recent
جديدنا

احكي يا شهرزاد الفصل الثامن عشر

 احكي يا شهرزاد 

بقلم أمل محمد االكاشف



 



ظلم بلا ذنب

انتهى اليوم الجامعي بهذا اللقاء الكارثي ورؤية شريف لهم.

عادت شهرزاد لمنزلها بعيون حمراء باكية، استغرب بغدادي من حالتها تحدث بقلق:

 " ماذا حدث لعيناكِ ، هل كنتِ تبكي؟ ".

 

اسرعت بردها:

 " لا شيء و لماذا ابكي انا بخير حتى أنني لدي خبر سعيد لكما ".

 

جلست شهرزاد بجانب والدها  لتقترب امها وتجلس على المقعد المقابل لزوجها وابنتها متسائلة: " هل عاد إلهامك من جديد".

 

استقامت بجلستها بجانب والدها رافعة رأسها بشموخ وفخر قائلة:

 " سأشارك دكتور نديم بكتابة اصداره الجديد". 


اخفض بغدادي حاجبيه مصغرًا لعينيه يفكر بما قالته ابنته  ، لترد أمال: 

 " وكيف ستكتبيه معه؟". 


_" استدعانا لمكتبه وطلب منا أن نساعده بالبحث وجمع المعلومات والتواريخ المطلوبة لاستكمال كتابه وسيضع اسمينا عليه كمساعدين بهذا الصرح ".

 

 تحركت بجلستها لترفع ارجلها متربعة أعلى الأريكة وهي تسترسل بحديثها عن قيمة كتب استاذ نديم وحرص الجميع على اقتنائها فور طرحها بالأسواق، لما بها من معلومات قيمة عن الأدب،   كما ذكرت لهم أسماء كتب نديم السابقة وحصولهم على مبيعات كبيرة بمعرض الكتاب الدولي.


هز بغدادي رأسه قائلا باندهاش: 

" نعم اتذكر انكِ تحدثتي بالماضي عن إحدى هذه الكتب ولكن اكثر ما يثير فضولي هو طلبه المساعدة من تلاميذه المساعدة، إلا لو أراد أن يكون الكتاب مشتركا بين الأجيال ليناقش نظرة مختلفة يراها ويريد أن يوضحها للجميع".


_" لا ليس كذلك. لا يوجد طلاب أو ما شابه أنا وأستاذ شريف فقط من سيساعده بهذا، كما نعلم أحداث مرضه الأخيرة جعلته غير قادر على بذل الجهد والسهر والبحث لساعات ليجد ما يريده ونحن سنساعده بهذا". 


ابتسمت أمال فرحة بسماع إسم شريف يذكر من جديد قائلة بحماس:

"على بركة الله ، جعله الله فاتحة خير عليكم".


حك بغدادي أرنبة أنفه وهو ينظر لزوجته بأعين فهمت ما يجول بعقلها، سألته شهرزاد: 

 " أبي ألم تفرح ؟". 


أجابها وهو ينظر لحالة وجهها: 

" ولماذا لا افرح، ليكن خير يا إبنتي ليكن خير".


ردت شهرزاد قائلة: 

" أمين يارب العالمين".

 

صمتت لتفكر قليلا ثم نظرت لوالدتها موجهة لها سؤالها: 

" بطريق عودتي اتصلت بتوته ولم ترد عليّ، هل تحدثتم سويا اليوم". 


ابتسمت أمال وقالت:

 " نعم اتصلت بها كانت بسرايا البدري دعتهم ناهدة ليتناولوا طعامهم سويًا وسيبقون هناك  للمساء الله عليم ماذا يخططون هذه المرة". 


ضحكت شهرزاد باجابتها: 

  " هل تصدقين يا أمي أنني أصبحت اشفق على البدري منهم ، ما دخلهم هم بحياة الرجل يتزوج أو لا يتزوج أين المشكلة ما دامه غير مقصر مع أبنائه وعائلته". 


ردت امها بضحكة خبيثة: 

 " وافقي عليه يا شهرزاد كي نضع زيتنا في دقيقنا ونأخد ثواب هؤلاء الأولاد المساكين". 


ضحك بغدادي بجوابه:

" قصدك نضع خيرنا على خيره، هل غير الطمع مبادئك واصبحتي تفكرين مثلهم؟". 


تحدثت أمال مدافعة عن نفسها بقوة:

 " طمع ؟، لا تقل على ابنتي هذا. توته لا تفكر بهذا الشكل هي مختلفة عنهم تماما تتمنى أن تجد له زوجة جيدة من كثرة تعلق زوجها وحبه له ولكن دون طمع، لا تخلط بين إبنتي وفهمية وبناتها". 


رد بغدادي ليطفئ من انفعال زوجته قائلا:

" بهدوء ما بكِ مزحنا قليلا ، هل حرام علينا وحلال عليكِ المزاح". 


ضحكت شهرزاد بقولها: 

" جميل أستمرا بهذا الشكل دون أن تقتربا مني". 


رد بغدادي بضحكته الساخرة: 

 " أصيلة يا إبنتي. صدق من قال البنت سلاح ابيها".

 

 ردت شهرزاد على أبيها بنبرة ضحكهم:

" ولكنه سلاح ذو حدين اما أن ينجيه أو يهلكه، لم أتي بشيء من عندي أنت من يخبرنا بهذا دائما". 


أجابها والدها برضا كبير:

 " رضي الله عنكم وجعلكم قرة عين ونجاة لنا دائما".


ردت أمال لتشاركهم ضحكهم ومزاحهم:  

" آمين ولكني لا زلت عند رأيي لنزوجها له ونرتاح منها". 


قامت شهرزاد مسرعة لغرفتها:

 " ساهرب قبل أن  تجعلوني تسلية السهرة".


وبالفعل دخلت غرفتها واغلقت عليها ليتحدث بغدادي بصوته المنخفض: 

" لم يعجبني مزاحك بهذا الموضوع لا داعي لفتحه من حين لأخر ضعي هذا بعقلك ،  وأيضا ما شأننا نحن بهذا فليكرمه الله بزوجة صالحة تحفظه هو وأبنائه الرجل محترم حقا ولم يقصر بالواجبات حين تريه تعتقدين انه صغير بالسن واكتسب هذا السيط من نفوذه فقط ولكن عندما تُحدثيه تجدين به أكثر مما قيل، لم أنسى ما فعله بعزاء والد مدحت الرجل يهتم بالجميع الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني يتحرك بنفسه ليستقبل أهل البلد ويهتم بجلوسهم وضيافتهم  واغرب شيء تجديه عند وضع طاولات الطعام يبحث عن الناس ويرسل خلفهم ليناديهم" .


ردت أمال:

" والله يا بغدادي الرجل ارتفع بنظري عندما أخبرتني بما فعله بعد انتهائكم من تناول الطعام". 


_ " نعم والله لم أزد عليه بكلمة واحدة. لقد سمعته صدفة دون أن يلاحظ وجودي حتى  كنت أنا بالداخل وهو خلف النافذة يوصي الرجال بوضع باقي الأطعمة النظيفة بالعلب ويرسلوهم للفقراء دون أن يخبروا احد بهذا، ان قالها لي مدحت أو توته كنت سأقول انهم يعطونه اكثر من حجمه ". 


أومأت أمال رأسها وهي تجيبه: 

" نعم انت محق ولكني اعتقد انها عادة لديهم  فليس هو فقط من يفعلها حكت لي توته أن الحجه فهمية  تجمع خيرات المنزل والأطعمة النظيفة  المتبقية وتغلفها وترسلها لعدة منازل بجانبهم". 


هز رأسه عدة مرات قائلا: 

 " ليس بجديد على أهل الوادي الكرم كفالة الفقراء، لقد توارثوها أبًا عن جد فلا تجدي من ينام دون طعام يشبعه، فرغم إن الخير كثير فيها إلا إن معدلات الفقر كبيرة جدا هناك، كما أنها  أكثر الأماكن التي تجدين بها الطبقية بشكل واضح الأغنياء هم من يملكون الأراضي و الأفدنة والفقراء هم من يعملون لدى أصحاب تلك الأراضي، طبعا أصبح الوضع مختلف كجميع المحافظات عندما غزى التعليم العقول والبيوت وأخرج أطباء ومهندسين وأساتذة وموظفين بكل المجالات مما قلل من حدة هذه الطبقية ، ورغم هذا ايضا تجدين الأغنياء هم من خلفهم الأطيان والمزارع والبقية يحاربون بهذه الحياة يحاولون أن يسيطروا على رواتبهم لتكفيهم لأخر يوم بالشهر ". 

 

_" ليس هم فقط وهنا أيضا الأغنياء بالسماء وباقي الشعب يحارب بالحياة ولولا فضل الله ثم حصصنا في مزرعة الألبان والدواجن ما كان هذا حالنا ". 


أومأ بغدادي رأسه بحنين غلبه الحزن: 

" رحمك الله يا أبي يومها وضع كل ما يملك مع شريكه وأوصاني أن لا أفرط بها مهما حدث ". 


ردت أمال: " وكان محق رغم تعرضنا للخسارة اكثر من مرة إلا أننا صمدنا واستمرينا وأكرمنا الله بالخير".


وبرضا كبير أجابها: 

" الحمدلله أدامها الله  نعمة علينا، ولكني مللت من ملازمتي للبيت وأفكر أن ابحث عن مشروع جديد يسلي وقتي". 


وبسرعة وخوف قالت: 

" لا وألف لا لقد أقسمت بآخر مرة ان لا اشجعك على هذا الأمر يكفينا ما خسرناه خلف مشاريعك، نحن بخير هكذا نصرف و نشتري ما نريد و نضع مجمل الربح في البنك آخر العام رضا لا نريد أكثر من هذا ".


و بصوت حنون اراد به ان يقنعها برأيه تحدث بغدادي: 

 " يا أمال زيادة الخير خيرين و جميع ما يأتي للبنات بالمستقبل ". 


وقفت لتنهي الحديث 

 " اترك خير البنات لحاله في البنك وانظر لراحتك وإن مللت اذهب لأبو عصام أو أبو ناجي لتتسلى معهم ". 


سألها قبل أن تتحرك:

 "   اين ستذهبين ؟".

 

أجابته بطريقها للمطبخ:

 " سأبدأ بتجهيز الحواوشى أخذنا الكلام و نسيت أمره ".

 

_ " أضيفي الفلفل الحار و التوابل الجديدة الخاصة بالحواوشي ، و لا تنسي أن تحضري لي الشاي قبل كل هذا".


علا صوتها 

 " لا وقت لدي، تعال اعمله لنفسك ".

 

مر الوقت واجتمعت العائلة على مائدة الطعام يتناولون من خيرات الله وهم ينظرون لشرود شهرزاد وعيونها الحزينة.


 يتساءلون بداخلهم ما الذي أوصلها لهذه الحالة في حين تلقيها عرض مميز لم تحلم به حتى بخيالها.


انهت طعامها قبلهم و رفعت بعض الاطباق ووضعت الشاي على الموقد واسترسلت بتنظيف المطبخ وترتيبه لتزيد من دهشة امها وخاصة انها كلما تحدثت معها تجدها شاردة تجيبها: 

" اعتذر لم استمع لما قلتي هل كنتي تتحدثين معي ".


 ليزيد هذا من قلق أمال على ابنتها.


رفضت شهرزاد مشاركتهم شرب الشاي تحججت بإرهاقها ذاهبة إلى صومعتها قاصدة فراشها  بقلبها المكلوم بحزنه وضيقه وعقلها الذي لا زال يفكر بالماضي مستمعا لدوي صوت زيزي و هي تقول: 

" أنا لست مجبرة على الموافقة وكأن العالم كله أفرغ من الفتيات، فحين كنت اختار له من يستيقظ على جمال طلتها ونصاعة بياضها ورقة حسها كان هو يركض عكس الاتجاه تماما انظري لما ترتديه بهذا الحدث لا شيء مميز لا شيء مميز ".


 

مسحت دمعتها وهي تكتب بدفترها عدة كلمات تستجوب نفسها بنبرة عتاب:

 " هل كان سيئا لهذا الحد؟". 


تذكرت أمها وأختها وهم يقنعوها بشراء فستان جديد يليق بالمنتدى دون أن تستجيب لهم ، اغمضت عينيها بحزن حدثت نفسها بهِ: 

 " وهل كان لدي عقل لكل هذا، وهل يطلب من مودع تفاصيل وداعه ".


أغمضت عينيها لتراه أمامها يحدثها قبل صعودها لمنصة المنتدى ناظرا داخل عيونها قائلا: 

 " ستفعليها أنا أثق بكِ ستتفوقين على نفسك ".

 

ثم ابتسم ليبث الأمل والراحة بقلبها مكملا لها: 

 " حتى أنني أرى من الان نجاحك امامي ونزولك من على هذه المنصة بوجه فرح ولكن احذرك من الان  اياكِ بوقتها أن تنسيني سأحزن منكِ".

  


دمعت عيونها المغمضة من جديد  وهي تشعر بقربه وسحبه هاتفها وحقيبتها من على ظهرها وكأن المشهد يحدث للتو.


 غاصت اسفل غطائها لترفعه عليها وهي تتذكر عيونها التي علقت بعيونه وابتسامته وحماسه وهو يحدثها عن نجاحها وكأنه حقا يراه قبل أن تبدأ ، تذكرت كيف صدمته يومها بقوة.


حزنت وتكورت بنفسها لتعلقها الذي اصبح واضح وملموس بقلبها مما جعلها تنام ليلتها ودموعها تملئ عينيها.


 عكس شريف الذي نام وهو  يتعهد لنفسه أن يجعلها تندم على رؤيتها له ، أتته أمه بجوف الليل تفتح طرف بابه لتنظر نحوه كي تطمئن قلبها وتخدع ضميرها بقول انه بخير انه نائم براحة انه يتعافى.


أغلقت الباب لتتركه بأحلامه دون أن تعلم أنه كان يرى سلطانة قلبه بها وهي بجانبه تضحك وتتمايل عليه قائلة له: 

" لن اتركك حتى ترضى عني".

 

 بوجه حزين متذمر رد عليها بدلال كبير:

  " لا لا استطيع فهذه المرة شهريار هو من حزن منكِ ولستُ انا ".

 

 رفعت شهرزاد شعرها المنسدل من على وجهها لتقترب و هي تقول:

 " ان كان شهريار هو من حزن فأنا أعلم جيدا كيف اصالحه". 


اجابها بوجهه الذي كان يمثل الحزن عليها :

" وكيف ستصالحين شهريار عصره و زمانه  "

ضحكت شهرزاد بصوت ساحر مقتربة منه كي تجلس على قدميه بدلع وتمايل قائلة:

 "  ومن تسحر البنات برؤيته ".

 

رفع يده ليستمتع بملمس اطراف شعرها الذي يتحرك مع حركة رأسها و هي تتدلل عليه بعرضها المغري:  

" هل احكي لمولاي قصة الأميرة المحبة لأميرها ".

 

 هز رأسه رافضا :

" من يحب لا يستطيع احزان من أحبه وأنتِ أحزنتني هذه المرة دون أن تفكري بي".

 

 لفت ذراعها لتحاوطه بها وهي تقبله من وجنته قبلة انسته بها اسمه واخرجته من حزنه  متحركة بعدها لتتركه مبتعدة عنه وهي تقول له:

" اذاً لن اضغط عليك ساتركك براحتك".


 مد يديه ليمنع ابتعادها عنه ويخبرها أنه عفى عنها بعد قبلتها و لكنها رفضت أن تعود، سحبها نحوه بقوة  لترفض وتشدد من نفسها مبتعدة عنه بغضب: 

" اتركني ، ابتعد عني".


 تحرك خلفها بخوف قلبه المحب ليجدها تقلل من احترام والدته، اقترب اكثر ليلحق به صوتها الذي كان يخبره انهم اخوة ولا يمكنهم أن يتعدوا إطار الاخواة و الاستاذ و تلميذته كان هذا الصوت يدوي بأذنه ليلحق به قبل ان تلحقها اقدامه.


 تكرر وعلا صوتها بأذنه ليوقظه على ما ابتدى بحلم جميل وانتهى بكابوس حزين.


اخذ نفسا عميقا وحبسه داخله محاولا تهدئة داخله المشتعل بغضبه على نفسه أكثر من أي شيء آخر ، فكيف له ان يحلم بها بعد كل ما حدث؟.

 ساواجه ضعفي

تحرك وخرج من غرفته بثورته الغاضبة على نفسه متجهًا للحمام ليفعل ما لا يخطر على ذهن أحد حين فتح الماء البارد ونزل اسفله بملابسه صارخا بقوة داخل كف يده: 

 " انا لست ضعيف،  سأنساها، انا لست ضعيف".


 كان صوته يهمس بصرخات يحاول ان يخرجها دون أن يشعر به احد ، اغلق كفه على فمه وهو يعيب على ضعفه وقلبه الذي ما زال يحلم بها حتى أنه عض على كفه بقوة أراد بها أن يهدأ النار المنبثقة من داخله. 


تحرك أمين من امام باب الحمام متوجها للصالون بحزن كبير ملأ قلبه على ابنه انتظر خروجه ودخوله لغرفته حتى تحرك ودخل من بعده الحمام ليقضي حاجته متفاجأ بحالة ملابس ابنه المبللة ، فلم يخطر بباله ابدا أن يستحم ابنه بملابسه شك بأمر الماء نظر للحمام الذي كان من المفترض أن يكون معبأ بالبخار الساخن كالمعتاد مقرب من ملابسه المبللة المعلقة ليجدها لوح ثلج بارد ببرودة طقس ديسمبر،  نغزه قلبه من شدة  حزنه عليه فإن كان شخصا غير شريف كان من الممكن ان يمرر له هذا الفعل دون أي سوابق مبنية عليه اما ابنه شريف لا لا يمكن فعلها.


كان أمين محق بحدسه ليس لأنه اب ويشعر ويعلم بابنه فقط ولكنها الحقيقة الواضحة وضوح مرئى العين فكيف لشخص عاقل أن يستيقظ الساعة الرابعة فجرا ليأخذ حماما باردا في منتصف ديسمبر القارص دون أن يبدل حتى ملابسه .


ذهب لغرفته ليجلس على فراشه بعد ان صعب عليه تحمل صقيع الصالون الكبير، رفع الغطاء ليصل لمنتصف جسده بجلسته الحزينة التي بقيت لوقت طويل بعد أن هرب النوم من عينيه، استغربت زيزي من وضع زوجها تحركت لتجلس بجانبه متسائلة:

" ما بك هل تنتظر الفجر".

 

رد أمين عليها بصوت منخفض: 

" لقد اقمته بوقته ".

  

مسحت على وجهها وهي تتثاوب ليبدأ هو حديثه الحزين: 

" لقد تغير كثيرا بصمتهِ وحزن عينه وحدته التي جعلت منه شخص مختلف".

 

 ردت زيزي لتهدأ منه:

" سيتحسن لا تقلق يحتاج لبعض الوقت فقط ليستعيد نفسه من جديد ".


 ابلغها زوجها عن ما رآه قبل قليل لتتغير ملامح وجهها وإنقبض قلبها خوفا عليه تحركت بسرعة لتذهب إليه ، رفض أمين أن تذهب لابنه وشدد عليها ان تتصرف معه وكأنها  لم تسمع بما قام به بمنتصف الليل. 


 ردت على زوجها بنبرة حزنها:

" والان ماذا سنفعل؟". 


_ " سنقوم لنبدأ يومنا طبيعي كالمعتاد وتحدثي مع سناء لتحضر الفطور بوقت ابكر اليوم". 


تم الأمر تحركا ليبدأا اليوم بشكل طبيعي دون أن ينتظروا انضمامه لهم للفطور بعد أن فتح موسيقى هادئة من خزائن التراث الفيروزي .


ابتسما بوجهه وسايروه الأحاديث وداخلهم مندهش من حالته وضحكه مع سناء  لتأتيهم مفاجئتهم حين سأل أمه عن ابنة ذكري سالم.


 ردت عليه باستغراب: 

" هل تقصد هنادي؟".

 

وبابتسامة اقلقتهم وأدخلت الخيفة بقلبهم ضحك شريف مجيبا عليهم: 

"  نعم اعتقد انها هي، اسم جميل بداية مبشرة ".

 

رد أباه: " اي بداية عن ماذا تتحدث". 


رد شريف ليصدمهم قائلا:

" كان هناك عرض لعروسة فائقة الجمال كاملة المواصفات هل لا زال العرض قائما؟".

 

ثم نظر لأمه التي ردت عليها بسرعة:

 " لا لم يعد موجودا لقد ارتبطت من شخص اخر".


رد أمين بتساؤل:

"  خير ما بكِ و من أين خرج أمر ارتباطها كنت اجلس بالأمس مع ابيها ولم يخبرني بأمر كهذا وخاصة اني سألته عنها وضحكنا سويا بأمر زواج الاولاد وفرحتنا بهم ".

 

رد شريف بقوة و ثقة قائلا:

 " جميل اعتقدت أنه سيتحقق حلمكما بهذا أبلغ والدها كي نذهب لطلبها منهم ".

 

ردت أمه عليه:

 " ليس بهذه السرعة اجلسا مع بعضكما تحدثا وتعرفا ومن بعدها نذهب نحن لنقوم   بالرسميات".

 

وبابتسامته التي لا زال يقلقهم بها رد على أمه: 

" لا داعي لهذا ما مادمتم رأيتمونا مناسبين ، لا تجعلونا نأخره أكثر من هذا". 


تحرك وهو يستأذن منهم كي لا يتأخر على الجامعة اقترب من أمه وقبل رأسها ثم اقترب من أبيه وقبل يده ورأسه.


بقيا على حالتهما ينظران لحركته وتجهيزه لنفسه وهو يدندن مع الموسيقى حتى خرج من المنزل لينظر أمين لزوجته قائلا:

 " ماذا حدث له وكأنه عاد من جديد".

 

لم ترد عليه من شرودها وحزنها على ما آل إليه ابنها  ، تحدث أمين من جديد قائلا

 " سأتحدث اليوم مع ذكري ونرى ما سنفعله لا داعي للتأخير كما قال شريف لنفرح وتضيء سمانا من جديد". 


ابتلعت زيزي ريقها قائلة بقلق:

 " لا تتحدث مع احد انتظر يومين او اكثر حتى نتأكد من صدق ما قاله ومن ثم نتحرك لنأخذ خطوات ثابتة،  فدخول البيوت ليس بلعبة ندخلها اليوم ونعتذر بالغد ".

 

_ " ومن أين أتيت بالاعتذار سنذهب ونضعه امام الامر الواقع لا تقلقي البنت جميلة ومهذبة وستأكل عقله وتنسيه همه صدقيني ستنسيه ما هو به ".

 

ردت زيزي بنفس حالتها الغريبة:

 " لا ليس اليوم اتركنا لنفكر بحكمة و اراجع  باقي الاختيارات السابقة حتى لا نندم بعدها".

 

وبنفس حماسه وقف أمين قائلا: 

" لن اسمع كلامك سأذهب اليوم او اكتفي بالاتصال ان لم تتيح الفرصة لقائنا و نتحدث حول هذا الامر بعقلانية اتركيه علي هذه المرة ".

 

غضبت على زوجها قائلة له:

 " ما بك قلت لك لا يمكن اليوم لنفكر بحكمة وعقلانية كي لا نندم ".

 

وتحركت مبتعدة وهي ترفع صوتها متحدثه:

 " سناء،  نعمة، أين أنتما ".

 

ردت سناء ملبية النداء:

" نعم يا هانم ".

  

_ " حضري لي القهوة سانتظرها بالصالون لا تتأخري عليّ ".

 

وبعدم رضا تحدث أمين ليقول:

" لم اقتنع بما تقوليه لكني سأصمت ليومين لا أكثر وبعدها لا تلومين إلا نفسك ، كأني أحدث شخص آخر وكأني انا من كان يدقق ويبحث ويعرض عليه صور البنات الفاتنات ذوات الأصول و النسب العالي".


_ " أمين ليس وقته الآن من غير شيء رأسي يؤلمني من فضلك لا تتحدث بهذا الأمر".

 

تحرك ناظرا لساعته:

  " تمام سأذهب لعملي الواضح انكِ مصرة بان تضيعي علينا فرحتنا ".

 

أتت سناء بالقهوة مقتربة من زيزي لتضعها أمامها ثم نظرت لأمين قائلة:

 " تأمرني بشيء يا أمين بيه ".

 

أجابها امين وهو يتحرك باتجاه الباب:  

" شكرا لكِ ، لا داعي لبقائنا ".

 

خرج أمين بضيق صدره لتنظر سناء لزيزي بصمت واستغراب من شرودها بوجه غريب،  تحركت سناء بهدوء تخوفا من غضبها عليها.


‏●▬▬▬▬▬๑۩۩๑▬▬▬▬▬●


عبر شريف بوابة الجامعة  بشموخ وثبات مسطر به دخولا اسطوريا بثباته ولياقته واناقته المعتادة أتاه صوت من الخلف ينادي باسمه: 

" استاذ شريف،  استاذ شريف".

 

 اغمض عينه وهو يمزج شفتيه ببعضهم بقوة ممن اقترب صوتها اكثر و اكثر.

 

استجمع نفسه واستدار قليلا جهة صوتها ليسألها بعينه دون كلام  ، بدأت هي حديثها:

 " صباح الخير، ستقول لي لماذا أتيتي مبكرًا وليس لديكِ محاضرات اليوم؟ حضرتك محق ولكني تحمست كثيرا وأردت أن أتي لنبدأ اليوم أولى خطواتنا بمساعدة استاذ نديم":

 

ابتسم لها بفراغ كبير:

" جميل الحماس دوما يقودنا إلى النجاح. لهذا اياكِ أن تتخلي عنه ولكن عليكِ أن تحدثي استاذ نديم عن هذا و لستُ انا".

 

نظر بجانبه ليجد مهربة قائلا بوجهه الذي لا زال مبتسما:

 " استاذة أسماء صباح النشاط لا زال الوقت مبكرا لمجيئك ".


 انتظر شريف اقترابها منهم ليتحرك جانبها مكملا سيره وهو يحدثها:

 " أخبريني ما سبب قدومك بهذا الوقت".

 

 تحدثت أسماء بفرح:

" اتصل بي أستاذ عماد وتبادلنا مواعيد المحاضرات".

 

_" اووووو وهل الادارة لديها علم بهذا ".

 

ردت أسماء بقلق: 

" هل هناك مشكلة بهذا ؟".

 

ضحك بصوت عالي أراد أن يسمع لمن تركها خلفه مجيبًا:

 " لا يوجد كنت أمزح معكِ والان ساتمنى لكِ يوما جيدا".

 

سألته باستغراب:

 " إلى أين أنت ذاهب؟".

 

ابتسم شريف من جديد: 

" استاذ احمد ينتظرني بالمكتبة، يوم عمل موفق".

 

 افترقا قبل مبنى الإدارة ليذهب كلا منهم لقبلته.


جلست شهرزاد بمكانها المعهود تنتظر قدوم أستاذ نديم الذي طال كثيرًا فتحت دفترها لعدة مرات كي تكتب به دون فائدة.


دخلت المحاضرات لتبدأ الأولى وتنتهي وتأتي من بعدها الثانية وتنتهي أيضا، ملت بجلوسها وانتظارها تحركت من جديد نحو مبنى الإدارة لتسأل للمرة الثالثة عن موعد قدوم أستاذ نديم، طرقت الباب ودخلت المكتب لتجده داخله تحدثت إليه قائلة:

 " كنت أريد أن اسأل عن استاذ نديم لقد تأخر كثيرا".

 

أجابها وهو ينظر للأوراق أمامه:

 " ليس لدينا خبر بموعد قدومه".


ردت شهرزاد بقلق: 

" لقد تأخر كثيرًا كنت اتمنى ان نقوم بأي عمل حتى قدومه إن كان قد أخبرك بأي تفاصيل خاصة بكتابه نستطيع أن …" 

قاطع حديثها قبل ان تكمله:

 " لا. لم يخبرني بشيء ليس أمامك سوى الانتظار أو الذهاب و العودة غدا لتتحدثي مع صاحب الشأن بنفسك ".

 

أتت أسماء للمكتب قائلة:

 " لقد أكلوا رأسي من كثرة أسئلتهم وأحاديثهم ".

 

أجابها شريف بوجه مبتسم تحدث به:

" يحدث نتيجة تساهلك معهم لهذا عليكِ أن تعتادي عليهم".

 

_" ماذا افعل أنت تعلم لا استطيع كسرهم".

 

تحدث ليكيد من نسيت نفسها حين وقفت بمكانها تشاهد انسجامهم قائلا:  

" اخبريني هل كتبتي فصول جديدة بقصتك، تشوقت كثيرا لمعرفة المزيد".

 

 تحدثت أسماء بفرح قائلة:

" نعم كتبت فصلين بل وما يقرب عن ثلاث فصول إن أردت احضر الشاي ونجلس لالقيهم عليك" .


_ " بكل سرور عجلي بالشاي إذًا كي لا نهدر الوقت ".


 تحركت أسماء بفرح نحو محضر الشاي الكهربائي وبدأت بوضع الماء به ..

نظر شريف نحو من تراجعت خطوات للخلف قائلا: " هل تريدين شيء آخر".

 

هزت رأسها بالنفي دون اجابة واضحة مسموعة لتطول نظراتهم الصامتة  لبعضهم عدة ثواني تحركت شهرزاد  بعدها نحو مخرج مبنى الإدارة .


وقف وتحرك خطوات مقتربًا من نافذة المكتب المطلة على المخرج كي يتبع سيرها دون أن تراه ، انتظر ظهورها مستغربًا تأخرها فكان عليها ان تخرج منذ وقت انتظر وانتظر حتى توقع انها خرجت بسرعة البرق قبل ان يقترب ويُراقب، أتت أسماء بجانبه وهي تحمل كأس الشاي لتعطيه له قائلة: " عافية لك".

 

نظرت من النافذة كما يفعل هو:

" الطقس جميل اليوم اعتقد انه تأثر بجمال ما كتبته ".

 

قالتها لتخرج منها ضحكة شبه عالية 

ابتسم شريف قائلا:

 " لنرى أولا ومن ثم نقرر نحن صحة ما تقوليه".

 

علا صوتها وهي تؤكد له انها كتبت أجمل ما عندها وتحركت بحماس نحو حقيبتها واضعة كأس الشاي اعلى المكتب قائلة:

  " لم اتحمل الانتظار اكثر من هذا سأقرأ لك ونحن نشرب الشاي".

 

نظر من النافذة آخر نظرة قبل أن يتحرك ويذهب بجوارها ثبت حين وجدها تقف بزاويه تنظر نحوهم بغرابة وشرود زال بمجرد انتباهها لرؤيته لها لتسرع بتحركها ودخولها الممر الذي بجانبها مبتعدة عن مد بصره.


وعلى الرغم انه لا يريد سماع ما أوقع عبئه عليه إلا انه اعتبره دواء لجروحه كدواء السعال سيء المذاق ولكنه جيد المفعول، جلس واستمع و وضع ملاحظاته الأولى بل وفتح آفاق جديدة بالقصة ، يأست شهرزاد من قدوم استاذها تحركت لتخرج من  الجامعة بضيق وفراغ كبير بقلبها لم تشعره من قبل . 


……..


ظهور الحقائق


 تغيب استاذ نديم عن الجامعة عدة أيام خجلت شهرزاد من الاتصال به وخاصة انها اتصلت بأول يوم وأخبارها أنه بخير و يحتاج الى الراحة  فقط ، ترددت ان تذهب لمبنى الادارة في اليوم الرابع كي تسأل عن قدومه من عدمه كي لا تتواجهة مع أستاذ شريف ، تمنت ان ترى شخص اخر مستعدة لتحمل حدته وجفاءه بمقابل الاطمئنان على استاذها.


 دخلت المكتب قائلة: 

" السلام عليكم أعتذر للازعاج ولكني أردت ان أطمئن على صحة استاذ نديم".

 

رفع شريف نظره من على الكتاب الذي بيده ناظرًا لها نظرة جعلتها تندم على قدومها قبل ان يتحدث ويصدمها قائلا: 

" هل أصبح الاطمئنان على أستاذك حجة تثقلين بها على أساتذتك، بأخر مرة قلتي انكِ ستتصلين وتطمئنين بنفسك ماذا جد لتأتي لنا بين الحين والآخر هل نحن متفرغين للرد عليكِ ".

 

ابتلعت ريقها الذي تحجر بدموعها حاولت التماسك امامه بصعوبة قائلة: 

" أعتذر مرة اخرى ولكني قلقت عليه وخجلت من ان اتصل مجددا به كي لا ".

 

قاطعها شريف بحدة:

 " وما دخلي أنا بخجلك هل أتيتي لتشرحي لي هذا؟ هل نحن بعينك متفرغين لهذه الدرجة  التي تسمح لنا بسماع همومك و مشاعرك؟".

 

كادت ان تبكي امامه من شدة حدته وقوة عينيه ابتلعت ريقها من جديد لترد بعدها بصوت اختلط بنبرة بكائها المحتبس داخلها قائلة:

" اعتذر منك لم أكن أعلم أن قدومي سيغضبك لهذه الدرجة ".

 

وقف شريف بقوة أكمل بها:

" لا يستطيع أحد اغضابي كل ما أردت إيصاله لكِ أننا لسنا متفرغين للحد الذي يجعلك تترددين علينا كلما شئتي".

 

طالت نظرتها المعاتبة بعيونها اللامعة بدموعها الثابتة قائلة بعدها  بصوت خُفض نبرته: 

" فهمت درسي جيدًا لن أتي مجددا ولن اضغط عليك حتى سأحاول أن لا أظهر أمامك مجددا كي لا تغضب".


_ " مجددا! تربطين الأمر بكِ وكأني انتظرك لاغضب أقول لكِ أنه لا يستطيع أحد اغضابي وانتِ تقولين كي لا تغضب ".

 

مسحت دموعها التي لم تستطع حجبها ومنعها هذه المرة و هي ترد عليه: 

" ماذا فعلت أنا لكل هذا،  لماذا تعاملني بهذه الحدة، هل كل هذا لأنني أتيت لأطمئن على أستاذي".


 شهقت شهرزاد ببكائها المكتوم: 

" هل استصعبت قول انه بخير أو إنك لا تعلم عنه شيء، هل قول هذا يستوجب كل ما فعلته، ولكنك محق تظل بالأخير أستاذي وأنا طالبة هنا ولا يحق لي أن اراجعك بكلامك، بالاذن منك ".


تحركت لتخرج من المكتب وهي تمسح دموعها ليتحرك خلفها بخطواته المتثاقلة ، قابلته أسماء لتقول بنبرة ضاحكة:

 " من المؤكد انكِ أتيتي لتسألي عن أستاذك".


 ثم نظرت لشريف الذي ظهر وجهه أمامها قائلة: 

" وكأنه استاذها بمفردها، لقد غار قلبي الان ورغم هذا ساعطيكِ اجابة سؤالك ".

 

تحركت شهرزاد لتكمل سيرها قائلة: 

" شكرا لكِ  لقد اطمئنيت عليه من استاذ شريف، بالإذن منكم".

 

اقتربت أسماء من شريف ثم استدارت لتنظر خلفها نحو شهرزاد متسائلة:

 " ما بها أنا لم أراها بهذه الحالة من قبل ".

 

_ " لا شيء كانت تسأل واخذت اجابة سؤالها".


تحرك لتسأله أسماء:  " إلى أين؟".

 

استغرب سؤالها ليجيبها بحدة:

 " ولماذا سألتي هل اردتي شيء".

 

أجابته وهي تراقب حالته الغريبة:

 " لا شيء شكرا لك أتيت لأخذ حقيبة اللاب توب خاصتي".

 

تحرك ليكمل سيره ليخرج هو ايضا من مبنى الإدارة مختنقا بلقائهم وما حدث بينهما فهو يعلم جيدا حجم خطئه  وما خرج منه دون وجه حق.


 أخذته خطوات أقدامه لمكانهم البعيد عن الأنظار ليتفاجأ بوجودها هناك،  تراجع بتخفي خطوات مستترًا بإحدى الأعمدة الكبيرة ناظرًا خلفه كي يتأكد من خلوا المكان من غيرهم، عاد لينظر لبكائها بحزن معرفته أنه السبب به،  فكر ان يذهب ليعتذر لها عن تماديه بالحديث معها، بهذه اللحظة ارتفع صوت رنين هاتفها اخرجته لتنظر له دون أن تجيب تنحى للوراء أكثر فأكثر حتى ابتعد بشكل كامل .


حاولت السيطرة على نفسها وما تلقته من معاملة سيئة ثم وقفت ماسحة دموعها بعد أن توالت اختها بالاتصال بها..


 أرسلت لها رسالة  نصية

" انتظري سأتصل بكِ عندما أكون متاحة فأنا بالجامعة الان".

 

اغلقت توته هاتفها بعد أن رأت رسالة اختها، ليحدثها مدحت: " ألم تجيبك؟".

 

_" أرسلت لي رسالة اعتقد انها بالمحاضرة أو مع أستاذ نديم ستحدثني عند خروجها ".

 

اقترب منها ليقبلها من جديد فرحا ببشارتهم .


سمع صوت أمه تقترب من الغرفة وهي تنادي: 

" يا مدحت ، أين أنت لماذا لا تجيبني".


تراجع مدحت للخلف وهو يبلع ريقه ليرد على أمه:  " أنا هنا يا أمي ، تفضلي ".



استقامت توته بجلستها على الفراش وعينيها على فهميه التي جاءت لتطمئن عليها ، رد مدحت على أمه: 

" لم أسمع ندائك ماذا كنتِ تريدين ".

 

تحدث فهمية متسائلة: 

" هل اختار بدري عروسة دون ان تخبرني، هل تركتني لأعرف هذا من الغريب ".

 

رد مدحت باستغراب وعلامات استفهام كثيرة قائلا: 

" من أين علمتي بأمر عروسة البدري".

 

ردت توته من الخلف:

 " هل خطب البدري دون أن تخبرنا؟".

 

_ " و الله خاف قلبي الان، ما هذه البلد! ألا يستطيع الإنسان اخفاء امر عنكم !".

 

ردت فهميه بقلق قائلة:

" أخبرني من تكون هل بكر؟، كبيرة أم صغيرة تحدث من أي عائلة أم هي غريبة عن البلد ".

 

أنهت فهمية استجوابه لابنها ليليه استجواب توته:

 " هل اختارها لجمالها، يا ترى من أي جامعة تخرجت".

 

 أجابهم مدحت بضيق:

" لن أتحدث قبل ان أعلم من اخبرك يا أمي بهذا الموضوع أنا متأكد من عدم معرفة أحد غيري أنا وهو، أين هاتفي لأتصل به واسأله من علم غيري".

 

ردت امه بسرعة:

" لا تتصل بأحد سأقول لك وإياك أن تخرج سرها حتى لا أظلم يومك، لم اسمع من غريب سمعت ناهدة حديثكم عن طريق الصدفة وفهمت أن الأمر به عروسة جديدة ".


أومأ مدحت رأسه قائلا:

" نعم ومن غيرها لقد وضعت القهوة وتحركت بعدها بساعة  تتحجج بالفازة والكسر الذي بها ".


ردت فهمية على ابنها:

" لا تظلم أختك لم تستمع لحديثكم أنت من سيكمل لنا ".

 

خرج من الغرفة:  " سأذهب للحمام ".    


قاطعته فهمية لتمنع ذهابه:

" أين ستذهب تعال هنا واحكي لي من هي".

 

أكمل مدحت خروجه رافضًا إخراج سر إبن عمه.


تحدثت توته من على فراشها: 

 " نعم احكي لنا نريد أن نتعرف عليها".


نظرت فهميه خلفها لتقول لزوجة ابنها بضيق: 

" لن ينزل الطفل من الحركة، لا اعتقد إنكِ ستقضي تسعة أشهر بهذه الحالة تحركي ففي الحركة بركة ".

 

ردت توتة عليها:

" بعد الشر.  طبعا لن اقضيهم بالفراش ولكن كما تعلمين ظهري يؤلمني سارتاح ومن ثم أتي إليكم ".

 

تحركت فهمية لتخرج مغلقة الاضاءة قائلة:

 " نعم نامي وارتاحي ولا تحملي هم عندما تشعرين بالراحة اخرجي إلينا ".

  

 أغلقت الباب خلفها وهي تحدث نفسها:

 " كيف سأتحمل دلعها بحملها، من غير شيء طفح كيلي من دلعها وصغر عقلها، صبرني يارب كي لا أفقد عقلي".


حل المساء وسكن الجميع بهدوءه عادت توته لتتصل باختها لتعطيها البشارة بنفسها بعد ان اوصت امها أن لا تخبرها ، فتحت شهرزاد هاتفها بنومها  " آلو " 

 ردت توتة بعتاب:

" من المفترض أن لا اتصل بكِ ألم تقولي لي ستتصلين عند خروجك من المحاضرة أو ما كان يشغلك " .


ردت اختها والنوم يخيم عليها

 " انشغلت كثيرا ". 


_" لينفعك انشغالك اذا ، لن اخبرك بمفاجأتي، نعم يا خالتو لن نخبرك بوجودنا " 

استغربت توته من صمت اختها نادت عليها دون فائدة أغلقت الهاتف واتصلت بأمها لتسألها عنها، أجابت أمال: 

" لا أعلم ما بها هي على هذه الحالة منذ عدة أيام واليوم أتت من الجامعة الى الفراش حتى الطعام لم تتناوله ابدلت ملابسها ونامت على الفور".

 

 سألتها توته بخوف: " هل عاد مرضها لها ".

 

_" معاذ الله ، استبشري خير أهذا كلام يقال ".

 

ردت توته على امها: 

" لا أعرف فكرت بهذا لأني اشعر بما تشعرين به كما عاد وزنها للنقصان ، خاف قلبي عليها هل تتألم من جديد دون أن تخبرنا ".


اجابت الام بخوف قائلا:

" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، سأدخل لاراها واطمئن عليها ادخلتي الشك بقلبي اغلقي أنتِ الان وسأتصل بك ".

 

_ " انتظري كنت أريد أن أسألك عن ألم ظهري ماذا افعل به". 


ردت على ابنتها بغضب:

 " اذهبي لفهميه واسأليها، اقسم لو أرسلتك لنا التسعة اشهر لن استغرب، ما بكِ يا بنتي هل أول مرة تحملين ألمتي رأسي باتصالاتك وأسئلتك ، والله انها محقة اشعرتيني انه يقف على الباب ينتظر حركتك ليسقط هيا اغلقي لاذهب وأرى أختك ولا تتصلي إلا إن اتصلت أنا بك " .


 أغلقت أمال الهاتف وهي تدعي لفهميه ومدحت لصبرهم على ابنتها.

 

اقتربت من فراش شهرزاد واضعه يدها على جبهتها كي تطمئن على حرارتها قائلة:

 " شهرزاد،  ابنتي هل أنتِ بخير".

 

هلوست بحلمها: " أي أسف هذا ألم ترى حالتي ".


ابتسمت امها: 

" احلمي وانسجي قصصك برواياتك المهم إنكِ بخير".

 

خرجت واغلقت الباب خلفها ، بهذا الوقت كان شريف يتحدث مع سيف إبن خاله قائلا: 

" أجلنا الموضوع حتى تعود من رحلتها".

 

 تساءل سيف قائلا:

" وإلى  أين رحلتها هذه المرة؟".

 

استغرب شريف متسائلا:

 " هذه المرة؟ هل تعرفها؟".

 

_ " طبعا ومن لا يعلم بذكري سالم وابنته المدللة، لقد سطع نجمه هذه السنة بعد أن كلفه الجيش بمناقصة توريد مستلزمات ترميم المناطق الأثرية ".


 رد شريف باستغراب: 

" انتظر أي مستلزمات ترميم! ألم يعمل ذكري سالم بالجلود مثلنا".

 

ضحك سيف ساخرا: 

" مثلنا ؟ نحن غلابة ولا يوجد مثلنا نعمل بمجال واحد و نشعر أن لا احد مثلنا، أما امثال ذكري سالم يقومون بعشرات الأعمال بوقت واحد وسبحان الله نجدهم ينجحون بهم جميعا".

 

رد شريف عليه: 

" وهل هذا ما جعلك تعلم برحلاتهم ".

 

فتح سيف هاتفه ضاغطا على ايقونة تطبيق الانستجرام باحثا به عن حساب هنادي قائلا:

" أين هو كان من ضمن المتابعين ".

 

ضحك شريف: " من هو؟".

 

_" وجدته  ها هو، انتظر، وجدتها ها هي آخر صور لها حتى انها نشرتها من ساعتين فقط "

مد يده ليعطي هاتفه لشريف الذي حرك الشاشة لأعلى كي يرى باقي صور الحساب وهو يستمع لحديث ابن خاله الذي قال:


 " انظر بعينك لترى وجه الاختلاف الكبير بينها وبين أحلامك، انظر لتتأكد انها الوجه المضاد لكل ما تمنيته وحلمت به، حتى أنا لا احلم بشخص تافه ومستهتر لهذه الدرجة مال وجاه وجمال فقط. فهل هذا ما بحثت عنه وتحدثت دوما واثقا بتحقيقه وايجاده؟ ، ستجد فيديو بالأسفل شاهده لتراها وهي تبكي بحرقة وعيون حمراء لأنها لم تستطع حجز تذكرة عمر دياب بالجونة وتوافد المجاملين لأبيها كي يعطوها تذاكر خاصة, ذهبت بعدها هي واربعة من اصدقائها وفازت بالتصوير مع عمرو دياب، انظر للأسفل أكثر لترى عروض الأزياء اليومية وفيديوهاتها وهي تختار ما تريد ان ترتديه من متجر غرفتها الخرافية  انظر و املأ عينك والله وان ركضت خلفي لن اقبل بارتباط كهذا ".

 

ضحك شريف ساخرا من حالتهم: 

" انظر لما تقوله في حين ان الكثيرين يتابعون ويتمنون وانت تتمنع".

 

_" لانه ما يليق بغيري لا يفترض أن يليق بي، إن أخذت ما يرضي الناس والعالم سأظلم نفسي وسعادتي وراحتي فالزواج ليس بلعبة نركض خلفها دون تفكير كي ننسى به همنا ونثبت لأنفسنا أننا بخير".

 

علا صوت شريف :

" و لكنني بخير ولا أسعى للزواج كي أثبت عكس هذا كما تقول ".

 

رد سيف بعين العقل قائلا:

" اقتنعت و صدقت انت محق، ولكن هل اقتنع وصدق قلبك ما يقوله عقلك ".

 

غضب شريف مما سمع قائلا: 

 " لا يوجد قلب وما شابه كلها أوهام نخدع بها انفسنا ، هل اقول لك بل اعترف لك  واعطيك الحق بكل كلمة نصحتني بها في السابق، خرجت أنت المحق  فالحب والزواج لا يجتمعان بقلب واحد. لذلك علينا أن ندير عقلنا بنسبة تزيد عن المئة بالمئة ونحن نخطو هذه الخطوات المهمة، تفاجأت نعم وانا ايضا تفاجأت لوصولي لهذه الحقيقة وهذا النضج ولكن أن يأتي متأخرا أفضل من ان لا يأتي ".

 

…….


تحركت شهرزاد لتستيقظ من نومها قاطعة أحلامها لتجلس على فراشها اخذت هاتفها من جانبها لتفتحه قائلة لنفسها: 

" لم أتصل بها، وهل ترك لي روح كي اتصل وأتحدث مع احد ".

 

فتحت الواتس أب كي ترسل رسالة لأختها متفاجأة باسمه ضمن قائمة الرسائل الغير مقروءة، ارتبكت وهي تستقيم بجلستها قائلة لنفسها:

 " هل يعتذر من جديد،  وما فائدة الاعتذار لقد تمادى كثيرا هذه المرة لن اسمح له ان يعيدها ، لن افتح رسالته ، لا بل سافتحها لاريه قدره". 


فتحت رسالته بقوة لتجده كاتب

 " السلام عليكم، طلب مني أستاذ نديم اليوم أن أرسل لك سلامه واخبرك بما يريده منا حتى نبدأ به لحين عودته ، التكليف بسيط وغير مجهد أن اردتي أقوم به وحدي لن يستغرق مني الكثير ولكن إن قلتي أريد أن اشارك فلا امانع و سأرسله لكِ".

 

 كتبت بحزن:

 " تمام حضرتك افعل ما تراه مناسبا وانا سأنتظر عودة أستاذ نديم".

 

فتح رسالتها بنفس وقت إرسالها وكأنه كان ينتظرها ، مجيبًا عليها:

"وماذا إن طالت عودته ".

 

صدمته بكتابتها:  

" ليكن بخير ، بالأصل كنت سأتراجع عن مساعدتي بالكتاب فكرت جيدًا و وجدت نفسي غير مهيئة لهذا، أريد أن أهتم برسالة الماجستير خاصتي ورواياتي ولا أعتقد أنني ساستطيع التوفيق بينهم، اتمنى لكم النجاح والتوفيق بإعداد الكتاب، تأخر الوقت لا اريد ان اطيل على حضرتك ليلة سعيدة ".


آسره فضوله من جديد كاتبًا: 

 " هل يوجد رواية جديدة ؟".

 

تراجع مسحًا الرسالة ليكتبها بشكل اخر:

 " تريدين التفرغ لروايتك الجديدة هل هي قوية لهذا…. " 


مسحها هي ايضا  قبل ان يرسلها، فكر ليكتب بعدها:

" تفاجأت بما قرأته أين ذهب حماسك و وعدك بأنكِ ستعملين جاهدة للتنسيق بين واجباتك ومشاركتك في الكتاب، ولكني لم اتعجب فهذا ما يحدث دوما معك تتحمسين وبعدها يأتي التخلي".

 

اختنقت بما كتب لتدمع اعينها وهي تكتب:

 "هل أنا بعينك شخص يتخلى بسهولة عن حلمه،  لقد قررت هذا لاجلك أعني لأجل قدرك لدينا الذي لا يقل عن قدر استاذ نديم بل واكثر لدى عائلتي فهم يعتزون بمعرفة حضرتك، انا اعلم انك لا زلت غاضبا عليً حتى وإن أنكرت هذا، بالأصل  كنت أتوقع حدوث ما حدث ولكني تفاجأت بحدته قليلا ، لن اراجعك بهذا فبالاخير أنت استاذي ولا يحق لي ان اذهب وأتحدث وأسأل بأي وقت،  نعم اعترف أنني تعديت حدودي حين توقعت…".

 

حدث معها ما يحدث بكل مره ارتبكت وأرسلت الرسالة قبل تعديل اخر كلمة.


اسرعت بكتابة آخر رسالة لها: 

 " ولكني حقا اعتذر منك،  لك كل الحق والتقدير، اتمنى لك النجاح بحياتك العملية والعلمية والحصول على أعلى مراتب برسالة الدكتوراة الخاصة بك، بالنسبة للأستاذ نديم انا من سيتواصل معه لأبلغه بقراري بشكل لا يجعله يحزن مني ".


 أرسلت الرسالة لتكتب من جديد: 

" ليلة سعيدة ، السلام عليكم ".


اختنق وضاق صدره ترك هاتفه وخرج من غرفتة ليذهب للشرفة الكبيرة المطلة على النيل،  ليصادف قدره حين وصل له اسم شهرزاد بنبرة صوت أمه وهي تتحدث بضيق:

" شهرزاد محقة. شهرزاد محقة... نعم هي محقة، بكل مرة احدثك تذكريني انها محقة وأنني المذنبه، تمام لقد أخرجت ما بصدري وصادف القدر سماعها لهذا ، ما دخلي أنا؟ أنه القدر لعله خير من منا يعلم ما الذي سيحدث بعد ارتباطهم؟ ، أعلم أنه كان ثقيلا على قلب ابني ولكني أثق به سيتخطى هذا كله وسيعود ليفرح مع من يستحقه ".

 

ردت ام سيف قائلة بضيق:

 " نعم سيفرح هيا اركضي لتطلبي يد من حلمتي بها ، اذهبي وحققي حلمك واجعليها تداوي ابنك". 


_" لماذا تتحدثين معي بهذه الطريقة أنا لم أبني سعادتي على سعادة ابني سأنتظر شفاءه تماما، لن اسمح له بظلم نفسه وابنة الناس معه ، وايضا أخبرتك أنني أنتظر عدة أشهر ليهدأ داخلها وتنسى ما قلت ثم اذهب بعدها لاعتذر منها ، أنا لا اتحمل ان اكون سبب بكسر أحد. أخاف من عقاب الله لنا ، سأذهب واعتذر لما صدر مني بحقها و ينتهي الأمر ويسعد إبني وهي سيأتي لها نصيبها".

 

سألتها أم سيف قائلة:

" وهل سينتهي الأمر؟، هل سيرتاح ضميرك بحق ابنك؟، ماذا أن كانت سعادتة معها ؟، ماذا أن جاءت من اختارها عقلك وقلبك لتظلم دنيته؟". 


_" اعلم لم تنتهي من حديثك حتى أخرج مخطئة وظالمة،  شكرا لكِ وصلت رسالتك واعترفت بذنبي بحقها وقلت سأذهب للاعتذار منها وساطلبها لسيف ان أردتي كي يرتاح قلبك وتسعدي ، والان ساغلق تأخرت على أمين بما يكفي ، أتيت لاشكي لكِ همي كي ارتاح إذ بكِ تحمليني ضيقا فوق ضيقي  ولكني مخطئة لم احفظ درسي كل مرة تفعلين بي هذا وأعود  لأتحدث معكِ ". 


صُدم وتسمر شريف بمكانه لا يريد عقله أن يستوعب ما سمعته أذنيه هل ظلمتها وكسرتها دون حق؟.



وياترى بعد ما فعله هل سينفع الندم ؟؟؟؟؟؟؟

انتظرونا باجمال فصول القصة هندق الشماشي  


author-img
أمل محمد الكاشف

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  • Rim kalfaoui photo
    Rim kalfaoui30 أكتوبر 2024 في 2:52 ص

    حلقة مؤثرة من ناحية مشاهد شريف وشهرزاد كلامه كان قاسي حبه على قلبها
    نروح لتوته هي حامل طيب وامتي هيدخل حياتها بدري انا متشوقه للمشاهدهم ههههههه

    حذف التعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent