recent
جديدنا

احكي يا شهرزاد الفصل التاسع عشر

 احكي يا شهرزاد 

بقلم أمل محمد الكاشف 




كُشفت الحقائق لتصبح ملئ السمع ومد البصر تراجع للخلف عائدا لغرفته فور إنهاء أمه مكالمتها الهاتفية وتحركها من مكانها ،  وقف في منتصف الغرفة واضعا يده بمنتصف خصره والاخرى على جبهته محدثًا نفسه:

 " هل رُفضت لأجل سماعها حديث أمي ".


ابتسم وجهه وهو يكمل لنفسه: 

" لم ترفضني لشخصي كان بسبب أمي".


تحرك شريف وجلس على الفراش دون أن يلاحظ جلوسه على هاتفه مال جانبًا كي يسحبه من أسفله ناظرًا له بشرود عقل يتذكر حديثهم الأخير.


فتح الهاتف ليقرأ آخر ما كتبته بعتاب ولوم للنفس على ما اقترفه قائلا:  "  أين كان عقلي؟".

 

وقف من جديد ليدور بغرفته معاتبًا على أمه 

  " لما فعلتي بنا هذا، لماذا لم تخبريني بما حدث، على الأقل كنت سأتدخل وأحل الأمر".

 

اغمض عينه وهو يتذكر رؤيته لها وهي تتحدث مع امه بحده.


 وأثناء شروده وضيقه لاحظ  باب غرفته يُفتح على مهل وحذر لينظر نحو أمه التي أتت بهدوء كي تطمئن عليه بنومه متحدثة باستغراب:

" بني ما الذي يوقظك حتى الآن ألم تقل لي انك متعب وستنام باكرا اليوم؟".


ظل ينظر لها محاولًا أن يجد ما يرد به عليها، أراد أن يعاتبها ويلومها على  ما فعلته واخفته عنه بل وما تعذب به على مدار ما يقرب الستة أشهر  ولكنه اكتفى بلغة العيون التي قسمت فؤاد أمه وزادت من حزنها عليه.


تحججت هاربة من نظراته الصامته الشاكية ذاهبة لنومها الذي تأخر كما قالت له قبل خروجها واغلاقها الباب خلفها .


مرت ثلاث ليالي تخبط شريف داخليا يريد أن يذهب ليتحدث معها وقبل تنفيذه يعود لخيار تحدثه مع أمه وسماعه منها ما حدث بالتفصيل.


حاول اختيار الوقت المناسب لفتح الموضوع معها،  ذهب لمتجرها مرتين دون أن يلقي ما بقلبه وتلجم به لسانه خائفًا من مواجهتها وكسرها وعدم تحمله ما ستقوله.


آلمه رأسه وضاق صدره من كثرة التفكير والتخبط ليقرر أن يكتب لها كي يقلل من حدة المواجهة وغضبها أو مصارحتها والافصاح عن ما يخاف سماعه من أمه.


لم يستطع فعل أي خطوة حقيقية لتمر الأيام الثلاث بصمت  زاد من احتقان المشهد حين وفت شهرزاد بوعدها لدرجة أذهلته فلولا رؤيته لها خارج محيط الجامعة بعد انتهاء الدوام ما كان سيصدق قدومها للجامعة خلال تلك الأيام.


بهذه اللحظة أراد قلبه أن يقف أمامها ليلقي عليها السلام ولكنه تفاجأ بشاب يناديها من الخلف مقتربا منها ليتحدث معها بوجهه المبتسم. 


تحرك ببطئ ووقف جانبًا يمثل ألتهائه بهاتفه كي يُشبع عينه منها منتظرًا انتهاء حديثهم الذي طال لعدة دقائق دون انقطاع، حاول فهم ما يقولانه دون أن ينجح بهذا.


 أرجع رأسه للخلف مستنكرًا اعطاءها  احد دفاترها لهذا الشاب الذي كان يظهر على وجهه السعادة والامتنان.


لينتهي حديثهم بابتعادها السريع دون أن تلاحظ وجوده تحرك خلفها ولكنه لم يستطع اللحاق بها حين صعدت أتوبيس النقل العام الذي أتاها بالمعاد المناسب.


تحرك شريف وذهب اتجاه سيارته صعدها ليقودها بقلبه المهموم، أخذته لصديقه وكأنها تحفظ مكان إلقاء الهموم والأحزان، لم يتفاجأ سيف بمجيء ابن عمته الذي كان يعده على مدار اليومين الماضيين بالقدوم دون أن يوفي بوعده .


جلس شريف بعد أن تبادل السلام قائلا: 

" اطلب لي قهوة بحجم كبير".


_ " تمام التقط نفسك أولا ومن ثم نطلبها لك بعد ان نتناول مع بعضنا سندوتشات برجر لم تذق مثلها لا من قبل ولا من بعد".


_ " لست جائعا القهوة تكفيني". 


فتح سيف هاتفه وطلب الطعام له ولصديقه، انهى هاتفه موجهًا حديثه لابن عمته:

" عليك أن تأكل جيدًا كي يتحمل قلبك جلساتنا يا صديق".


رد شريف بإبتسامة حزينة تحدث بها:

" والله إن استمع شخص لإحدى جلساتنا سيفرُ هاربا منا".


ضحك سيف بجوابه:

" وكأننا كبرنا سنوات عديدة بمجرد الحب والخطوبة ماذا حدث لنا هل سقطنا أسفل مخرطة الحياة ".


_ " أنت تتذمر دائما دون وجه حق الفتاة تريد أن تتباهى بك أمام عائلتها واصدقائها وأنت تتمنع وتتدلل عليها". 


اومأ سيف رأسه بضيق قائلا 

" نعم لتتباهى حتى نرى ما سيأتينا خلف تباهيها هذا".


وبدون مقدمات جاءهم صوت من جانب الباب:

" أستاذ شريف! ما هذه المفاجأة اشتقنا لرؤيتك، وانا من كان يتساءل أين أختفت سندريلا خاصتي".


تضايق سيف مما قالته ليرد عليها قاطعًا حديثها بنبرة قوية:

 " ماذا قلنا نحن هل أنتِ مصرة على اغضابي". 


ردت ريم رافضة نبرة صوته وتحدثه معها بهذه الطريقة أمام ابن عمته قائلة:

" هل أصبح كلامي ثقيل عليك، جئت لأرى سبب اختفائك وانشغالك طوال اليوم لتقابلني أنت بهذه الطريقة". 


تحدث شريف كي يقلل من حدة  حديثهم قائلا: 

 " خير يا شباب استهدوا بالله. اخفضوا أصواتكم وتحدثوا بهدوء ماذا جرى لهذا كله".


ثم نظر لريم بصفة خاصة مكملا: 

" ما كان عليكِ نعته بسندريلا ، اخبرك بهذا لعدة مرات ولكنكِ مصرة على احراجه".

 

نظرت ريم نحو سيف قائلة:

 " هل اشتكيت له ؟".

 

تفاجأ شريف ناظرًا لابن خاله الذي كان ينظر له مستدركا الموقف مدافعًا عن حديثه قائلا:

"  لم يشتكي أحدًا لي. ولكنكِ ناديته بها أكثر من مرة امامي وبكل مرة كان يحدث نفس الأزمة".

 

نظرت ريم لخطيبها بضيق قائلة: 

" تمام فهمت اعتذر منكم،  جئت لأقول لك لا تقلق علي إن لم أجب على اتصالاتك سأذهب لعيد ميلاد صديقتي أماني وهاتفي أوشك على نفاذ الشحن".

 

رد سيف بتساؤل مستفسرًا:

" ألم تذهبي بالأمس القريب لعيد ميلادها".

 

 اجابته ريم بضيق:

" كانت أماني علي واليوم عيد ميلاد أماني محمد إن لم تصدقني تستطيع أن تأتي معي بنفسك".


 _ " لم أقصد ما فهمتيه تمام  اتمنى لكِ سهرة سعيدة".


تحركت ريم لتخرج بعد ان ودعت شريف ومن بعده خطيبها بجفاء، نظر شريف لمن ظهر ضيقه على وجهه قائلا: 

" لماذا ليس لدي علم بكل هذا".

 

 رد سيف بصوت مهموم: " علم بماذا؟".


_ " جئت لأشتكي لك همي وجدتك غارقًا في هم أكبر مني، تفضل يا صديق لقد ربحت الأولوية افضي ما بقلبك". 


رفض سيف قائلا: 

 " لا لن افضي و لن أحزن، ما هذا أقدمنا على خطوة جريئة ظننا أننا سنكون سعيدين بها على الأقل أول عدة شهور لم أقل سنوات ولكن انظر الفتاة لا تتحمل لي كلمة واحدة دائما ترد بالضد وتقدم على إلقاء اللوم عليّ، هل من الطبيعي أن أقبل مناداتها لي سندريلا! وايضا امام العالم والناس!،  أدور حولها دون معارضة وإن فعلت عكس هذا تنقلب الموازين وترى الوجه الذي رأيته قبل قليل".


ابتسم شريف بحزن تحدث به:

 " انظر لحالتنا هل هو ذنب نكفر عنه د؟".


_" لا تجمعني معك أنا لا أكفر عن ذنب أحد ولا أسمح لغيري أن يتمادى يكفي ما نراه بالحياة اليومية لا استطيع تحمل عبء فوق عبئي ".


اسرع شريف برده:

" و لكنك وعدتني أن تكون اكثر تفهما، اعطها اكثر من فرصة كي لا تظلمها".


قطع سيف النقاش بضيق صدره الذي تملكه:

" اتركك مني وقل لي ما بك هل لا يزال وجودها أمامك يضيق صدرك ويقلب خططك وموازينك". 


تنهد شريف بضيقه قائلا:

" ياليته استمر هكذا كي لا اشعر بما اشعره ببعدها عني وحرصها على عدم الظهور أمامي".


رد سيف سيف بوجه غير راضي:

 " اختنقت منك حتى أقول لك إن اقدمت على الانتحار لا تلوموني".


صمت سيف دقائق مكملا بعدها:

" لاقدر الله ماذا أقول أنا فلتذهب سندريلا بدلا عني". 


ابتسم شريف بحزن أكمل حديثه بعدها:

 " ظلمتها وكسرتها دون وجه حق أشعر بعذاب ضمير كبير، أنا حقا لا استحقها، أغضب لابتعادها عني وفي نفس الوقت اصارح نفسي انه الخيار الأصح لها فلا ذنب لها أن تربط حياتها بشخص مثلي". 


تحدث سيف بضحكة ساخرة:

 " نفسي ومثلي! والله يا صديقي اصبحت بحاجة ملحة لطبيب نفسي ولا تقلق سآتي معك لأتلقى عدة جلسات أنسى بهم أنا أيضا ما مررت به".


افضى شريف ما يضيق صدره به قائلا بعيون  مخفضة:

 " أمي السبب في رفضها لي بيوم المنتدى بعد أن علمت رأي أمي بها، لا أعرف تفاصيل كثيرة ولكن الاكيد انه تم رفضي بناء على ذلك الرأي الذي نعلم جميعا حدته".

 

استقام سيف بجلسته متحدثًا بجدية قائلا:

 " لا تهذي وتعطيها الحق على حساب عمتي".

 

_ " لقد سمعتها وهي تتحدث مع والدتك، أمي من قال هذا الكلام ولستُ أنا".


سأله سيف باستغراب:

" هل تحدثت عمتي للفتاة وطلبت منها ان ترفضك؟، لا أنا لا أصدق ان عمتي فعلت شيئا كهذا!".

وضح شريف حديثه:

 " ركز معي واستمع لما أقوله، لم تذهب لها ولكنه حدث عن طريق الصدفة سمعت كلامها ومع والدتك ألم تفهم كل هذا".


_" وهل بقي لسندريلا عقل يفهم به".


ضحك شريف على تلقائية ابن خاله، ليكمل سيف كلامه قائلا:

" أخاف أن أنسى إسمي من كثرة سماعي لهذا اللقب".


_ " انت محق لكل علاقة حدود أيًا كان ما بينكم من عشم فلا يحق لها مناداتك بهذا الاسم ، ان قالتها  بعد الزواج وبشكل سري مرضي عنه كان من الممكن قبوله ، رغم إني كلما أحاول التعاطف معها أرفض الفكرة تماما فماذا تنتظر من أبناء أمهم تنادي على والدهم سندريلا". 


ضحك سيف قائلا:

 " ليسوا أولاد بل سيكونوا الأقزام السبعة".


رد شريف بسخرية صوته الذي أصبح يشبه النساء

" ما بكِ يا ابنة خالي هل اشتقتي لتغيير كنيتك من سندريلا لسنووايت".


قاطعه سيف بمزاح قائلا:

 " والله ستجعلني أرمي عليها يمين الطلاق واريحك". 


مازحه شريف بجوابه:

 " نعم طلقها وتخلص منها هي وأولادها".

 

ضحك سيف ليتحدث بعدها بنبرة عالية باكية: 

 " وكيف سأعيش بدون أولادي ألم يبقى بقلبك رحمة ؟".


_ " أي أولاد يا سيف ؟، هل أنت متزوج ولديك أولاد ، هل تخدعني؟".


نظرا سويًا نحو مصدر الصوت ليجدوا ريم قد عادت ، صمتا بضع ثواني  ليبدأ بعدها ضحكهم الهستيري.


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


أصبحت توته أسوأ حالا تتقيأ بشكل مستمر ولا تتحرك من ألم ظهرها الشديد، تحير مدحت بها فهي لا تريد الذهاب للطبيب قائلة:

 " لا يوجد شيء يستدعي القلق بالعكس طبيعي ما أنا به فلنتحمل". 


أكدت فهمية على حديثها فلا داعي للطبيب مدام الحمل مستقر، اقتربت ميادة وبيدها الأعشاب لتتحدث فهمية من جديد: 

" اجلسي  يا بنتي واشربيها لتهدئ ألمك، كان الله بعونك كله بثوابه يزداد ألمهم ليزداد تحملنا وصبرنا وحبنا لهم في قلوبنا لذلك غلاوة وقدر الولد تُزرع بالقلب ولا يستطيع أحد الوصول إليها أو التزايد عليها مهما فعل".

 

 جلست توته لتأخذ من اخت مدحت الأعشاب وبدأت بشربها شيئا فشيئا، نظرت فهمية لابنها وسألته:

  "ألم يكن لديك موعد مع بدري تأخرت بالخروج؟".


رد مدحت على أمه قائلا: 

" لا لم يعد الموعد موجودًا ".


تساءلت فهمية بفضول:

 " خير ماذا حدث هل غير البدري رأيه أم الفتاة سقطت على رأسها ورفضته". 


جلس على الفراش بجانب زوجته وهو يرد على أمه قائلا:

" لا هذا و لا ذاك الناس حدث لديهم حالة وفاة اعتقد عم الفتاة او خالها لم أركز بالحديث لان توته كانت تتألم بوقتها".

 

ردت اخته لتقول:

" لا ليس خالها بل اخوها الاتوبيس انقلب بطريق عودتهم من عملهم توفي أخوها وشخص آخر".

 

ردت فهمية بحزن:

" إنا  لله وإنا إليه راجعون، ليصبر الله قلوبهم كثرت حوادث الطرق بشكل مخيف". 


تحدثت اخت مدحت من جديد لتقول:

" نعم لأجل هذا لا أحب الخروج ولا السفر".

 


نظر لأخته منتظر صمتها ليسألها:

" اجيبيني  يا ميادة من أين لكِ معرفة هذا كله أتذكر جيدا حين كنت أتحدث لم يكن بجانبي سوى توته كيف دخلتي داخل هاتفي وسمعتي ما نسيته أنا!".


ردت مدافعة عن نفسها:

 " وهل الموت سر؟!، على الجميع معرفة هذا ليترحم على الفقيد ولأجل الترحم أخبرتني ناهدة وعلمت ايضا انكم ألغيتم الموعد".


اومأ رأسه عدة مرات متتالية وهو يقول بشفاه ممدودة:

" لأجل الترحم والله انتم من تحتاجون للترحم وليس هو، حرام ما تفعلوه هل تتنصتون علينا واحده بمنزلنا والأخرى بالسرايا".


ردت فهمية على ابنها بدون رضا:

 " لا تقل هذا على اخواتك من المؤكد أن ناهدة سمعت عن طريق الصدفة".


لم يقتنع مدحت بما قيل، رد  ساخرًا:

" نعم واي صدفة سبحان الله بكل مرة يكون نصيبها نصيب الأسد". 


" لن ارد عليك". 

قالتها أمه و وقفت بعدها وهي تنظر الى زوجته تسألها:  " هل هدأ ألم معدتك؟".


ردت توته بصوتها المجهد المنهك قائلة:

 " صدقتي  يا أمي الأعشاب هدأت منها كثيرا".

 

_ " الحمد لله ليتم الله عليكِ نعمته ويمرر وحمك على خير وسلام". 


تحدث مدحت لأمه متسائلا:

" إلى أين لا زال الوقت مبكرًا على النوم".


_" لا لن أنام سأذهب للمطبخ لارتبه انا و اختك".


تحدث مدحت بضيق:

" كان من المفترض أن تأتي ابنة ناجي لتساعدكم من اليوم وكل يوم ولكنه أخبرني أنها ستبدأ بعد يومين لتنهي جمع محصول القطن مع امها".

 

 _" لا عليك يا بني الله يعطينا من القوة والصحة لنقوم بعملنا دون انتظار أحد يأتي ليساعدنا".

 

وبخجل ردت توته قائلة:

" يا ليتني أستطيع  مساعدتكم اخاف ان اقول لكم اتركوه لي ولا أفي بعمله".



ردت على زوجة أبنها فهمية باستنكار:

 "هل فقدت عقلي ان اترك لكِ عملا وأنتِ بهذه الحالة أليس لدي بنات وما أظلمك به سيظلمون هم به".


_" سلمتي يا أمي ليبعد الله عنهما الظلم ، شكرا لكِ ان شاء الله اتحسن قريبا واستطيع أن اخفف عنكم ولو بقليل". 


طمئنتها وهي تذكرها قائلة:

" لا تقلقي بعد شهرين على الأكثر ستعودين لنشاطك الظاهر ان حملك شديد ومختلف هذه المرة".


قاطعها ابنها وهو يقول بفرح:

" أامل أن يكون مختلفا وتأتي فتاة هذه المرة".


ضحكت ميادة قائلة:

 " لا تتأمل كي لا تحزن ككل مرة".


ردت فهمية على ابنتها بغضب:

" اصمتي يا ميادة والحقي بي على المطبخ ، ان شاء الله سيرزقه بفتاة ويرضي خاطره".


_ " أمين يارب العالمين ، اتمنى أن تكون فتاة هذه المرة".


أجابت فهمية زوجة ابنها:

" استبشروا خير تجدوه، هيا أخذنا الحديث والتهيت سأذهب أنا وأنتِ نامي وارتاحي ولا تجهدي  نفسك بمحاولات القيء تحملي قليلا ليذهب بشكل كامل". 


اومأت توته رأسها واستلقت على فراشها فور خروج فهمية من الغرفة.


نظر مدحت لها متسائلا:

" ماذا ستفعلين هل صدقتي إني سأترككِ لتنامي"

قالها وهو يقترب منها ليحتضنها من خصرها،

ردت عليه بسرعة قائلة: 

" اترك، اترك، ابتعد ولا تضغط على بطني لا طاقة لدي اليوم، أذهب وانظر للأولاد أين مختفيين كل هذا".


و بوجه رسم عليه اشتياقه لمحبوبته اقترب منها ليقبلها قائلا بحب:

 " ليس بعد ان اشبع من روحي". 


ابعدته عنها محبطة محاولة تقبيله لها متحججة بقولها:

" ليس الآن ، معدتي تؤلمني سامحك الله ألم أقل لك لا تقترب مني".


_" اشتقت لزوجتي هل ستأكلين حقي من أول يوم لا زلتي بأول شهورك ماذا ستفعلين بي عندما يكبر بطنك و تبدئين بعصبيتك المفرطة". 


تحركت توته وهي تضع يدها على فمها محاولة لتمنع تقيئها قبل وصولها للحمام.


تحدث مدحت من خلفها قائلا لنفسه:

" من الواضح أن الشهور العجاف بدأت  وليس بيدنا سوى الصبر".


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬● 


عاد شريف لمنزله وعقله يفكر برغبته الكبيرة في التحدث مع أمه لمعرفة تفاصيل اكثر عن ما جرى بذلك اليوم وما الذي سمعته شهرزاد وهل تواجها أم لا.


تذكر نصائح سيف له و ممانعته من التحدث وفتح دفاتر أغلقت ولا يجدي نفعًا فتحها، فالفتاة لا يمكنها نسيان ما قيل ولا الأم ستلين بسهولة ليخرج   خاسرًا بالاخير.


دار بغرفته وهو يفكر ويفكر حتى قضى عقله عليه ليخرج من الغرفة محدثًا سيف داخل نفسه تعقيبا على حديثهم قائلا:

 " سأذهب للتحدث معها لم يصبح ماضيا، لا أريد نسيانه و البدأ من جديد".


وقبل أن يصل لغرفة والديه وجد أمه تسرع نحوه قائلة بذعر:

 " علينا أن نطلب الإسعاف بسرعة والدك ليس بخير بسرعة بسرعة".


اسرع شريف نحو غرفة ابيه ليجده يعتصر من ألمه الذي أوقد النار بوجهه ليصبح احمر كلهيبها. 


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


بينما قضت شهرزاد ليلتها وهي غارقة في كتابة قصتها الجديدة في أحلامها الجميلة.


كان شريف قد قضى ليلته بالمشفى ينتظر التحاليل الأولية لأبيه الذي أخبرهم الطبيب أنه تعرض لمغص كلوي قوي.


مر اليوم على هذا النحو هو بالمشفى بجانب عائلته وهي في الجامعة تحاول ان تتهرب وتبتعد عن أي طريق قد تتقاطع خطواتهم به، ظنت أنها نجحت من جديد فكان كل يوم يمر دون رؤيتها له تؤكد لنفسها به انها قوية ولا يستطيع أحد كسرها.


عاد أمين لمنزله بعد ان استقرت حالته نسبيًا مع أول جرعات العلاج الذي عليه إكماله للقيام بعدة تحاليل أخرى تجعلهم يقررون هل يحتاج لعملية إذابة حصوات من الكلى اليمنى أم الموضوع سيُحل بالعلاج المكثف.


خرج بالجامعة نبأ رحلة للقلعة ومجمع الأديان  مدتها يوم واحد، اعترض الطلاب رافضين لها   مطالبين برحلة إلى معسكر مرسى مطروح التي كانت تقوم الجامعة بها كل سنة على التوالي وكما طلب آخرون رحلة للأقصر وأسوان.


 رفضت الجامعة اعتراضهم وطلبهم متحججة بالوضع الصحي الحالي وفاجئوهم بتقسيم المشتركين في الرحلة إلى ثلاث فرق بأعداد قليلة على أن تذهب كل فرقة بيوم مختلف عن الآخر، ومع ازدياد المعارضة حاولوا تغيير قبلة الرحلة لتكون أكثر متعة لهم.


وعلى خلاف عادتها واعتراضها على الرحلات تحمست شهرزاد للأشتراك بالرحلة، فرحت أمال لأجلها اتصلت توته بعد ان سمعت من أمها الخبر قائلة:

 " فرحت كثيرًا لاجل متعتك، أتصدقين حتى ميتو فرح وأخبرني لولا حملي كان أخذنا نحن أيضا إلى هناك".


ردت شهرزاد بشوق:

" ياريت يا توته إشتقت لرؤيتك أنتِ والأولاد".

 

_ " وأنا أيضا اشتقت لكم ولكن ألم معدتي قضى عليّ وانهى طاقتي". 


ردت شهرزاد بحزن على حالة أختها:

" ليهونها الله عليكِ يا روحي، لا تحزني من المحتمل أن نأتي نحن إليكم بآخر الاسبوع لنراكِ ونطمئن عليكِ ونأكل الأولاد على رأي أبي". 

 

_" فرحوا الأولاد منذ أن أخبرتهم ماما بقدومها لهم، حتى أمي فهمية فرحت  و بدأت بالتفكير في كيفية ضيافتكم على أكمل وجه".


 ردت شهرزاد على أختها بفرح:

" لا تجعليها تجهد نفسها لأجلنا ، سأكتفي  بالبط وفطيرتين مشلتت بالزبدة البلدي وصينيتين رقاق باللحمة ".


ضحكت توته وهي تستفسر منها عن سر طلبها للرقاق بشكل ثنائي، لتضحك شهرزاد قائلة:

" أنا واحدة وأنتم جميعكم بالأخرى". 


_ " ألمتي بطني من الضحك يا شوشو  سامحك الله ".


ردت شهرزاد بحب وشوق:

" اضحكي من يمنعك هل الضحك حرام".


اخذت توته نفسا عميقا تحدثت بعده بشيء من الجدية قائلة:   " اخبريني هل جهزتي للرحلة". 


صدمتها اختها بجوابها حين قالت:

 " نعم جهزت بعض الشيء، اشتريت لانشون دجاج هندي كنت سأنهيه من جمال رائحته واشتريت جبنة رومي قديمة ومربى فراولة النوع الخاص بي وطبعا بعض الكيك والشوكلاتة،  قالت أمي إنها جهزت لي علبة ورق عنب و نصف كيلو دجاج بانيه مقلي كريسبي ولكني ترددت بالدجاج وأنا أفكر من سينهي كل هذا".


ردت توتة بغضب:

 " لو انهيت المكالمة بوجهك الآن سأكون محقة ما بكِ إلى أين ستذهبين لرحلة أم لمسابقة الاكل؟".

 

 _" أنا أيضا استكثرت كل هذا".


تحدثت توته بصوت كاد ان يبكي:

 " شهرزاد أنا إمرأة حامل والعصبية مضرة عليها  فلا تجعليني أجن ، اقول لكِ كيف تجهزتي تخبريني عن الأطعمة هل سترتدين الأطعمة وأنتِ ذاهبة للرحلة".

 

ردت شهرزاد باستنكار ودفاع قوي عن نفسها:

 " ليس لهذه الدرجة هل ستقايضيني بالملابس من المؤكد أنني سأختار الأكثر راحة يساعدني على الحركة".


ردت توته عليها بحدة:

" نقطة ومن أول السطر، أنتِ تحضرين للماجستير يعني لستِ بعامك الأول تركضين وتلعبين  كباقي الطلاب ، سترتدين أفضل طقم لديكِ وطبعا لا يوجد أجمل من الطقم الرصاصي في ابيض". 


ردت شهرزاد قائلة:

  " لا خسارة أخاف أن يتقطع من الألعاب والله إن حدث سأبكي عليه العمر كله د".


و بقوة أكبر ردت اختها عليها:

" يُقطع؟ على ماذا تنوين، إياكِ والركض واللعب لا اريد فضائح، عليكِ أن تركزي وتتحركي بهدوء اركبي الالعاب ولكن دون ركض وصراخ، ولا تأكلي امام أحد وتنسين نفسك ستكونين وسط زملائك و أساتذتك لا نريد فضائح". 


ردت شهرزاد بغضب:

 "غيرت رأي لن أذهب لأي مكان كي يرتاح قلبك". 


_" نعم ارتاح قلبي. لا تذهبي بدوننا انتظري لالد ومن ثم نذهب جميعنا وحينها سأتركك تركضين وتلعبين وتأكلين كيفما شئتي".


أعتذر شريف عن الذهاب كمشرف رحلات هذه السنة وتحجج بمرض أبيه وأنه بحاجة لإجازة يومين وهذا ما ضبط أموره عليه، ليتفاجأ باجباره على الذهاب بعد تغيب عدة أساتذة لأسباب قوية خارجة عن إرادتهم.


كما تفاجأ الطلاب باقترابه من حافلات الرحلة ليصعد معهم علا صوتهم فرحًا بذهابه  فهو كالمعتاد قريب ومحبوب من طلابه.


نظرت نحوهم وهي بداخل الحافلة الأولى قائلة في نفسها:

 " ما هذا الحظ! هل أصبح عليّ أن اتخفى برحلتي أيضا، ألم يكفيني خطط هروبي اليومية حتى يأتي ويخرب متعة سفري،  منك لله يا توته نظرتي لي برحلتي اليتيمة ابتدينا المعركة على بركة الله، يا ترى كيف ستكون نبرة غضبه هذه المرة".


ظلت تنظر نحوه من خلف نظارتها الشمسية دون أن ينتبه لها فكان آخر توقعه أن تكون محبوبته من ضمن المشتركين.


 تحرك نحو الحافلة الخلفية بجانب طلاب الفرقة الرابعة ليصعد معهم الحافلة، ومن ثم تحرك الجميع وصعدوا بأماكنهم التي من المفترض أن يكون كل طالب يجلس وحده دون أحد بجانبه حرصا على التباعد الذي انهار أمام  الازدحام الذي نتج جراء مصاحبة الأساتذة لعائلاتهم.


تحركت شهرزاد وتنازلت عن مكانها لزميلها برسالة الدكتوراة ليكون أكثر راحة مع عائلته وذهبت لآخر الحافلة لتجلس على  أحد المقاعد الخلفية التي تقع أعلى محرك الوقود، عملت فور تدوير الحافلة الذي أفزعها سبب امتناع الطلاب بالجلوس عليه.


وقبل ان تنطلق الحافلة في طريقها سمعت شهرزاد صوت أحد الأساتذة وهو يقول:

" هكذا افضل فهو شخص واحد بدون عائلته".

 

صعد شريف الحافلة مجيبًا:

 " ما هذا والله إن علمت منظمة الصحة  بوضعنا ستجازينا ".


اخفضت رأسها واضعه كف يدها على جبهتها كي تخفي نفسها عن عيونه وخاصة انه كان يتحدث مع زميله بالقرب منها آخر الحافلة.

 

نظر شريف حوله باحثًا عن مقاعد فارغة قائلا لزميله:

 " اجلس أنت بمكانك وأنا سأجلس هناك".


وأشار للخلف، رفض زميله قائلا:

 " لا بل اجلس أنت بمكاني وأنا سأجلس بالخلف،  أتيت بمفردك وجميعنا استولينا على الأماكن بصراحه لم استطع رفض طلب الأولاد بمرافقتي والذهاب بمفردي وحين علمت بأمر قدوم باقي الاساتذة بعوائلهم قلت لنفسي فليأتوا هم أيضا". 


رد شريف عليه برضى:

 " لا عليك فليتمتعوا بيومهم بارك الله لك بهم". 


وتحرك ليجلس بالخلف على الجهة الشمال في المكان الوحيد الفارغ قائلا بصوت مسموع دون الالتفات لمن كانت تجلس ناظرة للنافذة قائلا:

 " لا بديل سواه، هل تسمحين لي أن اشارككِ متعتك بصوت المحرك؟، فكما ترين ليس لدينا خيار سواه  فتحمله أهون بكثير  من الوقوف كل هذه المسافة". 


بقيت صامتة ثابتة دون أي ردة فعل، لم يهتم لوضعها وصمتها لأنه لم يركز بها كانت نظرة عابرة ألقها عليها عند جلوسه، نظر أمامه ليتفقد وضع الجميع بجلسته بوجه ابتسم تلقائيا حين سمع رنين موسيقى احكي يا شهرزاد يخرج من هاتف قريب منه.


 تعجب من ثبات الفتاة وعدم ردها الذي لم يطل حين فتحت حقيبتها واخرجته منها لترد قائلة: 

 " تحركنا قبل دقائق لا تقلقي سأتصل بكِ عند وصولي ".


ازدادت فرحته وابتسامته حتى ظهرت جميع نواجذه، لم ينظر نحوها من شدة سعادته وابتهاجه،  فقط يستمتع بصوتها وقربها بفرحة جعلته يحلق بالسماء العاليه فهل جمعهم القدر من جديد ليسطر لحظات سعيدة أم جمعهم ليزيد من فراقهم وتصادمهم.


لم يصدق شريف ما قاده قدره له تحرك على مقعده عدة مرات عبرت عن شدة فرحه جوارحه التي أصبحت تتطاير دون أحكام.



أغلقت شهرزاد هاتفها لتضعه بعدها في حقيبتها وعيونها تبحث عن مقعد آخر فارغ لتذهب وتجلس عليه فآخر ما توقعته ان يقودها القدر ليجلس بجانبها طوال الطريق.


صمتت وعادت لتنظر باتجاه النافذة دون أن تعطي أي ردة فعل تجاهه عكس ما هو عليه من حركة ونظرات اتجاهها من حين لآخر.


رن هاتفها من جديد لتندهش به يدندن رنين نغمته فتحته على استحياء قائلة بصوت كاد ان يسمع، 

ردت عليها امها بصوت خرج من هاتفها لشدة علو نبرتها الضاحكة:

 " هل نمتي مجددًا ، صدق من قال لا يمكنك تغيير عادات الطفولة بسهولة".


حاولت التحدث بصوت غير مسموع قائلة:

" لا لم أنم و لكني لستُ بمفردي".


ابتسم وجهه أكثر من حالتها فكر ان يتحدث ويبلغ أمها السلام لولا تردده وعدم سماحه لنفسه في التدخل بمكالمتها، أغلقت شهرزاد هاتفها و وضعته بحقيبتها من جديد ناظره للحلوى بداخلها نظرة طالت قليلا عندما خطر لها تناولها مدت يدها وهي تمصمص شفتيها وتبلع ريقها مخرجة كتابًا صغيرًا معارضًا مع رغبتها الحالية في تناول الحلوى.


 فتحته لتبدأ القراءة بعقل يفكر بالحلويات، رمق كتابها بطرف عينيه محاولا قراءة عنوانه الذي لم يظهر له، نظر حوله بأكثر من مكان ثم عاد للنظر لكتابها قائلا: 

" لم يكن لدي علم بانضمامي للرحلة كنا نتحدث عن نقص المشرفين ولم أجد إلا وقد ألقي بي لتولي مهام الإشراف دون أي ترتيبات سابقة".

 

قالها وهو يرفع النظر لوجهها الصامت الثابت ملامحه على ما بيدها مكملا:

" ان علمت انه سيحدث هذا كنت على الأقل جهزت نفسي وأتيت بكتابي وعصاتي".


وبدون أن تنظر له سألته باستغراب: 

" عصا؟".


ابتسم وجهه من فرحته بنجاح استجابتها للتحدث معه، أجابها بفرحته:

" ألا يحتاج الأمر للعصا، يعني من أجل السيطرة والحفاظ على القوانين".


_" نعم أنت محق، حتى كان عليك ان تستعين بصاعق كهربائي كي يكون الأمر أكثر سيطرة".

 

ضحك شريف ناظرًا لوجهها بتحرر:

 " ولكنكِ بهذا الشكل تريدين نهايتي، أصبحت أفهم جيدا بحيلك ودهائك".


_ " هل تقصدني أنا؟".


قالتها باستغراب، ليرد على سؤالها بسؤال آخر 

" وهل يوجد أمامي غيرك؟".


 صمتت شهرزاد من جديد ممتنعة عن الرد كي لا تصطدم بردوده القوية في الأخير.


صمتت خوفا من اصطدام جديد كما توقعت ولكنه لم يصمت تحدث ليثير استغرابها ودهشتها  قائلا: 

"  هيا اقرئي بصوت مسموع كي نتسلى، الطريق طويل ولم اعتد له".


أغلقت الكتاب تاركة أصبع السبابة في وسطه كعلامة لمكان توقفها قائلة له: 

 " يمكنك أخذه والاستمتاع به".


وبعينيه التي اخترقت عينيها رد عليها قائلا:

" و لكنه سيكون أمتع بصوتك".


لم تصدق ما سمعته منه بادلته النظرات للحظات معدودة أدارت رأسها بعدها وهي تمد يدها بالكتاب نحوها مكررة عرضها :

" إن أردت تستطيع أخذه وقراءته".


أخذه منها واضعًا رجل على رجل فاتحًا أول أوراقه قارئا:

 " أنا ابنة تلك المرأة الصبورة التي علمتني أنّ لا حاجة لي عند مخلوق وأن الله معي دائماً، علمتني الصبر مفتاح الفرج ، والمسامح كريم وأن وراء كل ضيق فرج وبعد كل عسر يسر، أنا ابنة تلك المرأة التي حاربت وجاهدت لتعلمني أن السعادة ليست هبة توهب لي بل هي سعي وعمل ورضا  بمَ قسمه الله لنا من أقدار، أنا أبنة تلك المرأة التي زرعت بقلبي منذ الصغر حب الخالق وحب مساعدة البشر،  المرأة التي لا زال اسمها يذكر بالخير والتي سطرت برحيلها ذكرى لا تنسى".


 توقف شريف عن قراءته سطور الكتاب ناظرا لها وهو يسألها:

" ألم تجدي سوى هذا الكتاب لتتسلي به في رحلتك؟".


نظرت شهرزاد للكتاب برضى أجابت به:

 " نعم من يقرأ بداية سطوره لا يتوقع أبدا جمال مضمونه".


سألها بلؤم واغتنام الفرص قائلا: 

 " و ما مضمونه يا ترى؟".


قالها وهو يدير الكتاب ليقرأ عنوانه:  

" لم أكن أنتويه حبًا فأصبح بالحلال عشقا، من الواضح أنها رواية رومانسية بدأت بالتعذيب والقهر وتعنيف الرجل لزوجته ومن ثم أصبح حب كبير".

 ضحك مستهزئا من المحتوى:

" آخر ما كنت اتوقعه ان تكوني إحدى قراء هذا النوع من الروايات" .


ردت مدافعة عن كتابها:

 " لا ليس كما توقعت وايضا كيف لك أن تحكم على قصة من عنوانها على الأقل اعطي لنفسك فرصة لقراءة القليل منه ثم احكم على القلم والمضمون ".


_" تمام أنتِ محقة اخبريني أنتِ بمضمونه قبل أن يقترب موعد وصولنا".


نظرت للطريق ثم نظرت للكتاب بيده قائلة:

"  أكثر ما شدني إليها كونها قصة حقيقية ترويها البطلة بوجدانها لتسرد تجربتها وما مرت به للشباب كي يستفيدوا ويتفادوا الأخطاء التي وقعت هي بها بمقتبل عمرها حين توفت امها و آخر فرد من عائلتها لتصبح بعدها وحيدة في عالمها الصغير، تألمت وحزنت وخافت جراء ما ينتظرها من مستقبل لا ملامح له  حتى جاءها من تناديه بخالها ليعرض عليها عرض قلب حياتها بشكل جذري، لم يكن عرضا بل كان طلبا و رجاءً بأن تقبل امنيته الأخيرة قبل رحيله عن دنياهم، ليتضح بهذا الفصل ان هذا الرجل  كبر مع والدتها بنفس المكان وكان بمثابة أخ غالي بالنسبة لأم البطلة التي أصبحت تناديه من صغرها خالي وأنه يعيش آخر أيام حياته بعد اصابته بمرض خطير،  تضطر البطلة للموافقة على هذا الطلب والرجاء لتجد نفسها بوسط زواج وعائلة مختلفين تماما عنها ليس هذا وحسب بل وام وزوج يعارضان فكرة  زواجهما  لتبدأ الأحداث القوية الشيقة"


نظر نحوها بحزن تساءل به:

" وهل تزوجت من شخص لا يريدها لا هو ولا امه؟".

ردت بعيون معاتبة شاكية عليه لتجيبه:

" نعم هذا ما حدث اضطرت البطلة على الموافقة لأجل خالها مخبئة  سر موافقتها بقلبها دون أن تصرح به وظلت حافظة للسر رغم الإهانة واتهامها بالسعي خلفهم لأجل المال".


رد عليها محاولا إيصال رسالة مبطنة:

 " لقد فعلت الصواب لا يمكنها أن ترفض لأجل ما توقعته أو سمعته بلحظة غضب غير مدروسة من الطرف الاخر، فمن الممكن أن نُكوِّن فكرة خاطئة عن أشخاص يطرأون علينا لأول مرة ، ولكن بعد الاختلاط معهم يتضح لنا أنهم أفضل مما كنا نظنهم، صدقيني معظم الافكار السيئة التي نجمعها عن اشخاص بمجرد اللقاء الأول تكون غير صحيحة أو بمعنى أدق غير مكتملة لنعطي لأنفسنا ولمن أمامنا الفرصة الكافية للتعارف".


شكت بحديثه ولكنها استبعدت معرفته أجبرت على الرد عندما صمت منتظرا منها لتتحدث قائلة:

" نعم ببعض الأحيان يحدث سوء تفاهم وخاصة باللقاء الأول ولكن في احيان اخرى يكون الانطباع الأول صحيح بل اكثر من الصحيح فهناك اشخاص يحفرون اسائتهم بقلوبنا من اول لحظة وليس فقط بأول  لقاء".


قاطعها بسرعة وهو ينزل رجله ويستقيم بجلسته 

" وماذا إن كانوا جيدين وما حدث منهم  كان سوء فهم من الطرفين".


لا زالت نظرات الاستغراب تخيم على ملامح  وجهها، فكرت كثيرًا قبل الرد فحالته واهتمامه وتحدثه كل شيء يخبرها انه على علم بما قالته أمه ولكنها راجعت نفسها فكيف سيعلم الأمر إذا لم يعلم احد غيرها ما سمعته ولم يخرج منها .


وبدقائق الصمت القليلة نظرت شهرزاد للكتاب بيده وهي تفكر بحديثه، ناداه أحد الأساتذة ليبدأ حديثه معه عن الوقت المتبقي والتعليمات التي يجب على الجميع اتباعها ، تحرك شريف من مكانه مقتربا من المشرفين الذين لا زالوا يتحدثون بصوت عالي مشترك متبادل بينهم وهم يعيدون التنبيهات والمحظورات على الطلبة وما عليهم فعله.


وبعد وقت ليس بكثير وصلت الحافلات لوجهتها لتتوقف ويبدأ الجميع بالنزول منها، اقترب شاب من شهرزاد يحدثها:

 " كيف اصبحتي هل كل شيء على ما يرام".

 

ابتسمت شهرزاد بقولها:

 " نعم بخير شكرا لك".


رد عليها الشاب :

" تعالي انضمي إلينا سنسعد كثيرا". 


 _" من المؤكد أنني سأنضم إليكم في منتصف اليوم لا تخف لن أضيع حقي بسهولة".


ابتسمت ليضحك الشاب قائلا:

 " بكل سرور نحن بإنتظارك".


كانت عيون شريف عليهم من بعيد تراقب حديثهم وحالتهم دون سماعه لهم.


ازدحم المكان عندما تجمعوا بمكان ضيق أمام مدخل مدينة الملاهي الكبيرة، انشغل الجميع بالدخول والمشرفين بالتذاكر ليتم الأمر وينطلق ببدأ متعتهم ، بحث شريف عنها فلم يجدها اقترب زميل له ليتحدث معه بسعادة.


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


وبعد مرور الوقت كان لا زال يبحث عنها دون جدوى وكأنها ذرة ملح ذابت وأختفت تعب كثيرا وخاصة من تشابه الطرق واللافتات  وقف جانبا ينظر بجميع الاتجاهات وهو يقول لنفسه:

 " اتضح كم انكِ عنيدة وصعبة المنال بماذا وقعت انا يا ربي".


 ضحك وجهه الذي لم يتوقف عن البحث ليجدها تخرج من المغارة الكبيرة بجانب مجموعة من البنات.


تحرك ببطئ نحوها دون أن يلفت الانتباه ليسبقه إليها ذلك الشاب الذي لم يتعرف على اسمه حتى الآن ،  تضايق شريف من تكرار الأمر والتحدث شبه المستمر اقترب بحذر ليستمع لحديثه

 " هيا لا تكسريني هذه المرة، اقول لكِ ان اضعتي سندوتشات الهمبرجر وكيك الليمون الخاصة بي ستندمين طيلة حياتك".


ابتسمت شهرزاد باحترام:

 " شكرا لك عافية لكم لا اريد ازعاجكم".


رن هاتف الشاب ليتحرك مبتعدا خطوات وهو يستأذن منها ليرد على المتصل، و بهذه اللحظة استغل شريف الوضع واقترب منها قائلا بغضب: 

" مع من تتحدثين ، و لماذا تقفين بوسط الطريق دون زملائك ألم نؤكد عليكم أن لا تتحركوا فرادا وايضا …".


 استدار لينظر للشاب مكملا:

 " بماذا كنتم تتحدثون؟ لا يمكنك الاختلاط وفعل ما يحلو لكِ ، ستلتزمين بالقوانين حتى نعود بسلام هيا اذهبي بجانب زملائك لا تغضبيني".


اغلق الشاب الهاتف وعاد بترقب متسائلا:

 " هل هناك مشكلة ؟". 

ردت شهرزاد عليه :

" و من أين خرجت المشكلة، تعلم نحن حريصون على اتباع القوانين كي لا نغضب أساتذتنا منا". 


ضحك الشاب وقال لأستاذه:

" نعم أقسم أننا حريصون على هذا". 


وضحك بوجه شهرزاد التي رفعت يدها ملوحة لفتاة مقبلة عليهم وهي تقول للشاب: 

" وصلت ناريمان ".

 

استدار الشاب فرحًا متحدثًا بصوت يصل لعروسته وحبيبته:  " تأخرتي علينا كثيرا".


اقتربت ناريمان متحدثه بضحك: 

" لقد تهت لعدة مرات ما هذا كل الأماكن تشبه بعضها ".

 

رد الشاب على زوجته قائلا: " وأين حقائبنا؟".


_ " تركتها بجانب الأصدقاء هناك".

 

رد زوجها عليها بيأس

" هذا يعني انه علينا أن نبحث ونتوه بالمكان  حتى نجدهم ".

 

اجابته بسعادة كبيرة:

 " نعم ولكن لا تقلق سأكون مرشدتك بالطريق". 


ضحك الشاب وهو يرد موجها حديثه لشريف وشهرزاد قائلا:

 " ضمنا إضاعة حقائبنا اعتذر منكِ يا شهرزاد اردنا أن نوجب معك لشكرك على ما فعلتيه لأجل مساعدتنا ولكن من الواضح أننا أيضا سنحرم من طعامنا، ولكن  إن اردتي الحفاظ على نصيبك عند وصولنا للحقائب عليكِ ان تأتي أنتِ أيضا لضمان حقوقك".


ردت بوجهها المبتسم:

" لا يكفيني ما تهت به فكل الأماكن متشابهة بشكل متعب و زائد عن الحد حتى اقول انه اصبح عيب اكثر من انه ميزة ". 


وافقوها الرأي و تحركا بعدها وهم يستأذنون منهم تخوفا من تحرك الأصدقاء وتركهم للحقائب خلفهم. 


تحركت شهرزاد بعد ان ذهبوا قائلة بضيق: 

" بالاذن منك سأذهب بجانب زملائي كي لا اخترق القوانين".


تحرك خلفها محاولا تجميع كلماته قائلا:

 " نعم عليكِ ان تتجنبي هذا فأنا لا افرق بين احد اثناء تطبيق العقوبات، انبهك كي لا تعودي وتطلبي سماح خاص أو ما شابه".


استدارت لتقول له دون مراعاة وضع الطالب وأستاذه:

" لا تقلق لن اضع نفسي بموقف كهذا، أنا أعلم جيدا ما علي فعله دون اختراق القوانين أو حتى المألوف منها".


_ " اممم احزنتك من جديد ، من الواضح أن عليكِ الاعتياد على هذا حاولت دون أن أنجح، ما عملك مع هذا الشاب ومن أين لي أن أعلم أن كان متزوج ام لا ".


تنهدت بضيق  قائلة:  

" لا تضغط على نفسك كما أخبرتك سنحاول ان لا تتقاطع طرقنا، هذا أفضل كي لا تضطر لمحاسبة نفسك".


وتحركت دون أن تعطيه فرصة الرد عليها.


لكم قبضة يده بباطن كف يده الاخرى قائلا لنفسه

 " ماذا أفعل لكي ارضيكِ اريد ان اقول كلام ولساني يخرج عكسه هل حدث لدي خلل باعدادات عقلي !، اخ وأين هي اعداداتي لقد أضعتها فور اقتحامها لحياتي ".


تحرك بضيقه وحزنه تجاه ذهابها ليجدها جالسة بمفردها تضع الاطباق أمامها لتبدأ بتناول اطعمتها، حدث نفسه من جديد: 

" سانتظر انتهائها من الطعام لاذهب وأتحدث معها بوضوح علي أن أكون واضح وصريح كي لا أتخبط بالحديث أمامها، سأضع النقاط بأماكنها الصحيحة يكفي بهذا القدر".


 حك فروة رأسه عدة مرات وهو يراقبها من على بعد منتظرًا ما بدأته للتو، هز رأسه وتحرك نحوها بقوة حارب بها الصوت الذي كان يمنعه من الاقتراب بهذا الوقت الغير مناسب، لتتفاجئ به يقف أمامها ناظرا لها بصمت، وضعت يدها على فمها و هي تبتلع ما به ثم وقفت احترامًا له قائلة:

 " تفضل هل أردت شيء ".


اومأ رأسه ليتحدث بقوة وضيق قائلا: 

" هل يحق لكِ ما فعلتيه، ألم تفكري للحظة قبل القيام به ".


ابتلعت ريقها من جديد وهي تحاول فهم قصده متسائلة:

 " ماذا فعلت مجددا؟، جئت لهذا المكان وجلست وحدي بعد تركي لحضرتك هناك هذا كل شيء".


ثم نظرت للحقائب بجانبها مكملة:

"  ذهبوا الأصدقاء ليستمتعوا بالألعاب وسيعودون". 


تحرك وجلس بنفس حالته مقربا العلب نحوه أخذ من إحداهما قطعة دجاج مقلية اقتطمها ليتذوق جمال طعمها مجيبًا عليها:

 " جئت معكم دون ترتيب وقطعت مسافات كبيرة ولم أهنئ بالجلوس المريح من أجل البحث عنكِ طوال الصباح، وأنتِ ماذا فعلتي تركتيني وأتيتي لتأكلي وحدك دون التفكير بي هل أصبح قلبك قاسيا لهذه الدرجة؟". 


لم تصدق ما تراه أمامها وخاصة أنه كان يتناول بشراهة وجوع، خجلت من نفسها تحدثت لتبرر:

" أعتذر لك ولكن من أين لي أن أعلم بوضعك ان طلبت مني أو أخبرتني".


رد عليها وهو ينظر داخل علب الطعام: 

" هيا اقتربي واجلسي لتكملي طعامك قبل ان انهيه لوحدي".


_" شكرا عافية لك أنا لستُ جائعة الآن". 


توقف عن تناول الأكل قائلا: 

" هل ضايقتك من جديد ان كان كذلك… ".

 

قاطعته بسرعة:

 " اطلاقا كيف تقول هذا عافية لك ياليتني علمت منذ الصباح كنت تقاسمت ما معي".


رد عليها قبل ان تنهي كلامها قائلا:

 "  لا تحزني ليس لهذه الدرجة تناولت فطوري بشكل جيد هذا الصباح".


رفعت يدها تحك جبهتها باطراف اناملها وعينها على من يأكل بشراهة كبيرة، ابتلعت ريقها ناظرة حولها بصمت وخجل نتج عن حيرتها هل ستقف تنظر له بهذا الوضع ام تستأذن بأي حجة.


تحدث وسط تناوله قائلا: 

" هل ستبقين واقفة على هذا الوضع كثيرًا". 


نظرت له مجيبة " أي وضع؟" 


ابتسم قائلا من جديد:

" هيا انضمي لي وتناولي أنتِ ايضا كي لا أشعر بالحرج أتيت واخذت مكانك و طعامك".


و بنبرة مهذبة ردت على أستاذها:

" لا يوجد حرج عافية لك".


تناول قطعة جديدة من شرائح الدجاج المقلية:

  " أعتقد انكِ صاحبة هذا المنتج". 


وضحك ضحكة اثارت ضيقها ، اقتربت لتنظر للفراخ متسائلة: " ما بها هل سيئة؟".

 

رفع نظره ليقول لها بوجه مبتسم:

 " لا يمكن لها أن تكون سيئة، هي فقط عنيدة قليلا من الممكن أن تكوني قد وضعتي عليها الملح ولكنها أبت أن تمتصه وتحلي مذاقها به". 


ردت عليه بعد ان فهمت قصده قائلة: 

" من الأفضل انها فعلت هذا، الملح الزائد يطغى على الطعم فيذهبه بالإضافة يرفع الضغط الدم وانفجار الكلى". 


خرجت منه ضحكة عالية زاحمت طعامه بحلقه ليسعل على إثرها عدة مرات متتالية احمرت ودمعت عينيه على إثرها.


فتحت زجاجة الماء وأعطتها له بسرعة اخذها وشرب شربة صغيرة أخذ نفسه بعدها قائلا بصوت غير واضح:

 " تبقى القليل على قولك انفجار المرارة".

 

وعاد لضحكه مكملا:

 " لا اكذب عليكِ سمعتها بهذا النحو".


اقتربت شهرزاد بوجهها المبتسم واخذت شوكة الطعام لتغرسها بقطعة من شرائح الدجاج و رفعتها نحوها لتتذوقها قائلة:

 " أعتقد أنها مظبوطة لا يوجد بها نقص أو زيادة نحن نحبها على هذا النحو وايضا لست أنا من حضرها لهذا كنت متأكدة من مقادير أمي التي لا حاجة لها بمعايير خاصة يكفي أن تقدر حاجتها بعينيها وكأن هناك مقياس خاص بها".


نظر لما في يدها قائلا:

" هل يوجد اختلاف يا ترى ؟"


 وتحرك من مكانه خطوة واحدة مد يده بعدها ليسحب قطعة الدجاج من شوكة الطعام الخاصة بها  وعاد بعدها ليجلس مكانه  وهو يتذوقها قائلا:

 " نعم أنتِ محقة انها مظبوطة ولكني أنا أيضا محق أعتقد أن هناك اختلاف بينهم".


ورغم خجلها منه عادت لتأخذ قطعة اخرى متحججة بتجربتها للطعم وتدافع عنه:

 " مستحيل جميعهم حضروا بنفس الخلطة".


 تفاجأت برفعه ليده اليسرى واخذه القطعة من شوكتها مجددًا قائلا:

" على مهل ستنهي الطعام قبل أن أشبع" 


نظرت لاقتطامه قطعة من اليد اليمنى ورفعه ليده اليسرى التي احتجز بها الأخرى  قائلة:

 " استاذ شريف هل أنت بخير؟ " 


ضحك بجوابه: " الشاه شهريار من فضلك". 


 أدارت وجهها لتضحك من حالته.

سألها وهو يتناول ملفوف ورق العنب قائلا: 

" هل اترك مكان للحلوى، ولكن  قبل ان تجيبي لا اريد الشوكولاته المغلفة وما شابه".

 

أخرجت من حقيبة الأطعمة علبة فتحتها ليتحدث هو قائلا باستغراب:  

" مهلبية، لا عليّ إذاً أن أكمل طعامي حتى اشبع بطني". 


ردت عليه بلؤم ساد ملامحها:

 " تمام عافية لك وأنا سأتناول الحلوى".

 

 اخرجت معلقة طعام من الحقيبة، نظر لها متذمرا " هل معكِ معلقة إضافية وتركتيني أاكل بيدي والله حزنت الان، هذا ليس عدل انظري لحالة يدي  إن رأتني زيزي الحلو حتما ستتبرأ مني دون شفقة".

 

وبضحكة اخرجت بها حقها منه ردت عليه:

" أن طلبت كنت احضرت لك".

 

ثم اخرجت ظرف ورقي به عدد من المعالق والشوك البلاستيكية ، تحدث شريف قائلًا:

" ما هذا شعرت نفسي متطفلا وكأني أتيت دون إذن واخذت حق ليس بحقي".


ردت عليه بنفس ابتسامتها: 

" لا تقل هذا أنا من ترجى حضرتك لمشاركتي طعامي"  قالتها لتتناول بعدها ملعقة مملوءة بالحلوى. 


نظر شريف لعلبة الحلويات قائلا:

 " سلطة الفواكه بالكيك والمهلبية،  أشكرك كثيرا لا أعرف من أين علمتي بحبي لها حتى إني كنت مشتاق لتناولها".


 و سحبها من أمامها أخذا معلقة طعام من الظرف الورقي  قائلا:

 " سأكل منها لأجل رجاءك فقط  كي لا تحزني وتشتكي أن أستاذك كسر  خاطرك". 


مدت يدها لتأكل معلقة اخرى من العلبة لتتفاجأ بأبعاده للحلوى قبل أن تصل يدها لها  ، تحدثت بضيق وتذمر غلبه الفرح:

  " استاذ شريف ألم تُبدي استيائك من المهلبية". 


أخذ ملعقة تلو الاخرى وهو يستمتع بمذاقها:

 " كنت اعتقد انها مهلبية سادة دون فواكه وكيك، امممممم بصراحة لتسلم يداها ابدعت بها طعم عصير البرتقال ظاهر بقوة داخل الكيك وهذا ما اعطاها مزيج من طعم الحلو والحامض ".

 

وبقوة وثقة إجابته شهرزاد:

 " انا من حضر الحلوى و وضع عصير البرتقال على الكيك فور خروجه من الفرن".


رافقتها نظرات إعجابه التي اخجلتها،  قائلا:

 " ممتاز فرحت لأجل هذا فهي أكثر ما أحب ". 


ابتلعت ريقها وهي تأكل طرف شفتيها مادة يدها من جديد لتأكل من علب الدجاج و ورق العنب بعد ان غلبها جوعها، تحرك جانبا مفسحا لها مكان كبير لتستطيع الجلوس دون حرج وبالفعل تحركت وجلست بعيدا عنه مكملة تناول طعامها بصمت.


لم يستغرق صمتها وقتا طويلا حتى عادت البنات وهن يضحكن مع بعضهن، و للحظة صمتن متفاجئين بوجود أستاذهم الذي قال لهم:

 " ما بكم و كأنكم رأيتم شبحا هاربا من المغارة". 


ضحكوا من جديد لينظر هو للأطعمة قائلا لهم:

" أتيت فجأة دون أي تجهيزات مسبقة بحثت عن من يقاسمني طعامه وإذ بالجميع يتهرب مني فما كان أمامي إلا أن أفرض نفسي على أقرب طاولة ممدودة ليكون هذا من سوء حظ طالبتي شهرزاد". 


جاءت لترد عليه وتقول العفو منك ولكنها لم تلحق باخراج كلماتها حين اسرعت البنات بالرد والاهتمام بإخراج ما بجعبتهم من ألذ الأطعمة والحلوى  ليصبح شريف شهريار عصره و زمانه فعليًا.


تملكتها غيرتها التي ضربت جدران قلبها بقوة زلزلت فؤادها واشعرتها بحقيقة مشاعرها التي أصبحت ملموسة لديها.


امتنعت شهرزاد عن مشاركة البنات أطعمتهم واكتفت بتناول ورق العنب الخاص بها واحدة تلو الاخرى ببطء و شرود.


 أدار شريف المجلس بحكمة وعدم تخطي الحدود بينه وبين طلابه حتى اقترح عليهم ان يقوموا بحلقة ارتجال لحظي بمعنى انه سيقول خاطرة وهم يكملون من بعده بنص يناسبها وقد كان ذلك  تحولت الجلسة لحلقة أدب شعر و خواطر وحكايات قصيرة، انضم لهم لفيف من الزملاء والأساتذة لتتسع الجلسة وتصبح أمسية أدبية رائعة وممتعة لم تخلو من روح الفكاهة والمرح.


اقترح أحد الأساتذة أن يلعبوا ويكون هو الحكم نظر شريف حوله ليجد شباب وبنات وأساتذة،  مال على زميله وقال: 

 " لا يمكننا فعل هذا لنبقى كما نحن أفضل كي لا ينتج ما لا يرضينا".

 

 تحدث زميله:

" جميعهم أخوة و نحن بنزهة لا تضيق الأمر فلنمرح و نركض بينهم لنشعر بشبابنا".


صمت شريف امام موافقة الجميع، تحركت شهرزاد ومعها عدة بنات متحججين برغبتهم بتجربة الالعاب المتبقية قبل انتهاء اليوم.


سعد شريف من حالتهم و وقف هو ايضا قائلا:

 " وانا سأذهب لانظر للبقية كي اطمئن على الجميع واعود إليكم".


  ابتسمت هي أيضا لتحركه وابتعاده عن الاختلاط الزائد و دلع البنات وخروج المجلس عن إطار الطلبة والأساتذة.


كانت نظرات لحظية متبادلة أفصح كل منهما عن رضاه بقرار الآخر، تفرقا تاركين خلفهم من علا صوتهم و ركضهم و ضحكهم.


و بعد انا تفرقا لعدة ساعات عاد شهريار زمانه للبحث عن من ملكت عقله وقلبه وأسرته بحبالها، حاول أن يجدها ليستغل الوضع ويحسن علاقتهم أكثر دون جدوى وكأنها أرادت الاختباء حقا. 


لمحها وهي تصعد الحافلة الأخرى وسط زملائها ليتضايق منها فكان من المفترض أن تحرص على حافلتها الصباحية ومقعدها الذي جمعهم دون سابق موعد، و بعد صعود الجميع والنداء على الأسماء للتأكد من وجود كل الطلاب اغلق استاذ محمد الورقة قائلا لشريف: 

" الحمد لله الكل موجود سأعود أنا للحافلة الأولى كي ننطلق ونعود بسلام ". 


أوقفه شريف قائلا: 

" لا تذهب اجلس هنا مكاني، استاذ جمال وعائلته عادوا بمفردهم وأصبح المكان أكثر اتساعا من الحافلة الأولى".


 و اشار له على المقعد قائلا: 

" انه مريح جدا ، حتى أنني أفكر بتقليل الأعداد من هناك".


رد استاذ جمال قائلا:

" لا يمكن بقاءنا هنا وترك الحافلة الأولى دون مشرفين كما تعلم لم يتبقى سوانا".


 ابتسم شريف مجيبًا عليه:

" ارتاح انت واترك الباقي علي أنا سأحل الأمر".

 


تحرك لينزل من الحافلة بنصر وفرح كبير صاعدا للحافلة الأولى وهو ينظر للورقة التي بيده قائلا:

 " لا يمكننا التحرك بهذا العدد علينا أن نقلل من الحمولة  الحافلة الخلفية بها أربع مقاعد فارغة".

 

تحركت شهرزاد لتكون أول من يتطوع ويعود لحافلته ولكنه وقف أمامها ليعيق هذا التحرك قائلا: " سأختار بشكل عشوائي كي لا يحزن أحد مني ".

 

وبيده اشار على ثلاث بنات كانوا يتزاحمون على مقعدين بصعوبة وألحقهم بالرابعة التي كانت تجلس بجوار شهرزاد على الطرف الخارجي.


نزل خلفهم ليطمئنوا أنهم صعدوا بالحافلة الخلفية بسلام ثم عاد منتصرا ينظر للابواب وهي تغلق قائلا للسائق:

" هيا انطلق على بركة الله".

 

لم يصدق انه فاز بالجلوس بجانبها مرة اخرى وهذا ما جعله فرح متحمس بطلب باقي نصيبه من ورق العنب الذي أحزنه انتهائها، ليقول لها بصوت منخفض: " وماذا عن الدجاج". 


هزت رأسها بخجل قائلة:

 " مع الاسف انتهت هي ايضا".


نظر لها نظرة غير راضية عن ما سمعته أذنه قائلا:

 " هل من جديد؟،  ألم تفكري بي وأنتِ تنهيهم". 


_ " لست بمفردي بعد ركوبنا الالعاب وقبل رحيلنا قررنا إخراج ما لدينا من أطعمة وتناولها بشكل جماعي ولأن المخزون بآخر اليوم قد نقص لدى الجميع فكان انتهاء العلب ليس بمفاجأة".


مال برأسه نحوها متحدثًا:

 " المشكلة ليست باجتماعكم وانهائكم اطعمتكم لا اعترض على هذا صحة و عافية، و لكني أتحدث عن نصيبي كان بإمكانك أن تحفظي نصيبي جانبا". 


سألته على استحياء:

 " ألم تأكل شيئا منذ أن افترقنا".


حرك نظره ليرفعها بعينيها قائلا بنبرة حزينة معبرًا عن حالته من رفضها الأخير له

 " لم يكن مشبعا بقدر ما تناولته قبل هذا اليوم، أأكل و كأني لم أأكل، أتحدث وكأني لم أتحدث،  حتى تجديني أضحك وأمزح وأتجول دون أن أشعر بطعم أيًا منهم، اليوم فقط شعرت أنني كنت جائعا منذ عدة شهور، اليوم فقط شعرت بطعم الضحك والفرح والطعام ، بالمناسبة كنت أمزح معك فجميعهم كانوا بمذاق شهي سلمت يد والدتك وطبعا الحلوى كانت مختلفة وخاصة بعد معرفتي انكِ من حضرها، لا اعرف هل ستصدقيني ام لا ولكني سأقولها  شعرت وكأني لأول مرة أتناول حلوى بحياتي " 


خجلت كثيرا من كلامه أصبحت لا تعرف ما عليها قوله اختارت الصمت كأفضل وسيلة للرد تخوفا من ردة فعله عندما تذكره بوضعهم وأنهم لا زالوا بإطار الطالبة والاستاذ ولن يستطيعان أن يكونا خلاف هذا .


وصلت الحافلات أمام بوابة الجامعة تحرك الطلبة لجمع أغراضهم والنزول ، نظر لها مجددًا قائلا: 

" هل تسمحين لي بإيصالك للمنزل ، اجلسي بالمقعد الخلفي لن أتحدث طوال الطريق يكفيني أن أشعر إنكِ بجواري لوقت إضافي  وايضا كي يطمئن قلبي ولا انشغل بالقلق عليكِ هل وصلت أم لا زالت بالطريق".



( لااااااا  كده كتشير على قلبي 😂 شهريار عصره و زمانه عايز صفعه على وجهه تفوقه و ارى انها قادمة و بقوة 💃💃💃 يا جماحه حد يصحي شهريار و يقوله الرحلة خلصت و البنت هتخرجه عليك باذن الله هههههههههه  😂 )


أترككم بأمان الله متمنية ان تنال الحلقة اعجابكم 


يتبع .. إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. منها "رواية حياتي" رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..


author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  • Rim kalfaoui photo
    Rim kalfaoui31 أكتوبر 2024 في 2:52 ص

    الرجل ده هيتعبنا معه مش هيجبها البر من كثرة نحنحته ههههه ما صدق انها حكت معه نسي كل شيء مش فاهمه يطول في الكلام ليه ما تفرش أوراقك وخلصنا هههههه

    حذف التعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent