recent
جديدنا

عروس بغداد الفصل السابع والثلاثون

عروس بغداد

بقلم أمل محمد الكاشف  



 نظرت لعيونه العاشقة لها بصمت كبير بعد ان تسمر و تصنم أمامها كعادته كلما غرق بسحر عيونها، وبعد ان عم الصمت المكان للحظات قصيرة اعتقدا هما انها طويلة تحدث تيّم 

"اتعجب كيف تحمل عينيكِ هذا اللون الغريب، انا لم أرى بجمالهم من قبل، دعك من لون عيونك وانظري للرموش كيف كست طرف جفونك وكأنها حشائش متلاصقة ببعضها من كثرتها و غزارتها، اتعلمين ان رأيتهم في يوم من الأيام باللون الأخضر لن اتعجب، فمن يخلق هذا الجمال لا يعجز عنه المعجزات"

 

رفع عينيه قليلا نحو منبت شعرها الذهبي رافعًا يديه ليلمسه من جانبه الأيمن قائلا

 "ما أجمل ملمسه، كنت اعلم انه بجمال لونه ونعومته ولكني لم أتوقع انه أجمل مما تخيلت وحلمت، انتظر نومك كل ليلة كي اتنعم بملمسه الناعم الجميل"


سبح بيده الحنونة حتى وصل لرابطة شعرها في الخلف وبدأ بنزعها قائلا 

"لنطلق سراحه هذا اليوم، ما أجمل أن أرى جماله وهو منعم بحريته خلف ظهرك"


وضع الخاتم بجيب جاكيته وهمَ ليساعد يده اليسرى على تحرير شعرها، وهنا وجدت سلمى نفسها بين ذراعيه تتنفس عطره الذي أصبح ضمن قائمة مفضلاتها، وبوسط الاحلام الجميلة تفاجئ تيّم بدفعها له وتغير ملامح وجهها وهي تقول له

"انا لا اريد فتحه على ظهري، ارتاح بعقده على هذا النحو، رجاءً لا تقترب مني بهذا الشكل مرة أخرى كي لا تحزن"


رد عليها 

"احزن منكِ!، انا لا احزن منكِ ابدًا وأيضا ان احببتي جمعه فلتفعلي ما تريدين حتى يمكنني مساعدتك بإعادته لحالته  بقلب رحب"


رفعت كف يدها امام صدره بقوة

 "توقف. اخبرتك ان لا تقترب مني، فلنحافظ على المسافات بيننا كي لا نحزن من بعضنا"


تحدث بصوت تغير كثيرًا حتى فضح ما بقلبه قائلا 

"هل اعتبر هذا ردًا على طلبي، أعني عرضي قبل قليل"


تفاجأت بما قاله تململت في ردها الذي تأخر بخروجه من فمها

"نعم ، اعتقد انه ليس بجديد عليك اتفقنا على ذلك من قبل وعلينا ان نتم الاتفاق ونلتزم به حتى يعود كلا منا لحياته مجددًا"


نظر لأرضية الغرفة بوجه حاول ان يظهر تماسكه وقوته متحدثًا بصوت لا يختلف كثيرًا عن ما ظهر عليه

"حسنًا كما تشائين. اعتذر ان ضغطت عليكِ دون قصد…."


تحرك ليخرج من الغرفة ، تحدثت بسرعة متسائلة

"إلى أين؟"


استدار ونظر لقوة ملامحها وسؤالها الغير متناسقين مع بعضهم البعض قائلا

 "سأذهب للمكتب هناك بعض الأوراق عليّ تجهيزها قبل مجيئ أستاذة سندس"


اسرعت بردها الذي زاد من حيرته

"هل كانت ستأتي اليوم، أنت لم تخبرني بهذا؟"


اجابها باستنكار

 "وهل يتوجب عليّ اخبارك عن هذا!"


نفت بهز رأسها ليكمل  سيره مقتربًا من الباب وهو يستمع لصوتها

 "سأذهب للمشفى اليوم كما تحدثت معك بالأمس سأعود بشكل جزئي حتى..."


قاطعها رده السريع قبل إغلاقه الباب خلفه 

"افعلي ما تريدين المهم ان تنتبهي على نفسك جيدًا"


حزنت على احزانه تحركت لتجلس على الفراش وهي تحدث نفسها بحدة وغضب 

"تمادى كثيرًا هذه المرة كان عليه ان ينتبه لنفسه كي لا يحزن بهذا الشكل"


رأته امه وهو متجه نحو باب منزلهم نادته متسائلة 

"تيّم إلى أين؟"


نظر نحوها بضيق تحدث به

 "ما بكم الجميع يسأل إلى أين، وأين سأذهب يا امي لغير العمل"


اقتربت امه واضعه يدها على كتفه

 "ما بك يا بني؟ ما الذي غير حالتك لهذه الدرجة ألم تكن سعيد وفرح ، ام ان هناك مشكلة بالعمل"


تحدث بضيق

 "نعم يوجد شيء من هذا القبيل سأذهب لأنهي عملي و ادبر اموري على أكمل وجه ومن ثم اعود لا تقلقي عليّ، وأيضا لا تنتظريني على العشاء من الممكن ان أتأخر الليلة، انوي ان اسلم احد العملاء قسم من بضاعته وسيكلفني هذا المزيد من العمل والوقت ، تعلمين ضرورة وقوفي على يد العاملين حتى ننهي العمل"


دعت له امه بالخير والتيسير وهي تراقب همه وحزنه وكسرة عيونه، بالداخل كانت سلمى على فراشها تقرأ ورقة تيّم الذي سطرها بقلبه لها 

"اعدك ان يكون حبنا نقي لا يعرف النفاق او الخداع او الفراق، وان حدث واختلفنا يداوي ويوفق حبنا بيننا بالمودة والرحمة والميثاق الغليظ الذي عاهدنا الله على الحفاظ عليه، لنحيا سويًا على الحلو والمر، القوة والضعف، الغنى والفقر، الصحة والمرض، لا نخون ولا يؤذي بعضنا البعض" 


حزنت سلمى على صده بهذه الطريقة ظلت صامته تنظر لأول الكلمات وآخرها وما كُتب على هامش الورقة بالخلف وهي تتبسم بحزن محدثة نفسها داخلها 

"كم اهتم بكتابتها"


قامت تاركه الورقة بجانب مرآة الغرفة وبدأت تتجهز لتذهب للمشفى وهي تقول لنفسها 

"ومن أين خرج أمر أستاذة سندس"، من يراه وهو يقترب ويتحدث يقول ان العمل انتهى لشهور قادمة وما اصبح امامه سوى …"


ارتدت عباءتها السوداء اعلى ملابس الخروج وتحركت ببطئ لتخرج من غرفتها حاملة الحقيبة على كتفها مكملة حديثها مع نفسها

 "ماذا ان وافقت هل كان سيتركني لأجلها أم  أنها حجة هرب بها؟"


رأتها أم تيّم التي تعجبت من هيئتها وقولها

 "سأذهب للمشفى علي ان اعود بشكل تدريجي لعملي"


وبقلق سألتها 

"وماذا عن قدمك، لا زلتي تحتاجين للراحة"


ابتسمت سلمى قائلة 

"لا تقلقي تحدثت مع الطبيب واتفقت معه على ذلك"


ردت أم تيّم 

"يا ليتك قررتي قبل خروج ولدي حتى يأخذك معه بسيارته"


فكرت ام تيّم قليلًا لتقول بعدها

"سأطلب لكِ تاكسي خاص، لا يمكنك قيادة سيارتك وانتِ بهذه الحالة"


رفضت سلمى  وطمأنتها انها بخير ويمكنها قيادة السيارة دون تعب، ولكنها إن شعرت بعكس ذلك ستتواصل مع تيّم كي يصطحبها بالعودة.


ردت تهاني الهاشمي 

"لا اعتقد انه متفرغ اليوم حتى انه أخبرني ان لا ننتظره على العشاء لديه طلبيات مهمه عليه انهائها اليوم، تواصلي مع تاكسي خاص يأتي بك فور انتهاء عملك ولا تتأخري كي لا تجهدي قدماكِ من اول يوم"


عادت لعصبيتها وتأكلها الداخلي قائلة لنفسها 

"طبعا عندما يصل الامر لها يحدث ذلك واكثر"


تحركت مودعة امه وهي تعدها ان تنتبه على نفسها.


مر اليوم بضيق كبير على كلاهما، لاحظت هند تغير صديقتها وشرودها اغلب الوقت بجانب غضبها السريع على المساعدين والممرضين. 


كلما سألتها عن سبب حالتها تنفي سلمى ان وراء غضبها او شرودها أي شيء، كما هو الحال لدى تيّم الذي ترك نفسه للعمل متخذًا من ورشة الخياطة موطنًا له، لم يقل غضبًا عنها بل كان أسوأ منها حين أمر بمجازاة عامل تأخر بالعودة في الموعد المحدد له. كان وضعها المتقلب وتمسكها بالحدود والحواجز بينهم يزعجه ويضغط عليه بشكل غير مسبوق. فكلما كبر الحب بقلبه كلما كبر ضيقه …


تذكر غضبها عليه وصدها له في كل مرة يحاول ان يبوح لها بما يحويه قلبه من مشاعر حبه الفياض.


بهذه الأثناء كانت هي تفتح هاتفها لتخرج رقمه  لتتصل به وتعود لتغلق الهاتف متراجعة عن الاتصال،  كررت ما تفعله عدة مرات مما زاد هذا من غضبها و عصبيتها التي جعلتها تتحرك بطريقة غير مدروسة اذت بها قدمها مرة أخرى.


صرخت وهي تختار خيار سقوطها ارضا على  جانبها الأيسر عن خيار التحميل على قدمها وزيادة حجم المشكلة بها.


مالت المساعدة ندى عليها بخوف

"دكتورة سلمى ما بكِ"


 تجمع الأطباء من حولها وهو يحاولون رفعها ومساندتها بسيرها حتى تجلس على اقرب مقعد بالممر.


تحدث طارق بقلق 

"هل تأذت قدمك، هل تؤلمك؟"


أومأت برأسها وهي تتألم منها، نظر طارق لهند ثم نظر لسملى بضيق

 "لا أعرف ما الداعي لكل هذا العناد والسرعة بالعودة للعمل، اعلم لا فائدة من كلماتي الان هيا لنذهب لقسم تصوير الرنين المغناطيسي كي نطمئن عليها ونبادر بتجبيرها و أخذ العلاج رغم اني أرى ان العلاج لا فائدة له معكِ علينا ان نعقد ربط قدماكِ بالفراش لضمان شفائها"


ابتسمت له وقالت

"هل ترى أنه سيجدي معي نفعا"


ضحك مجيبًا عليها

 "هيا يا عنيدة بلدنا لنذهب ونرى ما سيفيدك"


مد ذراعه نحوها قائلا

 "استندي عليّ بوقوفك. إياكِ ان تضغطي عليها"


نظرت هند لذراعه ثم نظرت لزوجته التي ظهرت من بداية الممر قائلة

" لا عليك انا سأسندها إلى هناك"


تحدث طارق

 "حسنا وانا سأرى مريض بالغرفة المجاورة للمصعد واتي إليكم"


مر الوقت واطمئنت سلمى على قدمها التي شدد الطبيب على ضرورة تجبيرها.


طلبت منه ان يعطيها فرصة عدة أيام ولكنه اصر على ذلك، لتجبر قدمها مجبره على الخضوع لأوامر زميلها الطبيب.


ظلت في غرفة مكتبها حاملة غضبها على زوجها بصدرها وهي صامته وكأنه هو من احزنها وكسرها وأسقطها أرضا.


عاد تيّم للمنزل ليتفاجأ بعدم رجوعها، دخل غرفة امه ليسأل عنها ولكنه وجدها قد نامت بوقت مبكر وهي تحتضن ابنتها .


خرج للصالون من جديد فاتحًا هاتفه ليتصل بها على مضض، استقامت بجلستها فور رؤيتها لاسمه على هاتفها.


 تجمعت الدموع بعينيها وهي تنظر للشاشة قائلة

 "الان تذكرت الاتصال بي"


انتهى الاتصال دون رد ليزداد تيّم قلقًا عليها، عاود الاتصال بها لتجيبه بنهايته متفاجئة بردة فعله  "اين انتِ لماذا لا تردي على هاتفك"


وقبل ان تجيبه سألها بخوف

"هل أنتِ بخير هل اصابك  مكروه"


اجابته بحزن وشفقه على نفسها

"انا بخير شكرا لك"


لم يقتنع بجوابها سألها بقلقه 

"أين انتِ ولماذا لم تعودي للمنزل ما دمتي بخير؟"


ابتلعت ريقها المحتقن بالضيق الغير مفهوم سببه قائلة له 

"لن اعود سأبقى اليوم بالمشفى"


عاد لضيقه وحزنه حين شعر بهروبها منه، تحدث بصوت خُفض من حزنه 

"لا يمكن بقائك هناك لأجل قدمك ان ضغطتي عليها ستسوء حالتها، كما أن الوقت تأخر على عودتك بمفردك سآتي لاصطحابك للمنزل"


جاءت لترفض قائلة

 "شكرا لك لا داعي لتعبك" 


ولكنه صدمها بمقاطعتها

 "عودي للمنزل لأجل سلامة قدمك وانا سأذهب لأنام بالمكتب..."


قاطعته هي أيضا قائلة بسرعة 

"وما الداعي لنومك هناك، هل تظن ان وجودك عقبة أمام عودتي للمنزل"


عاد ليصدمها بقوله

 "اعتذر لما صدر عني صباح اليوم، اعدك ان لا يتكرر مجددًا، فكرت وراجعت نفسي بتصرفي الأحمق ما كان علي ان اتحمس وافعل ما فعلته بالأخير نحن كالأصدقاء ولا يمكننا ان نكون غير ذلك، ولهذا اعطيتك الحق بغضبك وحزنك مني عودي للمنزل حتى تشفى قدمك تماما ونطمئن من جهة عائلتك ثم تستطيعين بعدها تملك منزل أمن تنتقلي إليه وحتى هذا اليوم ستبقين بمنزلي  معززة مكرمة دون ضغوط او عروض او أي شيء من هذا القبيل"


ظلت صامته بعيون تتساقط منها الدموع الهادئة الساخنة فقط، انهى حديثه بقوله

"هيا تجهزي مسافة الطريق وسأكون امام بوابة المستشفى"


اغلق دون ان ينتظر جوابها، تحرك ليخرج من المنزل وهو يقول لنفسه

"دخلنا الطريق سويًا على وعد ان احميها، سأفي بوعدي حتى اخر لحظة يتوجب علي حمايتها ومن ثم كل واحد منا يذهب لطريقة كما يريد ويرغب"


كانت الكلمات تخرج من قلبه بحزن وألم كبير، قاد سيارته حتى توقف أمام البوابة الكبيرة مرسل لها رسالة محتواها 

"انتظرك بالخارج"


لم تلبث إلا دقائق قليلة حتى ظهرت امامه وهي تتسند على صديقتها هند بسيرها.


نسي ما ظل يردده طول الطريق من وضع حدود ومسافات بينهما واسرع بنزوله من السيارة والاقتراب منها متسائل بقلق

"هل ساء وضعها لهذه الدرجة؟"


همَ ليمسكها من ذراعها بسرعة لولا  تذكر ابتعادها عنه وتحذيرها من الاقتراب له.

 

كادت ان ترفع يدها لتستند على ذراعه فكل من رأى حركته السريعة تنبأ بمساعدته لها ولكنه تراجع واسرع نحو باب سيارته ليفتحه أمامها كي تجلس عليه وهو يعتب عليها ذهابها الى العمل وتحميل قدمها عبء زائد.


تحدثت هند بعد ان اجلست صديقتها وتركتها تعتدل بجلستها وتجميع عباءتها بجانبها قائلة 

"ألم تعلم بأمر سقوطها؟"


اجابها بصوت علا من المفاجأة

"سقوطها! متى وكيف!"


حكت له هند ما حدث وهو ينظر لوجه سلمى المخفض بحزنه وألمه، اخذ نفسا عميقا أخرجه بضيق وحزن قائلا 

"قدر الله وما شاء فعل، طهور ان شاء الله، لننتبه اكثر حتى تتحسن"


تحرك ليقود السيارة بعد ان شكر دكتورة هند التي دعت لصديقتها بالشفاء وذكرتها بضرورة أخذها للأدوية الجديدة بانتظام، ثم عادت للمشفى وهي تدعو لهما بصلاح الحال فهي أكثر من يعلم بوضعهما.


ظل صامتًا حتى وصلا امام منزله، صف سيارته وتحرك ليفتح لها باب السيارة وهو يقول "سأتصل بسمراء كي تأتي وتساعدك بالصعود"


اجابته بعيون مخفضة

 "حذرني الطبيب من صعود ونزول الدرج على الأقل بأول يومين"


نظر لوجهها الذي خفت ملامحه عنه قائلا 

"لدي حل اخر، يمكنك الجلوس على مقعد واحملك به إن سمحتي بذلك طبعا"


ردت دون النظر له 

"و ماذا إن سقطت"


اسرع برده 

"وكيف اتركك تسقطين وحدك لا تقلقي سأفعل ما بوسعي كي لا نسقط سويًا"


ابتسمت بدموعها التي تساقطت من عيونها رغما عنها. 


خفض قامته كي تصل لمستوى جلوسها بالسيارة قائلا

 "اعلم إنكِ تتألمين ولذلك اريد ان نصعد بسرعة كي تتناولي أدويتك وترتاحين بعدها"


ردت عليه بوجه متمرد على النظر له      "لا اريد"


تعجب من ردها 

"كيف لا تريدين، انتِ طبيبة وتعلمين أهمية أخذ الدواء والالتزام به"


هزت رأسها    "لا اريد"

وقف وهو يضع يده على خصره والأخرى على جبهته ينظر للطريق بجانبهم دون كلام.


جمع شتاته وضيقه وحزنه وتحكم بهم ليعود بعدها كي ينحني متحدث معها 

"حسنا لنتحدث عن هذا بالأعلى، والان سأصعد لأجلب مقعد أحملك عليه"


تحركت لتنزل من السيارة قائلة له

 "لا تتعب روحك سأنزل بمفردي، بالأصل أشعر بتحسن لا أعرف ما الداعي لكل هذه المحاذير"


وبعندها وقفت صارخة بقوة ضرب الألم لمفصل قدمها واطراف اصابعها، اقترب بسرعة وساندها محاولا رفع قدمها المتأذية عن الأرض حتى أصبحت بين يديه بشكل مائل لا هو حاملها ولا هي واقفه على الأرض.


وبهذه الحالة لم يجد نفسه الا وهو يكمل حملها بين ذراعيه كي يصعد بها للأعلى، صدمته حين استندت برأسها على صدره رافعة ذراعيها لتحاوط رقبته بهم مغمضة عينيها الدامعة كطفلة حزينة من أبيها…


ثبت بمكانه للحظات ينظر لحالتها بين ذراعيه، تحرك بعدها ليدخل البوابة مغلقها بعده بطرف قدمه صاعدًا للأعلى بخطوات بطيئة كاد ان لا يخطوها كي لا ينتهي هذا الاقتراب.


وكأنه لأخر مرة سيشهد ويشعر بهذا الحضن صعد بها وهو يتأمل وجهها المستند على صدره.


اجلسها على فراشها قائلا    "اتركك على راحتك"

اقترب من الخزانة ليأخذ ملابس نومه، طلبت منه ان يأتي لها ببجامة نومها، عاد لينظر جهة ملابسها قائلا 

 "اعتقد كانت باللون الأبيض"


اجابته 

"لا اريد شبيهتها السوداء ستجدها بالداخل"


نظر نحوها لثواني عاد ليخرج ما طلبته وهو متعجب منها، فلقد تحولت من جديد لتصبح شخص مختلف عن من رآه بالصباح.


شكرته وهي تنظر لخروجه من الغرفة، بدلت ملابسها وانتظرت عودته التي طالت كثيرا ولأنها عاجزه عن الضغط على قدمها رفعت نفسها على الفراش نائمة بمكانها متمردة على الغطاء والدفء أملا ان يعود ويساعدها بنومها، ولكنه لم يعد ونام متخذًا من أريكة المجلس سكنا له.


راوده قلبه ان يذهب لغرفتها بعد صلاة الفجر ليطمئن عليها ولكنه تراجع بقوله لنفسه

 "عليك أن تعتاد على غيابها من الان"


ولكنه اكمل سيره نحو غرفتها ليفعل عكس ما قاله عقله كالعادة، فتح الباب بهدوء وحذر من ان تفيق عليه.


تعجب من  حالتها ونومها بهذا الشكل اقترب منها ليوقظها كي تتحرك معه لأعلى فراشها، تراجع عن فكرته ليكتفي بوضع الغطاء عليها والجلوس على المقعد المقابل للفراش ينظر نحوها محاولا فهم حالاتها المختلفة.


اشرقت شمس يوم جديد استيقظت سلمى لتجد نفسها وحدها بالغرفة نائمة على حالتها نظرت للغطاء أعلاها وهي تفكر بمن وضعه عليها.


طُرق الباب ودخلت سمراء حاملة صينية الفطور لتضعها جانبا حتى ترتب المكان بجانب سلمى اعلى الفراش

 "أمرني دكتور تيّم  ان اتي لكِ بفطورك الخاص"

سألتها "هل لا زال بالمنزل ام ذهب للعمل؟"

 

اجابتها سمراء

 "لا لم يخرج بعد تبقى القليل ويجتمعون على طاولة الفطور"


رفضت ان تفطر بغرفتها قائلة لها

 "حسنا  وانا أيضا سأنضم إليهم"


اومات السيدة برأسها 

"أمرك يا دكتورة"


تحدثت سلمى اريد منكِ ان تساعديني في الخروج، اقتربت الخادمة منها 

"تحت امرك يا دكتورة"


ردت سلمى بقولها

 "قبل أي شيء أعطني فرشاة شعري من هناك، اريد ان امشطه قبل خروجي"


ذهبت لتحضرها لها منتظرة بجانبها حتى تنهي ما تقوم به، طلبت منها ان تخرج عطرها المفضل من درج منظم الاكسسوارات لتأتيها به، انهت سلمى ترتيب شعرها و وضعها للعطر ثم تحركت لتنزل قدميها من على الفراش قائلة لها 

"من الأفضل ان لا اضغط على قدمي اليمنى نهائي، لذلك اعتذر ان اثقلت عليكِ..."


قاطعتها سمراء لتقصف جبهتها 

"أي ثقل هذا يا هانم ان سمحتي لي ان احملك سيكون أهون علي من حمل صينية الفطور هذه"


ابتسمت  بقولها

 "ليس لهذه الدرجة"


خرجت من الغرفة وهي تقفز على قدم واحدة مستندة بيدها الأخرى على سمراء، كاد تيّم ان يسقط الشاي على ملابسه من المفاجأة ترك الكوب من يده وأسرع نحوها وهو يقول 

"ما الذي جعلكِ تتحركين من فراش؟"


حملها بين ذراعيه بدون مقدمات متلقي صدمته الجديدة حين تحرك شعرها خلفها منطلقًا ببهجته، وضعها على الأريكة وهو يقول

 "تعلمين خطورة ما تفعلين ومع ذلك تفعلينه"


ردت بنبرة طفل مذنب 

"ولكني لم اضغط عليها"


جاء صوت ام تيّم من الخلف 

"نحن نخاف عليكِ يا ابنتي من ان يصيبك مكروه"


ردت سلمى عليهم 

"لا اريد ان افطر وحدي وأيضا امل من الجلوس بمفردي"


تحدثت أم تيّم من جديد 

"انتِ محقة، وأيضا انتِ لا تضغطين عليها كما تقولين، بصراحة وانا كنت اريد ان نجتمع على الفطور لأحدثكم عن أمر مهم، هيا يا بني احملها واجلسها معنا على الطاولة لنتحدث سويا"


نظر نحوها ليجدها تبتسم بعيون مخفضة منتظرة حمله لها، لم يستطع إخفاء ملامح الفرح من على وجهه ابتلع ابتسامته البسيطة حاول اخفائها وهو ينحني عليها ليحملها بين ذراعيه.


مدت يدها وتعلقت برقبته بدلع كادت ان تفقده عقله به، سُرعت دقات قلبه العاشق وقلة أنفاسه وهي بهذا القرب.


وضعها على المقعد المجاور له وهرب سريعًا ليجلس هو على مقعده.

تحدثت أم تيّم   "ما شاء الله ما شاء الله على شعرك"


رفعت سلمى عينيها على ام زوجها وهي تشكرها بخجل لتكمل الام.


كنت اريد ان اخبركم بقرب موعد زفاف زينب ابنة عم تيّم سنذهب للزفاف بشكل جماعي

ردت معتذرة   "لا يمكنني الذهاب بهذه الحالة"


رفضت تهاني ما تقوله 

"خمسة عشر يوما كفيلة ان تعيد قدمك لكامل صحتك ان اهتميتي انتِ بهذا، لن اقبل ان اذهب بدونك، عليهم ان يروا جمال عروسة ابني "


تحدث تيّم لأمه 

"لا تضغطي عليها ان لم ترغب بالذهاب..."


قاطعته عروسته

 "ومن قال انني لم ارغب بذلك، أخشى ان لا تشفى قدمي قبل موعد الزفاف"


ردت ام تيّم 

"سآخذك حتى وان اجلستك على مقعد متحرك ، دعينا نتباهى بجمال عروستنا أمام الجميع"


لم يتوقع تيّم رؤية ابتسامة وجهها بهذه اللحظة، دقق النظر بها وهو يستمع لحديثهم عن شراء ملابس جميلة للحفلة.


تحدثت سلمى قائلة بحماس 

"ليكن باللون الأزرق الملكي"


ثم صمتت للحظات قائلة بعدهم 

"لا ليكن فيروزي"


وضع تيّم قطعة الجبن بفمه المبتسم وهو يقول

 "كنت سأتعجب ان اخذتي القرار من أول مرة، أخشى ان يتغير لمئات المرات قبل موعد الزفاف"


ضحكت امه قائلة

 "اترك ابنتي بحالها فلتختار ما تريد حتى يمكننا شراء اكثر من فستان لتبدل بينهما هناك"


اسرعت سملى بردها

"لا ليس لهذه الدرجة، هل نحن ذاهبون لعرض أزياء وأيضا علينا ان نترك شيء للعروس يعني كي لا يحاسبنا الله "


رفع حاجبه وهو ينظر لها 

"ادهشتموني  تتحدثون منذ ساعة عن كيفية سرقة الأضواء من العروس وبالأخير تكتفي بواحد كي لا يحاسبكم الله"


تحركت ام تيّم ملبية نداء ابنتها دون تستمع لجواب سلمى بعيونها القوية اللامعة

 "ما عساني أفعل، بكل الأحوال سأسرق منها الأضواء فلنكتفي بهذا القدر كي لا يحزن احد منا"


امسك كوب الشاي بيده المبللة من حالته المضطربة بنار الحب وهو يجيبها بوجهه المبهج "هل نقول عن ذلك تواضع!"


نفت بحركة وجهها قائلة بصوت رقق من نبرته

"لا بل هي ثقه"


شرب ما تبقى في كوبه مرة واحدة ناظرًا للطعام دون رد، حك لحيته الخفيفة ثم حرك كف يده على فمه 

"الحمد لله الذي اطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين"


بدأت حديثها قائلة 

"أتذكر عندما ارتديت فستان سهرة قبل سنوات طويلة كنت حينها بصفي الأخير من المرحلة المتوسطة، كان زفاف أحد فتيات عمومتنا، ارتديت يومها فستانا جميلا بشكل لا يصدق، كم فرحت و تنقلت به من مكان لمكان بسعادة لم تتكرر حتى يومنا هذا، كنت اسمع مدح الجميع بجماله عليّ، حتى انه تم خطبتي على اثره، ليصبح بعدها المفضل لدي أخرجه كل يوم قبل نومي لأرتديه بغرفتي وحدي واعود لأخلعه واخبئه بمكانه"

 

صمتت ناظرة أمامها بوجه احمر من اختناقه وضيقه من الذكريات المؤلمة، حدثها بحذر "يمكننا إعادة الماضي مجددًا لنذهب لمصمم أزياء تصفين له شكل ودرجة لون الفستان بشكل دقيق حتى يفصل لكِ واحد طبق الأصل منه".


نظرت له بعيون محتقنة بدموعها 

"وماذا عن امي وفرحتها وتباهيها بي في هذا اليوم من أين سنأتي بها، نظرات زوجات اعمامي وعماتي وبنات عموماتي ونساء العشيرة، الجميع كيف سنعيدهم مع الفستان"


رد عليها بحزنه عليها

 "لا نستطيع ان نعيدهم بالطبع ولكن على الأقل سنعيد تكرار الفستان لعله يترك بقلبك اثرًا جميلًا كما ترك من قبل"


عادت لشرودها لتتذكر عيون أبو بكر المنبهرة بفستانها وحديثه عن تحريمه الزينة على كل نساء الأرض فلا احد يستحق ان يعطي الزينة حقها مثلما اعطتها هي بريقها.


تحدثت بصوت مختنق 

"يا ليته كان اثرًا طيبًا أتمنى عودته، فحتى هذه الفرحة وهذه البهجة سُرقت مني حين صمتت عمتي في حين تستطيع إنقاذي، الجميع كانوا مزيفين يهللون ويمدحون ويتسارعون للفوز بي عروس لأبنائهم وعند الجد وعندما يصل الأمر للحياة والموت يختارون مصالحهم فقط، الجميع شهد على حرقي وبيعي دون أن يفتح فمه بشهادة حق تشفع لهم عند المولى، الجميع كان تمثيل لأجل إرضاء امه وابيه تم التلاعب بي لأجل حسابات ورقية لا ذنب لي بها، وبالأخير ظهر كل شيء وكأن الله أراد ان يفضحه امامي كي لا اثق بأي طرف من الماضي، كي يبقى بقلبي حنين وشوق للماضي"


سألها تيّم عن هوية خطيبها الأول، ابتسمت بحزن قائلة بسخرية

 "ألم احكي لك عنه"


نفى بحركة رأسه لتصدمه بإجابتها

 "كان عليك ان تقول زوجي الأول"


 تغيرت نظرات عينيه التي شرحت مدى تفاجئه وقبل ان يسألها سؤاله المنتظر 

"هل كنتِ متزوجة قبل دكتور خليل!"


ردت عليه 

 "كان ابن عمتي وابن عم والدي، تم خطبتنا  وعقد قراننا وانا بالعقد الأخير من صفي الثاني من التوجيهية على ان يتم الزواج بعد سنتين او ثلاثة على الأكثر ولكننا تلقينا خبر وفاته بعد عقد القران بثلاث اشهر"


أومأ برأسه متحدثًا 

"الحب الأول بحياتك؟، حب الطفولة..."


قالها بنبرة تردد ناظرا لعينيها التي امتلأت بالدموع وقولها الذي خرج منها بصعوبة كبيرة "حب السذاجة والغباء والضعف، حب اللاشيء"


رد عليها بضيق ما يشعر به من غيره وحزن

"يبدو انه كان كبير وقوي بقوة جرحك العميق"


رفعت نظرها نحوه 

"وأكثر من ذلك، أنت لا تعلم كم دفعت ثمن هذا الحب من بكاء وحزن وقهر واعتزال، وبالأخير اتضح انني كنت ساذجة غبية ضعيفة لا استحق أي نجاح مما وصلت له، اثق بالناس واعطيهم قدر أكبر من قدرهم وهم لا يستحقون حتى النظر لهم من بعيد، صدقت امي بنظرتها الأولى له، صدقت بكل كلمة قالتها بحق زواجنا، يا ليتني استمعت لها في ذلك اليوم، يا ليتني نظرت بعيونها ما كنت سأشعر بما أشعر به اليوم، او على الأقل ربع ما اشعر به"


رد عليها بصوت متأثر بحديثها

"امتلكني شعور معرفة ما قالته أمك لكِ بهذا اليوم، أتمنى ان يأتي يوم واستمع لباقي القصة الغريبة، فمن المؤسف ان ينتهي الحب بالموت ويترك بقلوبنا أثر كبير لمن نحب ولكن من الغريب ان تشعري بالسذاجة والضعف والغباء وكأنه تم خداعك وخيانتك بموته، او كأنه لديه يد في اقحامك بقصة زواجك من خليل، كون الجميع صمت ورضخ للحدث الجلل لا يعطيكِ الحق بظلم عمتك في أنها لم تدافع عن خطيبة ابنها المتوفى"


نظرت بعيونها الممتلئة بالدموع

 "ولكنه لم يمت، اتضح انه لم يمت، كانت كذبة كبيرة، هو حي يرزق يتنفس ألوان الحرية والسعادة والانتصارات بحياته وانا من عاش لسنوات احمل حزن الفقد بقلبي، انا من ضحي بي دون سند"


تحرك بجلسته على مقعده متسائلا باهتمام كبير

"ألم تقولي أنه توفى بعد خطبتك بثلاث شهور"


تنهدت بنار صدرها  قائلة

"نعم هذا ما صُدمت به صدفة أثناء عملي في أوكرانيا، دخلت الخيمة بسرعة لإنقاذ مريض في حالة صعبة لأجده هو أمامي، لم اصدق عيناي حين ذلك اصبن بحالة من الاندهاش والصدمة لم اصب بهم من قبل، بدأت عملي بسرعه بعد أن سمعت صوت الممرضة التي بجواري يأتيني من مكان بعيد " النبض ينخفض يا دكتورة"، بدأت عملي السريع حتى انتهيت وهربت من الخيمة لالتقط انفاسي بالخارج، كذبت حدسي وقلبي وقلت انه يشبهه ولكني عندما عدت من جديد تأكدت من هويته، لما الكذب هو من اكد لي بكل برود وكأن شيئا لم يكن وكأننا لم نفترق او نرتبط بعقد قران ابدا تحدث ببرود وهدوء و وجه مبتسم يحكي لي عن ابنه الذي يشبهني بنجاحه وتميزه وزوجته التي أنجبت له ثلاث أولاد"


ذرفت عينيها دموع القهر والحزن وهي تنظر له قائلة 

"صمتت عمتي وهي تراني وانا يقذف بي في النار، كلمة واحدة منها كفيلة ان تنهي ما عايشته قبل البدء به، كلمة واحدة كانت كفيلة بتغيير مجرى حياتي كلها"


رفعت يدها لتضعها على قلبها قائلة 

"كلمة واحدة كانت كفيلة بإنعاش قلبي قبل موته للابد، على الأقل ما كنت سأبكي كلما تذكرت ما مضى، كنت سأكون اقوى، كنت سأحب نفسي وحياتي، كلمة واحدة منها كانت كفيلة بأن أرى الحياة بألوانها الزاهية، كفيلة ان ارحم من الكسر والذل والقهر والندم والانهيار، ان وقفت بجانبي يومها ما كنت شعرت بالوحدة التي فترت فؤادي"


تحركت لتعود لغرفتها ناسية امر قدمها، فزع من مكانه ليمسك ذراعها.


دخلت بحضنه وهي تبكي بحرقه وقهر ومرارة الأيام لم يستطع هذه المرة ضمها ظل على حاله ينظر للأمام بوجه وحلق محتقنين بألم ما يشعر به.


فمن الصعب على قلبه العاشق تحمل حقيقة حبها لشخص اخر وبكائها عليه لهذه الدرجة، سمع صوت امه واخته يقتربان من الصالون وهنا اسرع بحملها وادخالها الغرفة كي لا يروها بهذه الحالة.


اغلق الباب خلفه بقدمه واقترب من الفراش ليضعها عليه وهو يستمع لصوتها 

"قلبي يؤلمني، ما عساي ان افعل لتضميد جراحه يا تيّم، أتمنى لو ان هناك دواء يريحني مما أشعر به"


نظر لعينيها القريبة منه دون تركها على الفراش متسائلا 

"هل لهذه الدرجة كنتِ تحبينه؟"


هزت راسها بالنفي  

"ما أشعر به ليس بألم حب لقد تعدى قلبي هذه المشاعر، لماذا لم يفهمني احد، لماذا لم يشعر بي احد، لقد فقدت قلبي ومشاعري وفؤادي وحياتي من ورائهم، أعيش بوحدة وعزله وكسرة من وراء خذلانهم، ان رأيت كم كان مرتاح وهادئ كنت اعطيتني الحق في ان اكره نفسي مليون مرة كلما تذكرته وتذكرت مشاعري الساذجة تجاهه"


رد عليها وهو يحرك ذراعيه من اسفلها كي يتركها على الفراش قائلا

 "دوائك النسيان، الذكريات لم تجلب لكِ الا الحزن"


لم تُحرر رقبته من التفاف يديها حولهم ظلت متمسكة بقربه وهي تحدثه بدموعها

 "كيف سأنسى وهم لا زالوا يطاردوني كي يزيدوا من ظلمهم علي، كيف سأنسى وهم لا زالوا بحاضري ومستقبلي"


تحرك ليصعد بجوارها على الفراش كي يضمها بصدره متفاجئ بسرعة دخولها  داخل حضنه قبل ان يفعلها هو.


اغلق يديه على ظهرها متحدثًا بصوته الحنون 

"ولكنهم لن يستطيعوا الاقتراب منك من بعد الان، انا موجود بجانبك لن اسمح لاحد ان يقترب منك بأذى لا تقلقي"


بكت في حضنه وهي تقول له

 "لا تتركني له، وان احزنتك او حتى طلبت منك ان تتركني او تبتعد فلا تفعل لا تستمع لي"


ابتسم بحزن وقال 

"هل اعتبر هذا اعتراف صريح بجنونك"


_"انت محق فلقد أصابوني بالجنون أصبحت الشيء وضده بنفس الوقت"


رد عليها ليمازحها ويخرجها مما هي به

"فليحفظ الله علي عقلي قبل ان تفقديني إياه "


رفعت رأسها التي بحضنه كي تقول له وهي تنظر بعينيه

 "أما زلت حزين مني؟"


سألها باستغراب 

"ولما احزن منك"


ردت عليه 

"لما فعلته من جنون حين اقتربت لشعري"


نظر لشعرها قائلا بنبرة مزاح 

"ولكنه يستحق هذا الجنون للدفاع عنه"


صمت قليلا ليكمل بعدها 

"هل رآوه هم أيضا"


عاد صمته نادما على ما قاله، خرجت من حضنه وهي تقول

 "لم يراني أبو بكر بشعري قط، نحن بظل عادات وتقاليد العشيرة لا يرى الزوج زوجته بشعرها الا بليلة زفافهم، أما عن الأخير فلا استطيع نفي لذلك"


"أبو بكر!"

 قالها بصدمته الكبيرة 


ردت بحزنها  الكبير 

"اعتذر منك، اعلم أنه من الصعب عليك معرفة كل هذه الحقائق دفعة واحدة ولكنها حياتي حتى أنني لم اسرد لك تفاصيل عذابي بها، اكتفيت بعناوين صدماتي وقهري وخذلاني كي أؤكد لك انني لا استحق حبك، انت تستحق الأفضل، تستحق من يبدأ حياته معك، يفعل كل ما بوسعه لأجل اسعادك، انت تستحق قلب نقي أبيض يعطيك كل ما بداخله لأجل رضاك  لذلك علينا ان نحافظ على علاقتنا لتستمر على هذا النحو أنا راضية بان أكون بنصف قدر تسنيم لديك"


لم يشاركها حديثها ظل ينظر نحوها بصمت كبير لتكمل هي

 "يكفي ان اشعر أنني لم اعد وحدي بهذه الحياة فلقد اصبح بجانبي اخ قوي يحميني ويساندني ويقويني"


ظل صامت على وضعه حتى سألته

 "أليس كذلك"


وقف وهو يضبط ملابسه قائلا 

"سأذهب للعمل من الممكن ان أتأخر اليوم أيضا"


ردت بسرعه 

"هل ستأتي سندس… "


قطعت باقي سؤالها دون إكمال، استغرب من سؤالها لتكمل هي

 "اعتذر لم اقصد التدخل بأمرك ولكني أتسأل لأجل وضع قدمي"


نظر بعينيها للحظات تحدث بعدها 

"حسنا سأذهب لأنهي بعض الأوراق المهمة واعود إليكِ اعني للمنزل لربما تحتاجي لشيء" 

تحرك متجه نحو باب الغرفة متوقفًا عند سماعه لصوتها وهي ترد عليه

 "سأنتظرك لا تتأخر"


ابتلع ريقه مستدير بوجهه لينظر لها مشيرا براسه بالإيجاب، تحدثت بسرعه قبل خروجه من الغرفة      "هل يمكنني ان اطلب منك بعض التسالي بطريق عودتك"


"تسالي!" قالها باستغراب لتجيبه

 "وماذا تنتظر من المجنون"


ابتسم لها وهو يكمل خروجه

"حفظنا الله من جنونك هذا"


ورغم كل بكائها وغرقها في ذكرايتها الحزينة الا ان وجهها ابتسم بفرح حين رأت ابتسامته التي كانت تدق ناقوس الخطر بقلبها.


نزلت على فراشها لتضع رأسها على الوسادة رافعة الغطاء عليها وهي تحدث نفسها بحزن "ليعطيه الله من تستحق قلبه الحنون هذا"


نزلت دمعة ساخنة من عينيها حين قالت

 "حتى وان كانت سندس"

……..


ظل يتذكر أبو بكر و تواعده له ورغبة عائلتها بإعادة زواجهم من جديد حتى احترق داخله، يعلم انها تتعذب بخذلانهم ومع ذلك لم يستطيع هضم بكائها عليه، عاد للمنزل وبيده التسالي والمكسرات دخل غرفته مباشرةً كي يطمئن عليها دون ان يجدها، سأل ابنة سمراء عنها لتخبرها انها بجانب تسنيم تحرك للجهة المعاكسة مقترب من باب غرفة اخته ليستمع لأصوات ضحكهم بالداخل.


فتح الباب بهدوء ليجد اخته في منتصف أمه وعروسته يشاهدون فيلم مجمع لمقاطع كوميدية مضحكة، ابتهج وجهه لرؤيتهم بهذا الانسجام.


نادته اخته كي يجلس بجانبها جهة سلمى.


دافعت عروسته عن مكانها

"وانا اين سأجلس ان جاء هو مكاني"


تحرك تيّم مغتنم الفرصة ليعطي اخته التسالي والمكسرات جالسا بجوار عروسته محتضنها تحت ذراعه 

"من الواضح ان اختي أصابت بالاختيار هذه المرة"


رفعت سلمى نظرها عليه متحدثه بصوت منخفض

 "ولكنه كان لي"


ابتسم لحالتها بجانبه

 "وضعت نصيبك بغرفتك".


اهتزت بفرحتها لتهز كيانه كله، قبل رأسها محاولا تهدئة قلبه العاشق وهو يتابع معهم الفيلم.


لاحظ انشغال أمه بإرسال الرسائل والتحدث مع اصدقائها على الهاتف، نظر لتسنيم ليجدها بأسعد واهدأ حالاتها اخفض نظره لمن تحت ذراعه متأمل تناولها التسالي بعين تتمنى دوام سعادتهم   "ربي انت تعلم بما في الصدور"


أتت سلمى رساله لهاتفها تحركت من تحت ذراعه بخجل اخذه هاتفها من الطاولة التي أمامهم لتفتحه منصدمة من الجهة المرسلة.


اغلقت هاتفها ناظره له بصمت جعله يشك بأمرها، علا صوت وصول رسالة أخرى لهاتفها جعله يسأل بصوت منخفض

"افتحي الرسالة لعله أمر مهم "


نفت محركة راسها

 "بوقت لاحق …."


صمتت ليزيد صمتها من فضوله وتوالي الرسائل لهاتفها ، تحدثت له 

"يبدوا ان الامر مهم، سأذهب لغرفتي"


تحرك ليحملها مستجيبا لرغبتها، فاجأتهم الام بطلبها منها إكمال الفيلم معهم ليجيب تيّم عوضا عنها  "جاءها عمل مهم يجب ان تتواصل معهم"


دعت امه لهما أثناء خروجهما من الغرفة.


سألها عن المرسل فور وضعها على فراشها لتصدمه بقولها 

"دكتور خليل "


اقترب جالسا بجوارها

 "ماذا يريد "


_" لم أقرأ رسائله بعد"


نظر لهاتفها في إشارة منه ان تفتحه، ترددت بقراءة الرسائل بجانبه ولكنها لم تسطيع فعل  ذلك حين رأت اهتمامه الكبير بأمرها، تفاجأت بأول رسالة 

"السلام عليكم ورحمه الله وبركاته كيف حال من عاهدت الله على إعادتها وحمايتها من العالم كله"


أغلقت هاتفها رافعه نظرها لتيّم 

"لا نريد أن نعكر صفائنا دعك منه"


_" افتحي الهاتف من فضلك" 

قالها بنبرة جادة جعلتها تستسلم ناظره لجلوسه بجانبها وهي تفتح الهاتف ليقرأا به 

" اعلم ان زواجك غير كامل او حقيقي، وهذا ما جعلني أتواصل معك بضمير مرتاح"


نظر تيّم لزوجته متسائلا عن كيفية معرفته لتسرع هي بالمدافعة عن نفسها 

"اقسم أنني لم أخبر أحد بطبيعة زواجنا قط"


نظرا للهاتف مجددا ليكملا القراءة

" حتى يمكنني ان اقولك لكِ انكما ليس معا بنفس المنزل او على الأقل لستم سويًا بنفس الغرفة، فأنا أكثر من يعلم ما بقلبك، لن اعتذر منك ولن اعدك بأي وعود حتى اخذك واحقق لكِ كل ما اريد قوله على ارض الواقع ، اسمحي لي ان أنفذ ما عاهدت الله عليه سأعود لدبي مطلع الشهر المقبل او من الممكن التأجيل حتى منتصفه والى هذا اليوم ستنهين زواجك واعمالك لتأتين بجواري في مملكتك الخاصة منزل كامل من طابقين بجانبه مستشفى كبيرة ستكون علامة من علامات بغداد المميزة، لن اتحدث من الان وصاعد سأجعل افعالي وابنائي منك هم من يتحدثون، سلمى .. لا اعرف كيف سأقولها فنحن لسنا مراهقين ولكنني اقسم لكِ أنك لم تخرجي من قلبي وعقلي منذ اللحظة التي تركتيني بها في منزلك ذاهبه لعملك، سأتحدث لكِ اكثر عن ما حدث لي من عذاب ولكن ليس وقته فلا يحق لي الان وانتِ على عصمة رجل اخر لنصبر كي نتحدث براحة أكثر"


........


يا ترى هيكون ايه ردة فعل تيّم هل هيتقبل حالة خليل المتقلبة 🥺 ام س.......

يتبع ..

رابط كل فصول الرواية

إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. 




منها "رواية حياتي" 



رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..





google-playkhamsatmostaqltradent