رواية مقرينوس
ضي القمر وظلمات يونس
للكاتبة سميحة رجب
قبيل الفجر حيث الهدوء وسكون الأجواء. طل القمر من نافذة الغرفة التي احتوت الفتاة البائسة الحزينة، لا زالت نائمة على الفراش بثوبها الذي يحكي رحلتها الشاقة منذ هروبها من المشتشفى مرورا بصعودها السفينة حيث اللاشيء وصولا لسقوطها على الرمال .
لم يكن ثوبها فقط من يحكي حالتها بل وحالة وجهها الخائف الحزين لما عاشته المسكينة بالماضي الأليم.
استفاقت قمر فجأة من نومها فزعة ، أنفاسها ثقيلة وعيناها متسعة بخوفها من الأصوات التي لم تكن مجرد جزء من حلمها بل واقعًا هربت منه وهجرت وطنها ليأتها طاعنًا إياها بأحلامها.
اغمضت عينيها ليعود صوت أبيها لاذنها وهو ينهرها صارخًا بها:
"أى عمل سيء اقترفته ليبتليني الله بابنة خلقتها مشوهة ".
لم يتلاشى صوت والدها من اذنها حتى تابعه صوت خطيبها طائل وهو يلقي خاتمه بوجهها قائلا بسخرية:
"وبكل ثقة تقولين أنني لم أهتم بكِ. كيف تتأملين في ان أهتم بزوجتي المستقبلية التي لا يظهر من ملامحها ما يدل على كونها أنثى. بقعة بيضاء وبقعة بنية. هذه هي ملامحك أم توقعتي أنك جميلة وطمعتي بالاهتمام كباقي الفتيات "
شعرت فجاة وكأن ميثال تحنو عليها تربت على كتفها وهي تهمس بأذنها :
" إشراق…
فتحت عينيها تشهق بقوة ارتعش جسدها، لا تدري ما الذي تفعله ميثال في حلمها و ما الذي تعنيه باشراق .
خاف قلبها لشعورها بأن صوت ميثال في أحلامها ورؤيتها لها هذه المرة ليست مجرد حلم أو خيال، بل شعرت انه يحمل شيئًا أعمق و كأنه رسالة من مكان بعيد.
تحدثت بصوتها المهزوز من سوء حالتها
" كانت دوما حقيقية كما في الماضي، لماذا أشعر أنها قريبة منى منذ زمن لدرجة..
قطعت كلماته لتنهض ببطء من السرير متوجهه نحو النافذة كي تتنفس بعمق لعلها تستفق.
شعرت بشيء ثقيل في صدرها. الهواء من حولها مشبع بشيء غامض غير مرئي.
تكرر صوت ميثال وهي تهمس باذنها "إشراق..."
حاولت تذكر المزيد مما كانت تهمس به ميثال في أحلامها بالماضي من قبل أن تلتقي بها، لكن كل شيء كان غامضًا امامها.
لم يمضِ الكثير حتى بدأت تشعر بالضيق من ثيابها، زفرت بحنق مردفة:
"يبدو أنها أضغاث أحلام نتيجة عدم ارتياحي من جدال المستشفى للهروب عبر البحر وسقوطى على الشاطئ لينتهي بي الأمر إلى هنا .. يا الله كذلك ذلك و ما زلت بنفس الثياب. من الطبيعي أن أشعر بالضيق وتراودنى الأحلام الغير مفهومة.د، ولكن ماذا سأرتدي الآن".
التفتت نحو الباب ثم مررت عينيها بين زوايا الغرفة لتقع على مجموعة من الحقائب الجديدة، أدركت على الفور أن ميثال كانت هنا أثناء نومها.
اقتربت وفتحت إحدى الحقائب رغم ترددها متاكدة من حدسها فلقد قامت ميثال بشراء ما تحتاجه إليه قمر من ملابس وأشياء أخرى احضرتهم لغرفتها دون أن توقظها.
أخرجت ثوبًا جديدًا نظرت إليه قليلاً ثم أخذته معها إلى الحمام. لامس الماء البارد جسدها لتشعر معه بانتعاش مفاجئ، وكأنها تزيل عن نفسها بقايا الحلم والقلق الذي رافقها في ذهنها بشكل متشابكًا، وقفت تحت الدش لفترة أطول مما اعتادت محاولة استجماع أفكارها بلحظات الاستحمام التي منحتها مساحة صغيرة من الراحة.
أخذت نفسًا عميقًا بعد أن انتهت من الاستحمام وكأنها تستعد لمواجهة شيء لا تعرف ماهيته.
خرجت لتقف أمام المرآة لتبدأ تمشط شعرها الأسود الطويل وهي تراقب خصلاته و انسداله على وجهها، كانت هذه اللحظات بين نفسها و انعكاسها في المرآة مليئة بالتفكير. وكأن الماء لم يكن كافيًا لإزالة كل تلك الأفكار التي تطاردها منذ أن التقت بميثال.
نظرت إلى وجهها تتأمل الجزء الذي يغطيه البهاق وهو يبرز أمامها بوضوح، أسدلت خصلات شعرها عليه محاولة إخفاءه كما اعتادت. شعرت هذه المرة برغبة داخلية مختلفة ، كأنها تحارب مخاوفها الداخلية لتقبل هذا الجانب من نفسها تمامًا كما تحارب فهم ألغاز ميثال وغموضها الذي لا يزال يسيطر على تفكيرها.
سمعت صوت الباب ينفتح بهدوء رفعت قمر نظرها نحو المرآة ، رأت ميثال تدخل بخطوات هادئة وثابتة. التقت عيناهما في انعكاس المرآة، لتبتسم ميثال ابتسامة خافتة تحمل في طياتها الكثير من الخبايا ،مردفة بصوت دافئ:
"متى استيقظت؟".
التفتت قمر ببطء نحوها وهي تشعر بشيء يخفف من ثقل الأفكار التي تسيطر عليها.
لم يكن مجرد السؤال عن استيقاظها السبب ، بل كان هناك شيء أعمق في نبرة ميثال لا يفهم ، وكأنها تدرك ما يدور في ذهن قمر دون أن تحتاج لسؤال وجواب صريح.
سألت قمر رغم أنها كانت بالفعل تعرف الجواب : "هل جئتِ أثناء نومي؟"
أومأت ميثال برأسها مردفة بابتسامة هادئة: "نعم، أتيت لأطمئن عليكِ وتركت لكِ بعض الأشياء التي قد تحتاجينها بالفترة المقبلة "
" هل ستنامين مجددا؟"
هزت قمر رأسها بالنفي مجيبة:
" لا . نمت لساعات طويلة متصلة حتى أنني لم أتمكن من رؤية الغرفة جيدًا. كما أريد أن أصلي وأبقى مستيقظة حتى الفجر، أنا بحاجة للتفكير مليًا لربما استطيع أقرر كيف سأكمل حياتي هنا"
نظرت إليها ميثال بلطف مردفة:
"ألم نتفق على هذا من قبل؟ أخبرتك أنكِ ستكونين مساعدتي."
ردت قمر وهي تحاول إخفاء ارتباكها:
"لكن… أنا لا أستطيع أن أكون مجرد خادمة. ليس الأمر بهذه البساطة بالنسبة لوضعية، وايضا رأيت عدم تقبل حفيدك لوجودى فلا أريد أن أكون سبب ابتعاده عنك"
ابتسمت ميثال وأردفت بلطف:
"ومن قال أنكِ ستكونين خادمة؟ ما قصدته بمساعدتي هو أنكِ ستكونين شريكتي في الحياة. تساعديني في أموري الشخصية، وليس في شؤون القصر. أدرك أن حياتك انقلبت رأسًا على عقب، وأتفهم شعورك. ولا أريد أن أجبرك على شيء، لكنني أحتاجكِ بجانبي كرفيقة وليس موظفة"
بقيت قمر صامتة للحظات، تشعر بمزيج من الارتياح والتردد. كلمات ميثال تحمل في طياتها دعمًا غير مسبوق لها ، لكنها لم تكن تعرف وتثق بجوابها عليها .
نهضت ميثال قائلة:
"سأعد لنا بعض الطعام. نأكل ونتحدث ونفكر معًا. حتى نقرر ما يناسبنا سويًا"
غادرت ميثال الغرفة بخطوات هادئة، متجهة إلى المطبخ. أخرجت بعض المكونات البسيطة وبدأت في إعداد وجبة خفيفة، وهي تفكر في كيفية مساعدة قمر على تجاوز أزمتها.
وبينما كانت تجهز الطعام، شعرت بأن فتاة القمر تحتاج إلى أكثر من مجرد كلمات أو طعام، تحتاج إلى مساحة للتنفيس عن ألمها.
حدثت نفسها "سأتركها مع نفسها بعض الوقت ثم أعد مشروب الأعشاب ليهدأ داخلها".
…..
تسلل الضوء الخافت من النافذة يتلاعب على وجه قمر المتعب وهي واقفه بصلاتها، تبدو وكأنها تحاول التشبث بشيء أقوى من أي شيء حولها.
بدأت صلاتها بصوتها الخافت الممزوج بألم عميق وصراخ مكتوم. كل كلمة كانت تحمل عبء سنوات من الخوف والضياع والبحث عن ملاذ. تتساقط الكلمات من شفتيها كدموع هادئة في البداية ثم تحولت إلى نحيب مكتوم لم يسمعه سوى ربها. عينها مغلقة بإحكام وكأنها تحاول أن تغلق عليها كل شيء في هذا العالم، لتبقى وحيدة بقلبها المتصدع مع الله. انهمرت دموعها الحارة الثقيلة على خديها كما لو كانت تطهرها من كل ما مرت به. كلما ازدادت الكلمات تدفقًا كلما بدا وكأنها تفقد قدرتها على الوقوف.
يدها المرتفعتين ترتجفان. انحنت قليلا راكعة تحت وطأة الشعور بالتسليم لله، ثم سجدت على الأرض، وكأن قوتها لم تعد تحتمل الوقوف، مستندة بجبهتها على الأرض باكية بحرقة.
صوت بكائها يمتزج مع كلمات الدعاء، وكأنها تسكب كل ما في داخلها في تلك اللحظة، تطلب من الله عونًا لا تراه فيمن حولها. تمزقت نفسها أمام الله متمنية أن تُشفى ، تنتظر أن تجد في رحمته ملاذًا من كل ما تعانيه.
أردفت بصوت مرتعش أصبح مسموعا رغما عنها، وكأنه ينبع من أعماق روحها المكسورة، : "ورحمتك يارب وسعت كل شيء. وأنا شيء"
تلك الكلمات كانت بمثابة انفجار أخير للألم المدفون بقلبها.
عادت ميثال إلى الغرفة لتجدها منغمسة فيما سيساعدها للتنفيس عن ألمها و يغنيها عن اى دعم بشري، كانت صلاتها استغاثة صادقة حقيقية أملًا في أن تجد السلام في قلب عالم يشعرها بالضياع.
حاولت ألا تصدر صوتًا كى لا تزعجها وهي تسمعها تناجى ربها:
" يا ودود يا رب المستضعفين تولنى بضعفي ووحدتى وشتاتي، وحدك العالم والمطلع أنني لم ارتكب ذنبًا ولم أقترف جرمًا بمحض إرادتي ، ربما أبى هو السبب بجحوده وربما طائل بنذالته وربما والدتى بضعفها وربما..
قاطع دعائها سمع صوت يطرق أرضا ، رفعت رأسها ناظرة للشيء الذي سقط من الصينية التي تحملها ميثال
أسرعت تمسح دموعها و تستجمع نفسها ،
اعتذرت فور دخولها ورؤيتها لوجه قمر:
"افزعتك!. أعتذر ولكنها سقطت من يدي دون قصد"
نهضت قمر لتتحرك نحوها كي تأخذ الصينية من يدها لتضعها على الطاولة مردفة بقلق
:"هل تأذيت؟"
حركت ميثال رأسها بالنفي مجيبة بوجه مبتسم:
"لا شيء مجرد ملعقة وسقطت"
راقبت قمر ملامح ميثال تريد أن تعرف هل سمعت أو فهمت شئ مما كانت تبوح به لربها أم لا ، الغريب أنها كانت تردف بالكلمات بتلقائية لا تعرف ماذا قالت. لسانها يبوح بما يقدر على حمله وقلبها يبوح بالبقية. يقينها أن ربها يعلم ما بقلبها وان لم تنطق بكلمة، ولكن هل فهمت ميثال ما قالته؟ وهل تفوهت بما يثير الشبهات حولها؟ لا تعرف فهي لم تشعر بوجودها إلا بعد سقوط المعلقة أرضا.
فهمت ميثال حيرتها فتظاهرت بعدم سماع شيء ، جلست مشيرة لقمر بالجلوس بجوارها مردفة:
"هيا قبل أن يبرد هذا المشروب، فائدته تتضاعف إذا تم شربه دافئا"
نظرت قمر إلى الطاولة حيث رأت كوبًا يحتوي على مشروب غريب اللون.
رفعت حاجبيها وسألت باندهاش:
"ما هذا اللون ؟ يبدو وكأنه شيء أحضرته من معمل كيميائي!"
ضحكت ميثال وأجابت:
"لا تقلقي، إنه مشروب أعشاب خاص استورده من خارج البلاد. مفيد جدًا للجسم والروح!"
لم تكن قمر متأكدة من ذلك، لكنها حملت الكوب ببطء مردفة:
"أرجو أن يكون طعمه أفضل مما يبدو عليه ، لأنني لا أريد تجربة علمية على معدتي الآن"
ابتسمت ميثال بلطف وقالت:
"جربيه. ستتفاجئين!"
أخذت رشفة بحذر وتوقفت بعدها لبرهة، ثم رفعت عينيها ونظرت إلى ميثال بدهشة:
"انتظري لحظة. هذا الطعم. أشعر أنه مألوف. وكأنني تذوقته من قبل، لكن لا أستطيع تذكر أين!"
ضحكت ميثال وأجابت بمزاح:
"ربما في حياتك السابقة؟ أو ربما كنتِ ملكة قديمة وكنتِ تشربين هذا المشروب في قصركِ الضخم؟"
ابتسمت قمر لكنها لم تستطع منع الحيرة من التسلل إلى ملامحها:
"أقسم أنني أعرف هذا الطعم. هل أنتِ متأكدة من استيراده؟ أم أنكِ اشتريته من متجر للأعشاب؟"
ضحكت ميثال بصوت عالٍ وقالت:
"من يدري، ربما العطار خاصتك يملك أسرارًا عالمية أيتها الملكة!"
ناظرتها قمر بفضول مردفة:
"ملكة وحياة سابقة!. هل تؤمنين بنظرية العوالم الموازية؟"
أكلت ميثال قطعة خيار مردفة بسؤالها:
"ألا تؤمنين؟"
أمسكت قمر صحن الخضار وأخذت قطعة من الخيار لتردف بعدها بجدية:
"أؤمن أنني في هذه اللحظة أمامك. اتبادل معك أطراف الحديث. وأمامي صينية الفطور وبين يدي صحن به بعض الخيار والفلفل الأحمر والأخضر…
صمتت برهة تتابع ملامح ميثال بتفرس ثم أكملت مبتسمة:
"أى أننى لا أؤمن إلا بما تراه عيني، لا عوالم موازية ولا نظريات مقروءة ، مجرد فرضيات لا يتقبلها العقل".
ردت ميثال:
"حتى وإن كان لدى العلماء أدلة وبراهين؟"
ألقت قمر بالمعلقة على الأرض مردفة:
"نيوتن قدم لنا قانون الجاذبية الكونية وها هو الإثبات، فبغير إثبات واضح وملموس لا يمكنني تقبل أي فرضية. وهذا ما اعتدت عليه بتخصصي".
أدركت ميثال أنها لن تتقبل الحديث عن أشباه ما تريد تهيئته لها من مواضيع. فقررت تغيير الموضوع قائلة:
"ماهو تخصصك؟".
_"جلدية وتجميل".
ردت عليها وصمتت تتأمل معالم التفاجئ التى ارتسمت على قسمات وجهها، فابتسمت بسخرية مردفة:
"وهذه نظرية أخرى ثبتت صحتها وهي أن الأقطاب المتشابهة تتنافر والمختلفة تتجاذب".
أسرعت ميثال بالاعتذار منها قائلة:
"لم أقصد. لقد تفاجئت لأنه تخصص صعب ويحتاج تقديرات عالية ولكن ليس كما فهمت".
لم تعقب قمر بشئ التفتت لطعامها وبدأت تتناول بصمت ظاهري معاكس لعواصفها التى هاجت حسرة وقهر على خسارتها لعملها وحياتها.
راقبتها ميثال بعيون مغرورقة بالحزن على شباب هذه المسكينة. تفكر كيف تخرجها من هذه الغيمة التي حاوطتها مجددا، وبعد ثوان من التفكير قالت بابتسامة ماكرة:
"أتعلمين أن لدى رصيد لا بأس به من النكات"
نظرت إليها قمر بشيء من الفضول والابتسامة ترتسم على شفتيها.
تمالكت ميثال نفسها مردفة بجدية مصطنعة:
"ما هو الشيء الذي يجري ولا يمتلك أرجلًا؟"
فكرت قمر قليلاً ثم هزت رأسها:
"لا أدري، ما هو؟"
أجابت ميثال بابتسامة واسعة:
"الماء و حارس القصر عندما يرى الفطور!"
ضحكت قمر رغماً عنها، محاولة كتمان ضحكتها لكنها فشلت تمامًا. مردفه وهي تضحك:
"أوه، يا إلهي! هذا أسوأ مما توقعت!"
ضحكت ميثال بصوت خافت ثم أردفت:
"حسنا سأخبرك بواحدة أخرى لن تكن سيئة كهذه".
رفعت قمر حاجبها مردفة:
"حسنًا، سأستمع. لكن لا أعدك بالضحك هذه المرة"
تمالكت ميثال نفسها وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بجدية مصطنعة:
"ما هو الحيوان الوحيد الذي يستطيع أن يحمل بيته على ظهره دون أن يتذمر؟"
فكرت قمر قليلًا ثم هزت رأسها:
"الحلزون"
ابتسمت ميثال مردفة:
"أحسنتِ يا دكتورة، اخبريني إذا سبب حمله لبيته على ظهره!"
هزت كتفيها مشيرا أنها لا تعلم، لتردف ميثال:
" لأنه لا يدفع إيجار!"
لم تستطع قمر كتم ضحكتها هذه المرة، وابتسمت رغمًا عنها قائلة:
"حسنًا هذا كان سيئًا، لكنه نجح!"
ضحكت ميثال معها مردفة:
"أحيانًا، نحتاج اسوأ النكات كأنها طوق نجاة خفي نهرب به من قسوة الواقع وضغوطه التي تبدو أحيانًا غير قابلة للتحمل. تلك اللحظات التي نضحك فيها رغم ثقل الألم، تجعلنا نشعر ولو لوهلة أن الحياة ليست بهذا السوء، وأن هناك دائمًا فسحة صغيرة للهروب، ولو كانت في شكل ضحكة عابرة. وكأن تلك النكتة رغم سطحيتها، تمنح أرواحنا استراحة مؤقتة من الغرق في بحر الهموم. هي ليست حلًا للمشاكل، لكنها لحظة انتصار على الحزن، تجعلنا نتذكر أن الحياة مليئة بالتفاصيل الصغيرة التي تجلب لنا السعادة، حتى لو كانت هذه السعادة على هيئة ضحكات من نكات غير متقنة!"
مر الوقت انقضى الليل ليحل مكانه الصباح وقمر تقف بجوار نافذة غرفتها تنظر إلى الحديقة الشاسعة التي تمتد بكل مكان أمامها.
حيث الأشجار والزهور تتمايل بلطف بفعل نسيم الصباح، ألوانها الزاهية تتناغم مع أشعة الشمس الذهبية. لم يكن هذا الجمال قادرًا على تهدئة أفكارها المتلاطمة وهي شاردة تتأرجح ذاكرتها بين الحاضر والماضي.
تتذكر حلمها الغامض الذي راودها عندما نامت بعد ان صلت فجرها حيث رأت نفسها تتجول في مكان مجهول بجوار ميثال.
تتردد صور والدها و خطيبها وميثال في ذهنها باستمرار، واسم "إشراق" يرن في أذنيها، كأنه مفتاح لسر مجهول لا تستطيع فك شفرته.
حاولت فهم ما ترى و لكن كلما زادت محاولاتها ازداد الغموض.
وبينما كانت تنظر إلى الخارج وقع بصرها على حارس القصر الذي ينظر إليها بتفرس، وكأنه يعرفها معرفة سابقة.
تلك النظرة جعلت قلبها يخفق بشدة، اتبعه شعور بالخوف تسلل إلى أعماقها. عجزت عن تحديد غرضه من هذه النظرات المشبعة بمعرفتها، زادت حيرتها وأخذت تتساءل:
"هل يعرفني؟ مثل الجدة التى ما زلت في حيرة ولا أستوعب كيف علمت اسمي؟"
تراكمت الأسئلة في عقلها كلما حاولت ترتيب أفكارها زادت حيرتها. عقلها بدأ عاجزًا عن إيجاد تفسيرات رغم كل تلك المشاعر المتناقضة.
كان هناك شيء غريب يربطها بهذا القصر شعرت أن جذورًا غير مرئية تربطها بالمكان، وكأنها تنتمي إليه بطريقة ما. وبينما كان جزء منها يرغب في الهروب من كل هذا الغموض، شعرت بشيء أقوى يدفعها للبقاء.
جلست على أريكتها قرب النافذة، تتأمل الحديقة من عبرها تحاول فك شفرات الحلم الذي أزعجها طوال الليل.
مضي الوقت على قمر وهي وحيدة بغرفتها لا تزال تكتشف سبل الحياة الجديدة التي تعايشها وتنظر التغيير الذي يحدث أمامها وتنتظر نهاية الحلم المسيطر عليها كي تستفيق بعد أن أغمي عليها في ذلك الطريق .
قطع سبيل افكارها صوت الجلبة التي تأتي من الحديقة مما جعلها تقف لترى مصدر هذا الصوت.
لتجدها سيارته حديثة تصدر منها أصوات موسيقى عالية توقفت و نزل منها يونس رافعًا يديه المزينة بسوار فضي غريب ليرفع نظارته الشمسية ناظرًا للهاتف الذي بيده الاخرى الحاملة لوردة حمراء.
أشار للحارس كي يأخذ سيارته بعيدا عن مدخل القصر، قائلا مازحًا:
"حتى لا تنزعج الملكة ميثال".
تخلصت من نظرات الحارس لتحل محلها نظرات يونس التى تعلقت بها، وقف مأخوذا أمامها يتأمل إطلالتها من النافذة.
ابتسم بتلقائية حين أبصر شعرها الأسود الطويل الخافي لنصف وجهها والنصف الظاهر تظهر منه علامة بهاق خفيفة وكأنها على شكل نجمة.
اتسعت ابتسامته وانفرجت اساريره أكثر حين أسرعت بالدخول وإغلاق النافذة بوجهه، شعر حينها بحماقته .
اختطفت عيناه تفاصيلها. وأقر في نفسه:
"يستحيل أن يكون مرضًا، كيف لمرض أن يميز الشخص ويعزز ملامحه بهذه الطريقة".
ترجمت قمر نظراته على انها تعجب واستنكار لشكلها، لم تعد تتحمل سماع تنمر أحد على مظهرها و أثر البهاق على وجهها التعب .
تحركت نحو الخزانة ساحبة وشاحًا وضعته سريعا على رأسها وغطت به وجهها مخافة أن يلمحها فيعيد أذيتها بالكلام مرددة
بضيق:
"هكذا افضل".
وقفت لبرهة قبل خروجها من الغرفة تفكر أين رأت يونس من قبل، تعرفه و تحفظ هذه الملامح. اسواره وحركاته ونظراته جميعهم مألوفين عليها. أردفت متعجبة:
"أهذا يونس هلال! أحد أكبر صناع محتوى الترفيه على مواقع التواصل الاجتماعي! كيف يملك قصرا كهذا ويعمل بهذه التفاهات ويضيع وقته في المحتوى الهابط كالمقالب و الفيديوهات الساخرة على التيك توك واليوتيوب ".
دخل يونس بخطوات مرحة كعادته، يدندن بتلك الاغاني التي تبغضها ميثال. عيناه تجولان بحثًا عنها حتى وجدها تجلس في ساحة القصر تحت الشجرة العتيقة، تغمرها أشعة الشمس الهادئة. أمامها كتاب مفتوح تقلب صفحاته ببطء، غير مبالية بوجوده أو ربما تدعي ذلك.
يعلم يونس أنها شعرت به منذ اللحظة التي دلف فيها إلى القصر، منذ أن سمعت صوت محرك سيارته المزعج.
كانت ميثال غارقة في قراءة كتابها، أو هكذا تريد أن يبدو له ملامحها الحزينة التي لم تكن تخفى على أحد، حزنٌ دفين لا يخفى سببه. ألا وهو تواطؤه لبيع القصر.
إرث العائلة وذكرياتها الحية. كانت محاولتها للقراءة تمثيلاً للهروب من مواجهة مشاعرها نحوه. فمهما اقترف يونس من أخطاء لا تستطيع أن تطيل في غضبها منه. وكيف تغضب ممن امتلك من القلب ما لم يمتلكه مخلوق غيره.
على الجانب الآخر من الساحة، كانت قمر تراقب المشهد عن بُعد. عينها تلتقط كل التفاصيل، حزن ميثال الصامت إلى علامات الندم التي تظهر على وجه يونس رغم محاولاته الجاهدة لإخفائها.
لم تكن تلك المشاعر بحاجة إلى كلمات، كانت لغة الصمت بينهما كافية لتكشف كل شيء.
اقترب من جدته ووقف هنيهة فأبت النظر إليه فاقترب أكثر قائلا:
"جدتي لقد عدت معتذرا".
رمقته بطرف عينها وتفحصت وجهه كأنه مجرم ثم عاودت القراءة في كتابها
ابتسم مردفا:
"ماذا لو عاد معتذرا وبيده وردة؟"
زفرت الجده بضيق وأقفلت كتابها ثم نزعت عنها نظارة القراءة مردفة :
" اجلس"
سحب كرسيا كان جانبا وجلس بمحاذاتها ثم قدم إليها الوردة وقبل يدها بود مردفا :
"أعتذر عن الموقف الذي وضعتك به جدتي".
نظرته قائلة بحزم:
"لا تخيب أملي فيك يايونس. رجاء لا تفعل"
سكت برهة وفكر ثم همهم مردفا :
"وكأني ارتكبت جريمة".
عبست ضاربة كتفه على حين غرة مردفة :
"وترد أيضا؟"
ضحك مقهقها :
" أوجعتني ياميثال ما هذه اليد الثقيلة ؟"
طالعته بحسرة على ذاك الذي كان يوما حالما والآن يجلس أمامها وكأن الذي كان ما كان، أين يونس وأين طموحه؟ لم يتبق منه إلا ملاح الشاب الفتى مع عضلات مشدودة، تحدثت بامتعاض مردفة :
"لم تغيرت هكذا يونس؟"
رد بامتعاض هو الآخر:
"تغيرت لأنني أريد الأفضل لنا"
ربتت على كتفه مردفة :
"لا يجب عليك أن تكون في مكان آخر أو تفعل شيء آخر أو تكون شخصا آخر كي تحظى بسعادتك ، كن انت فقط يا يونس. كن يونس الذي ربيته".
ابتسم وتحرك من مكانه مردفا :
"لم أتغير أبدًا هذا أنا، بعض الأفكار والمبادئ قد تتغير أحيانا لأجل هذا العصر الذي يستلزم التغيير".
ابتسم وكأنه يريد الهروب من اللحظة مردفا:
"حسنا يا جدتي، بما أنكِ بخير وسامحتني بالطبع، سأدعكِ ترتاحين. سأمر عليكِ كثيرًا، لكن الآن يجب أن أخرج، لدي عمل مهم"
ابتسمت الجدة وهي تهز رأسها بهدوء، عيناها مليئتان بالحب والحنان لا تعرف إلا التسامح.
كيف لها ألا تسامحه وهو أغلى ما منحته لها الحياة؟ ليس مجرد حفيدٍ، بل هو أملها بالحياة. قطعة من قلبها ونبضه.
قالت بصوت دافئ:
"سامحتك بالطبع يا يونس. اذهب ولا تقلق عليَّ. أعرف أنك مشغول دائمًا، لكن لا تنساني"
اقترب منها مقبلا يدها بلطف قائلا بنبرة مطمئنة:
"لن أنساكِ أبدًا يا ميثال، فأنتِ أغلى من كل شيء."
ربتت على خده بحنان تسأله:
"كيف تسير أمورك بالهندسة. هل تلتزم بالحضور؟"
تلعثم في الحديث مردفا:
"لا . اقصد نعم . يعني نعم سأذهب من هنا للكلية لأحضر بعض الدروس وأصور هناك بعض الفيديوهات كي انشرها لمتابعيني اشاركهم يومي"
تحدثت بنبرة متذمرة:
"ما هذه الترهات والسخافة؟ ولمَ سيهتم الناس ليومك وما تصنع به؟"
رد يونس بحنق:
"لأنني مؤثر ياجدتي لدي متابعين ومعجبين كثر ، هيا أعطنى يدك أقبلها ومن ثم سأذهب لاتحدث مع 'تلك' كي تعتني بك جيدا حتى أعود"
رفعت ميثال حاجبيها بضيق واضح وأردفت بحدة: "اسمها قمر يا يونس. ليست تلك".
رفع يديه ناحية كتفه بتململ وكأنه يتجنب الدخول في مزيد من الجدال ، وانحنى مقبلا يدها، وقبل أن يخرج وقف عند الباب برهة ونظر لجدته للحظة أخرى، كأنما يتمنى لو يستطيع البقاء أكثر، لكنه استدار في النهاية مغادرا وهو يعد نفسه بالعودة قريبًا.
بقيت الجدة تناظر رحيله وقلبها مليء بالدعوات الصامتة أن يحفظه الله وأن يعود إليها سالمًا.
اما قمر فكانت قد اتخذت قرارها السريع وهو أن تختفي حتى يرحل. تحركت بسرعة نحو الجانب الخلفي للقصر.
أخذت تتنقل بين الممرات المزخرفة تتأمل جمال التفاصيل والزخارف الفريدة التي تزين المكان.
و رغم غرابة القصر وقدم تصميمه، إلا أنها شعرت براحة غريبة تغمرها، وكأن هناك شيئًا خفيًا يربطها بهذا المكان، شيئًا يتجاوز الفهم.
بينما كانت تمشي وقعت عيناها على غرفة قديمة. هذه هي الغرفة التي أشارت إليها ميثال من قبل، محذرة إياها بأنها غرفة خاصة لا تحب أن يدخلها أحد. فهي تحتوي على خصوصياتها التي لا تشاركها مع أي شخص.
تذكرت قمر التحذير جيدًا، واحترمت رغبتها لذلك قررت الرجوع والابتعاد عن الغرفة والتوجه إلى الحديقة الخلفية.
دار رأسها فجاة بشكل عنيف. شعرت وكأن القصر كله ينقلب من حولها، الجدران تتراقص أمام عينيها. تجمدت في مكانها، وكأن قدميها التصقت بالأرض. حاولت التحرك لكن جسدها لم يستجب، ثقل غريب سيطر عليها، حتى فقدت توازنها وسقطت مغشيا عليها، مستسلمة للظلام الذي سقطت به.
مرت دقائق أو ربما أكثر قبل أن تفتح عينيها ببطء لتجد نفسها في مكان غير الذي سقطت فيه. دققت النظر لتجد نفسها في الغرفة التي منعتها من دخولها.
نظرت حولها بذهول لا تصدق كيف وصلت إلى هنا، ما الذي قادها إلى هذا المكان الغامض، ما زالت تشعر بالدوار، جذب انتباهها شيئًا ما في الغرفة وكأنها كانت في مكان يتجاوز حدود الزمان والمكان.
بدأت تتفحص تفاصيل الغرفة التي تغمرها أجواء الغامضة. أثاث عتيق، مرايا مكسوة بطبقة من الغبار، كتب قديمة تراكمت على الأرفف.
كل شيء بدا غارقًا في ذاكرة بعيدة، ذاكرة لم تكن قمر جزءًا منها، لكنها شعرت وكأنها تتنفسها.
بينما كانت تستجمع نفسها شعرت برائحة خفيفة تداعب أنفها. لم تكن تلك الرائحة غريبة عنها، بل مألوفة لدرجة أنها بدأت تقودها وكأنها تدعوها لاكتشاف مصدرها، تتبعت الرائحة حتى وصلت إلى صندوق خشبي صغير منحوت بعناية كبيرة كأنه يحمل أسرارًا لا تُفتح إلا لمن يملك الجرأة على مواجهتها.
فتحت الصندوق بحذر وإذا برائحة الأعشاب التي شربتها في الصباح تتصاعد منه، نبض قلبها بشيء من الدهشة والخوف.
كيف وصلت تلك الأعشاب إلى هنا؟ وكيف كانت جزءًا من هذا المكان الغامض؟ لم تستطع فهم العلاقة، هذه الغرفة وتفاصيلها بثت بداخلها شعورًا عميقًا بالتشابك بين ماضي هذا القصر وحاضرها. وضعت الصندوق مكانه.
كلما حاولت الهروب من هذا الشعور الغريب وجدت نفسها تنغمس أكثر في أسرار هذا المكان.
استدارت لتغادر، لكن عيناها وقعتا على لوحة معلقة في أحد جدران الغرفة ، لوحة مختلفة تمامًا عن كل شيء آخر في الغرفة . كانت اللوحة تعكس شيئًا عميقًا غير ملموس.
اقتربت منها ببطء وكأن شيئًا ما يجذبها نحوها بقوة لا تستطيع مقاومتها.
رأت في وسط اللوحة رضيع محاط بهالة ذهبية تدور حوله كدوامة من الضوء، بعضها موجه نحو القمر المرسوم خلفه.
ما أثار دهشت قمر هو أن النافذة التي يظهر منها القمر في اللوحة، هي نفسها النافذة التي تقف أمامها الآن في الغرفة.
شعرت بأن الزمن يتقاطع بطريقة غير مفهومة بين ما هو مرسوم وما هو حقيقي، وكأن اللوحة لم تكن مجرد تصوير فني، بل بوابة تربط بين عالمين.
عالم القصر الذي تعيش فيه الآن، وعالم أقدم، عالم غامض عميق، لا تعرف عنه شيئًا.
أدركت أن هناك شيئًا مخفيًا في تفاصيل هذه اللوحة، شيئًا يتجاوز مجرد فن مرسوم.
الرضيع والهالة والقمر بدوا وكأنهم رموز لشيء أكبر، ربما لغز قديم يخص هذا القصر، وربما يخص ميثال نفسها.
شعرت بأن كل خطوة اتخذتها، وكل لحظة قضتها في هذا المكان كانت تقربها أكثر نحو سر غامض يربطها بالقصر.
كانت عاجزة عن فك شفرات ما تراه، شعورًا غريبًا، عميقًا تسلل إلى داخلها. كأن شيئًا في روحها يدرك أن ما يحدث ليس مجرد صدفة.
شعور بالارتباط العميق بهذا المكان اجتاحها بقوة وكأن جدران القصر المتهالكة كانت تحمل نداءً خاصًا لها، نداءً من ماضٍ غامض لم تكن تعرف أنها جزء منه.
كلما طال وقوفها بالغرفة ازداد ثقل هذا الشعور، كأن الغرفة نفسها تطلب منها البقاء. تجذبها نحو سرٍ دفين، سر يتجاوز المنطق والحاضر. قلبها ينبض بسرعة، ويداها ترتعشان بخفة، لكنها لم تستطع تجاهل تلك القوة التي كانت تشدها.
أخذت نفسًا عميقًا، وأسرعت بالخروج من الغرفة، وكأنها تهرب من قيد خفي. خطواتها كانت سريعة ومرتعشة، تحاول الهروب من شيء لم تستطع فهمه بالكامل، لكن كان واضحًا أن شيئًا ما يربطها بهذا المكان.
ربما كانت الحقيقة أكبر من كل هذا الغموض الذي يحيط بها، لكنها لم تكن مستعدة لمواجهته.
وصلت إلى باب الخروج توقفت للحظة واستدارت لتنظر داخل الغرفة مجددًا، وكأنها تودعها لكن شيئًا بداخلها أخبرها أن هذه ليست النهاية بل البداية فقط.
أسرعت نحو السلم الذي يقودها نحو غرفتها، وكأنها هاربة من شيء لا تراه، لكن تشعر بوجوده. وصلت إلى باب غرفتها. توقفت. و تأملت المكان حولها بنظرة مشوشة، وكأن الجدران تتحدث معها بلغة لا تفهمها.
وقفت لبرهة همست وكأنها تتحدث إلى روح المكان:
"كأنني أعيش بين عالمين؛ أحدهما يسحبني إليه، غارق في غرابته، مليء بأسرار لا أستطيع فك شفرتها بطريقة ما يبدو وكأنه ينتظرني... والآخر يذكرني بمن كنت و بمن أعتقد أنني ما زلت….
شعرت بثقل يجثم على صدرها، ليس جسديًا بل روحانيًا، هذا المكان يحمل معها تاريخًا لا تملك السيطرة عليه.
أخذت نفسًا عميقًا، الهواء بدا مشبعًا بذكريات غير معلنة، تاريخ قديم تلتف حوله الأسرار، تشعر بارتباط غريب به، كأن حياتها الحقيقية بدأت هنا، في هذا القصر الذي بدا وكأنه يستدعيها منذ زمن بعيد.
همست بصوت مرتعش.
"لكن. من أنا حقًا؟. هل أنا جزء من هذا العالم الغريب الذي لا أستطيع التكيف معه؟ أم أنني مجرد زائرة غريبة تبحث عن مكانها؟"
أغلقت الباب جالسة على طرف السرير عيناها تتجولان في تفاصيل المكان، بينما أفكارها تتقافز في رأسها.
شعرت وكأن روحها عالقة بين حقيقتين واحدة تعرفها، وأخرى تشعر بها في أعماقها لكنها لا تستطيع أن تفسرها.
انتهى الفصل
#رواية_مَقْرَيْنُوس
#ضي_القمر_وظلمات_يونس.
يتبع ..
إلى حين نشر فصل من رواية #رواية_مَقْرَيْنُوس يوم الاثنين الساعة العاشرة مساءً… لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر، الخيالية والواقعية والفانتازيا حصرية لمدونتنا #على_أوتار_الحياة.