احكي ياشهرزاد
بقلم أمل محمد الكاشف
كان بينا ألف وعد
عادت شهرزاد لتجلس على طاولتها المحببة لها بحزن وصمت وفراغ كبير، ولأول مرة بتاريخها الدراسي مدت يدها لتقطع عدة أوراق من دفترها قائلة لنفسها بضيق:
" ما هذا السخف لن أكملها فليقطع السلطان رأسها ورأس كل من تحدث معها"
فعلتها ثم أغلقت الدفتر بضيق وغضب.
وبينما هي بهذه الحالة كانت فهمية تتحدث مع توته:
" يا بنتي الله يهديكِ أين ستخرجين بهذه الساعة ألم تري الهواء البارد والامطار، ننتظر زوجك ليوقد لنا مدفأة الفحم وأنتِ تريدين الخروج".
تحدثت توته بصوتها الجميل الذي قضى على فهميه :
" أخبرتك سأذهب معه لنأخذ الأولاد من المدرسة ونتجول تحت الأمطار، سنفتح لهم التدفئة في السيارة لا تقلقي".
ردت فهمية بضيق:
" ولماذا التعب اجليها إلى وقت تكون به الشمس ساطعة والرياح هادئة، كما أني حضرت لهم شوربة عدس وبصل اخضر يقويهم على برد الشتاء ويفتح عقولهم".
لم يعجبها ما سمعته مُصرة على الذهاب مع زوجها، هزت رأسها بالرفض قائلة:
"وهم يحبونها وخاصة إن كانت من يدك، وعد مني سنتناول منها قبل نومنا لتدفئ قلبنا فنحن لا نفرط بحقنا".
رن هاتفها لتسرع بالخروج قائلة:
" مدحت بالخارج لن نتأخر ساعتين او ثلاث ساعات على الأكثر".
أسرعت توته بخروجها مغلقة الباب خلفها، تحدثت فهميه داخلها بوجه منزعج:
" دلع ماسخ لا اعرف كيف يتحملك ويطيعك، حسبي الله من قلة الرجال رزقت أنا بهذا الموكوس".
تحركت شهرزاد لتخرج من غرفة المكتبه بعد أن أعادت وضع أوراقها الممزقة مكانهم في دفترها فهي شخص يقدس قيمة الأوراق والدفاتر بشكل نادر تكراره، فلا يمكنها التخلي عن أوراقها وخاصة ان كانت جزء من دفاتر خواطرها.
خرجت حاملة بقلبها ضيقها معطية لاستاذها الحق بما فعله فكان تركها له واجابتها على طلبه بهذا الشكل بعد كل ما قدمه لها كفيلًا أن يخلق عداوة بين أي شخصين.
ناداها استاذ نديم وهي تعبر من جانب المبنى الإداري قائلا بصوت عالي:
" إلى أين ستذهبين، هل إنتهى شغفك بالكتابة داخل الجامعة، توقعت أننا سنجرك جرا بآخر اليوم كي نستطيع إنهاء اليوم، ماذا حدث لكِ".
لمحت على الزجاج ظل استاذها الذي كان يقف بنافذة مكتبه بشكل غير مرئي، ابتلعت ريقها وهي تجيبه:
" لا لن اذهب لمكان، فقط قررت أن أكمل كتابتي بباحة الجامعة".
أخذ نديم من كأس الشاي رشفة تحدث بعدها:
" جميل اعتقدت انكِ غيرتي رأيك، اذهبي واكتبي حتى تعودي وتحكي لنا".
عادت لتنظر نحو النافذة دون أن تلفت انتباه أحد قائلة:
" ياله من حظ جميل سيكون هذا من كرم حضرتك أن تسمعني من جديد".
رد نديم بحماس:
" هيا اذهبي ولا تماطلي بالكلام نريد عمل واقعي احتفالا بعودتك بيننا من جديد".
تخبئ شريف أكثر خوفًا من رؤيتها له أثناء انعطافها إلى جهة اليمين جالسة في مكانها المفضل لديها لتبدأ كتابة:
" بلغني أيها الملك السعيد ذو العقل الحكيم و الرأي الرشيد انه كان شخص يدعى أحمد، لا يدعى محمد".
صمتت قليلا لتفكر قائلة لنفسها:
"ما به محمد؟".
ثم نظرت لدفترها دون شغف قائلة:
" تطايرت أفكاري لا اعرف ما سأكتبه".
أغلقت دفترها وفتحت هاتفها لتقلب في مقاطع الانستجرام ساخرة من حالها:
" عليّ أن اقبل بالأمر الواقع، انتهى ما كان يمدني بشغفي فلا أحلام ولا طموحات حتى من الواضح أنه لا دور نشر ولا حتى نشر لقصتي ".
كانت اطراف اناملها تتحرك على شاشة هاتفها لتمريرها لأعلى دون أن تركز بما أمامها شاردة بصوته وأولى كلماته لها:
" افندم هل ناديتي عليّ؟".
حزن وجهها لحالته وصوته الذي خرج قويًا على عكس طبيعته مع الغرباء.
رفعت نظرها للأمام لتجده يخطو خطواته الواسعة مقتربًا من بوابة الجامعة الكبيرة مسجلا خروجًا قويًا شامخًا رافضًا به ضعف قلبه وروحه بوجودها.
ليس كل ما يظهر يعبر عن ما بداخل الأرواح والقلوب، لجأ شريف لإبن خاله الذي تفاجأ بدخوله عليه، وقف سيف ومد يده ليسلم عليه ويشير له بالجلوس أمامه حتى ينهي اتصاله المهم.
جلس شريف مرتطمًا على المقعد ناظرًا للفراغ أمامه متحدثًا دون مقدمات شاكيًا له ما يضيق صدره ويأجج قلبه بناره قائلا:
" تركتني لأجل شخص آخر، رفضتني لأجله، ظهر قبلي أو بعدي بماذا قصرت أنا حتى ترفضني وتقبله هو".
صُدم سيف بحالته أنهى اتصاله بشكل سريع متحدثًا بعده مع إبن خالته:
" عن من تتحدث؟، ما هذه الحالة التي أنت عليها؟".
_" إن رأيتها كيف أتت بضحكتها وكامل حيويتها لتكمل دراستها من نفس النقطة التي توقفت عندها لم تصدق إنها هي من تمنيتها رفيقة دربي، تغيرت بشكل كبير اهتمامها بمظهرها مختلف تمامًا عن ما قبل، كيف خسارتها الكبيرة لوزنها غيّرت من مظهرها، كنت راضيًا عن كما كانت بالسابق، لم احلم بإنقاص وزن ولا اهتمام زائد بالمظهر، اردتها كما هي، ولكن انظر كيف غيرت من نفسها لأجله، هل تصدق أنني لم أتعرف عليها بأول الأمر! إكسسوارات باليد عقد على الصدر غلاف للهاتف بنفس لون ملابسها، حتى حجابها تغيرت ملامحه ليصبح مواكب الموضة بهيئته، ماذا وجدت به زيادة عني؟، ماذا قدم لها كي تتغير لأجله بهذا الشكل؟، هل أحبها أكثر من قلبي؟ مستحيل. هل خاف عليها اكثر من روحي؟ لا يمكن. هل قدرها ورفعها فوق كل من حوله؟ ليس بقدري. بماذا قصرت أنا؟ احكي اشرح فهمني يا أخي ما الفرق بيننا؟ لماذا هو ولستُ أنا؟".
رد سيف على عكس المنتظر:
" لأنك أعطيت كل ما لديك دون مقابل، لأنك قدرت وتمسكت وحزنت وعصفت لأجل من باعك، لن اطبطب عليك هذه المرة ولن اساندك وأعطيك أمل فارغ فإذا كنت أنا مكانك كنت لقتلتُ هذا الأمل بيدي قبل ان يقضي علي، ماذا انتظرت أنت!، بأي عقل تفكر؟، طبعا ستتزوج وتكمل حياتها بسعادة ومن الممكن ان تكمل احلامها الجديدة التي رسمتوها سويًا وتحققها معه، ما بك هل أنت آخر رجل يُحب ويُترك بهذا العالم؟، ما هذا الضعف وتقولها بصوت يشبه الفتيات الباكيات أتت لتكمل من مكان ما وقفت، طبعا ستأتي وتكمل وتضحك ويأتي هو كي يدعمها ويأخذها امام عينك ليعودا لمنزلهم سويًا، ألم اخبرك انه سيحدث ، ألم أقل لك انسى وأبدأ من جديد، سأكررها دون رفق أو تجميل يكفيك تمثيل دور المظلوم المكلوم، أفق على نفسك وأنقذها، اذهب وارتبط أنت أيضا من خلقها خلق عشرات بل مئات وملايين أفضل منها، اذهب واثبت لنفسك قبل أي شخص اخر أنك تستطيع أن تملك السعادة بيدك، اذهب وارتبط بمن تسخر الدنيا كلها لأجل سعادتك ابحث عن من يسعدك وليس من تسعده".
مر اليوم بصعوبة على شريف التي تجدد داخله شعور الترك بطعم جديد، ظل يتخيلها طوال الليل وهي تتحدث مع خطيبها تحكي له عن الروايات وخططها المستقبلية.
بدأ يوم جديد جاهدت شهرزاد للوصول للجامعة بأقصى سرعة، دخلت البوابة الكبيرة متوجهة لمبنى الإدارة مباشرةً، هدأت من خطواتها التقطت انفاسها المتسارعة بعد أن استجمعت قواها لتتحدث فور السماح لها بدخول المكتب:
"السلام عليكم أعتذر تأخرت من جديد".
ابتسم وجه أستاذ نديم مجيبًا على تلميذته :
" بالتمام والكمال كالمعتاد، تعالي يا شهرزاد احملي عني هذه الكتب وضعيها بمكانها لنذهب بعدها كي نبدأ أولى محاضراتنا".
_" على الرحب و السعه يا دكتور أنت تأمر وأنا أنفذ ".
نظرت جانبًا لتجد أستاذ شريف جالساً مع زميلتها أسماء التي تم تعيينها معيدة جديدة بناءً على تفوقها الدراسي.
تذكرت ما مضى حين رأته يستمع لشرحها بإنصات وتعابير الإعجاب مرسومة على وجهه، حاولت اخفاء تَعلق عينيها عليهما وهي تتحرك لتضع الكتب بالمكتبة التي من سوء حظها تقع خلف مقعده بالضبط.
اقتربت شهرزاد منهما بصمت منعطفة جهة مقعد أستاذ شريف، وقفت خلفه ثم استدارت بظهرها كي تنزل للأسفل متكئة على قدميها واضعة الكتب بالداخل على الجانب الايمن كما اشار لها أستاذها نديم.
طال مكوثها بالأسفل حين سمعت صوته الذي اعتلاه نبرة المدح:
" ممتاز فرحت كثيرا بالاستماع إليكِ أرى أنها بداية لشيء عظيم استمري".
ابتلعت شهرزاد ريقها الذي اختنقت به وجعلها تعجز عن تثبيت الكتب في مكانهم، حدثها استاذها نديم متسائلا:
" هل ازدحموا من جديد؟".
قالها نظرًا للذي كان يتحدث وكأنه بكوكب اخر مختلفًا عنهم، قائلا:
" الواضح يا أستاذ شريف أننا بصدد تقديم طلب للإدارة لنحظى بمكتبة أكبر لتتسع كتب الأدب الضخمة".
تحركت شهرزاد لتقف متحدثه من خلفه بصوتها الذي هز وجدانه وخل بكيانه، قائلة:
" تم الأمر ادخلتهم جميعًا ما عدا هذا الكتاب لم أجد له مكان حتى أعلى الكتب ممتلئ".
رفعت أسماء عينها قبالة شهرزاد قائلة دون مقدمات:
" تمام ضعيه هنا و أنا سأحل الأمر".
ثم نظرت لاستاذ نديم أمامها لتكمل:
"سأرتب الرف بعد أن أنهي ما بيدي، اذهب حضرتك لعملك وداخلك مرتاح".
نظر نديم لصمت شريف بحزن على حاله قائلا:
" بارك الله فيكِ، ولكن عليكِ أن تتوخي الحذر فجميع ما بها مهم ونادر بالأدب العربي".
نظرت شهرزاد للكتاب بيدها قارئة عنوانه بصوت شبة مسموع:
" خزائن الأدب العربي".
أشارت أسماء لها نحو طاولة الإجتماع كي تضعه عليها الكتاب قائلة:
" ضعيه هنا من فضلك واذهبي لمحاضراتك".
استغربت شهرزاد طريقة تحدث زميلة دفعتها بهذه الرسمية الآمرة وكأنها لم تراها من قبل.
تحركت مقتربة ممن قطع صوته ودخل بصمت المستمع لتضع ما بيدها بجانب يده اليمنى ملقية بنظرها نحو ما كتبه من ملاحظات قائلة: " عملا موفقًا".
رفعت نظرها تجاه أسماء متحدثة قبل ابتعادها، قائلة:
" عليكِ ان تحفظي كل حرف كتب بالملاحظات فهي حقًا ذات قيمة وأهمية كبيرة بسلم نجاح أي عمل".
ارتعد قلبه العاشق من قرب صوتها منه، أراد نديم أن يخفف الضغط على شريف بعد رؤيته تغير لون وجهه وهز قدمه قائلا:
" هيا تأخرنا على محاضرتنا الأولى إن دخلت قبلك سأكتبك غياب دون رحمة".
ابتسمت بحركتها خلف استاذها، قائلة له:
"كيف وقلبك الرحيم لم يستطع فعلها في الماضي"
استغرب شريف من إغلاقها باب المكتب عليهم عند خروجها، وقف بغضب زافرًا أنفاسه المحتبسة بقوة ناظرًا نحو الباب بحدة.
همت أسماء بالوقوف، قائلة بضيق:
" سأذهب لفتحه".
لم يسمح لها حين تحرك قبلها مجيبًا بنبرة سريعة:
" قرأت ما كتبتيه كل شيء جميل اتمنى لكِ النجاح".
نظرت لخطواته المتباعدة قائلة:
" ألن تدون ملاحظاتك عليهم".
استدار ونظر للدفتر باستغراب أكبر ثم رفع عينه عليها ليستمع لما أكملتهُ:
" أنا أيضا أريد أن أحظى بملاحظات النجاح".
ابتسم ابتسامة منقوصة رد عليها بها قائلا:
" لا أرى داعي للملاحظات لا زال العمل غير مكتمل الأركان وبحاجة لمجهودك أولا ومن ثم تأتي أي ملاحظات".
أجابته بخيبة أمل:
" ولكنك أخبرتني أنه عمل جيد ينتظره مستقبل كبير".
تذكر شريف ما اضطر أن يتلفظ به عند شعوره بقرب شهرزاد منه، تلعثم بحديثه فهو لا يريد أن يكذب باعطائها أمل كبير وفي نفس الوقت لا يريد كسرها، نظر نحو دفترها قائلا:
" إن اهتميتي بما في داخله كما اهتميتي واعتنيتِ بإختيار ظاهره من المؤكد انكِ ستصلين لمرادك".
( قصف جبهة 😅 احسن احسن بصوت محمد هنيدي)
تحرك مبتعدًا عنها متجهًا نحو الباب فتحه بقوة تاركًا بها المكان ملتقطًا أنفاسه بضيق وغضب مرددًا حديثها بسيره:
"عليكِ ان تحفظي كل حرف يكتبه".
حرك رأسه بغضب معقبًا على كلماتها:
" انظروا من ينصح!".
ظهر غضبه بملامحه وجههُ الأحمر، قائلا:
" ولماذا تغلقين الباب خلفك؟، لماذا؟، من اعطاكِ الحق بهذا؟".
رغم أنه عاهد نفسه ان لا يضعف أمامها مرة أخرى إلا أن غضبه وذكرياته سيطروا عليه من جديد، عاهد نفسه وظل يردد ما نصحه سيف به لعدة أيام.
ولأنه شخص يعلم صدق وصحة ما خرج من قلب وعقل إبن خاله المخلص قرر أن يضعه نصب اعينه كي يتمكن قلبه من الشفاء التام.
سأحارب ضعف قلبي أمام عينيكِ.
جاء لقاءهم الثاني أسوء مما سبقه حين تعمد تجاهل وصولها لغرفة أستاذ نديم وتحدثها بالقرب منه، ليفشل في السيطرة على نفسه مما جعله ساخطًا وغاضبًا على اضطراب نبض قلبه فور شعوره بها، سار في طريقه بخطوات كبيرة قوية تتبعها زفير أنفاسه الحارة التي امتلأ بها صدره.
اخذته اقدامه للحديقة الصغيرة الخلفية بجانب غرف معدات التنظيف والمخازن ليزداد ألم وهو يتذكر قلقه عليها ورؤيته لها في نفس المكان بحالة يرثى لها، فما أشبه اليوم بالبارحة نفس المكان ولكنهما تبادلا الأدوار هذه المرة هو من اختنق وتبعثر، علا صوته محدثًا نفسه بغضب كبير:
" احسنت، استمر، استمر بفشلك، صدقت أمي، أقسم أنها صدقت بما قالته، اتضح أنها تعرفني اكثر من نفسي".
عاد شريف ليباشر عمله في مكتبه مصرًا على إظهار قوته لنفسه قبل غيره، جمع بعض الأوراق وتحرك بها جهة الإدارة العامة.
تعكر وجهه مجددًا حين رآها أمامه تريد الدخول، أمسك الباب بيده مغلق أي ثغرة تسمح بعبورها عناد بها ملبيًا صوت روحه الغاضبة.
تحدثت إليه بسرعة:
" من فضلك أريد أن ادخل".
لم يهتم بما قالته حتى لم يركز بحالتها حين عمى غضبه بصيرته وأصبح واقفًا أمامها رافضًا السماح لها بالدخول فقط.
كررت حديثها بنبرة أعلى:
" من فضلك يا شريف اسمح لي لا وقت لدي لهذا".
صغر عينيه بحدة شرارة الغضب المنبثقة منه قائلا باستنكار:
" شريف ولا وقت لديكِ؟، أنتِ ؟!، أنتِ كيف تتحدثين معي بهذه الطريقة هل فقدتي عقلك؟!".
دفعت الباب بقوة كي تفتحه وتدخل بنفس قوتها وسرعتها دون انتظار سماحه لها قائلة بخوف وارتباك:
" أستاذ نديم بحاجة لدوائه، كان يضعه أمامه على مكتبه هنا بالضبط أين هو؟".
بحثت عيونها فوق المكتب دون تركيز فلقد اغشى خوفها بصيرتها وأصبحت لا ترى ما أمامها، اقترب شريف ملتقط الدواء بسرعة اخذته منه مسرعة بركضها نحو قاعة المحاضرات.
اعتقد انه سيصل أسرع منها ورغم ركضه السريع إلا أنهما وصلا مع بعضهما في نفس الوقت، أبعد شريف الطلبة من حول نديم وأمرهم بالخروج من القاعة، أخذ قرص الدواء الصغير من يد شهرزاد و وضعه بفم نديم اسفل اللسان.
نزلت دموع شهرزاد وهي تطمئن استاذها:
" ستصبح بخير لا تقلق".
سألها شريف بخوف:
" ماذا حدث له كان بحالة جيدة عند خروجه من المكتب؟".
أجابته بنفس خوفها:
" فجأة تغير لون وجهه وجلس على مقعده يحاول أخذ نفسه، بحثت عن دواءه ولم أجده…
قاطع حديثها وصول أحد الأساتذة من الخارج متحدثًا بصوت عالي:
" أتت سيارة الإسعاف".
تحرك شريف ليُخرج الطلبة:
"رجاءً اخرجوا الان ".
تم حمل أستاذ نديم وإخراجه من القاعة بواسطة المسعفين، اسرعت شهرزاد بسيرها الذي تعمدت بهِ ان تكون بجانب شريف كي لا يبعدها أحد معتقدة انه سيبقي عليها بجانبهم.
صدمها عندما رفض صعودها سيارة الإسعاف قائلا للمسعفين:
" أنا فقط من سيأتي، هيا لنسرع".
دخل مقتربًا من استاذ نديم ليهدئه ويطمئنه دون أن يلتفت لمن خاب أملها به .
تحسن نديم واستقرت حالته نسبيًا بعد أن تلقى دواءه والاسعافات الاولية بطريقه للمشفى، وعند وصولهم نزل شريف من السيارة ناظرًا للمسعفين الذين يقومون بعملهم على أتم وجه من إنزاله بحذر وإدخاله المشفى بسرعة.
لم يتوقع رؤيتها وهي تسرع نحوه مقتربة منه لتسأله:
" كيف أصبح هل تحسن وضعه؟".
أجابها أحد المسعفين:
" تحسن قليلا لا تقلقوا ".
خاف قلبها حين رأتهم يتجهون به لغرفة العناية المركزة مغلقين الباب خلفهم لتنظر لشريف قائلة: " لماذا يضعونه هنا؟، ألم يتحسن!".
رد عليها بجفاء دون النظر لها قائلا:
" هم أعلم بعملهم من المؤكد أنه بحاجة لهذا".
جاءتهم ممرضة تستأذنهم بعدم الوقوف أمام الغرفة تحركا بشكل متباعد خارج المشفى.
رن هاتفها لتجيب شهرزاد على الفور:
" نعم وصلنا للمشفى د، يقولون تحسن ولكنهم ادخلوه للعناية المركزة".
رد العم فؤاد:
" ألطف يارب، تمام يا بنتي انا بالطريق وسأصل إليكم بعد وقت قصير".
_" تصل بالسلامة نحن بإنتظارك ".
أغلقت الهاتف وهي تدعو الله بصوت مسموع:
" يارب لطفك وسترك به، يارب ارفع عنه شر ما قضيت، يارب اشفيه شفاء تام لايغادر سقما ".
وعلى مضض وبُعد قارب على نصف متر تقريبا رد شريف عليها :
" أمين يارب ، والان علينا أن نتصل بعائلته كي يأتوا هم أيضا، لا أعلم إن أخبرتهم الإدارة بهذا أم لا ".
ردت عليه بثقة:
" أخبرت العم فؤاد وهو سيأتي بعد قليل".
أجابها باستغراب وتساؤل: " العم فؤاد ؟".
_" إبن عم استاذ نديم. و بمثابة أخاه الأكبر هكذا كان يخبرني العم فؤاد حين كنت أذهب لأعطيه الكتب".
استغرب شريف لتقربها ومعرفتها بعائلة استاذها متسائلا:
" وماذا عن زوجته وأبنائه أليسوا أحق باتصالنا".
اومأت رأسها من جديد وهي تجيبه:
" لديه إثنان يعملان بالخارج وزوجته مريضة لا اعرف مرضها ولكن على حد علمي انها لا تستطيع الخروج بمفردها".
رد شريف بأسى:
" لا حول ولاقوة إلا بالله، من يراه يضحك ويهتم بالجميع لا يفكر إطلاقا أنه بهذا الحال".
أجابت بحزن بدى على وجهها:
" نعم هو كذلك يهتم ويساعد الجميع الصغير قبل الكبير، تعرفت عليه بالاسبوع الثاني من دراستي بأول عام دراسي لي في الجامعة وصلت يومها لقاعة المحاضرات بعد دخوله وبداية شرحه بنصف ساعة تقريبا كنت متأكدة مليون بالمئة أنه لن يسمح لي، ولأن حماس البدايات كان زائد لدي بهذه الفترة قررت أن اتجرأ وادخل القاعة طالبة السماح منه".
رفع شريف حاجبه مجيبًا بثقة وحدة:
" وبالطبع رفض دخولك ثم ذهبتي بعد المحاضرة لتتحدثي معه وتعتذري وتقسمي أن لا تعيديها".
_ " وكيف أعده بشيء لا أستطيع فعله فالمشكلة ليست خاصة بي، سوء حالة الطرق والمواصلات والازدحام يصعب علي أن أعد بشيء كهذا إلا لو صليت الفجر بالاتوبيس".
تعمد ان لا ينظر أثناء حديثها معه، تحرك بمكانه ناظرًا للإرجاء لتكمل هي حديثها:
" يومها رفض دخولي كما توقعت، دمعت عيني وأنا أقول كيف سأفهم الدرس لقد قرأته عدة مرات دون أن أفهم بعض النقاط به، وفتحت دفتري لأقرأ له النقاط التي تعثر عليٌَ فهمها، ليسألني باستغراب كبير ما دامك اهتممتي لهذه الدرجة لماذا تأخرتي إذا، وحينها شرحت له مأساتي ورحلتي الصباحية الشاقة ليبتسم وجهه ويقبل بدخولي على شرط أن أجيب على أسئلته، تفاجأ بحفظي للمحاضرات السابقة وقراءتي بعض الكتب التي تناولت الدروس التي جاءت بها ومن بعدها أصبحت تلميذته المتميزة كما كان ينعتني وبالسنة الثالثة تغير اللقب ليصبح أمل و وعد بالعمل معه في نفس المكتب".
ذرفت عيناها بثقل كلماتها قائلة بنبرة خيمت عليها الدموع:
"ولكني فشلت بتحقيق هذا الوعد والحلم له".
نظر بطرف عينه نحوها ليجدها تدير رأسها لتمسح دموعها، تنهد بحزن وضيق تخبط داخله بهم.
يريد ان يقترب منها كي يهون عليها ويخبرها انها لم تفشل بالعكس حصولها على هذه النتيجة التي من المستحيل لأحد الحصول عليها في ظل الظروف التي مرت بها هو النجاح الحقيقي لها ولكنه لم يستطع فعزة نفسه وكرامته ورغبته الشديدة بالبقاء قويًا صامدًا امامها جعلته يصمت ويستمر بتجاهلها وعدم الإجابة عليها متحركًا بخطواته الثابتة ليبتعد عنها اكثر واكثر.
شعرت بابتعاده وتعمده تجاهل الرد عليها تحركت عائدة للمشفى في محاولة منها أن تطمئن على وضع استاذها، رفعت هاتفها لتتصل بأبيها كي تخبره بما اغضبه وجعله يتحدث معها بعصبية كبيرة. فهي تعلم مدى خطورة المستشفيات وخصوصا ظل الموجة الجديدة من فيروس كوفيد.
بررت له ما حدث وعدم استطاعتها ترك استاذها بهذه الحالة ليغضب الاب اكثر طالبًا منها الخروج الفوري من المشفى.
لا زال يسير يمينا ويسارًا دون النظر للمكان الذي تركها به متوقعًا بقائها ثابتة تنتظر رضاه واقترابه أو النظر لها، ليكتشف بعدها عدم وجودها.
بحث حوله بسرعة ولم يجدها تحدث لنفسه متسائلا:
" هل عادت لمنزلها دون أن تخبرني؟، لا اعتقد هذا كيف ستذهب وهي تنتظر قدوم العم فؤاد".
اتسعت عينه بسؤاله لنفسه:
" أم أنهم نادوا عليها لأجل حالة أستاذ نديم؟".
اسرع بدخوله للمستشفى وهو يزفر بغضب:
" ولماذا لم تخبرني؟".
بحث عنها ليجدها تتحدث مع ممرضة، تحرك نحوها وهو يراقب ابتعاد الممرضة ليكون استجوابه فور وصوله:
" لماذا دخلتي دون اخباري؟، هل وصل معكِ الأمر للتقليل من احترامي؟".
اتسعت اعينها متفاجئة بحديثه وصوته العالي، ناداها العم فؤاد:
"شهرزاد طمنيني يا بنتي كيف اصبح أين هو".
تحدثت لشريف بنظراتها الغاضبة:
" لم ينتهي حديثنا".
ومن ثم تحركت لتقترب من العم فؤاد قائلة:
" لا نعلم حقيقة وضعه لأننا لسنا من اقاربه ولكنهم اخبرونا باستقرار الحالة، كما انهم ينتظرون مجيئك كي تتحدث مع الطبيب المختص لتجيبه عن تاريخ وسجل الحالة المرضية".
اخذ العم فؤاد نفسا عميقا أخرجه ببطء:
" حفظه الله لنا شكرا لكِ يا بنتي سأذهب أنا للطبيب لأطمئن لعله يسمح لي برؤية نديم".
_" و انا سأعتذر منك على اضطراري لترككم بهذه الحالة ولكن أبي…
قاطعها العم فؤاد:
" لا يوجد اعتذار بل علينا شكرك على اهتمامك واخباري ما حدث على الفور".
تقدم شريف قائلا:
" أنا معك لا تقلق سيكون بخير".
ردت شهرزاد موجهة حديثها للعم فؤاد:
" إن لم ازعجك سأتصل لأطمئن عليه".
أومأ رأسه مجيبًا عليها :
" تمام وأنا سأتصل بكِ ان جد جديد، لا تقلقي اذهبي أنتِ كي لا تتأخري، صاحبتك السلامة ".
تحرك العم فؤاد على عجل ذاهبًا للاستعلامات كي يسأل عن الطبيب المختص بحالة إبن عمه.
نظرت شهرزاد نحو أستاذ شريف نظرة عتاب قبل تحركها وخروجها القوي من المشفى دون كلام أو سلام، ليتجمد هو في مكانه على أثر هذه النظرة التي راودته طوال ليله، فما حدث بينهما لا يعطيه الحق بالتحدث معها بهذه الطريقة وبهذه الكلمات الغير مرتبة.
ليس هو فقط من راوده هذه النظرات فهي أيضا أمست متأثرة بحديثه وحدته في تجاهلها، سألت نفسها عدة أسئلة بدون إجابة واضحة :
" لماذا يتعامل بهذا الشكل؟، هل اصبحنا أعداء لمجرد رفضي له؟، هل يحق له رفع صوته علي لأي سبب كان؟".
أغمضت عينيها وهي تنزل أسفل غطاءها خالدة بالأحلام المبعثرة الغير مفهومة تارة ترى زيزي الحلو وهي تتحدث بضيق رافضة تقرب ابنها من تلميذته، وتارة أخرى تراه يصرخ بوجهها وبالأخير ترى نفسها غاضبة مخرجة كل ما بقلبها من ضيق بوجهه، ظلت على هذه الحالة حتى انقضى ليلها وأتى نهار جديد يتوجب عليها الذهاب إلى الجامعة لمعرفة هل ستتوقف محاضرتهم حتى يتحسن وضع أستاذ نديم أم سيستمروا مع أستاذ آخر لحين عودته سالما.
عذاب الروح
خرجت مسرعة قبل استيقاظ والديها لتفادي التأخير، وصلت بموعد بداية المحاضرات التي بالفعل تم استكمالها مع الدكتور جمال نائب عميد الجامعة، كان اليوم ثقيلًا عندما توالت أربع محاضرات خاصة بمواد دسمة دون رحمة خرجت بعدها من القاعة وهي تكاد أن لا ترى أمامها.
مسحت جبهتها وهي تنظر لساعة يدها بضيق وجوب الانتظار لما يقرب من الساعتين كي تحضر آخر محاضرة.
تحركت لتذهب إلى كافتيريا الجامعة على غير العادة، اشترت القهوة وكيك الزعفران ثم نظرت للطاولات وهي تفكر أيهما أبعد عن الازدحام.
لم يلبث تفكيرها كثيرا حين خرجت متوجهة لساحة الجامعة حيث مكانها المعتادة عليه، لم تتوقع أنه سيقترب منها فور وصولها لهناك.
وضعت القهوة والكيك وحقيبتها اعلى الطاولة ناظرة نحوه منتظرة جولته الجديدة في صراعه معها بعقل وسوس شيطانه له بالرد على أي تجاوزات جديدة.
استعاذت بالله ثم تمالكت نفسها واضعه احترام المكان الذي هم به نصب أعينها.
ضغطت بأسنانها على شفتها السفلى داعية الله أن يلهمها الصبر والقدرة على امتلاك أعصابها دون غضب وصوت مرتفع.
جاءها صوته:
" السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، كنت ابحث عنكِ منذ الصباح ولم أجدكِ وبعدها علمت أنكم بالمحاضرات".
_ " وعليكم السلام تفضل لماذا كنت تبحث عني، هل شعرت أنه كان ناقصا لهذا أتيت لتكمل؟، أم هناك جديد أتيت لتبدئه؟، تفضل أنا أستمع لك اخرج ما بقلبك كي ترتاح وتهدء".
ترك شريف كل ما جاء بحديثها وأمسك بآخر كلماتها ليخرج جوابه باستنكار:
" ماذا ؟، هل قلبي ؟، وما دخل قلبي بحديثنا؟، تمام أخطأت بالأمس وجئت لأعتذر كنت مضطرب لأجل أستاذ نديم ولا أعلم كيف صرخت وعلا صوتي قليلا".
أرجعت رأسها للخلف وهي تنظر له بقوة واستنكار:
" قليلا ؟، هل ترى أنه كان قليلا؟، تبقى القليل لتجمع المشفى عليّ و تقول قليلا".
طق شرار الغضب من عينيه رادًا عليها:
" ولكنكِ استحقيتي هذا، كان عليكِ أن تخبريني بدخولك لندخل سويا كي نسأل على استاذنا، ولكنكِ تجاهلتي وجودي وتصرفتي بأنانية وحدك".
اومأت رأسها بغضب قائلة:
" نعم انانية وتجاهل وبالأمس كان عدم احترام، نعم أنا من يتصرف بكل هذا وأنا من استحق ، تفضل أكمل وماذا أيضا".
نظر حوله بعصبية محاولاً تهدئة أعصابه كي لا يزيد الأمر سوءً، رفعت حقيبتها لتضعها على كتفيها ثم مدت يدها لتجمع اغراضها استعدادا للابتعاد عنه ولسوء حظها سقطت قهوتها على دفترها، اسرعت برفعه ورجه بالفضاء لأسقاط قطرات القهوة العالقة على سطحه.
أخرج شريف من جيبه منديلًا ورقيًا رفضت أن تأخذه منه وهي تبحث داخل حقيبتها على آخر يساعدها.
سحب دفترها من يدها وبدأ يمسحه باهتمام كبير فهو اكثر من يعلم أهمية دفاترها لديها، فتح أولى أوراقه وهو يطمئنها :
" الحمد لله لم تصل للداخل الغلاف فقط من تأثر".
أخذته منه وهي تمسح عليه بيدها متفاجئة بسؤاله الذي خرج كالعادة بغير موقعه:
" هل هو هدية خاصة منهُ، أعني من خطيبك أو ما شابه".
قطبت حاجبيها ناظرة إليه باستغراب، ليكمل هو حديثه:
" أعتذر لتدخلي قلتها لأجل حزنك الكبير عليه وأيضا لأنه مزين بالقلوب والورود الحمراء عكس ما سبقوه".
رمقته بضيق تحدثت به:
" ليس خاص ومن أين خرج خطيبي أنا لستُ مرتبطة، آه بالمناسبة حالته تخصني وحدي لستُ مجبرة على تقديم تقرير عنها والآن بعد أن أجبت على استجوابي الجديد هل تسمح لي؟".
تحركت مبتعدة عنه وهي لا زالت تنظف دفترها بيدها.
تحدث شريف بصوت منخفض:
"لستِ مرتبطة كيف هذا لقد سمعتكِ بأذني".
توالت عدة أيام تحسنت بهم صحة أستاذ نديم ليعود لعمله دون اجهاده بالمحاضرات، فرحت شهرزاد بخبر عودته حين اعلان أستاذ جمال بالمحاضرة سلامته وعودته ولكن دون أن يكمل معهم المحاضرات لفترة زمنية يستقر وضعه أكثر بها.
اسرعت شهرزاد بعد المحاضرة لمكتبه وهي فرحة، صادفها خروج أستاذ شريف من جديد تنحت يمينًا لتتفاجأ أنه يأتي اتجاهها تحركت للجهة الأخرى متعجبة من تحركهم بنفس الاتجاه وكأن هناك جاذبية تجذبهم لنفس الاتجاه دون تعمد منهما.
تراجع شريف للخلف متنحيًا بعدها جهة الشمال كي يفتح لها الطريق صامتا، لتدخل بوجهها الفرح قائلة:
" الان علمت سبب الأنوار المضيئة بكل مكان وكأنه يوم عيد".
ضحك أستاذ نديم بجوابه:
" ما اعتدت عليكِ بهذه التعابير المهروسة".
ردت بوجهها الضاحك:
" اشرقت الانوار بقدومك و تدفقت الأنهار وغردت الطيور فرحًا، فيا أهلاً ويا سهلاً بمن نُثرت التراحيب لأجله و نزف عطر الورد لاستقباله ".
تحدث نديم من جديد:
" وهذه أيضا مهروسة وقديمة، هل توقفتي عن الكتابة أم ماذا".
أومأت رأسها مجيبة:
" قليلا لا يقال عنه توقف بشكل تام ولكني لم أجد ما يستهويني للكتابة بهذه الفترة".
وبلؤم أجابها نديم وعينيه على شريف تحدث:
" وما الذي أفرغ فؤاد وإلهام شهرزاد ملكة الأساطير عبر الزمان".
لم يعطيها فرصة للإجابة حين وجه حديثه لشريف:
" لماذا تقف بجانب الباب؟".
انتبه شريف على نفسه وروحه التي شردت بسحر ضحكتها وكلامها، تحرك خطوتين بمكانه وهو يعيد أدراجه لوضعها السليم قائلا:
" لا شيء كنت ذاهبا للحسابات لأعطيهم الملف".
_" نعم تذكرت، بالأصل اعتقدت أنك ذهبت وعدت، تمام اذهب ونحن بانتظارك لأخبركم بأمر مهم".
وباهتمام رد كلاهما:
" ليكن خير إن شاء الله "
نظر نديم لخارج الباب مناديًا على موظفة كانت تسير بالممر:
" أستاذة ريم لحظة من فضلك".
اقتربت ريم من الغرفة قائلة:
" تفضل تحت أمرك".
_" الامر لله وحده، انهيت الملف الذي طلبتيه مني".
مد شريف يده ليعطي لها الملف الذي بيده قائلا:
" كنت آت اليكِ تفضلي الملف جاهز".
ردت ريم ناظره لنديم:
" ممتاز اعتذر منك اجهدناك من أول يوم عمل".
_" لا عليكِ. أنا بخير من الجيد أنكِ ذكرتيني به كي لا يتعطل عملك عليه".
شكرته وخرجت ليوجه نديم حديثه لشريف قائلا:
" أغلق الباب وتعالَا أمامي لاخبركما عن الأمر".
جلسا بجانب المكتب منصتين لحديثه الذي بدأه قائلا:
" كنت أود أن أعلن عنه بعد ان انتهي من إعداده ولكن طاقتي لم تعد كافية، لهذا قررت ان استعين بمساعدين اكتب اسمائهم بالكتاب واشكرهم لما سيقدموه لي من مساعدة".
تحدث شريف متسائلا:
" أي كتاب أنا لم أفهم ".
ردت شهرزاد بحماس كبير وفطنة على استاذها:
" أعتقد أنني فهمت ما تريد قوله لنا".
نظر شريف لها باغتياظ خاصة وهو يستمع لأستاذه نديم يقول:
" وهل لكِ ان لا تفهمي".
لتكمل حديثها بحماس:
" تريد منا ان نشاركك صرحك الجديد بعالم الأدب".
صفق نديم لها بصوت منخفض، تحدث شريف:
" شككت بالأمر ولأني أعلم مدى اهتمامك بالتفاصيل وكل حرف تكتبه بقلمك استبعدت فكرة طلبك المساعدة من أحد غيرك".
_" اقسم لك أنني سأحاول جاهدة ان لا اخذلك وأكون عند حسن ظنك بي بل أقول إنك اخترت الشخص المناسب بالمكان المناسب".
ابتسم شريف ساخرا من حماسها الزائد، معقبًا عليها:
" بهدوء كي لا تحزني لاحقًا، يمكنكِ أن تساعديه بإختيار مساعدين على قدر عالي من الأدب والبلاغة، أم انكِ توقعتي اختياره لكِ، اعتقد أنها ثقة زائدة عن الحد".
نظرت شهرزاد لأستاذ نديم بخجل تحدثت به:
" أعتذر منك لقد اخذني حماسي وللحظة توقعت مشاركتنا لك".
قاطعها شريف بامتعاض وغيره واضحة:
" لا تتوقعي، عليكِ أن تستمعي أولا ومن ثم تفكري وتتوقعي وتتحدثي".
أجابته بنظرات ضيقها منه:
" ألم يسمع أستاذي الفاضل اعتذاري؟"
_" لا سمعت ولهذا أردت ان اعطيكِ درسًا خاصًا بحياتك كي لا تتحمسي وتحزني بعدها".
أجابته بنفس حدة نبرة حديثه قائلة:
" شكرا لحضرتك من الان وصاعد سأخذ درسك بعين الاعتبار".
رد شريف بضيق:
" احسنتي عليكِ فعل هذا".
امسك نديم رأسه قائلا بصوت أُرهق منهما:
" هيا تحركا وأخرجا لتكملا حديثكما بالخارج لا أريد ان اموت الان لا زال لدي ما أفعله قبل هذا".
( آه والله يا باشا أنا مش عايزة أموت دلوقتي ورايا أولاد عايزة اربيهم 🤣🤣🤣 )
تحدثا قائلين بنفس واحد:
" حفظك الله لنا".
نظرا لبعضهما نظرة لم تطول حين بدأت شهرزاد حديثها من جديد:
" تمام سأصمت تفضل حضرتك كيف يمكنني مساعدتك أنا تحت أمرك بأي شيء والله سأكون سعيدة بمشاركتي حتى ولو بتحضير المشروبات والخدمات لكم سيكون هذا شرفا لي".
لم يستطع شريف التحكم بابتسامته الساخرة، تحدث نديم قائلا:
" لقد أطلتم الأمر كثيرا، أردت منكم ان تساعدوني بإنهاء كتابي وأنتم تركتموني وامسكتم بالقال والقيل".
فرحت شهرزاد بينما تفاجأ شريف متسائلا:
"هل أنت متأكد من قرار كهذا؟".
_" و الله أنا متأكد ولكن إن كان أحدكم غير متأكد من نفسه لن اضغط عليه ".
وبنفس فرحتها وحماسها الذي جعلها تتحرك على مقعدها وهي تتحدث بكل جوارحها:
" والله أنا متأكدة من قدراتي، وسأعمل جاهدة حتى أجعلك فخور باختيارك لي".
ضحك أستاذ نديم عليها متسائلا:
" وماذا عن المشروبات والضيافة؟".
ضحك شريف من جديد، لترد شهرزاد:
" دين علي لا تقلق اتركها علي حتى سادعمكم بالكيك والبسبوسة الخاصة بي".
زاد ضحكه الساخر حتى خرج صوته به حين استسلم له.
_ " خير يا شريف شعرت بالخوف الآن هل اقبل عرضها أم نلغيه من البداية فصوت ضحكتك وخروجها بهذا الشكل اقلقني".
تساءلت شهرزاد باستغراب:
" احاول ان اتذكر متى تناولت حلوى من صنع يدي؟".
_" لا لم أتناول بفضل الله، ولكني سمعت عنها ممن تناولوها" واكمل ضحكه.
أزداد استغرابها بعد جوابه عليها ، تحدث نديم قائلا:
" إذا لنكتفي بالمشروبات أنا رجل مريض خارج من وعكة كبيرة".
هزت شهرزاد رأسها قائلة بحزن :
" حفظك الله لنا، ان شاء الله ستكون الاخيرة، ولكني تحمست كثيرا ولم استطع منع نفسي عن معرفتي كيفية مساعدتك بصرح كهذا".
رد نديم على سؤالها:
" ساشرح لكم، هناك بعض الموضوعات تحتاج للبحث وجمع معلومات كثيرة من اكثر من جهة لإضافتها في الكتاب الذي سيكون شامل وجامع لجميع شرائح الأدب العربي وتأثيراته على الفكر والمجتمع، اريد منكم ان تساعدوني بالبحث وتجميع المعلومات والتواريخ الصحيحة المهمة".
وقبل أن يرد شريف سبقته هي قائلة:
" أعدك أنك لن تندم على هذا القرار اطلاقا".
نظر نديم بوجهه الضاحك نحو شريف متسائلا:
" افهم من صمتك القبول أم القبول؟".
ضحك شريف مجيبًا بحب:
" وهل لي أن أرفض فرصة قيمة كهذه؟".
_" على أساس أنني سأسمح بشيء كهذا".
قالها نديم ناظرًا لحماس شهرزاد الذي بدى على وجهها وهي تتحدث:
" والان كيف سنبدأ هل سنقرأ الكتاب أولا أم ستكلفنا ببعض المهام وتبقي على محتوى الكتاب سر خاص بك".
_ " ما هذه السرعة اصبري قليلًا لارتب ما يجب أن نبدأ بالبحث عنه، وأيضا دعكِ من هذا وأخبريني أليس لديكِ محاضرات".
اتسعت عينيها وهي تنتفض بوقوفها:
" كيف نسيت امرها من المؤكد أنهم بدؤوها".
اسرعت للخارج دون حتى ان تستأذن ليتحدث نديم قائلا:
" اخبري أستاذك أنني من اخرك عنها".
ضحك شريف وهو شارد بخروجها السريع ليهز نديم رأسه قائلا دون صوت مسموع:
"كل شيء خلقناه بقدر".
انتبه شريف لنظرات نديم نحوه ، أخفى ضحكته ثم تحرك على مقعده متسائلا:
" هل أنت جاد بقرارك أسألك كي لا تندم لاحقا".
_ " ستجعلني أندم من الان ما هذه الحالة والرسميات بالكلام من يراك الآن يتعجب من كان يتحدث قبل قليل عن الحلوى الخاصة بها" قالها نديم غامزًا له.
دافع شريف عن نفسه قائلا بحدة أراد بها إظهار عكس ما في قلبه:
" خرجت مني دون قصد قالها والدها لي بأول زيارة لهم، هو شخص ذو نكهة كوميدية من المستحيل مقابلته دون ان تضحك حتى بحزنه كان يحاول اضحاك من حوله، لهذا ضحكت حتى أقول لك من الان لا تثق كثيرا بالمشروبات التي وعدتك بها".
تنهد نديم بحزن تحدث به:
" حسنا يا بني مادام الأهل أناس على خلق وأنت أعجبت بهم ومن كلامك السابق يوضح إنك ذو مكانة عند والدها، والفتاة أنا اضمنها لك يعني لو تعود وتجرب حظك من جديد".
وقف شريف بعد أن تغيرت ملامح وجهه قائلا:
" لا داعي للتجربة أنا لم أعد أفكر بهذا الموضوع لقد انتهى بالنسبة لي والآن بالاذن منك سأنهي بعض الأعمال".
لقاء مع القدر
خرج شريف من المكتب وبعدها من المبنى الإداري وهو لا يعلم إلى أين ستأخذه أقدامه التي لا تسير إلا بمشيئة الله في اقداره التي قادت شهرزاد لخوض لقائها الثاني مع من رفضتها وعكرت صفو فرحتها بنجاحها في يوم المنتدى.
تفاجأت زيزي برؤية شهرزاد أمامها نظرت بقوة محاولة التأكد هل هي أم شبيهتها، وعند تبادل شهرزاد النظر لها تأكدت زيزي أنها لم تحلم وقفت بوجه حاول أن يبتسم رغم مفاجأته قائلة:
" شهرزاد ؟"
أرادت أن لا ترد وتتجاهل صوتها منتصرة لكرامتها وما سمعته اذنها بحقها.
نادتها زيزي من جديد
" شهرزاد".
_" نعم انا ، أهلا بكِ ".
سألتها زيزي بعلامات استفهام كثيرة بدت على وجهها قائلة:
" ماذا تفعلين هنا ألم تتخرجي بالسنة الماضية؟".
ردت شهرزاد دون أن تدرك حدتها وارتفاع نبرة صوتها أعلى قليلا عن المعتاد قائلة:
" نعم تخرجت وعدت لادرس من جديد هل لديك مانع بهذا؟، هل كان عليّ أن أتي لاخذ الأذن بإكمال دراستي ولم أكن أعلم، أم أنكِ لا تعلمين ببروتوكول الماجستير والدكتوراه في الدراسة الجامعية التي لا تنتهي بالتخرج أو الزواج".
تأكدت زيزي من شكها فلا يمكن أن تحدثها بهذا الشكل إلا إذا سمعت ما قالته بالحمام يوم المنتدى.
اقتربت بأسف وخجل لتبدأ حديثها قائلة:
" أعتقد انكِ فهمتي ما قلته بشكل خاطئ".
رفعت شهرزاد رأسها متحدثة بثقة:
" لا عليك لم يحدث شيء أردت أن أشرح لكِ نظام الدراسة بجامعتنا فهناك أحلام أكبر وأجمل من الزواج".
أنهت حديثها وهي تبتعد عنها قائلة:
" تأخرت بالأذن منكِ".
لسوء حظها رؤية شريف لملامح وجهها بالرد على أمه وتركها لها رغم مناداة زيزي لها وتحركها نحوها خطوات دون أن تلحق بها.
ليكون حديثه فور اقترابه من أمه:
" ماذا حدث؟، ما هذه الحالة ؟، كيف لها أن تتعامل معكِ بهذا الشكل؟".
_" لا عليك يا بني اتركنا منها جئت لأطمئن عليك واخطفك لنتناول طعامنا بالخارج".
رد على أمه بضيق:
" كيف سمحتي لها أن تحدثك بهذا الشكل الحاد وتتحركين خلفها أيضا، لماذا فعلتي هذا كان عليكِ أن تتركيها دون اهتمام فور تحدثها وسلوكها الغير محترم".
_" لم استطع تخطي الأمر بسرعة يعني لأجلك فبالأخير الفتاة كانت…
حاول شريف اخفاض صوته وتمالك أعصابه برده:
" لا كانت ولا ستكون كان خطأ كبير، كنتي محقة ما كان علي أن أتقرب منها وأعلق نفسي بأحلام واهيه ، ولكن لا تقلقي من الان وصاعدا لن اسمح لها ولا لغيرها بأن يحزنني أو يكسرني، لن اسمح لمرأة أيًا كانت أن تستحوذ أكبر من حجمها بحياتي أعدك بهذا كما أعدك ان لا امرر ما حدث قبل قليل بسهولة اقسم أنني سأجعلها تندم على ما فعلته بكِ"
……..
تعجبت من حالة زيزي الحلو هل ندمت على ما فعلته ، أم لا زالت ترتدي قناع المظلوم صاحب الحق برأيه.
بالطبع سيؤثر هذا اللقاء على حالة شريف الغاضب ولكن لأي مدى سيؤثر ؟؟ انتظرونا لتروا كيف سينكشف سر زيزي أمام أبنها.
انتهى الفصل أتمنى ينال اعجابكم ، و طبعا منتظره تعليقكم و تحليلكم.
استودعكم الله 🥰