تأخرت علينا".


عادت سلمى لتتحدث بغيرتها رافضة تركها زوجها لغيرها:

" هل تتذكر الدمى الصغيرة التي اشتريتها لي قبل زواجنا".


شعر تيّم  بغيرة قلب زوجته وهذا ما جعله يفرح بقوة حبه وسعادته، غيرت سلمى الاتصال وجعلته مكالمة فيديو صوت وصورة موجهه كاميرا الشاشة الهاتف جهة الدمى الصغيرة هديته الأولى لها.


علت ضحكاته قائلا:

"هل لا زلتِ تحتفظين بهم".


 اقتربت سندس بتطفل وتمثيل الضحك والمودة:

"ارني على ماذا تضحك، اعتذر ولكن انتابني الفضول لمعرفة ما الذي جعل وجهك الحزين يضحك بهذه السرعة".

 

وبدون تفكير غيرت سلمى وضع الكاميرا لتجعلها موجهه عليها ملقيه السلام على سندس بغيرة امرأة قوية لا تقبل المنافسة او الهزيمة، قائلة:

" أهذه سندس يا تيّم!، اهلا وسهلا بك حدثتي تيم عنكِ من قبل،  كيف حالك مع وضع الأعمال المزدحمة كان الله بعونك فالعمل مع زوجي ليس بسهل".


اختنق بأنفاسه المضطربة من جديد كما زاد ارتجاف قلبه الذي عصف من شدة مساسه بالصواعق الكهربائية.


ردت سندس السلام عليها مجيبه عليها وهي منبهره بجمالها ناظرة لتيّم متسائلة: 

"هل هذه زوجتك ، ماشاء الله ليسعدكم الله مع بعضكما".


أومأ براسه وهو لا زال ينظر لجمال من  ابهرته بالشاشة:

 " ماشاءالله انظري لجمالها لتعلمي سبب فرحي وضحكي".


اختنقت سندس بجمالها الطبيعي بينما خجلت سلمى من حديث زوجها وعيونه عليها، فرغم انه لا يتحدث مع سندس بحياته الخاصة او أي أحاديث خارج العمل إلا أنه فعلها هذه المرة ليرضى قلب زوجته عنه.


تحدث تيّم لينهي المكالمة:

 "هيا اترككم بحفظ الله، لن اتأخر عليكِ لأنهي الاجتماع وأتي على الفور إلى اللقاء".


اغلق الهاتف وهو طائر من فرحته فضحته أنفاسه وعيونه اللامعة من تخبئته لحماسه وتأملاته بقربها من جديد فشعوره بغيرتها وخوفها عليه كان بمثابة اكسير الحياة الذي اعاده للتنفس.


لا زالت سلمى تنظر لهاتفها مستمعه لصوته: 

"انظري لجمالها كي تعلمي سبب فرحي".


احمر وجهها خجلا منه ناظره لملابسها لتتحول كمن ضربتها الصاعقة عيون واسعة ثابتة. 


  فقد نسيت امر فستانها حين عمت الغيرة قلبها.


دق قلبها بطبول الخجل لا اعرف كيف ولكنها بحاله معاكسه للمتعارف عليه فرحه وخجولة تعاتب على نفسها ظهورها امامهم بهذا القدر من الجرأة وبنفس الوقت كانت تتصل لتريه جمال الفستان عليها.


وقفت أمام مرآتها بوجه احمر لا يصدق ما فعلته، وضعت شعرها على جانبي كتفها قائلة:

"فتحت الصدر ليست بكبيرة كما ان شعري كان يغطي اكتافي".


اغمضت عينيها خجلا وغضبا على نفسها: 

"ما عساني أفعل كان عليها ان ترى ما الذي يضحكه، ثقيلة وفضوليه".


عادت لها ذاكرتها لتتفاجئي بدعوتها له على الطعام، معاتبة على نفسها: 

"ماذا فعلت أنا. كيف سأحضر الدجاج المشوي في أربع ساعات فقط".


جمعت شعرها على شكل كرة أعلى رأسها ثم فتحت هاتفها وهي بطريقها للصالون كي تتصل بالبقالة ليحضر لها دجاج طازج  وحليب وعدة طلبات أخرى.


فتحت عدة فيديوهات لكيفية عمل المكرونة بالبشاميل بالجبن. كما فتحت فيديوهات طرق لتتبيل الدجاج للشوي بطريقة مثالية، لم تقصر بأي خطوة من خطوات الإعداد، كانت كالنحلة تنتقل من مكان لمكان اسرعت لتغلق أسفل ماء المكرونة ثم  وضع الدجاج داخل الفرن بعد تنضيفها وتركها في التتبيلة الخاصة بها لساعتين.


 حضرت صينية المكرونة و وضعتها بالفرن الكهربائي .


دارت رأسها من شدة الإرهاق والمجهود نظرت للساعة لتجدها اقتربت على الواحدة ظهرا.


وضعت يدها على بطنها من شدة الجوع فهي لم تتناول شيء من بعد فطورها بمنزله امس.


دخلت لتتوضأ كي تصلي، عزمت على اخذها لحمام دافئ كي تبدل ملابسها بعده ولكنها عزمت على الصلاة أولا ومن ثم تذهب لتنهي تنظيف المطبخ، نامت على سجادة الصلاة من شدة ارهاقها و ألم راسها، استيقظت مفزوعة من نومها لتسرع بنزع ملابس الصلاة عنها ملقية بها ارضا وهي تركض للمطبخ تخوفا من احتراق الطعام.


فتحت الفرن الكهربائي وامسكت الصينية بيدها دون عازل لتصرخ بقوة ألمها. 


اسرعت و وضعتها تحت الماء البارد بالعادة يفترض ان تبحث عن كريم للحروق ولكنها لم تهتم لذلك لضيق الوقت، أخرجت صينية الدجاج من الفرن بسرعه، لتدخل به  صينية المكرونة كي تحمر وجهها على اعلى حرارة. 


وصل تيّم قبل موعده بعدة دقائق طرق الباب منتظر دقيقتين دون ان يُفتح له عاد وطرقه دون ان يفتح أيضا، غسلت يدها وخرجت من المطبخ كادت ان تنزلق قدمها بقطرات الماء المنثورة أمام مدخل المطبخ. 


تمسكت بمقعد الصالون واضعه يدها على رأسها لتقف ملتقطة أنفاسها بتعب، رن الجرس بشكل متتالي وهو يتصل على هاتفها ليجدها تفتح الباب بوجه غاضب.


تعجب من حالتها وركضها نحو المطبخ:

"احترق الوجه . احترق".


دخل المنزل تركًا ما بيده جانبا تفاجئ بصرخة عالية جاءته من جهة المطبخ، أسرع نحوها ليجدها تحرك يدها بقوة في الهواء بعد ان أحرقتها مجددا حين أخرجت الصينية من الفرن بقماشة لا تعزل السخونة.


امسك يدها ليطمئن عليها ساحبها معه للخارج كي يجلسها بجانبه على الاريكة الخارجية  قائلا:

 "ابقي بمكانك حتى اذهب لأشتري كريم حروق واعود لكِ".


حدثته بعيون مغمضة من شدة دوران رأسها:

"ستجده بإحدى أدراج غرفة النوم أتذكر اني اشتريته من قبل".


 دخل بسرعه باحثا عن الكريم ليعود إليها واضعا على الحرق الجديد والذي سبقه وهو يعتب عليها ما فعلته بنفسها.


طلبت منه عن طريقة لغة الإشارة ان يحضر لها الماء فهي عطشه لدرجة تحيل بينها وبين الحديث معه.


كادت قدمه ان تنزلق من الماء المنثور على سيراميك مدخل المطبخ الذي اتسعت عينيه فور رؤيته له، وضع لها الماء واعطاه لها ومن ثم خلع جاكيته ملقي به على يد الاريكة قائلا:

"لنأكل أولا ومن ثم نتحدث ونرى ما السبب وراء كل هذه الفوضى".


جاءت لتقف ممسكة بيد الاريكة كي لا تسقط، اجلسها وهو يتعجب من حالتها رافضا تحركها حاملا على عاتقه مهمة غرف المكرونة ووضع الدجاج بالأطباق.


رفع الطاولة و وضعها امامه ثم وضع عليها الاطباق وهو يُشكر ويمدح بالروائح الشهية، لم يكذب عليها فرغم الفوضى وتعبها الشديد إلا أن خلطة الدجاج كانت مميزة وجميلة وكذلك المكرونة التي اكثرت بها الجبن كما يحب.


استمتع بالطعام حتى كاد ان ينهيه وحده.


نظر لبواقي المكرونة في الصينية قائلا:

"لا يمكنني وضع المزيد بمعدتي ولكني سأنهيهم بوقت اخر".


ابتسم وجهها بفرح:

 "عافيه لك. اعتذر للوضع كنت اظن انني سأنهي ترتيب المنزل قبل مجيئك ولكني لم استطع".


قاطعها بمزاحه قائلا:

"لا عليكِ شدة جوعي  جعلتني لا أرى ولا اشتم غير رائحة الطعام الشهي".


_" من قال لك انني اعرف بالطبخ كان عليك ان ترفض أو كلما دعاك أحد اجبت".


ضحك مدافع عن نفسه:

"وهل يستطيع المرء رفض دعوة لرؤية كل هذا الجمال ويرفض".


خجلت من ملابسها خبئت اكتافها بشعرها الطويل ساحبه طرف الفستان ليخبئ ركبتيها وهي تقول:   "يا الله كيف فعلتها".

 

ابتسم لها بفرح:

"من يراكِ بهذه الحالة يستحيل ان يصدق إنكِ طبيبة درستي وتعلمتي كيف تعملين تحت الضغط بتركيز وعناية وسرعة ومثابرة".


رفعت راسها بالنفي:

 "جميعهم مختلف عن المطبخ والطبخ لقد شاهدت فيديوهات لمدة ساعتين لم اكتفي بواحد او اثنين كي اقارن العوامل المشتركة بنجاح الوصفات والثغرات التي تزيد من جمال الطعم، فرغت الوصفات بالورق ولخصت مضمون الاعداد والمكونات المطلوبة ومن ثم اضفت لهم بعض الخبرة ليصبحوا بهذا التميز".


نظر ليدها وهي تسحب قطعة من الدجاج لتدخلها بفمها مستمتعة بطعمها، مجيبا عليها بوجهه الفرح:

"هل فعلتي كل ذلك لأجل تحضير الدجاج المشوي والمكرونة بالبشاميل".


أجابته وهي تخفي ابتسامتها:

"انتفخ قلبي من كثرة التركيز والخوف من الفشل بأول تجربة كبيرة كهذه، ياليتني اخترت اللحم المشوي عوضا عن الدجاج".


قبل تيّم يدها:    "ولكنهم خرجوا بطعم وجمال تميزك".


ردت عليه:   " هذا يعني انك ستساعدني بتنظيف المطبخ".


ضحك بإجابته:

 "هل نصب لي فخا جديدا، حسنا اغسل يدي واتي من خلفك".


اومات براسها وهي تجمع الأطباق لتضعهم بالمطبخ قائلة:

 " ستجد المنشفة داخل الخزانة الخاصة بي".


وصلت للمطبخ وهي تتحدث داخلها:

" ليس لدي طاقة لتنظيفه".


توقعت انه سياتي خلفها ولكنه تأخر، خرجت تبحث عنه بعينيها مناديه عليه لتجده يجيبها من نومه العميق:

 "حسنا سآتي".


 علقت عينيها على تعبه واجهاده بالنوم بقلب اشتاق لقربه وحنانه واحتوائه، جاهدت نفسها كثيرا كي لا تصعد بجانبه على الفراش،  أصبحت تخرج وتعود للغرفة بين الحين والأخر حتى استسلمت لمشاعرها بحجة انها متعبه وتحتاج للراحة: 

"سأنام بعيد عنه دون لمسه".


صعدت على الفراش مقربة جبهتها لمنتصف ظهره متقوقعة داخل نفسها اغمضت عينيها بحنين وراحة وامان وشعور كبير بحاجة للبكاء والاستنجاد به كي لا يبتعد ويتركها وحدها، شعور مضطرب يشبه أقدارها وما مرت به في حياتها.


نامت سلمى لرغبتها الكبيرة بالاستمتاع بقربها منه، ابتسم وجه تيّم حين انتبه لوجودها خلفه عندما لامسها بحركته.


 كذب احساسه بأول الامر تسارعت ضربات قلبه وهو يلتف بهدوء ليجدها نائمة كالملاك بجانبه، لم يستطع تحمل قربها وبحركة جرئيه مد يده وضمها لحضنه مقبل رأسها بعمق  كبير.


حرك يده على ذراعها وظهرها لتبكي هي بين ذراعيه مخبئه رأسها بحضنه، ضمها أكثر لقلبه محاول ان ينجح في تهدئتها.


سألته:    "هل لا زلت غاضب عليّ".



_"اشششش اغمضي عينيكِ ونامي الان".


_"اعتذر منك على رفع صوتي باخر نقاش بيننا ولكني من الأول طلبت منك ان تتركني بحياتي وتذهب لتعيش شبابك وحياة جديدة تستحقها هذه انا اغضب وانفعل بسرعة، وكأني اخرج ضريبة انجباري بالماضي على جميع من يأتي أمامي، عقلي يرفض الطاعة، كما أنني مضغوطة كما تعلم وترى عمل في عمل في مسؤوليات وواجبات ودراسة وكتابة بحوث، ارهق واستنفز كل طاقتي بهم حتى اصبح كالقنبلة الموقوتة تنتظر لحظة الانفجار لتريح داخلها ثم تعود لتندم".


سألها:

" تندمين!".


اجابته بعيون رغبت بشفقته عليها:

" ألم اعتذر منك بكل مرة".


اخفض رأسها ليقربها لراسها بحضنه محدثها بحنان ورفق:

" دون ان اقبل اعتذارك رغم أنك روحي وحياتي".


أخرجها من حضنه قليلا ليسألها باستنكار:

"وأيضا ما بكِ شبابي شبابي!. على أساس إنك تكبريني بعشر أعوام. ألسنا متقاربين بالأعمار اكبرك بعدة شهور أيضا. ما بكِ استكثرت السعادة عليّ".


خبأت رأسها بحضنه مجددا، أراد أن يضحكها قائلا:

 "ام إنك تفعلين ذلك لأجل حاجتك إلى مساعدتي. اان كان كذلك فاحب ان ابلغك انكِ اتيتي للباب الخطأ. لننم انا وانتِ ونبحث بالغد عن من يساعدنا".


اجابته بعيون دامعه:

"لا يمكنك البقاء للغد عائلتك ستصل الليلة".


رفع ذراعه ليضعه على الوسادة مستند براسه عليه ناظرا لوجهها القريب منه قائلا:

" اعلم صعوبة ما نحن به، ولكنها الحياة وخاصة ببداية الزواج سمعت من احد الشيوخ ينصحون الشباب بتحمل بعضهما ببداية حياتهم لأجل اختلاف الطباع والعادات والأفكار، اعجبني قوله بان لا احد من الطرفين سيتغير تغير جذري من اجل الاخر بمعنى انني لن اتخلى عن أفكاري ومعتقداتي لأجل ان افعل لكِ ما تريدين وان فعلتها مره لا يمكنني ان افعلها طوال حياتي وهكذا أنتِ، ولكننا سنتخطى كل ذلك بالتفاهم وتمرير كل منا للأخر اخطائه، حتى قال أحدهم انه احب أخطاء زوجته من كثرة إقناعه لنفسه انها لا تضر بل تصبح جميلة بتلقائيتها وعفويتها وكلما راها سعيدة يشعر هو بنجاح وانتصار، كما قالت امرأة كنت ارفض سلوكه ببعض المواقف كما كنت اغضب على طريقته في التعامل مع أهله وانفر كلما رفع صوته وأكثر من طلباته  ولكني مع مرور الوقت والمعاشرة وضعته موضع ابني وأصبحت اهتم به بحب كما انني أصبحت ابرر له اخطائه اغفر له بعضها واعطيه الحق بالبعض الاخر".


ابتسمت:   "متى استمعت لكل ذلك؟".


مسح على راسها متنعم بملمس شعرها وهو يجيبها:

 " الحياة الزوجية لا تخلو من الشجار والخلاف والخصام والصراخ والهدن التي لم تكتمل، مفعمة بالمسؤوليات والمتطلبات التي لا تنتهي، نداء ضوضاء بكل مكان ولكننا سنجتاز كل ذلك لنأتي بأخر الليل كي نتسامح وننام بجانب بعضنا البعض بهوء ولطف".


ضحكت بقولها:

 "بهدوء ولطف! بعد كل ما قولته! هل أنت متأكد".


أومأ برأسه مغمض عينيه لوهلة كإجابة مؤكده لما قاله، ضحكت أكثر قائلة:

 "ولكنه مرعب أود ان اهرب من الان. أم أنك فعلتها عنوةً كي أخاف وأهرب".


شاركها الضحك :

"كنت أرغب بتزين وتلوين الواقع ولكن هذا ما عهدنا عليه ابائنا واجدادنا".


رفعت اكتافها مجيبه باستسلام: 

"هذا يعني انه لا مفر منه، حسنا لنجرب حظنا لنرى هل سيكون مختلفا ام هادئ ولطيف كما تقول".

 

_"هل أخذت جوابي الآن".


ابتسمت بخجل:     "ألم تأخذه قبل ذلك".


قبل جبهتها وهو يستمع لصوتها مرة ثانية:

"رغم كنت اتمناه بشكل أخر ولكن ما دمت ترغب بهذا القدر لنفعلها".


تحمس بسؤاله:

"انتظري … ماذا كنتي تتمني".


_"لا تفكر .. لأنها أحلام من ضمن أحلام كثيرة نعلم بعدم حدوثها ومع ذلك لم نستطع التوقف عن رغبة الشعور بها ولو بالخيال".


تحرك للخلف قليلا متسائلا:

"كيف لا أفكر بها. جعلتيني انسى الأولى من شدة فضولي عن حلمك".


_"لنؤجلها في مرة أخرى، انت متعب وعليك أن تنام ولو لساعتين قبل الذهاب لاستقبال عائلتك".


رفض ان يمررها مُصر على معرفة حلمها  لتجيب عليه بخجل 

"لا اعرف من اين سأبدأ . يعني بأول مرة رأيتك بها".


قاطعها بقوله:    "لحظة اصطدامنا!؟".


رفعت رأسها  للأعلى متحدثة بعيونها قبل لسانها: 

"لا زلت مصر على سيناريو الأفلام، اقصد اول مرة انتبه لك بها كنت تجلس أمام غرفة العناية المركزة وانت تحتضن اختك. لم يكن حضن عاديا عابرا يعني لا اعرف كيف سأعبر عنه ولكني في كل مرة كنت اراك تحتضن تسنيم بها".


صمتت بخجل وعيون ملأت بالدموع مجددًا:

"كنت بوضع وحال سيء لدرجة أنني رغبت".


صمتت ليكمل هو:

 "تريدين مني ان أكون حنون وصبور معك مثلما أنا معها، حسنا لكِ ما تردين سأحاول بأكبر قدر ولكن ان حدث ما أخبرتك عنه فلا تحزني، فحياة المتزوجين مختلفة تماما عن حياة الاخوة وخاصة ان كان الوضع كوضع نيمو. كان بإمكاني ان اوعدك وأتعهد لكِ بتنفيذ ما تحلمين به ولكني اريد ان أكون صادق معك وأمين بحديثي، سنحاول المضي سويًا بطريق السعادة الزوجية والمودة والرحمة والسكن كلا منا يحنو على الاخر بالكلمة الطيبة نغفر لبعضنا أخطأنا ونعتاد على عيوبنا حتى يأتي يوم ونشعر فيه بالكمال رغم معرفتنا بالنواقص".


اومات براسها: 

"من الجميل سماع كل ما تقوله. حتى انني ارتحت كثيرا لأجله، كنت أخشى أن تتحدث بالأشعار والكلمات المزينة بالأحلام الصعبة والغير واقعية.  فرحة البدايات وحماس الشباب. ان كنا بوضع آخر كان من الممكن مجاراتك  وقول لنحاول حتى وان صُدمنا بالواقع مستقبلا. ولكن في وضع عملي ومسؤولياتي وعائلتي  بالوسط كان الأمر مختلفًا. لهذا معرفة  مستوى نضج وجدية افكارك اسعدني وطمئنني".


ابتسم تيم بفرح تحدث به:

 "هل افهم من كل ذلك أننا متفقان على كل شيء".


أومأت رأسها خجلا اخفضت به عينيها وهي تجيبه:

 "نعم اتفقنا على ان نترك حلمي لوقت اخر".


 ضغط عليها كي يعلم ما هو حلمها ولكنها تهربت منه بحجة خجلها،

كان يخشى من ان يقترب كي لا تصده ولكنه لا يعرف ان ما يخاف منه هو ذاته حلمها.


امتلأت عيونها بالدموع مجددًا ليخفض هو رأسه محاولا النظر لعيونها المخفضة:

 "هل تخافين من الحياة معي؟، لا تخافي اعدك انني سأضعك بعيني، كل ما أريده ان احظى بقلبك وروحك وعقلك قبل جسدك. اعتذر عن التعبير ولكني اردت ان أكون واضحا من البداية، لقد أحببت روحك وقلبك، هل تصدقين انه يهتز كلما رأيتك واقتربت منك". 


نظرت ليده التي وضعت على قلبه رافعه نظرها عينيه وهي تستمع لصوته:

 "لا اعرف ما الذي فعلتيه لي، احزنك واغضب منك وبنفس الوقت اترقب عودتي لرؤيتك وسماع صوتك".


فاجأته وقاطعت حديثه بكلماتها: 

"تمنيت لأكثر من مرة أن أشعر بما تشعر به تسنيم وهي بحضنك. اعلم انك بالنسبة لتسنيم اب وعائلة كاملة. هكذا اشعر عندما اراها بحضنك، وهكذا تمنيت …".


صمتت بثقل خجلها واستحيائها من طلبها وقولها ضمني بحضنك كلما تشاجرنا أو اختلفنا لا تقسو علي وان كنت حزين مني، اقترب وضمني بكل احوالي كي اشعر بالدفء والأمان والحنان ظلت صامته تحدثه داخلها، ليكمل هو من جديد 

"أعدك انني سأفعل كل شيء لأجل ان تشعري بالسعادة".


هربت دمعة من عيونها ساقطة على وجنتها:

 "أتمنى ان يأتي يوم و تخبئني داخـلـك أعني  بين جناحيك أيا كان خلافنا وغضبنا من بعضنا".


 ابتسمت بتوترها و ارتجاف جسدها من خجلها، قائلة:

 "اعتذر توترت يعني لا اعرف ماذا أقول ولكني.. يعني…  طلبتها لأجل أن تحميني من وحدتي وفراغ قلبي".


نظر لضغطها كفيها على بعضهما وخفض عيونها متفقد حالتها واختناقها متحدثا على حذر كبير:

 "هل تريدي ان ادخلك بحضني طوال الوقت؟، هل هذا ما تقصدينه في حوارك عن احتضاني لتسنيم؟".


اسرعت بتبريرها الخجل:

"لا. لم اقصد ذلك. يعني من غير المعقول ان يكون كل حلمي ان تحتضنني طوال الوقت".

 

لم تستطع اكمال دفاعها عن نفسها حين غلبها البكاء واغلق مخارج صوتها.


سحبها وضمها بحضنه:

 "وماذا افعل انا.. هل قصرت باحتضانك يوم، تمام الأيام الماضية مرت بشكل معاكس ولكنك …".


 تمسكت بحضنه منهمرة ببكائها وهي تطلب منه ان تبقى داخله دون العودة لوحدتها وغربتها المظلمة:

 "لا تتركني مرة أخرى وان طلبت منك ذلك، لا تبتعد عني وان كنت انا المخطئة".


 لم يستوعب طلبها منه بان يكون الأخ والأب و السند والعون لها، قائلة: 

"لا اريد حياة رومانسية ولا اريد رحلات وسهرات ولا هدايا ولا مفاجآت، اريدها بهذا القدر فقط، أعد لي طفولتي وحياتي ودنياي وموطني".


 بكت اكثر وهي تكمل: 

"اعد لي نفسي التي فقدتها من قسوة البشر عليّ".


حرك ذراعيه ليضمها اكثر بداخله مقبل رأسها ليخفيها ويخبئها حقا بداخله، فهذا ما جرى فعليا حين ارتقت المشاعر من احاسيس حضن حميمي بين قلبين محبين الى احتواء وجبر للجروح والكسور العميقة من يرى يدي تيّم على رأسها والأخرى على كتفيها يعلم جيدا ان حضنهما لا يشبه الاحضان المتعارف عليها بحياة المتحابين.


تحدث تيّم بصوت قلبه المرتجف من شدة حنانه ورحمته وحبه وجبره لقلبها: 

"تظنين أنكِ ترغبين به وحدك. وليشهد ربي انه اقصى ملاذي واحلامي ودعائي لربي".


التقط نفسا هادئا اراح به صدره المحب، قائلا:

"هذا ما كنت أشعر به كلما اقتربت منك. نعم كنت اشعر بانني اكتملت وتعديت آلامي وجروحي بمجرد رؤيتي لكِ بل وحديثي معك. لا اعرف ما سأقوله بعد ان فقد قلبي زمام السيطرة على نبضه الجميل واصبح يتسابق معي ليعيق حديثي. أنا لا أصدق إنك. إنك كنتي ترغبين بما كنت أرغب به".

 

قبل رأسها مجددا مدخلها بحضنه أكثر واكثر:

 "ابقي هكذا دائما، رجاءً ابقي هنا دائما".


صمتا وهما على هذا الوضع عدة دقائق تأثر انسجامها معه،  اغمضت عينها لتنام بوجهها المبتسم.


( لأول مرة في رواياتي اشعر بهذا الحضن المختلف باختلاف ما مروا به أبطالنا. فبالماضي كان يأتينا الاحتواء والعوض بعد •الظلم •والحزن •ولكن هذه المرة أتى بعد خذلان و وحدة وفراغ كبير. شعور صعب ان تمتلك كل شيء من نجاح وتميز وتألق بيدك دون ان يشعر قلبك بامتلاكه، ان تكون وحدك بينما العالم كله بجانبك. ان تشعر بفراغ قلبك وبجانبك من يتمنوا ان تنظر لهم. من الصعب ان تكون بمكانه يتمناها الجميع إلا انت او بمعنى اخر وانت لا تتذوق لذة ما أنت به. الجميع ينظر لنجاحك وقوتك وتميزك بعيون حاسدة مغبطه تتمنى لو أنها كانت بمكانك ولو علموا ما تشعر به من فراغ وضياع وكسر وضعف وانهيار ما كانوا اقتربوا منك ولو بالاحلام حتى. 

نعم كان حضنهما مختلفا باختلاف مرارة الخذلان والوحدة والفقدان الذي مرت به.  لذلك جاء بهذه المشاعر التي فاضت عينيها بها وتراقص قلبها على انغام قلبه النابض. اعظم ما قاله بطلنا بهذه الليلة أنه ليس بحاجة لجسد يحبه ويفعل الكثير لأجل كسب رضاه. ولكنه يريد قلب بمثابة عالم خاص به يهنئ ويهدئ ويسكن بجواره يتحمل غضبه وجنونه في سبيل لمس انسانيته ومبادئه التي لا تتغير بتغير الزمان، انه الاحتواء بكل ما تعنيه المشاعر والكلمات أنه فيض الكؤوس على بعضها البعض لتملأ كل منها ما ينقص الآخر، انه الحب يا سادة باسمى وارقى معانيه، الزواج  ما هو الا احتواء وحب  وحنان وعطف يتلخصا بكلمتان مودة ورحمة الأولى الاحتواء والحب والثانية الحنان والعطف, وبين الأولى والثانية   بحور من الاشعار لا تنتهي بنهاية الكلام)


قاطع صوته حالة الصمت والسكون:

 "لا يمكنني الذهاب لأي مكان بدونك. اياك ان تبتعدي عن منزلنا مرة أخرى نتشاجر ونتخاصم بمنزلنا لا احد يعلم عنا شيء حتى من يعيشون معنا بنفس المنزل".


هربت من عينيه المعاتبة عليها قائلة:  

 "لم اتي هنا لأجل خصامنا اردت ان اخذ بعض الأغراض واصفي الباقية لأجل اعادته للمالك، فأنا لم اعد بحاجه له".


نظر لعينيها مجيبا عليها:

 "ما بكِ هل اقسمتي على فقدي لعقلي، كيف يمكنك ان تحدثي قلبي قبل عقلي، وكأن الكلام يدخل الى هنا أولا".


خجلت من يده التي تشير لقلبه وصوته:

 "اخبريني قبل كل ذلك من اين اتيتي بهذا الفستان الجميل".


خجلت اكثر حين اجابته: 

"انا الجميلة وليس هو".



كانت هذه الكلمات الأخيرة التي سُمعت بالغرفة قبل ان يغرقا العروسين في بحور الشوق المنعم بالحب والحنان والعطف والرحمة.


……


خياص كفاية عليكم كده  دمعت عيوني من جمال حبهم وجبرهم وكأني أرى فضل الدعاء والتقرب من الله وهو يغدق عليهم بالنعم ، فلا يوجد اجمل من  لذة الشعور برضا الرحمن على عباده الصالحين المخلصين.



author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  • غير معرف3 أكتوبر 2024 في 5:42 م

    روع تسلم ايدك يا لولو مبدعه

    حذف التعليق
    • غير معرف4 أكتوبر 2024 في 11:32 ص

      تسلم ايدك يا لولو الفصل اكتر من رائع

      حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent